القواعد الفقهيّة - ج ٢

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٩٢

فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ هذه الرواية مجملة لا تدلّ على قول المشهور ، ولا على ما حكي عن الفقيه وعن السيّد من البناء على الأقلّ.

ومنها : رواية العلاء قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة؟ قال عليه‌السلام : « يبني على اليقين ، فإذا فرغ تشهد وقام قائما فصلّى ركعة بفاتحة الكتاب » (١) بناء على أنّ المراد من البناء على اليقين هو البناء على الأقلّ ، لأنّه هو المتيقّن.

ولكن أنت خبير بأنّه ينفي هذا الاحتمال قوله عليه‌السلام : « فإذا فرغ تشهّد وقام قائما فصلّى ركعة بفاتحة الكتاب » لأنّ هذا ظاهر في صلاة الاحتياط أوّلا لتعيينه عليه‌السلام فاتحة الكتاب في القراءة ، وثانيا بقرينة قوله عليه‌السلام « فإذا فرغ تشهّد » لظهور هذا التشهّد في التشهّد الثاني ، أي ما هو في الركعة الرابعة ، فأمره عليه‌السلام ـ بعد هذا التشهّد بالقيام وصلاة ركعة بفاتحة الكتاب ـ صريح في صلاة الاحتياط ، لأنّه لا مورد للركعة الموصولة بعد التشهّد الثاني كما هو واضح. وصلاة الاحتياط ركعة واحدة في مفروض المسألة لا يلائم إلاّ على البناء على الأكثر.

هذا ، مضافا إلى أنّ مصطلح الأخبار هو تسمية البناء على الأكثر بالبناء على اليقين ، فهذه الرواية أيضا لا تدلّ على البناء على الأقلّ كما توهّم.

ومنها : صحيحة عبيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا؟ قال عليه‌السلام : « يعيد ». قلت : أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه »؟ فقال عليه‌السلام : « إنّما ذلك في الثلاث والأربع » (٢).

وبعد ما عرفت من الإجماع والروايات على عدم وجوب الإعادة وعدم بطلان‌

__________________

(١) « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣١٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٩ ، ح ٢ ، « قرب الإسناد » ص ٣٠ ، ح ٩٩.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٩٣ ، ح ٧٦٠ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٦١ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٥ ، ح ١٤٢٤ ، باب من شكّ فلا يدري صلّى اثنتين أو ثلاثا ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٠ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٩ ، ح ٣.

٢٠١

الصلاة بالشكّ بين الاثنتين والثلاث إذا كان بعد إكمال السجدتين ، فلا بدّ من حمل هذه الصحيحة على وقوع الشكّ المذكور قبل إكمال السجدتين.

وأمّا الاستدلال للبناء على الأقلّ بموثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام قال : « إذا شككت فابن على اليقين » قال : قلت : هذا أصل؟ قال : « نعم » (١). وبما هو بهذا المضمون من البناء على اليقين في أخبار كثيرة ، فالظاهر أنّه ليس المراد من البناء على اليقين البناء على القدر المتيقّن الذي هو الأقلّ ، بل المراد اليقين بالامتثال الذي هو البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط إتماما لما ظنّه من النقصان.

وقد عبّر في الأخبار عن هذا بالبناء على اليقين ، كما في خبر قرب الإسناد في رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة؟ قال : « يبني على اليقين فإذا فرغ تشهّد وقام وصلّى ركعة بفاتحة الكتاب ».

وأنت خبير بأنّ قوله عليه‌السلام وقام وصلّى ركعة بفاتحة الكتاب » المراد به صلاة الاحتياط ، وعدم ذكر التسليم بعد قوله عليه‌السلام « فإذا فرغ وتشهّد » للنكتة التي نبّهنا عليها وهي الإيهام للتقيّة وصلاة الاحتياط معناها البناء على الأكثر ، فعبّر عن البناء على الأكثر بالبناء على اليقين ، أي اليقين بالامتثال.

والحاصل : أنّ هذه الطائفة من الروايات إن لم تكن دليلا على البناء على الأكثر فليست دليلا على البناء على الأقلّ.

وأمّا سائر الروايات التي ظاهرها البناء على الأقلّ ـ على تقدير وجودها وعدم الإشكال في دلالتها ـ لا بدّ من طرحها ، أو تأويلها بضرب من التأويل ، لإعراض الأصحاب عنها ، بل انعقاد الإجماع على خلافها ، إذ لم ينقل الخلاف إلاّ عن السيّد والصدوق ـ قدس‌سرهما ـ في الناصريّات (٢) وفي الفقيه (٣) ، على إشكال في الأوّل ، إذ‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٥١ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ١٠٢٥ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٨١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٨ ، ح ٢.

(٢) « الناصريات » ضمن الجوامع الفقهية ، ص ٢٣٧.

(٣) حكى عنهما في « مدارك الأحكام » ج ٤ ، ص ٢٥٦.

٢٠٢

المنقول عن انتصاره موافقته للمشهور (١). وأمّا الصدوق فالمنقول عنه تجويز البناء على الأقلّ لا تعيينه ، مع أنّ المنقول عن مقنعة بطلان الصلاة ووجوب إعادتها (٢).

ثمَّ إنّه استدلّ للقول المشهور أيضا بصحيحة محمّد بن مسلم قال : « إنّما السهو بين الثلاث والأربع ، وفي الاثنتين بتلك المنزلة ومن سها فلم يدر ثلاثا صلّى أو أربعا واعتدل شكّه قال : يقوم فيتمّ ثمَّ يجلس ويتشهّد ويسلّم ويصلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس ، وإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد وسلّم ثمَّ قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ، ثمَّ قرأ وسجد سجدتين ، ثمَّ تشهّد وسلّم. وإن كان أكثر وهمه اثنتين نهض فصلّى ركعتين وتشهّد وسلّم » (٣).

