والالتفات الى أن الصبي محجور عليه ، فلا تصح اجارته ، كما لا يصح بيعه.
قال رحمهالله : لو قال : ان عملت هذا العمل في اليوم ، فلك درهمان ، وفي غد درهم ، فيه تردد ، أظهره الجواز.
اقول : منشؤه : النظر الى الاصل ، ويؤيده عموم قوله « الشرط جائز بين المسلمين » واختاره الشيخ في الخلاف (١).
والالتفات الى تطرق الجهالة للاجرة ، فتكون الاجارة باطلة ، وهو اختيار المتأخر محتجا بما ذكرناه ، وبأن الاجارة حكم شرعي ، وحيث لا شرع فلا حكم ثم قال : وان قلنا هذه جعالة كان قويا ، ولقائل أن يمنع المقدمة الاولى.
قال رحمهالله : ولو قدر المدة والعمل ، مثل أن يستأجره ليخيط هذا الثوب في هذا اليوم ، قيل : يبطل ، لان استيفاء العمل في المدة قد لا يتفق ، وفيه تردد.
اقول : القائل بهذا القول هو الشيخ في المبسوط (٢) ، ومنشأ التردد : النظر الى الاصل ، ويؤيده عموم قوله عليهالسلام وقد تقدم ، ومثله من استأجر دابة ليحمل عليها شيئا في وقت بعينه (٣) مضاهية لهذه ، وهي جائزة بالاجماع ، فحينئذ ان اتفق حصول العمل في المدة المضروبة فلا بحث ، والا كان له اجرة المثل دون المسمى.
والالتفات الى محض الغرر المنهي عنه شرعا في هذه الصورة ، فتكون الاجارة باطلة ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط.
قال رحمهالله : واذا سلم العين المستأجرة ومضت مدة يمكن فيها استيفاء المنفعة ، لزمته الاجرة ، وفيه تفصيل.
اقول : الظاهر أن المراد بهذا التفصيل ما ذكره الشيخ رحمهالله في المبسوط بعد هذا الكلام بلا فصل ، فانه قال : اذا كانت الاجارة معينة والمنفعة معلومة بتقدير
__________________
(١) الخلاف ١ / ٧١٣.
(٢) المبسوط ٣ / ٢٢١.
(٣) فى « س » : معين.
الزمان أو العمل أو بهما ، وأما اذا كانت في الذمة مثل أن يقول : استأجرت منك ظهرا للركوب ، ووصف الشرائط التي تضبط بها من ذكر الجنس والنوع وغيرهما جاز ذلك ، وعليه تسليم الظهر إليه على الصفات المشترطة ، وجوزها حالة ومؤجلة.
ثم قال : اذا ثبت هذا ، فاذا سلم إليه الظهر في وقته وتلف قبل استيفاء المنافع كان له الاستبدال ، لان العقد لم يتناول عينا ، كالثمن اذا كان في الذمة (١).
وأطلق القول في الخلاف (٢) ، باستقرار الاجرة مع مضي قدر ما يمكن استيفاء المنفعة فيه.
قال رحمهالله : ويلزم مؤجر الدابة كل ما يحتاج إليه في امكان الركوب ، من الرحل والقتب وآلته والحزام والزمام ، وفي رفع المحمل وشده تردد ، أشبهه اللزوم.
أقول : منشؤه : النظر الى اصالة براءة ذمة المؤجر ، ترك العمل بها في الصورة الاولى ، فيبقى معمولا بها فيما عداها.
والالتفات الى أن التمكن من الركوب واجب على المؤجر ، ولا يتم الا برفع المحمل وشده ، وحكى الشيخ في المبسوط (٣) الوجهين ، ولم يختر شيئا.
قال رحمهالله : ولو اكترى دابة فسار عليها ـ الى قوله : أو كبحها.
أقول : الكبح بالباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة : جذب الزمام بعنف ، حتى يكون خارجا عن العادة.
قال رحمهالله : ولو حفرها فانهارت.
اقول : يقال انهارت البئر اذا انهدمت ، قال الله تعالى « فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ
__________________
(١) المبسوط ٣ / ٢٣١ ـ ٢٣٢.
(٢) الخلاف ١ / ٧١٠.
(٣) المبسوط ٣ / ٢٢٨.
جَهَنَّمَ » (١).
قال رحمهالله : ويجوز استئجار المرأة للرضاع مدة معينة باذن الزوج ، فان لم يأذن ، فيه تردد ، والجواز أشبه ، اذا لم يمنع الرضاع من حقه.
اقول : منشؤه : النظر الى الاصل الدال على الجواز.
والالتفات الى أن منافع المرأة مملوكة للزوج بالعقد ، فلا يصح التصرف فيها الا باذنه ، وهو اختيار المتأخر ، متبعا للشيخ في الخلاف (٢) والمبسوط (٣) ، ونمنع كونها مملوكة مطلقا ، بل المملوك الوطي وما يتوقف عليه ، فحينئذ يجوز الاستيجار اذا لم يكن مانعا من الوطي. أما لو منع ، لم يجز قولا واحدا.
