أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]
المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦
المعنى : قتل شركائهم أولادهم ، فصل بين المضاف والمضاف إليه بقوله : (أَوْلادِهِمْ) ونصب بإيقاع المصدر عليه ، وهو القتل (١).
فاطلب نظائره في القرآن تقف عليه إن شاء الله عزوجل.
مثاله قول القائل :
٣٣١ ـ فزججتها بمزجّة |
|
زجّ القلوص أبي مزاده |
وكقول القائل :
٣٣٢ ـ تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة |
|
نفي الدراهيم تنقاد الصّياريف |
وقال الشاعر :
٣٣٣ ـ بضرب من السيوف رؤوس قوم |
|
أزلنا هامهنّ عن المقيل |
__________________
(١) قرأ ابن عامر زيّن بالبناء للمفعول ، ورفع «قتل» على النيابة عن الفاعل ، و «أولادهم» بالنصب على المفعول بالمصدر ، و «شركائهم» بالخفض على إضافة المصدر إليه. وهي قراءة متواترة صحيحة ، وقارئها ابن عامر من كبار التابعين الذين أخذوا عن الصحابة كعثمان بن عفان وأبي الدرداء ومعاوية وفضالة بن عبيد.
وقرأ الباقون : زيّن مبنيا للمعلوم ، و «قتل» نصب به ، و «أولادهم» بالخفض على الإضافة ، وشركاؤهم بالرفع فاعل لزيّن.
٣٣١ ـ البيت لم ينسب.
وهو في مجالس ثعلب ١٥٢ ، والخصائص ٢ / ٤٠٦ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤١٤ ، وشرح الجمل لابن عصفور ٢ / ٦٠٥.
وقوله : زججته ، أي : طعنته بالزج ، وهي الحديدة التي في أسفل الرمح.
٣٣٢ ـ البيت للفرزدق يصف ناقة.
وهو من شواهد سيبويه ١ / ١٠ ، وشرح ابن عقيل ٢ / ١٠٢ ، وقطر الندى ١٢٤.
وأضاف المصدر وهو (نفي) إلى مفعوله وهو (الدراهيم) ، ثم أتى بفاعله مرفوعا وهو (تنقاد).
٣٣٣ ـ البيت للمرّار بن منقذ الأسدي.
وهو في شرح ابن يعيش ٦ / ٦١ ، واللمع لابن جني ٣٠٥ ، وشرح الجمل لابن عصفور ٢ / ٢٤. والهام : الرؤوس ، ومقيل الرؤوس : أعناقها.
المعنى : بأن نضرب رؤوس قوم.
وقال :
٣٣٤ ـ لقد علمت أولى المغيرة أنّني |
|
كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا |
* * *
__________________
٣٣٤ ـ البيت للمرّار الأسدي.
وهو في ابن عقيل ٢ / ٩٧ ، والمقتضب ١ / ١٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٣٩ ، وكتاب سيبويه ١ / ٩٩ ، وشرح الأبيات لابن السيرافي ١ / ٦٠.
باب
النعت إذا تقدّم على الاسم
ـ اعلم أنّ النعت إذا تقدم على الاسم فإنه تكون له حالتان : فصلا ووصلا.
أمّا حالة الفصل فالنصب لا غير.
وأمّا حالة الوصل فإعرابه إعراب ما قبله على الإتباع.
فالفصل «قلوبهم» وما يشبهها.
قال الشاعر :
٣٣٥ ـ لميّة موحشا طلل |
|
يلوح كأنّه خلل |
وأما الوصل فقوله تعالى : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) (١). جعل إعراب الظالم إعراب القرية على الإتباع ، وهو نعت لأهل القرية لا للقرية.
وعلى الإتباع قوله تعالى : (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٢). و (الظَّالِمِينَ) ليس بنعت من يدخل الجنّة ، ولكنه انتصب على الإتباع ،
__________________
٣٣٥ ـ البيت لكثيّر عزّة ، وهو في كتاب سيبويه ١ / ٢٧٦ ، وخزانة الأدب ١ / ٥٣١ ، ومغني اللبيب ١١٨.
(١) سورة النساء : آية ٧٥.
(٢) سورة الإنسان : آية ٣١.
