بلغة الفقيّة - ج ٢

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٩٥

عن حكم المقيد قرينة مؤكدة لأصالة الاحتراز في القيد.

فالأحسن في الجواب أن يقال (١) ان التجارة التي هي بمعنى التكسب هنا كناية عن السبب الناقل ، وهو في الفضولي مركب من العقد والإجازة ، بناء على النقل أو منه معقبا بلحوقها أو مراعى به بناء على الكشف كما سيأتي وبلحوق الإجازة يصدق عليه أنه تجارة عن تراض ، وقبلها لا تجارة ،

__________________

(١) وببيان آخر : إن الخطاب في الآية الشريفة لمالكي الأموال ، والأكل كناية عن التملك لا مجرد التصرف ، إذ هو غير متوقف جوازه على التجارة عن تراض. ويمكن أن يكون الاستثناء في الآية متصلا ، وان المراد : لا يأكل بعضكم أموال بعض بالنهب والغصب والسرقة والمقامرة وغيرها من الوجوه الواقعة عن غير رضا من مالكي الأموال ، فإنه باطل فقوله «بِالْباطِلِ» بيان لوجه التحريم وعلته وهو المستثنى منه في الآية :

إلا أن تكون بينكم تجارة عن تراض ، على قراءة الرفع ، أو إلا أن تكون الأموال المأكولة والمتملكة بتجارة عن تراض ، على قراءة نصب (تجارة) فيكون النصب بنزع الخافظ ، أو يكون التقدير : إلا أن تكون الأموال أموال تجارة عن تراض ، على حذف المضاف وإقامة المضاف اليه مقامه.

وعلى كل فسواء كان الاستثناء متصلا أو منقطعا فالتجارة عن تراض لم تكن من الباطل ، والاستدلال بالآية على صحة الفضولي لا يتوقف على كون الاستثناء متصلا ، بل يتوقف على بيان أن التجارة الصادرة من الفضولي على مال الغير ، وان لم تكن بمعناها المصدري ـ وهي جهة الإنشاء بالعقد الصادر منه عن رضي ممن ينفذ رضاه ، ولكنها بمعناها الاسم المصدري المنشأ بإنشاء الفضولي ، أعني : انتقال مال المالك الى الغير بعوضه المجاز من قبل المالك ـ هي تجارة له أي للمالك عن رضي منه بها وبمفادها ، فتشملها الآية الشريفة.

٢٢١

لا أنه تجارة لا عن تراض.

وأما السنة ، فأخبار : منها ـ النبوي المروي مستفيضا «لا تبع ما ليس عندك» بناء على إرادة السلطنة من الظرف المضاف ، فيكون النهي عن بيع ما هو خارج عنها الذي منه الفضولي ولا ينقض ببيع الولي والمأذون لتحقق السلطنة لهما عليه.

وفيه ـ مع كونه مرميا بضعف السند لكونه عاميا ومعارضا بما هو أقوى منه سندا ودلالة من النصوص المعتبرة المستفيضة المجوزة لبيع ما ليس عنده المعربة عن كون المنع عنه مذهب العامة ، ففي الصحيح : عمن باع ما ليس عنده؟ قال : لا بأس ، قلت : ان من عندنا يفسده قال ولم قلت :

باع ما ليس عنده ، قال ما يقول في السلف قد باع صاحبه ما ليس عنده (١) الخبر (محمول) على بيع ما يتعذر عليه تسليمه أو يتعسر إرشادا إلى دفع كلفة التسليم ، وليس منه الفضولي مع اجازة المالك أو ينزل على البيع عن نفسه قبل أن يملك ، ثم يمضي ليشتريه من مالكه كما عن (التذكرة) مستدلا عليه بقوله ، لأنه (ص) ذكره جوابا لحكيم بن حزام حيث سأله عن ان يبيع الشي‌ء فيمضي ويشتريه ويسلمه فان هذا البيع غير جائز ولا نعلم فيه

__________________

والحاصل : ان حقيقة التكسب ونتيجة إنشاء الفضولي ـ والعقد الصادر منه ـ وهي المبادلة بين المالين القابلة للاستناد الى المالك بإجازته ـ هي تجارة للمالك لا للفضولي ليقال : إنها لم تكن عن رضي ممن له الرضا والاختيار ولم تكن مشمولة للاية الشريفة.

(١) وبه يظهر ما في كلام شيخنا المرتضى في (مكاسبه) في الجواب عن النبوي قائلاً : ان الظاهر من الموصول هي العين الشخصية للإجماع والنص على جواز بيع الكلي لأنه منه كالاجتهاد في مقابل النص.

(منه دام ظله)

٢٢٢

خلافا للنهي المذكور وللغرر لان صاحبها قد لا يبيعها» انتهى. ولعله يأتي منا مزيد بيان للمنع عن مثل هذا البيع.

ومنها : النبوي الآخر : «لا بيع إلا فيما يملك» بعد قوله (ص) «لا طلاق إلا فيما يملك ولا عتق إلا فيما يملك» الظاهر بقرينة السياق في إرادة الأعم من ملك العين وملك التصرف والعاقد الفضولي ليس بمالك لا للعين ولا للتصرف.

وفيه ـ مع قوة احتمال (١) ارادة نفي البيع عما لا يملك بالبناء للمجهول أو للمعلوم بإرادة نفي المملوكية دون الملك كالحر ونحوه ، أو احتمال نفي البيع قبل أن يملك ثم ملك كالخبر السابق ، أو منزل على ارادة البيع الموجب لترتب الآثار عليه ـ لا تكافئ ما تقدم : من أدلة الصحة من وجوه عديدة.

ومع الغض عما ذكرنا في الخبرين ، ان هما إلا كالعام المخصص بما تقدم من أدلة الصحة لأنها بالنسبة إليها كالخاص بالنسبة إلى العام.