ودلالتها على المطلوب ـ أي البناء على الأكثر ـ متوقّف على أن يكون المراد بقوله « فلم يدر ثلاثا صلّى أو أربعا » هي الركعة التي على وشك الشروع فيها ولم يشرع بعد بأن يكون جالسا ويشكّ في أنّ الركعة التي يجب أن يقوم بإتيانها هل هي الثالثة أو الرابعة؟ فيقول عليه‌السلام في مقام الجواب عن هذا السؤال « يقوم ويتمّ » أي يبني على أنّ هذه الركعة التي يريد أن يأتي بها هي الرابعة ، فيأتي بها بهذا العنوان ويجلس ويتشهّد ويسلّم ، فهذا معنى قوله « يقوم فيتمّ » وبيان له.

ثمَّ يقول عليه‌السلام في علاج تدارك ما احتمل نقصه بعد البناء على الأكثر الذي هو الأربع في المقام « ويصلّي ركعتين » إلى آخر ما قال عليه‌السلام ، فيعالج الشكّ بركعتين من جلوس بدل ركعة من قيام ، كما هو المذكور في سائر أخبار صلاة الاحتياط.

ولكنّ الإنصاف أنّ هذا خلاف ظاهر جملة « فلم يدر ثلاثا صلّى أو أربعا » جدّا ، بل ظاهرها أنّ ما أتى به لم يدر أنّه ثلاث أو أربع؟ فقوله عليه‌السلام « يقوم فيتمّ » ظاهره‌

__________________

(١) « الانتصار » ص ١٥٦.

(٢) « المقنع » ص ١٠١.

(٣) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٢ ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح ٥ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٠ ، ح ٤.

٢٠٣

البناء على الأقلّ ، أي يبنى على أنّ ما أتى به ثلاث فيقوم فيتمّ ، أي يأتي بالرابعة وهذا ظاهرها جدّا.

لكنّ هذا الظاهر لا يلائم مع قوله عليه‌السلام فيما بعد هذه الجملة « ويصلّى ركعتين » لأنّه بناء على أنّ ما أتى به ثلاث ، فقام وأتى بالرابعة فلا يبقى مجال لصلاة الاحتياط ، لعدم احتمال النقيصة بناء على هذا كي يحتاط.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ وجوب ركعتين من جلوس في المفروض حكم تعبّدي وليس من باب تدارك ما نقص ، وهو بعيد إلى الغاية.

وعلى كلّ حال إثبات البناء على الأكثر أو الأقلّ بهذه الرواية مشكل جدّا ، لإجمالها.

ولكنّ هذا الحكم ـ أي البناء على الأكثر في الشكّ بين الاثنتين والثلاث ـ إجماعي ، ومدلول الروايات العامّة التي مفادها البناء على الأكثر في أي شكّ في أعداد الركعات في الفريضة الرباعيّة إذا لم يكن البناء على الأكثر موجبا لفسادها ولبطلان الصلاة ، وليس في البين ما يخصّصها.

وقد عرفت حال سائر الأقوال من البناء على الأقلّ ، والقول بالتخيير ، والقول بالبطلان ولزوم الإعادة.

هذا ، مضافا إلى الأدلة الخاصّة ، أي الروايات الواردة في خصوص الشكّ بين الاثنتين والثلاث التي مفادها البناء على الأكثر ، كحسنة زرارة التي تقدّمت (١) ، ورواية قرب الإسناد في رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة؟ قال : « يبني على اليقين » بناء على ما تقدّم من أنّ المراد بالبناء على اليقين هو اليقين بالامتثال أي : البناء على الأكثر ، وتدارك ما احتمل نقصه بصلاة الاحتياط.

الأمر الثاني : هو بيان مدرك التخيير في صلاة الاحتياط في هذه الصورة بين إتيانها‌

__________________

(١) سبق ذكره في ص ١٩٩ ، رقم (١).

٢٠٤

ركعتين من جلوس أو ركعة من قيام ، فنقول :

ذكروا لذلك وجوها :

الأوّل : قوله عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم : « ويصلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » ظاهر في أنّ تدارك ركعة محتمل الفوت بركعتين من جلوس. وفي رواية قرب الإسناد بركعة من قيام.

ومقتضى الجمع الدلالي العرفي ـ الذي يرفع التعارض بينهما ـ هو الحمل على التخيير ، وهذا ليس من التخيير الذي هو مفاد أدلّة التخيير في باب تعارض الخبرين حتّى يتكلّم فيه أنّه تخيير في المسألة الأصوليّة أو الفرعية ، بل العرف يجمع بينهما بالتخيير فيرتفع التعارض من البين.

وفيه : أنّه لو كانت هاتان الروايتان واردتين في مورد الشكّ بين الاثنتين والثلاث لكان لهذا الكلام وجه وجيه ، ولكن موردهما مختلف ، لأنّ مورد الصحيحة هو الشكّ بين الثلاث والأربع ، ومورد رواية قرب الإسناد هو الشكّ بين الاثنتين والثلاث ، فيحتاج إلى تنقيح المناط.

وهذا وجه آخر سنتكلّم فيه إن شاء الله.

