الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢
لابن أبي الحديد بشرحه الموسوم بغرر الدلائل ، قال في أوّل الشرح :
كنت قرأت هذه القصائد على شيخي الإمام العالم ، الفقيه المحقّق ، شمس الدين أبي محمد محفوظ بن وشاح ـ قدس الله روحه ـ وذلك بداره بالحلّة في صفر من سنة ثمانين وستمائة ، ورواها لي عن ناظمها وراقم علمها.
قال الأميني : أحسب أنَّ شارح القصائد هو صفيّ الدين محمد بن الحسن بن أبي الرضا العلوي البغدادي ، صاحب البائيّة في رثاء المترجم ، والله العالم.
جرت بين شيخنا المترجم وبين شيخه المحقّق الحلّي مكاتبات ، منها ما ذكره شيخنا صاحب المعالم في إجازته الكبيرة (١) ، قال نقلاً عن الشهيد الأوّل (٢) :
إنّه كتب إلى الشيخ المحقّق نجم الدين السعيد أبياتاً ، من جملتها :
أغيبُ عنك وأشواقي تجاذبُني |
|
إلى لقائِك جذبَ المغرمِ العاني |
إلى لقاءِ حبيبٍ شبهِ بدرِ دجىً |
|
وقد رماه بإعراضٍ وهجرانِ |
ومنها :
قلبي وشخصُك مقرونان في قرَنٍ |
|
عند انتباهي وعند النوم يغشاني |
حللت منّي محلَّ الروحِ في جسدي |
|
فأنت ذكريَ في سرّي وإعلاني |
لو لا المخافةُ من كرهٍ ومن مللٍ |
|
لطال نحوك تردادي وإتياني |
يا جعفر بن سعيد يا إمام هدىً |
|
يا أوحدَ الدهرِ يا من ما له ثاني |
إنِّي بحبِّكَ مغرىً غيرُ مكترثٍ |
|
بمن يلومُ وفي حبّيك يلحاني |
فأنت سيّد أهلِ الفضلِ كلِّهمُ |
|
لم يختلف أبداً في فضلك اثنانِ |
__________________
(١) توجد في إجازات البحار للعلاّمة المجلسي : ص ١٠٠. (المؤلف)
(٢) شمس الدين محمد بن جمال الدين مكي بن محمد العاملي النبطي الجزيني ، المستشهد سنة (٧٨٦) ، توجد ترجمته وترجمة أولاده وأحفاده في كتابنا شهداء الفضيلة : ص ٨٠ ـ ٩٨. (المؤلف)
ومنها :
في قلبِكَ العلمُ مخزونٌ بأجمعِهِ |
|
تهدي به من ضلالٍ كلَّ حيرانِ |
وفوك فيه لسانٌ حشوُهُ حكمٌ |
|
تروي به بزلال كلَّ ظمآنِ |
وفخرك الراسخُ الراسي وزنتَ به |
|
رضوى فزاد على رضوى وثهلانِ |
وحسنُ أخلاقك اللاّتي فضلتَ بها |
|
كلَّ البريّة من قاصٍ ومن دانِ |
تغني عن المأثرات الباقيات ومن |
|
يحصي جواهر أجبالٍ وكثبانِ |
يا من علا درج العلياء مرتقياً |
|
أنت الكبيرُ العظيمُ القدرِ والشانِ |
فأجابه المحقّق بقوله :
لقد وافتْ قصائدُكَ العوالي |
|
تهزُّ معاطفَ اللفظِ الرشيقِ |
فضضتُ ختامهنَّ فخلتُ أنّي |
|
فضضتُ بهنَّ عن مسكٍ فتيقِ |
وجال الطرفُ منها في رياضٍ |
|
كُسينَ بناضرِ الزهرِ الأنيقِ |
فكم أبصرتُ من لفظٍ بديعٍ |
|
يدلُّ به على المعنى الدقيقِ |
وكم شاهدتُ من علمٍ خفيٍ |
|
يقرِّبُ مطلب الفضلِ السحيقِ |
شربتُ بها كؤوساً من معاني |
|
غنيتُ بشربهنَّ عن الرحيقِ |
ولكنِّي حملت بها حقوقاً |
|
أخاف لثقلهنّ من العقوقِ |
فَسِرْ يا أبا الفضائل بي رويداً |
|
فلست أطيقُ كفرانَ الحقوقِ |
وحمِّل ما أطيق به نهوضاً |
|
فإنّ الرفقَ أنسبُ بالصديقِ |
فقد صيّرْتَني لعُلاكَ رقّا |
|
ببرِّك بل أرقَّ من الرقيقِ |
وكتب بعدها نثراً توجد جملة منه في الإجازات.
