عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني
المحقق: د. طلعت صلاح الفرحات / د. محمّد أديب شكور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر ناشرون وموزعون
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٨٠٢
٢٩ ـ (لِئَلَّا) : (لا) (١) زائدة ، (٢) (٣٠٥ و) وفي جزء عبد الله : (لكي يعلم). (٣) قال الفرّاء : تجعل العرب (لا) صلة في كلام فيه جحد ، قال الله : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [الأعراف : ١٢] ، (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩](وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [الأنبياء : ٩٥]. (٤)
٢٩ ـ (أَهْلُ الْكِتابِ ...) :(٥) بعضهم حالة الاختيار ، أو كلّهم حالة الاضطرار.
__________________
(١) ساقطة من أ.
(٢) مجمع البيان ٩ / ٣١٠ ، والتفسير الكبير ١٠ / ٤٧٥ ، والدر المصون ٦ / ٢٨٢.
(٣) تفسير الطبري ١١ / ٦٩٧ ، وإعراب القرآن للنحاس ٤ / ٣٦٩ ، والمحرر الوجيز ١٤ / ٣٣٠.
(٤) معاني القرآن للفراء ٣ / ١٣٨.
(٥) يفسر هنا قوله تعالى : (أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ).
سورة المجادلة
مدنيّة. (١)
وهي اثنتان وعشرون آية في غير عدد أهل مكّة وإسماعيل. (٢)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ـ (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ) : روي : أنّ أوس بن (٣) الصّامت قال لامرأته خولة بنت ثعلبة الأنصارية : أنت عليّ كظهر أمّي ، وكانت هذه الكلمة يطلّق (٤) بها أهل الجاهليّة ، فأتت النّبيّ عليهالسلام فقالت : إنّ أوسا تزوّجني وأنا شابّة مرغوب فيّ (٥) ، فلمّا خلا سني ، ونثرت بطني جعلني عليه كأمّه ، فقال عليهالسلام : «ما أراك إلا حرمت عليه» ، وروي : «ما عندي من أمرك شيء» ، فقالت : زوجي وابن عمّي وأحبّ النّاس إليّ ، وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يخدم ، أشكو إلى الله تعالى ، وقالت فيما قالت : إنّ لي صبية صغارا ، إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إليّ جاعوا ، وكانت عائشة تغسل رأس النّبيّ عليهالسلام فقالت : يا خويلة ، أقصري حديثك ومجادلتك مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أما ترين إلى وجه النّبيّ عليهالسلام تربّد ليوحى (٦) إليه ، فما تحوّلت عنه إلى جانب آخر حتى نزل جبريل عليهالسلام بآية الظّهار. (٧) فجعله تحريما مؤقّتا بالتكفير. (٨) أو شبّه امرأته بظهر أمّه أو بطنها أو فخذها أو فرجها ، أو قال : رقبتك أو رأسك وفرجك يكون ظهارا. (٩) ولا يجوز الظّهار من الذميّ. (١٠) والأمة لا تدخل في الظّهار. (١١)
__________________
(١) زاد المسير ٨ / ٣ عن ابن عباس ، والدر المنثور ٨ / ٦٧ عن ابن عباس وابن الزبير.
(٢) وعدد آيها عند أهل مكة وإسماعيل عشرون آية. البيان في عد آي القرآن ٢٤٢ ، والتلخيص ٤٣١ ، ومجمع البيان ٩ / ٣١٤ ، وجمال القراء ٢ / ٥٤٩.
(٣) ساقطة من ع.
(٤) ع : نطق.
(٥) (وأنا شابّة مرغوب فيّ) ، ساقط من ع ، و (فلما) بدلا منها : (فلا).
(٦) الأصول المخطوطة : لا وحي ، والتصويب من كتب التخريج.
(٧) حديث خولة مع زوجها أوس رضي الله عنهم أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٤١٠ ، وأبو داود في السنن (٢٢١٤) ، والطبراني في الكبير (٦١٦) وابن حبان في صحيحه (٤٢٧٩) عن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها.
(٨) ينظر : المبسوط للسرخسي ٦ / ٢٤٤ ، وتبيين الحقائق ٣ / ٢.
(٩) ينظر : الهداية شرح البداية ٢ / ١٨ ، وبدائع الصنائع ٣ / ٢٣٣ ، وفتح القدير ٤ / ٢٥٠.
(١٠) ينظر : بدائع الصنائع ٣ / ٢٣٠ ، وتبيين الحقائق ٣ / ٢ ، وشرح فتح القدير ٤ / ٢٤٥.
(١١) ينظر : المغني ٨ / ١٥ لم يجعله ظهارا لكنه أوجب فيه الكفارة ، والمبسوط للسرخسي ٦ / ٢٢٨ ليس ظهارا ولا كفارة فيه.
٣ ـ وفي قوله : (ثُمَ (١) يَعُودُونَ لِما قالُوا) أربعة أقوال : أحدها : اللّام بمعنى من ، أي : ممّا قالوا كقوله : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) [الأنبياء : ١]. والثّاني : ثمّ يعودون إلى إبطال أو رفع أو استدراك ما قالوا. (٢) والثّالث : المراد بالعود النّدامة ، واللّام بمعنى على ، أي : يندمون على ما قالوا. والرابع : على التّقديم والتّأخير ، تقديره : والذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون فتحرير رقبة لما قالوا (٣)(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا). (٤)
وقد أخطأ من فسّر العود بتكرار لفظة الظّهار ؛ لأنّه لم يرد فيه توقيف ، ولا هو من قضيّة اللّغة ، (٥) ولفظ (ثمّ) يدلّ على تأخّر العود عن الظّهار بزمان ، فإن مسّها قبل الكفّارة فعليه الكفّارة (٦) ؛ لما روي : أنّ سلمة بن صخر جاء إلى النّبيّ عليهالسلام فقال : تظاهرت من امرأتي فرأيتها في ليلة قمرا فأعجبتها ، فواقعتها ، فقال عليهالسلام : «استغفر الله ، ولا تعد حتى تكفّر» (٧) ، وإن مسّها في أثناء الكفّارة فعليه الاستقبال ؛ لأنّ إيجاب جميع الصّوم قبل المسيس أمر بإخلاء الشّهرين عن المسيس ، وهو قادر على ذلك ، والذي لا يستطيع شيئا من الكفّارات الثلاث ، فلسنا نرى له أن يقرب امرأته بوجه من الوجوه.
٥ و ٢٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) : الآيتان في الوعيد.
(الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : كفّار بدر. (٨) وقيل : كفّار الخندق. (٩)
٧ ـ (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) (٣٠٥ ظ) من مجاز الكلام ، وحقيقته استحالة اجتماعهم من غير أن يجمع ، وتناجيهم من غير أن يسمع ، فهو واحد قبلهم ، وواحد معهم ، وواحد بعدهم ، تعالى عن كلّ اتّصال وانفصال وانعقاد وانحلال.
٨ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) : كان المنافقون يرجفون في المدينة على
__________________
(١) أ : قولهم.
(٢) ينظر : تفسير البيضاوي ٥ / ١٩٢ ، وتفسير أبي السعود ٨ / ٢١٦.
(٣) ك تقديم وتأخير : لما قالوا فتحرير رقبة.
(٤) ينظر : إعراب القرآن للنحاس ٤ / ٣٧٣ عن الأخفش ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٣٩٢ ، المحرر الوجيز ١٤ / ٣٣٨.
