بلغة الفقيّة - ج ٢

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٩٥

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد (ص) خاتم النبيين وعترته الأطهار المنتجبين وخلفائه الراشدين المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

(مسألة)

لو عقد الفضولي على ما لا يملك التصرف فيه ففي صحته وتوقف نفوذه على الإجازة مطلقا أو بطلانه كذلك أو التفصيل بين سبق المنع من المالك فالثاني ، وعدمه فالأول ، أو بين ما لو قصد وقوعه للمالك فالأول أو لنفسه فالثاني : وجوه ، بل أقوال.

ولنبدأ أولا بذكر معنى الفضولي. وهو لغة كما في المصباح والقاموس :

المشتغل بما لا يعني ، قال في الأول : «وفضل من باب قتل زاد ، وخذ الفضل أي الزيادة والجمع فضول مثل فلس وفلوس وقد استعمل الجمع استعمال المفرد فيما لا خير فيه. ولهذا نسب اليه على لفظه فقيل : فضولي لمن يشتغل بما لا بعينه لأنه جعل علما على نوع من الكلام فنزل منزلة المفرد وسمى بالواحد» انتهى. ولو لا تنزيل الجمع منزلة المفرد لكان القياس ان يقال فضلي لا فضولي ، واصطلاحا ـ كما عن الشهيد ـ هو الكامل غير المالك للتصرف وعن بعض العامة العاقد بلا إذن من يحتاج الى اذنه. ومقتضى التطابق بين العرفين كونه صفة للعاقد دون العقد ، فالعقد فضول والعاقد فضولي ، فتوصيف العقد به لا يخلو من المسامحة. وبين التعريفين ظاهرا عموم مطلق لأن الثاني يعم الصغير والمجنون دون الأول لخروجهما عنه بقيد الكمال اللهم إلا أن يرجع إليه بإرادة المنع من جهة عدم الاذن ممن له الاذن ، فيكون قيد الكمال مطويا فيتساويان في النسبة.

٢٠١

وكيف كان فيدخل في الفضولي العقد الصادر من الباكرة الرشيدة بدون اذن الولي ومن المالك إذا لم يملك التصرف لتعلق حق الغير بالمال كبيع الراهن العين المرهونة والمحجور عليه لفلس ونحوه ، ويخرج عنه عقد الصغير والمجنون ونحوهما ممن لا أهلية له لذلك.

وبالجملة فالمنع عن تأثير العقد تارة ـ من جهة عدم أهلية العاقد لنقصان فيه الراجع الى عدم المقتضى له ، وأخرى ـ إلى وجود مانع عن تأثيره ولو من جهة ثبوت ولاية أو حق الغير عليه أو في ماله ، فيكون لذلك ممنوعا عن التصرف ، فالأول خارج عن الفضولي والثاني مشمول له ، والأقوى في السفيه كونه من القسم الثاني ـ كما عليه المشهور ـ وان احتمل كونه من الأول لرجوع المنع فيه الى نقصانه.

وكيف كان استدل للأول بوجوه :

منها : عمومات «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)» و «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» بناء على شمولها للفضولي بعد لحوق الإجازة ، لأن مرجع الشك فيه الى الشك في اعتبار مباشرة المالك شرعا أو اقتران رضائه بالعقد وكل منهما تقييد للمطلقات أو تخصيص للعمومات من غير دليل منفي بالأصل فبحكم أصالة الإطلاق أو العموم يخرج عن حكم الأصل في المعاملات وهو الفساد. ولعل الى ذلك يرجع استدلال من استدل على الصحة ـ كما في المختلف وغيره ـ بأنه عقد صدر من أهله في محله ، ضرورة أن تحقق الأهلية بمعنى البالغ العاقل الرشيد بمجرده لا يثبت الصحة إلا بضميمة مقدمة كبروية ثابتة بالعمومات ، فيكون الدليل مركبا من صغرى وجدانية مذكورة ، وكبرى برهانية مطوية ، وهي : ان كل عقد صدر من أهله في محله صحيح شرعا بحكم العمومات المتقدمة كيف ولولاها لا يتجه الرد عليه بأنه مصادرة ـ كما عن الشهيد في غاية المراد ـ لان تحقق الأهلية التامة بمعنى الجامعة لما

٢٠٢

يعتبر شرعا هو عين الدعوى ، وجعلها دليلا أو جزء دليل مصادرة محضة ولا يخرج عنها إلا بالرجوع الى ما ذكرنا ، ومقتضاه ـ وان كان افادة اللزوم وان لم تلحقه الإجازة ـ إلا أن ذلك خارج عن العمومات بالإجماع ، فيبقى الملحوق بها مندرجا فيها ، ويلزم من لزومه بالإجازة صحته قبلها بالصحة التأهلية.

اللهم إلا أن يدعى عدم شمول العمومات للفضولي لأن المخاطب بها اما العاقد الفضولي أو المالك لا غيرهما ، ولا سبيل الى كل منهما. أما العاقد الفضولي فلعدم وجوب الوفاء عليه بعقده قطعا ، وأما المالك فقبل أجازته كذلك وإلا لوجبت عليه الإجازة. وأما بعدها فهو مجيز لا عاقد ، مضافا الى إمكان دعوى انصرافها الى غير الفضولي. وعليه فيتجه الاشكال بالمصادرة لأن المقدمة الكبروية لا دليل عليها بالفرض ، والصغرى بنفسها لا تثبت المطلوب إلا بإرادة الأهلية التامة ، وهي عين المصادرة. ويمكن الجواب عنها بكون المخاطب بها هو المالك المجيز وهو بها بحكم العاقد عرفا فيشمله الخطاب ، أو يقال بشمول الخطاب له بعد الإجازة وان لم يتلبس بالمبدء لعدم الدليل على اعتبار التلبس به في توجه الخطاب عليه.

