أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]
المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0315-8
الصفحات: ٥٥٢
فالتّام : هو ما يميز المطلوب عن غيره تمييزا ذاتيا ، مع دلالته على كمال الماهية المشتركة من غير خروج عن دلالة المطابقة والتضمن ، كقولنا فى حد الإنسان مثلا (١) : إنه حيوان ناطق ؛ فإنه مشتمل على جميع الذاتيات العامة والخاصة.
والنّاقص : هو ما يميز المطلوب عن غيره تمييزا ذاتيا ، من غير دلالة على كمال ما له من الذاتيات العامة : كقولنا فى حد الإنسان : إنه جوهر ناطق ، أو (٢) أن يقتصر (٢) على قولنا : ناطق (٣) ؛ فإن الناطق ، لا دلالة له على الذاتيات العامة (٤) بغير الالتزام ؛ إذ (٥) الناطق : شيء ذو نطق ، اتفق أن كان حيوانا ؛ ولا اعتبار بهذه الدلالة فى الحدود الحقيقية ، والجوهر لا يطابق ما بقى تحته من الذاتيات العامة : كالجسم والحيوان ، ولا يتضمنها ؛ إذ ليست جزء معناه. ولا يلتزمها ؛ إذ الأعم لا يلزم منه الأخص.
وأما الرّسمى : فهو ما يميز المطلوب عن غيره ، تمييزا عرضيا.
وهو أيضا : إما تام ، أو ناقص.
فإن كان تاما : فهو ما يميز المطلوب عن غيره تمييزا عرضيا ، وله دلالة على كمال الماهية المشتركة. دلالة لا تخرج عن المطابقة والتضمن ، كقولنا فى رسم الإنسان : إنه حيوان ضاحك.
والنّاقص : ما يميز المطلوب عن غيره تمييزا عرضيا ، من غير دلالة على كمال الماهية المشتركة بإحدى الدلالتين ، وهى المطابقة والتضمن ، كقولنا فى رسم الإنسان : إنه ضاحك ، أو جوهر ضاحك ؛ فإنّ الضّاحك شيء ذو ضحك ، اتفق أن كان حيوانا ؛ فلا يطابق الذاتى المشترك ، ولا يتضمّنه.
والجوهر أيضا : لا دلالة له على ما تحته من الذّاتيات بإحدى الطرق ، كما سبق.
وأما الحدّ اللّفظى : فهو ما يطلب به شرح دلالة الاسم على مسماه لغة.
__________________
(١) ساقط من (ب).
(٢) ب (ويقتصر).
(٣) ساقط من (ب).
(٤) فى ب (العامة أيضا).
(٥) فى ب (وإنما).
وذلك إنما يكون في حق العالم بحقيقة المسمى ، الجاهل بدلالة الاسم عليه ، كما إذا سأل من يعرف حقيقة الخمر ، عن شرح لفظ العقار ، عند جهله بدلالته.
فجوابه : إما بلفظ مرادف يكون (١) أشهر عند السائل : كالخمر ، أو بحده ، أو رسمه ، وهو أن يقال : هو المائع المعتصر من العنب المشتد. معناه دلالة لفظ العقار على هذا. وهذه الأقسام متفاوتة / الرتب ، فأعلاها : الحدّ الحقيقى ، ثم (٢) الرّسمى (٢) ، ثم اللّفظى.
وقد أورد على هذه الحدود تشكيكات أبطلناها فى كتاب دقائق الحقائق (٣).
وأما التعريف بالمثال : كتعريف النّفس فى البدن : بالربان فى السفينة ، ونحوه ، فغير مستقلّ بالتعريف ؛ فإنه كما أنّ الرّبان فى السفينة مشابه للنفس فى البدن ، فمشابه لرب البيت فى البيت ، والملك فى مدينته ؛ فلا يتم التمييز به ، وإن كان مقربا إلى الفهم ، فلا يكون التعريف به داخلا فى الحدود ؛ كما ظن.
