السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : التراجم
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٣
يخطبها إلى مواليها ، فان رضي ، زوِّج ؛ والارُدَّ ؛ فان زَوَّج الاب والاخ بغير رأي مواليه ، فسخ النكاح ، وإن كان قد دخل بها ، وكان سفاحاً غير نكاح.
٢٣ ـ وحينما كلّم حمران ، مولى عثمان ، عامر بن عبدالقيس ، المعروف بزهده ، وعبادته ، وتقشفه ، واخباته ونسكه ـ كلّمه ـ عند عبدالله بن عامر صاحب العراق ، في تشنيعه على عثمان ، أنكر عامر ذلك ؛ فقال له حمران : لا كثَّر الله فينا مثلك ..
فقال له عامر : بل كثَّر الله فينا مثلك.
فقيل له :أيدعو عليك ، وتدعو له؟!
قال : نعم ، يكسحون طرقنا ، ويخرزون خفافنا ، ويحكون ثيابنا.
فاستوى ابن عامر جالساً ، وكان متكئاً ؛ فقال : ما كنت أظنك تعرف هذا الباب ؛ لفضلك ، وزهادتك.
فقال : ليس كل ما ظننت أني لا أعرفه ، لا أعرف.
٢٤ ـ وكان عقيل بن علّفة المري ، يصهر إليه الخلفاء ، وقال لعبدالملك بن مروان ؛ إذ خطب إليه ابنته الجرباء : جنبني هجناء ولدك.
٢٥ ـ ودخل أحد بني العنبر على سوار القاضي ، فقال : إن أبي مات ، وتركني ، وأخاً لي ، وخط خطين. ثم قال : وهجينا. ثم خط خطاً ناحية ، فكيف يقسم المال؟
فلما أخبره سوار : أن المال بينهم أثلاثاً ، قال : ما أحسبك فهمت عني ، إنه تركني ، وأخي ، وهجيناً ؛ فكيف يأخذ الهجين كما آخذ أنا ، وكما يأخذ أخي؟!
قال : أجل ..
فغضب الاعرابي ، ثم اقبل على سوار ، فقال : والله ، لقد علمت : أنك قليل الخالات بالدهناء.
قال سوار : لا يضرني ذلك عند الله شيئاً (١).
٢٦ ـ ويروى : أن ناسكاً من بني الهجيم بن عمرو بن تميم كان يقول في قصصه : اللهم اغفر للعرب خاصة ، وللموالي عامة ، وأما العجم فهم عبيدك ، والاُمر إليك (٢).
٢٧ ـ ولما فرغ الحجاج من بناء واسط ، أمر بإخراج كل نبطي بها ، وقال : لا يدخلون مدينتي ؛ فانهم مفسدة (٣).
٢٨ ـ ولم وصل بسر بن أبي ارطاة إلى صنعاء قتل مائة شيخ من ابناء فارس ؛ لان ابني عبيدالله بن العباس كانا مستترين في بيت امرأة من ابنائهم ، تعرف بابنة بزرج (٤).
٢٩ ـ وحول اهتمام معاوية بالعرب ، تأسياً بسياسة سلفه عمر بن الخطاب ، نجد عمرو بن عتبة يقول :
« .. ما استدرّ لعمي كلام قط ، فقطعه ، حتى يذكر العرب بفضل ، أو يوصي فيهم بخير » (٥).
وسيأتي المزيد من الشواهد على هذه السياسة حين الكلام على اتجاه الموالي نحو العلوم وتحصيلها فانتظر ، هذا بالاضافة إلى ما سوف نورده حين الكلام على سياسة الخليفة الثاني في هذه المجال ..
بقي أن نشير إلى أن ظاهرة توليه بني امية الدواوين للموالي ، دون العرب لا تشكل خرقاً لهذه السياسة ، وذلك لانهم كانوا مجبرين على ذلك ، بسبب أن العرب كانوا لا يكتبون ، ولا يحسبون (٦).
__________________
(١) راجع : العقد الفريد ج ٣ ص ٤١٢ ـ ٤١٥.
(٢) الكامل للمبرد ج ٤ ص ١٦.
(٣) معجم البلدان ج ٥ ص ٣٥٠ ومحاضرات الادباء ج ١ ص ٣٥٠.
(٤) الغدير ج ١١ ص ٢٧.
(٥) العقد الفريد ج ٣ ص ٣٢٣. وينقل عمر بن عتبة بن عمه معاوية اموراً اُخرى في هذا المجال ، فلتراجع في المصدر المذكور.
(٦) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني جزء ٤ ص ٣٤٢ عن المسعودي ج ٢ ص ١١٤.
في عهد العباسيين :
أما في عهد العباسيين ، فقد كانت التقلبات السياسية ، التي كان لغير العرب دور كبير فيها وفي صنعها ، وتوجيهها ـ كان لها ـ تأثير بارز على ظهور التعصبات العرقية ، والعنصرية بين حين وآخر ، على درجات متفاوتة من القوة والضعف ، وقد صاحب ذلك تهيؤ الفرصة أمام غير العرب ، للتعبير عن رأيهم في هذه القضية ، والدفاع عن مبدأ المساواة بين الناس ، بقوة وبحرية ..