واما دعوى الانصراف فلو سلمت فهو من الانصرافات البدوية منبعث عن ندرة الوقوع التي لا عبرة بها مع إمكان منع ندرة وقوعه من الفضولي كيف وقد قيل بشيوعه وغلبة وقوعه بل وقيام السيرة عليه كما ستعرف.

ومنها : خبر عروة البارقي الذي أغنت شهرته عن النظر في سنده ، وقد تضمن : أن النبي (ص) دفع اليه دينارا ليشتري به شاة للأضحية ، فاشترى به شاتين وباع إحديهما في الطريق بدينار ورجع الى النبي (ص) بشاة ودينار ، فقال له النبي (ص) : بارك الله لك في صفقة يمينك.

وتقريب الاستدلال به على صحة الفضولي بكل من فعلي عروة اشترائه

٢٠٣

لشاتين بدينار الخارج عما وكل عليه : من اشتراء الواحدة به. واحتمال توقف اشتراء الواحدة المأمور بها على ضميمة الثانية لعدم رضائه بالتبعيض بعيد جدا وبيعه لواحدة منهما بدينار مع أنه لم يوكله على البيع أصلا ، وقد أقره النبي (ص) على ذلك ودعا له بالبركة.

(ودعوى) خروج الأول عن الفضولي : اما بدعوى دخوله في الوكالة بالفحوى أو باحتمال اشترائه لنفسه ودفع الدينار وفاء عما في الذمة كما هو الغالب في المعاملات حتى النقدية منها.

(يدفعها) أما الأولوية فهي لو سلمت فبالنسبة إلى شراء الواحدة بدينار لا شرائها بنصفه ، والدخول في الوكالة عرفا ـ لو سلم ـ فهو في جانب نقيصة الثمن دون الزيادة في المثمن إلا مع فرض تعذر حصول الواحدة بالأقل وهو غير معلوم ، بل ومع التعذر فغايته إحراز الرضا بشراء الشاتين به ، ولا يدخل بمجرد ذلك في عنوان الوكالة. وأما احتمال كون الشراء لنفسه ، فمع أن ظهور غلبة كون الثمن كليا في الذمة بمجرده لا يتعين كونه في ذمته حتى يكون الشراء لنفسه بل يتبع قصده في ذلك ـ أنه لا يحتاج وقوعه للنبي (ص) الى قصد كونه له ، لكفاية أمره به الداعي له عليه ، وان غفل عن القصد حين الشراء مطلقا. وكونه أحدث القصد لنفسه منفي بالأصل ، ومع التنزل وفرض كون الاشتراء للنبي (ص) لا على جهة الفضولي فيكفي بيعه للشاة مع تقرير النبي دليلا على صحة الفضولي.

هذا وقد نوقش في الخبر بأنه قد تضمن وقوع التصرف قبضا وإقباضا من الفضولي ، وهو محرم لعدم جواز تصرفه قبل لحوق الإجازة ، وهو ينافي تقرير النبي (ص) والدعاء له بالخير ، فلا بد في دفع المناقشة من تنزيله على علم (عروة) برضاء النبي (ص) بذلك. وحينئذ فيدور الأمر بين أمور ثلاثة : اما استثناء صورة العلم بالرضا ولحوق الإجازة عما دل على

٢٠٤

عدم جواز التصرف في الفضولي قبل الإجازة ، أو خروج الفرض عن الفضولي بناء على كفاية الرضا المقارن من المالك في انعقاد المعاملة وترتب الأثر عليها : أو صحة إقباضه المبيع لعلمه برضاء النبي (ص) له وتنزيل قبضه الثمن على كونه أمانة في يده من المشترى بعد تنزيله على علم المشتري بالفضولي ليمكن تصحيح القبض بالأمانة وإلا فلا يجوز قبضه للثمن مع جهل المشتري بالفضولي ، وان صح إقباضه للعلم بالرضا.

هذا ولكن قد يخدش في الوجوه المذكورة : أما خروج المعاملة المقرونة برضاء المالك عن الفضولي فهو خلاف ظاهر اتفاقهم على كونها منه ، وأما الوجهان الآخران ، فمبنيان على خروج الشراء عن الفضولي ودخول الشاتين في ملك النبي (ص) من غير توقف على أجازته حتى يصح تصرفه في إقباض المبيع لعلمه برضاء النبي (ص) وإلا فلا يجدي رضاءه قبل التملك في جواز التصرف في المبيع بإقباضه.

وبعبارة أخرى : ان قلنا بكفاية العلم بالرضاء ولحوق الإجازة في جواز التصرف فلا ريب في اعتبار كونه مالكا حين التصرف حتى يكتفى برضائه ، وبناء على ما قويناه من وقوع الشراء فضوليا لم يكن النبي (ص) قبل الإجازة مالكا للشاة المبيعة ، وان قلنا بكونها كاشفة حكما فلا محيص عن ورود الاشكال على الخبر بناء على فضولية الشراء ، اللهم إلا أن يصحح تصرفه في إقباض المبيع بعلمه برضاء من يعتبر رضاه فيه وهو من كان مالكا في الواقع الدائر بين كونه النبي (ص) ان لم يكن الشراء فضوليا أو البائع الأصلي ان كان فضوليا لأنه بعدم الإجازة ترجع إليه الشاة مجانا ولو قلنا بالمنع من تصرف الفضولي قبل الإجازة مطلقا ولو مع العلم بلحوقها تعين الحمل على الوجه الأخير من تنزيل قبض الثمن على الامانة واقباض المبيع على العلم برضاء من يعتبر رضاه في التصرف.