قال رحمهالله : وهل يشترط ذكر الموضع الذي ترضعه فيه؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.
أقول : القائل الشيخ رحمهالله في المبسوط (٤) ، والتردد منشؤه : النظر الى أصالتي الجواز من التعيين وعدم الاشتراط.
والالتفات الى ان الاغراض في ذلك تختلف ، وتتفاوت الاجر بسبب اختلاف محال الارضاع ، فان الارضاع في بيت المرضعة أسهل لها ، فيكون أقل اجرة من غيره ، وفي بيت الصبي أو غيره أشق عليها ، فيكون أكثر اجرة ، فيجب تعيين الموضع دفعا للغرر الناشي من ابهامه.
ولو أطلقاه ، بطل العقد ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، ولعله الاقرب.
قال رحمهالله : ولو مات أبو الصبي هل يبطل العقد؟ يبنى على القولين.
__________________
(١) سورة التوبة : ١٠٩.
(٢) الخلاف ١ / ٧١٤.
(٣) المبسوط ٣ / ٢٣٨.
(٤) المبسوط ٣ / ٢٣٨.
أقول : المراد بالقولين ما ذكره أولا ، من أن الاجارة هل تبطل بالموت أو لا؟ فان قلنا بالبطلان بطلت بموت المستأجر ، والا فلا.
قال رحمهالله : وهل يجوز استئجار الحائط المزوق للتنزه؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.
اقول : القائل بالجواز هو المتأخر ، ومنشأ التردد : النظر الى الاصل الدال على الجواز ، ولانه عين مملوكة يمكن الانتفاع به مع بقائه ، فتصح اجارته. أما الصغرى ، ففرضية. وأما الكبرى فاجماعية.
والالتفات الى أن التنزه ليس بغرض مقصود للعقلاء ، فيكون عبثا ، فتكون الاجارة باطلة ، لاشتمالها على وجه قبح ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف (١) والمبسوط (٢) ، وجوزه المتأخر.
فرع :
قال الشيخ رحمهالله : وكذا الحكم لو استأجر بناء محكما للتعلم منه والنظر إليه.
قال رحمهالله : السادس ـ أن تكون المنفعة مقدورا على تسليمها ، فلو آجر عبدا آبقا لم تصح ، ولو ضم إليه ، وفيه تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى أن القدرة شرط ، وهي منتفية هنا ، فينتفي مشروطها وهو الاجارة.
والالتفات الى أن بيعه كذلك جائز ، فتكون اجارته أيضا كذلك جائزة لتساويهما.
قال رحمهالله : ولو منعه المؤجر منه ، سقطت الاجارة ، وهل للمستأجر أن
__________________
(١) الخلاف ١ / ٧١٦ مسألة ٢٤.
(٢) المبسوط ٣ / ٢٣٨.
يلتزم ويطالب المؤجر بالتفاوت؟ فيه تردد ، الاظهر نعم.
اقول : منشؤه : النظر الى أن المستأجر يملك المنفعة بنفس العقد ، فاذا منعها المؤجر كان عاصيا ، فيكون للمستأجر مطالبته بأجرة المثل ، كما لو غصب غيرها من أعيان ماله.
والالتفات الى أن القبض شرط في صحة الاجارة ، بدليل بطلانها بتلف المعقود عليه قبل القبض ولم يحصل ، فتكون الاجارة باطلة.
قال رحمهالله : واذا انهدم المسكن ، كان للمستأجر فسخ الاجارة ، الا أن يعيده صاحبه ويمكنه منه ، وفيه تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى الاستصحاب ، وتقريره : أن الانهدام موجب للتسلط على فسخ الاجارة قبل الاعادة ، هكذا بعدها.
والالتفات الى أن المقتضي للتسلط على الفسخ وهو الانهدام قد زال ، فيزوله معلوله وهو الفسخ.
قال رحمهالله : ولو آجر الولي صبيا مدة يعلم بلوغه فيها ، بطلت في المتيقن وصحت في المحتمل ، ولو اتفق البلوغ فيه ، وهل للصبي الفسخ بعد بلوغه؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.
اقول : منشؤه : النظر الى أن عقد الولي مأذون فيه شرعا ، فيكون لازما للصبي ولا يجوز له فسخه. أما المقدمة الاولى ، فلثبوت الولاية له عليه حينئذ. وأما الثانية فلقوله تعالى « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » (١) وهو الذي قواه الشيخ أولا.
والالتفات الى وجود البلوغ المقتضي للتسلط على النفس ، فيكون له الفسخ وهو الذي اختاره الشيخ ثانيا ، وثبوت ولاية الولي أولا لا ينافي ثبوت الخيار للصبي أخيرا.
__________________
(١) سورة المائدة : ١.
قال رحمهالله : وتصح الوكالة في الطلاق للغائب اجماعا ، وللحاضر على الاظهر.
اقول : ذهب الشيخ في النهاية (١) الى أنه لا يصح توكيل الحاضر في الطلاق عنه ، وتبعه أبو الصلاح وابن البراج ، عملا برواية (٢) ضعيفة ، تعارضها روايات مشهورة صحيحة ، مؤيدة بعمل أكثر الاصحاب.