ولكن موضوع التمييز العرقي ، والشعور العنصري ، بقي له دوره في كثير من المواضع والمواقع ، وكان له تأثيره في كثير من التقلبات ، والمواقف ، ولا نريد هنا تقصي هذا الامر ، وإنما نريد فقط الالماح إلى مورد أو موردين ظهر فيهما هذا الامر جلياً وواضحاً ، ونكل أمر تقصي ذلك إلى من يهمه هذا الاُمر.
فنقول : إنه عدا عن الفتن العرقية والثورات العنصرية التي ظهرت في اكناف واطراف الدولة الاسلامية هنا وهناك ، وهي كثيرة جداً (١) فاننا نجد :
١ ـ إنه يظهر : أن سياسة الاتهام بالزندقة ، التي تعني لزوم قتل المتهم بها ، ـ هذه السياسة ـ يرجع تاريخها إلى عهد بني اُمية ، ثم تبناها العباسيون بصورة أكثر فعالية ، وحزماً ، وتشدداً. وكانت هذه التهمة تمثل اسلوب الانتقام الناجح من الخصوم ، من دون أن يثير أية سلبيات ظاهرة ، بل ان فيها ايجابية اظهار الهيئة الحاكمة حريصة على الشريعة ، مهمتة بأمر الدين ، متجلببة جلباب التقوى ، والخشية والورع.
وقد طالت هذه التهمة الموالي بالدرجة الاولى ، وخصوصاً المثقفين والواعين منهم ، ويظهر من بعض النصوص: أن الموالي كانوا مستهدفين ـ هم والشيعة ـ
__________________
(١) راجع : على سبيل المثال الفتن والحروب التي جرت في عهد الرشيد ما بين سنة ١٧٠ و ١٨٥ فإن في ذلك مقنعاً وكفاية ، لمن أراد الرشد والهداية.
بصورة رئيسية ، وأساسية ، يقول الجاحظ :
« .. فان عامة من ارتاب بالاسلام ، إنما كان ذلك أول رأي « الشعوبية » ، والتمادي فيه ، وطول الجدال المؤدي إلى القتال ؛ فإذا أبغض شيئاً ، أبغض أهله .. إلخ » (١).
وقد ادعى البعض: أن أغلب الزنادقة ، كانوا من الموالي ، أما العرب ؛ فلم يوصف منهم بالزندقة سوى أربعة أشخاص ، لا غير (٢)!!
٢ ـ ويذكر المؤرخون : أن الخليفة الراضي لم يكن يتناول شيئاً من أسود (٣).
٣ ـ وقد قرروا : أن ضياع الاندلس كان سببه التمييز بين العرب ، وغيرهم (٤).
قوالب حضارية خادعة :
هذا .. وقد استمر هذا الاتجاه بالظهور والاختفاء بين حين وآخر ، حتى لقد دافع ابن تيمية بحرارة ، عن عقيدة أهل السنة والجماعة ، في أن جنس العرب أفضل من جنس العجم ، حسبما تقدم ولكن أصبح الجهر بهذا الاُمر صعباً ، ومستهجناً ، وثقيلاً. فكان أن ظهر أخيراً في قوالب حضارية (!!) ، وشعارات خادعة ، وتحت اسماء مضللة ، ومطاطة ، وغائمة .. إن اختلفت في عباراتها وطروحاتها في الظاهر ، فهي متفقة من حيث المضمون والجوهر ، ثم من حيث الآثار والنتائج ، وهذه القوالب من قبيل : الغرب ، والشرق ، والاوربية ، والآسيوية ، والقومية والوطنية.
__________________
(١) الحيوان: ج ٧ ص ٢٢٠ ، الجذور التاريخية للزندقة والشعوبية عن البيان والتبيين : ج ٣ ص ١٤ ولم نجده فيه ، ولعلّه قد اشتبه عليه الامر.
(٢) الزندقة والشعوبية ص ٢١.
(٣) الالمام ج ١ ص ١٨٦.
(٤) راجع : الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٩٧ ـ ١٠٣.
ونحو ذلك ..
وذلك لاُنّ شعار القومية العربية مثلاً ، والقومية الفارسية ، والقومية الكردية .. وما إلى ذلك من امور ، تعطى على أساسها الامتيازات ، وترسم انطلاقاً منها السياسات .. ـ إن هذه الشعارات ـ ما هي إلاّ ذلك التعبير الفني الخادع ، الذي يستبطن التمييز العرقي ، والعنصري ، بأبشع أنواعه.
ولعل أول من استخدام كلمة « القومية » ـ فيما نعلم ـ هو أبو يحيى بن مسعدة ، في رسالته التي كتبت في القرن السادس الهجري ، وردّ فيها على ابن غرسية (١).