٢٠٥

وكيف كان ، فالرواية كافية في إثبات المطلوب ، بل هي أحسن من غيرها في الدلالة عليه لولا انها حكاية فعل وقضية في واقعة.

ومنها : مصححة محمد بن قيس عن أبي جعفر محمد الباقر (ع) قال : «قضى أمير المؤمنين (ع) في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه ، فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر وليدتي باعها ابني بغير اذني ، فقال (ع) : الحكم ان يأخذ وليدته وابنها ، فناشده الذي اشتراها ، فقال له : خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ البيع لك ، فلما رآه أبوه قال أرسل ابني قال : لا والله لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه ..». الحديث وتقريب الاستدلال به من وجهين قوله (ع) في معالجة فك الولد بعد المناشدة خذ ابنه حتى ينفذ البيع لك ، وقول الباقر (ع) في مقام الحكاية ولما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه. وهي وان اشتملت على ما لا يمكن الالتزام به : من تأثير الإجازة المسبوقة بالرد لظهور المخاصمة فيه في نفوذ البيع للإجماع المنعقد على بطلان الإجازة الواقعة كذلك إلا أنه يجب صرف ما هو ظاهر في الرد عن ظاهره بالحمل على التردد دون الرد بقرينة ظهور تنفيذ البيع وإجازته في كلاميهما عليهما السلام في الإمضاء لما سبق من البيع وحملهما على تجديد المعاملة بعيد جدا. وحيث كان التعارض بين الظاهرين لعدم إمكان العمل بهما بالإجماع من تعارض الظاهر. والأظهر تعين صرف الأول بقرينة الثاني دون العكس ، كما يتعين صرف الظاهر بقرينة النص عند التعارض بينهما.

هذا وما يقال من وجوه استظهار الرد من الرواية زيادة على جهة ظهور المخاصمة فيه من إطلاق حكم الامام (ع) بأخذ الوليدة وابنها مع وجوب تقييده باختيار الرد لو لم يكن رادا إذ لا معنى لأخذها مع الإجازة

٢٠٦

ومناشدة المشتري للإمام (ع) والحاجة عليه في فك ولده وقوله (حتى ترسل ابني) الظاهر في انه حبسه لما يغرمه من قيمة الولد ولو يوم الولادة فإنه مغرور به ، والمغرور يرجع على من غيره ، وإرجاع الوليدة وإمساك ولدها لقيمته يوم الولادة وحمل إمساكه الوليدة لقبض ثمنها (ينافيه) قوله (ع) فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه ، إذ المناسب لذلك إسقاط القيمة لا اجازة البيع فيكون الظهور في الرد ولو بمعونة مجموع ما ذكر من الوجوه أقوى من ظهور تنفيذ البيع وإجازته في الإمضاء فينعكس الأمر في صرف الظاهر ، وتسقط الرواية حينئذ عن الحجية على المطلوب.

يدفعه إمكان المناقشة في الجميع : أما إطلاق الحكم بأخذ الجارية فلانة يجتمع مع الرد والتردد لبقاء الملك ما لم تتحقق الإجازة واما ابنها فلاستحقاق القيمة على أبيه إلا إذا أجاز ، وقلنا بأن الإجازة كاشفة فيكون القبض في حال التردد للقيمة على تقدير اختيار الرد ، وأما مناشدة المشتري له فلتعجيل الفك حبا لولده وإلا فولده مردود عليه على كل حال وان رد البيع غير انه مع الرد له القيمة على أبيه ، وأما أخذ الجارية فقد عرفت انه له ذلك رد أو تردد بل ومع الإجازة لأجل ثمنها لأن إجازة البيع غير اجازة قبض الثمن والفرض وقوع كل من البيع وقبض الثمن فضولا.

هذا ومع التنزل وفرض التساوي في الظهور بحيث يكون صرف أحدهما بالخصوص عن ظاهره ترجيحا بلا مرجح ، فغاية سقوطها عن الحجية ـ لو استدل بها من جهة الإجازة الشخصية الواقعة في مورد الرواية بناء على قاعدة اشتراك جميع القضايا المتحدة نوعا في الحكم الشرعي حيث لا يمكن التعدي الى غير موردها للإجماع المتقدم المانع عن الاستدلال بها الموجب للاقتصار على موردها ولو بحمل المورد على علم الامام (ع) بكون مالك الوليدة كاذبا في دعواه عدم الاذن للولد فاستعمل ما به يصل الحق الى

٢٠٧

صاحبه مع مراعاة ميزان الدعوى والقضاء في مرحلة الظاهر ، وهو لا ينافي الاستدلال بظهور قوله حتى ينفذ لك البيع وقوله : فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه ، في ان للمالك أن يجيز العقد الواقع على ملكه.

وبالجملة فالرواية وان كانت في قضية شخصية لا يمكن التعدي منها الى مثلها بالإجماع ـ إلا أنها يستنبط منها تأثير اجازة المالك في العقد الواقع على ملكه فضولا ولو في الجملة في غير مورد الإجماع على البطلان ، وهو الإجازة المسبوقة بالرد ، فالرواية تنهض لإثبات المطلوب من صحة الفضولي بالصحة التأهلية ، وما أورد عليها من الموهنات غير ما ذكرنا من امره (ع) بأخذ ابن الوليدة ولو على قيمته يوم الولادة مع انعقاده حرا على الأقوى بل ولو انعقد مملوكا يجب فكه بقيمته لوجوب الأمر بدفع القيمة أو فكه بها أولا مع خلو الرواية عنه ، وكذا أمره بحبس ابن السيد المعلوم حريته اما لما يغرمه من قيمة ولده ، أو لثمن الوليدة الذي أخذه منه أولهما معا فإنما يجوز الرجوع عليه بعد التغريم والأخذ منه لا قبله وبعد المطالبة والامتناع عن الغرامة مع كونه مليا يجوز حبسه لا أمره بالحبس ابتداء ـ كلها موهونة لا توجب السقوط عن الاستدلال بها حسب ما ذكرنا مع كونها قضية شخصية لعلها كانت محفوفة بقرائن حالية أو مقالية سقطت من الرواية :