الثاني : أنّ هذا الشكّ بعد البناء على الثلاث والقيام للركعة الرابعة مستلزم لشكّ آخر وهو أنّ هذه الركعة التي قام إليها ـ أعني الرابعة البنائية ـ يشكّ وجدانا أنّها ثالثة أو رابعة ، فكلّ شكّ بين الاثنتين والثلاث ينتهي بالأخرة إلى الشكّ بين الثلاث والأربعة ، وحكم صلاة الاحتياط فيه ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ هو التخيير المذكور لمرسل جميل الآتي إن شاء الله ، فمدرك التخيير في صلاة الاحتياط في الشكّ بين الاثنتين والثلاث هو نفس مدرك التخيير في الشكّ بين الثلاث والأربع.

وفيه : أنّ ظاهر أدلّة البناء على الأكثر هو باعتبار أوّل شكّ يحصل له ، لا باعتبار الشكوك اللازمة لهذا الشكّ ، غاية الأمر بشرط استقراره وعدم انقلابه الى شكّ آخر.

٢٠٥

وأمّا مسألة تتالي الشكوك الذي قاس شيخنا الأستاذ قدس سرّه المقام به (١) فليس من قبيل ما نحن فيه ، لأنّها من قبيل تبدّل الشكّ الأوّل وانقلابه إلى شكّ آخر بعد زوال الشكّ الأوّل ، وما نحن فيه الشك الأوّل موجود ، وهذا الشكّ الثاني من لوازم الشكّ الأوّل.

والإنصاف أنّ هذه المقايسة من شيخنا الأستاذ قدس سرّه غريب.

الثالث : تنقيح المناط ، بمعنى العلم بأنّ المقصود من صلاة الاحتياط هو تدارك ما فات على تقدير فوته بعد البناء على الأكثر ، لكونه في الواقع هو الأقلّ.

وقد جوّز الشارع وخيّر المكلّف بين تدارك كلّ ركعة بركعة من قيام مثل ما فات ، وبين تدارك كلّ ركعة بركعتين من جلوس.

فإذا صرّح الشارع في مورد بمثل هذا التخيير ـ كما أنّه صرّح في الشكّ بين الثلاث والأربع في مرسل جميل ـ نعلم بعدم خصوصيّة لذلك المورد ، بل طريق تدارك ما فات أحد الأمرين.

ومرسل جميل عن الصادق عليه‌السلام هو هذا : قال فيمن لا يدري أثلاثا صلّى أم أربعا ووهمه في ذلك سواء؟ قال عليه‌السلام : « إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار ، إن شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » (٢).

فبناء على هذا لا فرق في التخيير في صلاة الاحتياط بين ركعتين من جلوس وبين ركعة من قيام ، بين أن يكون الشكّ بين الثلاث والأربع وبين أن يكون بين الاثنتين والثلاث ، لوحدة المناط والملاك.

ولكن أنت خبير بأنّ تنقيح المناط لا يفيد إلاّ في مورد القطع بالمناط والملاك ، وإلاّ لا يخرج عن كونه قياسا باطلا.

__________________

(١) « كتاب الصلاة » ج ٣ ، ص ٩٢.

(٢) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٣ ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح ٩ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٨٤ ، ح ٧٣٤ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٣٥ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٠ ، أبواب الخلل في الصلاة ، باب ١٠ ، ح ٢.

٢٠٦

الرابع : الإجماع ، وهو العمدة ، واعتمد عليه في هذا الحكم جميع كثير.

ولكن أنت خبير بأنّ الإجماع الاصطلاحي الذي قلنا بحجّيته في الأصول هو فيما إذا لم يكن للمتّفقين مستند معلوم ، وأمّا في أمثال المقام ممّا ذكروا له مستندات فليس من قبيل ذلك الإجماع الذي قلنا ، بل لا بدّ من الرجوع إلى نفس المدارك ، وقد عرفت الحال فيها فلا ينبغي ترك الاحتياط في المقام بأن يأتي بركعة من القيام والأحوط منه أن يجمع بينهما وأحوط من ذلك إعادة الصلاة أيضا مضافا إلى ذلك الاحتياط.

والوجه في هذه الاحتياطات الثلاث واضح بعد الإحاطة على ما ذكرنا.

الصورة الثانية : من الصور الأربعة التي للشكّ البسيط والمركّب في نفس الأربعة ، بمعنى عدم خروج طرف الأكثر عن الأربعة ، أي لا يكون زائدا عليها ، وهي عبارة عن الشكّ بين الثلاث والأربع في أي حال من الحالات ، كان في حال القيام أو الركوع أو السجود يبني على الأكثر ـ أي الأربع ـ ويتمّ ويسلّم بعد أن تشهّد ، ثمَّ يأتي بصلاة الاحتياط مخيّرا بين ركعتين من جلوس وبين ركعة من قيام.

أمّا البناء على الأكثر : فأوّلا لما مرّ من الأدلّة العامّة ، كموثّقات الثلاث العمّار (١) الدالّة على البناء على الأكثر في كلّ فريضة رباعيّة بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية فيما إذا لم يكن البناء على الأكثر موجبا للفساد والبطلان ، كما أنّه فيما نحن كذلك ، أي ليس موجبا للفساد والبطلان.

وثانيا للأخبار الخاصّة في نفس المورد ، أي في الشكّ بين الثلاث والأربع :

فمنها : صحيحة عبد الرحمن بن سيابة وأبي العباس البقباق ، جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وان وقع رأيك على الأربع فابن على الأربع ، فسلّم وانصرف ، وإن اعتدل‌

__________________

(١) سبق ذكرها في ص ١٨٣ و ١٨٤.

٢٠٧

ووهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس » الحديث (١).

ومنها : مرسلة جميل عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : فيمن لا يدري أثلاثا صلّى أم أربعا ووهمه في ذلك سواء؟ قال : فقال عليه‌السلام : « إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار ، إنّ شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » الحديث (٢).

