الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: ٥٣٤
الحكم ، وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني : أنّهما متساويان في وجوب الإقباض في المجلس (١).
فعلى الأوّل تكون كالإجارة الواردة على العين. وعلى الثاني لا أثر للإفلاس بعد التفرّق ؛ لصيرورة الأُجرة مقبوضةً قبل التفرّق.
تذنيب : لا يثبت خيار المجلس في الإجارة ؛ لاختصاص النصّ بالبيع ، وعدم مشاركته للإجارة في الاسم ، والأصل عدم الخيار ، وهو أحد قولي الشافعي.
وفي الآخَر : يثبت الخيار. فإن أثبته ، كان فيه غنية عن هذا الخيار ، وإلاّ فهي (٢) كما في إجارة العين (٣).
القسم الثاني : في إفلاس المؤجر.
وفيه نوعان :
الأوّل : في إجارة العين.
فإذا آجر دابّةً من إنسان أو داراً ثمّ أفلس وحجر عليه الحاكم ، لم تنفسخ الإجارة ، ولم يكن للمستأجر ولا للغرماء فسخ الإجارة ؛ لأنّ ذلك عقد لازم عقده قبل الحجر ، والمنافع المستحقّة للمستأجر متعلّقة بعين ذلك المال ، فيقدّم بها كما تقدّم في حقّ المرتهن ، وكما لو أفلس بعد بيع شيء معيّن ، فإنّ المشتري أحقّ بما اشتراه.
ثمّ الغرماء لهم الخيار بين الصبر حتى تنقضي مدّة الإجارة ثمّ
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.
(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فهو » بدل « فهي ». والظاهر ما أثبتناه.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.
يبيعونها ، وبين البيع في الحال ، فإن اختاروا الصبر إلى انقضاء مدّة الإجارة فإن انقضت المدّة والدار بحالها ، فلا بحث. وإن انهدمت الدار في أثناء المدّة ، انفسخت الإجارة.
وإن اختار المؤجر الفسخ فيما بقي من المدّة ، فإن كانت الأُجرة لم تُقبض منه ، سقطت عنه فيما بقي من المدّة ، وإن كانت قد قُبضت منه ، رجع على المفلس بحصّة ما بقي من المدّة.
وهل يضرب بذلك مع الغرماء؟ يُنظر فإن كان ذلك قبل قسمة ماله ، فهل يرجع على الغرماء؟ وجهان مبنيّان على أنّ وجود السبب كوجود المسبّب ، أو لا؟
فإن قلنا بالأوّل ، رجع عليهم بما يخصّه ؛ لأنّ سبب وجوبه وُجد قبل الحجر ، ولو كان الاعتبار بحال وجوبه ، لكان إذا وجب قبل القسمة أن لا يشارك به.
وإن قلنا بالثاني ، لم يرجع ؛ لأنّ دَيْنه تجدّد بعد الحجر ، فلم يحاصّ به الغرماء.
والأوّل أقوى.
فإن طلب الغرماء البيعَ في الحال ، أُجيبوا إليه ؛ لأنّه يجوز عندنا بيع الأعيان المستأجرة ـ وهو أحد قولي الشافعي ـ لأنّه عقد على منفعة ، فلا يمنع من بيع أصل العين ، كالنكاح.
والثاني : لا يصحّ البيع ؛ لأنّ يد المستأجر حائلة دون التسليم ، فأشبه المغصوب (١).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩.
فعلى قولنا تُباع في الحال ، ويكون المستأجر أحقَّ بالمنافع واليد مدّة إجارته.
ولو اختلف الغرماء في البيع والصبر ، أُجيب الذي يطلب البيع ؛ لأنّه يتعجّل حقّه به ، ولا مبالاة بما ينقص من ثمنه بسبب الإجارة ؛ إذ لا يجب على الغرماء الصبر إلى أن يزداد مال المفلس.
النوع الثاني : الإجارة الواردة على الذمّة.
مسألة ٣٤٦ : إذا التزم المفلس نَقْلَ متاع من بلدٍ إلى آخَر أو عملَ شغلٍ ثمّ أفلس ، فإن كان مال الإجارة باقياً في يده ، فله فسخ الإجارة والرجوع إلى عين ماله. وإن كانت تالفةً ، فلا فسخ ، كما لا فسخ والحال هذه عند إفلاس المُسْلَم إليه على الأصحّ ـ وبه قال الشافعي (١) ـ ويضارب المستأجرُ الغرماءَ بقيمة المنفعة المستحقّة ، وهي أُجرة المثل ، كما يضارب المُسْلِم بقيمة المُسْلَم فيه.
