وكذا ما يحتاج إليه الميت من كافور وسدر وغيره.
الثالثة : إذا سقط من الميت شيء من شعره أو جسمه وجب أن يطرح معه في كفنه.
______________________________________________________
من الزكاة يقتضي جواز تكفينه منها بطريق أولى. وفيه ما فيه (١).
قوله : وكذا ما يحتاج إليه الميت من كافور وسدر وغيره.
أي : يجب من أصل المال مقدما على الديون ، وأنه مع انتفاء ذلك لا يجب على المؤمنين بذله بل يستحب. أما الوجوب من أصل المال فظاهر ، لأن الوجوب متحقق ، ولا محل له سوى التركة إجماعا. وأما انتفاء الوجوب مع فقد التركة واستحباب البذل حينئذ فوجهه معلوم مما سبق (٢).
قوله : الثالثة ، إذا سقط من الميت شيء من شعره أو جسده وجب أن يطرح معه في كفنه.
هذا مذهب العلماء كافة ، نقله في التذكرة (٣) ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الحسن ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « لا يمس من الميت شعر ولا ظفر ، وإن سقط منه شيء فاجعله في كفنه » (٤).
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يقلم؟ قال : « لا يمس منه شيء ، اغسله وادفنه » (٥).
__________________
(١) زيادة من « ح ».
(٢) في ص (١١٩).
(٣) التذكرة ( ١ : ٤٥ ).
(٤) الكافي ( ٣ : ١٥٥ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٢٣ ـ ٩٤٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٩٤ ) أبواب غسل الميت ب (١١) ح (١).
(٥) الكافي ( ٣ : ١٥٦ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٢٣ ـ ٩٤٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٩٤ ) أبواب غسل الميت ب (١١) ح (٣).
الرابع : في مواراته في الأرض
وله مقدّمات مسنونة كلها : أن يمشي المشيّع وراء الجنازة ، أو إلى أحد جانبيها ،
______________________________________________________
قوله : الرابع ، في مواراته في الأرض ، وله مقدّمات مسنونة كلها : أن يمشي المشيّع وراء الجنازة أو إلى أحد جانبيها.
أجمع العلماء كافة على استحباب تشييع الجنازة (١) ، وفيه ثواب جسيم وأجر عظيم ، فروى جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « من شيّع ميتا حتى يصلى عليه كان له قيراط من الأجر ، ومن بلغ معه إلى قبره حتى يدفن كان له قيراطان من الأجر ، والقيراط مثل جبل أحد » (٢).
وروى أيضا عنه عليهالسلام قال : « إذا دخل المؤمن قبره نودي : ألا إنّ أول حبائك الجنة ، ألا وأول حباء من تبعك المغفرة » (٣).
وروى ميسر ، قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : « من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات ، ولم يقل شيئا إلاّ وقال الملك : ولك مثل ذلك » (٤).
وروى داود الرقي ، عن رجل من أصحابه ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « من شيّع جنازة مؤمن حتى يدفن في قبره وكلّ الله عزّ وجلّ به سبعين ملكا من المشيعين
__________________
(١) الجواهر ( ٤ : ٢٦٤ ). الظاهر المنساق من الأخبار : أنّ استحباب التشييع إنما هو فيما إذا كان محل الدفن محتاجا إلى النقل ، أما إذا لم يكن كذلك ، كما لو كان مثلا في محل تجهيزه ، فلا يستحب إخراجه ونقله للتشييع ، ثم إرجاعه إليه.
(٢) الكافي ( ٣ : ١٧٣ ـ ٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٢٣ ) أبواب الدفن ب (٣) ح (٤).
(٣) الكافي ( ٣ : ١٧٢ ـ ١ ) ، الفقيه ( ١ : ٩٩ ـ ٤٦٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٢٠ ) أبواب الدفن ب (٢) ح (٣).
(٤) الكافي ( ٣ : ١٧٣ ـ ٦ ) ، الفقيه ( ١ : ٩٩ ـ ٤٥٦ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٥٥ ـ ١٤٨٣ ) ، أمالي الصدوق : ( ١٨١ ـ ٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٢٠ ) أبواب الدفن ب (٢) ح (١).
______________________________________________________
يشيعونه ويستغفرون له إذا خرج من قبره إلى الموقف » (١) والأخبار الواردة في ذلك (٢) أكثر من أن تحصى.
والمعروف من مذهب الأصحاب أنّ مشي المشيع وراء الجنازة أو أحد جانبيها أفضل من المشي أمامها. ونصّ في المعتبر على أنّ تقدمها ليس بمكروه بل هو مباح (٣) ، وحكى الشهيد ـ رحمهالله ـ في الذكرى عن كثير من الأصحاب أنه يرى كراهة المشي أمامها (٤).
وقال ابن أبي عقيل : يجب التأخر خلف جنازة المعادي لذي القربى (٥) ، لما ورد من استقبال ملائكة العذاب إياه (٦).
وقال ابن الجنيد : يمشي صاحب الجنازة بين يديها ، والباقون وراءها (٧) ، لما روي من أنّ الصادق عليهالسلام : تقدم سرير ابنه إسماعيل بلا حذاء ولا رداء (٨).
واستدل في المعتبر (٩) على أفضلية التبع لها ، أو المشي إلى جانبيها بما رواه إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين
__________________
(١) الكافي ( ٣ : ١٧٣ ـ ٢ ) ، الفقيه ( ١ : ٩٩ ـ ٤٥٨ ) ، أمالي الصدوق : ( ١٨٠ ـ ١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٢٢ ) أبواب الدفن ب (٣) ح (٢).
(٢) الوسائل ( ٢ : ٨٢٠ ) أبواب الدفن ب ( ٢ ، ٣ ).