(٥) ينظر : الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ٣٣٣ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٢٨٠ ـ ٢٨١.
(٦) بداية المبتدي ٨١ ، وبداية المجتهد ٢ / ٨٦.
(٧) أخرجه أبو داود في السنن (٢٢٢١) ، والترمذي (١١٩٩) ، والبيهقي في الكبرى ٧ / ٣٨٦ ، وقال الترمذي : حديث حسن غريب صحيح. وقال ابن حجر رحمهالله في الدراية في تخريج أحاديث الهداية ٢ / ٧٥ : «لم أجد في شيء من طرقه ذكر الاستغفار».
(٨) إيجاز البيان عن معاني القرآن ٢ / ٨٠٧ ، ووضح مشكلات القرأن ٢ / ٣٩١ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٢٨٨.
(٩) معاني القرآن للفراء ٣ / ١٣٩ ، ووضح البرهان في مشكلات القرآن ٢ / ٣٩١ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٢٨٨.
سبيل التّناجي إذا خرجت سريّة من المسلمين ، فكان (١) يحزن من ذلك أولياء الغزاة ، ويظنّون أنّهم سمعوا مكروها من جهة الغزاة ، أو عندهم خبر سبق ، فنهاهم الله عن ذلك ، فلم ينتهوا ، فأنزل الله. (٢)
وعن عائشة قالت : دخل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يهود فقالوا (٣) : السّام عليكم با أبا القاسم ، قالت عائشة : فقلت : عليكم السّام ونلت منهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله لا يحبّ الفحش والتّفحّش» ، قالت : أو ما سمعتهم يقولون : السّام عليك؟ قال عليهالسلام : أو ما تسمعينني ما أقول؟ عليكم ، فأنزل الله : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ.)(٤)
١١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ) : نزلت فيمن لم يتفسّح لثابت بن قيس. (٥) التّفسّح : التّوسّع في المجلس ، والفسحة : الوسعة. (٦)
(يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) : قبوركم ، (٧) أو يبارك لكم في مجلسكم.
(وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا) : انهضوا للعدوّ. (٨) وقيل : قيام الرّجل عن المجلس لمن هو أفضل منه قرآنا وعلما.
١٢ و ١٣ ـ وعن مجاهد في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال : نهوا عن مناجاة النّبيّ عليهالسلام إلا يقدّموا صدقة ، فلم يناجه إلا عليّ بن أبي طالب قدّم دينارا ، أو تصدّق به ، ثمّ أنزل الله : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) فشقّ ذلك على المسلمين ، فوضعت ، وأمر بمناجاته بغير صدقة. (٩)
١٤ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا ...) الآيات : نزلت الآيات في المنافقين الذين كانوا يتولّون اليهود والمشركين في الشّرّ. (١٠)
__________________
(١) ساقطة من أ.
(٢) ينظر : تفسير السمعاني ٥ / ٣٧٦ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٢٩١ عن ابن عباس.
(٣) أ : وقالوا.
(٤) أخرجه إسحاق بن راهويه ٣ / ٨١٥ ، ومسلم في الصحيح (٢١٦٥) ، والنسائي في الكبرى (١١٥٧١).
(٥) ينظر : مجمع البيان ٩ / ٣٢١ ، وزاد المسير ٨ / ١٠ ، وتفسير البغوي ٨ / ٥٧ عن الكلبي.
(٦) ينظر : القاموس المحيط ١ / ٩٩٦ ، والمحيط والمحكم الأعظم ٣ / ٣٠٥ ، ولسان العرب ٢ / ٥٤٣.
(٧) تفسير القرطبي ١٧ / ٢٩٩.
(٨) ينظر : زاد المسير ٨ / ١١ عن الحسن ، وتفسير غريب القرآن لابن الملقن ٤٥٤.
(٩) تفسير مجاهد ٦٦٠ ـ ٦٦١.
(١٠) ينظر : تفسير الطبري ١٢ / ٢٣ عن قتادة وابن زيد ، وزاد المسير ٨ / ١٣ ، وتفسير مبهمات القرآن ٢ / ٥٨٠.
١٦ ـ (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) : ترسا. (١)
٢٢ ـ (لا تَجِدُ قَوْماً) : نزلت في إبطال عذر حاطب بن أبي بلتعة حيث قال : لم أتقرّب إلى قريش إلا لمكان أهل بيتي منهم. (٢)
(أُولئِكَ) : إشارة إلى قوم مؤمنين. (٣)
(كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) : أوجده وأوجبه فيه (٤).
(وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [الصف : ٨].
__________________
(١) ينظر : مجمع البيان ٩ / ٣٢٤ ، وعمدة الحفاظ ١ / ٤٠٢.
(٢) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٤١ ، وتفسير السمعاني ٥ / ٣٩٣ ، ومجمع البيان ٩ / ٣٤٥ ، وزاد المسير ٨ / ١٥.
(٣) ينظر : تفسير السمرقندي ٣ / ٣٩٩.
(٤) ساقطة من أ. وينظر : المحرر الوجيز ١٤ / ٣٦٠ ، تفسير القرطبي ١٧ / ٣٠٨.
سورة الحشر
مدنيّة. (١)
وهي أربع وعشرون آية بلا خلاف. (٢)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ـ (سَبَّحَ لِلَّهِ) : الآيات نزلت في بني قينقاع ، أو في بني النّضر. (٣)
والقصّة في (٤) ذلك : أنّ النّبيّ عليهالسلام هاجر إلى المدينة ، صالحته اليهود على أن لا يكونوا له (٥) ولا عليه ، فلمّا غزا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بدرا ، وظفر بالمشركين قالت : والله هذا النّبيّ الذي وجدنا لا تردّ له راية ، ثمّ إنّ طائفة من اليهود ، وهم بنو قينقاع ، نقضوا العهد وحسدوا رسول الله عليهالسلام ، وخافوا على أنفسهم فقالوا للمسلمين : والله لو قاتلناكم لرأيتم منّا غير الذي رأيتم (٦) من أهل بدر ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأرسل إليهم أن اخرجوا من جوارنا ، فأبوا وتحصّنوا وتهيّؤوا للقتال ، فحاصرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى نزلوا (٢٠٦ و) على حكمه ، فغنم رسول الله صلىاللهعليهوسلم رقابهم وأموالهم ، ولم تكن لهم نخل ولا مزارع ، ثمّ استوهبهم ابن أبيّ بن سلول ، فأرسلهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أذرعات ، وكانت هذه الغزوة في شوّال سنة اثنتين. (٧)
وكان كعب بن الأشرف ، وهو رجل من طي بن نبهان ، ولكنّه من جهة أخواله ، فإنّ أمّه كانت من بني النّضير ، قد نقض العهد ، وهجا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ورثى قتلى بدر ، وحرّض المشركين على المسلمين ، ثمّ ارتحل إلى مكة ، وحالف قريشا تحت أستار الكعبة ، أن يكون معهم على عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم محمد بن مسلمة الأنصاريّ في أربعة من الأوس منهم عبّاد بن بشر وأبو نائلة (٨) سلكان بن سلامة والحارث بن أوس وأبو عبس (٩) بن جبر
__________________
(١) زاد المسير ٨ / ١٧ ، والدر المنثور ٨ / ٨٤ عن ابن عباس وابن الزبير.
