بلغة الفقيّة - ج ٢

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٩٥

الحال منه ، لوقوع التسليط منه عليه ، وهو وان كان بقصد التمليك إلا أن الملكية منتفية بعدم الإمضاء ، فيبقى الاذن المطلق ، وهو كاف في الصحة ، ويخرج البيع عن كونه فضوليا لسبقه بالاذن.

وبالجملة الحكم بالصحة عن المالك لا مانع عنه الا ما يتوهم أولا ـ انتفاء الاذن المقيد بانتفاء قيده ، وهو قصد التمليك ، والمفروض عدم الوكالة منه عليه ، وثانيا ـ انما يصح وقوعه عن المالك والمفروض وقوعه من البائع لنفسه ، فما وقع لم يصح والصحيح غير واقع لان العقود تابعة للقصود.

وليس بشي‌ء.

أما الأول ـ فمع كون الفرض تحقق الإباحة المالكية ، إذ الكلام على تقدير القول بها إمكان دعوى الإذن الضمني بناء على تعدد المطلوب أو بشاهد الحال كما تقدم فيخرج به عن كونه فضوليا (١)

__________________

(١) الظاهر : أن مراده من عدم كون البيع المذكور فضوليا ، عدم احتياجه ـ في الاستناد الى المالك ـ الى اجازة ، وكفاية الإذن الضمني السابق منه ، بناء على تعدد المطلوب أو بشاهد الحال ، ولكنه غير واضح إذ الإذن الضمني المستفاد من التعاطي بقصد التمليك انما هو بالبيع لنفس البائع القاصد كون البيع له وكون الثمن داخلا في ملكه عوضا عما يخرج منه الى المشتري ، وهب أن البيع المذكور قابل لان ينفذ ، ويصح للمالك كبيع الغاصب لنفسه القابل للتصحيح بالنسبة إلى المالك ، فان الغاصب الظالم حيث انه يرى نفسه مالكا للمال وبناء على الادعاء المذكور يوقع المعاملة على المغصوب كما يوقعها على سائر أمواله ، فهو لدى التحليل يبيع للمالك ، ويقصد دخول الثمن في ملك مالكه ، وحيث كان بناؤه لا أساس له بل هو صرف ادعاء ، يلغو ، ولا يلزم من ذلك لغوية أصل البيع المقصود كونه لمالك المبيع ، فيصح للمالك بإجازته. وكذا نقول هنا في

١٢١

وأما الثاني فلعدم اعتبار القصد لمن له البيع في صحته ، وهو غير مأخوذ

__________________

بيع المأخوذ بالمعاطاة بقصد التمليك فإن البائع حيث كان بانيا على ملكية المبيع بالمعاطاة يقصد البيع لنفسه باعتبار كونه مالكا للمثمن اعتقادا ، فهو لدى التحليل يقصد كون البيع لمالكه ، وحيث كان اعتقاده خلاف الواقع بناء على عدم إفادة المعاطاة سوى الإباحة تلغو جهة مالكيته ، ولا يلزم من ذلك بطلان جهة كون البيع لمالكه الواقعي ، ولكن انما يصح ويستند البيع للمالك إذا أجاز البيع له بعد معرفة كون المعاطاة مفادها صرف إباحة التصرف.

ولا يقال : إذا أمكن نفوذ البيع واستناده الى المالك بالإجازة المتأخرة عن البيع فينبغي ان يصح بالإذن الضمني السابق بل هو أولى بالصحة منه وعليه فيمكن القول بعدم الاحتياج في نفوذ البيع المذكور للمالك إلى إجازته المتأخرة عنه والاكتفاء بالاذن السابق.

لأنا نقول : هذا انما يصح فيما إذا تعلق الاذن السابق بنفس ما تتعلق به الإجازة المتأخرة كما إذا باع الوكيل لموكله بيعا هو مأذون فيه منه ، فإنه لا يحتاج نفوذ بيعه للموكل إلى إجازة منه بعد البيع ، ويكفي في ذلك الاذن السابق منه لكونه تعلق بنفس ما وقع من الوكيل أما فيما نحن فيه مما كان الاذن الضمني السابق على البيع المستفاد من التعاطي بقصد الملك متعلقا بغير ما يمكن صحته بالنسبة إلى المالك ، فلا يكفي في صحته للمالك الاذن السابق ، بل لا بد من اجازة المالك بعد ذلك البيع ليصح بالنسبة اليه وذلك لكون الإذن الضمني من المالك المستفاد من المعاطاة بقصد الملك انما تعلق بالبيع لنفس البائع لا بالبيع له ، وما يمكن تصحيحه بالإجازة هو البيع للمالك ، فما وقع من البائع المتعلق للاذن الضمني لا يمكن تصحيحه للمأذون بناء على الإباحة لكونه خلاف حقيقة المعاوضة ، وما يمكن

١٢٢

في ماهيته وقوامه (١) ولذا قلنا بصحة بيع الغاصب لنفسه ووقوعه للمالك مع الإجازة. ولا أرى وجها في المقام بناء على الإباحة المجردة لوقوعه عن البائع حتى يلتزم بدخوله آنا ما في ملكه.

وكيف كان فلا يبعد أن يقال ـ بناء على الإباحة ـ صحة البيع ووقوعه

__________________

تصحيحه بناء عليها لا بد فيه من الإجازة لكونه غير ما أذن المالك فيه ضمنا.