__________________
(١) فى ب (ويكون).
(٢) فى ب (ثم الحد الرسمى).
(٣) انظر كتاب دقائق الحقائق ل ٣٧ / أ ـ ٤٨ / ب (المقالة الثانية) (خ).
الفصل الثالث
فى شرط الحدّ ، وما يجتمع جملة أقسام
الحدود فيه ، وما لا يجتمع.
وشرط الحدّ على اختلاف أقسامه :
أن يكون جامعا : لا يخرج عنه شيء من المحدود.
مانعا : لا يدخل فيه ما هو خارج عن المحدود.
فإنه إذا لم يكن جامعا ؛ كان المحدود أعمّ من الحدّ ، ولو (١) لم يكن مانعا ؛ كان الحدّ أعمّ من المحدود.
وعلى كلا التّقديرين ؛ لا يكون الحدّ مميّزا للمحدود (٢) ، ولا معرّفا له.
ويلزم من هذا الشّرط أيضا : أن يكون الحدّ مطّردا ، مع المحدود : أى يلزم من وجوده ، وجود المحدود.
ومنعكسا : أى يلزم من انتفائه ، انتفاء المحدود.
لأنه لو لم يكن مطّردا ، لما كان الحدّ مانعا.
ولم لم يكن منعكسا ؛ لما كان الحدّ جامعا.
ثم الشيء المحدود : إما أن يكون مركّبا ، أو بسيطا ، لا تركيب فيه.
فإن كان مركّبا : فيمكن تحديده بالحدّ الحقيقى ، لتركبه ، وبالرّسمى ؛ لأنه لا يخلو شيء من خاصية تخصّه دون غيره ، وباللّفظى : إن كان للفظ مرادف ، أو بحده ، أو رسمه كما سبق.
وإن كان بسيطا لا تركيب فيه : فليس له الحدّ الحقيقى ، وله الرّسمى الناقص ، دون التّام ، واللّفظى.
__________________
(١) فى ب (وإذا).
(٢) فى ب (المحدود).
الفصل الرابع
فى التنبيه على ما يجب التحرّز عنه فى الحدود
ويجب أن تصان الحدود عن :
الألفاظ المهملة : التى لا مدلول لها.
والغريبة : التى لا يعرفها المخاطب.
والمشتركة : كتعريف الكون بأنه يصير إلى الجوهر ؛ لدخول الحركة المكانية إلى الجوهر فيه.
والمجازية (١) الغير منقولة (١) : كتعريف الشمس : بأنها عين النهار ، لأن ذلك مما يخلّ بالتفاهم ، والوقوف على غرض الحاد ، إلا أن ذلك مما لا يفسد الحدّ مع التفسير ، وإن كان استعماله مكروها ، لبعده عن المقصود.
وأن لا يعرف الشيء بنفسه : كتعريف الإنسان ، بأنه إنسان ؛ إذ المعرف يجب أن يكون سابقا بالمعرفة على المعرف ؛ وفيه تقدم الشيء على نفسه فى المعرفة ؛ وهو محال.
ولا بما هو أخفى منه فى المعرفة : وسواء / كانت معرفة الأخفى متوقفة على معرفة المحدود ، كتعريف الشمس بأنها كوكب يطلع نهارا ؛ إذ النهار لا يعرف إلا بزمان طلوع الشمس ؛ وهو دور.
أو غير متوقفة عليه : كتعريف النار : بمشابهتها بالنّفس ، والأولى أن يكون بالعكس.
ولا بما هو مساو فى المعرفة والخفاء : كتعريف أحد المتضايفين بالآخر : كتعريف الأب : بالابن ؛ إذ لا أولوية.
وأن لا يترك الجنس فى الحدّ التام ، والرّسم التام ، وأن لا يبدل بالعرض العام : كحد (٢) الإنسان بأنه متحرك ناطق.