(٣) المعتبر ( ١ : ٢٩٣ ).
(٤) الذكرى : (٥٢).
(٥) نقله عنه في الذكرى : (٥٢).
(٦) الوسائل ( ٢ : ٨٢٥ ) أبواب الدفن ب (٥).
(٧) نقله عنه في الذكرى : (٥٢).
(٨) الكافي ( ٣ : ٢٠٤ ـ ٥ ) ، الفقيه ( ١ : ١١٢ ـ ٥٢٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٦٣ ـ ١٥١٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٦٥٤ ) أبواب الاحتضار ب (٢٧) ح (٣).
(٩) المعتبر ( ١ : ٢٩٣ ).
______________________________________________________
يديها ، ولا بأس أن يمشي بين يديها » (١).
وما رواه سدير ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « من أحب أن يمشي مشي الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير » (٢).
والدلالة واضحة لكن في السند ضعف ، مع أنّ الشيخ ـ رحمهالله ـ روى في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن المشي مع الجنازة ، فقال : « بين يديها ، وعن يمينها ، وعن شمالها ، وخلفها » (٣) وهذه الرواية أصح ما بلغنا في هذا الباب.
ويستحب للمشيع أن يحضر قلبه التفكر في مآله ، والتخشع والاتعاظ بالموت ، ويكره له الضحك واللهو ، لما روي أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو عليّا عليهالسلام شيّع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال له : « كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب » (٤) الحديث (٥).
ويكره للمشيع الجلوس قبل أن يوضع الميت في لحده ، لما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « ينبغي لمن شيّع جنازة أن لا يجلس
__________________
(١) الكافي ( ٣ : ١٦٩ ـ ١ ) ، الفقيه ( ١ : ١٠٠ ـ ٤٦٤ ) وفيه عن أبي جعفر عليهالسلام مع تفاوت في اللفظ ، التهذيب ( ١ : ٣١١ ـ ٩٠٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٢٤ ) أبواب الدفن ب (٤) ح (١).
(٢) الكافي ( ٣ : ١٧٠ ـ ٦ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١١ ـ ٩٠٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٢٥ ) أبواب الدفن ب (٤) ح (٣).
(٣) الكافي ( ٣ : ١٦٩ ـ ٤ ) ، الفقيه ( ١ : ١٠٠ ـ ٤٦٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٢٥ ) أبواب الدفن ب (٥) ح (١).
(٤) نهج البلاغة ( ٣ : ١٧٩ ـ ١٢٢ ) ، مستدرك الوسائل ( ٢ : ٣٧٧ ) أبواب الدفن ب (٥٣) ح (٢).
(٥) قال الصادق عليهالسلام في خبر عجلان أبي صالح : يا أبا صالح إذا أنت حملت جنازة فاذكر كأنك المحمول ، وكأنك سألت الرجوع الى الدنيا ففعل فانظر ماذا تستأنف؟ قال ثم قال : عجيب لقوم حبس أولهم عن آخرهم ثم نودي فيهم بالرحيل وهم يلعبون الكافي ( ٣ : ٢٥٨ ـ ٢٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٨٣ ) أبواب الدفن ب (٥٩) ح (١).
وأن تربّع الجنازة ، ويبدأ بمقدمها الأيمن ، ثم يدور من ورائها إلى الجانب الأيسر.
______________________________________________________
حتى يوضع في لحده ، فإذا وضع في لحده فلا بأس » (١) وظاهر الشيخ في الخلاف (٢) ، وابن الجنيد (٣) انتفاء الكراهة ، وهو ضعيف.
قوله : وأن تربّع الجنازة ، ويبدأ بمقدمها الأيمن ، ثم يدور من ورائها إلى الجانب الأيسر.
التربيع : حمل الجنازة من جوانبها الأربعة. وقد أجمع الأصحاب على استحبابه ، قال في الذكرى : وليس فيه دنوة ولا سقوط مروة ، فقد حمل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جنازة سعد بن معاذ ، ولم يزل الصحابة والتابعون على ذلك ، لما فيه من البر والإكرام للمؤمن (٤).
وفيه فضل عظيم ، فروى جابر في الحسن ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر [ الله ] (٥) له أربعين كبيرة » (٦).
وروى سليمان بن خالد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « من أخذ بقائمة السرير غفر الله له خمسا وعشرين كبيرة ، وإذا ربّع خرج من الذنوب » (٧).
__________________
(١) التهذيب ( ١ : ٤٦٢ ـ ١٥٠٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٧١ ) أبواب الدفن ب (٤٥) ح (١).
(٢) الخلاف ( ١ : ٢٩٢ ).
(٣) نقله عنه في المختلف : (١٢٢).
(٤) الذكرى : (٥١).
(٥) أثبتناها من المصدر.
(٦) الكافي ( ٣ : ١٧٤ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٥٤ ـ ١٤٧٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٢٧ ) أبواب الدفن ب (٧) ح (١).
(٧) الكافي ( ٣ : ١٧٤ ـ ٢ ) ، الفقيه ( ١ : ٩٩ ـ ٤٦٢ ) بتفاوت يسير ، الوسائل ( ٢ : ٨٢٨ ) أبواب الدفن ب (٧) ح (٤).
______________________________________________________
والمراد بالتربيع حمل السرير من جوانبه الأربعة كيف اتفق بأربعة رجال ، وأفضله أن يبدأ بمقدم السرير الأيمن ، ثم يمرّ عليه إلى مؤخره ، ثم بمؤخر السرير الأيسر ، ويمرّ عليه إلى مقدمه دور الرّحى ، ذكر ذلك الشيخ في المبسوط والنهاية (١) ، وادعى عليه الإجماع ، وقال في الخلاف : يحمل بميامنه مقدم السرير الأيسر ، ثم يدور حوله حتى يرجع إلى المقدم (٢).
