القواعد الفقهيّة - ج ٢

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٩٢

بعد الفراغ عن الذكر وقبل الفراغ عن نفس السجدة.

التاسع : بعد الفراغ ، فهذه تسعة حالات في كلّ ركعة يمكن عروض الشكّ في كلّ واحد منها. وحيث أنّ الشكوك البالغة أحد عشر التي تقدّم ذكرها يمكن وقوع كلّ واحد منها في كلّ واحد من هذه الحالات التسع ، فيكون مجموع صور الشكّ في الرباعية تسع وتسعين ، حاصل من ضرب أقسام الشكوك الأحد عشر في الحالات التسع.

فإذا كانت السادسة أيضا طرفا للشكّ فيصير مجموع الشكوك ستّة وعشرين ، لأنّ بزيادة السادسة طرفا للشكّ يزيد على عدد الشكوك خمسة عشر ، فبانضمامه إلى تلك الأحد عشر يصير المجموع ستّة وعشرين.

ومن ضرب هذا المجموع في الحالات التسع يحصل مائتين وأربع وثلاثين صورة وكلّما زاد في أطراف الشكّ يزيد في عدد صور الشكّ ، وربما يبلغ إلى ما لا تحصى كثرة ، ولكن صرف فرض لا تحقّق لأغلبها في الخارج ، وبعضها وإن كان ممكنا وقوعه في الخارج ولكن في غاية الشذوذ والندرة.

ونحن نذكر منها خصوص الشكوك الصحيحة :

أقول : خمسة منهما وردت الروايات في موردها بالخصوص على صحّتها ، مضافا إلى الأدلّة العامّة قد تقدّم أربعة منها وذكرناها ، وبقي واحد منها وهو الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين ، وحكمه البناء على الأربع ثمَّ يتشهّد ويسلّم ، ثمَّ بعد التسليم يسجد سجدتي السهو ويسلّم بعدهما.

ويدلّ على هذا الحكم أخبار :

منها : صحيح عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال عليه‌السلام : « إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ، ثمَّ سلّم بعدهما » (١).

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٥ ، باب من سها في الأربع والخمس ... ، ح ٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٩٥ ، ح ٧٦٧ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٦٨ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣١٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٥ ، ح ٢.

٢٢١

ومنها : صحيح الحلبي عن الصادق عليه‌السلام أيضا : « إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلّم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا (١).

ومنها : موثّق أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام أيضا قال : « إذا لم تدر خمسا صلّيت أم أربعا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ، ثمَّ سلّم بعدهما » (٢).

ومنها : صحيحة زرارة ـ أو حسنته ـ قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ، وسمّاهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المرغمتين » (٣) لأنّهما يرغمان الشيطان ، أي يغضبانه ، أو يرغمان أنفه.

ودلالة هذه الأخبار على هذا الحكم في هذا الشكّ واضحة لا يحتاج إلى الشرح والبيان ، فكلّ واحدة منها يدلّ على البناء على الأربع وإتمام الصلاة ، وبعد التسليم والفراغ عن الصلاة على وجوب الإتيان بسجدتي السهو وهو جالس.

والظاهر من التقييد بكونه بعد الصلاة إتيانهما قبل أن يقوم من مكانه ، وأمّا دلالتها على أنّ مورد هذا الحكم بعد إكمال السجدتين هو التعبير بلفظ الماضي في قوله عليه‌السلام « إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا » ولا يصدق مضيّ الأربع إلاّ برفع الرأس عن الركعة‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٥٠ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ١٠١٩ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٩٦ ، ح ٧٧٢ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٧٣ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٨٠ ، ح ١٤٤١ ، باب التسبيح والتشهد في سجدتي السهو ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٤ ، ح ٤.

(٢) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٥ ، باب من سها في الأربع والخمس ... ، ح ٦ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٤ ، ح ٣.

(٣) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٤ ، باب من سها في الأربع والخمس ... ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٤ ، ح ٢.

٢٢٢

الرابعة ، وهذا واضح جدّا.

نعم ظاهر صحيحة زرارة أو حسنته ، وكذلك ظاهر صحيح الحلبي عدم اختصاص هذا الحكم بهذا الشكّ ، بل يأتي في كلّ مورد احتمل الزيادة على الأربع أو النقيصة عنه ، فلا بدّ من تقييدها بالأدلّة الخاصّة الواردة في مورد كلّ شكّ بالنسبة إلى النقيصة ، وبأدلّة البطلان بالنسبة إلى الزيادة على الخمسة.

وأمّا الأربعة الهدميّة من الشكوك الصحيحة الباقية فلم يرد فيها شي‌ء من الروايات ، وإنّما يستدلّ على صحّتها بالقواعد العامّة.

نعم زاد شيخنا الأستاذ قدس سرّه صورة أخرى على الشكوك المنصوصة فيصير مجموع الشكوك المنصوصة عنده ستّة ، وهي عبارة عن الشكّ بين الأربع والخمس والستّ بعد إكمال السجدتين (١).

واستدلّ على صحّته بمفهوم خبر زيد الشحّام وفيه : سألته عن رجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات قال عليه‌السلام : « إن استيقن أنّه صلّى خمسا أو ستّا فليعد » (٢).

ومفهومه أنّه إذا لم يستيقن أنّه صلّى خمسا أو ستّا فلا تجب الإعادة.

وأمّا أنّ مورده الشكّ بعد إكمال السجدتين ، فلما تقدّم من التعبير بلفظ الماضي.

وفيه : أنّ الأخذ بظاهر هذه الرواية مستلزم للقول بصحّة الصلاة التي يشكّ فيها بين الأربع والستّ بدون أن يأتي بسجدتي السهو بعد التسليم ، وهو بعيد.

وأمّا الشكوك الهدميّة الأربعة التي قالوا فيها بهدم القيام كي يرجع إلى الشكوك المنصوصة فيعمل بها عملها وهي الشكّ بين الأربع والخمس حال القيام ، والشكّ بين الثلاث والخمس حال القيام ، والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام ، و‌

__________________

(١) « كتاب الصلاة » ج ٣ ، ص ١١٥.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٣٥٢ ، ح ١٤٦١ ، باب أحكام السهو ، ح ٤٩ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣١١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٣ ، ج ١٧.