(٢) التلخيص في القراءات الثمان ٤٣٣ ، ومجمع البيان ٩ / ٣٢٧ ، وفنون الأفنان ٣١٣.
(٣) لم أجد فيما لدي من مصادر ما يدل على أن السورة نزلت في بني قينقاع ، والمفسرون على أنها نزلت في بني النضير ، وهذا هو الصواب ، أما ما ذكر من بني قينقاع فإنهم هم الذين جاء التشبيه بهم في قوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً) [الحشر : ١٥] والله تعالى أعلم. ينظر : زاد المسير ٨ / ١٧ ، وتفسير البغوي ٨ / ٦٧ ، والدر المنثور ٨ / ٨٤ عن ابن عباس.
(٤) أ : والقصص.
(٥) ساقطة من ك.
(٦) أ : ما يتم.
(٧) ينظر : الكشاف ٤ / ٤٨٩ ، وتفسير أبي السعود ٨ / ٢٢٥ ، وتخريج الأحاديث والآثار ٣ / ٤٣٧ ، وقال الزيلعي : غريب ، وهو في تفسير الثعلبي من غير سند.
(٨) الأصول المخطوطة : نافلة ، والتصويب من كتب التخريج.
(٩) الأصول المخطوطة : عيسى. والتصويب من كتب التخريج.
ليغتالوه ، فأتوه في جوف اللّيل ، واستنزله محمد بن سلمة من قصره ، وشكا إليه رسول الله واستقرضه طعاما ، ثمّ تشبّث برأسه ، فكبّر ، فخرج أصحابه من وراء الحائط وضربوه حتى برد ، وفي ذلك يقول عبّاد بن بشر [من الوافر] : (١)
صرخت به فلم يجعل لصوتي |
|
وأوفى طالعا من فوق قصر (٢) |
فعدت فقال : من هذا المنادي |
|
فقلت : أخوك عبّاد بن بشر |
وأقبل نحونا يهوي سريعا |
|
وقال لنا : قد جئتم لأمر |
فعانقه ابن مسلمة المرادى (٣) |
|
له الكفّار (٤) كاللّيث الهزبر |
وشدّ بسيفه صلتا عليه |
|
فقطّره أبو عبس بن جبر |
وصلت وصاحباي في مكان لّما |
|
قتلناه الخبيث كذبح عير |
وكان الله سادسنا فأبنا |
|
بأفضل نعمة وأعزّ نصر |
وكانت هذه الواقعة في صفر سنة ثلاث ، وبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سنة أربع جبر بن عتيك في ثلاثة من أصحابه إلى خيبر ليغتالوا لما فيه من خيبر ، وهو [أبو](٥) رافع بن سلام بن أبي الحقيق ، فاغتالوه ، وكانوا قد دخلوا عليه وهو سكران ، والذي تولّى قتله عبد الله بن أنيس الأنصاريّ ، ورجعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم سالمين. (٦)
ثمّ انطلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بني النّضير يستعينهم في دية رجلين من بني كلاب قتلهما عمرو بن أميّة ، وكان لهما عهد ، ومعه أبو بكر وعمر وعليّ وطلحة والزّبير وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة ، فاستقبلته اليهود ، ورحّبوا به فقالوا : قد آن لك أن تزورنا يا أبا القاسم ، ولك عندنا ما تحبّ ، ولكن احتبس عندنا ساعة نطعمك ، فاستنزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بيت من بيوتهم ، وجلس معه أصحابه ، ورجعت اليهود بعضها إلى بعض يتآمرون في أمره ، فأشار عليهم حييّ بن أخطب أن يلقوا عليه رحا من فوق السّطح ، فأعلم الله نبيّه كيدهم ، فوثب كأنّه يريد حاجة ، وخرج حتى رجع إلى المدينة ، وتبعه أصحابه من بعده ، ثمّ أرسل إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأمرهم بالخروج من جواره ، وأجّلهم عشرة أيّام (٣٠٦ ظ) فأخذوا يتجهّزون للخروج ، ثمّ
__________________
(١) ينظر قصة قتل كعب الأشرف مع الأبيات : المستدرك ٣ / ٤٩٢ ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٣٤٠ ، وتهذيب الكمال ١٤ / ١٠٦ ، والاستيعاب ٢ / ٨٠٢.
(٢) كتب التخريج : جدر.
(٣) كتب التخريج : المردّى.
(٤) ع وك : الكفار. وما أثبت الصواب ، ينظر : كتب التخريج.
(٥) زيادة من كتب التخريج.
(٦) ينظر : الطبقات الكبرى ٢ / ٩١ ، وأخبار المدينة ١ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.
أرسل إليهم ابن أبي [بن](١) سلول المنافق أن لا تبرحوا مكانكم ننصركم ، فاغترّوا بذلك ، وأرسلوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لسنا بخارجين عن ديارنا ، فاصنع ما أنت صانع ، فكبّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وسار بأصحابه نحوهم ، وهم مشاة على أرجلهم على المقدّمة الفضل بن عبّاس ، وعلى الميمنة عكاشة بن محصن ، وعلى الميسرة ثابت بن أقرم الأنصاريّ ، فصلّى العصر بفنائهم ، وهم يرمون بالنّبل والحجارة إلى اللّيل ، وانصرف (٢) رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بيته في عشرة من أصحابه الدّرع ، وهو على فرس ، وقد استعمل عليّا رضي الله عنه على العسكر ، والمسلمون يكبّرون حتى أصبحوا ، ثمّ سار النبيّ عليهالسلام ، وحمل معه قبّة من أديم ليبيت فيها ، فحاصرهم خمسة عشر يوما ، وسعد بن عبادة يحمل إليهم التّمر من المدينة ، وبينهم وبين المدينة مقدار ميلين ، وكان المسلمون يتّقون دورهم (٣) وهم بها على المسلمين ، ففي ذلك قوله تعالى : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقطع نخلهم ، وكانت خير أموالهم العجوة ، فأخذوا يعيبون المسلمين على ذلك ، ويقولون : إنّكم معشر المسلمين تزعمون أنّكم لا تحبّون الفساد في الأرض ، فكيف تقطعون النّخيل ، وإنّما هي لنا إن ظفرنا ، ولكم إن ظفرتم؟ وطمع بعض المسلمين في ذلك فلم يقطع منها شيئا ، ثمّ اختلفوا فيما بينهم بعد ما استولوا ، فأنزل الله : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ...) الآية [الحشر : ٥] ؛ لأنّ من قطعها قطعها إضرارا باليهود ، ومن تركها تركها نفعا للمسلمين ، وأسلم من بني النّضير يامين بن عمير وأبو سعد (٤) بن وهب ، فأحرزا أموالهما ، وشرط النّبيّ عليهالسلام لليهود أن يخرجوا ولهم ما حملت إبلهم إلا الحلقة ، وهي السلاح ، فخرجوا على ذلك ، وغنم رسول الله صلىاللهعليهوسلم سلاحهم وسائر أموالهم سوى ما حملت الإبل. (٥)
٢ ـ واختلفوا في قوله : (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) فقال القتبيّ (٦) : (الْحَشْرِ) : هو الجلاء. (٧) وهؤلاء اليهود أوّل قوم أجلوا عن ديارهم. وقال الأزهريّ : هو أوّل حشر إلى الشّام ، ثمّ يحشر إليها يوم القيامة. (٨)
وقد روى عكرمة ، عن النّبيّ عليهالسلام قال : «من شكّ أنّ الحشر ليس بالشام فليقرأ : أوّل
__________________
(١) زيادة من كتب التخريج.