قال رحمهالله : ويجوز أن تتوكل المرأة في طلاق غيرها ، وهل تصح في طلاق نفسها؟ قيل : لا ، وفيه تردد.
اقول : منشؤه : النظر الى الاصل ، ولانه يصح أن تكون وكيلة في طلاق غيرها فكذا في طلاق نفسها ، اذ لا فرق.
والالتفات الى ظاهر قوله عليهالسلام « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (٣) دل بمفهومه على انتفاء وقوع الطلاق من غير الزوج ، ترك العمل به في بعض الصور للدليل فيبقى معمولا به فيما عداها ، وهو اختيار الشيخ والمتأخر.
قال رحمهالله : ولا يتوكل الذمي على المسلم للذمي ولا للمسلم ، على القول المشهور ، وهل يتوكل المسلم للذمي على المسلم؟ فيه تردد ، والوجه الجواز على كراهية.
اقول : اعلم أن الوكيل في مثل هذه الصور : اما مسلم ، أو ذمي ، فان كان الاول ، فمسائله أربع :
الاولى : أن يتوكل لمسلم على مسلم ، وجوازه ظاهر.
الثانية : أن يتوكل له على ذمي ، وهو ظاهر أيضا.
__________________
(١) النهاية ص ٣١٧.
(٢) تهذيب الاحكام ٦ / ٢١٤ ، ح ٤.
(٣) سنن ابن ماجة ١ / ٦٧٢ ، برقم : ٢٠٨١.
الثالثة : أن يتوكل للذمي على مثله.
الرابعة : أن يتوكل له على مسلم ، وقد تردد فيه المصنف ، ومنشؤه : النظر الى الاصل الدال على الجواز ، وعليه أكثر الاصحاب.
والالتفات الى أن في هذه الوكالة ثبوت نوع سلطنة للكافر على المسلم ، اذ يد الوكيل يد الموكل الذي هو كافر ، فلا يصح عملا بالآية ، وهو ظاهر كلام الشيخ المفيد والشيخ وسلار.
وان كان الثاني ، فمسائله أربع :
الاولى : أن يتوكل لذمي على ذمي ، ولا خلاف في جوازه.
الثانية : أن يتوكل له على مسلم ، والمشهور منعه لما ذكرناه أولا.
الثالثة : أن يتوكل لمسلم على مسلم ، وهو غير جائز.
الرابعة : أن يتوكل له على ذمي ، وهو ظاهر الجواز.
قال رحمهالله : ولو اختلفا في لفظ العقد ، بأن يشهد أحدهما بأن الموكل قال : وكلتك ، ويشهد آخر أنه قال : استنبتك ، لم تقبل ، لانها شهادة على عقدين اذ صيغة كل منهما مخالفة للاخرى ، وفيه تردد ، اذ مرجعه الى أنهما شهدا في وقتين.
أقول : ينشأ : من النظر الى أن هذه الولاية حكم شرعي ، فيقف على دليله وليس ، ولان شرط قبول شهادة الشاهدين تواردهما على العقد ، وهو منتف هنا ، اذ العقد بقوله « وكلتك » غير بقوله « استنبتك » وهو خيرة الشيخ في المبسوط (١).
ومن الالتفات الى أن المعتبر في قبول الشهادة اتفاقهما على المعنى الواحد ، وهو موجود هنا ، اذ هما مترادفان ، ولان حاصل هذه الشهادة يرجع الى أن الشاهدين قد شهدا في وقتين ، وقد بينا قبول هذه لعدم الفرق. وفيه نظر ، فانا
__________________
(١) المبسوط ٢ / ٣٧٦.
نمنع قبول تلك الشهادة ، كما هو رأي الشيخ.
قال رحمهالله : لو ادعى الوكالة عن غائب في قبض ماله من غريم ـ الى قوله : وكذا لو كان الحق دينا ، وفيه تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى أن الغريم مصدق لدعوى الوكالة ، فيجب عليه تسليم الحق الى من اعترف أنه وكيل ، لعموم قوله عليهالسلام « اقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١).
والالتفات الى أن تصادق الغريم والوكيل على الوكالة اثبات لنوع ولاية على التصرف في مال الغير ، فلا تسمع الا ببينة.
واعلم أن المتأخر أوجب التسليم الى الوكيل مع تصديق الغريم في دعوى الوكالة وأطلق ، والشيخ رحمهالله لم يوجب التسليم مطلقا ، والتفصيل حسن ، وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة.
قال رحمهالله : الوكيل في الايداع ـ الى آخره.
أقول : قد مر ما يضاهي هذا البحث في كتاب الوديعة.
قال رحمهالله : اذا أذن الموكل لوكيله في بيع ماله من نفسه فباع ، جاز وفيه تردد. وكذا في النكاح.
أقول : منشؤه : النظر الى الاصل. والالتفات الى أن الشخص الواحد لا يجوز أن يكون موجبا قابلا ، وهو اختيار الشيخ رحمهالله ، واختاره ابن الجنيد والمتأخر.