كقول الشاعر :
٣٣٦ ـ من وحش وجرة موشيّ أكارعه |
|
طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد |
وكقول الآخر :
٣٣٧ ـ من فتية حسن أوجههم |
|
من نزار بن إياد بن معدّ |
وإنما جاء هذا في النعت لا في الاسم ؛ لأنك لو قلت : مررت برجل حسن وجهه لا يجوز ، ولو قلت : مررت برجل حسن وجه أبيه جاز ؛ لأنّ النعت أضعف من الاسم ، فجاز أن يكون تبعا بالإعراب ، ولا يجوز ذلك في الاسم.
* * *
__________________
٣٣٦ ـ البيت للنابغة الذبياني من معلقته.
وهو في ديوانه ص ٧ ، والمذكر والمؤنث ٢٦٩ ، والبحر المحيط ١ / ٢٤٩.
وجرة : فلاة ، وهي مجمع الوحوش ، موشيّ أكارعه : أي بيض قوائمه وفيها نقط ، طاوي المصير : ضامر ، والمصير : المعى ، والفرد : أراد الفرند ، أي : الجوهر ، فلم يستقم له البيت.
٣٣٧ ـ البيت للحارث بن دوس الإيادي ، ويروى لأبي دؤاد الإيادي ، وهو في تفسير القرطبي ١٧ / ١٢٩ ، ومعاني الفرّاء ٣ / ١٠٥ ، واللسان مادة : خشع.
باب «أم»
ـ إن سئل عن قوله تعالى : (أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١) ، فما معناها؟
قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :
إنّ «أم» تأتي في القرآن على نوعين ، وكذلك في كلام العرب : متصلة ومنفصلة.
فالمتصلة : يكون عديلها ألف الاستفهام على معنى : أي (٢) ، كقوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١).
والمنفصلة : ما لم تتقدمها همزة الاستفهام ، فتكون مقدّرة (٣) ، كقوله
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٦.
(٢) «أم» المتصلة : وهي المعادلة لهمزة التسوية ، نحو (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) أو لهمزة الاستفهام التي يطلب بها وب «أم» ما يطلب بأي ، نحو : أقام زيد أم قعد. راجع الجنى الداني ٢٢٥.
(٣) «أم» المنقطعة : هي التي لا يكون قبلها إحدى الهمزتين.
واختلف في معناها ، فقال البصريون : إنها تقدّر ب (بل) والهمزة مطلقا.
وقال قوم : إنها تقدّر ب (بل) مطلقا ، وذكر ابن مالك أنّ الأكثر أن تدل على الإضراب مع الاستفهام.
راجع الجنى الداني ٢٢٥ ـ ٢٢٦.
تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ) (١) ، أي : بل يحسدون.
قال الفرّاء : «أم» إذا كان قبلها ألف الاستفهام يكون ردّا عليها ، مثل الآية التي تلوتها ، ومثل قولك : أزيد جاء أم عمرو.
ـ وأمّا إذا لم يكن قبلها ألف الاستفهام فينبغي أن يكون فيها كلام آخر ، لتتصل هذه به ، وإلا فلا يجوز.
قال : مثال هذا أن يقول الرجل ابتداء : أم عندك شيء ، فهذا لا يجوز ، إلا أن يقول : أنت رجل لا تنصف أم لك سلطان تدلي به ، فحينئذ يجوز ، لأنه قد تقدمها كلام فاتصل بها.
ـ وقال أبو بكر ابن الأنباري : «أم» كلمة تأتي بعد استفهام سبقها مثل ما بيّنّا ، وربّما تأتي غير مردودة إلى شيء ، فتجري مجرى هل.
ويكون الفرق بينها وبين هل أنّ «هل» استفهام مبتدأ به ، لا يتوسط ولا يتأخر و «أم» استفهام متوسط لا يكون إلا بعد كلام ، فجعلوا للمتوسط لفظا يخالف لفظ السابق ، فجعلوا للسابق «هل وأخواتها» وللمتوسط «أم» مثل قوله تعالى : (الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ) (٢) إلى قوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ.)
وقال غيرهما من النحويين : إنّ «أم» في هذا الموضع بمعنى «بل» ، وهي الذي يقال لها المنفصلة.
ـ وبعضهم يفرّق بين «أم» و «أو» فيقول : إنّ «أم» كلمة مفرّقة لما جمعته ، و «أو» كلمة مفرّقة لما جمعه أحد.