وبعد .. فان من الواضح : أن التعصب للوطن بما هو وطن ، وللكردية والفارسية ، والعربية والاوربية وغيرها ، واعطاء الامتيازات ، ثم حرمان الآخرين ، على أساس هذا الانتماء ، أو ذاك ، وعدمه ، لا يبعد في مضمونه الحقيقي عن واقع التمييز العنصري ، وما دام أن اعطاء الامتيازات على اساسه ، يؤول إلى جعل أمر غير اختياري منشأ للامتيازات ، وللحرمان منها .. الامر الذي لن يكون قادراً على المساهمة في تكامل الانسان في انسانيته ، وملكاته الخيرة والنافعة ، لا من قريب ، ولا من بعيد ، تماماً كما هو الحال في التمييز على أساس الجمال ، أو اللون ، أو اللغة ، أو الطبقة ، أو ما إلى ذلك ..
ومن هنا .. فان الحاجة تمس إلى توضيح ذلك للناس ، وبيان خلفياته وابعاده المختلفة ؛ ليكون الناس على بصيرة من أمرهم ، وليتأكد لهم صحة وسلامة النظرة الاسلامية الواقعية في هذا المجال ، ولتلتزم البشرية بتعاليم الاسلام ، ويهديه القويم ، في اعتبار التقوى أساساً للتفاضل ، ومعياراً لتقييم الانسان في انسانيته ، وفي ما يصدر عنه من أعمال ومواقف.
__________________
(١) راجع: نوادر المخطوطات ج ١ ص ٢٧٧.
الفصل الثالث:
سياستان :
لا تلتقيان ..
الخليفة الثاني وسياسة التمييز العنصري :
إنه عدا عن اننا نجد اتهاماً صريحاً موجهاً من قبل العباس بن عبدالمطلب إلى عمر بن الخطاب ، بانه كان ينطلق في مواقفه من أبي سفيان حينما طالب بقتله في فتح مكة من الروح القبلية والتعصب لعشيرته ، فقد قال له العباس: مهلا يا عمر ، أما والله ، ان لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك عرفت: انه من رجال بني عبدمناف (١).
نعم .. عدا عن ذلك ، فان لدينا الكثير من النصوص التي تدل على أنّ الخليفة الثاني كان يصر على تمييز العرب على كل من عداهم ، وأن كل همه كان منصرفاً إلى تأكيد ذلك وتثبيته ؛ ليكون سياسة متبعة بعده ، يأخذها الخلف عن السلف.
ومن جهة اُخرى فإنه كان يبخس غير العرب حقوقهم ، ويمتهن كراماتهم ، ويعتدى على شخصيتهم في سياساته ، وتشريعاته ، ومواقفه ، في الظروف ، والمناسبات ، والاُحوال المختلفة.
ولبيان طرف من ذلك نشير إلى سياساته هذه في مجالين :
__________________
(١) حياة الصحابة ج ١ ص ١٥٤ عن مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٦٧ وقال : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٩١ عن البيهقي.
المجال الاوّل : تفضيل العرب :
فبالنسبة إلى سياسته في تفضيل العرب ، فاننا نشير إلى ما يلي :
إن من كلماته المعروفة والمأثورة عنه ، قوله : « ليس على عربي ملك » (١).
ويقول : « إنّي كرهت أن يصير السبي سنة على العرب » (٢). وقد اعتق سبي اليمن ، وهن حبالى ، وفرق بينهن وبين من اشتراهن (٣).
واعتق كل مصل من سبي العرب ، وشرط عليهم : أن يخدموا الخليفة من بعده ثلاث سنين (٤).
وكان في وصيته : أن يعتق كل عربي في مال الله. وللامير من بعده عليهم ثلاث سنوات ، يليهم مثلما كان يليهم عمر (٥).
ولا ندري سرّ هذا الشرط ، ولا مبرراته بالتحديد ، إلا إذا كان يقصد خليفة معينا لديه ، يعدّ العدة لفرضه على الناس ، عن طريق اختراع شورى الستة اشخاص ، الذين اختارهم بعناية فائقة ، مما جعله يطمئن إلى حقيقة النتيجة ، التي سوف ينتهون إليها.
وحدد فداء العربي مقداراً معيناً من الإبل ، ولكن ما حدده قد اختلف أيضاً (٦) ولعل ذلك يرجع إلى أنه قد تقلب رأيه وتبدل من وقت الآخر ..
__________________
(١) الاموال ص ١٩٧ و ١٩٨ و ١٩٩ والايضاح ص ٢٤٩ وقضاء أمير المؤمنين علي عليهالسلام ص ٢٦٤ عنه وتاريخ الامم والملوك ج ٢ ص ٥٤٩ ط الاستقامة وسنن البيهقي ج ٩ ص ٧٣ و ٧٤ ونيل الاُوطار ج ٨ ص ١٥٠ ، والمسترشد في امامة علي عليهالسلام ص ١١٥ وراجع المصنف للصنعاني ج ١٠ ص ١٠٣ ـ ١٠٥ وج ٧ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ والنظم الاسلامية لصبحي الصالح ص ٤٦٣.
(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٣٩.
(٣) الايضاح ص ٢٤٩.
(٤) راجع : المصنف لعبدالرزاق ج ٨ ص ٣٨٠ و ٣٨١ وج ٩ ص ١٦٨.