والروايات الواردة في ذلك مختلفة ، فروى العلاء بن سيابة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « يبدأ في حمل السرير من الجانب الأيمن ، ثم يمر عليه من خلفه إلى الجانب الآخر ، ثم يمر حتى يرجع إلى المقدم ، كذلك دوران الرحى عليه » (٣).
ومثله روى الفضل (٤) بن يونس ، عن الكاظم عليهالسلام ، قال : « فإن لم تكن تتقي فيه فإن تربيع الجنازة التي جرت به السنة أن تبدأ باليد اليمنى ، ثم بالرجل اليمنى ، ثم بالرجل اليسرى ، ثم باليد اليسرى حتى تدور حولها » (٥) وعلى هاتين الروايتين عمل الشيخ في النهاية والمبسوط (٦).
وروى علي بن يقطين ، عن أبي الحسن موسى عليهالسلام ، قال : سمعته يقول :
__________________
(١) المبسوط ( ١ : ١٨٣ ) ، والنهاية : (٣٧).
(٢) الخلاف ( ١ : ٢٩٢ ).
(٣) الكافي ( ٣ : ١٦٩ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٥٣ ـ ١٤٧٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٦ ـ ٧٦٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٣٠ ) أبواب الدفن ب (٨) ح (٥).
(٤) في « س » : الفضيل ، وفي التهذيب : المفضل ، والصحيح ما أثبتناه ـ ( راجع معجم رجال الحديث ١٨ : ٣٠٩ ).
(٥) الكافي ( ٣ : ١٦٨ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٥٢ ـ ١٤٧٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٢٩ ) أبواب الدفن ب (٨) ح (٣).
(٦) النهاية : (٣٧) ، والمبسوط ( ١ : ١٨٣ ).
______________________________________________________
« السنة في حمل الجنازة أن تستقبل جانب السرير بشقك الأيمن فتلزم الأيسر بكفك (١) الأيمن ، ثم تمر عليه إلى الجانب الآخر وتدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير ، ثم تمر عليه إلى الجانب الرابع مما يلي يسارك » (٢) وبهذه الرواية أخذ الشيخ في الخلاف (٣).
وقال الشهيد في الذكرى : ويمكن حمله على التربيع المشهور ، لأن الشيخ ادّعى عليه الإجماع فكيف يخالف دعواه ، ولأنه قال في الخلاف : يدور دور الرحى كما في الرواية ، وهو لا يتصور إلاّ على البدأة بمقدم السرير الأيمن والختم بمقدم الأيسر ، والإضافة هنا قد تتعاكس (٤). هذا كلامه ـ رحمهالله ـ وما ذكره من الجمع بين الكلامين مشكل جدّا.
والروايات كلّها قاصرة من حيث السند ، مع أن ابن بابويه روى في الصحيح عن الحسين بن سعيد : أنه كتب إلى أبي الحسن الرضا عليهالسلام يسأله عن سرير الميت يحمل ، إله جانب يبدأ به في الحمل من جوانبه الأربع؟ أو ما خفّ على الرجل يحمل من أيّ الجوانب شاء؟ فكتب : « من أيّها شاء » (٥).
وروى جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « السنة أن يحمل السرير من جوانبه الأربع ، وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع » (٦).
__________________
(١) في « م » والكافي : بكتفك.
(٢) الكافي ( ٣ : ١٦٨ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٥٣ ـ ١٤٧٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٦ ـ ٧٦٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٣٠ ) أبواب الدفن ب (٨) ح (٤).
(٣) الخلاف ( ١ : ٢٩٢ ).
(٤) الذكرى : (٥١).
(٥) الفقيه ( ١ : ١٠٠ ـ ٤٦٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٥٣ ـ ١٤٧٧ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٦ ـ ٧٦٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٢٩ ) أبواب الدفن ب (٨) ح (١).
(٦) الكافي ( ٣ : ١٦٨ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٥٣ ـ ١٤٧٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٦ ـ ٧٦٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٢٨ ) أبواب الدفن ب (٧) ح (٢).
ويعلم المؤمنون بموت المؤمن. وأن يقول المشاهد للجنازة : الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم.
______________________________________________________
قوله : وأن يقول المشاهد للجنازة : الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم.
المستند في ذلك ما رواه أبو حمزة ، قال : كان عليّ بن الحسين عليهماالسلام إذا رأى جنازة قد أقبلت قال : « الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم » (١) وقد روي ذلك أيضا من فعل الباقر عليهالسلام (٢). والسواد : الشخص ، والمخترم : المستأصل أو الهالك.
ولا ينافي هذا حبّ لقاء الله ، لأنه غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار ، لما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : « من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه » فقيل له صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنا لنكره الموت؟ فقال : « ليس ذلك ، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله تعالى وكرامته ، فليس شيء أحب إليه مما أمامه ، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وأنّ الكافر إذا حضره الموت بشّر بعذاب الله ، فليس شيء أكره إليه مما أمامه ، كره لقاء الله فكره الله لقاءه » (٣).
وبقية عمر المؤمن نفيسة لا ثمن لها ، كما ورد في الخبر عن أمير المؤمنين عليهالسلام.
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا يتمنّ أحدكم الموت ، ولا يدع به من قبل أن
__________________
(١) الكافي ( ٣ : ١٦٧ ـ ١ ) ، الفقيه ( ١ : ١١٣ ـ ٥٢٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٥٢ ـ ١٤٧٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٣٠ ) أبواب الدفن ب (٩) ح (١).