إذا عرفت هذا ، فإنّ هذا النوع من الإجارة ليس سَلَماً ، وهو أحد قولي الشافعي.
وفي الثاني : يكون سَلَماً.
فعلى قوله هذا ما يخصّه بالمضاربة من مال المفلس لا يجوز تسليمه إليه ؛ لامتناع الاعتياض عن المُسْلَم فيه ، بل يُنظر فإن كانت المنفعة المستحقّة قابلةً للتبعيض ـ كما لو استأجره لحمل مائة رطل ـ فينقل بالحصّة بعضها.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.
وإن لم يقبل التبعيض ـ كما إذا كان الملتزَم قصارةَ ثوبٍ ، أو رياضة دابّة ، أو (١) حمل المستأجر إلى بلدٍ ، ولو نقل إلى بعض الطريق ضاع ـ فوجهان للشافعي (٢).
قال الجويني : للمستأجر الفسخ بهذا السبب ، والمضاربة بالأُجرة المبذولة (٣).
وعلى ما اخترناه نحن يسقط عنّا هذا ، ويقبض الحصّة بعينها ؛ لجواز الاعتياض.
ويلزم على قوله إبطال مذهبه من منع جواز الاعتياض في السَّلَم فيما صوّرناه.
هذا إذا لم يسلّم المؤجر عيناً إلى المستأجر يستوفي المنفعة الملتزمة منها ، أمّا إذا التزم النقل إلى البلد في ذمّته ثمّ سلّمه دابّةً لينقل بها ، ثمّ أفلس ، فإن قلنا : إنّ الدابّة المسلّمة تتعيّن بالتعيين ، فلا فسخ ، ويقدّم المستأجر بمنفعتها ، كما لو كانت الدابّة معيّنةً في عقد الإجارة. وإن قلنا : لا تتعيّن ، فكما لو لم يسلّم الدابّة ، فيفسخ المستأجر ، ويضارب بمال الإجارة.
تذنيبان :
أ ـ لو استقرض مالاً ثمّ أفلس وهو باقٍ في يده ، فللمُقرض الرجوعُ إلى عين ماله ، كالبائع في عين السلعة وإن ملكها المفلس بالشراء ـ وهو قول الشافعي (٤) أيضاً ـ سواء قلنا : إنّ القرض يُملك بالقبض أو بالتصرّف.
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.
(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.
أمّا إذا كان لا يُملك بالقبض : فلأنّه يقدر على الرجوع من غير إفلاس ولا حجر ، فمعهما أولى.
وأمّا إذا كان (١) يُملك بالقبض : فلأنّه مملوك ببدلٍ تعذّر تحصيله ، فأشبه البيع.
ب ـ لو باع شيئاً واستوفى ثمنه وامتنع من تسليم المبيع أو هرب ، لم يكن للمشتري الفسخ ؛ لأنّ حقّه تعلّق بالعين ، ولا نقصان في نفس المبيع ، فإن تعذّر قبضه ، تخيّر حينئذٍ.
وللشافعيّة وجهان (٢).
النظر الثالث : في المعوّض.
مسألة ٣٤٧ : يُشترط في المعوّض ـ وهو المبيع مثلاً ـ ليرجع إليه مع إفلاس المشتري شيئان : بقاؤه في ملك المفلس ، وعدم التغيّر (٣).
فلو هلك المبيع ، لم يكن للبائع الرجوع ؛ لقوله عليهالسلام : « فصاحب المتاع أحقّ بالمتاع إذا وجده بعينه » (٤) فقد جعل عليهالسلام وجدانَ المتاع شرطاً في أحقّيّة الأخذ.
ولا فرق بين أن يكون الهلاك بآفة سماويّة ، أو بجناية جانٍ ، أو بفعل المشتري ، ولا بين أن تكون قيمته مثل الثمن أو أكثر.
وليس له إلاّ مضاربة الغرماء بالثمن ؛ عملاً بالأصل ، واختصاص
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كانت » بدل « كان ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.
(٣) يأتي الشرط الثاني ـ وهو عدم التغيّر ـ في ص ١٠٨ ، المسألة ٣٥٠.
(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٩٠ / ٢٣٦٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٩ / ١٠٦ و ١٠٧ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٥١.
المخالف له بالوجدان ، وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني : أنّه إذا زادت القيمة ، ضارب بها دون الثمن ، واستفاد بها زيادة حصّته (١).
مسألة ٣٤٨ : لو خرجت العين عن ملك المشتري ببيعٍ أو هبة أو عتق أو وقف ، فهو كما لو هلكت.