لم نقف على تاريخي ولادة شيخنا شمس الدين ووفاته ، غير أنَّا نقطع بحياته إلى سنة (٦٨٠) ، وقد قرّب العلاّمة السماوي وفاته بسنة تسعين بعد الستمائة ، وللباحث
أن يقف على مواقفه العظيمة في الفضائل بالقصائد التي رثاه بها أعلام عصره ، منها رثاء العلاّمة الحجّة الفقيه الصالح صفيّ الدين محمد بن الحسن أبي الرضا العلوي البغدادي ، يقول في قصيدته :
مصابٌ أصابَ القلبَ منه وجيبُ |
|
وصابتْ لجفنِ العينِ فيه غروبُ |
يعزُّ علينا فقدُ مولىً لفقدِهِ |
|
غدت زهرةُ الأيّامِ وهي شحوبُ |
وطاب له في الناس ذكرٌ ومحتدٌ |
|
كما طاب منه مشهدٌ ومغيبُ |
ألا ليتَ شمسَ الدين بالشمسِ يقتدي |
|
فيصبحَ فينا طالعاً ويغيبُ |
فمن ذا يحلُّ المشكلاتِ ومن إذا |
|
رمى غرض المعنى الدقيقِ يصيبُ |
ومن يكشفُ الغمّاءَ عنّا ومن له |
|
نوالٌ إذا ضنَّ الغمام يصوبُ |
فلا قامَ جنحَ الليلِ بعدك خاشعٌ |
|
ولا صام في حرِّ الهجير منيبُ |
ولا سالَ فوق الطرسِ من كفِّ كاتبٍ |
|
يراعٌ عن السمر الطوال ينوبُ |
وبعدك لا سحَّ الغمامُ ولا شدا |
|
الحمام ولا هبّت صباً وجنوبُ |
ومنها : قصيدة الفقيه الحجّة الشيخ مهذّب الدين محمود بن يحيى بن محمد الشيباني الحلّي :
عزَّ العزاءُ ولاتَ حين عزاءِ |
|
من بعد فرقة سيّد الشعراءِ |
العالمِ الحَبرِ الإمامِ المرتضى |
|
علمِ الشريعة قدوةِ العلماءِ |
أكذا المنونُ تهدّ أطوادَ الحجا |
|
ويفيضُ منها بحرُ كلّ عطاءِ |
ما للفتاوى لا يردّ جوابها |
|
ما للدعاوي غطّيت بغطاءِ |
ما ذاك إلاّ حين مات فقيُهنا |
|
شمسُ المعالي أوحدُ الفضلاءِ |
ذهبَ الذي كنّا نصولُ بعزِّهِ |
|
ولسانِه الماضي على الأعداءِ |
من للفتاوى المشكلاتِ يحلّها |
|
ويُبينها بالكشفِ والإمضاءِ |
من للكلامِ يبينُ من أسرارِهِ |
|
معنى جلالةِ خالقِ الأشياءِ |
من ذا لعلمِ النحوِ واللغةِ التي |
|
جاءت غرائبُها عن الفصحاءِ |
ما خلت قبل يحطُّ في قلبِ الثرى |
|
أنَّ البدورَ تغيبُ في الغبراءِ |
أيموتُ محفوظٌ وأبقى بعده |
|
غدرٌ لعمرُكَ موتُه وبقائي |
مولاي شمسَ الدين يا فخر العلى |
|
ما لي أُنادي لا تجيب ندائي |
ومنها : قصيدة العلاّمة المحقّق الشيخ تقيّ الدين بن داود الحلّي ، أحد شعراء الغدير الآتي ذكره في القرن الثامن :
لك اللهُ أيُّ بناءٍ تداعى |
|
وقد كان فوق النجومِ ارتفاعا |
وأيُّ علاءٍ دعاه الخطوبُ |
|
فلبّى ولولا الردى ما أطاعا |
وأيُّ ضياءٍ ثوى في الثرى |
|
وقد كان يخفي النجومَ التماعا |
لقد كان شمسُ الهدى كاسمه |
|
فأرخى الكسوفُ عليه قناعا |
فوا أسفا أين ذاك اللسانُ |
|
إذا رام معنىً أجاب اتِّباعا |
وتلك البحوثُ التي ما تُمَلُ |
|
إذا ملَّ صاحبُ بحثٍ سماعا |
فمن ذا يُجيبُ سؤالَ الوفود |
|
إذا عرضوا أو تعاطوا نزاعا |
ومن لليتامى ولابنِ السبيلِ |
|
إذا قصدوه عراةً جياعا |
ومن للوفاءِ وحفظِ الإخاءِ |
|
ورعيِ العهود إذا الغدر شاعا |
سقى اللهُ مضجعه رحمةً |
|
تروّي ثراه وتأبى انقطاعا (١) |
وولد المترجَم أبو عليّ محمد الشهير بتاج الدين بن وشاح ، كان قاضي الحلّة ، ولصفيّ الدين الحلّي ـ الآتي ذكره في الجزء السادس ـ قصيدة يرثيه بها توجد في ديوانه (ص ٢٥٦) مطلعها :
__________________
(١) راجع أمل الآمل [٢ / ٧٣ رقم ١٩٦] ، بحار الأنوار : ج ٢٥ [١٠٩ / ١٥] ، مستدرك الوسائل [٣ / ٤٤٧] ، تتميم الأمل لابن أبي شبانة ، روضات الجنات [٦ / ١٠٥ ـ ١٠٧ رقم ٥٦٧]. (المؤلف)
لو أفادتنا العزائمُ حالا |
|
لم نجدْ حسنَ العزاءِ محالا |
ويقول فيها :
أسدٌ خلّف شبلَي عرينٍ |
|
شيّدا مجداً له لن يُنالا |
ظلّ زينُ الدينِ للدهرِ زيناً |
|
وجمالُ الدين فيها جمالا |
فأرانا اللهُ أقصى الأماني |
|
فيهما إن جار دهرٌ ومالا |
٤٩ بيتاً
ولصفيّ الدين قصيدة أُخرى ذات (٥٣) بيتاً توجد في ديوانه (ص ٤١٠) ، يعتذر بها إلى القاضي تاج الدين بن وشاح عن قيلٍ فيه وعزوه إليه ، أوّلها :
حذراً عليك من الفعال الجافي |
|
أُدنيك مجتهداً إلى الإنصافِ |
ويقول في آخرها :
شكراً لواشٍ أوجبتْ أقوالُهُ |
|
حجِّي لكعبةِ ربعِكمْ وطوافي |
بُعدٌ جنيت القربَ من أغصانِهِ |
|
وسكينةٌ حصلت من الإرجافِ |
ولربّما عوتِ الكلابُ فأرشدتْ |
|
نحو الكرامِ شواردَ الأضيافِ |
دع عنك ما اختلف الورى في نقلِه |
|
عنّي وخذ مدحاً بغير خلافِ |
مدحاً أتاك ولا يروم إجازةً |
|
إلاّ المودّةَ والضميرَ الصافي |
ولآل محفوظ بقيّة صالحة في سورية والعراق ، وللأستاذ الحسين ابن الشيخ عليّ ابن الشيخ محمد الجواد ابن الشيخ موسى آل محفوظ الكاظمي رسالة في تراجم أعلام أُسرته الكريمة ، وتوجد ذكرى عُمد هذا البيت الرفيع في تكملة أمل الآمل لسيّدنا الصدر الكاظمي (١) وفي وفيات الأعلام (٢) لشيخنا الرازي صاحب الذريعة.