٢٢٣

الشكّ بين الخمس والستّ حال القيام.

فهذه الأربعة وإن كانت ترجع إلى الشكوك المنصوصة بعد هدم القيام فيها ، إلاّ أنّ الشأن في هدم القيام وأنّه ما الوجه فيها؟

والظاهر أنّ الهدم فيها بملاحظة كون الركعة التي فيها محكومة بالزيادة ، فقبل أن يدخل في الركن ـ كي لا تتحقّق زيادة الركن وهو الركوع ، والقيام المتّصل بالركوع الذي لا يحصل إلاّ بالدخول في الركوع ـ لو التفت الى هذه الزيادة يجب عليه أن يهدم هذا القيام ويتمّ الصلاة على عدد الصحيح الذي هو الأربع.

والدليل على ذلك : أنّه لو علم تفصيلا بأنّ الركعة التي هو فيها هي الخامسة ، فلو كان علمه هذا بعد الدخول في الركوع تكون صلاته هذه باطلة لزيادة ركنين : أحدهما الركوع ، والثاني : قيام المتّصل بالركوع.

وأمّا لو كان حصول علمه قبل الدخول في الركوع يجب هدم قيامه وإتمام صلاته ، لزيادة هذا القيام وهو زيادة غير ركنيّة عن نسيان ، فلا تكون مضرّة.

فإذا كان الأمر في مورد العلم الوجداني كذلك يقينا فكذلك الأمر فيما إذا حكم الشارع بالزيادة ، لوحدة الملاك فيهما ، وهي زيادة الركعة التي بيده.

وأمّا كونها محكومة بالزيادة شرعا فمن جهة أنّ الشكّ في أنّ ما بيده هي الخامسة مستلزم للشكّ في أنّ الركعة السابقة على هذه التي بيده هل هي الثالثة أو الرابعة؟

فهاهنا في الحقيقة شكّان بالفعل : أحدهما : بالنسبة إلى ما بيده ، وهي بين الرابعة والخامسة. والثاني : بالنسبة إلى السابقة هذه الركعة ، وهي بين الثلاث والأربع.

والشكّ الأوّل وإن لم يكن فيه حكم إذا كان في حال القيام ، إذ ليس فيه نصّ ، ولكن الشكّ الثاني ، أي الشكّ بين الثلاث والأربع من الشكوك المنصوصة ، ومشمول للنصوص العامة. مضافا إلى أنّ فيه نصّ خاصّ ، ومفاد تلك النصوص العامّة هو البناء على الأكثر ، فإذا بنى على الأكثر فقهرا ما بيده يكون خارجا عن الأربعة ، و‌

٢٢٤

يكون زائدا ، فيجب هدمه ، كما إذا علم وجدانا بأنّها زائدة.

إذا عرفت هذا فنقول :

أمّا بالنسبة إلى ثلاث صور من الشكوك الهدميّة فالأمر في كمال الوضوح ، وهي الشكّ بين الأربع والخمس في حال القيام ، والشكّ بين الثلاث والخمس في حال القيام ، والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس في حال القيام.

وأمّا الصورة الرابعة ، أي الشكّ بين الخمس والستّ في حال القيام فيعلم تفصيلا بزيادة هذا القيام سواء أكان خمسا أو ستّا ، فيجب هدم القيام والجلوس ، فيرجع شكّه إلى أنّ ما صلّى هل هو أربع أو خمس؟ وهذا هو الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين ، وهو من الشكوك المنصوصة ، وحكمه البناء على الأربع وأن يسجد سجدتي السهو.

وبعبارة أخرى : هاهنا شكوك فعليّة موجودة قبل الهدم ، لا أنّها تحصل بالهدم حتّى تقول ما هو مجوّز الهدم؟ كي يرجع الشكّ إلى الشكوك المنصوصة ، فليس تلك الشكوك مسبّبة عن الهدم ومعلولة له ، بل الأمر بالعكس ، أي يكون الهدم معلوم لتلك الشكوك ، لأنّه بواسطة حكم تلك الشكوك يحكم بزيادة ذلك القيام وخروجه عن الصلاة ، وواقعا في وسط الصلاة فيجب هدمه.

فهذه الشكوك الأربعة في الحقيقة ترجع إلى الشكوك المنصوصة.

ثمَّ لا يخفى أنما ذكرنا من رجوع هذه الشكوك الأربعة الهدمية إلى الشكوك المنصوصة ليس معناه انقلاب الشكّ غير المنصوص إلى المنصوص كما يوهمه ظاهر عبارة الرجوع ، بل المراد ما ذكرنا سابقا من أنّ الشكّ المنصوص موجود قبل الهدم وهو بحكمه موجب للهدم.

إن قلت : إن ما ذكرت من أنّ البناء على الأكثر في هذه الشكوك الهدميّة الأربعة بالنسبة إلى الشكّ السابق على هذا الشكّ الأخير موجب للحكم بزيادة هذه الركعة‌

٢٢٥

الأخيرة التي بيده وبنيت جواز الهدم على هذا ، هو من الأصل المثبت الذي ليس بحجّة ، لأنّ موضوع البناء على الأكثر هو الشكّ في عدد الركعات ، فالخطاب متوجّه إلى الشاكّ ، وهذا أي أخذ الشكّ في الموضوع وكون الخطاب إلى الشاكّ هو المراد بالأصل العملي.

قلنا أوّلا : إنّه ربما يقال بأنّه ليس بأصل عملي كي يكون هذا الحكم ظاهريّا ، بل هو حكم واقعي جعل للشاكّ في عدد الركعات ، ولذلك لو بنى على الأكثر وأتى بصلاة الاحتياط ثمَّ تبيّن الخطأ وأنّ ما أتى به كان هو الأقلّ لا تجب الإعادة.