ولا الفصل بالخاصة فى الحقيقى ،
__________________
(١) فى ب (والمجازية الى الغير منقولة).
(٢) فى ب (كتعريف).
ولا أن يذكر الجنس مكان الفصل ، والفصل مكان الجنس : كقولهم العشق إفراط المحبة. والأولى أن يقال : المحبة المفرطة ، إذ المحبة جنس ، والإفراط فصل.
ولا الجنس بالنوع كقولهم : الشر ظلم الناس ، وظلم الناس نوع من الشر (١).
ولا المادة الكائنة بدل الجنس : كقولهم : السرير خشب يجلس عليه.
ولا المادة الفاسدة : كقولهم : الرماد خشب محترق.
وعليك (٢) بالنّظر فى كتبنا (٢) الخصيصة بهذا الفن ، تجد الكلام فى هذه الفصول مستقصى فيها (٣).
__________________
(١) فى ب (المشقة).
(٢) فى ب (وعليك بكتبنا).
(٣) انظر كتاب دقائق الحقائق ل ٤٤ / أ ـ ٤٨ / ب.
الباب الثانى
فى الدّليل
ويشتمل على سبعة فصول :
الأول : فى حدّ الدليل ، وانقسامه إلى : عقلى ، وغير عقلى.
الثانى : فى أنّ الدّليل العقلى متركب من مقدمتين ، فلا يزيد عليهما.
الثالث : فى أقسام صور مقدمات الدليل.
الرابع : فى انقسام مقدمات الدليل إلى : قطعى ، وغير قطعى.
الخامس : فى أقسام صور الدليل.
السادس : فى شرط الدّليل العقلى.
السابع : فيما ظنّ أنه من الأدلّة المفيدة لليقين ؛ وليس منها.
الفصل الأول
فى حدّ الدليل ، وانقسامه إلى : عقلى ، وغير عقلى (١)
والدّليل فى وضع اللغة : قد يطلق باعتبارين :
الأول : الدّال ، والدّال قد يطلق بمعنى الذاكر للدليل ، وقد يطلق بمعنى الناصب للدليل.
الثانى : ما فيه دلالة وإرشاد ؛ وهذا هو المسمى دليلا فى عرف المتكلمين.
وهو عبارة عما يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه ، إلى مطلوب تصديقى.
وإنما قلنا : يمكن أن يتوصّل به ، ولم نقل هو الّذي يتوصل به ؛ لأنّ الدّليل يكون دليلا فى نفسه ؛ وإمكان التوصل به ملازم له دون التوصل بالفعل.
وإنما قلنا : بصحيح النظر ؛ حتى يخرج منه النظر الّذي ليس بصحيح : إما لقصور الناظر ، أو لتقاصره ؛ فإن النظر الّذي / ليس بصحيح لا يمكن أن يتوصل به إلى المطلوب. ولا يخرج الدليل بذلك عن أن يكون دليلا.
وإنما قلنا : إلى مطلوب تصديقى. حتى يخرج عنه الحد الموصل إلى التصور.
وهو ينقسم : إلى ما يدل لذاته ، وإلى ما لا يدل لذاته ؛ بل بالوضع والاصطلاح ، سواء كان من وضع الشارع ، أو غيره.
فالأول : هو الدّليل العقلى.
والثانى : هو الدّليل السّمعى.
__________________
(١) أنظر الإحكام للآمدى ١ / ٨ ، ومنتهى السئول ، له أيضا ، ١ / ٤ ، وشرح الطوالع ٢٥ ، ٢٦ ، وشرح المواقف ١ / ١٥٣ ، وشرح المقاصد ١ / ٣٩.
الفصل الثانى
فى أن الدليل العقلى مركب من مقدمتين ، ولا يزيد عليهما.
واعلم أن المطلوب التصديقى : لا بدّ فيه من نسبة بين أمرين. إيجابا ، أو سلبا ؛ فالمنسوب ، والمنسوب إليه ، هما جزءا المطلوب.