__________________
(١) تكملة أمل الآمل : ص ٣٣١ رقم ٣١٢.
(٢) وفيات الأعلام : ٣ / ٩٧٩ رقم ٦٤١٢.
توجد في أمل الآمل (١) وغيره ترجمة باسم سديد الدين سالم بن محفوظ بن عزيزة بن وشاح السوراني ، قرأ عليه المحقّق الحلّي المتوفّى (٦٦٧) ، ويروي عنه السيّد ابن طاووس المتوفّى (٦٦٤) ، ووالد العلاّمة الحلّي ، وقد ولد العلاّمة (٦٤٨) ، واستظهر صاحب روضات الجنّات (٢) في (ص ٣٠١) أنَّه ولد شاعرنا شمس الدين محفوظ وهذا الاستظهار ليس في محلّه ؛ لأنَّ المترجم نفسه أحد الرواة عن المحقِّق الحلّي ، فكيف يكون سالم الذي قرأ عليه المحقّق الحلّي ابنه؟ ثمّ طبقة الرواة عن سالم هي طبقة مشايخ شمس الدين المترجم ، فيستدعي ذلك أن يكون متقدِّماً على والده بطبقة غير طبقة والده.
ويؤيّد ما ذكرناه أنّ ولد المترجم أبا عليّ محمداً تاج الدين بن محفوظ ـ المترجم في أمل الآمل (٣) ـ يروي عنه السيّد تاج الدين بن معيّة المتوفّى (٧٧٦) ، ورثاه صفي الدين المتوفّى (٧٥٢) ، فلو كان سالم أخاه لوجب أن يكون الرواة عنه من أهل هذه الطبقة لا قبلها بقرن.
__________________
(١) أمل الآمل : ٢ / ١٢٤ رقم ٣٥٢.
(٢) روضات الجنّات : ٦ / ١٠٦ رقم ٥٦٧.
(٣) أمل الآمل : ٢ / ٢٩٧ رقم ٨٩٦.
ـ ٦٤ ـ
بهاء الدين الإربلي
المتوفّى (٦٩٢ ، ٦٩٣)
وإلى أميرِ المؤمنين بعثتُها |
|
مثلَ السفائنِ غُمن في تيّارِ (١) |
تحكي السهامَ إذا قطعن مفازةً |
|
وكأنَّها في دقّة الأوتارِ |
حمّالُ أثقالٍ ومُسعفُ طالبٍ |
|
وملاذُ ملهوفٍ وموئل جارِ |
شرفٌ أقرَّ به الحسودُ وسؤددٌ |
|
شاد العلاءَ ليَعربٍ ونزارِ |
وسماحةٌ كالماءِ طابَ لواردٍ |
|
ظامٍ إليه وسطوةٌ كالنارِ |
ومآثرٌ شهدَ العدوُّ بفضلِها |
|
والحقُّ أبلجُ والسيوف عواري |
سل عنه بدراً إذ جلا هبواتِها |
|
بشباةِ خطيٍّ وحدِّ غرارِ (٢) |
حيث الأسنّةُ كالنجومِ منيرةٌ |
|
تخفى وتبدو في سماءِ غبارِ |
واسأل بخيبرَ إن عرتكَ جهالةٌ |
|
بصحائحِ الأخبارِ والآثارِ |
واسأل جموعَ هوازنٍ عن حيدرٍ |
|
وحذارِ من أسدِ العرين حَذارِ |
واسأل بخمٍّ عن علاه فإنّها |
|
تقضي بمجدٍ واعتلاءِ منارِ |
بولائه يرجو النجاةَ مقصِّرٌ |
|
وتُحَطُّ عنه عظائمُ الأوزارِ |
__________________
(١) غمَّ الشيء : غطّاه. التيّار : موج البحر الهائج. (المؤلف)
(٢) الهبوة : الغبرة جمعها : الهبوات. الشباة : من السيف قدر ما يقطع به ، وحدّ كلّ شيءٍ. الغرار : حدّالسيف. (المؤلف)
ويقول فيها :
عرِّجْ على أرض الغريِّ وقفْ به |
|
والثمْ ثراه وزرهُ خيرَ مزارِ |
واخلع بمشهدِهِ الشريفِ معظّماً |
|
تعظيمَ بيت الله ذي الأستارِ |
وقلِ السلامُ عليك يا خيرَ الورى |
|
وأبا الهداةِ السادةِ الأبرارِ |
يا آلَ طه الأكرمينَ أليّةً |
|
بكمُ وما دهري يمينَ فجارِ |
إنّي منحتكمُ المودّةَ راجياً |
|
نيلَ المنى في الخمسة الأشبارِ |
فعليكمُ منِّي السلامُ فأنتمُ |
|
أقصى رجاي ومنتهى إيثاري (١) |
وله من قصيدة في كتابه كشف الغمّة (٢) (ص ١٩٧) قوله :
وتعرّض إلى ولاءِ أُناسٍ |
|
حبلُ معروفِهمْ قويٌّ مريرُ (٣) |
خيرةُ اللهِ في الأنامِ ومن وج |
|
هُ مُواليهمُ بهيٌّ منيرُ |
أُمناء الله الكرامُ وأربا |
|
بُ المعالي ففضلُهمْ مشهورُ |
المفيدون حين يخفقُ سعيٌ |
|
والمجيرون حين عزَّ المجيرُ |
كرموا مولداً وطابوا أُصولاً |
|
فبطونٌ زكيّةٌ وظهورُ |
عترةُ المصطفى وحسبُكَ فخراً |
|
أيّها السائلي البشيرُ النذيرُ |
بعليٍّ شِيدتْ معالمُ دينِ ال |
|
لّهِ والأرضُ بالعنادِ تمورُ |
وبه أيّدَ الإلهُ رسولَ ال |
|
لّهِ إذ ليس في الأنامِ نصيرُ |
وبأولادِهِ الهداةِ إلى الح |
|
قِّ أضاء المستبهم الديجورُ |
__________________
(١) كشف الغمّة : ص ٧٨ [١ / ٢٧٤] وقال : قصيدة طويلة أنشدتها بحضرته في مشهده المقدّس صلوات الله عليه. (المؤلف)
(٢) كشف الغمّة : ٢ / ٢٨٢.