وليس له فسخ هذه التصرّفات ، بخلاف الشفيع ، فإنّ له ردّ ذلك كلّه ؛ لأنّ حقّ الشفعة كان ثابتاً حين تصرّف المشتري ، لأنّ الشفعة تثبت بنفس البيع ، وهنا حقّ الرجوع لم يكن ثابتاً حين التصرّف ؛ لأنّه إنّما يثبت بالإفلاس والحجر.
وكذا لا رجوع للبائع لو كاتب المشتري العبد المبيع أو استولد الجارية المبيعة. أما لو دبّر ، فإنّ له الرجوع.
ولو نذر عتقه مطلقاً أو نذره عند شرطٍ ، فكذلك لا يرجع إلاّ أن يبطل ذلك الشرط ويعلم بطلان النذر.
ولو علّق العتق بصفة ، لم يصح عندنا. وعند الشافعي يصحّ ، وله الرجوع (٢).
ولو آجر العين ، فلا رجوع له في المنافع ، بل في العين عندنا ؛ لأنّه يجوز بيع المستأجر ، وهو أحد قولي الشافعيّة إن جوّزوا بيع المستأجر ، وإن منعوه ، لم يكن له الرجوعُ في العين ، فإذا جوّزنا له الرجوع ، فإن شاء أخذه مسلوب المنفعة لحقّ المستأجر ، وإلاّ ضارب بالثمن (٣).
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠ ـ ٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.
مسألة ٣٤٩ : لو رهن المشتري العين ، لم يكن للبائع الرجوع ؛ لتقدّم حقّ المرتهن.
وكذا لو جنى العبد المبيع ، فالمجنيّ عليه أحقّ ببيعه.
فإن قضي حقّ المرتهن أو المجنيّ عليه ببيع بعضه ، فالبائع واجد لباقي المبيع ، وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.
وإن انفكّ الرهن أو برئ عن الجناية ، فله الرجوع.
ولو زوّج الجاريةَ ، لم يمنع البائع من الرجوع فيها. أمّا لو باع صيداً ثمّ أحرم وأفلس المشتري ، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين ؛ لأنّ تملّكه للصيد حرام.
ولو نقل العين ببيعٍ وشبهه ثمّ حُجر عليه بعد ذلك ثمّ عادت العين ، فالوجه عندي : أنّه لا يرجع البائع فيها ؛ لأنّ ملك المشتري فيها الآن متلقّى من غير البائع ، ولأنّه قد تخلّلت حالة لو صادفها الإفلاس والحَجْر لما رجع ، فيُستصحب حكمها ، وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني : أنّه إن عاد إليه بغير عوضٍ ـ كالهبة والإرث والوصيّة له ـ ففي الرجوع وجهان :
أحدهما : أنّه يرجع ؛ لأنّه وجد متاعه بعينه.
والثاني : لا يرجع ؛ لأنّ الملك قد تلقّاه من غير البائع (١).
وهذان الوجهان مبنيّان عندهم على ما إذا قال لعبده : إذا جاء رأس الشهر فأنت حُرٌّ ، ثمّ باعه واشتراه وجاء رأس الشهر ، هل يُعتق؟ (٢)
وإن عاد الملك إليه بعوضٍ كما لو اشتراه [ نُظر ] (٣) إن وفّر الثمن على
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩١.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤١.
(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
البائع الثاني ، فكما لو عاد بلا عوض ، فإن لم يوفّر وقلنا بثبوت الرجوع للبائع لو عاد بلا عوض ، فالأوّل أولى بالرجوع ؛ لسبق حقّه ، أو الثاني ؛ لقرب حقّه ، أو يستويان ويضارب كلّ واحدٍ منهما بنصف الثمن؟ فيه ثلاثة أوجُه.
تذنيب : لو كاتب العبد كتابةً مطلقة ، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين ؛ لأنّه كالعتق في زوال سلطنة السيّد عنه.
وإن كانت مشروطةً ، فإن كانت باقيةً ، لم يكن له الرجوع أيضاً ؛ لأنّها عقد لازم.
وإن عجز المكاتَب عن الأداء ، فللمفلس الصبر عليه ؛ لأنّه كالخيار.
ويُحتمل عدمه.
فإن ردّه في الرقّ ، فهل للبائع الرجوع فيه؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّه ليس بملك يتجدّد ، بل هو إزالة مانع.
وللشافعي طريقان :
أحدهما : أنّ رجوعه إلى الرقّ كانفكاك الرهن.
والثاني : أنّه يعود الملك بعد زواله لمشابهة الكتابة زوالَ الملك ، وإفادتها استقلالَ المكاتَب ، والتحاقه بالأحرار (١).
مسألة ٣٥٠ : قد بيّنّا أنّه يشترط للرجوع في العين في المعوّض أمران : بقاء الملك ، وقد سلف (٢) ، وبقي الشرط الثاني ، وهو : عدم التغيّر.