وعند ذلك : فالدليل العقلى الموصل إليه ، لا بدّ وأن يكون سابقا فى المعرفة عليه. فإنه لو كان العلم به ، مع العلم بالمطلوب ؛ لم يكن تعريف أحدهما بالآخر ، أولى من العكس.
ولو كان متأخرا فى المعرفة ؛ كان فيه تعرف المعلوم بالمجهول ؛ وهو (١) محال (١). ولا يكفى أى معلوم سابق اتفق ، وإلا كان كل معلوم سابق ، يوصل إلى كل مجهول ؛ وهو محال ،
بل لا بدّ ، وأن يكون مناسبا للمطلوب.
ولا يكفى أن يكون معلوما واحدا ؛ فإن المعلوم الواحد المناسب : إما أن يكون مناسبا لكل المطلوب ، وإما لنقضه ، وإما لجزء المطلوب.
فإن كان مناسبا لكل المطلوب : كما لو كان مطلوبنا أنّ النهار موجود ، فقلنا : إن كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود ؛ فالمناسب للمطلوب طلوع الشمس.
ولا (٢) يكفى ذلك فى المطلوب ، دون استثناء عين ملزومه ؛ وهو أن يقول : لكن الشمس طالعة ؛ فيلزم أن يكون النهار موجودا ؛ وهما مقدمتان ، لا يتم المطلوب دونهما ؛ ولا يفتقر إلى غيرهما.
وإن كان مناسبا لنقيض المطلوب : كما لو كان مطلوبنا : أن الشمس ليست طالعة. فقلنا : إن كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود ؛ فالمذكور إنما هو نقيض المطلوب : وهو طلوع الشمس. والمناسب له وجود النهار. ولا يكفى ذلك فى المطلوب دون استثناء نقيض لازم نقيض المطلوب : وهو أن النهار ، ليس بموجود ؛ فيلزم منه انتفاء ملزومه ؛ وهو طلوع الشمس ؛ وهو عين المطلوب ، من غير حاجة إلى مقدمة أخرى.
__________________
(١) ساقط من (ب).
(٢) فى ب (ولا يكون).
وإن كان مناسبا لجزء المطلوب : كما لو كان مطلوبنا : أن العالم حادث فقلنا : العالم مؤلف ؛ فالمؤلف مناسب للعالم ؛ وهو موضوع المطلوب ؛ فلا بد وأن يكون المؤلف مناسبا / لمحمول المطلوب وهو الحادث.
وهو أن يقول : وكل مؤلف حادث ، حتى يلزم العالم حادث ، ولا يتم المطلوب دون هذين العلمين التصديقيين من غير حاجة إلى ثالث.
فقد بان أنه لا بدّ من علمين تصديقيين سابقين ؛ هما مقدمتا المطلوب. ولا يكفى ذلك ؛ بل لا بدّ من ترتيب خاص ، وهيئة معينة بين العلمين التصديقيين كما يأتى ، وإلا كان كل ترتيب يلزم عنه المطلوب ؛ وهو محال.
فالمعانى السابقة ، المناسبة للمطلوب ؛ كالمادة للدليل ، والتأليف الخاص كالصورة ؛ وهو مركب منهما ، ولا يصح إلا بصحتهما. وفساده قد يكون بفسادهما ، أو بفساد أحدهما.
الفصل الثالث
فى أقسام مقدّمات الدليل (١)
ولما بان أن الدليل العقلى ، لا يتم إلا من (٢) مقدمتين (٢) تصديقيتين. فالمقدمة لا تخلو : إما أن لا يوجد فى أحد جزئيها عند التحليل نسبة خبرية ، أو يوجد.
فإن كان الأول :
فتسمى (٣) حملية : [وهى ما يحكم (٤) فيها] بشيء على غيره ، أنه هو ، أو ليس هو.
والمحكوم عليه : يسمى موضوعا.