(٣) المرير من الحبال : ما اشتدّ فتله ، ويقال أمر مرير : أي محكم. ورجل مرير : قويّ ذو غرم. (المؤلف)
سل حُنيناً عنه وبدراً فما يخ |
|
بر عمّا سألتَ إلاّ الخبيرُ |
إذ جلا هبوةَ الخطوبِ وللحر |
|
ب زنادٌ يشبُّ منها سعيرُ |
حسدوهُ على مآثر شتّى |
|
وكفاهمْ حقداً عليه الغديرُ |
أسدٌ ما له إذا استفحل البأ |
|
س سوى رنّةِ السلاحِ زئيرُ |
ثابتُ الجأشِ لا يروِّعُهُ الخط |
|
ب ولا يعتريه فيه فتورُ |
أعرب السيفُ منه إذ أعجم الرم |
|
ح لأنَّ العدا لديه سطورُ |
عزماتٌ أمضى من القدر المح |
|
توم يجري بحكمِهِ المقدورُ |
ومزايا مفاخرٍ عطّرَ الأُف |
|
قَ شذاها يُخال فيها عبيرُ |
الشاعر
بهاء الدين أبو الحسن عليُّ بن فخر الدين عيسى بن أبي الفتح الإربلي ، نزيل بغداد ودفينها ؛ فذّ من أفذاذ الأمّة ، وأوحديّ من نياقد علمائها ، بعلمه الناجع وأدبه الناصع يتبلّج القرن السابع ، وهو في أعاظم العلماء قبله في أئمّة الأدب ، وإن كان به ينضّد جمان الكتابة ، وتنظم عقود القريض ، وبعد ذلك كلّه هو أحد ساسة عصره الزاهي ، ترنّحت به أعطاف الوزارة وأضاء دستها ، كما ابتسم به ثغر الفقه والحديث ، وحميت به ثغور المذهب ، وسفره القيّم كشف الغمّة خير كتاب أُخرج للناس في تاريخ أئمّة الدين ، وسرد فضائلهم ، والدفاع عنهم ، والدعوة إليهم ؛ وهو حجّة قاطعة على علمه الغزير ، وتضلّعه في الحديث ، وثباته في المذهب ، ونبوغه في الأدب ، وتبرّزه في الشعر ، حشره الله مع العترة الطاهرة صلوات الله عليهم.
قال الشيخ جمال الدين أحمد بن منبع الحلّي مقرّظاً الكتاب :
ألا قل لجامع هذا الكتابِ |
|
يميناً لقد نلتَ أقصى المرادِ |
وأظهرت من فضل آل الرسول |
|
بتأليفهِ ما يسوءُ الأعادي |
مشايخ روايته والرواة عنه :
يروي بهاء الدين المترجم عن جمع من أعلام الفريقين ، منهم :
١ ـ سيّدنا رضيُّ الدين جمال الملّة السيد عليّ بن طاووس : المتوفّى (٦٦٤).
٢ ـ سيّدنا جلال الدين عليّ بن عبد الحميد بن فخار الموسوي : أجاز له سنة (٦٧٦).
٣ ـ الشيخ تاج الدين أبو طالب عليّ بن أنجب بن عثمان الشهير بابن الساعي البغدادي السلامي : المتوفّى (٦٧٤) ، يروي عنه كتاب معالم العترة النبويّة العليّة تأليف الحافظ أبي محمد عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي المتوفّى (٦١١) كما في كشف الغمّة (ص ١٣٥) (١).
٤ ـ الحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي : المتوفّى سنة (٦٥٨) ، قرأ عليه كتابيه : كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب ، والبيان في أخبار صاحب الزمان ؛ وذلك بإربل سنة (٦٤٨) ، وله منه إجازة بخطّه (٢) ، وينقل عن كتابه الكفاية كثيراً في كشف الغمّة.
٥ ـ كمال الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن وضّاح ، نزيل بغداد ، الفقيه الحنبلي : المتوفّى (٦٧٢) يروي عنه بالإجازة ، وممّا يروي عنه كتاب الذرّية الطاهرة تأليف أبي بشر محمد بن أحمد الأنصاري الدولابي ، المتوفّى سنة (٣٢٠) ، وكان مخطوطاً بخطِّ شيخه ابن وضّاح المذكور. كشف الغمّة (٣) (ص ١٠٩).
__________________
(١) كشف الغمّة : ٢ / ١٦٧.
(٢) كشف الغمّة : ص ٣١ ، ٣٢٤ [١ / ١٠٥ و ٣٨٣]. (المؤلف)
(٣) كشف الغمّة : ١ / ٣٧٣.
٦ ـ الشيخ رشيد الدين أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن عمر بن أبي القاسم ، قرأ عليه كتاب المستغيثين (١) ـ في كشف الظنون : المستعين بالله ـ تأليف أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال الأنصاري القرطبي المتوفّى (٥٧٨) ، والشيخ رشيد الدين قرأ ـ المستغيثين ـ على محيي الدين أبي محمد يوسف ابن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي وهو يرويه عن مؤلّفه إجازة. قال المترجم في كشف الغمّة (٢) (ص ٢٢٤) : كانت قراءتي عليه في شعبان من سنة ستّ وثمانين وستمائة بداري المطلّة على دجلة ببغداد.