قال رحمهالله : لو وكل بقبض دينه من غريم له ، فأقر الوكيل بالقبض وصدقه الغريم وأنكر الموكل ، فالقول قول الموكل ، وفيه تردد.
اقول : منشؤه : النظر الى كون الوكيل مدعيا والموكل منكرا ، فيكون
__________________
(١) عوالى اللئالى ١ / ٢٢٣ و ٢ / ٢٥٧ و ٣ / ٤٤٢.
القول قوله ، عملا بقوله عليهالسلام « واليمين على من أنكر » (١).
والالتفات الى كون الوكيل أمينا ، فيكون القول قوله ، ولانه أقر بماله أن يفعله.
قال رحمهالله : وفي وقف من بلغ عشرا تردد ، والمروي جواز صدقته ، والاولى المنع ، لتوقف رفع الحجر على البلوغ والرشد.
اقول : منشؤه : النظر الى الاصل ، ويؤيده رواية زرعة عن سماعة قال : سألته عن طلاق الغلام ولم يحتلم وصدقته ، فقال : اذا طلق للسنة ووضع الصدقة في موضعها ، فلا بأس ، وهو جائز (٢).
قال الشيخ رحمهالله في الاستبصار : وقد حد ذلك بعشر سنين (٣). وبه أفتى في النهاية.
والالتفات الى أن الحجر ثابت ، فيتوقف رفعه على ثبوت المزيل قطعا ، وهو اما بلوغ خمس عشر سنة ، أو الانبات ، أو الاحتلام ، وبه أفتى المتأخر ، وهو المختار ، وتحمل الرواية على من بلغ بأحد الامرين الاولين دون الثالث.
قال رحمهالله : ولو وقف على من لا يملك ثم على من يملك ، فيه تردد ، والمنع أشبه.
اقول : منشؤه : النظر الى الاصل الدال على الصحة ، ترك العمل به في صورة حصول الوقف على من لا يملك فقط ، فيبقى معمولا به فيما عداه ، ويؤيده عموم قوله عليهالسلام « الناس مسلطون على أموالهم » (٤). وبه أفتى الشيخ رحمهالله في الخلاف (٥) ، محتجا بالاصل وعدم الدليل على الابطال ، وبأن بطلانه في
__________________
(١) عوالى اللئالى ١ / ٢٤٤ و ٤٥٣ و ٢ / ٢٥٨ و ٣٤٥ و ٣ / ٥٢٣.
(٢) الاستبصار ٣ / ٣٠٣.
(٣) الاستبصار ٣ / ٣٠٣.
(٤) عوالى اللئالى ١ / ٢٢٢ و ٤٥٧ و ٢ / ١٣٨ و ٣ / ٢٠٨.
(٥) الخلاف ٢ / ٩ مسألة ١٠.
أحدهما ـ وهو من لا يملك ـ لا يستلزم بطلانه في الاخر.
والالتفات الى أن صحة ذلك حكم شرعي ، فتقف على الدلالة الشرعية ، وحيث لا دلالة فلا حكم ، ولانه علق تمليك هؤلاء ـ أعني : الموجودين ـ على شرط ولم يوجد ، فيكون هذا التمليك منتفيا قضية للشرط.
قال الشيخ رحمهالله في المبسوط : هذا الذي يقتضيه مذهبنا (١). ثم قوى بعد القول بالصحة.
قال رحمهالله : وفي صحة الوقف على الحربي تردد ، أشبهه المنع.
اقول : منشؤه : النظر الى مقتضى الاصل ، ويؤيده عموم قوله عليهالسلام « الناس مسلطون على أموالهم ».
والالتفات الى عموم النهي عن موادة المحاد لله ولرسوله ، والوقف نوع موادة. وهذا شامل للذمي وغيره من أصناف الكفار ، ترك العمل به في صورة جواز الوقف على الذمي ، لوجود المخصص ، فيبقى معمولا به فيما عداه.
قال رحمهالله : ولو وقف على أولاده الاصاغر ـ الى قوله : وفي الوصي تردد ، أظهره الصحة.
اقول : قد مر ما يضاهي هذه المسألة في باب الوكالة.
قال رحمهالله : ولو وقف حصة من عبد ، ثم أعتقه ـ الى قوله : الشريك مضى العتق في حصته ولم يقوم عليه ، لان العتق لا ينفذ فيه مباشرة ، فأولى أن لا ينفذ سراية.
ويلزم من القول بانتقاله الى الموقوف عليه افتكاكه من الرق ، ويفرق بين العتق مباشرة وبينه سراية ، بأن العتق مباشرة يتوقف على انحصار الملك في المباشر ، أو فيه وفي شريكه ، وليس كذلك افتكاكه ، فانه ازالة للرق شرعا ، فيسري
__________________
(١) المبسوط ٣ / ٢٩٣.
في باقيه ، ويضمن الشريك القيمة ، لانه يجري مجرى الاتلاف ، وفيه تردد.