فنقول : البائع إن وجد العين بحالها لم تتغيّر لا بالزيادة ولا بالنقصان ، فإنّ للبائع الرجوعَ لا محالة. وإن تغيّر (٣) ، فإمّا أن يكون بالنقصان أو
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩١.
(٢) في ص ١٠٥ ، المسألة ٣٤٧.
(٣) تذكير الفعل باعتبار المبيع.
بالزيادة.
القسم الأوّل : أن يكون التغيّر بالنقصان ، وهو قسمان :
الأوّل : نقصان ما لا يتقسّط عليه الثمن ، ولا يُفرد بالعقد ، وهو المراد بالعيب ونقصان الصفة ، كتلف بعض أطراف العبد.
والثاني : نقصان بعض المبيع ممّا يتقسّط عليه الثمن ، ويصحّ إفراده بالعقد.
ونحن نذكر حكم هذه الأقسام بعون الله تعالى ، ثمّ نتبع ذلك بقسم الزيادة.
[ القسم ] الأوّل : نقصان الصفة.
مسألة ٣٥١ : إذا نقصت العين بالتعيّب ، فإن حصل بآفة سماويّة ، تخيّر البائع بين الرجوع في العين ناقصةً بغير شيء ، وبين أن يضارب بالثمن مع الغرماء ، كما لو تعيّب المبيع في يد البائع ، يتخيّر المشتري بين أخذه معيباً بجميع الثمن ـ عند بعض (١) أصحابنا ـ وبين الفسخ والرجوع بالثمن.
وعلى ما اخترناه نحن ـ من أنّ المشتري يرجع بالأرش ـ لا يتأتّى هذا ، وإنّما لم يكن للبائع هنا الرجوع بالأرش ، وكان للمشتري في صورة البيع الرجوع به ؛ لأنّ المبيع مضمون في يد البائع ، وكما يضمن جملته يضمن أجزاءه ، سواء كانت صفاتاً أو غيرها ؛ لأنّ الثمن في مقابلة الجميع ، وأمّا هنا فإنّ البائع لا حقّ له في العين إلاّ بالفسخ المتجدّد بعد العيب ، وإنّما حقّه قبل الفسخ في الثمن ، فلم تكن العين مضمونةً له ، فلم يكن له الرجوع بأرش المتجدّد ، بل يقال له : إمّا أن تأخذ العين مجّاناً ، أو تضارب
__________________
(١) الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨.
بالثمن ، وهو أحد قولي الشافعي (١).
وله قولٌ آخَر : إنّه يأخذ المعيب ويضارب مع الغرماء بما نقص ، كما يأتي (٢) في الضرب الثاني (٣). وهو غريب عندهم (٤).
إذا عرفت هذا ، فقد وافقنا مالك والشافعي على أنّ للبائع الرجوعَ وإن كانت معيبةً (٥).
وقال أحمد : إذا تلف جزء من العين ـ كتغيّر أطراف العبد ، أو ذهاب عينه ، أو تلف بعض الثوب ، أو انهدم بعض الدار ، أو اشترى نخلاً مثمراً فتلف الثمرة ، ونحو هذا ـ لم يكن للبائع الرجوعُ ؛ لأنّه لم يدرك متاعه بعينه (٦).
وهو غلط.
أمّا أوّلاً : فلأنّ العين باقية وإن تلف بعض صفاتها.
وأمّا ثانياً : فلأنّه إذا ثبت له الرجوع في جميع العين بالثمن ، فإثبات الرجوع له في بعضها بالثمن أولى ، كما لو قال : أنا أرجع في نصف العين بجميع الثمن ، فإنّه يجاب إليه قطعاً ، كذا هنا.
مسألة ٣٥٢ : إذا تعيّبت العين بجناية جانٍ ، فإمّا أن يكون الجاني أجنبيّاً أو البائعَ أو المشتري.
فإن كان أجنبيّاً ، فعليه الأرش ، وللبائع أن يأخذه معيباً ، ويضاربُ
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩١.
(٢) في ص ١١٢ ، المسألة ٣٥٤.
(٣) وهو نقصان ما يتقسّط عليه الثمن.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٢ ، وفي روضة الطالبين ٣ : ٣٩١ ؛ « شاذّ ضعيف ».
(٥) المغني ٤ : ٤٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١١.
(٦) المغني ٤ : ٤٩٨ ـ ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١١ ـ ٥١٢.
الغرماءَ بمثل (١) نسبة ما انتقص من القيمة من الثمن ؛ لأنّ المشتري أخذ بدلاً للنقصان وكان مستحقّاً للبائع ، فلا يجوز تضييعه عليه ، بخلاف التعيّب بالآفة السماويّة حيث لم يكن لها عوض.