والمحكوم به : يسمى محمولا.
والموضوع فيهما : إما أن يكون شخصيا ، أو كليا.
فإن كان شخصيا : فتسمى مخصوصة وشخصية : وهى إما موجبة ، وإما سالبة : فالموجبة : قولنا : زيد إنسان ،
والسالبة : قولنا : زيد ليس هو حجرا.
وإن كان الموضوع كليا : فإما أن يدخل عليه سور يبين كمية نسبة المحمول إليه ، [أو لا (٥)].
فإن كان الأول : فإما أن يكون السور كليا ، أو جزئيا.
فإن كان كليا : فتسمى محصورة كلية
وهى : إما موجبة ، أو سالبة.
فالموجبة : كقولنا : كل إنسان حيوان.
والسالبة : كقولنا : لا شيء من الإنسان حجرا.
__________________
(١) انظر شرح الطوالع ص ١٩ ـ ٢١.
(٢) فى ب (بمقدمتين).
(٣) فى ب (تسمى).
(٤) فى أ (وهو ما يحكم).
(٥) فى أ (أو ليس).
وإن كان السور جزئيا : فتسمى محصورة جزئية :
وهى : إما موجبة ، أو سالبة.
فالموجبة : كقولنا : بعض الحيوان إنسان.
والسالبة : كقولنا : ليس كل حيوان إنسانا.
وإن لم يدخل على الموضوع سور : فتسمى مهملة : كقولنا : الإنسان حيوان.
ولما احتمل أن يصدق كلية ، وجزئية. وصدق الجزئية لازم من صدق الكلية ، ولا عكس ؛ كان حكمها حكم جزئية محصورة ؛ لتيقنها.
هذا إن قلنا : إن الألف واللام ليست للعموم فى لغة العرب ، وإلا فلا مهمل فى لغتهم ؛ بل هى محصورة كلية.
وإن كان الثانى :
وهو أن يوجد لأجزاء المقدمة عند التحليل نسبة خبرية : فتسمى شرطية. وهى إما أن تكون النسبة بين جزئيها فى حالة الإيجاب باللزوم / والاتصال ، وإما بالعناد والانفصال.
فالأولى تسمى : متصلة.
والثانية تسمى. منفصلة.
أما المتّصلة : فمنها كلية موجبة. كقولنا : كلّما كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود. ومنها كلية سالبة. كقولنا : ليس البتة إذا كانت الشمس طالعة فالليل (١) موجود.
ومنها جزئية موجبة. كقولنا : قد يكون إذا كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود.
ومنها جزئية سالبة. كقولنا : ليس كلما كانت الشمس طالعة ؛ فالليل موجود.
وأما المنفصلة :
فمنها : ما هى حقيقية ، ومنها ما هى غير حقيقية.
__________________
(١) فى ب (فالنهار) وهو خطأ.
أما الحقيقية : فهى [ما لفظها (١)] إما ، وإما فيها مانعة الجمع بين الجزءين ، والخلو منهما.
وهى إما كلية موجبة : كقولنا : دائما إما أن يكون العدد زوجا ، وإما فردا.
وإما كلية سالبة : كقولنا : دائما ليس إما أن يكون العدد زوجا ، وإما منقسما بمتساويين.
وإما جزئية موجبة : كقولنا : قد يكون إما أن يكون العدد زوجا ، وإما فردا.
وإما جزئية سالبة : كقولنا : ليس دائما إما أن يكون العدد زوجا ، وإما منقسما بمتساويين.
وأما غير الحقيقيّة : فإما مانعة الجمع دون الخلو ، أو مانعة الخلو دون الجمع.
فإن كانت مانعة الجمع دون الخلو :
فإما كلية موجبة. كقولنا : دائما إما أن يكون المتحرك جمادا ، وإما نباتا.
وإما كلية سالبة. كقولنا : دائما ليس إما أن يكون المتحرك إنسانا ، وإما ناطقا.