(١) بناء على ما تقدم ـ في بعض تعاليقنا من أن حقيقة البيع تبديل البائع العين التي هي طرف إضافة مالكية بطرف اضافة مثلها لآخر في عالم الإنشاء ـ عند قبول المشترى ذلك التبديل يلزم ان يكون البائع قاصدا بإنشائه خروج المثمن من ملك مالكه ودخوله في ملك مالك الثمن وخروج الثمن من ملك مالكه ودخوله في ملك مالك المثمن بدلا عما خرج من ملكه اليه من غير فرق بين كون البائع أصيلا أو وكيلا أو وليا أو فضوليا قاصدا كون البيع لمالك المبيع أو كونه لنفسه لكونه غاصبا أو معتقدا كون المال له ففي جميع الصور المزبورة البائع حيث كان قاصدا دخول الثمن في ملك من خرج المثمن من ملكه الى مالك الثمن عوضا عما خرج من ملكه إليه ، فإنه قاصد لمن له البيع فالأصيل لما قصد دخول الثمن في ملكه بدلا عما خرج من ملكه الى مالك الثمن ، فهو قاصد كون البيع له ، والوكيل لما قصد دخول الثمن في ملك موكله الذي خرج المثمن من ملكه الى مالك الثمن بدلا عما خرج من ملك موكله ، اليه فهو قاصد كون البيع لموكله وكذا الولي بالنسبة إلى المولى عليه فإنه قاصد كون البيع له ، وأما الفضولي فتارة ـ يقصد كون البيع للمالك فقصده من له البيع واضح ، واخرى ـ يقصد كون البيع له لادعائه كون المبيع له كالظالم المتغلب الباني على كون ما تحت يده من مال الغير مالا له ، فينشى‌ء البيع عليه بما أنه مالك له ادعاء ، فهو لدى

١٢٣

للمالك غير أن ثمنه المملوك له يقوم مقام المثمن في جواز التصرف فيه مطلقا ولو ببيعه أيضا ، فيقوم ثمنه كذلك مقامه ، وهكذا وهلم جرا في جميع سلسلة التعويضات بقيام البدل مقام المبدل في الحكم وكونه للمالك مباح التصرف لمن هو في يده بالمعاطاة اللهم إلا أن يكون هناك إجماع على صحة البيع ووقوعه للبائع دون المالك وحينئذ فلا مناص عن الالتزام بدخوله آنا ما في ملكه.

__________________

التحليل قاصد كون البيع للمالك ، ولما كان ادعاء كونه مالكا ملغى ، إذ لا واقع له بل هو صرف ادعاء فيصح البيع للمالك ولكن بإجازته ، ومنه ما نحن فيه فإنه لو باع أحد المتعاطيين ما تحت يده من المال المأخوذ بالمعاطاة مع قصد المتعاطيين حصول الملك بها بناء على كون الحاصل بها مجرد الإباحة في التصرف دون الملك ، فإن البائع إنما يقصد البيع له بناء منه على كونه مالكا لما باعه اشتباها فهو كمن اعتقد كون المبيع له فباعه لنفسه بناء على اشتباهه ، سوى أن ذاك اشتباهه من ناحية الموضوع ، وهذا منشأ اشتباهه تخلية ان المأخوذ بالمعاطاة حكمه الملك لا اباحة التصرف ـ فقط ـ ومن هنا يبيعه لنفسه بما أنه مالك له ، فهو لدى التحليل يبيع العين لمالكها فيصح البيع للمالك ان اجازه بعد معرفته ان المبيع له وان المعاطاة حكمها مجرد الإباحة دون الملك.

وعلى كل فالوجه في صحة بيع المأخوذ بالمعاطاة ووقوعه لمالكه مع أجازته بناء على الإباحة هو ما ذكرناه : من أن البائع ، وان قصد كون البيع له لتخليه واعتقاده كون المبيع له وأن المعاطاة المقصود بها حصول الملك لكل منهما بالنسبة الى ما أخذه من صاحبه تقتضي الملك وانما ينشأ البيع على ما تحت يده لنفسه بما انه مالك للمبيع فهو لدى التحليل قاصد كون البيع لمالكه ، وحيث كان اعتقاد كونه مالكا للمبيع ملغى إذ كان

١٢٤

ومنها ـ العتق فإنه يصح عتق المأخوذ بالمعاطاة على الملكية ، ويقع باطلا

__________________

مبنيا على كون المعاطاة مفادها الملك مع انها على الإباحة لا تقتضي سوى اباحة التصرف ، فالغاء بنائه واعتقاده لا يقتضي عدم صحة البيع للمالك الحقيقي مع أجازته.

وعلى هذا فإشكال صحة بيع المباح له مال المبيح بأنه انما يصح وقوعه عن المالك والمفروض وقوعه من البائع لنفسه فما وقع لم يصح لكونه خلاف حقيقة المعاوضة المقتضية لدخول الثمن في ملك من خرج المثمن من ملكه وقد خرج من ملك المبيح ، فكيف يدخل الثمن في ملك البائع المباح له ، والصحيح غير واقع لان العقود تابعة للقصود.

مندفع فان ما وقع من المباح له من البيع لنفسه لا بما هو هو وأنه زيد بن عمرو ـ مثلا ـ ليقال : ان ما وقع لم يصح بل بما انه هو المالك للمبيع لاعتقاده كونه له وان المأخوذ بالمعاطاة ملك لآخذه فهو انما يقصد وقوع البيع لمالك المبيع تحليلا ، فما وقع منه صحيح مع اجازة المالك الحقيقي نعم تطبيق المالك على نفسه خطأ واشتباه ، فهو الملغى ولا ملازمة بين إلغائه وبطلان البيع وعدم قابليته للتصحيح بالإجازة من المالك : وبهذا التقريب يندفع اشكال المستشكل.

وأما ما ذكره سيدنا ـ قدس سره ـ بقوله : وأما الثاني فلعدم اعتبار القصد لمن له البيع في صحته وهو غير مأخوذ في ماهيته وقوامه ولذا قلنا بصحة بيع الغاصب لنفسه ووقوعه للمالك مع الإجازة انتهى.

