أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]
المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦
٣٥٧ ـ ثلاث ليال قوله كلّ ليلة : |
|
أتاك رسول من لؤيّ بن غالب |
٣٥٨ ـ فرفعت عن ذيلي الإزار وشمّرت |
|
بي الفرس الوضاء بين السباسب |
٣٥٩ ـ فمرلي بما قد جئت يا خير من مشى |
|
وإن كان فيما جئت شيب الذوائب |
٣٦٠ ـ فكن لي يوم لا ذو شفاعة |
|
سواك بمغن عن سواد بن قارب |
أولا قال : فكن ، ثم قال : عن سواد بن قارب ، وهو هو في الحقيقة.
وكذلك قول الآخر :
٣٦١ ـ أقول له والرّمح يأطر متنه : |
|
تأمّل خفافا إنّني أنا ذلكا |
* * *
__________________
٣٦١ ـ البيت لخفاف بن ندبة ، وهو صحابي شهد الفتح ، وكان معه لواء بني سليم ، وشهد غزوة صفين ، وثبت على إسلامه في الردّة ، وبقي حيا إلى خلافة عمر.
والبيت في معجم الشعراء ١٠٨ ، ومعاني القرآن للأخفش ١ / ١٣١ ، ومجاز القرآن ١ / ٢٨ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٧٠ ، والإنصاف ٧٢٠.
يأطر متنه : يعطفه ويثنيه.
باب
إدخال الباء في الكلام صلة
ـ إن سئل عن قوله تعالى : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) (١). ما هذه الباء؟
قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :
قال بعض أهل التفسير : تنبت ومعها الدهن.
وقال بعضهم : هذه لغة لبعضهم ، يقولون : تنبت بالنبات وتنبت النبات ، واحتجوا بقول القائل :
٣٦٢ ـ بواد يمان تنبت الشّث صدره |
|
وأسفله بالمرخ والشّبهان |
وقال آخر :
الباء ههنا صلة ، وهي التي يسميها أهل المعاني مقحمة ، نظيرها قوله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) (٢). يريد : أيّكم المفتون ، على جعل الباء مقحمة. وعند بعضهم : بأيّ فرقة المجنون؟ فينا أو فيكم؟
__________________
(١) سورة المؤمنون : آية ٢٠.
٣٦٢ ـ البيت للأحول اليشكري ، وقيل : ليعلى الأحول ، وهو في مجاز القرآن ٢ / ٤٨ ، وتفسير الطبري ١٧ / ١٩٤ ، وتفسير القرطبي ١٢ / ٣٦ ، ولسان العرب : (شثث) ، والشّبهان : ضرب من العصى ، والشث والمرخ : نبت.
(٢) سورة القلم : آية ٦.
وقوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (١). قيل : إنّ الباء ههنا مقحمة.
وقوله تعالى : (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) (٢) ، الباء مقحمة.
وكذلك قوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) (٣) ، وقوله : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) (٤) ، و (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (٥) ، و (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (٦).
وقوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها) (٧).
فعند بعضهم : الباء مقحمة. أي : ظلموها. وقيل : معناه ظلموا أنفسهم بسببها.
وكقوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها) (٨) ، أي : ظلموا أنفسهم بسببها وبتكذيبهم بها.
وقوله تعالى : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (٩) ، أي : بسببه.
الأبيات :
قال القائل :
٣٦٣ ـ نحن بني جعدة أصحاب الفلج |
|
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج |
__________________
(١) سورة العلق : آية ١.
(٢) سورة الإنسان : آية ٦.
(٣) سورة مريم : آية ٢٥.
(٤) سورة الحج : آية ٢٥.
(٥) سورة الممتحنة : آية ١.
(٦) سورة المعارج : آية ١.
(٧) سورة الإسراء : آية ٥٩.
(٨) سورة الأعراف : آية ١٠٣.
(٩) سورة النحل : آية ١٠٠.
٣٦٣ ـ البيت للنابغة الجعدي ، وهو في شرح الأبيات لابن السيرافي ١ / ٤٧٧ ، والمخصص ١٤ / ٧٠ ، وشرح التبريزي ١ / ١٩٧ ، وتأويل مشكل القرآن ٢٤٩ ، ولسان العرب ـ مادة (با).
