الصادق عليهالسلام أنه قال في محرم ذبح طيرا : ان عليه دم شاة يهريقه (١).
والاقوى عندي العمل بالرواية ، وقول المصنف وهو تحكم ليس بجيد ، لوجود النص الدال عليه.
قال رحمهالله : لو قتل صيدا معيبا فداه بصحيح ، ولو فداه بمثله جاز.
اقول : ظاهر كلام أبي علي وجوب الافتداء بالصحيح ، وليس بجيد.
لنا ـ الآية. أحتج بأنه أحوط ، وهو معارض بالآية والاصالة.
قال رحمهالله : قتل الصيد موجب لفديته ، فان أكله لزمه فداء آخر. وقيل يفدي ويضمن قيمة ما أكل ، وهو الوجه.
اقول : القول الاول ذكره الشيخ في النهاية (٢) والمبسوط (٣) ، عملا برواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام (٤). وفي معناها رواية عن الصادق عليهالسلام (٥).
والقول الثاني ذهب إليه الشيخ في الخلاف (٦) ، ونقله المتأخر عن بعض الاصحاب ، وهو الوجه عند المصنف ، عملا بأصالة البراءة. وتحمل الروايتان (٧) على الاستحباب ، جمعا بين الادلة أو على بلوغ قيمة المأكول شاة.
قال رحمهالله : ولو جرح الصيد ، ثم رآه سويا ، ضمن أرشه. وقيل : ربع القيمة.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤٦ ، ح ١١٤.
(٢) النهاية ص ٢٢٦.
(٣) المبسوط ١ / ٣٤٤.
(٤) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٥١ ، ح ١٣٤.
(٥) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٥٢ ، ح ١٣٨.
(٦) الخلاف ١ / ٤٨٤ ، مسألة ٢٧٤.
(٧) فى هامش « س » عن نسخة : الروايات.
أقول : القول الاول ظاهر كلام الشيخ قدس الله روحه ، وهو الاولى (١). ومنعه أبو الصلاح ، وهو اختيار أبي علي ، والثاني ذهب إليه الشيخ رحمهالله ، وتبعه ابن البراج والمتأخر.
واعلم أن الروايات الدالة على ربع الفداء انما وردت في كسر رجل الصيد أو يده بشرط رؤيته سويا ، فالشيخ رحمهالله سوى بين الكسر والجرح وهو بعيد.
قال رحمهالله : وروي في كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كل واحد ربع القيمة ، وفي عينيه كمال قيمته ، وفي كسر احدى يديه نصف قيمته. وكذا في كسر احدى رجليه ، وفي الرواية ضعف.
اقول : هذه الرواية رواها سماعة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام (٢). وسماعة واقفي ، فلذلك كانت الرواية ضعيفة ، والشيخ رحمهالله عمل بها ، والاقرب وجوب الارش ، وهو ظاهر كلام الشيخ المفيد قدس الله روحه وعلي بن بابويه وسلار.
قال رحمهالله : ولا كذا لو صاده. الهاء راجعة الى المحرم.
قال رحمهالله : من أغلق على حمام من حمام الحرم و[ له ] فراخ وبيض ، ضمن بالاغلاق. فان زال السبب وأرسلها سليمة سقط الضمان ، ولو هلكت ضمن الحمامة بشاة ، والفرخ بحمل ، والبيضة بدرهم ان كان محرما ، وان كان محلا ، ففي الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف ، وفي البيضة ربع.
وقيل : يستقر الضمان بنفس الاغلاق ، لظاهر الرواية ، والاول أشبه.
أقول : القول الاول هو المشهور بين الاصحاب ، وهو الحق.
لنا ـ أصل البراءة ، ترك العمل به في صورة التلف ، فيبقى معمولا به فيما عداه.
__________________
(١) فى « س » : الاقوى.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٨٧ ، ح ٢٦٧.