ومنها : صحيحة محمد بن الحسن الصفار : «انه كتب الى أبي محمد العسكري (ع) في رجل باع له قطاع أرضين وعرف حدود القرية الأربعة ، وانما له في هذه القرية قطاع أرضين ، فهل يصلح للمشتري ذلك وانما له بعض هذه القرية وقد أقر له بكلها؟ فوقع (ع) لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك» الخبر بناء على إرادة الفساد من عدم الجواز

__________________

(١) الظاهر ان احتمال ارادة نفي البيع عما لا يملك ـ بالبناء للمجهول أو المعلوم بإرادة نفي المملوكية دون الملك كالحر ونحوه ـ بعيد ، فإن النفي في النبوي المذكور لبيان نفي صحة مدخولة وترتب الأثر عليه بلسان نفي حقيقته ، فهو نفي للحكم بلسان نفي الموضوع لا نفي للموضوع ، وما لا يملك كالحر غير قابل للبيع والعتق ، كما ان غير الزوجة غير قابله للطلاق ، إذ البيع مبادلة مال بمال ، والعتق فك رقبة المملوك ، والطلاق حل ربقة الزوجية.

٢٢٣

الظاهر في التحريم وإرادة الوجوب الشرطي بمعنى الصحة من قوله : وجب الشراء من المالك على ما يملك.

وفيه ـ مع أنها مكاتبة ويحتمل قريبا ارادة النفوذ من الجواز المنفي كما فهمه الأصحاب وبنوا عليه فيمن باع ما يملك وما لا يملك صفقة بالنفوذ في الأول وتوقفه في الثاني على اجازة المالك ، وإطلاقه عليه شائع في كلامهم ومنه قولهم : إقرار العقلاء على أنفسهم جائز أي نافذ ـ أنها محمولة على إرادة الصلاحية التي توجب النقل والانتقال وترتب الآثار على ذلك.

ومنها : صحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل قال : «سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن رجل اشترى من امرأته من آل فلان بعض قطائعهم ، وكتب عليها كتابا بأنها قد قبضت المال ولم تقبضه ، فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال : قل له ليمنعها أشد المنع ، فإنها باعت مالا تملكه» الخبر

ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في حديث قال فيه : «سأله رجل من أهل النيل عن أرض شراها بفهم النيل ، وهل الأرض يقولون : هي أرضهم وأهل الأسنان يقولون : هي أرضنا؟ قال لا نشترها إلا برضاء أهلها» الخبر.

ومنها : موثقة سماعة قال : «سألته عن شراء الخيانة والسرقة؟ قال إذا عرفت أنه كذلك فلا» الخبر.

ومنها : ما رواه في الاحتجاج مما خرج من الناحية المقدسة في توقيعات محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري في السؤال عن ضيعة السلطان فيها حصة مغصوبة ، فهل يجوز شراؤها من السلطان أم لا؟ فأجاب (ع):

«الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو برضا منه» الخبر

ومنها : ما عن (الفقيه) بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق (ع) عن آبائه (ع) عن رسول الله (ص) في حديث

٢٢٤

المناهي قال : «ومن اشترى خيانة فهو كالذي خانها» الخبر.

ومنها ما رواه الشيخ عن أبي بصير قال : «سألت أحدهما (ع) عن شراء الخيانة والسرقة؟ قال لا» الخبر

ومنها ـ ما رواه عن جراح عن أبي عبد الله (ع) قال : «لا يصلح شراء الخيانة والسرقة إذا عرفت» الخبر

ومنها ـ ما عن قرب الاسناد بسنده عن علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال : سألته عن رجل سرق جارية ثم باعها يحل فرجها لمن اشتراها؟ قال : إذا أنبأهم أنها سرقة فلا تحل وان لم يعلم فلا بأس».

والجواب عن هذه الطائفة من الأخبار التي أوردها في (الحدائق) مستدلا بها على مختاره من بطلان الفضولي حتى كأنه عثر على ما لم يعثر عليه من قبله متبجحا بها عليهم : أنها ظاهرة بقرينة السياق في إرادة التملك من الابتياع المذكور ولزومه وترتب الآثار عليه على حد الابتياع من المالك لمن نظر إليها بعين الإنصاف وجانب طريق الاعتساف ، مضافا الى أن صحيحة ابن فضيل انما تضمنت السؤال والجواب عن إعطاء المال للفضولي وهو ممنوع عنه حتى على القول بالصحة أيضا : والى أن صحيحة محمد بن مسلم مفروض فيها التنازع بين أهلها الظاهر في الرد وعدم الإجازة ممن لم يقع الاشتراء منه (ودعوى) ظهور حصر الجواز في المستثنى في الجواب على سبق الاذن دون لحوقه (مردودة) على مدعيها ، وابن ذلك من من محل النزاع في قابلية عقد الفضولي وتأثيره بلحوق الإجازة وعدمها.

وأما الإجماع فهو محكي عن الشيخ في (الخلاف) وابن زهرة في (الغنية) مؤيدا بدعوى الحلي في مضاربة (السرائر) عدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب بعين المغصوب.

وفيه ـ مع أنه موهون بمصير المعظم ، بل المشهور على الخلاف ، بل

٢٢٥

الشيخ هو أفتى بالصحة في (نهايته) الذي قيل : إنها آخر كتبه ولعل فتواه بها فيها تعطى كون الإجماع منه منقولا لا محصلا له ، بل لم تنسب الفتوى بالبطلان الى غير مدعيه ، والحلي من القدماء ، بل المحكي عنهم القول بالصحة بل عن ظاهر (التذكرة) دعوى الإجماع عليه ـ أنه لا يكافئ ما تقدم من أدلة الصحة ، وان ذهب اليه بعض متأخري المتأخرين على ما حكى عنهم كالفخر والسيد الداماد والمقدس الأردبيلي والحر في (وسائله) والبحراني في (حدائقه) وقواه جدنا في (مصابيحه).