وينقل كثيراً عن عدّة من تآليف معاصريه منها : تفسير الحافظ أبي محمد عبد الرزّاق عزّ الدين الرسعني الحنبلي المتوفّى (٦٦١) ، كانت بينه وبين المترجم صداقة وصلة ؛ راجع الجزء الأوّل من كتابنا هذا (ص ٢٢٠).
ومنها : مطالب السؤول تأليف أبي سالم كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي ، كما أسلفناه في ترجمته (ص ٤١٥) من هذا الجزء.
ومنها : تآليف شيخنا الأوحد قطب الدين الراوندي ، المترجَم فيما مرَّ (ص ٣٨٠)
ويروي عنه جمع من أعلام الفريقين منهم :
١ ـ جمال الدين العلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ، كما في إجازة شيخنا الحرّ العاملي صاحب الوسائل.
٢ ـ الشيخ رضيّ الدين عليّ بن المطهّر ، كما في إجازة السيّد محمد بن القاسم بن معيّة الحسيني للسيّد شمس الدين.
__________________
(١) قال ابن خلكان في تاريخه : ١ / ١٩٠ [٢ / ٢٤٠ رقم ٢١٧]. كتاب المستغيثين بالله تعالى عند المهمّات والحاجات مجلّد لطيف ، فما ذكرناه في المتن عن كشف الظنون تصحيف. (المؤلف)
(٢) كشف الغمّة : ٢ / ٣٧٣.
٣ ـ السيّد شمس الدين محمد بن فضل العلوي الحسني.
٤ ـ ولده الشيخ تاج الدين محمد بن عليّ.
٥ ـ الشيخ تقيّ الدين بن إبراهيم بن محمد بن سالم.
٦ ـ الشيخ محمود بن عليّ بن أبي القاسم.
٧ ـ حفيده الشيخ شرف الدين أحمد بن الصدر تاج الدين محمد بن عليّ.
٨ ـ حفيده الآخر الشيخ عيسى بن محمد بن عليّ ، أخو الشرف المذكور.
٩ ـ الشيخ شرف الدين أحمد بن عثمان النصيبي ، الفقيه المدرِّس المالكي.
١٠ ـ مجد الدين أبو الفضل يحيى بن عليّ بن المظفّر الطيبي الكاتب بواسط العراق ، قرأ على المترجم شطراً من كتابه كشف الغمّة ، وأجاز له ولجمع من الأعلام المذكورين سنة (٦٩١).
وممّن قرأ عليه :
١١ ـ عماد الدين عبد الله بن محمد بن مكّي.
١٢ ـ الصدر الكبير عزّ الدين أبو عليّ الحسن بن أبي الهيجا الإربلي.
١٣ ـ تاج الدين أبو الفتح بن الحسين بن أبي بكر الإربلي.
١٤ ـ المولى أمين الدين عبد الرحمن بن عليّ بن أبي الحسن الجزري الموصلي.
١٥ ـ الشيخ حسن بن إسحاق بن إبراهيم بن عبّاس الموصلي.
له ذكره الجميل في (١) : أمل الآمل ، ورياض العلماء ، ورياض الجنّة ـ في الروضة الرابعة ـ ، وروضات الجنّات ، والأعلام للزركلي ، وتتميم الأمل لابن أبي
__________________
(١) أمل الآمل : ٢ / ١٩٥ رقم ٥٨٨ ، رياض العلماء : ٤ / ١٦٦ ، روضات الجنّات : ٤ / ٣٤١ ، الأعلام : ٤ / ٣١٨ ، الكنى والألقاب : ٢ / ١٨.
شبانة ، والكنى والألقاب ، والطليعة في شعراء الشيعة.
قال ابن الفوطي في الحوادث الجامعة (١) (ص ٣٤١) : وفي سنة (٦٥٧) وصل بهاء الدين عليّ بن الفخر عيسى الإربلي إلى بغداد ، ورتّب كاتب الإنشاء بالديوان ، وأقام بها إلى أن مات.
وقال في (ص ٤٨٠) : إنَّه توفِّي ببغداد سنة (٦٩٣) ، وقال في (ص ٢٧٨) : إنّه تولّى تعمير مسجد معروف سنة (٦٧٨) ، وذكر له (ص ٣٨) من قصيدته التي يرثي بها معلّم الأمّة شيخنا خواجه نصير الدين الطوسي والملك عزّ الدين عبد العزيز :
ولمّا قضى عبد العزيز بن جعفر |
|
وأردفه رزء النصير محمدِ |
جزعتُ لفقدانِ الأخلاّءِ وانبرتْ |
|
شئوني كمرفضِّ الجُمانِ المبدّدِ |
وجاشت إليَّ النفسُ حزناً ولوعةً |
|
فقلت تعزّي واصبري فكأن قدِ |
وقال في صحيفة (٣٦٦) : وفي خامس عشرين جمادى الآخرة ركب علاء الدين صاحب الديوان لصلاة الجمعة ، فلمّا وصل المسجد الذي عند عقد مشرعة الأبريّين ، نهض عليه رجل وضربه بسكّين عدّة ضربات ، فانهزم كلّ من كان بين يديه من السرهنكيّة ، وهرب الرجل أيضاً ، فعرض له رجل حمّال كان قاعداً بباب غلّة ابن تومه وألقى عليه كساءه ، ولحقه السرهنكيّة فضربوه بالدبابيس وقبضوه.
وأمّا الصاحب فإنّه أُدخل دار بهاء الدين ـ المترجم ـ ابن الفخر عيسى ، وكان يومئذٍ يسكن في الدار المعروفة بديوان الشرابي ، لمّا عرف بذلك خرج حافياً وتلقّاه ودخل بين يديه ، وأحضر الطبيب فسبر الجرح ومصّه فوجده سليماً من السمِّ.