ومنها : صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام في حديث قال : « إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شي‌ء عليه ولا ينقض اليقين بالشكّ ، ولا يدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ويتمّ على اليقين فيبني عليه ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات » (٣).

ومنها : مصحّح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال عليه‌السلام : « وإنّ كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلّم ثمَّ صلّ ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأمّ الكتاب ، فإن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصلّ الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو ، وإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهّد وسلّم ثمَّ اسجد سجدتي السهو » (٤).

ومنها : حسن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن استوى وهمه في الثلاث والأربع سلّم وصلّى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب وهو جالس يقصر‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٣ ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح ٧ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٨٤ ، ح ٧٣٣ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٣٤ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣١٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٧ ، ح ١.

(٢) سبق تخريجه في ص ٢٠٦ ، رقم (٢).

(٣) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥١ ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح ٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٨٦ ، ح ٧٤٠ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٤١ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٣ ، ح ١٤١٦ ، باب من شكّ في اثنتين وأربعة ، ح ٣ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٠ ، ح ٣.

(٤) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٣ ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح ٨ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٠ ، ح ٥.

٢٠٨

في التشهّد » (١).

ومنها : موثق أبي بصير فيمن لا يدري في الثالثة هو أم في الرابعة ، قال عليه‌السلام : « فما ذهب وهمه إليه إن رأى أنّه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شي‌ء ، سلّم بينه وبين نفسه ، ثمَّ يصلّي ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب » (٢).

وروايات أخر ذكرها في الوسائل في باب الذي عقده لهذه المسألة (٣) ، وإن شئت فراجع.

فهذه الأخبار مضافا إلى الأخبار العامّة دلالتها على البناء على الأكثر في هذه الصورة من الشكّ ـ أي الشكّ بين الثلاث والأربع وإتمام ما نقص بصلاة الاحتياط ـ واضحة لا يحتاج إلى شرح وإيضاح.

نعم في صحيحة زرارة ربما يقال بأنّها تدل على البناء على الأقل ، لأنّ قوله عليه‌السلام « قام فأضاف إليها أخرى ولا شي‌ء عليه » ظاهرها هي الركعة الموصولة فيكون عبارة عن أنّه ابن على الثلاث الذي هو الأقلّ في المقام وقم وائت بالرابعة ولا شي‌ء عليك.

ويؤيّد هذا المعنى أيضا تطبيقه عليه‌السلام هذا الحكم على الاستصحاب بقوله « ولا ينقض اليقين بالشكّ » أي اليقين بعدم الرابعة بالشكّ في وجوده ، بل يجب عليه أن يبني على العدم ويقوم ويأتي بالرابعة ، وهذا هو البناء على الأقلّ.

ولكنّ أنت خبير بأنّ ظاهر هذه الجملة وإن كان كما توهّمه المتوهّم ولكن ظاهر‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥١ ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح ٢ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٨٥ ، ح ٧٣٦ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٣٧ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٠ ، ح ٦.

(٢) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥١ ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح ١ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٨٥ ، ح ٧٣٥ ، باب احكام السهو في الصلاة ... ، ح ٣٦ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٠ ، ح ٧.

(٣) « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٠ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٠.

٢٠٩

الجملات الأخر الستّ ما عدا قوله عليه‌السلام « ولا ينقض اليقين بالشكّ » أنّ المراد باليقين هو اليقين بالامتثال وهو أن يبني على الأكثر ثمَّ يأتي بصلاة الاحتياط لتدارك ما فات على تقدير فوته منفصلا ، وإلاّ لو كان المراد هي الركعة الموصولة والتطبيق على الاستصحاب لما كان لهذه التأكيدات وجه ، فمن هذه التأكيدات يستكشف أنّه عليه‌السلام بصدد بيان البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط للتدارك منفصلا ، ولكن بصورة البناء على الأقلّ كي لا يكون مخالفا للتقيّة ولرأي الجمهور.

والشاهد الآخر : أنّه عليه‌السلام في صدر هذه الصحيحة يقول في جواز قول السائل : قلت له : من لم يدر أنّه في أربع هو أو ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال : « يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب » (١).

ولا شكّ في أنّ جوابه عليه‌السلام بقوله « يركع ركعتين » إلى آخره ظاهر بل صريح في البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط منفصلا ، وبعيد إلى الغاية أنّه عليه‌السلام يحكم في الصدر بالبناء على الأكثر وفي الذيل بالبناء على الأقلّ ، وإن كان هو في الشكّ بين الاثنتين والأربع وهذا في الشكّ بين الثلاث والأربع.

ثمَّ إنّ في هذه الصحيحة ناقشوا بعض المناقشات ليس مربوطا بمسألتنا ، وقد فصّلنا الكلام فيها في كتابنا « منتهى الأصول » (٢).

وخلاصة الكلام : أنّ حمل الصحيحة على الركعة الموصولة بعيد وخلاف ظاهر الفقرات الستّ ، وأمّا ما رجّحنا في كتابنا « منتهى الأصول » (٣) من دلالة هذه الصحيحة على حجّية الاستصحاب فلا ينافي البناء على الأكثر ، لما ذكرنا هناك.

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥١ ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح ٣ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٣ ، ح ١٤١٦ ، باب من شكّ في اثنتين وأربعة ، ح ٣ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١١ ، ح ٣.

(٢) « منتهى الأصول » ج ٢ ، ص ٤٢٧.

(٣) المصدر.