وأما العقل فتقريره ـ على ما قيل بتوضيح منا ـ هو : ان الفضولي متصرف في مال الغير بالعقد عليه بغير اذنه ، والتصرف في مال الغير كذلك قبيح عقلا ونقلا ، ففي التوقيع المروي عن الاحتجاج «لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه».

بيان ذلك : ان العقد حسب ما عرفت معناه الربط بين العوضين بالتبديل بينهما غير أنه ان كان من غير المالك ومن بحكمه كان ذلك الربط ناقصا وضعيفا يتم ويقوى بإجازة المالك وان كان منه كان قويا تاما بحيث يترتب عليه أثره من النقل والانتقال ، وهذا الأمر الحادث في مال الغير تصرف فيه في الواقع لا بالتسامح العرفي وهو محرم منهي عنه ، والنهى يقتضي الفساد فالقول بالصحة الموجبة لما يقتضي الفساد يستلزم القول بعدمها ، فهو من قبيل ما يلزم من وجوده عدمه وما كان كذلك كان باطلا بالضرورة.

وبهذا التقرير يتضح لك بطلان قياسه بالاستضائة والاصطلاء بنور الغير وناره لأن المقيس عليه من الانتفاع بمال الغير المجرد عن التصرف فيه بخلاف المقيس الذي هو من التصرف فيه حقيقة ـ كما عرفت ـ ولا ملازمة بينهما وأن إحراز الإذن بهذا النحو من التصرف من الحال أو المقال لا يخرجه عن الفضولي بالاتفاق وأنه محرم وان لم يقصد ترتب الأثر عليه لكونه بنفسه

٢٢٦

تصرفا ولا يعترف به القائل بالصحة.

ومنه يظهر لك مواقع التأمل ـ بل النظر ـ في كلام شيخنا في (المكاسب) حيث قال ـ في الجواب عنه ما لفظه ـ «والجواب ان العقد على مال الغير متوقعا لإجازته غير قاصد لترتيب الآثار عليه ليس تصرفا فيه ـ الى أن قال ـ ثم لو فرض كونه تصرفا فمما استقل العقل بجوازه مثل الاستضائة والاصطلاء بنور الغير وناره مع انه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الاذن في هذا من المقال أو الحال بناء على أن ذلك لا يخرجه عن الفضولي ، مع أن تحريمه لا يدل على الفساد ، مع أنه لو دل لدل على بطلان البيع بمعنى عدم ترتب الأثر عليه وعدم استقلاله في ذلك ولا ينكره القائل بالصحة» انتهى فالأحسن أن يجاب عنه ـ كما ذكروه في طي أجوبتهم ـ أولا ـ بعدم الدليل على حرمة هذا النحو من التصرف ، لا عقلا لعدم حكمه بحرمته ، ولا نقلا لعدم انصراف التصرف فيه الى مثل ذلك ، وثانيا ـ بعدم دلالة النهي التحريمي على الفساد وإن تعلق بذات المعاملة مطلقا سواء كان لمبغوضية ذاته بذاته ، ومن حيث كونه فعلا من الأفعال كعقد المحرم أو المعتكف على الأجنبية أو لاستلزامه العنوان المحرم كالبيع وقت النداء المستلزم لتفويت الجمعة أو لمبغوضية أثره المترتب عليه كبيع المصحف أو المسلم من الكافر بناء على تملكه وجبره بالخروج عن ملكه بخلاف ما كان منه إرشادا الى عدم ترتب الأثر عليه ، فان النواهي الإرشادية تقتضي الفساد قطعا بعد أن كان معنى الفساد في المعاملة عدم ترتب الأثر عليها ، وأكثر ما ورد من النواهي في المعاملات من القسم الأخير ، ولذا قيل بالحمل عليه عند الشك فيه ، لان الظن بالشي‌ء يلحق بالأعم الأغلب وان كان حقيقة في التحريم ، وتفصيل الكلام فيه موكول الى محله وكيف كان فلو سلم التحريم فلا نسلم اقتضاءه الفساد هذا.

٢٢٧

وقد استدل بعض (١) للقول بالبطلان بوجهين آخرين :

الأول ـ ان القدرة على التسليم شرط في صحة البيع بالإجماع المستفيض وهي مفقودة في الفضولي ، لأنه فعل المالك دون العاقد الفضولي.

وفيه ـ أولا أنه مبني على شرطية القدرة لا مانعية العجز ، وهو غير معلوم ، وان طفحت بالأول عباراتهم واشتملت عليه معاقد إجماعاتهم إلا أنه من المحتمل قويا ـ كما في الجواهر ـ إرادة مانعية العجز منه ولو بقرينة تمثيلهم لما لا يكون مقدورا ببيع السمك في الماء ، والطير في الهواء ونحوهما مما يوجب الياس من حصوله ، واختلافهم في صحة بيع الضال والضالة ونحوهما مما يرجى حصوله مع عدمها حال البيع وتظهر الثمرة في المشكوك فيه ، فيبطل على الأول ، ويصح على الثاني ومنه الفضولي المتوقع للإجازة والمقصود من مانعية العجز مانعية أثره الحاصل من العلم به وهو اليأس الذي هو أمر وجودي لكونه من الصفات النفسانية تحدث بحدوث سببه وبذلك يظهر ضعف ما قيل في الرد عليه : من أن العجز الذي معناه عدم القدرة أمر عدمي لا يصلح لصدق المانعية عليه بعد ان كان المانع ما يلزم من وجوده العدم.