وقال امرؤ القيس :
٣٦٤ ـ هصرت بفودي رأسها فتمايلت |
|
عليّ هضيم الكشح ريّا المخلخل |
وقال أيضا :
٣٦٥ ـ فلمّا تنازعنا الحديث وأسمحت |
|
هصرت بغصن ذي شماريخ ميأل |
وقال أيضا :
٣٦٦ ـ إذ يسفّون بالدقيق وكانوا |
|
قبل لا يأكلون شيئا فطيرا |
وقال الآخر :
٣٦٧ ـ ضمنت برزق عيالنا أرماحنا |
|
ملاء المراجل والصريح الأجردا |
وقال الآخر :
٣٦٨ ـ ولقد رجوت بأن أموت ولم تكن |
|
للحرب دائرة على ابني ضمضم |
__________________
٣٦٤ ـ البيت من معلقته ، راجع شرح المعلقات ١ / ٢٠. وقوله : هصرت : جذبت ، والفودان : جانبا الرأس ، هضيم الكشح : ضامرة الوسط ، ريّا : ريح.
٣٦٥ ـ البيت من لاميته غير المعلقة. راجع ديوانه ١٢٥.
٣٦٦ ـ البيت لأمية بن أبي الصلت ، وهو في تأويل مشكل القرآن ٢٤٩ ، والاقتضاب ٤٥٦.
٣٦٧ ـ البيت لأعشى بكر ، ويروى عجزه : [وضرعهن لنا الصريح الأجردا]. والصريح الأجرد : اللبن لا رغوة له.
وهو في تأويل مشكل القرآن ٢٤٩ ، وديوان الأعشى ٥٤.
٣٦٨ ـ البيت لعنترة من معلقته. راجع شرح القصائد العشر للتبريزي ص ٣٧ ، وشرح المعلقات للنحاس ٢ / ٤٦ ، وديوانه ص ٣٠.
وابنا ضمضم : هما هرم وحصين ، وكان عنترة قتل أباهما فكانا يتواعدنه.
وقال الآخر :
٣٦٩ ـ هنّ الحرائر لا ربّات أخمرة |
|
سود المحاجر لا يقرأن بالسور |
وقال عنترة :
٣٧٠ ـ شربن بماء الدّحرضين فأصبحت |
|
زوراء تنفر عن حياض الدّيلم |
__________________
٣٦٩ ـ البيت تقدم رقم ٥٣.
٣٧٠ ـ البيت لعنترة من معلقته ، راجع شرح النحاس ٢ / ٢١ ، الدحرضان : اسم مكان ، والزوراء : المائلة ، الدّيلم : الأعداء ، وقيل الجماعة.
والبيت في تأويل مشكل القرآن ٥٧٠ ، وأدب الكاتب ٥١٧.
باب
سقوط الباء من الكلمة والمعنى إثباتها
ـ قال الشيخ الإمام الزاهد رضي الله عنه : اعلم أنّ العرب تسقط الباء من الكلمة ، والمعنى إثباتها ، كما تزيد الباء في الكلمة والمعنى إسقاطها ، على ما بيّنا.
ـ أمّا إسقاط الباء من الكلمة فقوله تعالى : (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) (١) ، أي : بظلم وزور. لأنّ (جاء) فعل لازم يعدّى بحرف الصفة ، كما يقال : جاء به ، ويجيء به.
كقوله تعالى : (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) (٢) ، وكقوله تعالى : (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (٣) ، وقوله تعالى : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) (٤) ، فأثبتت الباء في هذه المواضع ، وهو الأصل.
وأسقطت في قوله تعالى : (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) (١) على المجاز.
وكذلك قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا) (٥) ، معناه : وبما أنزلنا.
وقوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) (٦) ، أي : ليكفر بما هو أمامه من أمر البعث ، فحذف الباء.
__________________
(١) سورة الفرقان : آية ٤.
(٢) سورة يوسف : آية ٨٨.
(٣) سورة النساء : آية ٤١.
(٤) سورة الفجر : آية ٢٣.
(٥) سورة الأنفال : آية ٤١.