٢١٠

ثمَّ إنّ في هذه الروايات في بعض فقراتها وجملها وإن كان ما يقتضي شرحها والتكلّم عنها ولكن أصل المطلب وما نحن بصدد إثباته حيث أنّه معلوم ـ وبعبارة أخرى : دلالتها على كلا الأمرين ، أي البناء على الأكثر ووجوب التدارك بصلاة الاحتياط حيث أنّها واضحة ـ فلا يهمّنا بيان سائر ما فيها والإشكالات التي أوردوها عليها والجواب عنها.

نعم بقي أمر : وهو أنّ صلاة الاحتياط هاهنا هل الواجب هو ركعة من قيام ، أو ركعتين من جلوس ، أو التخيير بينهما؟

ظاهر العمّاني (١) والجعفي (٢) على المحكي عنهما تعيين ركعتين من جلوس (٣) ، كما أنّ المحكي عن بعض القدماء هو تعيين ركعة من قيام ، ولكن فتوى المشهور هو التخيير ، وهو الصحيح.

أمّا أولا : فلمرسلة جميل التي تقدّمت حيث يقول عليه‌السلام فيها : « إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » (٤).

وضعفها منجبر بعمل الأصحاب.

وأمّا ثانيا : فمن جهة أنّ ظاهر موثّقات عمّار هو أن يكون الاحتياط بركعة من قيام ،

__________________

(١) هو الحسن بن على بن ابى عقيل أبو محمد العماني الحذاء ، من فقهاء الشيعة في ابتداء الغيبة وهو من مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه. تطلب ترجمته من : رجال النجاشي : ص ٣٥. تنقيح المقال : ج ١ ، ص ٢٩١. معجم رجال الحديث : ج ٥ ، ص ٢٢.

(٢) هو محمد بن احمد بن إبراهيم أبو الفضل الجعفي الكوفي ثمَّ المصري كان من أفاضل قدماء أصحابنا الإمامية ممن أدرك الغيبتين له كتب كثيرة في الفقه وغيره منها كتاب الفاخر وكتاب تفاسير معاني القرآن وكتاب التوحيد والايمان الى غير ذلك يروى عنه الشيخ والنجاشي بواسطتين وابن قولويه بلا واسطة. « الكنى والألقاب » ج ٢ ، ص ٣٦٣. تطلب ترجمته من : رجال النجاشي : ص ٢٦٤ ، تنقيح المقال : ج ٢ ، ص ٦٥ ، معجم رجال الحديث : ج ١٤ ، ص ٣١١.

(٣) حكى عنهما الشهيد في « ذكري الشيعة » ص ٢٢٧ ، مضافا : حكى عن العمّاني في « مختلف الشيعة » ج ٢ ص ٣٨٤.

(٤) تقدم تخريجه في ص ٢٠٦ ، رقم (٢).

٢١١

لأنّ ذلك مقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام : « وأتمّ ما ظننت أنّك نقصت » (١) ، وخصوصا قوله عليه‌السلام في موثّقة الأخرى للعمّار : « إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت » (٢). فأمره عليه‌السلام بالقيام وصلاة الاحتياط بعد الفراغ والتسليم للصلاة الأصليّة له ظهور تامّ في أنّ صلاة الاحتياط لا بدّ وأن تكون عن قيام.

وظاهر هذه الروايات الخاصّة بل صريح جميعها هو كونها ركعتين من جلوس ، ومقتضى الجمع الدلالي العرفي بين الطائفتين هو التخيير. مضافا إلى ادّعاء الإجماع من بعض في المسألة والشهرة المحقّقة ، لأنّه لا مخالف من القدماء إلاّ العمّاني والجعفي.

نعم الأحوط هو الأخذ في مقام العمل بركعتين من جلوس خروجا عن خلاف العمّاني والجعفي ، ولأنّ الروايات الواردة في نفس المسألة أغلبها ـ إن لم يكن جميعها ـ مفادها تعيين ركعتين من جلوس.

ولو احتاط بالجمع فالأحوط تقديم ركعتين من جلوس ، لأنّه بناء على تعيّن ركعتين من جلوس الذي احتماله ليس بعيدا فإن قدّم الركعة من قيام يكون فاصلا بين الصلاة الأصليّة وبين صلاة الاحتياط ، وهذا لا يجوز.

وأمّا القائلون بالتخيير بين البناء على الأقلّ والأكثر ، كالصدوق (٣) من القدماء وبعض المتأخّرين ، فاستدلّوا بأخبار الاستصحاب وقالوا بأنّ مقتضاها هو البناء على الأقلّ ، ومقتضى موثّقات عمّار وهذه الأخبار الخاصّة هو البناء على الأكثر ، فمقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين هو التخيير.

ولكن أنت خبير بأنّ هذه الأخبار بل وموثّقات عمّار أخصّ من أخبار الاستصحاب فتخصّص بها أخبار الاستصحاب ، ولا موجب لرفع اليد عن ظهور‌

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٨٣ و ١٨٤.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٨٤ ، رقم (١).

(٣) حكى عنه في « مختلف الشيعة » ج ٢ ، ص ٣٨٤.

٢١٢

كليهما بالجمع بالتخيير.

وأمّا استدلالهم بصحيحة زرارة فقد عرفت الحال فيها وأنّها لا تدلّ على البناء على الأقلّ كما توهّموا ، وعلى تقدير دلالتها يكون من باب التقيّة فلا حجّية لها.

الصورة الثالثة : من الصور الأربع ، هو الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد إكمال السجدتين. فأيضا المشهور هو البناء على الأكثر ـ أي الأربع ـ والاحتياط بركعتين منفصلتين عن الصلاة الأصليّة قائما.

ويدلّ على قول المشهور :

أوّلا : موثّقات عمار الثلاث المتقدّمة (١).