فظاهره دعوى ان المناط في صحة وقوع البيع لشخص أو الاشتراء له مجرد مالكيته للمثمن أو الثمن وعليه فمن قصد بيع ماله لغيره اي قصد خروج المال من ملكه الى ملك المشتري ودخول ثمنه من المشتري في ملك الغير فالثمن يدخل في ملك البائع ويصح البيع له قهرا نظرا لمالكيته للمثمن

١٢٥

 

__________________

ويلغى قصده دخول الثمن في ملك الغير ولو اشترى بماله متاعا للغير كذلك بان قصد باشترائه المتاع دخوله في ملك الغير عوضا عما يخرج الى صاحب المتاع من ثمنه الخارج من ملكه اليه يدخل المتاع في ملك المشترى نظرا لمالكيته لثمنه ويلغى قصد كون الاشتراء للغير كما ان الغاصب للعين إذا أوقع المعاوضة عليها بيعا أو شراء تصح المعاوضة للمغصوب منه بإجازته لكونه المالك للمعوض أو العوض وان قصد الغاصب كونها لنفسه.

وبالجملة فقصد المعاوضة على المال بيعا أو شراء كاف في وقوعها لمالك المال ، ولا حاجة الى انضمام قصد كونها له كما لا يضر في ذلك قصد كونها لغيره وقد صرح ـ قدس سره ـ بذلك فيما سيأتي منه في رسالة بيع الفضولي في جواب احتجاج المفصل بين ما لو قصد الفضولي البيع لنفسه وبين قصده البيع للمالك بالبطلان في الأول لوجود ما يمنع عن الصحة فيه من عدم القصد إلى المعاوضة حقيقة ، قال : ـ قدس سره ـ وفيه ان قصد البيع متضمن لقصد نقل المال عن مالكه ، وهذا القدر كاف في تحقق ماهيته وتعيين المالك غير معتبر في تحقق حقيقة البيع كما نص عليه غير واحد من الأصحاب فكما لا يجب تعيينه لا يضر الخطأ فيه ، وبالجملة لما كان قصد البيع مستلزما لقصد نقل المبيع عن مالكه تحققت المعاوضة حقيقة وان انضم اليه قصد وقوعه عن نفسه أو لنفسه بعد ما عرفت من خروج قصد المنتقل عنه بل المنتقل إليه أيضا عن حقيقة البيع وماهيته انتهى.

ولكن قد يقال : ان حقيقة المعاوضة جعل كل من العوضين مكان الآخر وسد فراغه به في مرحلة الإنشاء ، وعليه فكما ان أصل وقوع المعاوضة بين المالين يتوقف على كون الموقع لها قاصدا إنشاءها بالعقد فلو كان هازلا أو غالطا لم تقع ولم تصح ، فكذلك وقوعها على حقيقتها

١٢٦

 

__________________

يتوقف على كون المنشئ لها قاصدا حقيقتها ، فلو لم يقصدها كذلك لم تصح ولا وجه لصحتها على غير ما قصده. وعليه فنقول : هب ان قصد الشخص بيع ماله من المشتري لتضمنه لقصد نقله اليه من مالكه بعوض منه كاف في تحقق ماهية البيع وصحته بلا حاجة الى قصد كون البيع له ويتحقق بذلك المعاوضة الحقيقية وكذا قصد بيع مال الغير من المشتري فإنه لتضمنه لقصد نقله عن مالكه بعوض من المشترى يتحقق به حقيقة البيع ويصح بإجازة مالكه. ولكن هذا انما يتم فيما لو لم ينضم الى قصد البائع بيع ماله أو بيع مال الغير ما ينافي حقيقة البيع. أما في صورة تحقق المنافي لذلك كما لو قصد البائع بيع ماله للغير بان قصد خروج المبيع من ملكه الى ملك المشتري ودخول العوض في ملك الغير أو قصد بيع مال الغير لنفسه بان قصد دخول الثمن في ملكه بدلا عما خرج الى المشتري من مال الغير ، ففي كون ذلك قصدا لحقيقة البيع وماهيته إشكال ، بل منع ، إذ ليس حقيقته مجرد نقل المبيع من مالكه بعوض مطلقا بل البيع إنشاء نقل المال من مالكه الى مالك الثمن بعوض منتقل منه الى مالك المبيع.

فقول سيدنا ـ قدس سره ـ : وبالجملة لما كان قصد البيع مستلزما لقصد نقل المبيع عن مالكه تحققت المعاوضة حقيقة ، وان انضم اليه قصد وقوعه عن نفسه أو لنفسه إلخ.

لم يتضح المراد منه ، فان كان المراد تحققها على ما قصده البائع من كون البيع في الصورة الأولى الغير المستلزم لدخول العوض من المشتري في ملك الغير بدلا عما خرج من البائع إليه من المعوض ، وفي الصورة الثانية لنفسه المستلزم لدخول العوض في ملك نفسه بدلا عما خرج الى المشتري من ملك الغير ، فهو ليس من المعاوضة الحقيقية وان كان المراد وقوع المعاوضة

١٢٧

 

__________________

وتحققها لمالك المبيع الذي استلزم قصد البيع قصد النقل عنه ـ على ما يقوله سيدنا ـ ويلغى ما قصده البائع من كون المعاوضة لغير مالك المبيع ، ففي صورة ما لو باع المالك ماله قاصدا دخول عوضه من المشتري في ملك غيره يصح البيع ويدخل العوض في ملك مالك المعوض وان كان خلاف ما قصده البائع ، كما انه لو باع الفضولي مال غيره لنفسه بان قصد دخول عوضه من المشتري في ملكه بدلا عما خرج اليه من مال الغير يصح البيع لمالك المبيع بإجازته ويلغى قصد البائع كون المبيع لنفسه ، فالالتزام بذلك على إطلاقه مشكل بل ممنوع ، فان العقود صحة وفسادا تتبع قصد المتعاقدين فاذا كان المالك عند بيع ماله وقصده إخراجه عن ملكه الى ملك المشتري وإدخال عوضه في ملك غيره لم يقصده على حقيقته ، أعني إدخال الثمن في ملك من خرج المثمن من ملكه الى ملك المشتري ، فبأي وجه يلغى ما قصده من كون البيع للغير ويقع البيع له ويدخل العوض في ملكه لمجرد كونه مالكا للمعوض وان لم يكن المقصود له إنشاء البيع لنفسه بل لغيره.