أقول : القول الاول ذكره الشيخ رحمهالله في المبسوط (١) ، والفرق بين العتق مباشرة وبين العتق سراية من المصنف رحمهالله.
ومنشأ تردده فيه : النظر الى كون عتق السراية (٢) جاريا مجرى الاتلاف. والالتفات الى تعلق حق البطون به ، فلا يفيد فيه العتق سراية ، ولما فيه من الاضرار المنفي شرعا.
ولقائل أن يمنع قوة المباشرة ويدعي قوة السراية ، بدلالة انها مزيلة للرق مطلقا ، بخلاف المباشرة ، لتوقف ازالتها على سبق الملك على العتق ، ولا جرم أن الذي لا يتوقف مباشرته على شرط ، أقوى من المتوقف تأثيره عليه.
قال رحمهالله : اذا آجر البطن الاول [ الوقف مدة ] ثم انقرضوا في أثنائها فان قلنا الموت تبطل الاجارة فلا كلام ، وان لم نقل فهل يبطل هنا؟ فيه تردد ، أظهره البطلان ، لانا بينا أن هذه المدة ليست للموجودين.
أقول : منشؤه : النظر الى أن الاجارة عقد لازم ، فلا يجوز فسخها ، خصوصا مع القول بأن الموت لا تبطلها.
والالتفات الى أن قد بينا أنهم تصرفوا في حق الغير ، أعني : البطن الثاني ، فيكون له الفسخ ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف (٣) والمبسوط (٤). وفي الجمع بين القول بعدم بطلان الاجارة بالموت وبطلانها في هذه الصورة ، تعسف ظاهر.
قال رحمهالله : ولا يجوز للموقوف عليه وطء الامة الموقوفة ، لانه لا يختص بملكها. ولو أولدها كان حرا ولا قيمة عليه ، لانه لا يجب له على نفسه غرم ، وهل
__________________
(١) المبسوط ٣ / ٢٨٨.
(٢) فى « س » : العتق بالسراية.
(٣) الخلاف ٢ / ١٢ مسألة ٢٤.
(٤) المبسوط ٣ / ٣٠١.
تصير أم ولد؟ قيل : نعم وتنعتق بموته وتؤخذ القيمة من تركته لمن يليه من البطون وفيه تردد.
اقول : منشؤه : النظر الى كونها أم ولده ، فتنعتق بموته ، كغيرها من امهات الاولاد.
والالتفات الى تعلق حق البطون بها أولا.
قال رحمهالله : ولو قال له : لك سكنى هذه الدار ما بقيت أو ما حييت ، جاز ويرجع الى المسكن بعد موت الساكن ، على الاشبه.
اقول : حكى الشيخ رحمهالله في المبسوط في هذه المسألة قولين ، البطلان والصحة.
ثم القائلون بالصحة اختلفوا ، فذهب قوم أنها تكون للمعمر مدة بقائه ولورثته بعده ، وقال آخرون منهم : تكون له مدة حياته ، فاذا مات رجعت الى المعمر أو الى ورثته ان كان مات ، ثم قال رحمهالله : وهذا هو الصحيح على مذهبنا (١).
قال رحمهالله : ولو وهب ما في الذمة ، فان كان لمن عليه الحق ، لم يصح على الاشبه ، لانها مشروطة بالقبض.
اقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في المبسوط (٢) ، وأفتى فيها بالصحة ، عملا بالاصالة الدالة على الجواز. والحق أن نقول : ان جعلنا القبض شرطا في صحة الهبة لم تصح هذه الهبة ، والا صحت بشرطين :
الاول : أن يكون من عليه الحق معينا.
الثاني : أن يكون قدر الدين معلوما.
قال رحمهالله : ولا يشترط في الابراء القبول على الاصح.
__________________
(١) المبسوط ٣ / ٣١٦.
(٢) المبسوط ٣ / ٣١٤.
اقول : حكى الشيخ رحمهالله في المبسوط (١) عن قوم من الفقهاء أن قبول المبرئ شرط في صحة الابراء ، ثم قال : وهو الذي يقوى في نفسي ، لان في ابرائه اياه من الحق الذي له عليه منة عليه ، ولا يجبر على قبول المنة. واختار المصنف أن القبول ليس بشرط ، وقواه الشيخ رحمهالله أخيرا. لنا ـ وجوه :
الاول : قوله تعالى « وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ » (٢) فاعتبر مجرد التصدق والذي هو عبارة عن الابراء هنا ، ولم يعتبر القبول فيبقى على أصله ، وهو عدم الاعتبار.
الثاني : قوله تعالى « وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلّا أَنْ يَصَّدَّقُوا » (٣) وتقرير الاستدلال به كما سبق في الوجه الاول.
الثالث : انه قول أكثر علمائنا ، فيكون راجحا بالنسبة الى الاول.
والمتأخر اختار القول الاول ، وأجاب عن أدلة الثاني بأنها دليل الخطاب ، وهو غير معمول به. وهو غلط ، فانا لم نستدل بالآيات على عدم اشتراط القبول حتى يلزم ذلك ، بل استندنا في ذلك الى الاصل ، وذكرنا أن الآيات لا يدل على اشتراطه ، فافهمه.