وإنّما اعتبرنا في حقّه نقصان القيمة دون التقدير الشرعي ؛ لأنّ التقدير إنّما أثبته الشرع في الجنايات ، والأعواض يتقسّط بعضها على بعضٍ باعتبار القيمة.
ولو اعتبرنا في حقّه المقدّر ، لزمنا أن نقول : إذا قطع الجاني يديه (٢) أن يأخذه البائع وقيمته ، وهذا محال ، بل يُنظر فيما انتقص من قيمته بقطع اليدين ، ونقول : يضارب البائعُ الغرماء بمثل نسبته من الثمن. ولو قطع إحدى يديه وغرم نصف القيمة وكان الناقص في السوق ثُلث القيمة ، ضارَب البائعُ بثلث الثمن وأخذه ، وعلى هذا القياس.
مسألة ٣٥٣ : لو كان الجاني على العين البائعَ ، فهو كجناية الأجنبيّ ؛ لأنّ جنايته على ما ليس بمملوك له ولا هو في ضمانه.
وإن كان الجاني المشتري ، احتُمل أن تكون جنايته كجناية الأجنبيّ أيضاً ؛ لأنّ إتلاف المشتري قبض (٣) واستيفاء منه على ما مرّ (٤) في موضعه ، وكأنّه صرف جزءً من المبيع إلى غرضه. وأن تكون جنايته كجناية البائع على المبيع قبل القبض ؛ لأنّ المفلس والمبيع في يده كالبائع في المبيع قبل القبض من حيث إنّه مأخوذ منه غير مقرَّر في يده.
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مثل ». والظاهر ما أثبتناه.
(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قطع يدي الجاني ». والصحيح ما أثبتناه.
(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « نقص » بدل « قبض ». والمثبت هو الظاهر.
(٤) في ج ١٠ ، ص ١١٤ ، المسألة ٦٤ من كتاب البيع.
وللشافعي قولان :
أحدهما : أنّها (١) كجناية الأجنبيّ.
وأصحّهما عنده : أنّها كالآفة السماويّة (٢).
ولا يقال : إنّ حقَّ تشبيه جناية المشتري هنا بجناية البائع قبل القبض كتشبيه (٣) جناية البائع هناك حتى يقال : كأنّه استرجع بعض المبيع ؛ إذ ليس له الفسخ والاسترجاع إلاّ بعد حَجْر الحاكم عليه ، وليس (٤) قبل الحَجْر حقٌّ ولا مِلْكٌ.
تذنيب : لو باع المفلس قبل الحجر بعضَ العين أو وهبه أو وقفه ، فهو بمنزلة تلفه.
القسم الثاني : نقصان العين.
مسألة ٣٥٤ : إذا نقص المبيع نقصاً يتقسّط الثمن عليه ، ويصحّ إفراده بالعقد ـ كما لو اشترى عبدين صفقةً أو ثوبين كذلك فتلف أحدهما في يد المشتري ثمّ أفلس وحُجر عليه ـ فللبائع أن يأخذ الباقي بحصّته من الثمن ، ويُضارب مع الغرماء بحصّة التالف ، وله أن يضارب بجميع الثمن ـ وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (٥) ـ لأنّه عين ماله وجدها البائع ، فله
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنّه ». والمثبت هو الصحيح.
(٢) الوسيط ٤ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.
(٣) في الطبعة الحجريّة : « تشبيه ».
(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فليس » بدل « وليس ». والظاهر ما أثبتناه.
(٥) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٨٨ ، الوسيط ٤ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢ ، المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.
أخذها ؛ لقوله عليهالسلام : « مَنْ أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحقّ به » (١).
ولأنّه مبيع وجده بعينه ، فكان للبائع الرجوعُ فيه ، كما لو وجد جميع المبيع.
وفي الرواية الأُخرى لأحمد : ليس له الرجوع ؛ لأنّه لم يجد المبيع بعينه ، أشبه ما لو كان عيناً واحدة وقد تعيّبت. ولأنّ بعض المبيع تالف ، فلم يملك الرجوع فيه ، كما لو قُطعت يد العبد (٢).
والحكم في الأصل ممنوع ، وقد سبق ، وهذا كما لو بقي جميع المبيع وأراد البائع فسخ البيع في بعضه ، مُكّن منه ؛ لأنّه أنفع للغرماء من الفسخ في الكلّ ، فهو كما لو رجع الواهب في نصف ما وهب.