وذكر في (ص ٣٦٩) من إنشائه كتاب صداق كتبه في تزويج الخواجة شرف
__________________
(١) الحوادث الجامعة : ص ١٦٤ و ٢٢٧ و ١٩٥ و ٢٥ و ١٧٦ و ١٧٧.
الدين هارون بن شمس الدين الجويني بابنة أبي العبّاس أحمد ابن الخليفة المستعصم في جمادى الآخرة سنة (٦٧٠).
وترجمه الكتبي في فوات الوفيات (١) (٢ / ٨٣) وقال : له شعر وترسُّل ، وكان رئيساً كتب لمتولّي إربل ابن صلايا ، ثمّ خدم ببغداد في ديوان الإنشاء أيّام علاء الدين صاحب الديوان ، ثمّ إنّه فتر سوقه في دولة اليهود ، ثمّ تراجع بعدهم وسلم ولم ينكب إلى أن مات سنة (٦٩٢) ، وكان صاحب تجمّل وحشمة ومكارم أخلاق ، وفيه تشيّع ، وكان أبوه والياً بإربل ، ولبهاء الدين مصنّفات أدبيّة مثل : المقالات (٢) الأربع ، ورسالة الطيف المشهورة وغير ذلك ، وخلّف لمّا مات تركةً عظيمةً ألفي ألف درهم تسلّمها ابنه أبو الفتح ومحقها ومات صعلوكاً ، ومن شعر بهاء الدين رضى الله عنه :
أيا حاجري من غيرِ جرمٍ جنيتُهُ |
|
ومن دأبه ظلمي وهجري فديتهُ |
أجرني رعاكَ اللهُ من نارِ جفوةٍ |
|
وحرّ غرامٍ في العبادِ اصطليتهُ |
وكن مُسعفي فيما أُلاقي من الأسى |
|
فهجرك يا كلّ المنى ما نويتهُ |
أأظما غراماً في هواكَ ولوعةً |
|
ولي دمعُ عينٍ كالسحابِ بكيتهُ |
وحَقِّك يا من تهت فيه صبابةً |
|
ووجداً ومن دونِ الأنامِ اصطفيتُهُ (٣) |
وحَقِّك لا أنسى العهودَ التي مضت |
|
قديماً ولا أسلو زماناً قضيتهُ |
ومن شعره أيضاً :
كيف خلاصي من هوى شادنٍ |
|
حكَّمه الحسنُ على مهجتي |
بعادُه ناري التي تُتّقى |
|
وقربُه لو زارني جنّتي |
__________________
(١) فوات الوفيات : ٣ / ٥٧ رقم ٣٤٧.
(٢) في الطبعة التي بين أيدينا من الوفيات : المقامات.
(٣) أضفنا هذا البيت من طبعة الغدير الأولى.
ما اتّسعت طرق الهوى فيه لي |
|
إلاّ وضاقتْ في الجفا حيلتي |
ليت ليالي وصلِهِ عدنَ لي |
|
يا حسرتا أين الليالي التي |
وقال أيضاً رحمهالله تعالى :
وجهُه والقوامُ والشعَرُ الأس |
|
ودُ في بهجة الجبينِ النضيرِ |
بدر تمٍّ على قضيبٍ عليه |
|
ليل دُجن من فوقِ صبحٍ منيرِ |
وقال أيضاً :
جنّه سابق الغرام فجُنّا |
|
وجفا منزلاً وخلّف مغنى |
ودعاه الهوى فلبّى سريعاً |
|
وكذا شيمةُ المحبِّ المعنّى |
رام صبراً فلم يُطعه غرامٌ |
|
غادرَ القلبَ بالصبابةِ رهنا |
وجفا لذّةَ الكرى في رضا ال |
|
حبِّ فأرضى قلباً وأسخط جفنا |
أسهرت مقلتاه في طاعةِ الوج |
|
د عيوناً على المخضَّب وسنَى |
كلّ ظامي الوشاح ريّان من ما |
|
ءِ التصابي أضنى المحبَّ وعنّى |
ما على الدهرِ لو أعاد زماناً |
|
سلبَتْهُ أيدي الحوادث منّا |
وعلى من أحبَّ لو شفع الحس |
|
ن الذي قيّد العيونَ بحسنى |
وبروحي أفدي رشيقَ قوامٍ |
|
لاح بدراً وماس إذ ماس غصنا |
يتجنّى ظلماً فيحدثُ لي وج |
|
داً إذا صدَّ عاتباً أو تجنّى |
ما ثنانا عنه العذول وهل ين |
|
سى غرامي وقدّه يتثنّى |
كيف أسلو بدراً يشابهه البد |
|
ر سناءً يسبي الحليمَ وأسنى |
ليَ معنىً فيهِ وفي صاحب الدي |
|
وانِ إذ رُمتُ مدحَهُ ألف معنى |
وقال أيضاً رحمهالله تعالى :
طاف بها والليل وَحف الجناح (١) |
|
بدرُ الدجى يحملُ شمسَ الصباحْ |
__________________
(١) الوحف : الشعر الكثير الأسود الحسن ، والواحف من الأجنحة : الكثير الريش. (المؤلف)
وفازَ بالراحةِ عشّاقُه |
|
لمّا بدا في كفِّه كأسُ راحْ |
ظبيٌ من التركِ له قامةٌ |
|
يُزري تثنِّيها بسمر الرماحْ |
عارضُه آسٌ وفي خدِّه |
|
وردٌ نضيرٌ والثنايا أقاحْ |
عاطيتُه صهباءَ مشمولةً |
|
تجلي سنا الصبحِ إذا الصبحُ لاحْ |
فسكّنتْ سورتُه وانثنى |
|
فظلَّ طوعِي بعد طول الجماحْ |
فبتُّ لا أعرفُ طيبَ الكرى |
|
وبات لا ينكرُ طيبَ المزاحْ |
فهل على من بات صبّا به |
|
وإن نضا ثوب وقارٍ جُناحْ |
وقال أيضاً رحمهالله تعالى :
غزالَ النقا لو لا ثناياك واللّمى |
|
لما بتُّ صبّا مستهاماً متيّما |
ولولا معانٍ فيك أوجبن صبوتي |
|
لما كنتُ من بعد الثمانين مغرما |