والقول الثاني منقول عن بعض الاصحاب ، وربما كان مستنده ظاهر الروايات فانها وردت مشتملة على ايجاب الجزاء مطلقة غير مقيدة ، وهي محمولة على التلف لاستبعاد ايجاب جزاء الاتلاف في الاغلاق مع السلامة.
نعم لو أغلق ولم يعلم حاله بعد الاغلاق ، وجب الفداء كملا ، كما لو رمى الصيد وأصابه ولم يعلم أثر فيه أم لا ، لانه فعل مظنة الاتلاف.
قال رحمهالله : قيل : اذا نفر حمام الحرم ، فان عاد فعليه شاة واحدة ، وان لم يعد فعن كل حمامة شاة.
اقول : قال الشيخ رحمهالله في التهذيب : هذا القول ذكره علي بن الحسين ابن بابويه رحمهالله في رسالته ، ولم أجد حديثا مسندا (١).
ولذلك قال المصنف رحمهالله « قيل » لكن أكثر الاصحاب أفتوا به.
وقال أبو علي : من نفر طيور الحرم كان عليه عن كل طير ربع قيمته.
قال شيخنا في مسائل خلافه : والظاهر أن مقصوده مع الرجوع ، اذ مع عدمه يكون كالمتلف ، فيجب عليه لكل واحدة شاة.
فرعان :
الاول : لو عاد بعض حمام الحرم ولم يعد البعض الاخر ، وجب عن العائد شاة واحدة ، وعن غير العائد لكل واحد شاة ، لان الحمام اسم جنس يصدق على البعض الذي في الحرم وعلى الجميع.
الثاني : لو لم يكن في الحرم الا حمامة واحدة ، فنفرها ثم رجعت لم يكن عليه شيء ، والاحوط التصدق بشيء.
ولو لم يعد فاشكال ، ينشأ : من أن الحمام اسم جنس ، فيصدق عليه أنه نفر
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٥٠ ، ح ١٣٠.
حمام الحرم ، فتجب الشاة.
ومن أن المتبادر الى الذهن عرفا عند اطلاق هذه اللفظة انما هو ما زاد على الواحدة من (١) هذا الجنس ، اذ لا يقال قد أكل تمرا لمن أكل تمرة واحدة ، فلا يجب شيء مع تنفر الواحدة. لعدم صدق هذا الاسم عليه ، وهو أولى.
قال رحمهالله : اذا رمى اثنان صيدا ـ الى آخره.
أقول : قد نازع المتأخر في هذه المسألة ولم يوجب على المخطئ شيئا الا أن يدل على الصيد فيقتل ، فيجب الفداء لاجل الدلالة لا للرماية.
وليس بجيد. أما أولا ، فلدلالة الروايتين المرويتين عن الباقر والصادق عليهماالسلام (٢). وأما ثانيا ، فلان اعانة الرامي أعظم من اعانة الدال ، واذا كانت هذه موجبة للفداء كانت تلك موجبة له بطريق الاولى ، وهو قد سلم وجوب الفداء على الدال.
قال رحمهالله : يحرم من الصيد على المحل في الحرم ما يحرم على المحرم في الحل ، فمن قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه.
أقول : هذه العبارة أوردها الشيخ رحمهالله ، اتباعا للمفيد ، وتبعهما المصنف.
والمراد بالفداء هنا القيمة ، اذ المحل في الحرم انما يجب عليه القيمة فقط وان كان يجري في بعض عبارات الشيخ رحمهالله أن من ذبح صيدا في الحرم وهو محل كان عليه دم لا غير ، وتابعه على هذه العبارة المتأخر ، وأبو الصلاح سوى بين المحرم في الحل وبين المحل في الحرم ، وجعل عليهما الفداء.
قال رحمهالله : ولو اشترك جماعة في قتله ، فعلى كل واحد فداء ، وفيه تردد.
اقول : المراد بالفداء هنا القيمة كما تقدم.