وإن كانت هذه المقالة لا تخلو من نظر وإشكال وسيأتي ما هو التحقيق في الأمر الثالث.

وثانيا : ليس الحكم بزيادة الركعة المشكوكة من اللوازم العقلية للبناء على الأكثر بل معنى البناء على الأربع الذي هو الأكثر في المسائل المذكورة أنّ ركعات الصلاة تمّت وليس ما وراء هذه الركعة المبنيّة على كونها رابعة ركعة صلاتيّة ، وهذا عبارة أخرى عن زيادتها ، لا أنه زيادتها من لوازم البناء على الأكثر.

وينبغي التنبيه على أمور‌

[ الأمر ] الأوّل : في أنّه إذا كان الشكّ بين التمام والزيادة من الستّ فما فوق كالشكّ بين الأربع والستّ أو السبع بعد الإكمال ، فهل يمكن تصحيحه باستصحاب عدم الزيادة ويجري الاستصحاب ، أم لا لخلل فيه؟

فنقول : قد يقال في تقريب عدم جريان الاستصحاب : أنّ الشارع ألغى جريان الاستصحاب في باب عدد الركعات.

أمّا في الأوليين فلجهة حكمه بلزوم كون الأوليين محفوظا وسالما بقوله : « إذا‌

٢٢٦

سلمت الركعتان الأوليان سلمت الصلاة » (١) وبالاستصحاب لا يمكن إثبات عنوان الحفظ والسلامة إلاّ بناء على القول بالأصل المثبت ، لأنّ السلامة والحفظ من اللوازم العقليّة لعدم الركعة المشكوكة.

وأمّا في الأخيرتين فلعدم اعتناء الشارع بالاستصحاب ، وحكمه بالبناء على الأكثر على خلاف الاستصحاب.

وأمّا في الزائد على الأخيرتين فلأنّ الشارع لمّا جعل البناء على الأكثر في الأخيرتين علمنا أنّ احتمال الزيادة في الصلاة مضرّ بالصحّة ، ولذلك ألغى الاستصحاب ، لأنّ في الاستصحاب لا محالة احتمال الزيادة موجود في أيّ صورة من الصور ، ولذا حكم بالبناء على الأكثر وسدّ احتمال الزيادة بهذا البناء ، وسدّ احتمال النقيصة بصلاة الاحتياط.

وحاصل الكلام : أنّ احتمال الزيادة والنقيصة كلاهما موجب للإعادة ، للشكّ في الامتثال وتحصيل الملاك ، فمن جهة سدّ احتمال الزيادة سدّ باب الاستصحاب ، وسدّ احتمال النقيصة بجعل صلاة الاحتياط ، فمناط سدّ باب الاستصحاب في الأخيرتين هو بعينه موجود في جميع صور الشكّ فيما إذا كان أحد طرفي الشكّ هو احتمال الزيادة على الأربعة.

غاية الأمر في خصوص الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين جاء الدليل على الصحّة ، وعدم مضرّية احتمال الزيادة في هذا المورد بالخصوص ، وتداركه بسجدتي السهو وأمّا فيما عداه فالإشكال بحاله ، فلا بدّ من الإعادة إلاّ في بعض الصور الذي يمكن استظهار صحّته من مفهوم رواية زيد الشحّام ، وقد تقدّم تفصيله (٢).

وفيه : أنّ كون مناط إلغاء الشارع للاستصحاب في الركعتين هو خصوص احتمال‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٤٦ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ١٠١٠ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٢٩٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١ ، ح ٣.

(٢) تقدّم في ص ٢٢٣ ، رقم (٢).

٢٢٧

الزيادة غير معلوم ، وتنقيح المناط ظنّا قياس ، باطل عندنا.

والشاهد على عدم كون المناط هو احتمال الزيادة هو أنّه حكم في بعض الموارد بالبناء على الأربع مع احتمال الزيادة ، كما في الشكّ بين الأربع والخمس مع احتمال كون الركعات زائدة على الأربع ، وكذلك في الشكّ بين الأربع والخمس والستّ بناء على الأخذ بمفهوم خبر زيد الشحّام ، وأيضا فيما إذا شكّ في إتيان الركوع مع عدم تجاوز محلّه حكم بالبناء على العدم ، مع أنّه لو أتى به بعد هذا العدم يحتمل زيادة الركوع.

ولا فرق بين زيادة الركوع وبين زيادة الركعة لو كان احتمال زيادتها مضرا ، إذ لو كانت زيادة الركعة مضرّة يكون باعتبار زيادة الركن ، أي الركوع فيها ، وإلاّ فزيادة أجزائها غير الركنية عن غير عمد فليس بمضرّ قطعا.

وقد يقال بعدم جريان الاستصحاب لأنّه لا أثر له ، إلاّ بناء على اعتبار الأصل المثبت وهو مما نقّحنا بطلانه في كتابنا « منتهى الأصول » (١).

بيان ذلك : أنّه إمّا أن يستصحب رابعيّة هذه الركعة التي بيده ـ التي هي مورد الشكّ بين كونها رابعة أو زائد ، فهذه ليست لها حالة سابقة متيقّنة لأنّها من أوّل وجودها مشكوك الرباعيّة ـ وإمّا أن يستصحب عدم وجود الزائد على الأربعة.

فهذا الاستصحاب وإن كان له مجرى من حيث تماميّة أركانه من اليقين السابق والشكّ اللاحق ، ولكن إن كان المراد منه صرف عدم تحقّق الزائد على الأربع فلا أثر له ، لأنّه ليس لعدمه أثر شرعي. وإن كان المراد منه إثبات أنّ ما بيده رابعة فيتشهّد ويسلّم فهذا مثبت ، لأنّ كون ما بيده رابعة من اللوازم العقليّة لعدم تحقّق الزائد على الأربع.

والحاصل : أنّه وإن يعلم بالوجدان أنّ الأربع لا بشرط عن وجود ركعة بعده وعدم وجودها موجود ، ولكن الأثر للأربع بشرط لا ، وانطباقه على هذه الركعة التي‌

__________________

(١) « منتهى الأصول » ج ٢ ، ص ٤٧٧.