وبالجملة ان ما أنشأه البائع مبادلة خارجية شخصية مفادها كون المبيع للمشتري وعوضه لغير البائع وصحتها كذلك يدور مدار شمول دليل الإمضاء للمبادلة المذكورة على ما أنشأت وصحة مبادلة أخرى لم تكن منشأة للبائع ، وهي كون الثمن له بدلا عما خرج منه الى المشتري لا يقتضي صحتها على ما أنشأت ، نعم فيما لو باع الفضولي مال الغير لنفسه يمكن تصحيح. البيع لمالك المبيع بإجازته وان قصد الفضولي كون البيع له عند إنشائه للعقد ، ولكن ذلك انما هو فيما لو كان البائع من الغصاب المتغلبين وأهل النهب والغارات وأمثالهم ممن يرون ادعاء ان ما تحت أيديهم من الأموال المنهوبة مالا لهم وعند إنشاء المعاوضة على ذلك يقصدون إنشائها على ما هو لهم

١٢٨

 

__________________

فالبايع منهم لما تحت يده من مال الغير ينشأ البيع عليه بما هو مال له فهو لدى التحليل يوقع البيع لمالك المبيع ويطبقه على نفسه ادعاء منه انه المالك له فالغاء التطبيق المذكور ـ لكونه صرف ادعاء منه لا واقع له ـ لا يقتضي إلغاء ما أنشأ من البيع للمالك المبني على الادعاء ، فيصح البيع للمالك بإجازته. وبالجملة ، هو بناء على ادعائه قاصد للمعاوضة الحقيقية تحليلا وكون العوض داخلا في ملك مالك المعوض ، وليس كمن باع مال نفسه للغير في كونه غير قاصد حقيقتها. ونظير الغاصب المذكور من باع مال الغير لنفسه مشتبها ومعتقدا كون المال له فإنه عند إنشاء البيع يوقعه لمالك المبيع حقيقة فخطأه في كونه المالك لا في البيع للمالك فيصح البيع بإجازته.

هذا ولكن ما ذكرناه من إمكان تصحيح بيع الغاصب بإجازة المالك انما هو فيما إذا كان متغلبا ويبيع مال المغصوب منه بما انه مال له ادعاء وأما الغاصب الذي يبيع مال المغصوب منه لا بما هو مالك له بل بما انه غاصب له وبايع له عدوانا فإنه يقصد إخراج المال من مالكه المغصوب منه وإدخال عوضه في ملك نفسه ، فهو غير قاصد للمعاوضة على حقيقتها ولا وجه لتصحيحها على ما قصده وان أجازها المالك.

ثم ان ما ذكرناه في هذه التعليقة والتي قبلها بناء على ما لم يستبعده سيدنا ـ قدس سره ـ من أن بيع أحد المتعاطيين ما تحت يده من المال المأخوذ بالمعاطاة بناء على الإباحة يصح ويقع للمالك المبيح ، ولكنا قربنا في بعض تعاليقنا وقوعه عن المباح له وذلك للإقدام المعاوضي من كل من المتعاطيين على ضمان المأخوذ بالمعاطاة بعوضه الذي دفعه لصاحبها عند تلفه أو إتلافه أو ما هو بمنزلة الإتلاف مما لا يمكن لصاحبه الرجوع به على

١٢٩

بناء على الإباحة المجردة (١) لقوله : «لا عتق إلا في ملك» مع احتمال أن يقال فيه من الحكم بالصحة ووقوعه عن المائك بناء على الإباحة ـ كما تقدم في البيع ـ وان قلنا ببطلان العتق الفضولي على الأشهر ، لخروجه عنه بسبق الإذن الضمني أو بشاهد الحال ـ كما تقدم ـ إلا أن ذلك مبني على عدم اعتبار القربة في صحة العتق بتنزيل ما دل عليه من قوله : «لا عتق إلا ما أريد به وجه الله» وغير ذلك على نفي الكمال دون الصحة : وأما بناء على اعتبارها فيشكل لان المالك غير متقرب به والمعتق غير مالك فلا وجه حينئذ لصحته ان قام الدليل عليه الا دخوله آنا ما في ملك المعتق ويقع حينئذ عنه لا عن المالك.

ومنها ـ وطي الأمة المأخوذة بالمعاطاة ، فيجوز على الملكية ولا يجوز

__________________

كل من القول بافادتها الملك أو الإباحة ، ففيما هو محل الكلام من بيع المباح له ما تحت يده من مال المبيح مقتضى الضمان المعاوضي الذي أقدم عليه المتعاطيان انتقال عوضه الذي هو تحت يد صاحبه اليه عند البيع الذي هو بمنزلة إتلاف مال المبيح عليه لعدم إمكان رجوعه به بعد فرض كون البيع بإذن منه وتسليط عليه وانتقال العوض الى ملك المبيح مستلزم لانتقال مال المبيح الى المباح له حين البيع لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض في الملك ، وعليه فيخرج المبيع من ملك المباح له الى ملك المشتري ، ويدخل عوضه من المشتري في ملكه ، وهو معنى وقوع البيع عن المباح له ولعله يأتي في بعض تعليقاتنا زيادة توضيح لذلك.

(١) يمكن أن يقال : إن الكلام في العتق ـ كما قربناه فيما سبق من البيع : من صحته ووقوعه عن المعتق لما ذكرناه : من أن مقتضى الاقدام المعاوضي من المتعاطيين وكون كل من العوضين مضمونا بالآخر عند الإتلاف وما هو بمنزلته انتقال العهد عند عتقه الى المباح له وينعتق عنه لانتقال

١٣٠

على الإباحة بناء على اعتبار الصيغة في التحليل كما هو أحد القولين فيه ، فتظهر الثمرة بينهما اللهم إلا ان يكون هناك إجماع على الحل فلا بد حينئذ من الالتزام بدخوله آنا ما في الملك فتنعدم الثمرة حينئذ حكما لا موضوعا الا

__________________

عوضه الى ملك المبيح المستلزم لانتقاله الى المباح له ـ نحو ما ذكرنا في بيعه.