(٥) راجع المصنف للصنعاني ج ٨ ص ٣٨٠ و ٣٨١ وج ٩ ص ١٦٨.
(٦) راجع في ذلك : المصنف للصنعاني ج ١٠ ص ١٠٤ و ٣٠٢ و ١٠٣ وج ٧ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ وتاريخ الامم والملوك ج ٢ ص ٥٤٩ ط الاستقامة وغير ذلك.
ولذلك نظائر في آرائه وفي قراراته ، كما في بعض مسائل الارث (١).
ومما يروي عنه : أنه لما ولي قال : إنه لقبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضاً ، وقد وسع الله عزّوجل ، وفتح الاُعاجم ، واستشار في فداء سبايا العرب في الجاهلية والاسلام ، الاّ امرأة ولدت لسيدها ... إلخ (٢).
ورد سبي الجاهلية ، واولاد الاماء منهم احراراً إلى عشائرهم ، على فدية يؤدونها إلى الذين اسلموا وهم في أيديهم ، قال : وهذا مشهور من رأيه (٣).
كما أنه قد أمر بردّ سبي مناذر ، وكل ما أصابوه منهم ، على اعتبار : أنها من قرى السواد (٤).
وردّ سبي ميسان ، رغم أن بعضهم قد وطأ جاريته زماناً ، فردّها ولا يعلم إن كانت حاملاً منه أم لا (٥).
وكان إذا بعث عماله شرط عليهم شروطاً منها : « .. لا تضربوا العرب ؛ فتذلوها ، ولا تجمروها فتفتنوها ، ولا تعتلوا عليها ؛ فتحرموها » (٦).
كما أنه قد أخذ من نصارى بني تغلب العشر ، ومن نصارى العرب نصف العشر (٧).
ولعل سياسة عمر هذه ، هي التي دفعت البعض ، لان يبادر إلى نسبة بعض الاقوال إلى رسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، تتضمن الاُمر بحب العرب ،
__________________
(١) راجع : الغدير ج ٦.
(٢) راجع : الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٨٢ وتاريخ الاُمم والملوك ط الاستقامة ج ٢ ص ٥٤٩ وقضاء أمير المؤمنين علي عليهالسلام ص ٢٦٣ / ٢٦٤.
(٣) الاموال ص ١٩٧.
(٤) الاموال ص ٢٠٥ وفتوح البلدان ص ٤٦٥.
(٥) الاموال ص ٢٠٥.
(٦) راجع: المصنف للصنعاني ج ١١ ص ٣٢٥ وتاريخ الامم والملوك ط الاستقامة ج ٣ ص ٢٧٣ والمسترشد في امامة علي بن أبي طالب ص ١١٥ ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٣٩ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٨٢ عن كنز العمال ج ٣ ص ١٤٨ عن البيهقي عن ابن أبي شيبة والنظم الاسلامية ص ٣١٠ وعن البيهقي ج ٩ ص ٣٩ وج ١ ص ٢٧٩.
(٧) المصنف للصنعاني ج ٦ ص ٩٩.
وتحذر من بغضهم (١).
وبعضها يدعي ان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد اختص سلمان بالنهي عن بغض العرب (٢).
كما أن سياسة عمر هذه تجاه العرب ، لعلها هي التي جعلته يأمن جانبهم ، حتى إنه ليقول : « قد كنت أظنّ : أن العرب لن يقتلني » (٣) وفي لفظ آخر : « ما كانت العرب لتقتلني » (٤).
المجال الثاني : تجني الخليفة على غير العرب :
أما رأي عمر وسياساته تجاه غير العرب ، فرغم أنه هو نفسه يقول : « إني تعلمت العدل من كسرى ، وذكر خشيته وسيرته » (٥).
ولم يتعلم ذلك من أي شخصية عربية ، حتى من النبيّ الاعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ورغم أننا لا نجد في سيرة كسرى هذا العدل المدعى ، الذي تعلمه عمر ، ولا تلك الخشية التي نسبها إليه!! وإن كنا ربما نجد اليسير من الظواهر الخادعة ، التي تخفي وراءها الكثير من الظلم والجور ، والفساد ، والقسوة ..
نعم .. إننا رغم ذلك نجد سياسة عمر تجاه غير العرب قد كانت قاسية وظالمة ، وليس فيها ما يصحح وصفها بالعدل والإنصاف ..
هذه السياسة التي طبقها الامويون بعده بحذافيرها ، واستمرت آثارها
__________________
(١) راجع على سبيل المثال : ذكر أخبار اصبهان ج ١ ص ٩٩ وكشف الاستار ج ١ ص ٥١ ولسان الميزان ج ١ ص ٣٥٤ واقتضاء الصراط المستقيم ص ١٤٨ و ١٤٩ و ١٥٨ و ١٥٧ و ١٥٦ و ١٥٥ وتاريخ جرجان ص ٥٣٩ والعقد الفريد ج ٣ ص ٣٢٤ وميزان الاعتدال ج ١ ص ١٨٥ ومجمع الزوائد ج ١٠ ص ٢٧ وج ١ ص ٨٩ عن البزار والطبراني في الاوسط وحياة الصحابة ج ٢ ص ٤١٥ وضحى الاسلام ج ١ ص ٧٦.