مسألة ٣٥٥ : إذا اختار فسخ البيع في الباقي وأخذه ، ضرب بقسط التالف من الثمن ، ولا يجب عليه فسخ البيع وأخذ الباقي بجميع الثمن ؛ لأنّ الثمن يتقسّط على المبيع ، فكأنّه في الحقيقة بيعان بثمنين ، وهو أصحّ قولي الشافعي.
والثاني : أنّه يأخذ الباقي بجميع الثمن ، ولا يضارب بشيء ، وطرّدوا هذا القول في كلّ مسألة تضاهي هذه المسألة حتى لو باع سيفاً وشقصاً بمائة ، يأخذ الشقص بجميع المائة على قولٍ (٣). وهو بعيد.
هذا إذا تلف أحد العبدين ولم يقبض من الثمن شيئاً.
__________________
(١) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ ـ ١٥٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٩٣ / ١٥٥٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٦٢ ، المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.
(٢) المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.
ولو باع عبدين متساويي القيمة بمائة وقبض خمسين وتلف أحدهما في يد المشتري ثمّ أفلس ، فإنّه يرجع في الباقي من العبدين ؛ لأنّ الإفلاس سبب يعود به جميع العين ، فجاز أن يعود بعضه (١) ، كالفرقة في النكاح قبل الدخول يردّ (٢) بها جميع الصداق إلى الزوج تارة وبعضه أُخرى.
ولاندراج صورة النزاع فيما رواه العامّة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحقّ بها من الغرماء » (٣).
ومن طريق الخاصّة : قول أبي الحسن عليهالسلام وقد سُئل عن رجل يركبه الدَّيْن فيوجد متاع رجل عنده بعينه ، قال : « لا يحاصّه الغرماء » (٤).
وهو الجديد للشافعي.
وقال في القديم : ليس له الرجوعُ إلى العين ، بل يُضارب بباقي الثمن مع الغرماء ؛ لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أيّما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئاً فوجده بعينه فهو أحقّ به ، وإن كان قد اقتضى (٥) من ثمنه شيئاً فهو أُسوة الغرماء » (٦) (٧).
وهذا الحديث مرسل.
__________________
(١) الظاهر : « بعضها ».
(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يريد » بدل « يردّ ». والمثبت هو الصحيح.
(٣) سنن الدارقطني ٣ : ٣٠ / ١١٢ ، و ٤ : ٢٢٩ / ٩٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٦ ، المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٨ : ٢٦٥ / ١٥١٦٢.
(٤) التهذيب ٦ : ١٩٣ / ٤٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٨ / ١٩.
(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اقبض » بدل « اقتضى ». والصحيح ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».
(٦) سنن ابن ماجة ٣ : ٧٩٠ / ٢٣٥٩ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧ / ٣٥٢٠ ، ٣٥٢١ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٧.
(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.
وعلى ما اخترناه يرجع في جميع العبد الباقي بجميع ما بقي من الثمن ، وبه قال الشافعي على قول الرجوع (١).
وله فيما إذا أصدقها أربعين شاةً ، وحالَ عليها الحول فأخرجت شاةً ثمّ طلّقها قبل الدخول قولان :
أحدهما : أنّه يرجع بعشرين (٢) شاة.
والثاني : أنّه يأخذ نصفَ الموجود ، ونصفَ قيمة الشاة المُخرَجة (٣).
واختلف أصحابه هنا على طريقين :
[ أحدهما : تخريج القول الثاني وطرد القولين هاهنا ] (٤) :
أظهرهما : أنّه يأخذ جميع العبد الباقي بما بقي من الثمن ، ويجعل ما قبض من الثمن في مقابلة التالف ، كما لو رهن عبدين بمائة وأخذ خمسين وتلف أحد العبدين ، كان الآخَر مرهوناً بما بقي من الدَّيْن بجامع أنّ له التعلّق بكلّ العين ، فيثبت له التعلّق بالباقي من العين للباقي من الحقّ.
والثاني : أنّه يأخذ نصف العبد الباقي بنصف الباقي من الثمن ، ويُضارب الغرماءَ بنصفه ؛ لأنّ الثمن يتوزّع على المبيع ، فالمقبوض والباقي يتوزّع كلّ واحدٍ منهما على العبدين.
ولا بأس به عندي.
والطريق الثاني : القطع بأنّه يرجع في جميع العبد الباقي بما بقي من الثمن ، والفرق بينه وبين الصداق : أنّ الزوج إذا لم يرجع إلى عين الصداق ،
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.
(٢) في المصدر : « بأربعين » بدل « بعشرين ».
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤.
(٤) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لأجل السياق.
أخذ القيمة بتمامها ، والبائع هنا لا يأخذ الثمن ، بل يحتاج إلى المضاربة (١).