وثانيا : الأخبار الخاصّة في نفس المسألة :

منها : صحيح محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : « عن رجل صلّى ركعتين فلا يدري ركعتان هي أو أربع؟ قال عليه‌السلام : « يسلّم ثمَّ يقوم فيصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب فيشهد وينصرف وليس عليه شي‌ء » (٢).

ومنها : صحيح الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ، قال عليه‌السلام : « إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلّم ، ثمَّ صلّ ركعتين وأربع سجدات ، تقرأ فيهما بأمّ القرآن ثمَّ تشهّد وسلّم ، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ، وإن كنت صلّيت الأربع كانتا هاتان نافلة » (٣).

ومنها : صحيح زرارة الذي تقدّم ذكره ، حيث إنّ في صدره : من لم يدر في أربع هو أو ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال عليه‌السلام : « يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة‌

__________________

(١) تقدّم في ص ١٨٣ و ١٨٤.

(٢) « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٢ ، ح ١٣١٤ ، باب من شكّ في اثنتين وأربعة ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١١ ، ح ٦.

(٣) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٣ ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح ٨ ، « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٤٩ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ١٠١٥ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١١ ، ح ١.

٢١٣

الكتاب ويتشهّد ولا شي‌ء عليه » (١).

ومنها : خبر ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لا يدري ركعتين صلى أم أربعا؟ قال عليه‌السلام : « يتشهّد ويسلّم ، ثمَّ يقوم فيصلّي ركعتين وأربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ، ثمَّ يتشهّد ويسلّم ، فإن كان صلّى أربعا كانت هاتان نافلة ، وإن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع ، وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو » (٢).

فهذه الأخبار الخاصّة بالشكّ بين الاثنتين والأربع ، مضافا إلى الأخبار العامّة تدلّ دلالة واضحة في هذه الصورة على البناء على الأكثر ، أي الأربع. وكذا تدل على أنّ صلاة الاحتياط فيها ركعتين من قيام ، وهذه الأخبار كلّها متفق في هذا الحكم ، ولذلك لا خلاف بين القائلين بالبناء على الأكثر في هذه الصورة في هذا الحكم ، أي في أنّ صلاة الاحتياط هاهنا ركعتان من قيام.

نعم ذهب بعض إلى البناء على الأقلّ ومستندهم في ذلك أخبار ربما يشعر بذلك ، ولكن لا بدّ من حملها على التقيّة أو طرحها ، من جهة مخالفتها لهذه الأخبار الصحيحة الخاصّة والعامّة ، وإعراض المشهور عنها ، بل ربما ادّعى الإجماع على خلافها ، مضافا إلى موافقتها للعامّة ، ولذلك أخبار البناء على الأقلّ يجب أن تطرح أو يؤول.

وأمّا صحيح محمّد بن مسلم ـ قال : سألته عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أم أربعا؟ قال عليه‌السلام : « يعيد الصلاة » (٣) ـ فلم يفت أحد بمضمونه إلاّ ما حكي عن الصدوق قدس سرّه في المقنع (٤) على كلام فيه ، لأنّه حكى عنه أيضا أنّه قال : وروى أنّه يسلّم‌

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢١٠ ، رقم (١).

(٢) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٢ ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح ٤ ، « تهذيب الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٨٦ ، ح ٧٣٩ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٤٠ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٢ ، ح ١٣١٥ ، باب من شكّ في اثنتين وأربعة ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١١ ، ح ٢.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٨٦ ، ح ٧٤١ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٢ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٣ ، ح ١٤١٧ ، باب من شكّ في اثنتين وأربعة ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١١ ، ح ٧.

(٤) « المقنع » ص ١٠٢.

٢١٤

فيقوم فيصلّي ركعتين (١). فلعلّه يقول بالتخيير بين البناء على الأكثر والإعادة ، بل يمكن استظهاره من هذا الكلام بناء على ما يقال : إنّ نقله لرواية علامة للعمل بها.

وللقول بالتخيير بين البناء على الأكثر والإعادة وجه ، وهو أنّ البناء على الأكثر على وجه الترخيص للعلاج وتصحيح العمل تخفيفا على المكلّف. وحكي ذلك عن الشهيد في الذكرى وعن العلاّمة أيضا (٢) ، فإذا كان الأمر كذلك فالإعادة مجزية بطريق أولى.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ حرمة قطع العمل وإبطاله مانع عن جواز الإعادة ، لا البناء على الأكثر.

ولكن يمكن أن يقال : بأنّه بناء على قول المشهور ـ أي البناء على الأكثر ـ أيضا يجب أن يسلم ويخرج من الصلاة.

فهذه الرواية التي مفادها الإعادة متّفقة مع روايات البناء على الأكثر في الخروج عن الصلاة ، غاية الأمر أنّ مفاد روايات البناء على الأكثر هو العلاج بإتمام ما نقص بصلاة الاحتياط تخفيفا على المكلّف ، وهذه الرواية مفادها تفريغ الذمة بالإعادة ، فالنتيجة هو التخيير بين الأمرين. وعلى كلّ ، هذه الرواية بمعنى وجوب الإعادة تعيينا معرض عنها للجميع ، فلا بدّ من تأويلها أو طرحها.

الصورة الرابعة : هو الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية ، والصور الثلاث التي تقدّمت كانت من الشكّ البسيط في نفس الرباعيّة ، بمعنى أنّ طرف الأكثر من الشكّ لم يكن زائدا على الأربع ، وهذه الصورة تكون من الشكّ المركّب أيضا في نفس الرباعيّة بالمعنى المذكور.

وقد تقدّم المراد من الشكّ المركّب والبسيط ، ونقول :

__________________

(١) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٤٩ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ١٠١٥ و ١٠٢١ ، و « المقنع » ص ١٠٢.