(٢) الكافي ( ٣ : ١٦٧ ـ ٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٣١ ) أبواب الدفن ب (٩) ح (٣).
(٣) سنن النسائي ( ٤ : ٩ ).
وأن يضع الجنازة على الأرض إذا وصل إلى القبر مما يلي رجليه ، والمرأة مما يلي القبلة ، وأن ينقله في ثلاث دفعات ،
______________________________________________________
يأتيه ، إنه إذا مات انقطع عمله ، وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا » (١).
ويستحب أن يقول المشاهد للجنازة : الله أكبر ، هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، اللهم زدنا إيمانا وتسليما ، الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت. فعن الصادق عليهالسلام : « إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من قال ذلك لم يبق في السماء ملك إلا بكى رحمة لصوته » (٢).
قوله : وأن يضع الجنازة على الأرض إذا وصل إلى القبر مما يلي رجليه ، والمرأة ما يلي القبلة.
علّل بأن ذلك أيسر في فعل ما هو الأولى من إرسال الرجل سابقا برأسه ، والمرأة عرضا ، واختيار جهة القبلة لشرفها ، ولم أقف في ذلك على نص بالخصوص.
قوله : وأن ينقله في ثلاث دفعات.
ظاهر العبارة أنّ النقل ثلاثا بعد وصوله إلى القبر ، فعلى هذا يكون إنزاله إليه في ثلاث دفعات. وذكر ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : أنه يوضع قريبا من القبر ويصبر عليه هنيئة ، ثم يقرّب قليلا ويصبر عليه هنيئة ليأخذ أهبته ، ثم يقدّم إلى شفير القبر ويدخل فيه (٣). ونحوه قال الشيخ في المبسوط (٤). والظاهر أن ذلك هو مراد المصنف كما صرّح به في المعتبر (٥) ، وإن كانت العبارة قاصرة عن تأدية المطلوب.
__________________
(١) صحيح مسلم ( ٤ : ٢٠٦٥ ـ ٢٦٨٢ ) ، السنن الكبرى للبيهقي ( ٣ : ٣٧٧ ).
(٢) الكافي ( ٣ : ١٦٧ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٥٢ ـ ١٤٧١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٣٠ ) أبواب الدفن ب (٩) ح (٢).
(٣) الفقيه ( ١ : ١٠٧ ).
(٤) المبسوط ( ١ : ١٨٦ ).
(٥) المعتبر ( ١ : ٢٩٧ ).
وأن يرسله إلى القبر سابقا برأسه ، والمرأة عرضا ،
______________________________________________________
والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الروايات صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « ينبغي أن يوضع الميت دون القبر هنيئة ثم واره » (١).
ومرسلة محمد بن عطية ، قال : « إذا أتيت بأخيك القبر فلا تفدحه به ، ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة حتى يأخذ أهبته ، ثم ضعه في لحده » (٢).
ورواية محمد بن عجلان قال ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : « لا تفدح ميتك بالقبر ، ولكن ضعه أسفل منه بذراعين أو ثلاثة ودعه حتى يأخذ أهبته » (٣).
ولا يخفى انتفاء دلالة هذه الروايات على ما ذكره الأصحاب ، بل إنما تدل على استحباب وضعه دون القبر هنيئة ثم دفنه ، وبمضمونها أفتى ابن الجنيد (٤) ، والمصنف في آخر كلامه في المعتبر (٥) ، وهو المعتمد.
قوله : وأن يرسله إلى القبر سابقا برأسه ، والمرأة عرضا.
المستند في ذلك مرفوعة عبد الصمد بن هارون قال ، قال أبو عبد الله عليهالسلام :« إذا أدخلت الميت القبر : إن كان رجلا سلّ سلاّ (٦) ، والمرأة تؤخذ عرضا ، فإنه أستر » (٧).
وأكثر الأخبار واردة بسلّ الميت من قبل الرجلين من غير فرق بين الرجل والمرأة ،
__________________
(١) التهذيب ( ١ : ٣١٣ ـ ٩٠٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٣٧ ) أبواب الدفن ب (١٦) ح (١).
(٢) التهذيب ( ١ : ٣١٢ ـ ٩٠٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٣٨ ) أبواب الدفن ب (١٦) ح (٢).
(٣) الكافي ( ٣ : ١٩١ ـ ١ ) ، علل الشرائع : ( ٣٠٦ ـ ١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٣٨ ) أبواب الدفن ب (١٦) ح (٥).
(٤) نقله عنه في الذكرى : (٦٥).
(٥) المعتبر ( ١ : ٢٩٨ ).
(٦) السّلّ : انتزاعك الشيء وإخراجه برفق ومنه حديث الميت في إدخاله القبر « يسلّ سلالا » ( مجمع البحرين ٥ : ٣٩٨ ).
(٧) التهذيب ( ١ : ٣٢٥ ـ ٩٥٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٦٥ ) أبواب الدفن ب (٣٨) ح (١).
وأن ينزل من يتناوله حافيا ، ويكشف رأسه ، ويحلّ أزراره. ويكره أن يتولى ذلك الأقارب ، إلا في المرأة.
______________________________________________________
كحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا أتيت بالميت القبر فسلّه من قبل رجليه ، فإذا وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي » (١) الحديث ، ورواية محمد بن مسلم ، قال : سألت أحدهما عليهماالسلام عن الميت فقال : « تسلّه من قبل الرجلين » (٢).
قوله : وأن ينزل من يتناوله حافيا ، ويكشف رأسه ، ويحلّ أزراره.