مسألة ٣٥٦ : لو قبض بعض الثمن ولم يتلف من المبيع شيء ، احتُمل الرجوع في البعض بنسبة الباقي من الثمن ، فلو قبض نصف الثمن ، رجع في نصف العبد المبيع ، أو العبدين المبيعين ، وهو الجديد للشافعي.
وقال في القديم : لا يرجع (٢). وقد سلف.
مسألة ٣٥٧ : لو كان المبيع زيتاً فأغلاه المشتري حتى ذهب بعضه ثمّ أفلس ، فهو بمثابة تلف بعض المبيع ، كما لو انصبّ بعضه ، وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني : أنّه كما لو تعيّب المبيع ، وكان الزائلُ صفةَ الثُّفْل (٣).
فعلى الأوّل لو ذهب نصفه ، أخذه بنصف الثمن ، وضارَب مع الغرماء بالنصف ، فإن ذهب ثلثه ، أخذ بثلثي الثمن ، وضارَب بالثلث.
وعلى الثاني يرجع إليه ، و [ يقنع ] (٤) به.
وإذا ذهب نصفه مثلاً ، فالوجه : أن يطّرد ذلك الوجه في إغلاء الغاصب الزيتَ المغصوب.
ولو كان مكان الزيت العصير ، فالوجه : المساواة بينه وبين الزيت هنا وفي الغاصب ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.
والثاني : الفرق بأنّ الذاهب من العصير ما لا ماليّة له ، والذاهب من
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤ ـ ٤٥.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.
(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ينتفع ». والصحيح ما أثبتناه.
الزيت متموّل (١).
ويُمنع عدم الماليّة ؛ لأنّه قبل الغليان مالٌ ، فقد أتلفه بالغليان.
وعلى القول بالتسوية بين العصير والزيت لو كان العصير المبيع أربعة أرطال قيمتها ثلاثة دراهم ، فأغلاها حتى عادت إلى ثلاثة أرطال ، رجع إلى الباقي ، ويُضارب بربع الثمن للذاهب (٢) ، ولا عبرة بنقصان قيمة المغليّ ، كما إذا عادت قيمته إلى درهمين.
وإن زادت قيمته بأن صارت أربعةً ، بني على أنّ الزيادة الحاصلة بالصنعة أثرٌ أو عينٌ؟
إن قلنا : إنّه أثر ، فإنّه للبائع بما زاد.
وإن قلنا : عينٌ ، قال بعض الشافعيّة : إنّه كالأوّل (٣).
وعن بعضهم : أنّ المفلس يكون شريكاً بالدراهم الزائدة (٤).
وإن بقيت القيمة ثلاثة كما كانت ، فيكون بقاؤها بحالها مع نقصان بعض العين ؛ لازدياد الباقي بالطبخ ، فإن جعلنا هذه الزيادة أثراً ، فاز البائع بها.
وإن جعلناها عيناً ، فكذلك عند بعض الشافعيّة (٥).
وقال غيره : يكون المفلس شريكاً بثلاثة أرباع درهم ، فإنّ هذا القدر هو قسط الرطل الذاهب ، وهو الذي زاد بالطبخ في الباقي (٦).
مسألة ٣٥٨ : لو كان المبيع داراً فانهدمت ولم يهلك شيء من النقْض ، فقد أتلف (٧) صفة ، كعمى العبد ونحوه.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.
(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الذاهب ». والظاهر ما أثبتناه.
(٣ ـ ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.
(٧) هكذا قوله : « فقد أتلف ». والظاهر أنّ بدلها : « فهو تلف » أو « فقد تلف ».
ولو هلك بعضه باحتراقٍ وغيره ، فهو تلف عين.
وللشافعيّة خلاف هنا مبنيّ على تلف سقف الدار المبيعة قبل القبض أنّه كالتعيّب أو تلف أحد العبدين؟ (١).
مسألة ٣٥٩ : قد ذكرنا أنّه إذا نقصت ماليّة المبيع بذهاب صفة مع بقاء عينه ـ كهزال العبد ، أو نسيانه صنعةً ، أو كبره ، أو مرضه ، أو تغيّر عقله ، أو كان ثوباً فخَلِق ـ لم يمنع الرجوع ؛ لأنّ فقد الصفة لا يُخرجه عن كونه عين ماله ، لكن يأخذ العين بتمام الثمن ، أو يترك ويضرب مع الغرماء بالثمن ؛ لأنّ الثمن لا يتقسّط على صفة السلعة من سمن أو هزال أو علمٍ فيصير كنقصه ؛ لتغيّر السعر.
ولو كان المبيع أمةً ثيّباً فوطئها المشتري ولم تحمل ، فله الرجوع ؛ لأنّها لم تنقص في ذات ولا صفة.