ثم ليعلم أولا انه يفرق في إجازة السيد بعد تحققها بين كونها كاشفة وبين كونها ناقلة في استحقاقه قيمة الولد على أبيه وعدمه فلا يستحق على الكشف مطلقا ولو حكميا لكشفه عن كون الوطء في ملكه ويستحق على النقل وان أجاز لخروجها عن ملكه من حين الإجازة لا قبلها ، وثانيا انه له الرجوع في ثمن الوليدة لو أجاز بيع ابنه على كل واحد من المشتري وابنه البائع لو كان البيع بثمن شخصي ، ويتعين الرجوع على المشتري خاصة لو كان الثمن كليا في الذمة مع إجازته البيع فقط ، لعدم تعيين المقبوض ثمنا

٢٠٨

إلا بعد اجازة القبض المفروض عدمه في الرواية كما يتعين الرجوع به على ابنه مع اجازة القبض أيضا ، وهو اشكال آخر في الرواية لأن ظاهرها الاكتفاء في السقوط عن المشتري بمجرد إجازته البيع ، وقد عرفت انه لا يستلزم اجازة القبض مع خلو الرواية عنها.

ومنها : فحوى النصوص المعتبرة والإجماعات المحكية على صحة الفضولي في النكاح مع ما دل على تأكد الاحتياط في الفروج وانه يكون منه الولد المناسب لشدة الاهتمام في الاحتياط فيه ، فاذا جاز ذلك فيما كان الاحتياط فيه أشد جاز فيما كان الاحتياط فيه أضعف بطريق اولى ، وقد تمسك بها جماعة منهم الشهيد في (غاية المراد) والسيد جدنا في (الرياض) بل فيه بعد ذكر الأولوية : «ولعمري انها من أقوى الأدلة ولولاها لأشكل المصير الى هذا القول لحكاية الإجماعين الآت‌يين» انتهى.

ورد بكون الأولوية موهونة بما روي عن الصادق عليه السلام في تزويج الوكيل المعزول قبل بلوغ خبر عزله اليه ، ردا على العامة المفرقين بين بيعه وتزويجه بالصحة في الأول والبطلان في الثاني ، قائلاً : سبحان الله ما أجور هذا الحكم وأفسده فان النكاح اولى وأجدر أن يحتاط فيه لأنه الفرج ومنه يكون الولد» الخبر ، الظاهر في كون الصحة والنفوذ هو الموافق للاحتياط دون البطلان فاذا حكموا بما يوافق الاحتياط في مورد الأضعف ، وهو البيع» يلزمهم الحكم به فيما كان الاحتياط فيه أشد وهو النكاح بطريق أولى.

وبالجملة إذا ثبت الحكم بما يوافق الاحتياط في مورد الأضعف ثبت ذلك في مورد الأقوى بالأولوية ، كما ان رفع اليد عن الاحتياط في مورد يكون فيه الاحتياط أقوى يستلزم رفع اليد عنه في مورد الأضعف بالأولوية ، ولا يلزم من العمل بالاحتياط فيما كان الاحتياط فيه أقوى العمل به فيما

٢٠٩

كان الاحتياط فيه أضعف ، فالحكم منهم بالصحة الموافقة للاحتياط في البيع يلزم الحكم بها في النكاح بطريق اولى ولا يلزم من الصحة في النكاح الصحة في البيع.

نعم يبقى السؤال عن وجه الحكم بكون الصحة أوفق بالاحتياط من البطلان. ولعل الوجه انه لو بني على البطلان وتزوجت بغيره وفرضت الصحة في الواقع كان نكاح الثاني لها زنا بذات البعل ولو بنى على الصحة وفرض البطلان في الواقع كان من الزنا بالخالية عن المانع ، ومتى دار الأمر بين المحذورين كان الاحتياط في التجنب عن الأشد منهما وهو الحكم بالصحة.

ويجرى مثل ذلك في نكاح الفضولي حرفا بحرف ، لوحدة المناط ، وان كان مورد النص هو تزويج الوكيل المعزول دون الفضولي فظهر أن الصحة في النكاح ولو كان فضوليا لا تستلزم الصحة في البيع لان الاحتياط في البيع أضعف منه في النكاح.

وفيه ـ مع ان أولوية الصحة من البطلان في تزويج الوكيل المعزول موهونة بمثلها عكسا في طلاقه حرفا بحرف ـ أنه ليس الاحتياط في ذلك بل الاحتياط في الفروج حينئذ : اما بالطلاق أو بتجديد العقد أو الإجارة ، لأنه يكون فضوليا على تقدير العزل في الواقع وصحته ثابتة في النكاح بالنص والإجماع ويمكن أن يكون ذلك من الامام عليه السلام في مقام الرد عليهم جريا على مذاقهم.

نعم يمكن المناقشة في الأولوية التي استدلوا بها بوجه آخر ، وهو أن تأثير الأسباب في إيجاد مسبباتها دائر مدار تحققها في الواقع بحسب ما تقتضيه ذواتها في السببية من غير مدخلية ما وراء ذاته فيه ، فلا اعتبار في سببية السبب بكثرة الاجزاء أو الشرائط وقلتها وكون النكاح مبنيا على الاحتياط في معرفة سببه وما به يتحقق السبب لا اعتبار الكثرة في اجزائه وشرائطه.