وثانيا ـ لو سلمنا شرطية القدرة فلا نسلم اعتبارها في مطلق العاقد ، وإلا لبطل أغلب الوكالات وهي الواقعة على مجرد العقد وإجزائه دون لوازمه ، وانما المعتبر فيها قدرة الموكل دون العاقد الوكيل ، وليس الا من جهة عدم مدخلية الوكيل في لوازم العقد من التسليم ونحوه ، فعدم اعتبار القدرة في الوكيل المزبور لعدم مدخليته في التسليم لا لوكالته على العقد وهذه الجهة السلبية مشتركة الورود بين الوكيل والفضولي (ودعوى)

__________________

(١) المقصود به جدنا الأعلى ـ قدس سره ـ السيد بحر العلوم ، ذكره في (مصابيحه) الذي لا يزال مخطوطا.

٢٢٨

اختصاص تأثير قدرة الموكل بما لو بنى عليها عقد الوكيل (ضعيفة) بل ممنوعة بل هي المعتبرة في الصحة مطلقا ، لأنه المأمور بالوفاء به إلا إذا بنى العقد على قدرة الوكيل على التسليم ، كضعف دعوى الفرق بينهما : بأن عقد الوكيل عقد الموكل بعد تنزيل ذاته منزلة ذاته بالوكالة أو فعله منزلة فعله ولا كذلك الفضولي ، كيف ولو كان الوجه ذلك لكان الأحسن أن يستدلوا على الاكتفاء بقدرة الموكل في نحو ذلك بأنه العاقد ، لا بأنه المأمور بالوفاء هذا مع ان الظاهر من عباراتهم كون المعتبر في الصحة وجود القدرة في الواقع دون القدرة المعلومة ، خلافا لجدنا في (المصابيح) فاعتبر القدرة المعلومة في الصحة والظاهر أن العلم بها شرط للحكم بالصحة دون نفس الصحة وحينئذ فاما أن يعلم بها أو يعلم عدمها أولا يعلم. وعلى التقادير الثلاث ، فاما ان يصادف وجودها في الواقع أو يصادف عدمها.

فان علم بها وكانت موجودة في الواقع صح على التقديرين كما أنه يبطل كذلك لو كانت مفقودة لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

وان علم عدمها وكانت مفقودة في الواقع بطل أيضا لانتفاء الشرط على القولين وان صادف وجود المانع أيضا وهو اليأس الحاصل من العلم به على ما قويناه من احتمال مانعية العجز غير أن الحكم بالبطلان حينئذ مسبب عن عدم الشرط دون وجود المانع.

وان كانت موجودة في الواقع مع العلم بعدمها بطل عندنا لوجود المانع وهو اليأس ، لا لانتفاء الشرط وهو القدرة لانكشاف وجوده ، وعند جدنا ، لانتفاء الشرط ولو بانتفاء جزئه وهو وصف العلم.

وان كان لا يعلم وصادف عدمها في الواقع بطل على القولين لانتفاء الشرط ولو بانتفاء جزئه على التقديرين ، وان صادف وجودها بطل لانتفاء الشرط بناء على أنه القدرة المعلومة. وصح عندنا لوجود الشرط وهو القدرة في الواقع وعدم المانع وهو اليأس.

٢٢٩

ثم ان المدار في وجود الشرط على وجوده عند استحقاق التسليم لكونه مقدمة له لتوقفه عليه لا حال العقد ، فلو تجددت القدرة بعد العقد قبل زمان التسليم صح العقد ما لم يعلم عدمه حال العقد ، وإلا بطل لوجود اليأس المانع عن الصحة حين الاقدام على العقد لدخوله معه في السفه الموجب لبطلانه ، بل هو المتيقن إرادته من الغرر المنهي عنه في النبوي المشهور بين الفريقين ، لا مطلق ما كان فيه خطر كما يظهر من تفسير بعض له بالخطر لانتقاضه بصحة جملة من الموارد الخطرية على ما صرح بها غير واحد من الأصحاب فالظاهر كون المراد من الغرر المنهي عنه الخطر المفضي إلى السفه أو التخاصم.

هذا وبعد الإحاطة بما ذكرنا في الجواب عن الدليل المذكور يتضح لك مواقع التأمل في كلام جدنا ـ قدس سره ـ (في المصابيح) عند ترجيحه لبطلان الفضولي ما لفظه : «تكميل القدرة على التسليم التي هي شرط في البيع هي القدرة المعلومة للمتبايعين حال العقد دون القدرة الواقعية لأن الغرر لا يندفع بمصادفة الواقع وانما يرتفع بالعلم ، فلو باع ما لا يعلم حصولها فيه بطل البيع وان قدر عليه بعده ولو باع ما يعتقد تمكنه منه صح وان تجدد العجز والمعتبر في العلم الوثوق بالتمكن فلا يشترط اليقين ولا يكفى فيه مطلق الظن ، ثم القدرة المعتبرة هي قدرة العاقد إذا كان مالكا ووليا أو وكيلا في البيع ولوازمه ، اما إذا كان وكيلا على خصوص العقد وإجراء الصيغة فالشرط قدرة الموكل لأنه المطالب بالتسليم دون الوكيل. وتظهر الفائدة فيما إذا قدر أحدهما على التسليم دون الأخر ، فإنه ان كان الموكل صح البيع ، والا بطل ، ولو كان أحد المتعاقدين وكيلا على البيع وما يتبعه من اللوازم وعلم الآخر بذلك ورضي بتسليم الموكل كفى في صحة البيع قدرة أحدهما إذا رضي الموكل برجوعه عليه فلو عجزا معا بطل البيع. وأما الفضولي

٢٣٠

فهذا الشرط غير متحقق فيه. ومن ثم نرجح بطلانه ، وذلك لان اجازة المالك غير معلومة الحصول إذ قد لا تحصل القدرة على التسليم مطلقا وقد تحصل لكن بالقياس الى نفس العقد دون لوازمه ، فلا تحصل من العاقد ، وقدرة المالك انما تؤثر لو بنى عليها العقد وحصل التراضي بها حال البيع لما عرفت أن بيع المأذون لا يكفى فيه قدرة الآذن مطلقا ، بل مع الشرط المذكور وهو غير متحقق في الفضولي ، والبناء على القدرة الواقعية باطل إذ القدرة المشروطة هي القدرة المعلومة دون الواقعية ـ كما سبق بيانه ـ والقدرة الواقعية انما تتحقق حال الإجازة لا قبلها ، ضرورة أن الإجازة اللاحقة لا تؤثر القدرة السابقة ، والمعتبر من القدرة ـ على ما ستعرفه ـ ما كان حال البيع أو قريبا منه في البيع الحال وعند حلول الأجل وما يقرب منه في المؤجل ، ولا ريب أن ذلك غير حاصل في بيع الفضولي ، والتأجيل بالإجازة غير مأخوذة في العقد ولو اشترط لم يصح لجهالة الأجل والحاصل ان القدرة قبل الإجازة لم توجد وبعدها ان وجدت فلا تنفع» انتهى.