قال رحمهالله : ولا يجبر الموهوب [ له ] على دفع المشترط ، بل يكون بالخيار. ولو تلف والحال هذه أو عابت ، لم يضمن الموهوب له ، لان ذلك حدث في ملكه ، وفيه تردد.
اقول : منشؤه : النظر الى أصالة براءة ذمة الموهوب له ، ولانه حدث في
__________________
(١) المبسوط ٣ / ٣١٤.
(٢) سورة البقرة : ٢٨٠.
(٣) سورة النساء : ٩٢.
ملكه ، فلا يضمنه ، وهذه فتوى الشيخ في الخلاف (١) والمبسوط (٢).
والالتفات الى أن جواز الرجوع في العين مع وجودها يقتضي التسلط على أخذ مثلها ، أو قيمتها مع عدمها ، وهو الاقوى عندي.
قال رحمهالله : وفي اشتراط المبادرة والمحاطة تردد ، والظاهر أنه لا يشترط.
أقول : منشؤه : النظر الى أصالة عدم الاشتراط.
والالتفات الى أن عقد الرماية انما شرع لبعث العزم على الاستعداد للقتال ، وذلك انما يكون واقعا على الوجه الاكمل اذا شرط فيه : اما المبادرة ، واما المحاطة اذ ببلوغ الغاية فيهما يحصل الخذف بالرمي على أبلغ نظام ، لكونهما أشق أقسام الرماية. وحكى الشيخ في المبسوط (٣) الوجهين ولم يرجح أحدهما.
قال رحمهالله : وينتقل بالوصية الملك الى الموصى له بموت الموصي وقبول الموصى له ، ولا ينتقل بالموت منفردا عن القبول ، على الاظهر.
أقول : حكى الشيخ في المبسوط (٤) في هذه المسألة أقوالا :
الاول : أن انتقال الملك الى الموصى له موقوف على شرطين ، وفاة الموصي وقبول الموصى له ، فاذا وجد الشرطان انتقل الملك عقيب القبول.
الثاني : انه مراعى ، فان قبل الوصية تبينا أنه انتقل إليه الملك بوفاته ، وان لم يقبل تبينا انتقاله الى الورثة.
الثالث : أنه ينتقل الى الموصى له بموت الموصي كالميراث ، ولا يدخل في ملك الورثة بوفاته ، فان قبل ذلك استقر ملكه عليه ، وان رد انتقل عنه الى ورثته
__________________
(١) الخلاف ٢ / ١٩.
(٢) المبسوط ٣ / ٣١١.
(٣) المبسوط ٦ / ٢٩٧ ـ ٢٩٨.
(٤) المبسوط ٤ / ٢٨.
ثم قال رحمهالله : وهذا القول ضعيف لا يتفرع عليه ، والتفريع على القولين الاولين.
والذي ضعفه هنا ما اختاره في الخلاف (١) ، محتجا بأن الموصى به لا يجوز أن يبقى على ملك الموصي ، لانه قد مات والميت لا يملك شيئا ، ولا يجوز أن يدخل في ملك الورثة ، لقوله تعالى « مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ » (٢) فجعل الميراث بعد الوصية ، فلم يبق الا أن يكون ملكا للموصى له بالموت.
قال رحمهالله : ولو أوصى بنصف ماله مثلا ، فأجاز الورثة ، ثم قالوا : ظننا أنه قليل ، قضي عليهم بما ظنوه وأحلفوا على الزائد ، وفيه تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى أصالة بقاء ملك الورثة على ما زاد على الثلث ، ترك العمل بها مع اجازتهم ، للنص والاجماع ، فيبقى معمولا بها فيما عداها ، ولا اجازة هنا.
ويؤيده أن الموصى له مدع للاجازة في قدر النصف ، والورثة ينكر الاجازة اذ التقدير انهم انما أجازوا الوصية في النصف على تقدير كونه قليلا ، فيكون القول قولهم ، عملا بقوله عليهالسلام « واليمين على من أنكر » (٣) وهو اختياره في المبسوط (٤).
والالتفات الى أن الورثة مكذبون لهذه الدعوى بظاهر اجازتهم ، فلا يسمع قولهم.
قال رحمهالله : ولو أوصى بسيف معين وفيه جفن ، دخل الجفن والحلية في الوصية ـ الى قوله : وفيه قول آخر بعيد.
اقول : أشار بالقول البعيد الى ما ذكره الشيخ رحمهالله في النهاية بعد ايراد
__________________
(١) الخلاف ٢ / ٩٤ ـ ٩٥.
(٢) سورة النساء : ١١.
(٣) عوالى اللئالى ١ / ٢٤٤ و ٤٥٣ و ٢ / ٢٥٨ و ٣٤٥ و ٣ / ٥٢٣.
(٤) المبسوط ٤ / ٨.
هذه المسائل ، فانه قال بعدها بلا فصل : هذا اذا كان الموصي عدلا مأمونا ، فان لم يكن عدلا وكان متهما لم تنفذ الوصية في أكثر من ثلثه ، من الصندوق والسفينة والسيف والجراب وما فيها (١). وهذا القول في غاية البعد.