(٢) ك : وانصرف.
(٣) أ : دونهم.
(٤) ع : سعيد.
(٥) ينظر غزوة بني النضير وأمر إجلائهم : السيرة النبوية لابن هشام ٣ / ١٥١ وما بعدها.
(٦) الأصل وك وأ : القيسي وع : قيس.
(٧) تفسير غريب القرآن ٤٥٩.
(٨) تهذيب اللغة ١ / ٨٢٧.
الحشر» ، وهو قوله : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) [الحشر : ٢] ، فلمّا قال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اخرجوا من المدينة» ، قالوا : إلى أين؟ قال : «إلى أرض المحشر» (١). وعن الحسن قال : لّما (٢) أجلى النّبيّ عليهالسلام بني النّضير [قال] : «هذا أوّل الحشر ، وأنا على الأثر» (٣).
٦ ـ (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى ... رَسُولِهِ) : الآية في قطع أطماع الصّحابة عن قسمة أرض بني النّضير على حكم الجاهليّة ، وكان حكم الجاهليّة أنّ كلّ سريّة خرجت عن خيل أو ركاب وغنمت شيئا دفعوا (٣٠٧ و) المرباع إلى رئيسهم ، وقسموا سائرها بينهم ، فقالوا : هذا اليوم لك المرباع يا رسول الله ، فخلّ بيننا وبين الباقي. (٤) فبين الله تعالى أنّهم لا يستحقّونها (٥) بحكم جاهليةو لا إسلام ، أما حكم الجاهليّة فلأنّهم لم يكونوا أوجفوا عليه خيلا ولا ركابا ، وأما حكم الإسلام فإنّ الأمر لله يحكم كيف يشاء ، وقد حكم (٦) بالفرق بين الفيء وبين الغنيمة (٧).
(إيجاف الخيل) : كإيضاع الإبل ، وذلك إسراعها ، لكنّ الإيجاف أعمّ من الإيضاع (٨).
٧ ـ (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) : الآيات في صرف الأرضين المفتتحة إلى رأي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليحكم فيها خلاف حكمه في سائر الأموال المغنومة ، فحبس رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعضها لنفسه وقرابته ولفقراء المسلمين ولسائر مواليه (٩) ، وقسم بعضها بين الغزاة ، وكان ممّا قسم النّصف من خيبر جعلها على ثمانية عشر سهما ، واستنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بهذه السّنّة.
(كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً) : شيئا متداولا. (١٠)
٩ ـ (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) : حاجة وفقر. (١١)
(مِمَّا أُوتُوا) : ممّا آتاهم الله من الرّضا والصّبر ، أو بما أوتي المهاجرون من الغنيمة. (١٢)
__________________
(١) أخرجه ابن عدي في الكامل ٣ / ٣٨٥ موقوفا على ابن عباس.
(٢) ع : كما.
(٣) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ٥٨.
(٤) ينظر : ومعاني القرآن للفراء ٣ / ١٤٤ ، وتفسير العز بن عبد السّلام ٣ / ٣٠١ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ١٦.
(٥) الأصول المخطوطة : يستحبونها.
(٦) ك : كلم.
(٧) (خيلا ولا ركابا ، ... بين الفيء وبين الغنيمة) ، ساقط من أ.
(٨) ك : الإيضاح. ينظر : جمهرة اللغة ١ / ٤٩٠ ، ولسان العرب ٩ / ٣٥٢.
(٩) الأصول المخطوطة : يوانيه.
(١٠) معاني القرآن وإعرابه ٥ / ٤٦ ، وزاد المسير ٨ / ٢٣ ، وعمدة الحفاظ ٢ / ٢٩.
(١١) تفسير الطبري ١٢ / ٤١ ، وزاد المسير ٨ / ٢٣ ، وتفسير غريب القرآن لابن الملقن ٤٥٨.
(١٢) ينظر : تأويلات أهل السنة ٥ / ٩٠ ، وتفسير الماوردي ٤ / ٢١٢ عن مجاهد ومقاتل بن حيان ، وتفسير البيضاوي ٥ / ٢٠٠.
١١ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا) : فهذا فصل آخر في ذمّ المنافقين وتوهين (١) ، ووعظ المؤمنين (٢).
١٤ ـ (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ) : أي : إذا قاتل بعضهم بعضا كان بأسهم بينهم شديد. (٣)
(وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) : تأنيث شتّ ، وإنما كانت قلوبهم شتّى لكونهم على أديان مختلفة. (٤)
١٥ ـ و (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : كفّار بدر. (٥)
(قَرِيباً)(٦) : أي : من مكان قريب وزمان قريب (٧). وقيل : فيه تقديم وتأخير تقديره : ذاقوا وبال أمرهم قريبا. (٨)
١٦ ـ والظّاهر من قول الشّيطان : (لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) كقوله : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) [الأنفال : ٤٨].
عن عبيد بن رفاعة ، يرفعه : أنّ امرأة ابتليت فألقى الشّيطان (٩) بحنقها إلى أهلها أنّ شفاءها أن تأتوها إلى فلان الرّاهب ، قال : فذهبوا بها إليه ، فكلّموه أن يضعوها عنده في صومعته ، فكره ذلك ، فلم يزالوا به حتى فعل بمكثه (١٠) ما شاء الله عنده ، ثمّ إنّ الشّيطان أوقعها في نفسه فوقع بها ، فحملت ، فلمّا حملت أتاه الشّيطان فقال : تفتضح الآن ، اعمد إليها فاقتلها وادفنها ، فإذا أتاك أهلها فسألوك ، فقل : ماتت ، فدفنتها ، ففعل ، فجاءها أهلها فأخبرهم أنّها ماتت فدفنتها ، فصدّقوه ، وانصرفوا ، فأتاهم الشّيطان ، فأوقع في أنفسهم أنّه قتلها ، فأتوه ليقتلوه ، فسبق إليه الشّيطان فقال : إنّ أهلها يأتوك ليقتلوك ، وقد علمت أنّي صاحب هذا أوله وآخره ، فأطعني أنحك منهم ، اسجد لي سجدتين تنج منهم ، ففعل ، ففيه نزلت : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ)(١١). (١٢)
__________________
(١) هكذا في الأصول المخطوطة ، ولعلها : وتوهينهم.
(٢) ك وع وأ : ووعظا لمؤمنين.
(٣) ينظر : تأويل مشكك القرآن ٣٨٦.
(٤) ينظر : عمدة الحفاظ ٢ / ٢٨٨.
(٥) معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٤٨ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٤٠٨ ، والكشاف ٤ / ٥٠٧.
(٦) بياض في أ.
(٧) (وزمان قريب) ، ساقط من أ.
(٨) ينظر : التبيان في إعراب القرآن ٢ / ٤٠٦ ، والمحرر الوجيز ١٤ / ٣٨٧.
(٩) أ : الشيطا.
(١٠) هكذا في الأصول المخطوطة ، وأظنها : بمكثها.
(١١) ك زيادة : (فَلَمَّا كَفَرَ).
(١٢) ينظر : تفسير الصنعاني ٣ / ٢٨٥ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٤٠٨ ، وتفسير السمعاني ٥ / ٤٠٦.
٢١ ـ (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ) : هذا فصل من السّورة ، اتصالها من حيث التّنبيه والوعظ السّابق في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) [الحشر : ١٨].