الثاني من الوجهين ـ : أن الفضولي غير قاصد حقيقة إلى مدلول اللفظ كالمكره كما صرح به في (المسالك).

وفيه ـ انه قاصد للإنشاء وان علم بعدم ترتب الأثر على إنشائه ما لم تلحقه الإجازة ، وهذا القدر من القصد كاف في الصحة التي هي بمعنى القابلية ، فهو كبيع المكره الذي لا إشكال في كونه قاصدا لمعنى الإنشاء حقيقة من الكلام الإنشائي ، غير أنه لم يكن مريدا لوقوع أثره في الخارج فاذا تعقبه الرضا الذي هو شرط الصحة بحكم قوله «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» وغيره ، صح على المشهور ، وليس إلا لتحقق الإنشاء المقصود أولا وتحقق الرضا المعتبر في الصحة بعده ، واعتبار المقارنة بينهما منفي بالأصل حسبما تكرر بيانه.

٢٣١

وبذلك يظهر ضعف ما ذكره الشهيدان وغيرهما : من أن المكره قاصد للفظ دون مدلوله.

اللهم إلا أن يؤول كلامهم ـ ولو بالتكلف ـ الى ما ذكرناه ، كيف والهازل الذي هو دونه قاصد الى اللفظ ومدلوله لكن بإرادة صورية ، وبذلك امتاز الهازل عن الملقن كالصبي ونحوه القاصد الى اللفظ دون المعنى وامتاز الملقن عن الغالط الذي لا قصد له الى اللفظ أيضا ، فمراتب الكلام مع القصد وعدمه متعددة ، وهي مرتبة الغالط وهو الذي لا قصد له للفظ ولا للمعنى ومرتبة الملقن ونحوه وهو القاصد للفظ دون المعنى ، ومرتبة الهازل وهو القاصد للفظ والمعنى قصدا صوريا ولذا لو تعقب الرضا بعد الهزل لا يجدي في الصحة لعدم الإنشاء حين الهزل حقيقة ، والرضا ليس بإنشاء ، والأثر مترتب على الإنشاء ، ومرتبة المكره وهو القاصد الى اللفظ والمعنى الإنشائي قصدا حقيقيا إلا انه لم يكن ذلك منه عن طيب ورضاء ، فإذا رضي بالإنشاء المتقدم اجتمعت فيه شرائط الصحة ، ويشهد لما ذكرنا إخراجهم بيع المكره بقيد الاختيار في شرائط المتعاقدين دون القصد ، وبه أخرجوا الملقن والهازل والفضولي كالمكره في تحقق قصد الإنشاء منه حقيقة ، بل مع الرضا أيضا إلا أن المعتبر رضا المالك دون رضاه ولذا أخرجوه بقيد الملك في شرائط المتعاقدين ، فإذا أجاز المالك الإنشاء المقصود من الفضولي اجتمعت في عقده شرائط الصحة الفعلية.

فقد ظهر مما ذكرنا فساد ما استدلوا به على البطلان مطلقا ولم يبق إلا الأصل المخرج عنه بما ذكرنا من أدلة الصحة.

احتج من فصل بين سبق المنع وعدمه فحكم بالبطلان في الأول وبالصحة في الثاني بما يرجع محصله في الأول مرة ـ الى عدم الدليل على الصحة بعد أن كان مقتضى الأصل هو الفساد بناء على عدم الدليل المخرج

٢٣٢

عنه الا حديث عروة البارقي المختص بغير المقام ، وأخرى ـ إلى وجود الدليل على البطلان ، وهو بقاء المنع الى ما بعد العقد ولو بآن ما ، فيكون ردا بعد العقد الموجب لسقوط الإجازة عن التأثير في نفوذه بالاتفاق.

والجواب : أما عن الأول ، فبقيام تلك الأدلة المتقدمة من العمومات والإطلاقات الشاملة له بإطلاقها بل بعموم ترك الاستفصال في بعضها ، مع ان جملة منها كالصريحة بعدم الرضا بذلك كرواية جحود الودعي وما تضمن صورة تعدى عامل مال المضاربة عما عينه وأمر به رب المال فتأمل ، الكافي بعضها للخروج به عن الأصل فضلا عن مجموعها.

وأما عن الثاني فبمنع كون الباقي بعد العقد هو المنع وانما هو مجرد عدم الرضا بعد أن كان الرد معناه حل العقد وإبطال ما حصل به من الربط فهو بمعنى الفسخ وهو ليس برد غير أنه جرى الاصطلاح في تسمية ما كان منه بعد العقد المؤثر للربط التام فسخا ، وتسمية ما كان منه بعد العقد المؤثر للربط في الجملة ردا فالرد كالفسخ محتاج في تحققه إلى إنشاء مفقود بالفرض بعد العقد ، فالباقي وهو الكراهة غير الرد ، والرد غير موجود بعد العقد حتى لا تؤثر الإجازة فيه لزوما.