(٦) سورة القيامة : آية ٥.
وقوله تعالى : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) (١). المعنى : ببأس شديد.
وقوله تعالى : (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) (٢). أي : بإسلامكم ؛ لأنه يقال : مننت عليه بكذا ، ولا يقال : مننت عليه كذا.
وقوله تعالى : (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) (٣). أي : بأمر من عندنا. قال الشاعر :
٣٧١ ـ نغالي اللحم للأضياف نيئا |
|
ونرخصه إذا نضج القدور |
* * *
__________________
(١) سورة الكهف : آية ٢.
(٢) سورة الحجرات : آية ١٧.
(٣) سورة الدخان : آية ٥.
٣٧١ ـ البيت لم يعلم قائله ، وقال ابن دريد : البيت لرجل من قيس.
وهو في أساس البلاغة ـ مادة (غلو) ، ومعاني القرآن للأخفش ٢ / ٣٢٦ ، ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣٨٣ ، ولسان العرب ـ مادة (غلو) ، والإفصاح للفارقي ٧٧ ، والجمهرة ٣ / ٤٩٤.
باب
العارضة التي تدخل في الكلام والقصّة
ـ إن سئل عن قوله تعالى : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ) (١).. الآية.
أجمع المفسرون أنّ هذا حكاية عن اليهود.
وقوله تعالى : (قُلْ : إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) (١) هذا أمر للنبي صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (أَنْ يُؤْتى) (١) من كلام اليهود بعضهم لبعض ، فكيف الوجه في ذلك؟
قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :
إنّ هذه ومثلها مطردة في كلام العرب ، وهذه هي التي يقال لها العارضة ، كما يقول : إنّ محمدا ـ يا رجل ـ رسول الله.
فقولك «يا رجل» كلام اعترض في خلال كلامك.
ومثله في القرآن : ([وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ثم اعترض كلام آخر وهو قوله :
__________________
(١) (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ* وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) [سورة آل عمران : ٧٢ ـ ٧٣].
(كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) ثم رجع إلى ذكر المتقين فقال : (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ]) (١) الآية.
وفي العنكبوت قوله : ([وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) إلى قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) يعني به : أهل مكة ، فهذا عارض دخل في الكلام إلى قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ثم رجع إلى قصة إبراهيم عليهالسلام فقال : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ]) (٢).
ـ وكذلك قوله تعالى : ([إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (٣) فهذا اعتراض دخل ، ثم أتى بخبره فقال : (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ]) (٤).
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ـ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ـ (٥) عارض دخل بين الكلامين.
وقوله تعالى : (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ) (٦) ، وقوله :
__________________
(١) سورة الطور : آيتان ٢١ ـ ٢٢.
(٢) الآيات (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ* أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ* قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ* وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.) [الآيات ١٦ ـ ٢٣].
(٣) سورة الكهف : آية ٣٠.
(٤) سورة الكهف : آية ٣١.
(٥) سورة الأعراف : آية ٤٢.
(٦) سورة المطففين : آيتان ٢٥ ـ ٢٦.
(وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ) (١) كلام عارض ، ثم قال : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) (٢).
وقوله تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) (٣) الآية ثم قوله : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (٤) كلام اعتراض ، ثم رجع إلى ذكر القيامة فقال : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) (٥).
وقال في قصة نوح حكاية منه : (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) (٦) جاء كلام آخر فقال : (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) (٧) ثم رجع إلى قصة نوح يقول : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ) (٨).
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) (٩) الآية. ثم قال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) (١٠) فهذا عارض ، ثم رجع إلى قصته فقال : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ) (١١).
وقوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) (١٢) أراد به عيسى عليهالسلام ، ثم خاطب هؤلاء بقوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) (١٣). أي : بدلا منكم في الأرض يخلفون مكانكم أطوع منكم.
ثم عاد إلى ذكر عيسى وقال : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) (١٤). أي : نزول عيسى عليهالسلام يكون علامة للقيامة. قال الشاعر :
__________________
(١) سورة المطففين : آيتان ٢٥ ـ ٢٦.
(٢) سورة المطففين : آية ٢٧.
(٣) سورة التغابن : آية ٧.