أيا جنّةَ الحسن الذي غادر الحشا |
|
بفرطِ التجافي والصدود جهنّما |
جريت على رسمٍ من الجور واضحٍ |
|
أما آن يوماً أن ترقَّ وترحما |
أمالِكَ رقّي كيف حلّلتَ جفوتي |
|
وعدت لقتلي بالبعاد متمّما |
وحرّمت من حلو الوصال محلّلاً |
|
وحلّلت من مرِّ الجفاء محرّما |
بحسن التثنِّي رقَّ لي من صبابةٍ |
|
أسلتُ بها دمعي على وجنتي دما |
ورفقاً بمن غادرتَهُ غرضَ الردى |
|
إذا زار عن سخطٍ بلادك مسلما |
كلفت بساجي الطرفِ أحوى مهفهفٍ |
|
يميسُ فينسيكَ القضيبَ المنعّما |
يفوق الظبا والغصنَ حسناً وقامةً |
|
وبدرَ الدجى والبرقَ وجهاً ومبسما |
فناظرُه في قصّتي ليس ناظراً |
|
وحاجبُه في قتلتي قد تحكّما |
ومشرف صدغٍ ظلَّ في الحكمِ جائراً |
|
وعاملُ قدٍّ بان أعدى وأظلما |
وعارضُه لم يرثِ لي من شكايةٍ |
|
فنمّت دموعي حين لاح منمنما |
وترجمه صاحب شذرات الذهب (١) (٥ / ٣٨٣) بعنوان بهاء الدين بن الفخر عيسى الإربلي ، وعدّه من المتوفّين في سنة (٦٨٣) وأحسبه تصحيف (٦٩٣) ، وجعلوه في فهرست الكتاب : عيسى بن الفخر الإربلي ، زعماً منهم بأنّ عيسى في كلام المصنِّف بدل من قوله بهاء الدين ؛ وذكر له في الشذرات قوله :
أيّ عذر وقد تبدّى العذارُ |
|
إن ثناني تجلّدٌ واصطبارُ |
فأقلاّ إن شئتما أو فزيدا |
|
ليس لي عن هوى الملاح قرارُ |
هل مجيرٌ من الغرامِ وهيها |
|
تَ أسير الغرام ليس يجارُ |
يا بديعَ الجمالِ قد كثرتْ في |
|
كَ اللواحي وقلّت الأنصارُ |
وذكره سيّدنا صاحب رياض الجنّة وقال : إنّه كان وزيراً لبعض الملوك ، وكان ذا ثروة وشوكة عظيمة ، فترك الوزارة واشتغل بالتأليف والتصنيف والعبادة والرياضة في آخر أمره ، وقد نظم بسبب تركه المولى عبد الرحمن الجامي في بعض قصائده بقوله ـ ثمّ ذكر خمسة عشر بيتاً باللغة الفارسيّة ضربنا عنها صفحاً ـ والقصيدة على أنّها خالية من اسم المترجم ومن الإيعاز إليه بشيء يعرِّفه ، تعرب عن أنَّ الممدوح بها غادر بيئة وزارته إلى الحرم الأقدس وأقام هناك إلى أن مات.
ومرَّ عن ابن الفوطي أنَّ المترجم كان كاتباً إلى أن مات ، وكون وفاته في بغداد ودفنه بداره المطلّة على دجلة في قرب الجسر الحديث من المتسالم عليه ولم يختلف فيه اثنان ، وكان قبره معروفاً يزار إلى أن ملك تلك الدار ـ في هذه الآونة الأخيرة ـ من قطع سبيل الوصول إليه وإلى زيارته ، والناس مجزيّون بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شرّا فشر.
توجد جملة كبيرة من شعره في العترة الطاهرة ـ صلوات الله عليهم ـ في كتابه
__________________
(١) شذرات الذهب : ٧ / ٦٦٨ حوادث سنة ٦٨٣ ه.
كشف الغمّة ، منها : في (١) (ص ٧٩) من قصيدة مدح بها أمير المؤمنين عليهالسلام وأنشدها في حضرته قوله :
سل عن عليّ مقاماتٍ عُرفن به |
|
شدّت عرى الدين في حلٍّ ومرتحلِ |
بدراً وأُحداً وسل عنه هوازن في |
|
أوطاس واسأل به في وقعة الجملِ |
واسأل به إذ أتى الأحزابُ يقدمهم |
|
عمرو وصفّين سل إن كنتَ لم تسلِ |
مآثرٌ صافحتْ شهبَ النجومِ عُلىً |
|
مشيدة قد سمت قدراً على زحلِ |
وسنّةٌ شرعت سبلَ الهدى وندىً |
|
أقام للطالبِ الجدوى على السبلِ |
كم من يدٍ لك فينا يا أبا حسن |
|
يفوقُ نائلُها صوبَ الحيا الهطلِ |
وكم كشفت عن الإسلامِ فادحةً |
|
أبدتْ لتفرسَ عن أنيابِها العضلِ |
وكم نصرت رسولَ اللهِ منصلتاً |
|
كالسيفِ عُرّي متناه من الخللِ |
ورُبَّ يومٍ كظلِّ الرمحِ ما سكنتْ |
|
نفسُ الشجاعِ به من شدّةِ الوهلِ (٢) |
ومأزقُ الحربِ ضنكٌ لا مجالَ به |
|
ومنهلُ الموتِ لا يغني على النهلِ |
والنقعُ قد ملأ الأرجاءَ عِثْيرُهُ (٣) |
|
فصار كالجبل الموفي على الجبلِ |
جلوته بشبا البيض القواضب وال |
|
جرد السلاهب والعسّالة الذبلِ (٤) |
بذلت نفسَكَ في نصرِ النبيِّ ولم |
|
تبخلْ وما كنت في حال أخا بخلِ |
وقمت منفرداً كالرمحِ منتصباً |
|
لنصرهِ غيرَ هيّاب ولا وكلِ (٥) |
__________________
(١) كشف الغمّة : ١ / ٢٧٥.