٢٢ ـ (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (٣٠٧ ظ) هذا فصل آخر في الثّناء على الله ، واتّصالها بذكر المؤمنين ليتجدّد إيمانهم ، فينجع الوعظ السّابق في (١) قلوبهم.
٢٣ ـ (الْقُدُّوسُ) : اسم عظيم من أسماء الله تعالى ، اشتقاقه من القدس. (٢) وقال أبو عليّ الفسويّ (٣) : أصله من السّريانيّة قديس.
(الْمُؤْمِنُ) : من أسماء الله تعالى لإيمانه المؤمنين ظلمه ، وإيمانه الوحوش في الحرم ، ونصبه بيتا في الدّنيا من دخله كان آمنا.
و (الْمُهَيْمِنُ) : اسم من اسماء الله تعالى (٤) مشتقّ.
٢٤ ـ (الْبارِئُ) : الذي برئ النّسمة فهي البريّة ، واشتقاقه من البرء ، وهو الفصل ، فالله (٥) تعالى فصل بين الحق والباطل ، والحسن والقبح ، والحيوان والجماد ، (٦) وقد استوفينا الكلام في الأسماء في مفتاح (٧) الهدى.
__________________
(١) ساقطة من أ.
(٢) ينظر : تفسير أسماء الله الحسنى ٣٠.
(٣) الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الفسوي ، صاحب التصانيف ، توفي سنة ٣٧٧ ه. ينظر : طبقات النحويين واللغوين ١٣٠ ، وسير أعلام النبلاء ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ، وشذرات الذهب ٣ / ٨٨ ـ ٨٩.
(٤) (و (الْمُهَيْمِنُ) اسم من أسماء الله) ، مكرر في الأصل وأ.
(٥) ك : فإن الله.
(٦) ينظر : تفسير أسماء الله الحسنى ٣٧.
(٧) أ : مفتا.
سورة الممتحنة
مدنيّة. (١)
وهي ثلاث عشرة آية بلا خلاف. (٢)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ـ عن عليّ بن أبي طالب قال : بعثنا (٣) رسول الله عليهالسلام أنا والزّبير والمقداد ، قال : «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإنّ بها ظعينة معها كتاب ، فخذوا منها» ، فانطلقنا يتعادى بنا خيلنا حتى أتينا [الرّوضة ، فإذا نحن بالظعينة](٤) ، فقلنا : لتخرجنّ (٥) الكتاب أو لنلقينّ الثياب ، فأخرجت من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلىاللهعليهوسلم [فإذا فيه](٦) من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا حاطب ، ما هذا؟» فقال : يا رسول الله ، لا تعجل عليّ ، إنّي كنت أمرأ (٧) ملصقا من قريش ، ولم أكن من أنفسهم ، وكان معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون قراباتهم وأهليهم ، ولم تكن لي قرابة أحمي بها أهلي ، فأحببت [إذ فاتني](٨) ذلك من النّسب أن أتّخذ منهم يدا يحمون بها قرابتي وأهلي ، ما فعلت ذلك كفرا ، ولا ارتدادا عن ديني ، ولا رضى بالكفر بعد الإسلام ، فقال النّبيّ عليهالسلام : «إنّه قد صدق» ، فقال عمر رضي الله عنه : دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النّبيّ عليهالسلام : «إنّه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر ، لعلّ الله قد اطّلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم» ، فأنزل الله تعالى (٩) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ). (١٠)
(بِالْمَوَدَّةِ) : صفة للاسم المنكور ، (١١) كقولك : لا تتخذوا (١٢) صديقا يفشي إليك
__________________
(١) زاد المسير ٨ / ٣٤ ، والدر المنثور ٨ / ٨٤ عن ابن عباس وابن الزبير.
(٢) التلخيص في القراءات الثمان ٤٣٤ ، ومجمع البيان ٩ / ٣٤٣ ، وجمال القراء ٢ / ٥٤٩.
(٣) أ : بينا.
(٤) زيادة من كتب التخريج.
(٥) الأصول المخطوطة : لتخرجين ، والتصويب من كتب التخريج.
(٦) زيادة من كتب التخريج.
(٧) الأصول المخطوطة : أمر ، والتصويب من كتب التخريج.
(٨) زيادة من كتب التخريج.
(٩) (فأنزل الله تعالى) ، ساقط من ع.
(١٠) أخرجه البخاري في الصحيح (٣٠٠٧) ، وأبو داود في السنن (٢٦٥٠) ، والترمذي في السنن (٣٣٠٥).
(١١) ينظر : مشكل إعراب القرآن الكريم ٦٧٧ ، والكشاف ٤ / ٥١١ ، والدر المصون ٦ / ٣٠١ ، وقالوا : إنها صفة ل(أَوْلِياءَ).
(١٢) الأصل : لا تتخذو.
سرّك (١) ، والباء زائدة (٢).
(يُخْرِجُونَ) : في معنى الحال للذين كفروا. (٣)
(أَنْ تُؤْمِنُوا) : تعليل لإخراجهم. (٤)
(إِنْ كُنْتُمْ) : شرط للنّهي. (٥)
٧ ـ (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ) : الآية في الذين حسن (٦) إسلامهم من المؤلّفة قلوبهم ، ومن سائر الطّلقاء. (٧)
٨ ـ وعن عبد الله بن الزّبير قال (٨) : قدمت قتيلة بنت عبد العزّى بن أسيد (٢٠٨ و) على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا من صباب وسمن وقرظ ، فلم تقبل هداياها ، ولم تدخلها منزلها ، فسألت لها عائشة ، فأنزل الله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ). (٩)
(أَنْ تَبَرُّوهُمْ) أي : تحسنوا إليهم. (١٠)
(وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أي : تؤمنوا إليهم عهودهم. (١١)
١٠ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : قال مقاتل (١٢) وغيره (١٣) : نزلت الآية في سبيعة بنت الحارث الأسلميّة ، وكانت تحت صيفيّ بن راهب ، فهربت منه عام الحديبية بعد الموادعة ، ولحقت بالمسلمين وهم بالحديبية ، فجاء صيفيّ ليستردها وهو يقول : العهد بيننا وبينكم أن تردّوا علينا ، من لحق بكم فلا تغدروا بنا قبل أن تجفّ طينة الكتاب ، وشنّع ، فقال النّبيّ عليهالسلام : «ذلك الكتاب في الرّجال دون النّساء» ، فأنزل الله الآية. ورضي الفريقان به جميعا. وقيل : لم يرض المشركون بشيء ، (١٤) فأنزل الله تعالى
__________________
(١) ع : سره.
(٢) ينظر : تأويل مشكل القرآن ١٩٤ ، ومجمع البيان ٩ / ٣٤٢ ، وتفسير البغوي ٨ / ٩٣ ، واللباب في علوم الكتاب ١٩ / ٦.
(٣) ينظر : مشكل إعراب القرآن ٦٧٧. ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٤٠٧.
(٤) الكشاف ٤ / ٥١٢ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ٥٣ ، وتفسير أبي السعود ٨ / ٢٣٥.
(٥) ينظر : تفسير السمعاني ٥ / ٤١٤ ، والتفسير الكبير ١٠ / ٥٢٠.
(٦) أ : خسروا.
(٧) ينظر : تفسير السمرقندي ٣ / ٤١٥ ، والتفسير الكبير ١٠ / ٥٢٠ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ٥٨.
(٨) الأصول المخطوطة : قالت.