هذا مذهب الأصحاب ، ومستنده حسنة علي بن يقطين ، قال : سمعت أبا الحسن عليهالسلام يقول : « لا تنزل في القبر وعليك العمامة والقلنسوة ، ولا الحذاء ولا الطيلسان ، وحلّ أزرارك ، وبذلك سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جرت » (٣).
ورواية ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « لا ينبغي لأحد أن يدخل القبر في نعلين ، ولا خفين ، ولا عمامة ، ولا رداء ، ولا قلنسوة » (٤) وفي رواية سيف بن عميرة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال ، قلت : فالخف؟ قال : « لا بأس بالخف ، فإن في خلع الخف شناعة » (٥).
قوله : ويكره أن يتولى ذلك الأقارب إلا في المرأة.
قال المصنف في المعتبر : أما في الرجل فلأن ذلك يقسّي القلب ، والرحمة صفة مرادة لله تعالى. وأما في المرأة فيستحب للرحم ، لأنها عورة (٦).
__________________
(١) الكافي ( ٣ : ١٩٤ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٥ ـ ٩١٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٤٥ ) أبواب الدفن ب (٢١) ح (١).
(٢) الكافي ( ٣ : ١٩٥ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٥ ـ ٩١٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٤٨ ) أبواب الدفن ب (٢٢) ح (٢).
(٣) الكافي ( ٣ : ١٩٢ ـ ٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٤٨٠ ) أبواب الدفن ب (١٨) ح (١) ، بتفاوت يسير.
(٤) الكافي ( ٣ : ١٩٢ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٤ ـ ٩١٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٤٠ ) أبواب الدفن ب (١٨) ح (٣).
(٥) التهذيب ( ١ : ٣١٣ ـ ٩١٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٤١ ) أبواب الدفن ب (١٨) ح (٥).
(٦) المعتبر ( ١ : ٢٩٧ ).
ويستحب أن يدعو عند إنزاله القبر.
______________________________________________________
ويدل عليه مضافا إلى ذلك حسنة حفص بن البختري ، وغيره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « يكره للرجل أن ينزل في قبر ولده » (١).
ورواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام : مضت السنة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها في حياتها » (٢).
وقد ورد في بعض الروايات نفي البأس عن دفن الولد أباه (٣) ، وحمل على نفي الكراهة المؤكّدة ، وهو إنما يتم مع ثبوت المعارض.
ولو تعذر المحرم للمرأة فامرأة صالحة ، ثم أجنبي صالح ، وإن كان شيخا فهو أولى.
ويدخل القبر من شاء الولي ، إن شاء شفعا وإن شاء وترا ، روى ذلك زرارة عن الصادق عليهالسلام (٤).
قوله : ويستحب : أن يدعو عند إنزاله في القبر.
قد ورد في كيفية الدعاء روايات ، منها : ما رواه الحلبي في الحسن ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا أتيت بالميت القبر فسلّه من قبل رجليه ، فإذا وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي ، وقل : بسم الله [ وبالله ] وفي سبيل الله ، وعلى ملة رسول الله ، اللهم صلّ على محمد وآله ، اللهم افسح له في قبره وألحقه بنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقل كما قلت في الصلاة عليه مرة واحدة من عند : اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا
__________________
(١) الكافي ( ٣ : ١٩٣ ـ ٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥١ ) أبواب الدفن ب (٢٥) ح (١).
(٢) الكافي ( ٣ : ١٩٣ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٢٥ ـ ٩٤٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٣ ) أبواب الدفن ب (٢٦) ح (١).
(٣) الوسائل ( ٢ : ٨٥١ ) أبواب الدفن ب (٢٥).
(٤) الكافي ( ٣ : ١٩٣ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٤ ـ ٩١٤ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٥٠ ) أبواب الدفن ب (٢٤) ح (١).
وفي الدفن فروض وسنن :
فالفرض أن يوارى في الأرض مع القدرة.
______________________________________________________
فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، واستغفر له ما استطعت » قال : « وكان علي بن الحسين عليهماالسلام إذا دخل القبر قال : اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، وصاعد عمله ، ولقّه منك رضوانا » (١).
قوله : وفي الدفن فروض وسنن ، فالفرض أن يوارى في الأرض مع القدرة.
أجمع العلماء كافة على وجوب الدفن ، لأمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم به ، وفعله. وقد قطع الأصحاب (٢) وغيرهم (٣) بأن الواجب وضعه في حفيرة تستر عن الإنس ريحه وعن السباع بدنه ، بحيث يعسر نبشها غالبا ، لأن فائدة الدفن إنما تتم بذلك ، وظاهرهم تعيّن الحفيرة فلا يجزي التابوت والأزج (٤) الكائنان على وجه الأرض ، وبه قطع في الذكرى (٥) ، لأنه مخالف لما أمر به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الحفر ، ولأنه عليهالسلام دفن ودفن كذلك ، وهو عمل الصحابة والتابعين.
واحترز بالقدرة عما لو تعذر الحفر لصلابة الأرض أو كثرة الثلج ونحو ذلك ، فإنه يجزي مواراته بحسب الإمكان ، ويجب مراعاة تحصيل الغرض من الدفن بجمع الوصفين إن أمكن وإلا سقط. ولو دفن بالتابوت في الأرض جاز لكنه مكروه إجماعا نقله في
__________________
(١) الكافي ( ٣ : ١٩٤ ـ ١ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٥ ـ ٩١٥ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٤٥ ) أبواب الدفن ب (٢١) ح (١).
(٢) منهم العلامة في القواعد ( ١ : ٢١ ) ، والشهيد الأول في الدروس : (١٣) ، والشهيد الثاني في المسالك ( ١ : ١٤ ).
(٣) منهم الشافعي في الأم ( ١ : ٢٧٦ ) ، وابن حزم في المحلى ( ٥ : ١١٦ ، ١٣٢ ) ، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ( ٢ : ٣٧٥ ).