__________________
(١) فى « س » : مع.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٥١ ـ ٣٥٢.
وأما منشأ التردد ، فالنظر الى اصالة البراءة ، ترك العمل بها في صورة قتل الجماعة المحرمين للصيد ، فيبقى معمولا بها فيما عداها ، فيجب فداء واحد على الجميع.
والالتفات الى مشاركة الجماعة المحلين للمحرمين في العلة ، وهي الاقدام على قتل الصيد المحرم قتله ، فيجب على كل واحد القيمة ، والقولان للشيخ رحمهالله في المبسوط (١) ، لكن الاول أقوى ، وهو الذي قواه للشيخ.
ولو كان بعضهم محرمين والبعض الاخر محلين ، وجب على المحرمين الفداء والقيمة وعلى المحلين في الحرم القيمة : اما قيمة واحدة ، أو على كل واحد قيمة كما بيناه.
قال رحمهالله : وهل يحرم الصيد وهو يؤم الحرم؟ قيل : نعم. وقيل : يكره وهو الاشبه.
أقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ رحمهالله ، عملا بالاحتياط ، واستنادا الى النقل.
والقول الثاني ذهب إليه المتأخر اتباعا للصدوق ، وهو الحق ، عملا بالاصل واستنادا الى رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليهالسلام في الرجل يرمي الصيد وهو يؤم الحرم ، ويصيبه الرمية ويتحامل حتى يدخل الحرم فيموت فيه ، قال : ليس عليه شيء ، انما هو بمنزلة رجل نصب شبكة في الحل فوقع فيها صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات فيه ، قلت : هذا قياس ، قال : لا انما شبهت لك شيئا بشيء (٢).
والاحتياط معارض بالاصل ، وتحمل الروايات على الاستحباب ، ومع هذا فهي قابلة للتأويل.
__________________
(١) المبسوط ١ / ٣٤٦.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٦٠ ، ح ١٦٥.
قال رحمهالله : لكن لو أصابه ودخل الحرم فمات ضمنه ، وفيه تردد.
اقول : هذه المسألة مبنية علي المسألة السابقة ، فكل من حرم صيده إما أوجب فيه الفداء ، وكل من سوغه لم يوجب فيه شيئا.
قال رحمهالله : ويكره الاصطياد بين البريد والحرم على الاشبه ، فلو أصاب صيدا فيه ففقأ عينه أو كسر قرنه كان عليه صدقة استحبابا.
اقول : البريد أربعة فراسخ ، والتحريم ذهب إليه الشيخان قدس الله روحهما عملا برواية الحلبي عن الصادق عليهالسلام قال : اذا كنت محلا في الحل ، فقتلت صيدا فيما بينك وبين البريد الى الحرم ، فان عليك جزاؤه ، فان فقأت عينه أو كسرت قرنه تصدقت بصدقة (١).
ونحن نمنع هذه الرواية ، لانها مخصصة لعموم الاحاديث الدالة على إباحة الصيد ، ولانتفاء السبب المانع ، وهو الاحرام أو الحرم ، ويمكن حملها على الاستحباب.
قال رحمهالله : وهل يجوز صيد حمام الحرم وهو في الحل للمحل؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أحوط.
أقول : القولان للشيخ رحمهالله ، لكن الاول (٢) أولى. أما أولا ، فلرواية علي ابن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام في حمام الحرم يصاد في الحل ، قال : لا يصاد حمام الحرم حيث كان اذا علم أنه من حمام الحرم (٣).
وأما ثانيا ، فلان للحرم حرمة ليست لغيره ، يناسب تحريم الملتجئ إليه وان
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٦١ ح ١٦٨.
(٢) فى هامش « س » : الاول الّذي فى الشرح لا يناسب أول الماتن. وكذا الثانى لا يناسب الثانى ، فحينئذ المناسب تعاكس الاول والثانى.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤٨ ، ح ١٢٢.