واحتج المفصل بين ما لو قصد البيع لنفسه أو للمالك بوجود ما يمنع من الصحة في الأول من عدم القصد إلى المعاوضة حقيقة لأن المعاوضة التي هي بمعنى المبادلة بين المالين المستلزمة لدخول أحدهما في ملك مالك الآخر غير مقصودة للعاقد ، والمقصود له من وقوع البيع لنفسه غير معاوضة بين المالين بل هو من التسليط بإزاء التسليط وليس مطلق التسليط المقابل بمثله من المعاوضة حقيقة.

وفيه ـ ان قصد البيع متضمن لقصد نقل المال عن مالكه (١) وهذا

__________________

(١) منشأ إشكال المفصل : هو ان حقيقة البيع تبديل طرف إضافة

٢٣٣

القدر كاف في تحقق ماهيته وتعيين المالك غير معتبر في تحقق حقيقة البيع كما نص عليه غير واحد من الأصحاب ، فكما لا يجب تعيينه لا يضر الخطأ فيه.

وبالجملة لما كان قصد البيع مستلزما لقصد نقل المبيع عن مالكه تحققت المعاوضة حقيقة وان انضم اليه قصد وقوعه عن نفسه أو لنفسه ـ بعد ما عرفت من خروج قصد المنتقل عنه بل المنتقل إليه أيضا عن حقيقة البيع وماهيته.

__________________

المالك للمثمن بطرف إضافة المالك للثمن ، وهو معنى المبادلة بين المالين المستلزم لدخول كل منهما في ملك مالك الآخر فقصد حقيقة البيع انما يتحقق بقصد البائع خروج المثمن من ملك مالكه ودخوله في ملك مالك الثمن. وخروج الثمن من ملك مالكه ودخوله في ملك مالك المثمن ، فيكون كل من المثمن والثمن بدلا وعوضا عن الآخر.

إذا تبين هذا ، فالفضولي إذا قصد ببيعه كونه للمالك فقد قصد حقيقة البيع والمبادلة فلو قبل المشتري بيعه وتعقب ذلك بإجازة المالك تتم المبادلة لمالك المثمن وتستند اليه ، وأما لو قصد البيع لنفسه بأن قصد بإنشائه خروج المثمن من ملك مالكه ودخوله في ملك مالك الثمن وخروج الثمن من ملك مالكه ودخوله في ملك نفسه لا في ملك المالك للمثمن ، فلم يكن قاصدا حقيقة المعاوضة بإنشائه ، فلو قبل المشترى ما أنشأه وتعقب ذلك اجازة المالك لتلك المبادلة ، فإن أجازها على ما قصده الفضولي لم تكن اجازة للبيع على حقيقته ، وان أجازها لنفسه لم يكن اجازة لما أنشأ الفضولي.

هذا حاصل ما ذكره المفصل من التفرقة بين صورة قصد الفضولي البيع لنفسه وبين قصده البيع للمالك وان البائع في الصورة الأولى لم يقصد البيع على حقيقته واجازة المالك لما قصده البائع الفضولي على ما قصده لم تكن اجازة للبيع على حقيقته ، وأجازته البيع لنفسه لم تتعلق ببيع الفضولي

٢٣٤

هذا وما ذكرناه اولى مما أجاب عنه شيخنا المرتضى في (مكاسبه) بما لفظه : «ان قصد المعاوضة الحقيقية مبني على جعل الغاصب نفسه مالكا حقيقيا وان كان هذا الجعل لا حقيقة له ، لكن المعاوضة المبنية على هذا

__________________

وانما هي اجازة مبادلة لم تقع من الفضولي. وهو تفصيل موجه. وما يقوله سيدنا ـ قده ـ في دفع احتجاجه وتفصيله : بأن قصد البيع متضمن لقصد نقل المال عن مالكه وهذا القدر كاف في تحقق ماهيته وتعيين المالك غير معتبر في تحقق حقيقة البيع ، لا يدفع غائلة إشكال المفصل ، إذ ليس الكلام في قصد نقل المال عن مالكه حتى يقال بان قصد البيع متضمن له ، وهو كاف في تحقق ماهيته ولا في اعتبار تعيين المالك حتى يقال بعدم اعتباره في تحقق حقيقة البيع وكل ذلك مسلم بلا كلام ، انما الكلام في أن البيع بناء على ان حقيقته تبديل طرف اضافة مالك المثمن بطرف إضافة مالك الثمن وجعل كل منهما مكان الآخر لا مطلق تبديل اضافة بإضافة أخرى ، وهو من الإنشائيات التي لا تتحقق الا بالقصد لا من الواقعيات التي يمكن تحققها بلا قصد إليها. وعليه فتحقق البيع انما يكون بقصد البائع نقل المثمن من ملك مالكه الى ملك مالك الثمن ونقل الثمن من ملك مالكه الى مالك المثمن بدلا عما دخل في ملكه من المثمن ، فمع تحقق هذا المعنى بإنشاء البائع الفضولي وقبول المشتري الأصيل لما أنشأ البائع يتحقق البيع على حقيقته ، فاذا تعقبه اجازة المالك للمبيع واستند البيع اليه بها ، تم البيع له بناء على صحة بيع الفضولي بإجازة المالك ، وأما لو قصد البائع الفضولي نقل المثمن من مالكه الى ملك المشترى ونقل الثمن من مالكه الى نفسه لا الى مالك المثمن وقبل المشترى ما أنشأه فلو أجاز المالك بيع الفضولي على ما قصده لم يكن إجازة للبيع على حقيقته ، وان اجازة لنفسه لم يكن اجازة لبيع الفضولي.