فما ذكره سيدنا ـ : من بطلانه على الإباحة المجردة ، لقوله (ص) : «لا عتق إلا في ملك» ـ غير واضح ، كما ان ما احتمله ـ : من الحكم بالصحة والوقوع عن المالك بناء عليها ، وان قلنا ببطلان الفضولية في العتق لخروجه منه ، لسبق الإذن الضمني أو مشاهد الحال ـ غير واضح ـ أيضا ـ فإن محل الكلام في المعاطاة المقصود بها لكل من المتعاطيين تمليك ما أعطاه لصاحبه ، فالإذن الضمني أو مشاهد الحال من المعطي المستفاد من الإعطاء بقصد التمليك بالتصرف فيما أخذه وما كان بمنزلته كالعتق ونحوه من النقل اللازم بما انه مملوك له بالأخذ منه ، لا الأعم من ذلك ، ومما فرض كونه مباحا له ، فما تعلق الاذن به ، وهو عتق المملوك لمعتقه ، بناء على كون المعاطاة مفادها الإباحة لم يحصل على الفرض ، وما حصل ـ وهو العتق عن المالك ـ لم يكن متعلقا للاذن الضمني.

وما ذكرناه من الوجه في إمكان وقوع بيع المأخوذ بالمعاطاة عن المالك بناء على الإباحة ، لا يجري في عتقه ، إذ البيع صالح للفضولية ـ يمكن تصحيحه بإجازة المالك ، بناء عليها ، بخلاف العتق غير الصالح للفضولية على الفرض. وبالجملة ، ما احتمله سيدنا ـ قدس سره ـ من الحكم بصحة وقوع العتق عن المالك بناء على الإباحة ، بعيد. والأقرب ما ذكرناه من وقوعه عن المباح له.

١٣١

ان المنع عنه محكي عن الشيخ والشهيد في تعليقه على القواعد.

وبالجملة فالجواز على القول بالإباحة مبني اما على دخوله آنا ما في الملك أو على كفاية الإباحة المطلقة في التحليل وعلى التقديرين فتنعدم الثمرة حكما لا موضوعا.

الثالث ـ في وجوب الخمس والزكاة وتعلقهما بالعين المأخوذة بالمعاطاة إذا اجتمع فيها شرط الوجوب فيتعلقان بها فيجب على الأخذ بناء على القول بالملكية وان كانت متزلزلة بناء على عدم شرطية استقراره في الوجوب ولا يجب على القول بالإباحة مع احتمال الفرق بين الخمس والزكاة فيجب الأول مطلقا ولو قلنا بان مفادها الإباحة المجردة لصدق الغنيمة عليه بالمعنى الأعم فيدخل في عموم الآية بناء على الاكتفاء فيه بمجرد صدق الفائدة التي هي أعم من الملكية بعد ان كانت الإباحة فيها مطلقة فتنعدم الثمرة فيه موضوعا لا حكما بخلاف الزكاة المشروط وجوبها بالملك اللهم الا أن يقال : بتعلق الزكاة بها على القولين ووجوبها على التقديرين غير انه يجب على الأخذ إذا اجتمعت عنده شرائط الوجوب على القول بالملكية ويجب على المالك على القول بالإباحة وان سقط عنه بدفع الأخذ لها زكاة اللهم إلا ان يقال بعدم تمكن المالك غالبا من التصرف في ملكه المأخوذ منه بالمعاطاة اما لغيبة الأخذ أو لمجهوليته فلا يجب عليه لذلك ولا على الأخذ لعدم تملكه بالمعاطاة. وحينئذ فإن قام إجماع على وجوب الزكاة على الأخذ فلا بد من الالتزام بدخوله آنا ما في ملكه.

هذا وحيثما تعلق الخمس أو الزكاة بالعين المأخوذة بالمعاطاة ، فغير بعيد تحقق اللزوم بذلك على القولين لكونه بحكم تلف بعض العين أو نقله فلا يجوز الرجوع بالباقي بناء على أن تلف البعض من الملزمات أيضا ، مع احتمال دعوى اللزوم بذلك في الخمس فقط ، لكونه بحكم تصرفه وتلفه

١٣٢

عنده بخلاف الزكاة حيث قلنا بوجوبها على المالك والدفع إسقاط عنه فإنه حينئذ بحكم رجوعه بالبعض الذي لا ينافي جواز رجوعه بالباقي.

هذا ما تطرق اليه الخيال على تشتت البال بحسب ما تقتضيه القاعدة وعليك بالتأمل فيه فإنه لا يخلو من الحاجة اليه والى مراجعة كلمات الأصحاب ،

الرابع ـ فيما لو مات المتعاطيان فينتقل كل من العينين الى وارث من كانت بيده بالإرث على الملكية والى وارث المالك بناء على الإباحة (١) وعليه

__________________

(١) تحرير الكلام في التنبيه المذكور هو انه لا إشكال في لزوم المعاطاة بموت المتعاطيين بناء على الملك فان جواز الرجوع الثابت في المعاطاة انما هو من قبيل الأحكام الثابتة لموضوعاتها التي لا تقبل الإرث نظير جواز الرجوع بالهبة وليس من سنخ الحقوق التي تورث بحكم النبوي المشهور : «ما ترك الميت من حق فهو لوارثه» وكذا لو مات أحدهما فليس لوارثه الرجوع بها بل ليس للحي منهما الرجوع إذ الظاهر أو المتيقن من الجواز في المعاطاة رجوع كل من المتعاطيين على صاحبه وأخذ العين منه لا الأعم من ذلك والرجوع الى وارثه.