(٢) راجع : المصادر المتقدمة ، فان بعضها قد ذكر ذلك.
(٣) المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٧٦.
(٤) تاريخ عمر بن الخطاب ص ٢٤٠.
(٥) أحسن التقاسيم ص ١٨.
تتفاعل ، وتتلاقح قروناً من الزمن بعد ذلك ، بل إننا لا نزال نجد هذه الاکثار تظهر بصورة أو باخرى حتى يومنا هذا ، حسما المحنا إليه ..
ونحن نذكر فيما يلي بعض النصوص التي توضح هذه السياسة ، وهي التالية :
سياسات الخليفة بالتفصيل :
١ ـ تحريم المدينة على غير العرب :
« كان عمر لا يترك أحداً من العجم يدخل المدينة .. » (١).
وحين طعن عمر ، وعنف ابن عباس ، لحبّه وأبيه كثرة العلوج بالمدينة ، قال له أن شئت فعلت ؛ أي قتلناهم. قال : كذبت. بعد ما تكلموا بلسانكم ، وصلوا إلى قبلتكم ، وحجوا حجكم؟! (٢).
٢ ـ بيع الجار النبطي :
وقد نقل المأمون العباسي : أن عمر بن الخطاب كان يقول : من كان جاره نبطياً ، واحتاج إلى ثمنه فليبعه (٣).
٣ ـ لاقود لغير العربي من العربي :
وقد طلب عبادة بن الصامت من نبطي : أن يمسك له دابته ، فرفض ،
__________________
(١) مروج الذهب ج ٢ ص ٣٢٠ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٧٤. وراجع : مجمع الزوائد ج ٩ ص ٧٥ عن الطبراني ، وطبقات ابن سعد ط صادر ج ٣ ص ٣٤٩ والمجروحون ج ٣ ص ٣٥٠ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٩ وتاريخ عمر بن الخطاب ص ٢٣٨ و ٢٤١.
(٢) تاريخ عمر بنا الخطاب ص ٢٤٣.
(٣) عيون الاخبار لابن قتيبة ج ١ ص ١٣٠ وكتاب بغداد لطيفور ص ٣٨/٤٠ ط سنة ١٣٨٨ هـ. والمحاسن والمساوي ج ٢ ص ٢٧٨ والزهد والرقائق ، قسم ما رواه نعيم بن حماد ص ٥٢ ومحاضرات الادباء ج ١ ص ٣٥٠ ، وقضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ص ٢٦٤ عن ابن قتيبة ، والحموي ، وراجع : الايضاح لابن شاذان ص ٤٨٦.
فضربه عبادة ؛ فشجه ؛ فأراد عمر أن يقتص له منه ؛ فقال له زيد بن ثابت :
أتقيد عبدك من أخيك؟.
فترك عمر القود ، وقضى عليه بالدية (١).
٤ ـ زيّ العجم :
وقد كتب عمر إلى من كان مع عتبة بن فرقد بآذربايجان : « .. وإياكم والتنعم ، وزيّ العجم » (٢).
وليس ذلك لاجل أن في ذلك تشبهاً للمسلم بغير المسلم ، فانه لم يكن بينهما هذا التمايز الواضح في الزي ، بحيث يعدّ هذا زيّ مسلم ، وذاك زيّ كافر ، فإن الناس كانوا يتوافدون على الدخول في الاسلام من جميع الامم ، وما كانوا يؤمرون بتغيير زيّهم إلى زيّ آخر خاص بالمسلمين ..
بل لقد ادعى ابن تيمية : ان الشريعة حين تنهى عن مشابهة الاعاجم ، دخل في ذلك الاعاجم الكفار والمسلمون معاً (٣).
٥ ـ رطانة الاعاجم ، ونقش الخاتم بالعربية :
وعن عمر بن الخطاب ، أنه قال : « لا تعلموا رطانة الاعاجم » (٤).
وسمع ـ وهو يطوف ـ رجلين خلفه ، يرطنان ؛ فالتفت إليهما ، وقال : ابتغيا
__________________
(١) تهذيب تاريخ دمشق ج ٥ ص ٤٤٦ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٣١ وسنن البيهقي ج ٨ ص ٣٢ وسير اعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٤٠ وكنز العمال ج ٧ ص ٣٠٣.
(٢) السنن الكبرى ج ١٠ ص ١٤ والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ٨٦ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٨٠١ عن كنز العمال ج ٨ ص ٥٨ عن البيهقي ، وعن أبي ذر الهروي في الجامع.
(٣) راجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٦٢.
(٤) السنن الكبرى ج ٩ ص ٢٣٤ وراجع : المصنف للصنعاني ج ١ ص ٤١١ واقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٠٥ و ١٩٩ عن مصنف ابن أبي شيبة ، والتراتيب الادارية ج ١ ص ٢٠٥ و ٢٠٦.
إلى العربية سبيلاً (١).