٢٢٨

بيده مشكوك ، وباستصحاب عدم الزائد على الأربع وإن كان يثبت أنّه أي : الرابع بشرط لا هو هذه الأخير لكنه مثبت ، لأنّ كون الأخيرة كذلك من اللوازم العقلية لعدم الزائد على الأربع ، لا من الآثار الشرعيّة له ، كما هو واضح.

فظهر ممّا ذكرنا بطلان الصلاة في جميع صور احتمال الزيادة على الأربع ولزوم إعادتها ، إلاّ في ما إذا جاء دليل بالخصوص على الصحّة ، كما أنّه جاء في الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين. وادّعى في الشكّ بين الأربع والخمس والستّ بعد إكمال السجدتين بمفهوم رواية زيد الشحّام.

وأمّا بعض صور الشكّ في الزيادة واحتمال السادس إذا كان الشكّ في حال القيام إن قلنا بصحّتها فذلك من جهة هدم القيام ، ورجوع الشك إلى الشكوك المنصوصة ، كما مرّ تفصيلا ، وليس من جهة استصحاب عدم الزائد.

وقد أجاب عن هذا الإشكال شيخنا الأستاذ قدس سرّه بأنّ أجزاء الصلاة المترتّبة في الوجود يجب أن يوجد الجزء التالي بعد تحقّق الجزء السابق عليه وعدم وجود الجزء اللاحق ، فالركعة الرابعة يجب أن توجد بعد تحقّق الثالثة وعدم وجود الخامسة ، ولا يلزم أن تتّصف الركعة بالثالثة.

ففي المقام يجب التشهد والتسليم بعد إحراز وجود الرابعة وعدم وجود الخامسة ، ولا يلزم أن يتّصف الركعة التي بعد رفع الرأس عن سجدتها الثانية ، يتشهّد ويسلّم بكونها رابعة ، بل يكفي في صحّة إتيان التشهّد والتسليم إحراز وجود الرابعة وإحراز عدم الخامسة ، وفي المفروض إحراز وجود الرابعة بالوجدان ، وإحراز عدم الخامسة بالأصل (١) هذا ما ذكره قدس سرّه.

ولكن ظاهر أدلّة التشهّد والتسليم في الرباعيّة هو أن يتشهّد في الرابعة ، وهذا يقتضي أن يكون التشهد الثاني في الركعة التي أحرز أنّها رابعة ، والتشهّد الأوّل في‌

__________________

(١) « كتاب الصلاة » ج ٣ ، ص ١٠٦.

٢٢٩

الركعة التي أحرز أنّها الثانية ، ففي رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال عليه‌السلام : « إذا جلست في الركعة الثانية فقل بسم الله » إلى آخر ما قال عليه‌السلام ، إلى أن قال عليه‌السلام : « فإذا جلست في الرابعة قلت بسم الله وبالله » إلى آخر ما قال عليه‌السلام (١) فما ذكره قدس سرّه لا يخلو من غرابة وأغرب منه قوله بأنّ استصحاب عدم الزيادة وإن كان تامّا من ناحية تماميّة أركانه وتأثيره في صحّة الصلاة التي يشكّ في زيادتها إلاّ أنّه لا يجري لانصراف أدلّة الاستصحاب عن أمثال هذه الموارد.

الأمر الثاني : في أنّه يجب التروّي والفحص عند الشكّ في عدد الركعات أم لا ، بل يبني على الأكثر بمحض حدوث الشكّ؟

فنقول : التروّي والفحص عمّا في خزانة النفس قد يكون من جهة استعلام حال الشكّ وأنّه يدوم أو يزول ـ وبعبارة أخرى : شكّ مستقرّ وثابت ، أم ليس له قرار وثبات ، بل يزول ـ وقد يكون الاستعلام حال الترديد الذي في خزانة النفس وأنّه هل لأحد طرفي المحتمل ترجيح كي يكون ظنّا ، أم لا حتّى يكون شكا مقابل الظنّ والوهم.

فإن كان بمعنى الأوّل : فالظاهر عدم لزومه في الموارد التي حكم الشارع بالبناء على الأكثر ، وذلك من جهة أنّ موضوع هذا الحكم هو الشكّ في الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة ، فمتى تحقّق موضوعه يتحقّق ذلك الحكم ، نعم لا بدّ من الصدق العرفي. ولا يبعد أن يكون التروّي واجبا إذا كان بأدنى التفات والرجوع إلى خزانة النفس يتبيّن الحال ، ولعلّه لعدم صدق الشكّ حينئذ عرفا.

وأمّا التروّي بالمعنى الثاني : فالظاهر لزومه بناء على أنّ الظنّ حجّة وأمارة في‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٩٩ ، ح ٣٧٣ ، باب كيفيّة الصلاة وصفتها ... ، ح ١٤١ ، « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ٩٨٩ ، أبواب التشهّد ، باب ٣ ، ح ٢.

٢٣٠

معرفة عدد الركعات ، وذلك من جهة أنّ الظنّ والشكّ بناء على هذا مختلفان موضوعا وحكما ، أمّا موضوعا فواضح ، وأمّا حكما فلأنّ حكم الشكّ هو البناء على الأكثر ، وحكم الظنّ هو الجري على طبق المظنون وعدم الاعتناء بالاحتمال المرجوح ، ولا فرق في لزوم الجري على طبق المظنون أن يكون هو الأقلّ أو يكون هو الأكثر.

فلا بدّ أن يفحص عمّا في خزانة نفسه ويفتّش حتّى يتبيّن الحال وأنّ وظيفته هل هو البناء على الأكثر أو الجري على طبق الظنون؟ سواء أكان هو الأقلّ أو الأكثر ، لأنّه لا معنى لترتّب الحكم بدون معرفة الموضوع. هذا في الركعتين الأخيرتين ، وأمّا في الركعتين الأوليين حيث أنّ الشكّ فيهما مبطل.