(٩) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٨ / ٢٥٢ ، وأخبار المدينة ١ / ٢٦٩ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٥٢٧.
(١٠) تفسير السمعاني ٥ / ٤١٧.
(١١) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٥٨ ، وتفسير السمرقندي ٣ / ٤١٦ ، والتفسير الكبير ١٠ / ٥٢١ عن مقاتل.
(١٢) ينظر : تفسير مقاتل بن سليمان ٤ / ٥١٧.
(١٣) أ : فاعيره. ينظر : تفسير السمرقندي ٣ / ٤١٦ ، والكشاف ٤ / ٥١٧ ، وتفسير أبي السعود ٨ / ٢٣٩.
(١٤) ينظر : إعراب القرآن للنحاس ٤ / ٤١٥ عن الزهري.
على رسوله (١) بقوله : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا).
(فَامْتَحِنُوهُنَّ) : قيل : استوصفوا الإيمان. وقيل : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يستحلف المرأة بالله أنّها لم تخرج مغاضبة لبعض أهلها ، ولا متعشّقة لبعض المسلمين ، ولا طالبة للدّنيا ، ولكنّها خرجت لوجه الله وحده لا شريك له. (٢) فإيمانهنّ إيمان القلب.
(فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) : إيمان اللّسان.
وحكم قوله : (فَلا (٣) تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) : باق.
وحكم قوله : (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) : منسوخ. (٤)
وحكم قوله : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) : منسوخ ، والنّسخ بالسّنّة المتواترة بعد انتهاء الموادعة.
وحكم قوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) : باق (٥). وذهب الشيخ أبو جعفر إلى أنّ هذه الآية متأخرة عن قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) [البقرة : ٢٢١].
١١ ـ ولقوله (٦) : (وَإِنْ فاتَكُمْ) معنيان : أحدهما : أن تريد مسلمة (٧) أن تلحق بدار الحرب ، ثمّ يغير المسلمون على الكفّار ، ويسبوا تلك المرأة ، فيجب عليهم أن يعطوا من القسمة زوجها الأوّل المسلم ، مثل ما كان أنفق قبل ردّتها ، ثمّ يسترقّوا ، والثاني : أن تلحق مسلمة بالكفّار مرتدة ، فيرونها المشركون ، ويقابلهم المسلمون بإيواء مهاجرة من غير أن يسألوا ما أنفقوا ، ويؤتوا ما أنفقوا ، ويعطوا نفقة الكفّار ، فلا يحلّ لهم نكاح تلك المهاجرة على سبيل المهاجرة ، ولكنّ الواجب عليهم أن يسألوا ما أنفقوا ، أي : يعطوا يوم (٨) الكفّار على ما سبق في الآية ، وأيّ المعنيين (٩) صحّ فهو منسوخ بالسّنّة المتواترة.
١٢ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ) : نزلت بعد فتح مكّة ، وكانت هند بنت
__________________
(١) الأصل وك وأ زيادة : (إلا) ولا معنى لوجودها.
(٢) ينظر : سنن الترمذي (٣٣٠٨) ، وزاد المسير ٨ / ٤١ ، وتفسير البغوي ٨ / ٩٨ عن ابن عباس.
(٣) أ : ولا.
(٤) ينظر : الناسخ والمنسوخ للنحاس ٧٢٧ عن الشافعي في أحد قولين.
(٥) الأصل وك وأ : باقي. وينظر : الناسخ والمنسوخ للمقري ١٧٩.
(٦) ع : وقوله.
(٧) أ : سلمة.
(٨) هكذا في الأصول المخطوطة : ولعلها مقحمة.
(٩) الأصول المخطوطة : المعتدين.
عتبة امرأة أبي سفيان ، أمّ معاوية ، في جملة المبايعات ، فلمّا بلغ رسول الله عليهالسلام إلى قوله : (وَلا يَسْرِقْنَ) قالت : إنّ أبا سفيان رجل شحيح ، فهل (١) لي في الأخذ من ماله مقدار ما يكفيني ويكفي أولادي ، فأذن لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمعروف ، لا وكس ولا شطط ، فلمّا بلغ إلى قوله : (وَلا يَزْنِينَ) قالت : وهل (٢) تزني الحرّة؟ فتبسم عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ، (٢٠٨ ظ) ثمّ قال : لا ، والله ، لا تزني الحرّة ، فلمّا بلغ قوله : (وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) قالت : ربّيناهم صغارا ، فقلتموهم كبارا (٣) فضحك عمر حتى استلقى على قفاه. (٤)
(بِبُهْتانٍ) : لقيط. (٥)
وعن أمّ سلمة الأنصاريّة قالت : قالت امرأة : ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه؟ قال : لا تنحن ، قلت : يا رسول الله ، إنّ بني فلان قد أسعدوني على عمّي ، ولا بدّ لي من قضائهن ، فأبى عليّ ، فعاتبته مرارا ، فأمر لي في قضائهن ، فلم أنح بعد في قضائهن ولا غيره حتى السّاعة ، ولم يبق من النّسوة امرأة إلا وقد ناحت غيري. (٦)
قال طاوس : ما مسّت يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها. (٧)
١٣ ـ (قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) : قيل : اليهود. (٨)
(يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) : بسحرهم وكهانتهم وتحريفاتهم.
كما يئس المشركون من موتاهم. (٩) وقيل : المشركون يئسوا من خير (١٠) الآخرة لإيثارهم البعث ، كما يئس الذين سبقوهم بالكفر ، وماتوا عليه لمشاهدتهم العذاب. (١١)
ونزلت الآية ردا لعجز الكلام على صدره. والله أعلم.
__________________
(١) الأصول المخطوطة : فكان ، والتصويب من كتب التخريج.
(٢) ع : وهي.
(٣) ع : ربيناهن كبارا فقتلوهم صغارا.
(٤) ينظر : الطبقات الكبرى ٨ / ٢٣٧ ، وتفسير السمعاني ٥ / ٤٢٠ ، والكشاف ٤ / ٥١٩ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ٧٢.
(٥) ينظر : زاد المسير ٨ / ٤٣ عن ابن عباس والجمهور ، وتفسير البغوي ٨ / ١٠١.
(٦) أخرجه مسلم في الصحيح (٩٣٦) بلفظ مختصر ، والترمذي في السنن (٣٣٠٧) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٦٩ / ٣٧.
(٧) ينظر : سنن الترمذي (٣٣٠٦) ، وتقريب الأسانيد وترتيب المسانيد ٧ / ٤٢ ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
(٨) معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٦١ ، وتفسير الماوردي ٤ / ٢٢٩ ، وتفسير البغوي ٨ / ١٠٣.
(٩) ينظر : تفسير الطبري ١٢ / ٧٦ عن ابن عباس والحسين وغيرهما ، وتفسير الماوردي ٤ / ٢٢٩ عن ابن عباس.
(١٠) (من خير) ، ساقط من ع.
(١١) ينظر : تفسير الطبري ١٢ / ٧٧ عن مجاهد وعكرمة وغيرهما ، ورجحه الطبري ، وتفسير الماوردي ٤ / ٢٢٩ ، وتفسير البغوي ٨ / ١٠٣.
سورة الصف
مكيّة (١) ، عن عطاء. (٢) مدنيّة ، عن الحسن وعكرمة وقتادة. (٣)
وهي أربع عشرة آية بلا خلاف. (٤)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
٢ ـ (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) : هم : (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) [النساء : ٧٧](٥) ، تولّوا إلا قليلا منهم ، والشّعراء الذين يقولون ما لا يفعلون.