(٢) الوهل والوهلة : الفزع والفزعة. (المؤلف)
(٣) النقع : الغبار. عِثْيَر : التراب والعجاج. (المؤلف)
(٤) البيض : السيوف. القواضب جمع قاضب ، يقال : سيف قاضب وقضّاب وقضّابة ومقضب : شديد القطع ، رجل قضّابة : قطّاع للأمور مقتدر عليها. الجرد : الترس. السلاهب جمع السلهب : الطويل. العسالة من الرمح : ما يهتز ليناً. الذبل جمع الذابل : الدقيق ، المهزول. توصف بها الرماح. (المؤلف)
(٥) الوكل : الجبان ، العاجز. (المؤلف)
تردي الجيوشَ بعزمٍ لو صدمتَ به |
|
صمَّ الصفا لهوى من شامخِ القللِ |
يا أشرفَ الناسِ من عُربٍ ومن عجمِ |
|
وأفضلَ الناس في قولٍ وفي عملِ |
يا من به عرفَ الناسُ الهدى وبه |
|
تُرجى السلامةُ عند الحادثِ الجللِ |
يا من أعاد رسومَ العدلِ حاليةً |
|
وطال ما سترتْها وحشةُ العطلِ |
يا فارسَ الخيلِ والأبطال خاضعةٌ |
|
يا من له كلُّ خلقِ اللهِ كالخولِ (١) |
يا سيّد الناسِ يا من لا مثيلَ له |
|
يا من مناقبُهُ تسري سُرى المثلِ |
خذ من مديحي ما أسطيعه كرماً |
|
فإن عجزتُ فإنَّ العجزَ من قبلي |
وسوف أهدي لكم مدحاً أحبِّرُهُ |
|
إن كنت ذا قدرةٍ أو مُدّ في أجلي |
وله يمدح الإمام الصادق عليهالسلام قوله (٢) :
مناقبُ الصادقِ مشهورةٌ |
|
ينقلُها عن صادقٍ صادقُ |
سما إلى نيلِ العلى وادعاً |
|
وكلَّ عن إدراكِهِ اللاحقُ |
جرى إلى المجدِ كآبائِهِ |
|
كما جرى في الحلبة السابقُ |
وفاقَ أهلَ الأرضِ في عصرِه |
|
وهو على حالاتِه فائقُ |
سماؤه بالجودِ هطّالةٌ |
|
وسيبُهُ هامي الحيا دافقُ |
وكلّ ذي فضلٍ بأفضالِهِ |
|
وفضلُه معترفٌ ناطقُ |
له مكانٌ في العلى شامخٌ |
|
وطود مجدٍ صاعدٌ شاهقُ |
من دوحة العزِّ التي فرعُها |
|
سامٍ على أوج السها سامقُ (٣) |
نائلُه صوبُ حياً مُسبلٌ |
|
وبشرُهُ في صوبِهِ بارقُ |
صوابُ رأي إن عدا جاهلٌ |
|
وصوبُ غيثٍ إن عرا طارقُ |
__________________
(١) الخول : العبيد والإماء. (المؤلف)
(٢) كشف الغمّة : ٢ / ٤٢٩.
(٣) فاعل من سمق سمقاً وسموقاً : علا وطال ، فهو سامق وسمق. (المؤلف)
كأنَّما طلعتُهُ ما بدا |
|
لناظريهِ القمرُ الشارقُ |
له من الأفضالِ حادٍ على |
|
البذلِ ومن أخلاقه سائقُ |
يروقُه بذل الندى واللها |
|
وهو لهمْ أجمعِهمْ رائقُ |
خلائقٌ طابت وطالت علىً |
|
أبدعَ في إيجادِها الخالقُ |
شادَ المعالي وسعى للعلى |
|
فهي له وهو لها عاشقُ |
إن أعضلَ الأمرُ فلا يهتدى |
|
إليهِ فهو الفاتقُ الراتقُ |
يشوقُه المجدُ ولا غروَ أن |
|
يشوقَهُ وهو له شائقُ |
مولاي إنّي فيكمُ مخلصٌ |
|
إن شابَ بالحبِّ لكم ماذقُ (١) |
لكمْ موالٍ وإلى بابِكمْ |
|
أنضي (٢) المطايا وبكم واثقُ |
أرجو بكمْ نيلَ الأماني إذا |
|
نجا مطيعٌ وهوى مارقُ |
وله يمدح الإمام الكاظم موسى بن جعفر ـ صلوات الله عليهما ـ قوله (٣) :
مدائحي وقفٌ على الكاظمِ |
|
فما على العاذلِ واللائمِ |
وكيف لا أمدحُ مولىً غدا |
|
في عصرِه خيرَ بني آدمِ |
ومن كموسى أو كآبائِهِ |
|
أو كعليٍّ وإلى القائمِ |
إمام حقٍّ يقتضي عدله |
|
لو سُلّم الحكمُ إلى الحاكمِ |
إفاضةَ العدلِ وبذلَ الندى |
|
والكفَّ عن عاديةِ الظالمِ |
يبسمُ للسائلِ مستبشراً |
|
أفديه من مستبشرٍ باسمِ |
ليثُ وغى في الحربِ دامي الشبا |
|
وغيثُ جود كالحيا الساجمِ |
مآثرٌ تعجزُ عن وصفِها |
|
بلاغةُ الناثرِ والناظمِ |
__________________
(١) ماذق فلاناً في الودّ : لم يخلص له الودّ. (المؤلف)
(٢) أنضى إنضاءً البعير : هزله. (المؤلف)
(٣) كشف الغمّة : ٣ / ٥١.