وبالجملة فكما ان الرجوع بالمعاطاة موضوعه الرجوع بنفس العين فلو تلفت ليس لكل منهما الرجوع على صاحبه بمثل التالف أو قيمته وتلزم المعاطاة بذلك ، فكذا لو مات المتعاطيان أو أحدهما ليس للوارث لهما أو الموجود منهما الرجوع بالمعاطاة الواقعة بين المورثين أو الواقعة بين أحدهما ومورث الآخر وتلزم المعاطاة بذلك.

هذا بناء على إفادتها الملك الجائز وأما بناء على إفادتها الإباحة فالذي يظهر من سيدنا ـ قدس سره ـ تبعا لغيره بطلانها بالموت حيث يقول : فينتقل كل من العينين الى وارث من كانت العين بيده بالإرث على الملكية والى وارث المالك بناء على الإباحة انتهى. والوجه في ذلك جعلها على الإباحة من قبيل العقود الإذنية كالعارية ـ مثلا ـ التي قوامها مجرد الاذن في التصرف ، فتبطل بموت كل من

١٣٣

فلا يجوز التصرف لكل من ورثة الطرفين إلا بإذن جديد من المالك الوارث ان كان الإباحة أو بتجديد المعاملة بينهما لعدم تأثير اذن المورث في إباحة الوارث ان كان الإباحة مالكية ، وكذلك ان كانت شرعية لقصور دليلها بالنسبة الى غير المتعاطيين

__________________

الآذن والمأذون ، ويفتقر جواز التصرف إلى إذن جديد ممن له الاذن.

هذا ولكن بمقتضى ما ذكرناه فيما سبق من انها من المعاوضات على كل من القول بالملك أو الإباحة وانها مبادلة بين الملكين على راي وبين السلطنتين على رأي آخر ، فلا وجه لبطلانها بالموت بل تلزم بذلك للسيرة القطعية على عدم البطلان بالموت فان وارث الميت من المتعاطيين لو رجع الى الحي منهما بما في يده من أحد العوضين وأخذه منه قائلاً : ان الاذن انما كان من مورثه وبطل بموته ينكر عليه ذلك وكذا لو رجع الحي على وارث الميت منهما وأخذ ما في يده من العوض ، وهو كاشف عن عدم البطلان بالموت ولو كان الاذن في المعاطاة نظير الاذن من المعبر للمستعير بالتصرف بما تحت يده من العارية ، لما كان للإنكار وجه.

ويشهد لعدم البطلان أيضا : ان كاشف الغطاء ـ قدس سره ـ في مقام استبعاد ما ذكره المشهور من الإباحة ذكر من جملة المبعدات ترتيب آثار الملك على ما ليس بملك حيث قال : «ومنها ان الأخماس والزكوات ـ الى أن يقول ـ والمواريث والربا والوصايا تتعلق بما في اليد الى ـ قوله ـ فتكون متعلقة بغير الاملاك» فيظهر من ذكر ذلك في مقام الاستبعاد ان إرث الوارث ما في يد مورثه من مسلمات الفقه حتى عند القائلين بالإباحة ، وشيخنا الأنصاري ـ قدس سره ـ اعترف له بالاستبعاد حيث قال : «وأما ما ذكره من تعلق الأخماس والزكوات» الى آخر ما ذكره ـ فهو ، استبعاد محض ولو كان موت أحد المتعاطيين بناء على الإباحة موجبا لبطلان المعاطاة لم يلزم تعلق الإرث بغير الملك إذ الوارث حينئذ يرث ما يملكه مورثه

١٣٤

ولو مات أحدهما ، فينتقل الى وارثه بالإرث على الملكية. وغير بعيد الحاقة بالنقل الاختياري في إيجابه اللزوم ، ويجوز لكل من الحي وورثة الميت التصرف فيما انتقل اليه لكونه ملكا له. وأما بناء على الإباحة فلا يجوز للحي التصرف فيما بيده لتوقفه على الاذن من وارث المالك ان كانت الإباحة مالكية أو شمول دليلها لهذه الصورة ان كانت شرعية ـ كما عرفت ـ وأما تصرف ورثة الميت فقد يقال بجوازه ان كانت الإباحة مالكية لتحقق الاذن أو بشاهد الحال من المالك الموجود الظاهر في شموله لجميع طبقات الطرف الآخر ، اللهم إلا أن يمنع ظهور الحال في رضائه بالتصرف في ماله مع كونه ممنوعا عن التصرف فيما هو بيده.

وبالجملة فالمدار على القول بالإباحة في جواز التصرف على تحقق

__________________

لا ما في يد مورثه المباح له ، فلا وجه لاستبعاد الشيخ كاشف الغطاء الإرث ، ولا لاعتراف الشيخ الأنصاري ـ قدس سره ـ ذلك الاستبعاد.

هذا وأما لزوم المعاطاة بالموت فلما ذكرناه من ان الثابت والمتيقن من الجواز في باب المعاطاة رجوع كل من المتعاطيين على صاحبه وأخذه العين منه ، فلو تلفت العين أو مات صاحبه لم يمكن تحقق ما هو الثابت في قبال أصالة اللزوم في المعاوضة من أخذ العين من صاحبه فإنه في صورة موت صاحبه وان أمكن إرجاع العين ولكنه من وارثه لا منه والأصل اللزوم في المعاوضة بلا فرق بين القولين لما ذكرناه من انها معاوضة على كل من المسلكين الملك أو الإباحة ، فكما ان الأصل عدم رجوع الملكين الى المالك الأصلي ما لم يثبت جوازه فكذا الأصل عدم عود السلطنتين الى المالك الا بعد تحقق الرجوع ونفوذه.