وأما ثالثا ، فلانه أحوط ، اذ مع اعتماده تحصل براءة الذمة قطعا ، بخلاف ما لو لم يعتمده.
والثاني مستنده التمسك بالاصل ، وهو اختيار المتأخر.
قال رحمهالله : ولا يدخل في ملك المحرم شيء من الصيد على الاشبه. وقيل : يدخل وعليه ارساله ان كان حاضرا معه.
اقول : قال الشيخ رحمهالله في المبسوط : اذا انتقل الصيد إليه بالميراث لا يملكه ، ويكون باقيا على ملك الميت الى أن يحل ، فاذا أحل ملكه ، قال : ويقوى في نفسي أنه اذا كان حاضرا معه ، فانه ينتقل إليه ويزول ملكه عنه ، وان كان في بلده بقي في ملكه (١).
والحق أنه لا ينتقل إليه شيء ، بل يبقى على ملك الميت الى حين الاحلال.
لنا ـ قوله تعالى « وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً » (٢) والاستدلال بهذه الآية يتوقف على مقدمتين :
الاولى : أن المراد بالصيد هنا المصيد والاصطياد ، وهو الظاهر من كلام أهل التفسير. وقال شيخنا أبو جعفر في التبيان : الصيد يعبر به عن الاصطياد ، فيكون مصدرا ، ويعبر به عن الصيد فيكون اسما. ويجب أن تحمل الآية على تحريم الجميع (٣).
الثانية : أن التحريم والتحليل (٤) المضافين الى الاعيان لا يقتضي الاجمال ، خلافا للكرخي ، بل يفيد بحسب العرف تحريم الفعل المطلوب من تلك الذات ، فيفهم من قوله « حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ » تحريم جميع أنواع التصرف الممكنة فيه من البيع
__________________
(١) المبسوط ١ / ٣٤٧.
(٢) سورة المائدة : ٩٦.
(٣) التبيان ٤ / ٢٩.
(٤) فى هامش « س » عن نسخة : والتمليك.
والابتياع والهبة والاتهاب وما أشبه ذلك ، والدليل عليه وجوه :
الاول : أن السابق الى الفهم من قول القائل « هذا طعام حرام » تحريم أكله ومن قولهم « هذه امرأة حرام » تحريم وطأها ، وسبق المعنى الى الذهن دليل الحقيقة ، فيحمل عليه عند الاطلاق.
الثاني : أن النبي عليهالسلام قال : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم ، فحملوها وباعوها (١). فدل على أن تحريم الشحم أفاد تحريم جميع أنواع التصرف ، والا لم يتوجه الذم على البيع.
الثالث : المفهوم من قولنا « فلان يملك الدار » قدرته على التصرف فيها بالسكنى والاسكان والبيع. ومن قولنا « يملك » قدرته على التصرف فيها بالوطء والبيع والاستخدام وما شاكل ذلك واذا جاز أن تختلف فائدة الملك باختلاف المضاف إليه ، جاز مثله في التحليل والتحريم.
احتج الكرخي بأن هذه الاعيان غير مقدورة لنا لو كانت معدومة ، اذ لا قدرة لنا على خلق الذوات ، فكيف اذا كانت موجودة؟ لاستحالة تحصيل الحاصل ، فاذن لا يمكن اجراء اللفظ على ظاهره ، فالمراد تحريم فعل من الافعال المتعلقة بتلك الاعيان ، وذلك الفعل غير مذكور. وليس اضمار بعض الافعال أولى من البعض الاخر. فاما أن يضمر الجميع ، وهو باطل ، اذ لا حاجة إليه ، أو لا يضمر شيء ، وهو المطلوب.
والجواب : لا نزاع في عدم امكان اضافة التحريم الى الاعيان ، ولكن قوله « ليس اضمار البعض أولى من البعض » ممنوع ، فان العرف يقتضي اضافة التحريم الى الفعل المطلوب منه.