(٤) سورة التغابن : آية ٨.
(٥) سورة التغابن : آية ٩.
(٦) سورة هود : آية ٣٤.
(٧) سورة هود : آية ٣٥.
(٨) سورة هود : آية ٣٦.
(٩) سورة لقمان : آية ١٢.
(١٠) سورة لقمان : آية ١٤.
(١١) سورة لقمان : آية ١٦.
(١٢) سورة الزخرف : آية ٥٩.
(١٣) سورة الزخرف : آية ٦٠.
(١٤) سورة الزخرف : آية ٦١.
٣٧٢ ـ إنّ الثمانين ـ وبلّغتها ـ |
|
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان |
٣٧٣ ـ وأبدلتني بالشّطاط انحنا |
|
وكنت كالصّعدة تحت السّنان |
وبلّغتها عارض دخل.
* * *
__________________
٣٧٢ ـ ٣٧٣ ـ البيتان لأبي المنهال عوف بن محلّم الخزاعي. من قصيدة له يمدح فيها عبد الله بن طاهر ، توفي سنة ٢٢٠ ه وهي في فوات الوفيات ٣ / ١٦٢.
والأول في مغني اللبيب ٥٨.
باب
حذف حرف الصفة من الكلمة
ـ إن سئل عن قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) (١)؟
ما الوجه فيه؟
ـ قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :
إنّه قد اختلف في معناه : فقال بعضهم : إلا من جهل نفسه.
ومنهم من يقول : إلا من سفه في نفسه ، فلما نزع منه (في) انتصب.
والعرب تفعل ذلك بأن تحذف من الكلام الباء والكاف واللام ومن وإلى وفي وينصب الاسم بنزع ذلك الخافض.
تقول : أستغفر الله ذنبا ، أي : من ذنب. وتعرضت معروفك أي : لمعروفك ، وغاليت السلعة أي : في السلعة.
وفي القرآن قوله عزوجل : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) (٢) ، أي : من قومه.
وقوله تعالى : (يَبْغُونَها عِوَجاً) (٣) ، أي : يطلبون بها زيغا.
وقوله تعالى : (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (٤). أي : من أسف.
__________________
(١) سورة البقرة : آية ١٣٠.
(٢) سورة الأعراف : آية ١٥٥.
(٣) سورة هود : آية ١٩.
(٤) سورة الكهف : آية ٦.
وقوله تعالى : (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) (١). أي : بإسلامكم.
وقوله تعالى : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) (٢). أي : كالوا لهم ، أو وزنوا لهم.
وقوله تعالى : (وَزُخْرُفاً) (٣). أي : من زخرف.
وقوله تعالى : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) (٤). أي : لوصفهم.
وقوله تعالى : (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) (٥). أي : بأمر من عندنا.
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ) (٦). أي : مكّنّا لهم بذلك.
وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) (٧). أثبت اللام ههنا ، وأسقط هناك.
وقوله تعالى : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) (٨). أي : ببأس شديد.
وقوله تعالى : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) (٩). أي : يخوفوكم بأوليائه.
وقوله تعالى : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) (١٠). أي : بباطل.
وقوله تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) (١١). أي : كاستعجالهم.
ـ الأبيات :
__________________
(١) سورة الحجرات : آية ١٧.
(٢) سورة المطففين : آية ٣.
(٣) سورة الزخرف : آية ٣٥.
(٤) سورة الأنعام : آية ١٣٩.
(٥) سورة الدخان : آية ٥.
(٦) سورة الأحقاف : آية ٢٦.
(٧) سورة يوسف : آية ٢١.
(٨) سورة الكهف : آية ٢.
(٩) سورة آل عمران : آية ١٧٥.
(١٠) سورة آل عمران : آية ١٩١.
(١١) سورة يونس : آية ١١.
قال الشاعر :
٣٧٤ ـ اخترتك الناس إذ رثّت خلائقهم |
|
واعتلّ من كان يرجى عنده السّول |
يريد : اخترتك من الناس.