هذا تحرير الكلام في ما ذكر في التنبيه المذكور ومنه تعرف وجه المناقشة فيما ذكره سيدنا ـ قدس سره ـ :

١٣٥

الاذن من المالك الفعلي أو من المالك الحقيقي وهو غير مندرج تحت قاعدة كلية

هذا بحسب ما تقتضيه القاعدة من الفرق بين القولين فان قام دليل من إجماع أو سيرة على جواز التصرف في صورة موتهما أو موت أحدهما من غير توقف على اذن جديد ، فهو خروج عن القاعدة وتخصيص لها بدليل خاص.

الخامس ـ لا يرجع بالنفقة لو رجع بالعين على الملكية لأنه بذلها في ملكه فلا يستحق الرجوع بها على غيره ويرجع بها على الإباحة لو رجع عليه مع عدم التبرع بالإنفاق على الأظهر.

ثم ان ههنا أمورا ينبغي التعرض لها والتنبيه عليها.

منها ما ذكروه في ملزمات المعاطاة : من تلف العينين أو إحديهما ـ كلا أو بعضا ـ أو نقلهما أو إحديهما كذلك بنقل لازم أو جائز أو مزج بغيره بحيث لا يتميز عنه أو تصرف مغير للصورة.

فنقول اما التلف ، وهو : إما أن يكون من الجانبين أو من جانب واحد وعلى التقديرين ، فالكلام فيه مرة على القول بالملكية واخرى على القول بالإباحة. أما مع تلف العينين ، فالتالف من مال من انتقل اليه على القول بالملك لأنه تلف في ملكه ولا معنى لضمانه ملك نفسه ، فلا رجوع لأحدهما على صاحبه ببدله الواقعي من المثل أو القيمة لو أراد الرجوع لانقطاع استصحاب علقة المالك في العين بعد تلفها (١) وهو معنى اللزوم

__________________

(١) ليس منشأ اللزوم وعدم جواز رجوع أحدهما على صاحبه بالبدل الواقعي : هو انقطاع استصحاب علقة المالك بتلف العين ، لما ذكرناه سابقا من أنه بعد انتقال المال الى الطرف بالتعاطي وملكه له ، لم يبق لمالكه الأول علقة فيه أصلا حتى يتصور استصحابها وينقطع ذلك بتلف العين ، بل الوجه في اللزوم وعدم جواز الرجوع بعد التلف هو ان المتيقن من الجواز الثابت بالإجماع في قبال أصالة اللزوم الثابتة بآية التجارة عن تراض.

١٣٦

فيه. ومنه يظهر الفرق بينه وبين تلف المبيع في زمن الخيار الذي يرجع فيه يبدل التالف من المثل أو القيمة لكون الرجوع فيه من أحكام العقد الخياري بخلاف المقام.

وأما على القول بالإباحة ، فلا إشكال في اللزوم بذلك ، بل ذهب غير واحد الى عدم الخلاف فيه ، بل عن بعض دعوى الإجماع عليه وانما الكلام في ان ذلك هل هو على وفق القاعدة ، أو على خلافها ، خرج عنها بالإجماع؟ ذهب بعض إلى الأول ، نظرا إلى أصالة البراءة عن بدل التالف للمالك لو أراد الرجوع بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة مع عدم ما يوجب ضمانه لان الموجب له : اما الأصل ، وهو استصحاب جواز الرجوع قبل التلف ، وقد عرفت انقطاعه بانتفاء متعلق العلقة المستصحبة من العين ، واما اليد لعموم حديث «على اليد» الممنوع شموله للمقام لان اليد لم تكن يد ضمان عند وجود العين ولا بعد تلفها ، مع عدم ارادة الرجوع وجواز الرجوع فرع كون اليد يد ضمان قبله. وذهب جماعة الى الثاني نظرا الى كون العين عند المعاوضة بالتعاطي مضمونة على قابضها بالبدل الجعلي ، فإذا لم يسلم ولم يلزم المسمى المجعول بقرار المتعاطيين رجع الى البدل الواقعي من المثل أو القيمة فاليد يد ضمان من أول الأمر.

__________________

ونحوها صورة بقاء العينين.

لا يقال : ثبت في الأصول أنه لو ورد عام وورد مخصص له ولم يكن له عموم زماني ، ففي مقام الشك يتمسك باستصحاب المخصص لا بعموم العام ، وما نحن فيه من ذلك ، فان عموم آية التجارة عن تراض ونحوه مما هو مدرك أصالة اللزوم المقتضى لعدم جواز إرجاع كل من المتعاطيين ما ملكه لصاحبه بالمعاطاة وإعادته إلى ملكه إلا بالتجارة عليه وكسبه منه عن رضا به ، قد خصص بالإجماع على جواز المعاطاة ، فعند الشك في

١٣٧

قلت : المرجع في الضمان للبدل وعدمه الى كون الإباحة هل هي مجانية أو بعوض إذ لا معنى لغرامة البدل مع كون الإباحة مجانية التي معناها لا غرامة عليه أصلا ، وحيث كانت المعاطاة معاوضة فلا جرم كانت العين مضمونه ببدلها على من قبضها ، وقياسه بنثار العرس المبذول مجانا كما في الجواهر قياس مع الفارق نعم يمكن أن يقاس به بناء على مذهبه في موضوع المعاطاة من قصد الإباحة بالإباحة ، فإن العوضية إنما هي بين الاباحتين لا بين العينين فتكون الإباحة حينئذ بالنسبة إلى متعلقها مجانية من الجانبين وان وقعت الإباحة بإزاء الإباحة ولعله مثله أيضا في المجانية لو فرض قصدهما التمليك بالتمليك كما هو أحد الاحتمالات المتقدمة في تصوير المعاطاة بإرادة التسليط التمليكي بإزاء التسليط التمليكي فالملكية حينئذ مجانية وان قوبلت بالملكية الأخرى كذلك نظير الهبة المشروطة بالهبة على وجه يكون أحدهما كالداعي للآخر نعم بناء على فرض قصد التمليك بالتمليك اي تمليك العين بتملك الأخرى على نحو التمليك البيعي كما هو أحد الاحتمالات المتقدمة أيضا بل هو الغالب من قصد المتعاطيين كما نشاهده بالوجدان فيشكل الحكم باللزوم بناء على القول بالإباحة فيه ضرورة كون المعاوضة في هذه الصورة انما هي بين العينين ومقتضاه الضمان ، والمسمى وان وقع القرار بينهما عليه الا ان الالتزام به مع كونه غير البدل الواقعي موقوف على ثبوت ملزم شرعي وهو مع كونه ممنوعا عين الدعوى ومصادرة وهذا بخلاف البدل الواقعي فإن دفعه بعد عرفا دفعا للتالف ولا حق للمالك

__________________

جواز الرجوع بها بعد تلف العين ينبغي التمسك باستصحاب جواز الرجوع فيلزم من تلف المال عنده دفع مثله أو قيمته لطرفه لو رجع بها.