وعنه أنه قال : تعلموا العربية ؛ فانها تزيد في المروءة (٢).
فاذا كان التكلم بالعربية يزيد في المروءة بزعمه ؛ فان التكلم بالفارسية يوجب ذهاب المروءة بنظره أيضاً.
فقد رووا عنه قوله : « من تكلم بالفارسية ؛ فقد خبّ ، ومن خبّ ذهبت مروءته » (٣).
قال الكتاني : وقد استفسد ابن رشد ما جاء عن مالك ، وعن عمر ، من ذم تعاطي لغة الاعاجم (٤).
وبعد .. فان الخليفة قد نهى أيضاً ؛ أن ينقش في الخاتم بالعربية (٥) ولعله ترفعاً باللغة عن الابتذال!!
تحفظ لابد منه :
وبعد .. فاننا نعتقد : أن أبا هريرة أراد التزلف إلى الخليفة وإلى من يسيرون على خطه ، ويتبعون سياسته ، حينما روى الحديث المرفوع : « أبغض الكلام إلى الله الفارسية » (٦).
وذلك لاُن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد تكلم بالفارسية مع أبي
__________________
(١) المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٤٩٦/٤٩٧ وتاريخ جرجان ص ٤٨٦.
(٢) ربيع الابرار ج ٣ ص ٥٤٥.
(٣) ربيع الابرار ج ١ ص ٧٩٦ وتاريخ جرجان ص ٤٨٦ واقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٠٥ وراجع ص ٢٠٦ عن مصنف ابن أبي شيبة.
(٤) التراتيب الادارية ج ١ ص ٢٠٥.
(٥) راجع : طبقات ابن سعد ط صادر ج ٤ ص ١٧٦ وج ٦ ص ٤١ وط ليدن ج ٧ ص ١١ والفائق ج ٢ ص ٣٤٩ و ٣٥٠ وراجع : جامع البيان ج ٤ ص ٤٠.
(٦) لسان الميزان ج ١ ص ٤٠٦ وميزان الاعتدال ج ١ ص ٢٣٠ والمجروحون ج ١ ص ١٢٩.
وذكر في : اقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٠٥ نسبة الرواية التالية إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من كان يحسن: أن يتكلم بالعربية ؛ فلا يتكلم بالفارسية ، فانه يورث النفاق ».
هريرة بالذات (١) ، فضلاً عن موارد اخرى رويت عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ..
كما أننا لا نكاد نصدق ما يروى : من أن الملائكة حول العرش يتكلمون بالفارسية (٢).
٦ ـ ولاية المولى على العرب:
عن عبدالرحمان بن أبي ليلى ، قال : خرجت مع عمر (رض) إلى مكة ؛ فاستقبلنا أمير مكة : نافع بن علقمة (رض) ، فقال :
من استخلف على أهل مكة؟
قال : عبدالرحمان بن أبزى (رض).
قال : عمدت إلى رجل من الموالي ؛ فاستخلفته على من بها من قريش ، وأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟.
قال : نعم. وجدته أقرأ للكتاب ، ومكة أرض مختصرة ؛ فاحببت أن يسمعوا كتاب الله ، من رجل حسن القراءة.
قال : نعم ما رأيت ، إن عبدالرحمان بن ابزى ممن يرفع الله بالقرآن (٣).
فنراه يعتبر : أن كونه من الموالي من موجبات ضعته ونقصه ، لولا أن رفعه الله بالقرآن.
٧ ـ التفضيل بالعطاء :
وفيما يرتبط بتفضيله العرب على العجم في العطاء ، فانه أمر معروف ،
__________________
(١) مسند أحمد ج ٢ ص ٣٩٠ والرصف ج ١ ص ٨٣ وسنن ابن ماجة ، في الطب ، باب : الصلاة شفاء رقم ٣٤٥٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٤٨ وقد ذكر تكلمه مع جابر بالفارسية أيضاً.
وفي المعجم الصغير ج ١ ص ٢١٤ ما يدل على أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعرف الفارسية أيضاً ، فراجعه ، وراجع سواه.
(٢) المجروحون ج ١ ص ٢٣٢.
(٣) حياة الصحابة ج ٣ ص ١٥٠ عن كنز العمال ج ٥ ص ٢١٦ عن أبي يعلى. والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ٤٣٩ وفي هامشه عن مسلم ، وأبي يعلى ، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٢١٦.
ومشهور أيضاً (١) فانه كتب الناس على قدر انسابهم ؛ فلما انقضت العرب ذكر العجم (٢).
قال ابن شاذان : « .. فلم تزل العصبية ثابتة في الناس ، منذ ذاك ، إلى يومنا هذا » (٣).
وقد أجرى سياسة التمييز هذه حتى بالنسبة لنساء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال الجاحظ : « فضل القرشيات من نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على غيرهن » (٤).
ويكفي أن نشير هنا إلى أنه قد أعطى جويرية ستة آلاف درهم ، بينما أعطى عائشة اثني عشر ألف درهم ، وقال : لا أجعل سبية كابنة أبي بكر الصديق (٥).