قال رحمهالله : ولو أوصى باخراج بعض ولده من الارث ، لم يصح ـ الى قوله : وفيه رواية بوجه آخر مهجورة.
أقول : لما كان ثبوت النسب سببا في ثبوت الميراث لم يكن بوصية الأب اعتبار ، والا لزم نقض الاحكام الشرعية ، ويؤيد ذلك رواية سعد بن سعد عن الرضا عليهالسلام (٢).
والرواية المهجورة التي أشار إليها رحمهالله ، هي ما رواه الوشاء عن محمد ابن يحيى عن وصي علي بن السري قال : قلت لابي الحسن عليهالسلام : ان علي بن السري توفي وأوصى الي ، وأن ابنه جعفر وقع على أم ولد له ، فأمرني أن أخرجه من الميراث ، فقال : اخرجه ، ان كنت صادقا سيصيبه خبل.
وهذه الرواية ذكرها الشيخ في التهذيب (٣) وابن بابويه في من لا يحضره الفقيه وقالا : متى لم يحدث هذا الحدث لم يخرج عن الارث (٤).
والاكثرون على القول الاول ، وهذه الرواية من حيث أن الوصي الذي هو الراوي مجهول الحال والاسم.
قال رحمهالله : لو أوصى له بقوس ، انصرف الى قوس النشاب والنبل والحسبان.
__________________
(١) النهاية ص ٦١٤.
(٢) تهذيب الاحكام ٩ / ٢٣٦ ، ح ١١.
(٣) تهذيب الاحكام ٩ / ٢٣٥ ، ح ١٠.
(٤) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢١٩ ـ ٢٢٠.
اقول : الحسبان جمع حسبانة ، وهي السهم القصير ، حكاه المتأخر عن الجوهري في الصحاح (١).
وقال الشيخ في المبسوط : قوس الحسبان هو الذي يدفع النشاب في مجرى وهو الوتر مع المجرى ويرمى به (٢).
اذا عرفت هذا ، فالشيخ رحمهالله قال : اذا أوصى بقوس من قسيه ، انصرف اطلاق اللفظ الى هذه الثلاثة فقط ، فيتخير الورثة بين دفع ما شاءوا من هذه الثلاثة وأتبعه [ ... ] (٣).
وقال المتأخر : اطلاق لفظة القوس ينصرف الى هذه الثلاثة مع قوس الجلاهق وهو قوس البندق ، لان الجلاهق جمع جلاهقة ، وهي البندقة وقوس النداف ، فيتخير الوارث بين دفع ما شاء من هذه الخمسة ، لان لفظ الموصي عام ، وتخصيصه يحتاج الى دليل.
قال رحمهالله : ولا تثبت الوصية بالولاية الا بشاهدين ، ولا تقبل شهادة النساء في ذلك ، وهل تقبل شهادة الواحد مع اليمين؟ فيه تردد ، أظهره المنع.
اقول : منشؤه : النظر الى أن الشهادة حكم شرعي ، فيقف على الدليل الشرعي ، وحيث لا دلالة له فلا حكم ، ولان الوصية بالولاية ليست مالا ، ولا المقصود منها المال ، فلا تثبت الا بشاهدين. أما الصغرى ، فظاهرة. وأما الكبرى فاجماعية. وبه أفتى الشيخ في المبسوط (٤) ، وأتبعه المتأخر.
والالتفات الى الاصل ، ولان في قبول هذه الشهادة ارفاقا وتيسيرا ، فتكون مرادا
__________________
(١) صحاح اللغة ١ / ١١١.
(٢) المبسوط ٤ / ٢١.
(٣) كذا بياض فى النسختين.
(٤) المبسوط ٤ / ٦١.
لصاحب الشرع. أما الصغرى فبينة ، وأما الكبرى فللآية والرواية (١).
قال رحمهالله : وفي الوصية للحربي تردد ، أظهره المنع.
اقول : قد سبق بحث مثل هذه المسألة في الوقف.
قال رحمهالله : ولو أوصى لاخواله وأعمامه ، كانوا سواء على الاصح ، وفيه رواية مهجورة ، أما لو نص على التفضيل أتبع.
اقول : ذهب الشيخ في النهاية الى أن للاعمام الثلثين من القدر الموصى به ، وللاخوال الثلث (٢). عملا برواية زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام في رجل أوصى بثلث ماله لاعمامه وأخواله ، فقال : لاعمامه الثلثان ولأخواله الثلث (٣).
وقال المتأخر : الخبر من الآحاد ، والتفضيل منفي بالاصل ، وحمله على الميراث قياس ، وهو باطل عندنا ، وهو الاصح عند المصنف.
قال رحمهالله : لو أوصى لجيرانه ـ الى قوله : وفيه قول آخر مستبعد.
اقول : أشار به الى القول الذي ذكره في باب الوقف.