__________________
(١) سورة النساء : آية ٥٤.
(٢) (الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) [سورة السجدة : الآيتين ١ ـ ٢].
تقول في «أم» : أي الرجلين رأيت زيدا أم بكرا؟
وتقول في «أو» : اضرب أحدهما زيدا أو عمرا.
ـ قال الشيخ الإمام الزاهد رضي الله عنه : لقد كثرت عباراتهم في هذه ، وربّما يصعب على الناشىء إدراكها ، وأنا جامع لك وجوهها ، مفسّر لها إن شاء الله تعالى.
اعلم أنّ «أم» لها أربع دلائل ، وأربعة ألقاب : متّصلة ومنفصلة ، وبمعنى هل ، وبمعنى همزة الاستفهام ، والميم صلة.
أمّا المتصلة فكقولك : أزيد عندك أم عمرو ، وكما قال الله تعالى : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (١) ، وكقوله : (أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) (٢) ، وقوله تعالى : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) (٣) ، وقوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) (٤) ، وقوله : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (٥) ونظائرها.
ـ وأمّا المنفصلة : التي تكون بمعنى «بل» ، فقوله تعالى : (الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) (٦) ، وقوله : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) (٧) ، والمعنى : بل أنا خير ، بدلا من (أَفَلا تُبْصِرُونَ.) ونظائره في القرآن كثيرة.
ـ وأمّا التي بمعنى ألف الاستفهام والميم صلة فكقوله : (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٨) ، المعنى : أتقولون ، وقوله تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٦.
(٢) سورة الفرقان : آية ١٥.
(٣) سورة الصافات : آية ٦٢.
(٤) سورة النازعات : آية ٢٧.
(٥) سورة النمل : آية ٥٩.
(٦) سورة السجدة : الآيتين ١ ـ ٢.
(٧) سورة الزخرف : آية ٥٢.
(٨) سورة البقرة : آية ٨٠.
شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) (١) ، المعنى : أكنتم ، وقوله تعالى : (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ) (٢) ونظائره كثيرة.
ـ وأمّا التي بمعنى هل : فكقوله : (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣) ، معناه : هل لهم ملك السموات والأرض ، وقوله : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) (١) ، معناه : هل كنتم شهداء ، عند بعضهم ، وقوله : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) (٤) ، معناه : هل خلقوا من غير شيء.
الأشعار في هذا المعنى :
قال الشاعر ـ في المتصلة وهمزة الاستفهام محذوفة ـ :
٣٣٨ ـ لعمرك ما أدري وإن كنت داريا |
|
بسبع رمين الجمر أم بثمان |
وقال الآخر :
٣٣٩ ـ سواء عليه أيّ حين أتيته |
|
أساعة نحس تتّقى أم بأسعد |
__________________
(١) سورة البقرة : آية ١٣٣.
(٢) سورة البقرة : آية ١٤٠.
(٣) سورة ص : آية ١٠.
(٤) سورة الطور : آية ٣٥.
٣٣٨ ـ البيت لعمر بن أبي ربيعة.
وهو في كتاب سيبويه ١ / ٤٨٥ ، وابن عقيل ٢ / ٦٩ ، ومغني اللبيب ٢٠ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٤٧ ، وديوانه ص ٣٩٩.
٣٣٩ ـ البيت لزهير بن أبي سلمى ، وذكر السيوطي في الدر المنثور عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزوجل : (فِي يَوْمِ نَحْسٍ؟) قال : النحس : البلاء والشدة. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت زهير بن أبي سلمى يقول :
سواء عليه أيّ حين أتيته |
|
أساعة نحس تتّقى أم بأسعد ا ه |
والبيت في أضواء البيان ٧ / ١٢٣ ، والبحر المحيط ١ / ٤٧ ، وديوانه ص ٢٣.
وقال الآخر :
٣٤٠ ـ لعمرك ما أدري وإن كنت داريا |
|
شعيث بن عمرو أم شعيث بن منقر |
وقال الشاعر :
٣٤١ ـ فقالت : حنان ، ما أتى بك ههنا |
|
أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف |
وإنما ارتفع حنان على معنى : أمرنا حنان وعطف ورحمة.
وكقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) (١) ، (وَقُولُوا حِطَّةٌ) (٢) ، أي : أمرنا طاعة ، وقولنا حطة.