٨ ـ الكفاءة في النكاح :
أضف إلى جميع ما تقدّم : أنه نهى : أن يتزوج العجم في العرب ، وقال : لامنعن فروجهن إلا من الاكفاء (٦).
وعند الجاحظ أنه قال : « زوجوا الاكفاء. وكان أشد منه ( أي من أبي
__________________
(١) راجع : شرح النهج للمعتزلي الحنفي ج ٨ ص ١١١ والعثمانية للجاحظ ص ٢١١ والمسترشد في امامة علي عليهالسلام ص ١١٥ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٥٣/١٥٢ وبهج الصباغة ج ١٢ ص ٢٠٢ وتلخيص الشافي ج ٤ هامش ١٤/١٥ عن مصادر عديدة. وراجع : طبقات ابن سعد ج ٣ ص ١٢٢ و ٢١٢ ٢١٦ والسنن الكبرى ج ٦ ص ٣٥٠ و ٣٤٩ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٣ و ٤ و ٦ وكنز العمال ج ٣ ص ٣٠٩ و ٣١٥ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٢٨ ـ ٢٣٥ وتاريخ الامم والملوك. وليراجع كل مورد تحدث فيه المؤرخون عن تدوين الدواوين في عهد عمر بن الخطاب.
(٢) راجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٥٩.
(٣) الايضاح ص ٢٥٢.
(٤) العثمانية ص ٢١١.
(٥) أنساب الاشراف ، قسم سيرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ص ٤٤٢ وراجع : تاريخ الامم والملوك ج ٢ صد٦١٤.
(٦) الايضاح ص ٢٨٠ و ٢٨٦ وفي هوامشه عن عدد من المصادر ، وراجع : الاستغاثة ص ٤٥ والمسترشد في امامة علي عليهالسلام ص ١١٤ والسنن الكبرى ج ٧ ص ١٣٣ والمصنف للصنعاني ج ٦ ص ١٥٢
بكر ) في أمر المناكح » (١).
وصاروا يفرقون بين العربية والموالي (٢).
وقد انعكس ذلك على الفقه أيضاً ، فقد : قالت الحنفية : « قريش بعضها اكفاء لبعض ، ومن كان له أبوان في الاسلام فصاعداً من الموالي ، فهم اكفاء (٣).
وفي التذكرة : أن الحنفية ، وبعض الشافعية ، قد أفتوا بأن العجم ليسوا اكفاء للعرب. أما الثوري ، فكان يرى التفريق بين المولى والعربية وشدد فيه وله فتاوى عجيبة اخرى لا مجال لذكرها هنا (٤).
وقال ابن رشد : « قال سفيان الثوري وأحمد : لا تزوج العربية من مولى ، وقال أبو حنيفة واصحابه : لا تزوج قرشية إلا من قرشي ، ولا عربية الا من عربي » (٥).
كما ويلاحظ هنا : أنهم قد وضعوا بعض ما يسمى بالروايات ، ونسبوها الى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (٦).
ونكاد نظن : أن الخليفة الثاني ، قد استفاد ذلك من كسرى ، الذي تعلم منه العدل أيضاً .. وذلك لان أنوشيروان اشترط على معدي كرب شروطاً ، منها : أن الفرس تزوج باليمن ، ولا تتزوج اليمن منها. وفي ذلك يقول الشاعر :
على أن ينكحوا النسوان منهم |
|
لا ينكحوا في الفار سينا (٧) |
__________________
و ١٥٤ وراجع : نفس الرحمان ص ٢٩ ومحاضرات الادباء ، المجلد الثاني جزء ٣ ص ٢٠٨.
(١) العثمانية ص ٢١١.
(٢) الايضاح ص ٢٨٦.
(٣) الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٦٧ عن الجامع الصغير لمحمد بن الحسن ص ٣٢ هامش كتاب الخراج لابي يوسف ط بولاق.
(٤) راجع : المصنف للصنعاني ج ٦ ص ١٥٤ وكلام أبي حنيفة في ضحى الاسلام ج ١ ص ٧٧ وكلام الشافعية في كتاب : الاسلام والمشكلة العنصرية ص ٦٧ عن كتاب : التنبيه في الفقه الشافعي ص ٩٥. وراجع : اقتضاء الصراط المستقيم ص ١٥٩.
(٥) بداية المجتهد : ج ٢ ص ٣٥١.
(٦) راجع : كشف الاستار ج ٢ ص ١٦١ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٧٥.
(٧) مروج الذهب ج ٢ ص ٥٦. ويلاحظ : أن الشطر الثاني غير مستقيم. ولعل الصحيح : وألاّ ينكحوا في الفارسينا.
وبعد .. فاننا نجد عمر بن عبدالعزيز الاموي يقتفي خطى عمر بن الخطّاب في هذا المجال؛ فهو يقول :
لا يتزوج من الموالي في العرب إلا الاشتر البطر ، ولا يتزوج من العرب في الموالي إلا الطمع الطبع ، وقال :
لا خير في طمع يهدي الى طمع |
|
وغفة من قوام العيش تكفيني (١) |
وقال الجاحظ : « وقالت الزنج للعرب : من جهلكم أنكم رأيتمونا لكم اكفاء في الجاهلية في نسائكم ؛ فلما جاء الاسلام رأيتم ذلك فاسداً » (٢).