ومن المعلوم أنّ مبطليّته ليس بمحض حدوثه ، بل يكون مراعى ببقائه فإن زال وانقلب إلى العلم أو إلى الظنّ ـ بناء على حجيّة الظنّ في عدد الركعات حتّى في الأوليين ـ فليست الصلاة باطلة ، فالشكّ في زواله يكون شكّا في القدرة على الإتمام ، كما أنّه لو علم بزواله يعلم بأنّه قادر على الإتمام فيمضي في صلاته وكما أنّه لو كان عالما بعدم الزوال فتكون باطلة ولا يجب الفحص ، بل لا معنى للفحص مع العلم في الصورتين ، أي في كلتا صورتي العلم بالزوال والعلم بعدم الزوال.

وأمّا في صورة عدم العلم بكلا الأمرين واحتماله للزوال وعدمه ، فهو شاكّ في أنّه قادر على الإتمام أم لا. وفي باب الشكّ في القدرة لا بدّ وأن يشتغل بالمأمور به ويفخص حتّى يتبيّن الحال. وهذا حكم العقل في باب الشكّ في القدرة.

فظهر ممّا ذكرنا أنّه فرق في لزوم التروّي وعدمه بين الركعتين الأوليين والركعتين الأخيرتين ، وأنّ للتروّي معنيين ، وأنّه لازم بمقدار الصدق العرفي وهو أن لا يكون سريع الزوال بل يحتاج في الصدق العرفي إلى استقراره ، وأنّ التروّي بمعنى الفحص عن أنّ ما في خزانة نفسه هل هو ظنّ أو شكّ هو لازم إلى أن يحصل له أحد الأمرين ، أي كونه ظنّا أو شكّا ليرتّب عليه حكمه من البناء على الأكثر أو الجري على طبق‌

٢٣١

المظنون ، كان المظنون هو الأقلّ أو كان هو الأكثر.

الأمر الثالث : في أنّ البناء على الأكثر حكم ظاهري موضوعه الشكّ في عدد الركعات في الفريضة الرباعيّة بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية ، وقد حقّقنا في مبحث الإجزاء أنّ الحكم الظاهري امتثاله وإتيان متعلّقه لا يكون مجزيا عن الواقع لو انكشف الخلاف ، وأنّ القول بالإجزاء ملازم مع القول بالتصويب ، ففي المقام بعد البناء على الأكثر لو تبيّن الخلاف وعلم أنّ ما صلّى كان هو الأقلّ فمقتضى القاعدة هو وجوب الإعادة وعدم الاعتناء بما صلّى مع البناء على الأكثر.

ولكن فتوى المشهور هو أنّه بعد البناء على الأكثر وإتمام الصلاة والإتيان بصلاة الاحتياط لا تجب الإعادة ، مع أنّ جلّهم قائلون بعدم إجزاء الأمر الظاهري.

والسّر في ذلك : هو أنّ الشارع لم يكتف بصرف البناء على الأكثر ، بل أمر بعد الإتمام بصلاة الاحتياط لتكون تداركا لما فات على تقدير كون ما صلّى هو الأقل وبعبارة أخرى : هاهنا حكمان : أحدهما البناء على الأكثر ، والثاني : وجوب الإتيان بصلاة الاحتياط ، وليس الثاني من مقتضيات الأوّل ، بل مقتضى الأوّل هو إتمام الصلاة مع البناء على الأكثر وعدم وجوب شي‌ء آخر عليه.

فالحكم الثاني هو حكم مستقلّ لتتميم ما ظنّه من النقص ، فعدم وجوب الإعادة مستند إلى امتثال هذا الحكم ، أي الإتيان بصلاة الاحتياط لا إلي البناء على الأكثر ولذلك لو علم قبل الإتيان بصلاة الاحتياط أنّ الواقع هو الأكثر فلا تجب صلاة الاحتياط قطعا ، كما أنّه لو علم قبل السلام بأنّ ما صلّى هو الأقلّ يجب عليه أن يأتي بالمقدار الذي يحتمل نقصه متّصلة.

وأمّا لو علم بالنقص وأن ما صلّى هو الأقلّ بعد السلام وقبل الإتيان بصلاة الاحتياط هل تجب عليه الإعادة ، أو له أن يكتفي بصلاة الاحتياط ، أو يأتي بالنقيصة متّصلة؟ لأنّ السلام وقع في غير محلّه فليس بمخرج فيسجد سجدتي السهو للسلام‌

٢٣٢

الواقع في غير محله بعد إتمام الصلاة. هذا فيما إذا لم يصدر منه بعد ذلك السلام الواقع في غير محلّه ، ما هو المنافي عمدا وسهوا وإلاّ يتعيّن عليه الإعادة.

والظاهر من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأخير ، أي لزوم الإتيان بالنقيصة متّصلة وسجدتي السهو للسلام الواقع في غير محلّه فيما إذا لم يصدر منه ما هو المنافي عمدا أو سهوا ، وذلك من جهة أنّ حكم البناء على الأكثر موضوعه الشكّ ، فإذا زال الشكّ يزول حكمه ويجب عليه العمل على طبق علمه ، وهو كما ذكرنا عبارة عن إتيان مقدار النقيصة متّصلة وسجدتي السهو للسلام الواقع في غير محلّه.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ الاكتفاء بصلاة الاحتياط لو انكشف الخلاف بعد البناء على الأكثر وبعد صلاة الاحتياط ليس من جهة أنّ امتثال الأمر الظاهري مفيد للإجزاء ، بل يكون من جهة أنّ الشارع جعل صلاة الاحتياط متمّما لما نقص على تقدير نقصانه ، وإلاّ فهي نافلة.

الأمر الرابع : لو شكّ المصلّي جالسا لعجزه عن القيام ، فلا ينبغي أن يشكّ في شمول عمومات البناء على الأكثر له ، وإنّما الكلام في أنّه من كان وظيفته التخيير بين ركعتين جالسا أو ركعة من قيام فهذا التخيير في حقّه لا مورد له لعجزه عن أحد طرفي التخيير ، أي عن إتيان ركعة قائما فهل يتعيّن عليه الطرف الآخر ـ أي الركعتين من جلوس ، كما هو قانون باب التخيير ـ أو ركعة جالسا؟ لأنّ القيام ساقط في حقّه.