وقال الآخر في المنفصلة :
٣٤٢ ـ فو الله ما أدري أسلمى تغوّلت |
|
أم النّوم أم كلّ إليّ حبيب |
ف «أم» الأولى متصلة ، والثانية منفصلة.
وقال الآخر :
٣٤٣ ـ بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى |
|
وصورتها أم أنت في العين أملح |
__________________
٣٤٠ ـ البيت للأسود بن يعفر التميمي ، وهو من شواهد سيبويه ١ / ٤٨٥ ، ومغني اللبيب ٦٢ ، والمقتضب ٣ / ٢٩٤ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٢٢.
٣٤١ ـ البيت للمنذر بن درهم الكلبي ، وهو في خزانة الأدب ٢ / ١١٢ ، والمقتضب ٣ / ٢٢٥ ، وكتاب سيبويه ١ / ١٦١.
(١) سورة النساء : آية ٨١.
(٢) سورة البقرة : آية ٥٨.
٣٤٢ ـ البيت لم ينسب ، وهو في اللسان مادة غول ، ومعاني القرآن للفرّاء ١ / ٧٢ ، وتفسير الطبري ١ / ٣٨٦ ، والصاحبي ١٦٨ ، والتغوّل : التلون.
٣٤٣ ـ البيت لذي الرّمة ، وهو في ديوانه ص ٨٥٧ ، ونزهة الأعين النواظر ١٠٨ ، والبحر المحيط ١ / ٣٢٤ ، وشرح الجمل لابن عصفور ١ / ٢٣٥.
يريد : بل أنت.
وقال الآخر :
٣٤٤ ـ كذبتك عينك أم رأيت بواسط |
|
غلس الظلام من الرّباب خيالا |
أم ههنا يحتمل الوجهين ، معنى هل ، ومعنى بل.
* * *
__________________
٣٤٤ ـ البيت للأخطل وهو في كتاب سيبويه ١ / ٤٨٢ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٥٢ ، ومغني اللبيب ٦٦ ، والمقتضب ٣ / ٢٩٥ ، وديوانه ص ٢٤٥.
باب
حروف العطف إذا نابت عن إعادة «لا» و «لم»
ـ إن سئل عن قوله تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) (١) ، في أيّ محل (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ؟)
قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :
يحتمل الجزم والنصب ، فإذا نويت الجزم يكون معطوفا على (لا تَلْبِسُوا.) أي : لا تلبسوا ولا تكتموا وإذا نويت النصب كان الواو للجمع.
قال أهل المعاني في معناه : أن تجمعوا بين اللبس والكتمان ، واحتجوا بقول القائل :
٣٤٥ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله |
|
عار عليك إذا فعلت عظيم |
أي : لا تجمع بينهما.
والأصل في هذا الباب أنك إذا عطفت النهي على النهي ، أو النفي على النفي فلك فيه وجهان :
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٤٢.
٣٤٥ ـ البيت قيل لأبي الأسود الديلي ، وهو في ديوانه ص ٢٣٣ ، وقيل للمتوكل الليثي ، وهو في ديوانه ص ٤٤ ، وهو من شواهد سيبويه ١ / ٤٢٥ ، وشرح الأبيات لابن السيرافي ٢ / ١٨٨ ، ومعاني القرآن للفراء ١ / ٣٤.
ـ إن شئت أدخلت «لا» في الكلمتين جميعا ، كما قال الله تعالى : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ) (١) ، وقال : (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً) (٢) ، وقال : (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) (٣).
ـ وإن شئت أدخلت «لا» أو «لم» في الأولى ، وأسقطت عن الثانية ، ثم لك في الثانية النصب على الصرف (٤) ، والجزم على العطف.
ـ والأصل في الصرف أنّ كلّ مجزوم صرفته عن جهته نصبته ، كقوله تعالى : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (٥) ، لما سقطت «لما» أن يعلم صرفت عن جهته ، فانتصب ههنا عند الكوفيين.
ـ وأمّا عند البصريين فهو منصوب على جواب النفي أو النهي أو التمني أو الاستفهام بالفاء أو الواو بإضمار أن ، والدعاء والعرض.
منها قوله تعالى : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) (٦).
__________________
(١) سورة النحل : آية ١٢٧.