وزعم الاصمعي ، قال : سمعت أعرابياً يقول لآخر :
أترى هذه العجم تنكح نساءنا في الجنة؟!
قال : أرى ذلك ـ والله ـ بالاعمال الصالحة.
قال : توطأ ـ والله ـ رقابنا قبل ذلك (٣).
٩ ـ قرار يعجز الخليفة عن تنفيذه :
ولما ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر أن يبيع النساء ، ويجعل الرجال عبيداً للعرب ، وعزم على أن يحملوا الضعيف ، والشيخ الكبير في الطواف حو البيت على ظهورهم.
ولكن أمير المؤمنين عليّاً عليهالسلام رفض ذلك ، وأعتق نصيبه ، ونصيب بني هاشم ، فتبعه المهاجرون والانصار ، ففات على عمر ما كان أراده (٤).
__________________
(١) الفائق ج ١ ص ٣٥٣.
(٢) رسائل الجاحظ ج ١ ص ١٩٧.
(٣) الكامل للمبرد ج ٤ ص ١٦.
(٤) نفس الرحمان ج ١٤٤ ودلائل الامامة ص ٨١ و ٨٢ والبحار ج ٤٦ ص ١٥/١٦ وج ٩٧ ص ٥٦ وج ٤٥ ص ٣٣٠ والمناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ٤٨.
١٠ ـ محاولة استئصال غير العرب :
وقد أرسل عمر إلى أبي موسى الاشعري ، عامله بالبصرة حسب ما ورد في رسالة معاوية لزياد : « .. أعرض من قبلك من أهل البصرة ؛ فمن وجدت من الموالي ، ومن اسلم من الاعاجم قد بلغ خمسة أشبار ؛ فقدمه ؛ فاضرب عنقه » (١).
فشاور أبو موسى زياداً ، فنهاه زياد عن ذلك ، وأمره أن يراجع عمر في ذلك ، فكتب إليه ، وأرسل زياداً إليه بالكتاب ، فلم يزل بعمر حتى ردّه عن رأيه ، وخوفه فرقة الناس ، فرجع ..
وقال له : « مايؤمنك ، وقد عاديت أهل هذا البيت : أن يثوروا إلى علي ؛ فينهض بهم ، فيزيل ملكك؟! ».
فكفّ عن ذلك.
ثم تذكر الرسالة سبب اقدام عمر على هذا الإجراء ، وهي امور هامة يجدر بالباحث الاطلاع عليها ، ويقول فيها أيضاً معاوية لزياد :
« .. فلو كنت يا أخي لم ترد عمر عن ذلك لجرت سنته ، ولا ستأصلهم الله ، وقطع أصلهم. وإذن .. لاستنت به الخلفاء بعده ، حتى لا يبقى منه شعر ، ولا ظفر ، ولا نافخ نار إلخ .. » (٢).
١١ ـ أوامر وقرارات لا تطاق :
وقد جاء في رسالة معاوية لزياد بن أبيه ، المشار إليها آنفاً : الاوامر والقرارات التالية :
« .. وانظر إلى الموالي ، ومن أسلم من الاعاجم ؛ فخذهم بسنة عمر بن
__________________
(١) سليم بن قيس ص ١٤٢ وراجع: نفس الرحمان ص ١٤٤ وسفينة البحار ج ٢ ص ١٦٥.
(٢) راجع: كتاب سليم بن قيس ص ١٤٢ ـ ١٤٣ ونفس الرحمان ص ١٤٤.
الخطاب ؛ فان في ذلك خزيهم وذلّهم :
ان تنكح العرب فيهم.
ولا تنكحوهم.
وأن يرثهم العرب.
ولا يرثونهم.
ولا تقصر بهم في عطائهم ، وأرزاقهم ..
وأن يقدموا في المغازي : يصلحون الطريق ، ويقطعون الشجر.
ولا يؤم أحد منهم العرب في صلاة.
ولا يتقدم أحد منهم في الصف الاُول ، إذا حضرت العرب ، إلا أن يتموا الصف.
ولا تولّ أحداً منهم ثغراً من ثغور المسلمين ، ولا مصراً من امصارهم.
ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين.
ولا أحكامهم.
فان هذه سنة عمر فيهم ، وسيرته .. ».
إلى أن قال :
« .. وفي رواية اخرى : يا أخي لولا أن عمر سنّ دية الموالي على النصف من دية العرب ـ وذلك أقرب للتقوى ـ لما كان للعرب فضل على العجم.
فاذا جاءك كتابي هذا ..
فأذلّ العجم.
وأهنهم.
واقصهم.
ولا تستعن بأحد منهم.
ولا تقض له حاجة » (١).
__________________
(١) راجع : كتاب سليم بن قيس ص ١٤٠ و ١٤١ ونفس الرحمان ص ١٤٤ وسفينة البحار ج ٢ ص ١٦٥.