لأنا نقول : هذا يتم فيما لو كان الجواز ثابتا بدليل الخيار مما كان موضوعه العقد فان مرجعه إلى سلطنة لذي الخيار على حل العقد وإقراره فلو شك في بقاء الخيار للشك في كونه دائرا مدار بقاء العين أو أنه باق

١٣٨

أزيد من ذلك وعليه فيكون اللزوم في هذه الصورة على خلاف القاعدة خرج عنها بالإجماع اللهم الا ان يوجه تطبيقه عليها بما سيأتي.

هذا مع تلف العينين وأما مع تلف إحديهما وبقاء الأخرى ففي صورة ما لو كان من قصد المتعاطيين الإباحة بالإباحة فلمالك العين الموجودة الرجوع بها لأنها ملكه بالفرض وان أباح التصرف لغيره ولا رجوع عليه ببدل التالف لان المفروض فيها كون الإباحة مجانية ولا يتوهم استلزامه الجمع بين العوضين إذ لا معاوضة بين العينين بل هي بين الاباحتين وقد حصل التصرف فيهما من الجانبين. وأما مع قصدهما الملكية على نحو الإيجاب والقبول القولي فعلى القول بالإباحة مقتضى القاعدة جواز الرجوع بالعين الموجودة لمالكها لكونها باقية على ملكه والغرامة لصاحبه عن التالف عنده ببدله الواقعي لكون يده يد ضمان لعموم حديث «على اليد» بعد ان كانت المعاوضة بين العينين ، وليس المسمى بدلا عنه وان وقع القرار عليه لعدم الدليل على وجوب الالتزام به بعد أن لم تتم البدلية بينهما بالفرض إلا أن يقوم إجماع عليه ، وهو ان ادعى فعلى عهدة مدعية. وأما بناء

__________________

مع تلفها أيضا ، ففي مثل ذلك يكون المورد من قبيل استصحاب حكم المخصص المقدم على أصالة العموم ويجرى استصحاب بقاء السلطنة على حل العقد عند تلف العين ويلزم من تلفت عنده مع الفسخ البدل الواقعي من المثل أو القيمة لطرفه. أما ما نحن فيه مما كان الجواز فيه ثابتا في قبال أصالة العموم واللزوم بالإجماع الذي هو دليل لبي ولا معقد له فكما يمكن أن يكون مفاده ثبوتا جواز الرجوع بالمعاوضة الحاصلة بالمعاطاة القابل للبقاء مع تلف العين كذلك يمكن أن يكون هو جواز الرجوع بالعين التي وقع التعاطي بها الغير القابل للبقاء مع التلف ومع الشك يقتصر على القدر المتيقن من الجواز ، وهو صورة بقاء العين. والحاصل : ان المقام ليس من قبيل

١٣٩

على الملكية فعلى القول بأصالة اللزوم في الملك لا رجوع لأحدهما على صاحبه لأنه مقتضى الأصل الذي خرج عنه بالخصوص الرجوع مع بقاء العينين وأما بناء على المختار من أصالة الجواز في الملك لاستصحاب بقاء العلقة السابقة ، فيشكل تطبيق الحكم فيه باللزوم على القاعدة كما عليه المشهور ، بل ادعى عدم الخلاف فيه وان احتمله (في المسالك) احتمالا إذ مقتضى استصحاب بقاء العلقة بالنسبة إلى العين الموجودة لمالكها جواز الرجوع بها فان رجع بها رجع صاحبه عليه حينئذ ببدل التالف من المثل أو القيمة لكون العين التالفة كانت مضمونة عليه قبل التلف.

__________________

استصحاب حكم المخصص ، بل هو من موارد التمسك بعموم العام وأصالة اللزوم.

ثم ان هذا بناء على حصول الملك بالمعاطاة. وأما بناء على القول بإفادتها الإباحة فكذلك لا يمكن إحراز جواز الرجوع بعد تلف العين لان الجواز الثابت قبل التلف بناء على الإباحة هو مقتضى سلطنة المالك على ماله فانا قلنا بأن المعاطاة بناء على الإباحة مبادلة بين المالين مفادها سلطنة كل من المتعاطيين على ما تحت يده من مال الآخر سلطنة مطلقة مع بقاء كل منهما على ملك مالكه ، وبما أن أصل الملك لكل منهما فيما دفعه الى طرفه باق على ما كان عليه فلكل منهما إبطال المعاوضة وإرجاع ما حصل بها من السلطنة المطلقة لطرفه اليه بمقتضى سلطنة الناس على أموالهم ، كما كان أصل المعاوضة بمقتضاها ، ولكن حيث كان تلف مال المالك المبيح موجبا لخروجه عن ملكه ودخوله في ملك المباح له قبل التلف آنا ما بمقتضى كون الضمان فيها معاوضيا وان ما بيد كل منهما مضمون بعوضه الذي هو في يد الآخر فيدخل العوض عند التلف في ملك المبيح ولازمه خروج المباح عن ملكه ودخوله في ملك المباح له قبل التلف آنا ما ، والا لزم الجمع بين العوض

١٤٠