٢١٠

وبعبارة أخرى : معنى الاحتياط المؤكد فيه ان لا يعتمد في الطرق الموصولة إلى معرفة السبب أو تحققه على ما يعتمد عليه في غيره من الظنون أو الأصول ، فمورد الاحتياط انما هو في الشبهات الحكمية أو الموضوعية كما لو شك في شرطية شي‌ء أو جزئيته في عقده أو شك في كونها المعقودة أو غيرها ، لا في كثرة الاجزاء وشرائط السبب وقلتها ، فالضيق والتوسعة في الأسباب لا مدخلية لهما في الاحتياط وعدمه فالتوسعة والتخفيف في سبب النكاح لا ينافي الاحتياط المؤكد فيه ، بل لعل المناسب لحفظ الفروج من الزنا التوسعة في أسباب حليتها حذرا من الوقوع فيه ولعله الحكمة في تحليل المتعة وملك اليمين وتحليل الأمة وحكمة حياء المرية المسوغ لتقديم القبول على الإيجاب في عقده ، فليس التخفيف الثابت في النكاح من حيث صحة الفضولي فيه بالنص والإجماع رفعا لليد عن الاحتياط فيه حتى يستلزم رفع اليد عنه في غيره بالأولوية ولذا لم بتمسك بها جل الفقهاء مع وضوحها لو كانت متحققة فافهم.

ومنها : ما ورد بطرق معتبرة في تزويج العبد نفسه بغير اذن سيده من إرجاع الأمر إلى مشيئة السيد بين التفريق والإجازة ، معللا فيه بأنه لم يعص الله وانما عصى سيده فان شاء فرق بينهما وان شاء أجازه وهو صريح في الصحة على تقدير الإجازة ، ولا يقدح في الاستدلال به مطلقا اختصاص مورده بالنكاح المعلوم صحة الفضولي فيه بالإجماع والنصوص المستفيضة والتمسك في التعدي منه الى غيره بالأولوية ـ مع كونها ممنوعة كما عرفت ـ قد تقدم الاستدلال بها أيضا لأن الاستدلال به من جهة عموم العلة المنصوصة فيه المستفادة من مقابلة عصيان الله بعصيان سيده بتقريب : أنه لم يعص الله حتّى لا يرجى زوال المعصية بلحوق رضاه لأن حرام الله حرام الى آخره ، بل عصى سيده المحتمل في حقه تعقب الرضا له ، فيكون حاصل الفرق : إمكان لحوق الرضا وعدمه ،

٢١١

فيصح في الأول بشرط اللحوق لزوال المانع حينئذ ويبطل في الثاني لدوامه وامتناع رفعه ، ومقتضاه الصحة حيث ما كان المانع مرجو الزوال ـ نكاحا كان أو غيره عبدا كان العاقد أو غيره لنفسه كان عقد العبد أو لغيره ـ غير أنه في الأخير يحتمل التوقف على اجازة مولاه أيضا لأن العبد بجميع جوارحه مملوك لمولاه يتوقف التصرف فيه ولو من نفسه على اذنه أو إجازته بعد حمل ما ورد من سلب قدرته على شي‌ء وأنه (كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) في قوله تعالى «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ـ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ» على ارادة سلب الاستقلالية عنه وانه بنفسه لا يقدر على شي‌ء حقيقة وان كان مقدورا له بواسطة اذن مولاه لا على سلب القدرة عنه بالكلية بمعنى عدم القابلية له على شي‌ء كالصغير والمجنون لان عدم القدرة أعم من عدم القابلية ، كيف وهذه الروايات مع ما دل على صحة تجارة العبد المأذون دليل على ثبوت القابلية له وانه ليس مسلوب العبارة ، فتكون قرينة على ارادة ما ذكرناه من الآية ، ويحتمل قويا عدم توقف نفوذه على اجازة مولاه بل يتوقف على اجازة من وقع الفضولي عنه فقط مطلقا وان منع عنه المولى لعدم معلومية مملوكية العبد لمولاه بهذا القدر الذي يتوقف إنشاؤه وتكلماته حتى في المباحات التي لا تزاحم حقوق مولاه على إذنه وإحرازه ولو بشاهد الحال ، ولو سلم فغايته الإثم بمعصيته وهو لا يدل على الفساد في المعاملة وبطلانه في الرواية برد السيد بسبب معصيته انما هو من جهة مزاحمته فيما يترتب على نفوذ عقده من الآثار المترتبة عليه ، والتعبير بالمعصية ربما يكون لذلك ولو مسامحة ، وإلا فكون العقد بنفسه معصية أول الكلام والمناقشة بالتفكيك بين المعصيتين فيه مع أنه يلزم من معصية السيد معصية الله أيضا فهو عاص لله بمعصية السيد :

مدفوعة باختلاف الحيثية من جهة الأولية والثّانوية ، فإنه لم يعص

٢١٢

الله أولا وبالذات وان عصاه بمعصية السيد ثانيا وبالعرض ، ضرورة ان النكاح من حيث هو ولو للعبد مأمور به شرعا وان كان فيه مشروطا بإذن السيد.

ومنها : ما ورد في عامل مال المضاربة لو خالف ما شرط عليه من تعيين سلعة مخصوصة فاشترى غيرها : أنه يضمن المال والريح بينهما على الشرط وهو لا يتم إلا على صحة الفضولي وان الإجازة كالإذن السابق لتصح المضاربة ويكون الريح على الشرط والا فالريح كله للمالك ، وان قلنا بكونه فضوليا يصح بلحوق الإجازة ، لكن غير بعيد بل يحتمل قويا دعوى ان ذلك ليس من الفضولي حتى يصلح أن يكون دليلا على صحته ، لأن الغرض الأصلي من المضاربة انما هو الاسترباح بتقلب المال ولم يتعلق غرض بخصوص الأعيان إلا من جهة التحفظ عن الخسران وسلامة رأس المال عن النقصان ، ولعل الشرط لذلك لأنه بمخالفته يدخل المال في عهدة العامل وضمانه فيحصل المقصود وهو السلامة عن الخسران ، وإلا فاطلاقات النصوص الواردة في المقام تقضي بصحة المضاربة والريح على الشرط من غير توقف على الإجازة وليس إلا لتحقّق الاذن الكلي بما يوجب الريح فهي موافقة للقواعد جارية على مجراها ، وعليه فلا اثم على العامل بالتصرف فيه كما يشعر به خلو النصوص عن التعرض له مع كونه مقام بيانه أيضا وهو مؤيد لما ذكرناه.