والظاهر هو الثاني ، لأنّ المقام ليس من قبيل الواجبات التخييريّة بالأصل ، لوجود الملاك المطلوب في كلّ واحد من الطرفين واستوائهما في ذلك كي يقال إن تعذر أحد الطرفين فيتعيّن الطرف الآخر ، بل المقصود الأصلي تدارك الركعة الفائتة على تقدير فوتها وتدارك تلك الركعة بشكلين : أحدهما مثلها ركعة من قيام ، والثاني : ركعتين من جلوس ، وكان الشارع الأقدس جعل زيادة كمّيّة الركعة في مقام التدارك بدلا عن نقصان كيفيّتها. وإن شئت قلت : بدلا عن تبدّل وضعها ـ كما أنّ جعله في صلاة‌

٢٣٣

النافلة أيضا كذلك ، أي جعل ركعتين جالسا بدل ركعة قائما.

ومعلوم أنّ هذا إنّما يجري فيما إذا كان المبدل منه ركعة قائما ، وفيما نحن فيه ليس الأمر كذلك ، لأنّ الفائتة وما هو المبدل منه ليس إلاّ ركعة جالسا ، فبدلها أيضا يكون مثلها ركعة واحدة جالسا ، ولا وجه للتعدّد.

نعم لو قدر على القيام قبل الإتيان بصلاة الاحتياط وبعد السلام فعليه أن يأتي بها قائما متّصلة ، كما تقدّم شرحه مفصّلا.

الأمر الخامس : في أنّه هل يجوز في الشكوك الصحيحة أن يرفع اليد عن صلاته ويستأنف من جديد ، أم لا بل يجب البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط؟

ربما يقال بعدم جواز القطع والاستئناف ، لحرمة القطع.

وبناء على هذا هل يمكن الفرق في حرمة القطع بين القطع حال حال عروض الشكّ وفي الأثناء ، وبين القطع بعد التسليم أم لا؟

أقول : أمّا القطع والاستئناف قبل التسليم فالظاهر عدم جوازه ، لادّعاء الإجماع على الحرمة ، وأمّا بعد التسليم وقبل صلاة الاحتياط فإن قلنا إنّ التسليم الواقع في غير محلّه ليس بمخرج ولو كان في محلّه البنائي فيكون مثل القطع في الأثناء ، لأنّه على تقدير النقصان وكون صلاة الاحتياط جزء للصلاة الأصلي يكون بعد في الصلاة.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ كونه قطعا مشكوك فتجري البراءة. والحاصل أنّ الحكم بحرمة القطع بعد التسليم مشكل جدّا.

وأمّا صحّة الصلاة الأولى والثانية أو بطلانهما لو استأنف في الأثناء ، فالظاهر بطلان الصلاة الأولى ، لأنّه بعد استئنافها ، إمّا أن يأتي بصلاة الاحتياط أم لا. فإن لم يأت فتكون الصلاة مشكوك التمام ومعلوم البطلان ، وأمّا إن أتى بصلاة الاحتياط بعد الصلاة المستأنفة ، فلفوات الموالاة التي شرط في صحّة الصلاة.

٢٣٤

وأمّا الصلاة المستأنفة ، فقيل في وجه بطلانها وجوه :

[ الوجه ] الأوّل : أنّها علّة لإبطال الأولى وهو حرام ، وعلّة الحرام حرام فتكون باطلة لتعلّق النهي بنفس العبادة ، وقد تقرّر في محلّه بطلان مثل هذه العبادة المنهي عن نفسها.

وفيه : أنّ هذا مبني على مقدّمتين ، وهما :

أوّلا : أن يكون الإبطال حراما ولو كان بعد التسليم ، باعتبار كون صلاة الاحتياط جزء من الصلاة.

وفيه نظر واضح ، فلو استأنف بعد التسليم وقبل صلاة الاحتياط لا يأتي هذا الوجه.

وثانيا : أن يكون الاستئناف علّة تامّة أو كان هو جزء الأخير من العلّة التامّة للحرام الذي هو الإبطال.

وفيه أيضا نظر ، لأنّ الإبطال قد يكون لعدم المقتضي للإتمام ، أي إرادة الإتمام ، فالإبطال مستند إلى عدم إرادة الإتمام ، لا إلى وجود ضدّه ، أي الصلاة المستأنفة.

الوجه الثاني : سقوط الأمر عن الأجزاء التي أتى بها ، وإلاّ يكون من قبيل طلب الحاصل ، فتكون الصلاة المستأنفة بالنسبة إلى تلك الأجزاء بدون الأمر ، فلا تقع عبادة.

وفيه : أنّ الأمر بالطبيعة باق ما لم يأت بالمجموع ، مضافا إلى ما قلنا من جواز تبديل الامتثال بامتثال آخر.

الوجه الثالث : ظهور أدلّة الشكوك الصحيحة في أنّ وظيفة الشاكّ هو العمل بالوظيفة المعيّنة من البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط بعد التسليم ، وليس له العمل بغير هذه الوظيفة.

٢٣٥

وفيه : أنّ مرجع هذا الوجه إلى أنّ التكليف الواقعي انقلب في حقّ الشاكّ من الأربعة الموصولة إلى الأربعة الملفّقة من الثلاثة أو الاثنتين الموصولة وصلاة الاحتياط ، وهذا لا يخلو من غرابة ، إذ الوظيفة المجعولة للشاكّ علاج للعلم بإتيان الأربعة الواقعيّة بلا زيادة ولا نقصان ، من جهة التسهيل على المكلّف الشاكّ لئلا يقع في كلفة الإعادة ، لا أنّ التكليف الواقعي انقلب إلى هذه الوظيفة ، كما توهّم.

والحاصل : أنّ الصلاة المستأنفة خصوصا بعد السلام وقبل صلاة الاحتياط لا وجه لبطلانها ، وبناء على هذا لا يبقى وجه لإتيان صلاة الاحتياط بعدها.