وانما طولنا الكلام في هذه المسألة ، لكونها من المهمات.
__________________
(١) راجع عوالى اللئالى ١ / ١٨١ و ٢٣٣ و ٣٩٦ و ٢ / ١١٠ و ٢٤٣ و ٣٢٨ و ٣ / ٤٧٢.
بقى هنا شيء ، وهو أن المحل في الحرم هل يملك شيئا من الصيد؟ فنقول : لما ثبت أن المحل يجب عليه ارسال ما يدخله من الصيد الى الحرم ، فهل يدخل في ملكه وهو في الحرم شيء من الصيود؟ الوجه أنه يدخل ، اذ لا منافاة بين التملك والارسال.
ويحتمل أن يقال : مع وجوب الارسال لا تظهر للملك فائدة ، فلا يدخل في ملكه ، وهو ضعيف ، اذ عدم الفائدة لا تمنع من التملك ، كما في العمودين ، والمحرمات عليه لشيئا ، فانهن يدخلن في ملكه مع عدم الفائدة لا يعتافهن (١) بنفس الدخول.
والوجه أن يقال : يدخل في ملكه ان كان الصيد ثابتا عنه ، ولا يدخل ان كان حاضرا ، كما في المحرم. وعلى هذا تظهر للتملك فائدة ، اذ لا يجب ارسال الصيد النائي عنه.
وقال صاحب كشف الرموز : وذهب الشيخ في الشرائع (٢) الى أنه لا يملك وهو ضعيف ، وأظنه اعتقد أن الضمير في قوله « يملكه » عائد الى المحل ، فلذلك جعل المسألة راجعة الى المحل. وما قاله محتمل ، لكن الشيخ رحمهالله في المبسوط (٣) لم يذكر سوى المسألة السابقة ، واياه عنى بقوله « وقيل : يدخل وعليه ارساله ان كان حاضرا معه ».
قال رحمهالله : وكلما تكرر الصيد من المحرم نسيانا ، وجب عليه ضمانه ولو تعمد وجبت الكفارة أو لا ، ثم لا تتكرر ، وهو ممن ينتقم الله منه. وقيل : تتكرر. والاول أشبه.
__________________
(١) لم تقرأ فى النسختين مع علامة الاستفهام على الكلمة فى « س ».
(٢) كذا فى « م » وهامش « س » عن نسخة ، وفى « س » : الرائع.
(٣) المبسوط ١ / ٣٤٣.
اقول : لا خلاف في وجوبها مع تكرر الصيد خطا ونسيانا. وانما الخلاف في تكررها مع تكرره عمدا ، فذهب الشيخ رحمهالله في المبسوط (١) والخلاف (٢) الى تكررها مع تكرره. وبه قال المتأخر ، وهو ظاهر كلام السيد المرتضى وابن الجنيد وأبي الصلاح وعلي بن بابويه.
وقال في النهاية : لا تتكرر الكفارة مع تكرره عمدا ، وهو ممن ينتقم الله منه (٣). واختاره الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٤) والمقنع (٥) ، وتبعهما ابن البراج والاقرب الاول.
لنا ـ قوله « وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ » (٦) وهو كما يتناول الاول يتناول الثاني والثالث وهلم جرا. وما رواه معاوية بن عمار عن الصادق عليهالسلام في المحرم يصيب الصيد قال : عليه الكفارة كلما أصاب (٧). وفي معناها رواية الحسين بن سعيد (٨).
احتجوا بقوله تعالى « ومن عاد فينتقم الله منه » جعل مجازاة العود الانتقام ، فتسقط الكفارة ، عملا بأصل البراءة وبرواية الحلبي عن الصادق عليهالسلام قال : المحرم اذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ، ويتصدق بالجزاء على مسكين ، فان عاد فقتل صيدا
__________________
(١) المبسوط ١ / ٣٤٢.