٣ ـ (٦) قيل لميمون بن مهران : أهو الذي يقرّظ نفسه ، أو هو الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وفيه تقصير؟ قال : كلاهما ممقوت. (٧)
٥ ـ (فَلَمَّا زاغُوا) : تهيؤوا للزّيغ مختارين له بخذلان الله تعالى ، خلق الله فيهم الزّيغ. (٨)
٦ ـ وعن عطاء ومقاتل والضّحّاك ، عن ابن عبّاس : اسمه في التوراة أحمد الضّحوك القتّال ، يركب البعير ، ويلبس الشّملة ، ويجتزئ بالكسرة ، سيفه على عائقه. (٩)
(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ) : عيسى أو نبيّنا عليهماالسلام. (١٠)
١١ ـ (تُؤْمِنُونَ) (وَتُجاهِدُونَ) : رفع بحذف النّاصبة (١١) ، تقديره : هو أن تؤمنوا وتجاهدوا ، (١٢) ويحتمل : أنّه خبر بمعنى الأمر. (١٣) والله أعلم.
__________________
(١) ساقطة من ع.
(٢) البيان في عد آي القرآن ٢٤٥ ، والمحرر الوجيز ١٤ / ٤٢٣.
(٣) البيان في عد آي القرآن ٢٤٥ عن قتادة ، وزاد المسير ٨ / ٤٥ عن جميعهم.
(٤) البيان في عد آي القرآن ٢٤٥ ، التلخيص في القراءات الثمان ٤٣٥ ، وجمال القراء ٢ / ٥٤٩ ، وإتحاف فضلاء البشر ٥٤١.
(٥) جاء هذا المعنى في سبب نزول الآية الكريمة ، ينظر : تفسير الطبري ١٢ / ٧٩ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٦٣ ، وزاد المسير ٨ / ٤٦.
(٦) في قوله تعالى : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ).
(٧) الموافقات للشاطبي ٤ / ٢٥٥ ، والدر المنثور ٨ / ١٣٨.
(٨) ينظر : المحرر الوجيز ١٤ / ٣٢٨ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ٨٣.
(٩) ينظر : تفسير السمعاني ٥ / ٢٩٦ عن كعب موقوفا ، والخصائص الكبرى ١ / ١٣٣ عن ابن عباس رفعه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم.
(١٠) ينظر : التفسير الكبير ١٠ / ٥٢٩ ، والمحرر الوجيز ١٤ / ٤٢٩ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ٨٤.
(١١) ع : الناصب.
(١٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ١٥٤ ، وكشف المشكلات وإيضاح المعضلات ٢ / ٣٦٣ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٤١٠.
(١٣) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٢٥ ، والبيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٣٦٣ ، وتفسير القرطبي ١٨ / ٨٧ عن المبرد والزجاج.
سورة الجمعة
مدنيّة. (١)
وهي إحدى عشرة آية بلا خلاف. (٢)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
٣ ـ عن أبي هريرة قال : كنّا جلوسا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقرأ علينا سورة الجمعة ، فلمّا قرأ : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) وفينا سلمان قال : فوضع يده على سلمان ، ثمّ قال : «لو كان الإيمان عند الثّريّا لنالته رجال من موالي». (٣)
٥ ـ (حُمِّلُوا التَّوْراةَ) : كلّفوا حملها قهرا بنتق الجبل فوقهم.
(ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) : حقّ حملها. (٤)
(أَسْفاراً) : جمع سفر (٥) ، وهو الكتاب. (٦)
٨ ـ (الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) : صفة الموت (٧) ، أو بدل منه ، وليس بالخبر ، والخبر مضمون فيه لن يعجزوه. وقيل : (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) خبر ، وإنّما دخلت الفاء لأنّ الاسم الموصول (٢٢٠ و) كالشّرط ، فكان الخبر كأنّه الجزاء. (٨)
٩ ـ وعن جابر قال : بينما النّبيّ عليهالسلام يخطب يوم الجمعة قائما إذا قدمت (٩) عير المدينة ، فابتدرها أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلا فيهم أبو بكر وعمر ، فنزلت. (١٠)
__________________
(١) تفسير غريب القرآن ٤٦٧ ، وزاد المسير ٨ / ٥٠ ، والدر المنثور ٨ / ١٤٢ عن ابن عباس وابن الزبير.
(٢) التلخيص في القراءات الثمان ٤٣٦ ، وفنون الأفنان ٣١٤ ، وجمال القراء ٢ / ٥٤٩.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٢ / ٤١٧ ، والبخاري في الصحيح (٤٨٩٧) ، ومسلم في الصحيح (٢٥٤٦).
(٤) الوسيط ٤ / ٢٩٥ ، والتفسير الكبير ١٠ / ٥٤٠.
(٥) ع : سفرة.
(٦) معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٧٠ ، وتفسير البغوي ٨ / ١١٤ ـ ١١٥.
(٧) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣١٧.
(٨) ينظر : كشف المشكلات وإيضاح المعضلات ٢ / ٣٦٥ ، البيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ٣٣٦ ، والتبيان في إعراب القرآن ٢ / ٤١٢.
(٩) ع : فدت.
(١٠) أخرجه البخاري في الصحيح (تفسير) ، ومسلم في الصحيح (٨٦٣) ، والترمذي في السنن (٣٣١١) ، وأبو يعلى في المسند (١٩٧٩).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : والخطاب لجماعة سوى ذاكر (١) الله يسعون إليه ، وأقل الجمع الصحيح ثلاثة. (٢)
(نُودِيَ) : أدّن بعد زوال الشمس يوم الجمعة. (٣) والجمعة العروبة بين الخميس والسبت ، سميت جمعة ؛ لاجتماع الناس فيه. (٤)
(السعي) : المضيّ دون العدو ، (٥) كقوله : (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) [عبس : ٨].
و (ذِكْرِ اللهِ) : الخطبة. (٦)
وظاهر الآية يدل على جواز الاقتصار على تسبيحة. (٧)
(وَذَرُوا الْبَيْعَ) : اتركوا التبايع في الأسواق حالة النداء لتدركوا الخطبة والصلاة. والبيع منهيّ عنه ساعتئذ (٨) ، وجائز ؛ لأن النهي لمعنى في غيره. (٩)
١٠ ـ (فَانْتَشِرُوا) (وَابْتَغُوا) : أمر إباحة. (١٠)
(مِنْ فَضْلِ اللهِ) : التجارة. (١١)
وعن جابر بن سمرة قال : كان رسول الله عليهالسلام يخطب قائما ، ثم يقعد ، ثم يقوم. (١٢)
__________________
(١) أ : ذكر.
(٢) وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمهالله تعالى ، ينظر : المبسوط للسرخسي ٢ / ٢٤ ، والهداية شرح البداية ١ / ٨٣ ، وتبيين الحقائق ١ / ٢٢١.
(٣) ينظر : أحكام القرآن للجصاص ٥ / ٣٣٦ ، والبحر الرائق ٢ / ١٦٨.
(٤) ينظر : زاد المسير ٨ / ٥٣ ، وتفسير البغوي ٨ / ١١٦ ، وتفسير الخازن ٤ / ٢٩٠ ـ ٢٩١.