(٢) « ذكري الشيعة » ص ٢٢٥.

٢١٥

إنّ هذا الشكّ مركّب أي في الحقيقة ليس شكّا واحدا بل مركّب من شكّين فما زاد ، كما أنّ هذا الشكّ مركّب من ثلاثة شكوك ، الأوّل : بين الاثنين والأربع. والثاني : بين الاثنين والثلاث. والثالث : بين الثلاث والأربع.

والحكم في هذه الصورة أيضا البناء على الأكثر ـ أي الأربع ـ وصلاة الاحتياط يقرأ ركعتين من قيام لاحتمال أن يكون الاثنين ، وركعتين من جلوس ، لاحتمال أن يكون ثلاثا. وأمّا احتمال أن يكون أربعا فلا يحتاج إلى تدارك ، لأنه تامّ فيكون ما صلّى احتياطا ، نافلة على هذا التقدير. والاحتمالات منحصرة فيما ذكرنا.

ومستند هذا الحكم ـ مضافا إلى ادّعاء الإجماع عن الانتصار (١) والغنية (٢) ، والروايات العامّة ، أي الموثّقات الثلاث المتقدّمة للعمّار (٣) ـ الروايات الخاصّة الواردة في خصوص هذه الصورة :

منها : صحيح ابن أبي عمير ، عن الصادق عليه‌السلام في رجل صلّى فلم يدر اثنتين صلّى ، أم ثلاثا ، أم أربعا؟ قال عليه‌السلام : « يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ، ثمَّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلم ، فإن كان أربع ركعات كانت الركعتان نافلة وإلاّ تمّت الأربع » (٤).

ومنها : صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن الكاظم عليه‌السلام : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لا يدري اثنتين صلّى ، أم ثلاثا ، أم أربعا؟ فقال : « يصلّي ركعة من قيام ـ على بعض نسخ الفقيه ـ وركعتين ـ على بعض نسخ الآخر ـ ثمَّ يصلّي ركعتين وهو جالس » (٥).

__________________

(١) « الانتصار » ص ١٥٦.

(٢) « الغنية » ضمن الجوامع الفقهية ، ص ٥٠٤.

(٣) تقدّم ذكره في ص ١٨٣ و ١٨٤.

(٤) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٣ ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح ٦ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٨٧ ، ح ٧٤٢ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٤٣ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٣ ، ح ٤.

(٥) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٥٠ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ١٠٢١ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢٥ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٣ ، ح ١.

٢١٦

ودلالة هذه الروايات على أصل الحكم ـ أي البناء على الأكثر ، أي الأربع هاهنا ـ واضحة ، ولا خلاف فيه أيضا إلاّ من ابن الجنيد (١) فإنّه جوّز البناء على الأقلّ ، وليس له دليل على هذا التخيير إلاّ تخيّل أنّه مقتضى الجمع بين الأخبار الدالّة على البناء على الأقلّ والأخبار التي تدلّ على البناء على الأكثر.

وأنت خبير بما في هذا الكلام ، وأنّ أخبار البناء على الأقلّ محمولة على التقيّة ، ومعرض عنها عند المشهور ، بل عرفت ادّعاء الإجماع عن الغنية والانتصار على خلافها في خصوص هذا المورد.

فالإنصاف أنّ أصل الحكم ـ أي : البناء على الأكثر وتدارك ما احتمل فوته بصلاة الاحتياط ـ ممّا لا ينبغي أن يشكّ فيه.

نعم وقع الخلاف في كيفيّة صلاة الاحتياط من حيث الكميّة ، ومن حيث الترتيب بين الركعتين قائما والركعتين جالسا.

أمّا الأوّل أي الاختلاف من حيث الكميّة ، فقد عرفت أنّ المشهور هو ركعتين من قيام وركعتين من جلوس.

ومقابل هذا القول ما عن الصدوق (٢) ووالده (٣) ـ قدس سرّهما ـ وقوّاه الشهيد قدس سرّه أيضا في الذكرى (٤) من حيث الاعتبار ركعة من قيام بدل ركعتين.

ودليلهم على هذا القول أمران :

الأوّل : موافقته للاعتبار ، ومن هذه الجهة قوّاه الشهيد ، وهو أنّه كما أشرنا إليه أنّ الاحتمالات في هذا الشكّ منحصرة في الثلاثة ، لأنّه إمّا صلّى اثنتين أو ثلاثا أو أربعا ، فإن صلّى أربعا فصلاته من حيث عدد الركعات تامّة لا يحتاج إلى التدارك وصلاة‌

__________________

(١) « مختلف الشيعة » ج ٢ ، ص ٣٨٢.

(٢) حكى عنه في « مختلف الشيعة » ج ٢ ، ص ٣٨٤.

(٣) « فقه الرضا » ص ١١٨.

(٤) « ذكري الشيعة » ص ٢٢٦.

٢١٧

الاحتياط أصلا ، وإن كان ما صلّى ثلاثا فيكفي في التدارك ركعة واحدة قائما ولا يحتاج إلى الاثنتين قائما ، بل هو مضرّ كما هو واضح ، وإن كان اثنتين فمع انضمام تلك الركعة الواحدة إلى الركعتين من جلوس يكفي في تدارك الاثنتين الفائتتين ، لأنّ الركعتين من جلوس تحسبان ركعة من قيام ، فلا يحتاج إلى ركعتين من قيام.

ولكن أنت خبير بأنّ هذا الاعتبار لا يقاوم تلك الأدلّة الدالّة على وجوب ركعتين من قيام ، ويكون اجتهادا مقابل النصّ.