(٢) الخلاف ١ / ٤٨٠ مسألة ٢٥٩.
(٣) النهاية ص ٢٢٦.
(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠.
(٥) المقنع ص ٧٩.
(٦) سورة المائدة : ٩٥.
(٧) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٧٢ ، ح ٢٠٨.
(٨) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٧٢ ، ح ٢٠٩.
آخر لم يكن عليه جزاؤه وينتقم الله منه ، والنقمة في الآخرة (١).
وفي معناها رواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام (٢).
ولا تنافي بين الانتقام ووجوب الجزاء ، اذ لا استبعاد في الجمع بينهما مع العود عمدا يغطى الذنب ، ومع امكان الجمع كيف يحصل التنافي ، واصالة البراءة تخالف للدلالة ، والروايتان قابلتان للتأويل.
قال رحمهالله : ولا يدخل الصيد في ملك المحرم باصطياد ولا بابتياع ولا هبة ولا ميراث. هذا اذا كان عنده ، ولو كان في بلده فيه تردد ، والاشبه أنه يملك.
أقول : منشؤه : النظر الى فتوى الشيخ رحمهالله ، والتمسك بالاصل الدال على جواز التملك فيدخل.
والالتفات الى قوله « وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً » (٣) فلا يدخل ، وهو أحوط.
قال رحمهالله : وفي الاستمناء بدنة ، وهل يفسد الحج ويجب القضاء؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أشبه.
اقول : قال الشيخ في النهاية (٤) والمبسوط : من عبث بذكره حتى أمنى كان حكمه حكم من جامع على السواء ، في اعتبار ذلك قبل الوقوف بالمشعر ، في أنه يلزمه الحج من قابل ، وان كان بعد ذلك لم يلزمه سوى الكفارة (٥).
وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، عملا برواية اسحاق بن عمار عن أبي الحسن
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٧٢ ، ح ٢١٠.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣.
(٣) سورة المائدة : ٩٦.
(٤) النهاية ص ٢٣١.
(٥) المبسوط ١ / ٣٣٧.
عليهالسلام قال قلت : ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال : أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم بدنة والحج من قابل (١). ولانه أحوط.
واقتصر أبو الصلاح على وجوب البدنة ، واختاره المتأخر ، ونقله عن الشيخ في الاستبصار (٢) والخلاف ، ولعله الاقرب.
لنا ـ اصالة براءة الذمة تنفي وجوب الكفارة وايجاب القضاء ، ترك العمل بها في صورة الجماع للاجماع ، وفي ايجاب الكفارة في هذه الصورة لرواية عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن المحرم يعبث بأهله وهو محرم حتى يمنى من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ، ما ذا عليهما؟
فقال : عليهما الكفارة مثل ما على الذي يجامع (٣). والرواية محمولة على الاستحباب.
قال رحمهالله : واذا طاف المحرم من طواف النساء خمسة أشواط ثم واقع ، لم يلزمه الكفارة وبنى على طوافه. وقيل : يكفي في ذلك مجاوزة النصف والاول مروي.
أقول : هذا القول ذكره الشيخ رحمهالله ، عملا باصالة البراءة ، ولانه مع تجاوز النصف يكون قد أتى بالاكثر ، فيكون حكمه حكم من أتى بالجميع.
وقال المتأخر : أما اعتبار مجاوزة النصف في صحة الطواف والبناء عليه ، فصحيح. وأما سقوط الكفارة ، ففيه نظر ، اذ الاجماع حاصل على أن من جامع قبل طواف النساء وجبت عليه الكفارة ، وهذا جامع قبل طواف النساء ، والاحتياط يقتضي ايجاب الكفارة.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٢٤ ، ح ٢٦.
(٢) الاستبصار ٢ / ١٩١.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٢٤ ، ح ٢٧.
واعلم أن الرواية المروية عن الباقر عليهالسلام (١) التي هي هذا الحكم ، يدل على اعتبار الخمسة دون ما عداها.