هذا محصل اشكال المفصل. وما ذكره سيدنا ـ قده ـ غير دافع

٢٣٥

الأمر غير الحقيقي حقيقة ، نظير المجاز إلا دعائي في الأصول ، نعم لو باع لنفسه من دون بناء على ملكية المثمن ولا اعتقاد له كانت المعاملة باطلة

__________________

له ، وعليه فينحصر دفع اشكال بيع الفضولي لنفسه بما ذكره شيخنا الأنصاري ـ قده ـ وحاصله : ان الفضولي القاصد نقل مال المالك لنفسه اما أن يكون معتقدا كون المال له اشتباها أو يعلم كونه للمالك ولكنه غاصب له ، وهذا على قسمين : فتارة ـ يكون من الظلمة والسراق وذوي النهب والغارات ممن يرى ادعاء أن المال له ولا يفرق بين مال نفسه وبين ما تحت يده من المال المغصوب ، وبناء على ذلك الادعاء يوقع التصرفات المتوقفة على الملك عليه كما يوقعها على ماله الحقيقي بلا فرق بينهما ، واخرى ـ لا يكون من أولئك بل يرى أن المال الذي تحت يديه لغيره وانه غير مستحق له ولا للتصرف فيه ولكنه مع ذلك يتصرف فيه بالبيع والشراء عدوانا وعصيانا.

هذه صور بيع الفضولي لنفسه. أما في الصورة الاولى ، بل وكذا الثانية ، فيمكن دفع إشكال المفصل بأن يقال : ان المعتقد اشتباها أن المال له يوقع المعاوضة عليه بما أنه ماله ففي مقام البيع بقصد المعاوضة على حقيقتها بإخراج المال عن ملكه بما هو مالك له الى ملك المشتري فيدخل الثمن في ملك مالك المثمن عوضا عما خرج من مالك المثمن الى مالك الثمن ، وكذا يقال في الغاصب الذي غصب الإضافة من مالكها بغصبه للمال وادعاء أنه له كسائر أمواله فيوقع المعاوضة عليه كما يوقعها على سائر أمواله المملوكة له فإنه لما بنى على كون مال المغصوب منه مالا له ادعاء وتجبرا فعند إيقاع المعاوضة عليه لنفسه يقصدها على حقيقتها فيخرج المثمن من مالكه الى مالك الثمن ويدخل بدله في ملك مالك المثمن بما انه مالك له ادعاء ، فهو ـ كما ذكرنا في سابقه لدى التحليل ـ قاصد لكون المعاوضة للمالك ، فالغاء

٢٣٦

غير واقعة له ولا للمالك لعدم تحقق معنى المعاوضة ، ولذا ذكروا : انه لو اشترى بماله لغيره شيئا بطل ولم يقع له ولا لغيره» انتهى (١) ومنشأ الأولوية غلبة وقوع البيع من الغاصبين مجردا عن سبق التنزيل المذكور بالوجدان ، اللهم إلا ان يرجع كلامه ـ ولو بالتكلف ـ الى ما ذكرناه

__________________

جهة مالكيته المدعاة لكونها خلاف الواقع لا يمنع من صحة المعاوضة للمالك الحقيقي لو قبلها الأصيل وأجازها المالك له لا للغاصب. ثم ان البناء المذكور من هذا الغاصب وجعل نفسه مالكا ادعاء انما يكون عند غصبه واستيلائه على المال بلا حاجة الى الجعل عند المعاوضة والالتفات اليه ، فلا يقال : ان الغالب وقوع البيع من الغاصبين مجردا عن سبق التنزيل بالوجدان.

وبالجملة ففي الصورتين المزبورتين يمكن تصحيح المعاوضة للمالك بإجازته كما لو قصدها الفضولي ابتداء له وأما الصورة الثالثة وهي : قصد الغاصب إخراج المال من ملك المغصوب منه وإدخال ثمنه في ملك نفسه فلا يمكن تصحيحها بوجه. نعم بناء على القول بإمكان تحقق المعاوضة بخروج المعوض من ملك شخص ودخول العوض في ملك آخر ـ كما هو المحكى عن القطب والشهيد ـ قدس سرهما ـ في باب بيع الغاصب ـ يتجه ذلك ، لكنه خلاف ما بنينا عليه من مذهب المشهور.

(١) قد اتضح مما ذكرناه ـ في التعليقة السابقة ـ الجواب عن إشكال بيع الغاصب ، لكن لا بأس بتكرار الكلام لما في ذلك من زيادة التوضيح فنقول : الإشكال في بيع الغاصب لنفسه مبني على أن حقيقة البيع تبديل طرف الإضافة ، أعنى المبيع بالثمن وسد فراغه به ، وليس هو تبديل مطلق إضافة بإضافة أخرى ، توضيح ذلك : إن الملكية التي هي جدة اعتبارية واضافة بين المالك والمملوك لها طرفان : أحدهما يرتبط بالمالك

٢٣٧

ولذا صح ـ على الأقوى ـ فيما لو اشترى بماله لغيره شيئا وقوعه لنفسه وان قصده للغير كما اختاره هو ـ رحمه الله ـ في مسألة تعاقب العقود.

والعجب منه مع ذلك نسبة البطلان رأسا إلى فتوى الأصحاب هنا ، مع أنه

__________________

والآخر بالمملوك ، نظيرها خارجا حبل طرف منه بيد شخص والآخر مشدود برقبة حيوان مثلا ، فكما أن هذا الحبل الخارجي تارة يحل من الحيوان المعين ويشد بآخر ويبقى طرفه الذي بيد الشخص على حاله ، واخرى يبقى طرفه المشدود بالحيوان على حاله ويؤخذ الحبل من يد الشخص ويسلم الى آخر ، فكذلك الملكية الاعتبارية تارة يكون التبديل فيها بطرفها المتصل بالمملوك بحله وشده بآخر مع بقاء الربط بالنسبة إلى الطرف المتصل بالمالك وهو معنى البيع وحقيقته ومن هنا قالوا : البيع مبادلة مال بمال ، مما كان مفاده تبديل مملوك بآخر مع بقاء المالك على مالكيته ، وعليه فلا بد من أن يكون العوض في البيع وهو الثمن داخلا في ملك من خرج المعوض عن ملكه الى ملك من خرج الثمن من ملكه الى مالك المثمن بدلا عنه ، وتارة أخرى يكون التبدل في الإضافة بطرفها المتصل بالمالك بترك المال لآخر يقوم مقامه في تسلمه له وذلك هو الإرث. والثاني ـ وهو قيام شخص مقام آخر في تسلمه للمال ـ حكم من الشارع المقدس لا يناط باختيار ، والأول منهما جعل الشارع زمام التبديل واختياره بيد المالكين بحكم قاعدة تسلط الناس على أموالهم اللهم إلا في موارد خاصة تسلب السلطنة من المالك وتجعل لآخر حسب ما هو مذكور في موارده.