هذا كلّه فيما لو استأنف قبل إتيان المنافي ، أمّا لو استأنف بعد إتيان ما هو المنافي ـ سواء أكان في الأثناء أو بعد التسليم ولكن قبل صلاة الاحتياط ـ فلا وجه لبطلان المستأنفة ، بل يجب الاستئناف إن كان وجود المنافي في الأثناء ، بل وكذلك إن قلنا بلزوم عدم وجود المنافي بين الصلاة المبنيّة وصلاة الاحتياط ، والوجه واضح.

الأمر السادس : في أنّه لو غفل عن شكّه واستمرّ في الصلاة وأتمها فتبيّن مطابقة ما أتى به للواقع ، فهذا إمّا في موارد الشكوك الصحيحة أو في موارد الشكوك الباطلة.

فإن كان من قبيل الأوّل ـ فبناء على ما قلنا في الأمر السابق من عدم انقلاب التكليف الواقعي إلى ما هو وظيفة الشاك ، فغاية الأمر أنّ هذه الوظيفة التي عيّنت للشاكّ علاج في مقام امتثال ذلك التكليف الواقعي بأنّه أتى به ، وفي المفروض قاطع بأنّه أتى به بدون أن يعمل بوظيفة الشاكّ بدون أيّ خلل في المأتي به ، وبعبارة أخرى أوجد المأمور به تامّ الأجزاء والشرائط وفاقدا لجميع الموانع متقرّبا ـ فيسقط الأمر ويحصل الامتثال القطعي.

وأمّا إن كان من الشكوك الباطلة فمرجع الأمر إلى أنّه هل حدوث الشكّ فيها مثل حدوث الحدث أو سائر القواطع المبطل؟ أو معنى البطلان فيها أنّه لا تشملها أدلّة العلاج من البناء على الأكثر وسجدتي السهو وصلاة الاحتياط؟

٢٣٦

فإن كان الأوّل فواضح أنّه لا يمكن القول بصحّتها ولو انكشف بعد الإتمام أنّ ما أتى به تامّ المطابقة مع الواقع.

ولكن هذا المعنى واضح الفساد ، نعم الذي يمكن أن يقال : إنّه إذا اعتبر في صحّتها الحفظ واليقين من أوّلها إلى آخرها ، فإذا حصل الشكّ يفقد الشرط فتكون باطلة بمحض حدوث الشكّ وتجب الإعادة ، وأمّا إنّ كانت جهة البطلان عدم شمول أدلّة العلاج لها فتكون صحيحة في المفروض لأنّها صحيحة وتامّ الأجزاء والشرائط.

وهذه الاحتمالات في مقام الثبوت.

وأمّا في مقام الإثبات : فالظاهر أنّ الشكوك الباطلة على قسمين :

فالثنائية والثلاثية والأوليين من الثلاثيّة والرباعية اعتبر فيها الحفظ واليقين في جميع الحالات ، ولذلك بمحض حدوث الشكّ ووجوده عرفا ـ أي بعد استقراره ـ تكون باطلة وحكم بالإعادة ، كما في صحيحة ابن أبي يعفور : « إذا شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في اثنتين ، أم في واحدة ، أم في أربع ، فأعد ولا تمض على الشكّ » (١).

وأمّا القسم الآخر : فالظاهر أنّ بطلانها من جهة عدم شمول أخبار العلاج لها ، كالشكّ بين الأربع وما فوق الستّ ، حيث أنّ بطلانها من جهة عدم العلاج.

ففي مثل هذا القسم لا وجه للبطلان بعد تبيّن أنّها مطابق للواقع ، ولا يحتاج إلى العلاج حتّى تقول لا تشملها أخبار العلاج.

فالحقّ هو التفصيل بين هذين القسمين من الشكوك الباطلة.

الأمر السابع : المسافر في أحد أماكن التخيير لو نوى قصرا فشكّ بين الاثنتين والثلاث مثلا أو أحد الشكوك الصحيحة الآخر لو كانت الصلاة رباعيّة ، فحيث أنّ‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٨ ، باب من شكّ في صلاته كلّها ... ، ح ٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٨٧ ، ح ٧٤٣ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ٤٤ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٣ ، ح ١٤١٨ ، باب من شكّ فلم يدر صلّى ركعة أو ... ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٥ ، ح ٢.

٢٣٧

الشكّ في الصلاة الثنائيّة مبطل فهل له أن يعدل بعد حدوث الشكّ إلى الإتمام فيبني على الأكثر ويتمّم صلاته ويأتي بعد أن أتمّ بصلاة الاحتياط فيكون قد عالج بذلك شكّه وصحّح صلاته ، أم لا وليس له ذلك؟

وعلى تقدير أن يكون له ذلك ، فهل يجب عليه العدول ، أم لا بل يجوز فقط وهو مخيّر بين العدول ورفع اليد عن صلاته لبطلانه على تقدير عدم العدول؟

فنقول : بعد الفراغ عن اشتراط العدول بأن يكون المعدول عنه صلاة صحيحة ، بحيث لو لا العدول وكان يتمّ تلك الصلاة التي يريد أن يعدل عنها لكانت تقع صحيحة.

فالمسألة بناء على هذا مبنيّة على أنّ الشكّ في الصلوات التي يكون الشك مبطلا لها موجب للبطلان بمحض حدوثه ، ويكون من قبيل القواطع ، أم لا بد معنى مبطليّة الشكّ عدم شمول أدلة العلاج لها؟

فإن كان من قبيل الأوّل فلا يبقى محلّ للعدول ، لأنّ ما مضى من صلاته صار باطلا وليس قابلا لأن ينضمّ إليه ركعة أخرى حتّى يصير المجموع صلاة رباعيّة صحيحة.

ولا أثر لكون صلاة القصر والإتمام حقيقة واحدة أو حقيقتين مختلفتين ، لأنّ العدول ليس متوقّفا على أن يكون المعدول عنه والمعدول إليه حقيقة واحدة ، إذ يصحّ العدول من الظهر إلى العصر وكذلك العكس ، مع أنّهما ليستا حقيقة واحدة قطعا بل حقيقتين مختلفتين.