(٢) سورة النبأ : آية ٢٤.
(٣) سورة طه : آية ٧٧.
(٤) الصرف على مذهب الكوفيين ، قال الفراء : هو أن تأتي بالواو معطوفة على كلام في أوله حادثة لا يستقيم إعادتها على ما عطف عليها ، فإذا كان كذلك فهو الصرف ، كقول الشاعر : لا تنه...
ألا ترى أنه لا يجوز إعادة «لا» في [تأتي مثله] فلذلك سمي صرفا ، إذ كان معطوفا ولم يستقم أن يعاد فيه الحادث الذي قبله ا ه.
راجع معاني القرآن ١ / ٣٤.
وهي عند البصريين واو المعية المسبوقة بنفي أو طلب ، وتسمى عند الكوفيين واو الصرف.
(٥) سورة آل عمران : آية ١٤٢.
(٦) سورة الشورى : آية ٣٤.
قيل : إنّ «يعلم» منصوب على الصرف عند الكوفيين ، وعند البصريين على إضمار «أن» ومن ذلك قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ) (١) ، فعند الكوفيين إنما انتصب «فتكون» على الصرف.
تقدير الكلام : أولم يسيروا في الأرض ، أو لم تكن لهم قلوب يعقلون بها ، فلما صرف عن جهته انتصب.
ـ وعند البصريين جواب الحجة بالفاء.
وقوله تعالى : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ) (٢).
فعند الكوفيين نصب على الصرف ، وعند البصريين على الجواب في التمني بالواو.
ـ ومنهم من يقول : إنّ حرف العطف ينوب عن تكرار «لا» و «لم» كقوله تعالى : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا) (٣). أي : وإن لم ترحمنا ، فحذف عنه «لم» على ما بيّنا.
وكذلك قوله تعالى : (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما) (٤) ، أي : وألم أقل لكما.
وأمّا قوله تعالى : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) (٥).
والواو للجمع ، أي : فلا تجمعوا بين أن تهنوا ، وبين أن تدعوا.
وكذلك قوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) (٦).
__________________
(١) سورة الحج : آية ٤٦.
(٢) سورة الأنعام : آية ٢٧.
(٣) سورة الأعراف : آية ٢٣.
(٤) سورة الأعراف : آية ٢٢.
(٥) سورة محمد : آية ٣٥.
(٦) سورة البقرة : آية ١٨٨.
وكذلك قوله : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) (١).
وقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ) (٢).
وأشباهها من الآيات على حذف «لم» منها.
قال الشاعر :
٣٤٦ ـ إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا |
|
وتستح مخلوقا فما شئت فاصنع |
وقال أبو طالب :
٣٤٧ ـ كذبتم ـ وبيت الله ـ نسلم أحمدا |
|
ولما نقاتل دونه ونناضل |
٣٤٨ ـ وننصره حتى نصرّع حوله |
|
ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
لكن في «ننصره» الجزم على العطف ، والنصب على الصرف ، والرفع على الاستئناف ، كما قال الشاعر :
٣٤٩ ـ وكنت كذي رجلين رجل صحيحة |
|
ورجل رماها الدهر بالحدثان |
٣٥٠ ـ فأمّا التي صحّت فأزد شنوءة |
|
وأمّا التي شلّت فأزد عمان |
لك في «رجل صحيحة» الكسر على البدل ، والرفع على الاستئناف ، وكذلك النصب في الذي تقدم.
* * *
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٢٣٦.
(٢) سورة النساء : آية ٩١.
٣٤٦ ـ البيت لأبي دلف العجلي ، وهو في عين الأدب والسياسة ٤٥ ، وربيع الأبرار ٤ / ٣٥٣ ، ولم ينسبه المحقق د. النعيمي ، وبهجة المجالس لابن عبد البر ٢ / ٥٩٣ ، ومجمع البلاغة ١ / ٢٦٩ ولم ينسبه المحقق د. الساريسي.
٣٤٧ ـ ٣٤٨ ـ البيتان في خزانة الأدب ٢ / ٦٣ ، والمساعد شرح تسهيل الفوائد ٣ / ٩٢.
٣٤٩ ـ ٣٥٠ ـ البيتان من قصيدة للنجاشي الحارثي.
وهما في خزانة الأدب ٢ / ٣٧٨ ، والمقتضب ٤ / ٢٩١.