إذا عرفت ذلك فإشكال بيع الغاصب لنفسه يكون من جهتين :

الاولى إن المعاملة الصادرة من الغاصب مخالفة لحقيقة البيع على ما ذكرنا من ان حقيقته تبديل طرف الإضافة من ناحية المال المملوك ، ومقتضاه دخول الثمن في ملك من خرج المثمن من ملكه وهو المالك له ومقصود الغاصب

٢٣٨

لم نعثر على ذلك في كلامهم ، بل الذي وجدناه حكمهم بالبطلان فيما لو دفع مالا للغير ليشتري به لنفسه. ولعل المراد بالبطلان عدم وقوعه للمشتري المأمور بالاشتراء. واما وقوعه للأمر فهو محل الكلام ، بل الأقوى فيه

__________________

دخول الثمن في ملكه بإزاء خروج المثمن من مالكه ، فهو غير قاصد لحقيقة البيع الجهة الثانية المتفرعة على الجهة الاولى ـ أن الإجازة الصادرة من المالك للمعاوضة المقصودة للغاصب. ان كانت اجازة لما قصده الغاصب من دخول الثمن في ملكه بدلا عما خرج من ملك المغصوب منه الى مالك الثمن فهي ـ بالإضافة إلى انها ليست اجازة للبيع على حقيقته ، فكيف تكون مصححة لبيع الفضولي ـ تقتضي دخول الثمن في ملك الغاصب في قبال خروج المثمن من ملك المغصوب منه ، وهو خلاف ما هو المتسالم عليه بينهم من دخول الثمن في ملك المالك بإجازته البيع ، وان كانت الإجازة من المالك موجبة لنقل الثمن من المشتري إليه في قبال خروج المثمن من ملكه إلى المشتري ، فهذه الإجازة لم تكن اجازة لما وقع من الفضولي بل هي معاملة مستقلة بينه وبين المشترى ولا ربط لها بما وقع من الفضولي.

هذا ويمكن دفع الاشكال من جهتيه بأن يقال : الفضولي القاصد بيع مال الغير لنفسه : اما أن يكون معتقدا كونه له اشتباها ، وأما أن يكون غاصبا له أما في صورة جهله واشتباهه باعتقاده أن المال له فلا ريب في تحقق المعاوضة الحقيقية منه فإنه قاصد خروج المال من ملك مالكه الى ملك المشتري ودخول ثمنه في ملك مالك المثمن عوضا عنه غير أنه لما اعتقد خطأ كونه المالك للمثمن قصد المعاوضة لنفسه فهو لدى الحقيقة قاصدها لمالك المثمن ونظرا لاشتباهه وتطبيق المالك على نفسه قصدها لنفسه فيلغو اشتباهه وتصح للمالك الحقيقي بإجازته. وانما الإشكال في تحقق قصد المعاوضة الحقيقية من الغاصب فيمكن ان يقال : ان غالب الغصاب ـ لا سيما الظلمة والسراق

٢٣٩

ذلك بل لا حاجة إلى الإجازة بعد لوقوع الاذن منه بل الأمر وان قصد به للغير بعد ما عرفت من خروج قصد المنتقل عنه والمنتقل اليه عن حقيقة البيع.

__________________

وأهل النهب والغارات البناء والادعاء على ملكيتهم لما غصبوه ، ومرجع ذلك الى غصب الإضافة الكائنة بين المال والمالك ، وكأن الغاصب يقطع حبل الملكية بين المالك وملكه ويشده بنفسه ، وبعد هذا يرى نفسه ذا اضافة وجدة اعتبارية فيبيع ما يملكه بالادعاء كسائر أمواله التي هي تحت سلطانه وبهذا الاعتبار تصدر المعاوضة منه على حقيقتها فيوقعها على الملكين. للمالكين ثم ان البناء والادعاء المذكور من الغاصب ورؤية نفسه مالكا الذي هو لا يبتني على أساس صحيح لا يضر بالمعاوضة الواقعة منه ولا يوجب فسادها كسائر مواضع صحة العقد ، بل هو كسائر العقود الصادرة من الفضولي من ناحية الصحة التأهلية ، فهو اي الغاصب نظير من امتثل بصلاته الأمر الواقعي الصادر من الشارع المقدس المتصف بالاستحباب بانيا على وجوبه تشريعا ، فان الظاهر صحة فعله وامتثاله ولغوية بنائه ، وكذا هنا نقول بصحة بيعه ومبادلته ولغوية بنائه وادعائه من حيث أنه لا واقع له. ثم ان البناء المذكور وغصب الإضافة وقطع حبل الملك ووصله بنفسه الموجب لقصده المعاوضة الحقيقية بين المالين حاصل للغاصب المذكور من حين الغصب والاستيلاء على مال الغير عدوانا ولا يلزم أن يكون حاصلا حين إنشاء المبادلة حتى يقال ـ كما في كلام سيدنا ـ قده ـ : ان الغالب وقوع البيع من الغاصبين مجردا عن سبق التنزيل المذكور بالوجدان (انتهى) ، إذ الوجدان شاهد بان الغاصب المذكور والسارق والناهب مال غيره يوقع المعاملة على ما غصبه كما يوقعها على مال نفسه بلا تفاوت ، وما ذلك الا من حيث سبق ذلك التنزيل وغصب الإضافة المالكية

٢٤٠