الثاني : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج بناء على أن يكون متن الرواية ركعة من قيام ، لا ركعتين ، أي بناء على إحدى نسختي الفقيه.

وفيه أوّلا : أنّ اختلاف النسخة لا يوجب تعدّد الرواية كي يدخل في باب تعارض الخبرين ، فيشمله أخبار التخيير عند فقد المرجّحات أو مطلقا بناء على حمل أخبار الترجيح بالمزايا على الاستحباب أو على وجه آخر ، بل كلّ واحد من محتملي الصدور يسقط عن الحجية للشكّ في موضوع الحجّة.

وثانيا : الظاهر من نفس كلام الفقيه هو أنّ عبارة صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج « ويصلّي ركعتين من قيام لا ركعة من قيام » كما في بعض النسخ ، وذلك من جهة أنّه بعد نقله هذه الصحيحة عن عبد الرحمن بن الحجّاج وفيها على النسخة المخطوطة التي عندي « يصلّي ركعتين من قيام » يروى عن علي بن حمزة رواية ، وعن سهل بن اليسع رواية ثمَّ يقول بلا فصل : وقد روى أنّه يصلّي ركعة من قيام وركعتين وهو جالس.

فلو كان في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج « يصلّي ركعة واحدة من قيام » على نقله ، لم يكن محلّ لأن يقول : وقد روى أنّه يصلى ركعة من قيام. فنقل هذه المرسلة يوجب الاطمئنان بأنّ ما في صحيحة عبد الرحمن هو « ويصلّي ركعتين من قيام ».

فيبقى مرسلة صدوق فقط ، وهو مع إعراض المشهور لا يصحّ أن تكون مستندا لفتواهم ، فالصحيح ما هو عليه المشهور.

٢١٨

وأمّا تقديم ركعتين من قيام على ركعتين من جلوس فهو ظاهر هذه الأخبار ، حيث أنّه عليه‌السلام يقول فيها بعد الأمر بصلاة ركعتين من قيام : « ثمَّ يصلى ركعتين من جلوس » ومعلوم أنّ كلمة « ثمَّ » يفيد الترتيب والبعديّة.

فما حكى من القول بالتخيير عن المرتضى في الانتصار (١) ، أو القول بوجوب تقديم ركعتين من جلوس كما نسب القول به إلى بعض الأصحاب ، لا وجه له.

وأضعف من هذين القولين القول بلزوم تقديم ركعة من ركعتي القيام دون كليهما إن كان له قائل ، وقد نسبه الفقيه الهمداني إلى المفيد (٢) ـ قدس سرّهما.

وذلك لأنّ الوجه الاعتباري المتوهّم ـ وهو أن الفائت لو كانت ركعة واحدة تكون تلك الركعة الواحدة تداركا لها ، ولو كانت اثنتين تكون هي والركعتين من جلوس اللتان تحسبان ركعة واحدة من قيام ، أو مع الركعة الواحدة الأخرى من قيام تداركا للاثنتين الفائتين ـ لا يأتي هاهنا. وفيه ما لا يخفى.

والذي ذكرنا من أقسام الشكوك الأربعة كان من أقسام الشكّ في نفس الأربعة ، بمعنى أنّ طرف الأقلّ والأكثر كانا من نفس الأربعة وبعد إكمال السجدة الثانية من الركعة الثانية ، سواء كان الشكّ بسيطا أو مركّبا على التفسير المتقدّم.

فهذه الشكوك الأربعة التي تقدّم ذكرها قسمان من الأقسام الستّة التي قسّمنا الشكوك إليها ، أي الشكّ البسيط والمركّب في نفس الأربعة.

وأمّا لو كان طرف الأكثر من الشك زائدا على الأربعة ، فالصور كثيرة في قسميه ، أي البسيط والمركب بحسب إمكان الوقوع ، وإن كان وقوعه نادرا.

وقد ذكر الشهيد الثاني في شرح الألفيّة (٣) : أنّ جميع صور الشكّ إمّا ثنائيّة أي‌

__________________

(١) « الانتصار » ص ١٥٦.

(٢) « مصباح الفقيه » كتاب الصلاة ، ص ٥٦٨.

(٣) « مقاصد العلية في شرح الألفية » ص ١٩٣.

٢١٩

للشكّ طرفين فقط ، أو ثلاثية ، أي : له ثلاثة أطراف ، أو رباعية أي له أربع أطراف. وهذه الشكوك إمّا في الأربعة أو بزيادة الخامسة.

فالثنائيّة : ستّ صور. وهي :

الأوّل : الشكّ بين الاثنتين والثلاث.

والثاني : بين الاثنتين والأربع.

والثالث : بين الاثنتين والخمس.

والرابع : بين الثلاث والأربع.

والخامس : بين الثلاث والخمس.

والسادس : بين الأربع والخمس.

والثلاثية : أربع صور :

الأوّل : بين الاثنتين والثلاث والأربع. الثاني : بين الاثنتين والثلاث والخمس.

الثالث : بين الاثنتين والأربع والخمس. الرابع : بين الثلاث والأربع والخمس ، فمجموعهما عشرة.

والرباعيّة واحدة ، وهي بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس.

فهذه كلّها أحد عشر ، وباعتبار حال عروض الشكّ في الركعة ينقسم إلى تسعة أقسام :

الأوّل : بعد الأخذ في القيام. الثاني : بعد استيفائه وقبل الشروع في القراءة.

الثالث : أثناء القراءة.

الرابع : بعدها قبل الركوع. الخامس : بعد الانحناء وقبل رفع الرأس. السادس : بعد رفع الرأس وقبل السجود. السابع : في السجود قبل الفراغ من ذكره الواجب. الثامن‌

٢٢٠