(٤) الأزج بالتحريك : ضرب من الأبنية وهو بيت يبنى طولا ، وجمعه : أزآج ، مثل سبب وأسباب. : وأزجّ أيضا ـ مجمع البحرين ( ٢ : ٢٧٥ ).
(٥) الذكرى : (٦٥).
وراكب البحر يلقى فيه ، إما مثقلا أو مستورا في وعاء كالخابية أو شبهها مع تعذر الوصول إلى البر ،
______________________________________________________
المبسوط (١) ، وقيل : إنه لا فرق في الكراهة بين أنواع التابوت (٢).
قوله : وراكب البحر يلقى فيه ، إما مثقلا أو مستورا في وعاء كالخابية ونحوها مع تعذر الوصول إلى البر.
المراد بالتعذر ما يشق معه الوصول إلى البر عادة ، وقد قطع الشيخ (٣) وأكثر الأصحاب (٤) : بأن من مات في سفينة في البحر يغسّل ، ويحنّط ، ويكفّن ، ويصلّى عليه ، وينقل إلى البرّ مع المكنة ، فإن تعذّر لم يتربّص به بل يوضع في خابية أو نحوها ويشذ (٥) رأسها ويلقى ، أو يثقّل ليرسب في الماء ثم يلقى فيه. وظاهر المفيد في المقنعة (٦) ، والمصنف في المعتبر (٧) جواز ذلك ابتداء وإن لم يتعذّر البرّ.
وقد ورد بالأول أعني الوضع في الإناء صحيحة أيوب بن الحر قال : سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال : « يوضع في خابية ويوكأ رأسها ويطرح في الماء » (٨).
وبالثاني ما رواه أبان ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال في الرجل
__________________
(١) المبسوط ( ١ : ١٨٧ ).
(٢) كما في الذكرى : (٦٥).
(٣) المبسوط ( ١ : ١٨١ ).
(٤) منهم ابن إدريس في السرائر (٣٤) ، والعلامة في القواعد ( ١ : ٢١ ).
(٥) في « م » و « ق » : ويسد.
(٦) المقنعة : (١٣).
(٧) المعتبر ( ١ : ٢٩١ ).
(٨) الكافي ( ٣ : ٢١٣ ـ ١ ) ، الفقيه ( ١ : ٤٤٢ ) : مرسلة ، التهذيب ( ١ : ٣٤٠ ـ ٩٩٦ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٥ ـ ٧٦٢ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٦٦ ) أبواب الدفن ب (٤٠) ح (١).
______________________________________________________
يموت مع القوم في البحر فقال : « يغسّل ، ويكفّن ، ويصلي عليه ، ويثقّل ، ويرمى به في البحر » (١).
ومثلها مرفوعة سهل بن زياد (٢) ، ورواية أبي البختري عن الصادق عليهالسلام (٣).
وهذه الأخبار كلّها ضعيفة السند ، كما اعترف به المصنف في المعتبر حيث قال : وأما التثقيل ففيه أحاديث فيها ضعف ، لكن العمل بها يتضمن ستر الميت وصيانته عن بقائه بين ظهراني صحبه (٤).
وقد يقال : إن الستر لا يتعين أن يكون بالتثقيل ، لتحققه مع الوضع في الإناء كما تضمنته صحيحة أيوب بن الحر ، فكان الاقتصار على العمل بمضمونها أولى.
وينبغي استقبال القبلة به حالة الإلقاء ، وأوجبه ابن الجنيد (٥) والشهيدان (٦) ، لأنه دفن حيث يحصل به مقصود الدفن ، وهو أحوط.
وأوجب بعض العامة (٧) جعله بين لو حين رجاء لوصوله البر فيدفنه المسلمون ، وهو باطل ، لأن فيه تعريضا لهتك معلوم بإزاء أمر موهوم.
__________________
(١) الكافي ( ٣ : ٢١٤ ـ ٢ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٣٩ ـ ٩٩٣ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٥ ـ ٧٥٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٦٧ ) أبواب الدفن ب (٤٠) ح (٣).
(٢) الكافي ( ٣ : ٢١٤ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٣٣٩ ـ ٩٩٤ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٥ ـ ٧٦٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٦٧ ) أبواب الدفن ب (٤٠) ح (٤).
(٣) الفقيه ( ١ : ٩٦ ـ ٤٤١ ) بتفاوت يسير ، التهذيب ( ١ : ٣٣٩ ـ ٩٩٥ ) ، الإستبصار ( ١ : ٢١٥ ـ ٧٦١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٦٦ ) أبواب الدفن ب (٤٠) ح (٢).
(٤) المعتبر ( ١ : ٢٩٢ ).
(٥) نقله عنه في الذكرى : (٦٤).
(٦) الشهيد الأول في الدروس : (١٣) ، والذكرى : (٦٤) ، والشهيد الثاني في المسالك ( ١ : ١٥ ) ، وروض الجنان : (٣١٦).
(٧) منهم الشافعي في الأم ( ١ : ٢٦٦ ) ، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ( ٢ : ٣٧٧ ).
وأن يضجعه على جانبه الأيمن مستقبل القبلة ، إلا أن تكون امرأة غير مسلمة حاملا من مسلم فيستدبر بها القبلة.
______________________________________________________
قوله : وأن يضجعه على جانبه الأيمن مستقبل القبلة.
هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا منهم ، سوى ابن حمزة حيث عدّ ذلك مستحبا (١) ، والأصل في هذا الحكم التأسّي بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام ، وما رواه معاوية بن عمار في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « كان البراء بن معرور التميمي الأنصاري بالمدينة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمكة ، وإنه حضره الموت وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمون يصلّون إلى بيت المقدس فأوصى البراء إذا دفن أن يجعل وجهه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى القبلة فجرت به السنّة ، وأنه أوصى بثلث ماله فنزل به الكتاب وجرت به السنّة » (٢).