نعم لو قلنا بمخالفة النصوص القواعد وجب الاقتصار على موردها والتعدي منه الى غيره ، وان أمكن بالحمل على الفضولي ، إلا انه يجب تقييدها بالإجازة والرضاء بها مضاربة أو تنزيلها على الغالب من تحقق الإجازة بظهور الريح ، وبالجملة فالنصوص اما محمولة على ما ذكرناه أو على الفضولي مع التقييد بالإجازة ـ كما عن بعض ـ أو على التعبد بظاهرها المخالف للقواعد مع الاقتصار على موردها ، وتفصيل الكلام فيه موكول الى محله. فهي لا تصلح

٢١٣

لان تكون دليلا في المقام الا على الاحتمال الثاني.

ومنها : ما ورد في استرباح الودعي الجاحد للوديعة من ردها بربحها للمالك المودع ، فعن مسمع ابن ابي سيار قال : «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني كنت استودعت رجلا مالا فجحد فيه وحلف لي عليه ثم جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إياه ، فقال : هذا مالك فخذه وهو أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك ، فهي لك مع مالك واجعلني في حل ، وأخذت المال منه وأبيت أن آخذ الربح ، وأوقفت المال الذي كنت استودعته وأتيت حتى أستطلع رأيك فما ترى؟ قال فقال عليه السلام خذ الريح وأعطه النصف وأحله ، ان هذا الرجل تائب ، والله يحب التوابين ..» الخبر وأخذ الريح الظاهر في الاستحقاق مبني على صحة الفضولي والا فلا شي‌ء له من الربح ، وهو منزل على الغالب من لحوق الإجازة ليستحق الربح ، ومن وقوع المعاملة بالمعاطاة لا بالعقود حتى يقال بغلبة الأثمان فيها كليا في الذمة فغلبة العقود في كون الثمن كليا في الذمة لا شخصيا معينا لا تنافي غلبة وقوع المعاملات بالمعاطاة التي يكون الثمن فيها مشخصا خارجا وإعطاء النصف له للنصف لا بالاستحقاق رعاية لاحترام عمله بعد التوبة وان كان مهدورا من أصله لأن الله يحب التوابين.

ومنها : ما ورد مستفيضا ـ وفيه الصحيح والمعتبر ـ فيمن اتجر بمال الطفل لنفسه بغير اذن وليه : أنه يضمن المال والريح للطفل أو اليتيم.

والتقريب فيه : ما تقدم حرفا بحرف وكون الريح له مطلقا وان لم تلحقه الإجازة نظرا إلى إطلاقها ، يدفعه ورود الإطلاق مورد الغالب ـ كما عرفت من لحوق الإجازة من الولي ـ أو منه بعد البلوغ بظهور الريح فلا يفيد تخصيصا لما دل على اعتبار الإجازة في صحة الفضولي وكذا لا حاجة الى ما قيل من تحقق الإجازة الإلهية في أمثال المقام.

٢١٤

ومنها : مصححة الحلبي عن الرجل يشتري ثوبا ولم يشترط على صاحبه شيئا فكرهه ثم رد على صاحبه فأبى أن يقبله إلا بوضيعة؟ قال : لا يصلح له أن يأخذ بوضيعة ، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه يرد على صاحبه الأول ما زاد.

والتقريب فيه ما تقدم من التنزيل على الغالب بإجازة البيع الواقع بالزيادة على الثمن المطلوب له برده بل هو مطلوب له بالأولوية.

ومنها : ما روى من بيع عقيل دور النبي (ص) بمكة ثم أخبر به النبي (ص) فأجازه.

ومنها : رواية ابن أشيم عن أبي جعفر عليه السلام «عن عبد لقوم مأذون له في التجارة : دفع اليه رجل الف درهم ، فقال : اشتر بها نسمة وأعتقها وحج عني بالباقي ، ثم مات صاحب الالف فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن الميت ودفع إليه الباقي للحج عن الميت ، فحج عنه وبلغ ذلك موالي أبيه ومواليه وورثة الميت جميعا ، فاختصموا جميعا في الألف ، فقال موالي العبد المعتق : انما اشتريت أباك بمالنا ، وقال الورثة : إنما اشتريت أباك بمالنا وقال موالي العبد : أنما اشتريت أباك بمالنا فقال : أبو جعفر عليه السلام : أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد ، وأما المعتق فهو رد في الرق لموالي أبيه وأى الفريقين بعد أقاموا البينة على انه اشترى أباه من أموالهم كان له رقا». الحديث وتقريب الفضولية فيه وتصويرها بالنسبة إلى ورثة الدافع مبني على كون الدفع منه بعنوان الوكالة ووقوع الاشتراء بعد موته الموجب لبطلانها وانتقال المال الى الوارث ، فيكون التصرف فيه على تقديره فضوليا وبالنسبة إلى مولى المأذون باختصاص الأذن منه بالتجارة التي ليس الواقع منها بناء على ظهور الاذن في التجارة بما فيها الاسترباح فيكون الشراء بماله على تقديره تصرفا فيه بغير اذنه وإلا بان كان الاذن بمطلق التكسب الشامل للاسترباح وغيره ، كان الفضولي مختصا بورثة الدافع وعلى كل حال