وقال آخر :
٣٧٥ ـ أستغفر الله ذنبا لست محصيه |
|
ربّ العباد إليه الوجه والعمل |
وقال الآخر :
٣٧٦ ـ وأنت الذي اخترت المذاهب كلّها |
|
بوهبين إذ ردّت عليّ الأباعر |
يريد : اخترت من المذاهب.
وقال الآخر :
٣٧٧ ـ ضرب المعوّل تحت الديمة العضدا |
|
... |
أي : كضرب المعوّل.
وقال أبو طالب :
٣٧٨ ـ وقد صالحوا قوما علينا أشحّة |
|
يعضّون غيظا خلفنا بالأنامل |
__________________
٣٧٤ ـ البيت للراعي يمدح سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب ، ويروى عجزه : [واعتلّ إلا المصفّى كلّ مسؤول].
وهو في ديوان الراعي ١٩٤ ، وتفسير القرطبي ٧ / ٢٩٤ ، وتفسير الطبري ٩ / ٤٨ ، واللسان ـ مادة (سول).
٣٧٥ ـ البيت لم يعلم قائله ، وهو من شواهد سيبويه ١ / ١٧ ، والخصائص ٣ / ٢٤٧ ، والمقتضب ٢ / ٣٢١ ، وابن يعيش ٧ / ٦٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ١١١ ، وتأويل مشكل القرآن ٢٢٩.
٣٧٦ ـ البيت لذي الرّمة في ديوانه ص ٣٤٣ ، والإيضاح الشعري للفارسي ص ٤٣١ ، وهبين : اسم موضع.
٣٧٧ ـ الشطر تقدم برقم ٢٤١.
٣٧٨ ـ البيت لأبي طالب كما قال المؤلف ، وهو في تفسير القرطبي ٤ / ١٨٢.
باب المقلوب
ـ إن سئل عن قوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (١).
إن كان في اعتقادهم في نبيّ الله شعيب ـ صلوات الله على نبينا وعليه ـ هذا ، كان هذا إسلاما منهم؟
قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :
كأنهم قالوا : إن اتبعناك وصدّقناك فإذا أنت عندنا الحليم الرشيد.
وقال بعضهم : هذا على وجه الاستهزاء منهم ، والعرب تفعل ذلك ، تقلب الكلمة عن وجهها إمّا تفاؤلا ؛ وإما استهزاء ، وإمّا نظيرا.
أمّا التفاؤل فكقولهم للعطشان : ناهل ، أي : سينهل ، وللدّيغ : سليم ، أي : سيسلم.
وأمّا النظير فكقولهم للموضع الذي لا عمران فيه ولا ماء : مفازة ، وإنما هي مهلكة ، وكذلك للأسود : أبو البيضاء ، وللضرير : أبو البصير.
وأمّا على وجه الاستهزاء فكما يقال للجاهل : يا عاقل.
ومنها قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٢) ، وقوله تعالى :
__________________
(١) سورة هود : آية ٨٧.
(٢) سورة الدخان : آية ٤٩.
(أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (١) ، وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) (٢) ، وقوله تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) (٣) فليس لله شريك. المعنى : على زعمكم.
وكقول إبراهيم عليهالسلام : (هذا رَبِّي) (٤) استهزاء بقومه.
وقوله تعالى : (بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) (٥) ، وهو في الحقيقة إتيان العطشان إلى الماء.
وكذلك قوله تعالى : (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) (٦). الرفد : هو العون والقوة في الخير.
ـ وفي الحديث أنّ أبا جهل ـ لعنه الله ـ كان إذا رأى النبي صلىاللهعليهوسلم يقول لأصحابه : هذا نبيّ عبد مناف. على وجه الاستهزاء.
وكذلك قوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (٧) يحتمل أنّهم خرّجوا الكلام مخرج الاستهزاء.
قال قتادة : فمنها قوله : (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) (٨) الآية.
ـ الأبيات :
__________________
(١) سورة الفرقان : آية ٤١.
(٢) سورة الحجر : آية ٦.
(٣) سورة النحل : آية ٢٧.
(٤) سورة الأنعام : آية ٧٦.
(٥) سورة هود : آية ٩٨.
(٦) سورة هود : آية ٩٩.
(٧) سورة هود : آية ٨٧.
(٨) سورة الأنبياء : آية ١٣.