قال رحمهالله : ولو أوصى الى اثنين ـ الى قوله : أما لو مات أحدهما أو فسق ، لم يضم الحاكم الى الاخر ، وجاز له الانفراد ، لانه لا ولاية للحاكم مع وجود وصي ، وفيه تردد.
اقول : منشؤه : النظر الى قوله عليهالسلام « الحاكم ولي من لا ولي له » فشرط في ثبوت ولاية الحاكم انتفاء ولي الميت ، أعني : وصيه ، والتقدير أنه موجود هنا اذ كل واحد من الوصيين يصدق عليه أنه وصي ، فيبقى ولاية الحاكم قضية للشرط.
والالتفات الى أن الموصي انما رضي بهذا الوصي منضما الى غيره لا منفردا
__________________
(١) فى هامش « م » : الآية « يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ » والرواية « يسروا ولا تعسروا ».
(٢) النهاية ص ٦١٤.
(٣) تهذيب الاحكام ٩ / ٢١٤ ، ح ٢٢.
فيجوز حينئذ للحاكم الضم ، اذ هو متصور للمصالح ، وهو ظاهر كلام الشيخ في الخلاف (١) والمبسوط (٢).
قال رحمهالله : وفي شراء الوصي لنفسه من نفسه تردد ، والاشبه الجواز.
اقول : قد مر البحث في مثل هذه المسألة أولا.
قال رحمهالله : ولو مات انسان ولا وصي له ، كان للحاكم النظر في تركته ولو لم يكن هناك حاكم ، جاز أن يتولاه من المؤمنين من يوثق به ، وفي هذا تردد.
اقول : منشؤه : النظر الى أن ثبوت الولاية في مال الغير حكم شرعي ، فلا يتولاه الا الحاكم ، أعني : الامام أو نائبه النظر في ذلك ، أو الفقيه المأمون من فقهاء الشيعة مع عدمهما ، وبه أفتى المتأخر.
والالتفات الى أن ذلك نوع احسان ومعاونه على البر ، فيكون سائغا لكل مؤمن يوثق به في القيام بذلك ، وبه أفتى الشيخ في النهاية (٣).
قال رحمهالله : اذا أوصى له بدار ، فانهدمت وصارت براحا ، ثم مات الموصي ، بطلت الوصية ، لخروجها عن اسم الدار ، وفيه تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى أن الاعتبار في الوصية بما يصح عليه اسم الموصى به حين لزوم الوصية ، وما صارت براحا لا يقع عليه اسم الدار حين لزوم الوصية فتبطل الوصية ، كما لو أوصى بطعام ثم طحنه قبل وفاته ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٤).
والالتفات الى أن الوصية بالدار يتضمن بالبراح ، اذ هو من أجزائها ، فيكون لفظ الدار دالا عليها بالتضمن ، وبطلان الوصية في الجدار والسقف لعدمه لا يستلزم
__________________
(١) الخلاف ٢ / ٩٤.
(٢) المبسوط ٤ / ٥٣.
(٣) النهاية ص ٦٠٨.
(٤) المبسوط ٤ / ٣٨.
بطلان الوصية في البراح لوجوده حين لزوم الوصية ، وكأن هذا هو الاقوى.
قال رحمهالله : لو أعتق أمته وقيمتها ثلث تركته ، ثم أصدقها الثلث الاخر ودخل بها ثم مات ، فالنكاح صحيح ويبطل المسمى ، لانه زائد على الثلث وترثه وفي ثبوت مهر المثل تردد ، وعلى القول الاخر يصح الجميع.
اقول : منشؤه : النظر الى عموم قوله عليهالسلام « المريض ممنوع من التصرف الا في ثلث ماله » ولا جرم ان كونه مهرا زائدا عن ثلث ماله ، وهو فتوى الشيخ في المبسوط (١).
والالتفات الى أن مهر المثل جار مجرى أروش الجنايات ، فيخرج من أصل التركة ، كما تخرج الاروش من أصلها.
واعلم أن الشيخ رحمهالله منعها الارث ، والمصنف أثبته ، عملا بعموم آية ميراث الزوجات. وهذا البحث كله انما يتمشى على قول من يجعل منجزات المريض من الثلث فقط ، أما من يجعلها من الاصل ، فان الزواج صحيح ، وكذا العتق ، وتثبت لها المسمى والميراث.
قال في آخر نسخة « م » : تم الجزء الاول من ترددات شرائع الاحكام في معرفة الحلال والحرام ، من نسخة كتبت من خط شارحها الفقيه العالم الفاضل نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي قدس الله سره ، على يد كاتبها مالكها الفقير الى الله عبد الله والمؤمنين ، علي بن حسن بن أحمد بن ابراهيم بن مظاهر ، غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات ولمن دعا لهم بذلك ، وذلك في يوم الجمعة حادي عشرين ذي الحجة الحرام ، من سنة أربع وخمسين وسبعمائة ، بالحلة السيفية ، عمرها الله بالصالحين من عباده واختمه بالخير. وصلى الله على أكرم المرسلين وخير خلقه أجمعين سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.
__________________
(١) المبسوط ٤ / ٥٧.