٢١٥

فهو ظاهر في الصحة بناء على انه لولا كفاية الاشتراء بعين المال في تملك المبيع بعد المطالبة المتضمنة لإجازة البيع لم يكن مجرد دعوى الشراء بالمال ولا إقامة البينة عليها كافية في تملك المبيع (وحمل) الدفع على الوصية ـ كما احتمله في الجواهر ـ مع انه يأباه صريح ذيل الخبر من قوله : وأي الفريقين الى قوله : كان له رقا ، لان دعوى الورثة على تقديره دعوى للحرية دون الرقية (يدفعه) أنه لا تتوجه الدعوى حينئذ منهم بذلك لعدم المدخلية لهم فيه حينئذ وكيف كان فإن أقام واحد منهما بينة حكم له بها وان أقامها كل واحد منهما بنى على تقديم بينة الداخل أو الخارج بناء على ان يد العبد وان كان مأذونا يد مولاه.

وبالجملة فالرواية ـ وان أمكن الاستدلال بها على صحة الفضولي بناء على ما قررناه فضلا عن التأييد بها إلا انها لضعف سندها بجهالة الراوي أو غلوه وان سبق عليه بعض أصحاب الإجماع ـ كما قيل ـ ومخالفتها للقواعد من جهة اشتمالها على صحة تصرف المأذون بالتجارة في غير ما اذن له أولا ، وصحة استيجار أبيه للحج مع ظهور الأمر في ان يحج عنه بنفسه ثانيا ، وصحة الحج مع كونه رقا بغير اذن سيده ثالثا ، وتقديم قول مولى الأب المدعى لفساد البيع على المدعيين للصحة من مولى المأذون وورثة الدافع رابعا ، وان تخلص عنه في القواعد بحمل كلام موالي الأب على إنكار البيع من أصله وانه المعني بقولهم انما اشتريت أباك بمالنا ، وهو كما ترى من التكلف المخالف لصريح الخبر ، وعدم تقديم قول ذي اليد وهو مولى المأذون وتقديم قول مولى الأب على قوله مع كونه خارجا خامسا ، وعود العبد رقا الى مولاه مع اعترافه بالبيع وان ادعى فساده : سادسا ـ يجب طرحها وان كانت مشهورة ، رواية لا فتوى ، وان حكى العمل بها عن الشيخ في (النهاية) والقاضي وحينئذ فالذي تقتضيه أصول

٢١٦

المذهب وقواعده ـ بعد طرح الخبر ـ : هو ان يقال ان المأذون : ان كان مأذونا بالتجارة وغيرها لمولاه ولغيره نفذ إقراره في عمله فيصح عتقه وحجه عن الدافع ان وقع ذلك منه في حياته ، وان وقع بعد موته كان المعتق رقا لورثة الدافع لثبوت كون الاشتراء بمالهم بإقراره بعد بطلان الوكالة بموت الدافع وانتقال المال الى ورثته لكون يد المأذون حينئذ مشتركة بين مولاه وغيره ممن له مال عنده أو عمل كلفه به وانه كالحر في الامانة. وما قيل من عدم قبول قول المأذون لغير مولاه ، انما هو فيما كان الاذن مختصا بالتجارة لنفسه ، وان كان الاذن له مقصورا على التجارة لنفسه أو مشكوكا تعميمه قدم قول مولى المأذون لكونه ذا يد على عبده وما في يده حتى يعلم انتفاؤه عنه ويرد المعتق رقا لمولاه المأذون حتى تقوم بينة على خلافه ، فإن أقامها كل من ورثة الدافع ومن موالي الأب قدمت بينة الورثة لترجيحها بدعوى الصحة ويحتمل تقديم بينة مولى الأب لكونها كالخارجة بالنسبة إلى بينة الورثة لأنها بينة أقيمت على خلاف الأصل والظاهر وهو الفساد ، ومع انضمام بينة مولى المأذون الى البينتين بنى تقديمها على تقديم بينة الداخل على الخارج وعدمه ، وعلى الثاني ، ففي تقديم احدى البينتين الخارجتين على الأخرى ما تقدم من الاحتمالين.

ومما ذكرناه ظهر ضعف ما قواه في (الدروس) حيث قال : «وقد يقال بأن المأذون بيده مال المولى الأب وغيره وبتصادم الدعاوي المتكافئة يرجع الى أصالة بقاء الملك على مالكه ولا يعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصحة على الفساد لان دعوى الصحة مشتركة بين متقابلين متكافئين تساقطا ، وهذا واضح لا غبار عليه ..» انتهى.

لما عرفت من الترجيح ومنع التكافؤ على كل من تقديري عموم الاذن وخصوصه. ومع فرض تسليم التكافؤ فقد يمنع التساقط بالكلية لتوافقهما على

٢١٧

الصحة ونفى الثالث. هذا وتمام الكلام فيه موكول الى محله.