باب
العدول عن خبر كناية إلى خبر كناية من غير فاصل
ـ إن سئل عن قوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) (١).
كيف قال أولا : فضّلنا ، ثم أخبر فقال : منهم من كلم الله؟ وظاهر الكلام أنّ المفضّل غير المكلّم ، والمكلّم غير المفضّل؟
الجواب ـ وبالله التوفيق ـ :
مثل هذا لا يستنكر إذا كانت الحال تنبىء عنه ، كما يقول ملك لجنده : أطيعوا سلطانكم. يعني به نفسه ، ومثل هذا كثير مما يجري في رسائل أمير المؤمنين مثل : إنّ أميركم يأمركم بكذا وكذا ، وإنّ أمير المؤمنين يعنى بشأنكم.
وكما يقول رجل مشفق لمن التجأ إليه : لا تخف قد التجأت إلى مشفق ، يعني به نفسه.
وكما تقول امرأة لولدها : أمّك تفديك ، تعني به : نفسها ، وكما يقول والد لولده : أبوك يعينك ، وكذلك يقول الرجل لصديقه : فداك أخوك.
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٢٥٣.
وكما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «عليكم بحبل الله وسنّة نبيّه» (١) ، عنى به نفسه.
ونظير هذا في القرآن : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) (٢).
فظاهر الكلام يقتضي أنّ الحاشر غير الرحمن ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا.
وكذلك قوله تعالى : ([الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً ،) ثم قال : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً]) (٣).
وكذلك قوله تعالى : ([وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ ،) ثمّ قال : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ]) (٤).
وكذلك قوله تعالى : ([وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ،) ثم قال : (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ ،) ثم قال : (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ ،) ثم قال بعد ذلك : (أَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ،) ثم قال : (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ]) (٥).
وكذلك قوله في سورة الفرقان : ([وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ،) ثم قال : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ،) إلى قوله : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ،) ثم عدل وقال : (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً]) (٦).
__________________
(١) لم أجده بهذا اللفظ ، لكن في الموطأ عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه».
راجع شرح الزرقاني للموطأ ٤ / ١٤٦.
(٢) سورة مريم : آية ٨٥ ـ ٨٦.
(٣) سورة طه : آية ٥٣.
(٤) سورة محمد : آية ٣٠.
(٥) سورة المائدة : آية ١٢.
(٦) سورة الفرقان : آية ٤٨ ـ ٥٥.
ثم عدل عنه وقال : ([وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ،) ثم قال في آخره : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً ،) ثم قال : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ،) إلى قوله : (الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً]) (١).
تأمّل أسعدك الله كيف عدل عن الخبر إلى الخبر ، ومن صفة إلى صفة ، وهو الله تعالى القائل الفاعل لا شريك له.
ومن ذلك قوله تعالى : ([وَقالَ اللهُ : لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ،) ثم قال : (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ]) (٢).
وقوله : (أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) (٣) ، هذا كله إذا كانت الحال تنبىء عنه.
أمّا الأبيات.. فقول الشاعر :
٣٥١ ـ فمن راكب أحلوه رحلي وناقتي |
|
يبلّغ عني الشعر إذا مات قائله |
* * *
__________________
(١) سورة الفرقان : آية ٥٤ ـ ٥٩.
(٢) سورة النحل : آية ٥١.
(٣) سورة النحل : آية ٢.
٣٥١ ـ البيت لعلقمة بن عبدة :
وهو في اللسان مادة : حلا ، وديوان علقمة ١٣١ ، ومثلث البطليوسي ١ / ٤٥١ ، والصحاح حلا ٦ / ٢٣١٨.
باب آخر
وهو التحول من كناية إلى كناية بلا فصل
قوله تعالى : ([إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ،) ثم قال : (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ، وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً]) (١).
التوقير والتعظيم للرسول ، والتسبيح والصلاة لله تعالى.
وقوله : (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) (٢) التسويل من الشيطان ، والإملاء من الله تعالى.
وقوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) (٣) ، يعني جبريل عليهالسلام ، (وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) (٤) ، يعني : القرآن.
وقوله تعالى : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ* وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٥).
(إنّه) الثانية لقرط بن عبد الله (٦). يعني : لأجل حب المال لبخيل ، وإنه ـ أي الله ـ على ذلك لشهيد.