قوله : إلا أن تكون امرأة غير مسلمة حاملا من مسلم فيستدبر بها القبلة.
هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء قاله في التذكرة (٣) ، وإنما وجب الاستدبار بها ليكون وجه الولد إلى القبلة ، لأن وجهه إلى ظهرها ، وهو المقصود بالدفن ، وقد صرح الشيخان (٤) وأتباعهما (٥) بأنها تدفن في مقابر المسلمين إكراما للولد ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه أحمد بن أشيم ، عن يونس ، قال : سألت الرضا عليهالسلام عن الرجل تكون له الجارية اليهودية والنصرانية فيواقعها فتحمل ، ثم يدعوها إلى أن تسلم فتأبى عليه ، فدنى ولادتها فماتت وهي تطلق والولد في بطنها ومات الولد ، أيدفن معها على
__________________
(١) الوسيلة : (٦٨).
(٢) الكافي ( ٣ : ٢٥٤ ـ ١٦ ) ، الفقيه ( ٤ : ١٣٧ ـ ٤٧٩ ) ، التهذيب ( ٩ : ١٩٢ ـ ٧٧١ ) ، علل الشرائع ( ٢ : ٥٦٦ ـ ١ ) ، الوسائل ( ١٣ : ٣٦١ ) أبواب في أحكام الوصايا ب ١٠ ح ١.
(٣) التذكرة ( ١ : ٥٢ ، ٥٦ ).
(٤) المفيد في المقنعة : (١٣) ، والشيخ في المبسوط ( ١ : ١٨٠ ) ، والخلاف ( ١ : ٢٩٧ ) ، والنهاية : (٤٢).
(٥) منهم ابن حمزة في الوسيلة : (٦٨).
والسنن : أن يحفر القبر قدر القامة أو إلى الترقوة ،
______________________________________________________
النصرانية؟ أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب : « يدفن معها » (١).
قال في المعتبر : ولست أرى في هذا حجة ، أما أولا : فلأن ابن أشيم ضعيف جدا على ما ذكره النجاشي في كتاب المصنفين ، والشيخ ـ رحمهالله. وأما ثانيا : فلأن دفنه معها لا يتضمن دفنها في مقبرة المسلمين ، بل ظاهر اللفظ يدل على أنه يدفن معها حيث تدفن هي ، ولا إشعار في الرواية بموضع دفنها.
والوجه أنّ الولد لما كان محكوما له بأحكام المسلمين لم يجز دفنه في مقابر أهل الذمة ، وإخراجه مع موتهما غير جائز ، فيتعين دفنها معه (٢). هذا كلامه ـ رحمهالله ـ وهو حسن. وقال بعض العامة : إنها تدفن بين مقبرة المسلمين والنصارى ويستدبر بها (٣) ، وقال آخرون كما قلناه (٤).
قوله : والسنن أن يحفر القبر قدر قامة أو إلى الترقوة.
هذا مذهب الأصحاب ، والمستند فيه ما رواه ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه مرسلا عن الصادق عليهالسلام ، قال : « حد القبر إلى الترقوة » (٥).
وما رواه الشيخ عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « حد القبر إلى الترقوة » (٦) ، وقال بعضهم إلى الثدي ، وقال بعضهم قامة الرجل حتى يمدّ الثوب على رأس من في القبر ، وأما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس والظاهر أنّ هذا من محكي ابن أبي عمير ، لأن
__________________
(١) التهذيب ( ١ : ٣٣٤ ـ ٩٨٠ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٦٦ ) أبواب الدفن ب (٣٩) ح (٢).
(٢) المعتبر ( ١ : ٢٩٢ ).
(٣) منهم ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ( ٢ : ٤١٦ ، ٤٢٣ ).
(٤) منهم ابن حزم في المحلى ( ٥ : ١٤٢ ، ١٤٣ ).
(٥) الفقيه ( ١ : ١٠٧ ـ ٤٩٨ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٣٦ ) أبواب الدفن ب (١٤) ح (٢).
(٦) التهذيب ( ١ : ٤٥١ ـ ١٤٦٩ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٣٦ ) أبواب الدفن ب (١٤) ح (٢).
ويجعل له لحد مما يلي القبلة.
ويحلّ عقد الأكفان من قبل رأسه ورجليه ،
______________________________________________________
الإمام لا يحكي قول أحد ، والكليني أسنده إلى سهل بن زياد ، قال ـ يعني سهل ـ : روى أصحابنا أنّ حدّ القبر إلى آخره (١).
وروى السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام : « أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى أن يعمّق القبر فوق ثلاثة أذرع » (٢).
قوله : ويجعل له لحد مما يلي القبلة.
قال المصنف في المعتبر (٣) : معناه أن الحافر إذا انتهى إلى أرض القبر حفر مما يلي القبلة حفيرا واسعا قدر ما يجلس فيه الجالس ، وإنما استحب ذلك لقوله عليهالسلام : « اللحد لنا والشق لغيرنا » (٤) ولرواية الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : « أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لحّد له أبو طلحة الأنصاري » (٥) ولو كانت الأرض رخوة لا تحمل اللحد يعمل له شبه اللحد من بناء تحصيلا للفضيلة ، قاله في المعتبر (٦).
قوله : ويحلّ عقد الأكفان من قبل رأسه ورجليه.