ومنها : ما ربما أيد به القول بالصحة موثقة عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام : «عن السمسار يشتري بالأجر فيدفع اليه الورق فيشترط عليه أنك تأتي بما تشتري فما شئت أخذته وما شئت تركته ، فذهب ليشتري المتاع فيقول : خذ ما رضيت ودع ما كرهت؟ قال لا بأس ..» الخبر بناء على قيام احتمالات متكافئة في اشتراء السمسار يكون على أحدها فضوليا عن صاحب الورق مع نفي البأس عنه في الجواب القاضي بحكم ترك الاستفصال مع إجمال السؤال بعموم الحكم بالصحة بجميع محتملاته لان اشتراء السمسار يحتمل أن يكون لنفسه بماله أو في ذمته ويكون المدفوع له قرضا عليه يستوفي منه صاحب الورق بما يشترى من المتاع. ولا ينافي هذا الاحتمال فرض السمسار في الرواية ممن يشتري بالأجر ، لان توصيفه به بملاحظة صناعته وحرفته لا بملاحظته هذه القضية الشخصية. ويحتمل ان يكون وقوعه منه بنحو الوكالة عن صاحب الورق على ان يكون الاشتراء له مشروطا له الخيار على بايع المتاع بتوسط السمسار ما شاء أخذه وما كرهه رده وعليه وان كان الأنسب بل المناسب التعبير عن الرد بالفسخ إلا انه يعبر به كناية عنه أيضا.

ويحتمل ان يكون الاشتراء من السمسار وقع بعين الورق لا بإذن صاحبه حتى يخرج به عن الفضولي ويكون دفع المال منه اليه بنحو الامانة وحصول الاطمئنان له بوصول ثمن ما يشتريه منه ويكون فائدة الشرط عليه من أخذ ما يريده ورد ما يكرهه عدم مطالبة الأجر منه على عمله أو حذرا من إبائه وامتناعه عن ذلك ، فترك الاستفصال مع الإجمال بقيام الاحتمال في السؤال يقتضي بعموم الحكم في جميع المحتملات التي منها احتمال الفضولي عنه.

٢١٨

وفيه : ان احتمال الفضولي ـ مع كونه بعيدا في نفسه موهون بغلبة تسليم الثمن الشخصي الواقع عليه العقد فضلا عن غلبة وقوع المعاملة بالمعاطاة المستلزمة لذلك. وتسليم الورق قبل اجازة صاحبه محرم ـ ينافيه وجوب حمل فعل المسلم على الصحيح واحتمال الاذن يدفعه ثمنا ودعوى عدم منافاته للفضولي من الأغلاط الفاحشة.

نعم هنا احتمال رابع يكافأ الاحتمالين الأولين ، وهو وقوع الاشتراء بالمساومة وإطلاقه عليه إطلاق شائع أو مجاز بالمشارفة ويكون دفع الورق لطمأنينة السمسار وهو كثير الوقوع سيما مع الدلال والسمسار ، وهو عندي أظهر الاحتمالات ، ويتلوه في الظهور الاحتمال الأول ، وأضعفها بل لا يلتفت اليه الاحتمال الثالث ، فلا تصلح الموثقة للاستئناس بها على الصحة فضلا عن التأييد بها.

ومنها : ما ورد من صحة الاشتراء مما فيه الخمس ممن لا يخمس من غيرنا مع كونه من المعاملة على مال الامام (ع) من غيره وهو فضولي صح بإجازة الإمام (ع) بحكم أخبار الإباحة والتحليل.

ومنها : ما ورد من الأمر بالتصدق بالمظالم ومجهول المالك مع تخيير المالك بين الرد فيأخذ العين أو بدلها مع التلف ويكون الأجر للمتصدق وبين الإجازة فيكون له الثواب.

والجواب عنه وعما قبله بخروجهما عن الفضولي للاذن منهم بذلك لشيعتهم المستفاد من أخبار الإباحة والتحليل في الأول ، وللأمر بالتصدق شرعا عن المالك لأنه من أقرب طرق الإيصال إليه عند تعذر الحقيقة في الثاني ، وان قلنا بتخيير المالك بعد ظهوره بين الرد ، فيرجع ببدل التالف من المثل أو القيمة وبين الإمضاء فله الفوز بالثواب.

وهذه الأدلة المذكورة للقول بالصحة ، وان أمكن المناقشة في أغلبها

٢١٩

إلا أنه لتراكم بعضها مع بعض ربما يشرف الفقيه على القطع بإفادتها الصحة فضلا عن الظن الاطمئناني بها.

واحتج للقول بالبطلان بعد الأصل بالأدلة الأربعة.

أما الكتاب فقوله تعالى «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» بناء على استفادة حصر الحل في المستثنى من الاستثناء أو من مفهوم القيد ، والفضولي خارج عنه داخل في المستثنى منه لأنه عقد على مال الغير بغير رضاه ، فيكون من التجارة لا عن تراض أو من غير التجارة عن تراض.

وفيه منع إفادة الحصر في المستثنى مع ظهور كون الاستثناء منقطعا لأن التجارة عن تراض ليس من أفراد الأكل بالباطل حتى يكون داخلا فيه موضوعا خارجا عنه حكما وحينئذ فيكون ذكر المستثنى منه توطئة لبيان سببية المستثنى للحل لا حصر سببية الحل في المستثنى ، فهو من قبيل إثبات حكم لموضوع ونقيضه لموضوع آخر ، وقد تقدم الكلام فيه مفصلا في المعاطاة فراجع.

واما استفادته من مفهوم القيد ، فقد أجيب عنه مرة بإنكار كونه قيدا بل هو خبر بعد خبر على قراءة النصب ، واخرى بمنع تحقق المفهوم له لوروده مورد الغالب كما في قوله تعالى «وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ» وفيه : اما الأول فيدفعه ما هو مسلم عندهم : من أن الجمل والظروف بعد النكرات أوصاف وبعد المعارف أحوال. واما الثاني ـ فيدفعه ـ مضافا الى كون الأصل في القيد أن يكون احترازيا ـ أن القيد انما ينزل على الغالب حيث يكون حكم المقيد به والمجرد عنه واحدا ، ومن المعلوم أن التجارة المجردة عن التراضي بالمرة الذي هو من أفراد المفهوم غير صحيح وهو من الأكل بالباطل ، فيكون خروج الفرد من المفهوم المعلوم خروجه

٢٢٠