ولا يخفى مثال الجزءين [منهما (٢)].
وأما إن كانت مانعة الخلو دون الجمع :
فإما كلية موجبة : كقولنا : دائما إما أن يكون الجسم لا أسود ، وإما لا أبيض.
وإما كلية سالبة : كقولنا : دائما ليس إما أن يكون الجسم أبيض ، وإما أسود.
ولا يخفى مثال الجزءين منهما.
فهذه هى جملة أصناف المقدمات (٣).
__________________
(١) فى أ (ما لفظه).
(٢) ساقط من (أ).
(٣) انظر دقائق الحقائق ل ٤٨ / ب ـ ٩٣ / ب المقالة الثالثة (خ).
الفصل الرابع
فى انقسام مقدمات الدليل إلى قطعية ، وغير قطعية (١)
والمقدمات منها قطعية ، وغير قطعية :
أما القطعية : فأنواع سبعة :
النوع (٢) الأول : الأوليات :
وهى التى يصدق العقل بها عند تصور مفرداتها ، من غير توقف على نظر واستدلال ، ولا يجد الإنسان من نفسه بعد تصور المفردات الخلو عنها : كالعلم بأن النفى والإثبات لا يجتمعان ، وأن الواحد أقل من الاثنين ، ونحوه.
الثانى : المقدمات النظريّة القياس :
وهى كل قضية أوجب التصديق / بها ، التصديق الضرورى بمقدماتها (٣) : كالعلم بأن الأربعة زوج ؛ لعلمنا بأن الأربعة منقسمة بمتساويين ؛ وكل منقسم بمتساويين زوج.
الثالث : المشاهدات :
وهى كل قضية صدق العقل بها ، بواسطة الحس : كعلمنا بحرارة النار ، وبرودة الثلج ، ونحوه.
الرابع : المجرّبات :
وهى كل قضية يصدق العقل بها بواسطة الحس مع التكرار ، ونوع من النظر : كالعلم بأن السقمونيا يسهل الصفراء.
الخامس : الحدسيّات :
وهى كل قضية يصدق العقل بها بواسطة الحدس : كالعلم بحكمة صانع العالم ، عند رؤية العالم على غاية الحكمة ، والإتقان.
__________________
(١) انظر شرح الطوالع ص ٢٦ ـ ٢٨ ثم قارن بشرح المواقف ١ / ١٤٧ ـ ١٥٣ حيث ينقل صاحب المواقف ما أورده الآمدي هنا.
(٢) ساقط من (ب).
(٣) فى ب (بمقدماته).
السادس : المتواترات :
وهى كل قضية صدق (١) العقل بها بواسطة إخبار جماعة. يؤمن من مثلهم التواطؤ على الكذب : كالعلم بوجود مكة ، وبغداد ، ونحوه.
السابع : الوهميات فى المحسوسات :
كالعلم (٢) بأن كل جسم يجب أن يكون مشارا إليه ، وإلى جهته. فهذه هى المقدمات اليقينية ، التى يجب انتهاء الدليل إليها ، قطعا للتسلسل.
والدليل المنتهى إليها يكون ـ إن كانت صورته صحيحة كما يأتى (٣) ـ قطعيا. إلا أن ما حصل لبعض الناس من تجربة ، أو تواتر ، أو حدس ، وإن كان حجة عليه مع نفسه ، فلا يكون حجة على غيره إلا أن يشاركه فيما حصل له.
وأما المقدمات التى ليست قطعيّة : فمنها ظنية ، ومنها غير ظنية :
أما الظنية :
وهى ما يصدق العقل بها مع تجويز نقيضها ، تجويزا بعيدا ؛ فأنواع أربعة :
الأول : المسلّمات :
وهى كل قضية يصدق العقل بها على أنها مبرهنة فى علم آخر.