وقوله تعالى : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) (٧).
__________________
(١) سورة الفتح : آية ٨ ـ ٩.
(٢) سورة محمد : آية ٢٥.
(٣) سورة التكوير : آية ٢٤.
(٤) سورة التكوير : آية ٢٥.
(٥) سورة العاديات : آية ٧ ـ ٨.
(٦) قال ابن عباس : إن الإنسان ههنا الكافر ، وقال الضّحاك : نزلت في الوليد بن المغيرة.
(٧) سورة المائدة : آية ٤٥.
ههنا ثلاث هاءات فالأولى كناية عن الجرح ، والثانية كناية عن التصدق ، والثالثة : كناية عن الجارح والمجروح ، على اختلاف المفسرين.
وقوله تعالى : ([إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ ،) إلى قوله : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ]) (١).
الهاءات كلّها كناية عن عيسى عليهالسلام ، وقوله : (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) (١) ، كناية عن القيامة.
وقوله تعالى : (سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ) (٢).
الهاء الأولى كناية عن الماء ، والثانية عن المكان ، أي : أنزلنا بذلك المكان ، وقوله : «فأخرجنا به» رجع إلى الماء.
وأمّا قوله تعالى : ([أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً ،) الخطاب لموسى وهارون عليهماالسلام ، وقوله : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ،) خطاب لهما ولقومهما (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ]) (٣) ، خطاب لموسى وحده.
وقوله تعالى : (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (٤).
خبر عن مقالة زلّيخا ، والكنايتان راجعتان إلى يوسف عليهالسلام ، وقوله : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) (٥) ، خبر عن يوسف عليهالسلام ، والكناية راجعة إلى زوجها قوطيفرغ.
وقوله تعالى : ([إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ،) ثم قال : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ]) (٦) ، فهذا كناية عن الكافرين.
__________________
(١) سورة الزخرف : آية ٦٠ ـ ٦١.
(٢) سورة الأعراف : آية ٥٧.
(٣) سورة يونس : آية ٨٧.
(٤) سورة يوسف : آية ٥١.
(٥) سورة يوسف : آية ٥٢.
(٦) سورة الأعراف : آية ٢٠١ ـ ٢٠٢.
وقوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى) (١) ، يعني به : أبا جهل لعنه الله ، ثم قال : (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى) (٢) ، يعني به محمدا صلىاللهعليهوسلم ، ثم قال : (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٣) ، أي : أبو جهل لعنه الله.
قال الشاعر :
٣٥٢ ـ تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما |
|
وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر |
٣٥٣ ـ فإن حان يوما أن يموت أبوكما |
|
فلا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر |
٣٥٤ ـ فقولا هو الحيّ الذي لا صديقه |
|
أهان ولا خان الأمير ولا غدر |
٣٥٥ ـ إلى الحول ثم اسم عليكما |
|
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر |
ألا ترى كيف ذكر نفسه على وجه الغائب ، لقوله : أبوهما ، ثم قال : وهل أنا ، ثم قال : أبوكما ، ثم قال : هو الحيّ.
ـ وكما قال سواد بن قارب (٤) حين دخل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأراد الإسلام ، فأنشأ يقول :
٣٥٦ ـ أتاني نجيّ بعد هدء ورقدة |
|
ولم يك فيما قد بلوت بكاذب |
__________________
(١) سورة العلق : آية ٩ ـ ١٠.
(٢) سورة العلق : آية ١١.
(٣) سورة العلق : آية ١٣.
٣٥٢ و ٣٥٥ ـ الأبيات للصحابي الجليل لبيد ، أحد أصحاب المعلقات ، عاش مائة وعشرين سنة منها ثلاثون في الإسلام ، توفي سنة ٤١ ه.
والأبيات في خزانة الأدب ٤٠ / ٢٢٤ ، ولسان العرب مادة : عذر ، وديوانه ص ٧٩.
والأول في مغني اللبيب ٧٤١.
(٤) سواد بن قارب السدوسي ، صحابي جليل ، كان يتكهن في الجاهلية ، فبشره نجيّه بخروج الرسول ، فجاءه وأسلم ، وانظر قصّته بتمامها مع الأبيات في الإصابة ٢ / ٩٦ ، والبيت الأخير في شرح ابن عقيل ١ / ٣١٠.