(٥) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٧١ ، وزاد المسير ٨ / ٥٤ ، وهذا المعنى (المضي) مأخوذ من قراءة ابن مسعود رضي الله عنه لهذه الآية ، وهي «فامضوا إلى ذكر».
(٦) ينظر : زاد المسير ٨ / ٥٤ ، وتفسير البغوي ٨ / ١١٧ عن سعيد بن المسيب ، والتفسير الكبير ١٠ / ٥٤٢ ، وتفسير الجواهر الحسان ٣ / ٣٣٤.
(٧) والاقتصار على التسبيحة عند الأحناف ركن ، ولكن يكره ذلك تنزيها ، ينظر : تبيين الحقائق ١ / ٢٢٠ ، وحاشية ابن عابدين ٢ / ١٤٨.
(٨) بياض في ع.
(٩) ينظر : حاشية ابن عابدين ٢ / ١٦١.
(١٠) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ١٥٧ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٧٢ ، والمحرر الوجيز ١٤ / ٤٤٨ وقال ابن عطية : «أجمع الناس على أن مقتضى الأمر الإباحة».
(١١) ينظر : معاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٧٢ ، والوسيط ٤ / ٣٠٠ ، وتفسير البغوي ٨ / ١٢٣.
(١٢) أخرجه أبو داود في السنن (١٠٩٥) ، والنسائي في الصغرى ٣ / ١١٠ ، وابن خزيمة في صحيحه (١٤٤٧).
سورة المنافقين
مدنيّة. (١)
وهي إحدى عشرة آية بلا خلاف. (٢)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ـ عند قوله : (لَرَسُولُ اللهِ) وقف حسن ؛ لأنّ قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ (٣)) ليس من كلام المنافقين. (٤)
٤ ـ (خُشُبٌ) : جمع خشبة (٥) ، وهو ما صلب من نبات الأرض ، (٦) والمراد به الأصنام المنحوتة من الخشب. (٧)
(مُسَنَّدَةٌ) : مردودة إلى الجدار ليعتمد عليها ، فلا تخرّ.
وفائدة التّشبيه إثبات صورة حسنة لا خير فيها.
وعن زيد بن أرقم قال : غزونا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان معنا أناس من الأعراب ، وكنّا نبتدر الماء ، والأعراب يسبقوننا إليه ، فيسبق الأعرابيّ (٨) أصحابه ، فيملأ الحوض ، ويجعل حوله (٩) حجارة ، ويجعل النّطع (١٠) عليه حتى يجيء أصحابه ، قال : فأتى رجل من الأنصار أعرابيّا ، فأرخى زمام ناقته ليشرب ، فأبى أن يدعه ، فانتزع [حجرا](١١) فغاض (١٢) الماء ، فرفع الأعرابيّ خشبة فضرب بها [رأس الأنصاريّ](١٣) ، فشجّه ، فأتى عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين ، فأخبره (١٤) ، وكان من أصحابه ، فغضب عبد الله ، فقال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى
__________________
(١) ع : فأعلمه.
(٢) البيان في عد آي القرآن ٢٤٧ ، والتلخيص في القراءات الثمان ٤٣٧ ، وفنون الأفنان ٤١٣.
(٣) الأصل وأ : لرسول الله.
(٤) ينظر : الوقف والابتداء لابن طيفور ٤٤٢ ، ومنار الهدى ٧٨٥.
(٥) الأصول المخطوطة : خشب. والتصويب من اللسان.
(٦) ينظر : لسان العرب ١ / ٣٥٢.
(٧) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٤٢.
(٨) الأصول المخطوطة : فسبق أعرابي. والتصويب من كتب التخريج.
(٩) الأصول المخطوطة : حواله. والتصويب من كتب التخريج.
(١٠) النطع : بساط من أديم. القاموس المحيط ١ / ٩٩١.
(١١) ما بين المعقوفتين زيادة من كتب التخريج.
(١٢) الأصول المخطوطة : فناص. والتصويب من كتب التخريج. وغاض الماء : إذا غار ، النهاية في غريب الحديث ٣ / ٤٠١.
(١٣) ما بين المعقوفتين زيادة من كتب التخريج.
(١٤) ع : فأعلمه.
ينفضّوا من حوله ، يعني : الأعراب ، فكانوا (١) يحضرون عند النّبيّ عليهالسلام عند الطّعام ، قال عبد الله : إذا انفضّوا من عند محمد ، فأتوا محمدا بالطعام ليأكله هو وأصحابه ، ثمّ قال لأصحابه : لئن رجعتم إلى المدينة فليخرج الأعزّ منكم الأذلّ ، قال زيد : وأنا أردف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : فسمعت عبد الله ، فأخبرت عمّي ، فانطلق ، فأخبر رسول الله عليهالسلام ، فحلف وجحد ، قال : فصدّقه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكذّبني ، قال : فجاء عمّي إليّ فقال : ما أردت (٣٠٩ ظ) إلا مقت (٢) رسول الله وكذّبك المسلمون ، قال : فوقع عليّ من أقوالهم ما لم يقع على أحد قال : فبينما أنا مع النّبي عليهالسلام في سفر قد خفقت رأسي من الهمّ إذا أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعرّك أدني ، ثمّ ضحك في وجهي ، فما كان يسرّني أنّ لي بها الخلد في الدّنيا ، ثمّ إنّ أبا بكر لحقني فقال : ما قال لك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قلت : ما قال شيئا إلا أنّه عرّك أدني وضحك في وجهي ، فقال : أبشر ، ثمّ لحق عمر ، فقلت له مثل قولي لأبي بكر ، فلمّا أصبحنا قرأ النّبيّ عليهالسلام سورة المنافقين. (٣)
وعن أبي هارون المدنيّ قال : قال عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول لأبيه : والله لا تدخل المدينة حتى تقول : رسول الله الأعزّ ، وأنا الأذلّ ، قال : وجاء النّبيّ عليهالسلام فقال : إنّه بلغني أنّك تريد أن تقتل أبي ، والذي بعثك بالحقّ ما تأملت في وجهه قطّ هيبة له ، ولئن شئت أن آتيك برأسه لآتينّك به ، فإنّي أكره أرى قاتل أبي ، فتركه النّبيّ عليهالسلام. (٤)
٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : فصل آخر ، اتّصالها من حيث سبق ذكر النّفقة ، وفحوى الخطاب : أنّ المراد بالصالحين المتصدّقون أو الصّدّيقون أو المصدّقون (٥).
١٠ ـ وعن الضّحّاك ، عن ابن عبّاس قال : من أخذ يموت ولم يحجّ ، ولم يؤدّ زكاة ماله ممّن وجب عليه الحجّ إلا سأل الرّجعة ، فقالوا : يا أبا عبّاس ، ما نزال نسمع منك الشّيء لا نذر ما هو ، قال : ما هو؟ قال : فأنا أقرأه عليكم قرآنا ، فقرأ عليهم : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي) قال : أحجّ. (٦)
__________________
(١) ع : فكانوا الأعراب.
(٢) الأصل وك وع : مقتك.
(٣) أخرجه الترمذي في السنن (٣٣١٣) ، والطبراني في الكبير (٥٠٤١) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٩ / ٢٧٠ ـ ٢٧١. وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
(٤) أخرجه الحميدي في المسند ٢ / ٥٢٠.
(٥) أ : المتصدقون.
(٦) الكبائر للذهبي ٣٩ ، والزواجر ١ / ٣٩٠.