قال الشاعر :
٣٧٩ ـ فقلت لسيدّنا يا حليم |
|
إنّك لم تأس أسوا رفيقا |
يريد : يا جاهل.
وقال الآخر :
٣٨٠ ـ أخاف زيادا أن يكون عطاؤه |
|
أداهم سودا أو محدرجة سمرا |
يريد به السوط ، فسماه عطاء على ما ذكرنا.
وقال الآخر ـ وهو عمرو بن كلثوم ـ :
٣٨١ ـ قريناكم فعجّلنا قراكم |
|
قبيل الصّبح مرداة طحونا |
جعل الرمي بالمرادة مكان القرى.
وقال الآخر :
٣٨٢ ـ فقلت لها فاها لفيك فإنّه |
|
قلوص امرىء قاريك ما أنت حاذره |
* * *
__________________
٣٧٩ ـ البيت لشتيم بن خويلد ، وهو في البيان والتبيين ١ / ١٨١ ، والحيوان ٣ / ٨٢ ، والصاحبي ٤٢٩.
وقوله : تأسو : تداوي ، أسوا وأسى : مصدران.
٣٨٠ ـ البيت للفرزدق وهو في معاني القرآن للفراء ١ / ٢٣٩ ، واللسان ـ مادة (حدرج) ، والمعاني الكبير ٢ / ٨٧٧ ، وديوانه ص ١٦٩.
الأداهم : جمع أدهم وهو القيد ، والمحدرجة : السياط من : حدرجه إذا أحكم فتله.
٣٨١ ـ البيت تقدم برقم ١٩٨.
٣٨٢ ـ البيت تقدم برقم ٢٠١.
باب
دخول «أن» و «ما» على الفعل الماضي والمستقبل
ـ اعلم أرشدك الله أنّ «أن» و «ما» إذا دخلا على المستقبل جعلاه بمنزلة المصدر. أمّا المستقبل فكقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) (١) فالمعنى : إنّ الله لا يغفر الشرك. وكقوله تعالى : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي) (٢).
قال بعض المفسرين : إلا مشيئة ربي.
وأمّا إدخالها على الماضي فقوله تعالى : (أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) (٣).
المعنى : أكان إيحاؤنا عجبا إلى رجل منهم.
وقوله تعالى : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ* وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) (٤). أي : أمرنا بإقامة الصلاة.
وقوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) (٥). أي : بأمر الله.
__________________
(١) سورة النساء : آية ١١٦.
(٢) سورة الأنعام : آية ٨٠.
(٣) (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) [سورة يونس : آية ١].
(٤) سورة الأنعام : آية ٧١ ـ ٧٢.
(٥) سورة الحجر : آية ٩٤.
وقوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) (١). أي : بإتيانهم الخير.
وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ قالُوا) (٢) ، معناه : إلا قولهم.
وقوله تعالى : (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِ) (٣). أي : بقولكم على الله غير الحق.
* * *
__________________
(١) سورة آل عمران : آية ١٨٨.
(٢) (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) [سورة آل عمران : آية ١٤٧].
(٣) سورة الأنعام : آية ٩٣.
باب
نقل الفعل عن الفاعل إلى غيره
ـ فإن سئل عن قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) (١) ، أليس الاشتعال إنّما يكون من الشيب لا من الرأس؟ فكيف الوجه فيه؟.
ـ الجواب عنه :
قلنا ـ وبالله التوفيق ـ : إنّ الفعل إذا نقل عن فاعله إلى غيره فإنّ فاعله يبقى منصوبا على التفسير ، والفعل في الحقيقة له.
تقول العرب : تصببت عرقا ، وكان الفاعل العرق ، فلما نقل الفعل عنه إلى غيره ، وعرّي عن فعله انتصب على التفسير ، وكذلك قولهم : ضقت به ذرعا ، وتفقأت شحما.
قال الله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) (٢) ، أي : طابت أنفسهن.
وقوله تعالى : (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (٣) ، وقوله : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) (١).
__________________
(١) سورة مريم : آية ٤.
(٢) سورة النساء : آية ٤.
(٣) سورة الأنعام : آية ٨٠.