ولكنّ الظاهر جواز العدول ، لعدم كون الشكّ بمحض حدوثه مبطلا كالقواطع ، بل مبطليّته من جهة اشتراط صحّة الأوليين باليقين ، واستصحاب عدم الزيادة في ظرف الشكّ ممّا يقوم مقام اليقين الذي أخذ في موضوع الصحّة.

إن قلت : إنّكم في الأمر السابق بنيتم على بطلان الصلاة الثنائيّة والثلاثيّة والأوليين من الرباعيّة بمحض حدوث الشكّ.

٢٣٨

قلنا : هناك بنينا على البطلان من جهة عدم جريان أصالة عدم الزيادة في الثنائيّة والثلاثيّة للأدلّة الخاصّة التي مفادها الإعادة ، وأمّا هاهنا فلا مانع من جريان استصحاب عدم الزيادة ، لأنّه لسنا نثبت باستصحاب عدم الزيادة صحّة الصلاة الثنائيّة ، بل نريد إثبات صحّته من جهة شرطيّته للعدول فقط ، لا صحّته من حيث ترتيب آثار الصحّة عليه مطلقا وسقوط أمره ، والممنوع بالأدلّة الخاصّة هو المعنى الثاني من الاستصحاب ، لا المعنى الأوّل. ومع ذلك كلّه صحّة العدول لا تخلو من نظر وتأمّل.

وأما الشق الثاني من المسألة : وهو أنّه على تقدير صحّة العدول والبناء على الأكثر ، هل يجب العدول أو يجوز فقط؟

ربما يقال بوجوبه من جهة حرمة الإبطال.

وفيه : أنّ حرمة الإبطال متوقّف على صحّة العمل في حدّ نفسه ، فيكون إبطاله حراما ، وهاهنا العمل في حدّ نفسه باطل ويريد أن يصحّح العمل بالعدول ، فعدم العدول وتركه ليس إبطالا ، بل هو عدم التصحيح مع إمكانه ، ولا دليل على وجوب التصحيح وعلاج الشكّ مع إمكانه ، وأدلّة وجوب العلاج ، أي وجوب البناء على الأكثر مع تعقيبه بصلاة الاحتياط موضوعه الشكوك الصحيحة ، وهاهنا كون الشكّ من الشكوك الصحيحة متوقّف على العدول ، فكيف يمكن أن يكون وجوب العدول مستندا إلى تلك الأدلة؟ وهل هذا إلاّ تقدّم الشي‌ء على نفسه.

فالإنصاف ، أنّ وجوب العدول لا دليل عليه.

اللهمّ إلاّ أن يقال : قوله عليه‌السلام « لا يعيد الصلاة فقيه » (١) نهى عن الإعادة مع إمكان العلاج ، وهاهنا حيث يمكن العلاج بالعدول فيجب.

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٠١ ، رقم (٢). وليس هذا نصّ كلام الإمام عليه‌السلام ، بل يكون من كلام الراوي والسائل وليكن الإمام يقرّر هذا الكلام ويبيّنه.

٢٣٩

الأمر الثامن : فيما إذا انقلب شكّه بعد الفراغ إلى شكّ آخر ، مثلا كان في الصلاة شاكّا بين الاثنتين والثلاث ، وبعد البناء على الثلاث وإتمام الصلاة بإتيان ركعة أخرى والفراغ عنها ، تبدّل هذا الشكّ بشكّ آخر ـ وهو الشكّ بين الثلاث والأربع قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط ـ فليس عليه شي‌ء ، أي لا يجب عليه صلاة الاحتياط ، أعني ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس بدل الركعة الفائتة على تقدير فوتها.

وذلك من جهة أنّ الشكّ الأوّل زال ، لأنّه انقلب إلى شكّ آخر ، وصرف حدوثه لا يكفي في وجوب عمل الاحتياط. وأمّا الشكّ الثاني وإن كان باقيا ولكنّه لا أثر له ، لأنّه شكّ بعد الفراغ ، وهو لا اعتبار به ويكون من الشكوك التي ألغى الشارع اعتبارها. ولكن وهذا الذي ذكرنا من عدم الأثر بعد الانقلاب فيما إذا لم يكن عدم العمل بالاحتياط وعدم الاعتناء بالشكّ موجبا للعلم بالزيادة أو النقيصة.

وإلاّ فقاعدة الفراغ لا أثر لها مع العلم بالإخلال زيادة أو نقيصة ، لأنّها قاعدة مجعولة للشاكّ ، وأنّ شكّه في إتيان جزء أو ركعة لا اعتبار به.

وأمّا قاعدة « لا تعاد » فلا تشمل الأركان ، لأنّها داخلة في عقد المستثنى ، مثلا لو شكّ بين الاثنتين والأربع في حال الصلاة فبنى على الأربع وأتمّ الصلاة ، ثمَّ بعد الصلاة انقلب شكّه إلى الاثنتين والثلاث فيعلم بالنقيصة ، لأنّه يعلم بعدم الرابعة ، فإنّه في الشكّ الأوّل وإن كان يحتمل وجود الأربعة لأنّها أحد المحتملين ولكنّه زال ، وفي الشكّ الثاني يعلم بعدمها ، فهذا هو العلم بالنقيصة.

وأمّا العلم بالزيادة فكما لو شكّ بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث وأتى بركعة وأتمّ الصلاة وبعد الفراغ انقلب شكّه إلى الأربع والخمس بعد الإكمال ، فيعلم بزيادة ركعة. وفي هذه الصور التي يعلم بالزيادة أو النقيصة يجب أن يعمل على طبق الشكّ الأخير إن كان العلم بالنقيصة ، بمعنى أنّه يعلم بأنّ السلام وقع في الصلاة فليس بمخرج ، فيجب أن يقوم ويأتي بالنقيصة ويأتي بسجدتي السهو للسلام في غير محلّه ،

٢٤٠