الثانى : المشهورات :
وهى القضايا التى أوجب التصديق بها ، اتفاق الجم الغفير ، والعدد الكثير عليها : كالحكم بأن العدل حسن لذاته ، والجور قبيح لذاته.
الثالث : المقبولات :
وهى القضايا التى يصدق العقل بها ؛ لحسن الظن بمن أخذت عنه : كاعتقاد ما يأخذه التلميذ عن أستاذه ، ونحوه.
__________________
(١) فى ب (يصدق).
(٢) فى ب (كالحكم).
(٣) انظر ل ٣٥ / أوما بعدها.
الرابع : ما أوجب التصديق بها قرائن الأحوال الظاهرة :
كالتصديق بنزول المطر ، عند طلوع السحاب ، ونحوه.
فهذه هى مقدمات الدليل الظنى.
وأما الغير ظنية (١) :
فإما أن تؤثر فى النفس تأثيرا ، من ترغيب ونفرة من غير تصديق بها ، أو لا تؤثر شيئا أصلا. /
والأولى (٢) : تسمى المخيلات (٢) : وهى ما تقال لأجل الترغيب فيما يقصد الترغيب فيه ، أو التنفير عما يقصد التنفير عنه : كتشبيه العسل بالمرة الصفراء ، ونحوه.
فهذه هى مقدمات الدليل التخييلى.
وإن لم تكن مؤثرة تأثيرا ما ، أو كانت مؤثرة ، لكنها كاذبة فى نفسى الأمر ؛ فالدليل المركب منها يكون فاسدا.
__________________
(١) فى ب (الظنى).
(٢) فى ب (فالأولى المخيلات).
الفصل الخامس
فى أصناف صور الدّليل ، وتنوع تأليفه (١).
فإذا (٢) بان أن الدليل لا بدّ وأن يكون مناسبا للمطلوب : فإما أن يكون مناسبا لجزء المطلوب ، أو (٣) لجملة المطلوب (٣).
فإن كان الأول : فيسمى اقترانيا.
وإن كان الثانى : فيسمى استثنائيا.
أما الاقتراني (٤) : فلا بد فيه من مقدمتين ، كل مقدمة تشتمل على مفردين ، أحدهما : يسمى موضوعا ؛ وهو المحكوم عليه ، بأنه الآخر ، أو ليس ، والآخر : يسمى محمولا : وهو المحكوم به على الآخر أنه هو ، أو ليس هو ، إلا أن أحد المفردات لا بدّ وأن تكون متكررة فى المقدمتين ويسمى حدا أوسط. والجزءان المختلفان فى المقدمتين ؛ هما جزءا المطلوب.
إلا أن ما كان منهما محمولا فى المطلوب ؛ يسمى حدا أكبر.
وما كان منهما موضوعا فى المطلوب يسمى حدا أصغر.
والمقدمة التى فيها الأصغر ؛ تسمى صغرى.
والتى فيها الأكبر ؛ تسمى كبرى.
وهو أربعة أنواع :
لأنه : إما أن يكون الحد الأوسط محمولا فى الصغرى ، موضوعا فى الكبرى ، وإما محمولا فيهما ، وإما موضوعا فيهما ، وإما موضوعا فى الصغرى ، ومحمولا فى الكبرى.
أما النوع الأول :
فشرط لزوم المطلوب عنه ، إيجاب صغراه ، وأن تكون فى حكم الموجبة ، وهى أن تكون ممكنة سالبة ، وإلا فلا يلزم من الحكم على أحد المتباينين بأمر ، الحكم به على
__________________
(١) انظر شرح الطوالع من ٢١ ـ ٢٥.
(٢) فى ب (وإذ)
(٣) ساقط من (ب)
(٤) انظر دقائق الحقائق من ل ٩٣ / ب وما بعدها. (خ)
الآخر ، لا إيجابا ، ولا سلبا ، وأن تكون كبراه كلية ، وإلا فالحد الأوسط مختلف (١).