وإن كانت بكراً ، فكذلك عندنا وعند الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (٢) ؛ لأنّ الذاهب صفة ، لا عين ولا جزء عين.
وفي الأُخرى : لا يرجع ؛ لأنّه أذهب منها جزءً ، فأشبه ما لو فقأ عينها (٣). وعنده أنّ فوات الجزء مبطل للرجوع (٤).
مسألة ٣٦٠ : لو كان المبيع عبداً فجرح ، كان له الرجوعُ فيه عندنا وعند الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (٥) ؛ لأنّه فقد صفة ، فأشبه نسيان الصنعة وخلق الثوب.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.
(٢ و ٣) المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٨.
(٤) المغني ٤ : ٤٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١١.
(٥) المغني ٤ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.
وفي الأُخرى : لا يرجع ؛ لأنّه ذهب جزء ينقص به الثمن ، فأشبه ما لو فُقئت عين العبد. ولأنّه ذهب من العين جزء له بدل ، فمنع الرجوع ، كما لو قُطعت يد العبد. ولأنّه لو كان نقص صفةٍ ، لم يكن للبائع مع الرجوع بها شيء سواه ، كما في هزال العبد ونسيان الصنعة ، وهنا بخلافه. ولأنّ الرجوع في المحلّ المنصوص عليه يقطع النزاع ، ويزيل المعاملة بينهما ، ولا يثبت في محلٍّ لا يحصل منه هذا المقصود (١).
ونمنع ذهاب الجزء. سلّمنا ، لكن نمنع صلاحيّته للمنع من الرجوع في العين.
إذا عرفت أنّ له الرجوعَ في العين ، فليُنظر إلى الجرح ، فإن لم يكن له أرش ـ كالحاصل من فعله تعالى أو فعل بهيمة أو فعل المشتري أو جناية عبده أو جناية العبد على نفسه ـ فليس له مع الرجوع أرش.
وإن أوجب أرشاً ـ كجناية الأجنبيّ ـ فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصّة ما نقص من الثمن ، فينظر كم نقص من قيمته؟ فيرجع بقسط ذلك من الثمن ؛ لأنّه مضمون على المشتري للبائع بالثمن.
لا يقال : هلاّ جعلتم له الأرش الذي وجب على الأجنبيّ؟
لأنّا نقول : لمّا أتلفه الأجنبيّ صار مضموناً بإتلافه للمفلس ، وكان الأرش له ، وهو مضمون على المفلس للبائع بالثمن ، فلا يجوز أن يضمنه بالأرش ، وإذا لم يتلفه أجنبيّ ، فلم يكن مضموناً ، فلم يجب بفواته شيء.
لا يقال : هلاّ كان هذا الأرش للمشتري ككسبه لا يضمنه للبائع؟
لأنّا نقول : الكسب بدل منافعه ، ومنافعه مملوكة للمشتري بغير
__________________
(١) المغني ٤ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.
عوضٍ ، وهذا بدل جزء من العين ، والعين ضمنها جميعاً بالعوض ، فلهذا ضمن ذلك للمشتري.
القسم الثاني (١) : التغيّر بالزيادة.
اعلم أنّ التغيّر بالزيادة نوعان :
أحدهما : الزيادات الحاصلة لا من خارجٍ ، وأقسامه ثلاثة :
أحدها : الزيادة المتّصلة من كلّ وجهٍ ، كالسمن ، وتعلّم الحرفة ، وكبر الشجر.
والأقرب عندي : أنّه ليس للغرماء الرجوعُ في العين ـ وبه قال أحمد ابن حنبل (٢) ـ لما فيه من الإضرار بالمفلس ؛ لأنّها زيادة قد حصلت في ملكه ، فلا وجه لأخذ الغرماء لها.
ولأنّه فسخ بسببٍ حادث ، فلم يملك به الرجوع في عين المال الزائد زيادة متّصلة ، كالطلاق ، فإنّه ليس للزوج الرجوعُ في عين ما دفعه من المهر مع زيادته المتّصلة.
ولأنّها زيادة في ملك المفلس ، فلا يستحقّها البائع ، كالمنفصلة ، وكالحاصلة بفعله.
ولأنّ الزيادة لم تصل إليه من البائع ، فلم يكن له أخذها منه ، كغيرها من أمواله.
وقال الشافعي ومالك : لا يبطل رجوع البائع في العين بسبب الزيادة المتّصلة ، بل يثبت له الرجوعُ فيها إن شاء من غير أن يلتزم للزيادة شيئاً
__________________
(١) الظاهر : « الثالث ».
(٢) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٠٢ ، المغني ٤ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٦.