المستند في ذلك بعد الإجماع ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أبي حمزة قال ، قلت لأحدهما عليهماالسلام : يحلّ كفن الميت؟ قال : « نعم ، ويبرز وجهه » (٧).
__________________
(١) الكافي ( ٣ : ١٦٥ ـ ١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٣٦ ) أبواب الدفن ب (١٤) ح (٢).
(٢) الكافي ( ٣ : ١٦٦ ـ ٤ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٥١ ـ ١٤٦٦ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٣٦ ) أبواب الدفن ب (١٤) ح (١).
(٣) المعتبر ( ١ : ٢٩٦ ).
(٤) سنن البيهقي ( ٣ : ٤٠٨ ).
(٥) الكافي ( ٣ : ١٦٦ ـ ٣ ) ، التهذيب ( ١ : ٤٥١ ـ ١٤٦٧ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٣٦ ) أبواب الدفن ب (١٥) ح (١).
(٦) المعتبر ( ١ : ٢٩٦ ).
(٧) التهذيب ( ١ : ٤٥٧ ـ ١٤٩١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٤١ ) أبواب الدفن ب (١٩) ح (١).
ويجعل معه شيء من تربة الحسين عليهالسلام ،
______________________________________________________
وعن محفوظ الإسكاف ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « إذا أردت أن تدفن الميت فليكن أعقل من ينزل في قبره عند رأسه ، وليكشف عن خدّه الأيمن حتى يفضي به إلى الأرض » (١) ومقتضى الروايتين أنه يستحب مع حلّ العقد إبراز الوجه والإفضاء بالخد إلى الأرض.
وروى ابن أبي عمير في الصحيح ، عن غير واحد من أصحابه ، وعن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « يشق الكفن من عند رأس الميت إذا أدخل قبره » (٢) قال في المعتبر : وهذه الرواية مخالفة لما عليه الأصحاب ، ولأن ذلك إفساد للمال على وجه غير مشروع (٣). وقد يقال : إنّ مخالفة الخبر لما عليه الأصحاب لا يقتضي رده إذا سلم السند من الطعن. والإفساد غير ضائر ، فإن الجميع ضائع ، خصوصا مع إذن الشرع فيه.
وأجاب عنه في الذكرى : بإمكان أن يراد بالشق الفتح ليبدو وجهه ، فإن الكفن كان منضمّا ، قال : فعلى هذا فلا مخالفة ولا إفساد (٤). وهو غير بعيد ، فإن مثل هذا الإطلاق مستعمل عند أهل العرف.
قوله : ويجعل معه شيء من تربة الحسين عليهالسلام.
ذكر ذلك الشيخان (٥) ( ولم أقف لهما على مأخذ سوى التبرك بها ، ولعلّه كاف في
__________________
(١) الكافي ( ٣ : ١٩٥ ـ ٥ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٧ ـ ٩٢٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٤٣ ) أبواب الدفن ب (٢٠) ح (٤).
(٢) الكافي ( ٣ : ١٩٦ ـ ٩ ) ، التهذيب ( ١ : ٣١٧ ـ ٩٢١ ) ، وص ( ٤٥٨ ـ ١٤٩٣ ) ، الوسائل ( ٢ : ٨٤٢ ، ٨٤١ ) أبواب الدفن ب (١٩) ح ( ٦ ، ٢ ).
(٣) المعتبر ( ١ : ٣٠١ ).
(٤) الذكرى : (٦٦).
(٥) نقله عن الشيخ المفيد في السرائر : (٣٣) ، والمعتبر ( ١ : ٣٠١ ) ، والشيخ في المبسوط ( ١ : ١٨٦ ) ، والنهاية : (٣٨) ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (١٦٧).
ويلقّنه ويدعو له ،
______________________________________________________
ذلك ) (١) واختلف قولهما في موضع جعلها ، فقال المفيد في المقنعة : يوضع تحت خدّه (٢). وقال الشيخ ـ رحمهالله ـ : تلقاء وجهه (٣). وقيل : في كفنه (٤). قال في المختلف : والكل عندي جائز ، لأن التبرك موجود في الجميع (٥).
ونقل أنّ امرأة قذفها القبر مرارا لأنها كانت تزني وتحرق أولادها ، وأن أمّها أخبرت الصادق عليهالسلام بذلك فقال : « إنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله ، اجعلوا معها شيئا من تربة الحسين عليهالسلام فاستقرّت » (٦) قال الشيخ نجيب الدين في درسه : يصلح أن يكون هذا متمسكا ، حكاه في الذكرى (٧) ، وفيه ما فيه (٨).
قوله : ويلقّنه ، ويدعو له.
يستحب لملحد الميت أن يلقّنه الشهادتين ، وأسماء الأئمة عليهمالسلام ، ويدعو له ، والأخبار بذلك مستفيضة ، بل قال في الذكرى : إنها تكاد أن تبلغ التواتر (٩). فروى زرارة في الصحيح ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال ، قال : « إذا وضعت الميت في لحده فقل : بسم الله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واقرأ آية الكرسي ،
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في « س ».
(٢) نقله عن المقنعة في الذكرى : (٦٦).
(٣) الاقتصاد : (٢٥٠).
(٤) كما في الذكرى : (٦٦).
(٥) المختلف : (١٢١).
(٦) المنتهى ( ١ : ٤٦١ ) ، الوسائل ( ٢ : ٧٤٢ ) أبواب التكفين ب (١٢) ح (٢).
(٧) الذكرى : (٦٦).
(٨) في « س » ، « ح » زيادة : ويدل على استحباب جعل التربة مع الميت صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن جعفر الحميري قال : كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : « يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه انّ شاء الله » وينبغي خلط الحنوط بالتربة كما تضمنته الرواية.
(٩) الذكرى : (٦٦).