وهو أربعة أضرب : الضّرب الأول : من كليتين موجبتين : كقولنا : كل إنسان حيوان ، وكل حيوان جسم ؛ فاللازم (٢) كل إنسان جسم.
الضّرب الثانى : من كليتين ، والكبرى سالبة :
كقولنا : كل إنسان حيوان ، ولا شيء من الحيوان حجر ؛ فاللازم (٣) لا شيء من الإنسان حجرا.
الضّرب الثالث : من موجبتين ، والصغرى جزئية :
[كقولنا (٤) : بعض الحيوان إنسان (٤)] ، وكل إنسان ناطق ؛ فاللازم بعض الحيوان ناطق.
الضّرب الرابع : من جزئية / صغرى موجبة ، وكلية كبرى سالبة.
كقولنا : بعض الحيوان إنسان ، ولا شيء من الإنسان حجرا ؛ فاللازم : بعض الحيوان ليس حجرا.
واللزوم فى هذه الضروب بين ؛ لأن الحكم على العام يكون حكما على الخاص.
وأما النوع الثانى (٥) :
وهو ما الحدّ الأوسط فيه محمول فى المقدمتين.
فشرط لزوم المطلوب عنه :
اختلاف مقدمتيه فى الإيجاب والسلب ، وإلا فلا يلزم من إيجاب شيء لشيئين ، أو سلبه عنهما ، إيجاب أحد الشيئين للآخر (٦) ، ولا سلبه عنه (٦).
__________________
(١) فى ب (يكون مختلفا)
(٢) فى ب (واللازم)
(٣) فى ب (واللازم)
(٤) فى أ (كقوله : بعض الإنسان حيوان)
(٥) انظر دقائق الحقائق ل ١٠٧ / ب وما بعدها. (خ)
(٦) فى ب (عن الآخر ولا سلبه عنهما)
وأن تكون كبراه كلية ، وإلا فالجزء الخارج عن المحمول فى الكبرى من الموضوع أمكن أن يكون مسلوبا عن الحد الأصغر ، وأمكن أن يكون ثابتا له ؛ فلا انتاج ، لا سلبا ، ولا إيجابا ؛ فلا ينتج غير السالب.
وهو أيضا أربعة أضرب :
الضّرب الأول : من كليتين ، والكبرى سالبة.
كقولنا : كل إنسان حيوان ، ولا شيء من الحجر حيوان ؛ فاللازم : لا شيء من الإنسان حجرا.
الضّرب الثانى : من كليتين ، والصغرى سالبة :
كقولنا : لا شيء من الإنسان فرسا ، وكل صاهل فرس ؛ فاللازم : لا شيء من الإنسان صاهل.
الضّرب الثالث : من جزئية صغرى موجبة ، وكلية كبرى سالبة : كقولنا : بعض الحيوان إنسان ، ولا شيء من الحجر إنسان ؛ فبعض الحيوان ليس حجرا.
الضّرب الرابع : من جزئية صغرى سالبة ، وكلية كبرى موجبة :
كقولنا : بعض الحيوان ليس إنسانا ، وكل ناطق إنسان ، فبعض الحيوان ليس ناطقا. واللزوم فى هذه الضروب غير بين إلا ببيان ؛ وهو أن يقول :
إن لم يصدق المطلوب فى كل واحد من هذه الضروب ، صدق نقيضه ، ثم يجعل نقيض المطلوب صغرى للكبرى فى الكل ؛ فإنه ينتج نقيض (١) المقدمة الصغرى الصادقة من أحد ضروب النوع الأول البين ؛ وهو محال.
وليس المحال لازما عن نفس الصورة ؛ لأنها حقه.
ولا عن نفس المقدمة الكبرى ؛ لأنها صادقة.
فلم يبق لزومه (٢) إلا عن نقيض المطلوب ؛ فيكون كاذبا ، ويلزم من كذبه صدق المطلوب.
__________________
(١) فى ب (بعض)
(٢) فى ب (اللزوم)