لا يقال : رواية أبي بصير (٢) يدل على ذلك.
لانا نقول : تلك مطلقة وهذه مقيدة ، والمطلق يحمل على المقيد ، لكن تقييد الافساد بالثلاثة يقتضي عدمه بدونها ، والا لم يكن للتخصيص فائدة.
قال رحمهالله : واذا عقد المحرم لمحرم على امرأة ودخل [ بها ] المحرم فعلى كل منهما كفارة. وكذا لو كان العاقد محلا على رواية سماعة.
اقول : هذه الرواية رواها سماعة بن مهران عن الصادق عليهالسلام قال : لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوج محرما وهو يعلم أنه لا يحل له ، قلت : فان فعل فدخل بها المحرم ، قال : ان كانا عالمين كان على كل واحد منهما بدنة ، وعلى المرأة ان كانت محرمة بدنة ، وان لم تكن محرمة ، فلا شيء عليها ، الا أن تكون قد علمت أن الذي تزوجها محرم ، فان كانت قد علمت ثم تزوجته فعليها بدنة (٣).
والاقرب سقوط الكفارة عن العاقد المحل ، عملا باصالة البراءة ، واستضعافا للرواية ، اذ في طريقها سماعة وهو واقفي. نعم يكون مأثوما ، لمساعدته المحرم على ما لا يسوغ. وكذا لا شيء على المرأة اذا كانت محلة ، سواء كانت عالمة باحرامه أو جاهلة.
قال رحمهالله : ومن جامع في احرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته وعليه بدنه وقضاؤها.
أقول : العمرة اما مفردة أو متمتع بها الى الحج ، والمراد هنا الاولى. أما
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٢٣ ، ح ٢٣.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٢٥ ، ح ٢٨.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٣١ ، ح ٥١.
المتمتع بها ، فالاقوى أن حكمها حكم المفردة ، لتساويها في أكثر الاحكام.
ويحتمل بطلان العمرة والحج معا. لقوله عليهالسلام « دخلت العمرة في الحج هكذا » (١) وشبك بين أصابعه ، فحينئذ يجب اكمال العمرة والاتيان بالحج عقيبها وقضاؤهما في القابل ، وهو ظاهر كلام أبي الصلاح.
وينبغي أن يزاد في المتن : ووجب اكمالها.
قال رحمهالله : حلق الشعر وفيه شاة ، أو اطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد. وقيل : ستة لكل مسكين مدان.
أقول : الاخير هو الاقوى ، لانه أحوط ، ولدلالة الروايتين المرويتين عن الصادق عليهالسلام (٢) ، والرواية الاخرى المروية عنه عليهالسلام (٣) محمولة على ذلك ، اذ الغالب أن الاقل لا يشبع الا نادرا.
قال رحمهالله : في قلع شجر الحرم. وفي الكبيرة بقرة وان كان محلا ، وفي الصغيرة شاة ، وفي أبعاضها قيمة ، وعندي في الجميع تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى اصالة البراءة ، فينتفي وجوب الكفارة. نعم يكون مأثوما ، لانه فعل فعلا منهيا عنه.
والالتفات الى فتوى الشيخ رحمهالله في المبسوط (٤).
وقال في النهاية (٥) والتهذيب : في قلع الشجرة بقرة وأطلق عملا برواية موسى ابن القاسم قال : وروى أصحابنا عن أحدهما عليهماالسلام أنه قال : اذا كان في دار
__________________
(١) سنن ابن ماجة ٢ / ١٠٢٤.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٣٣ ، ح ٦٠ و ٦١.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٣٤ ، ح ٦٢.
(٤) المبسوط ١ / ٣٥٤.
(٥) النهاية ص ٢٣٤.
الرجل شجرة من شجر الحرم لم ينزع ، فان أراد نزعها نزعها وكفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين (١). وهذه مرسلة ، فلا يصح التمسك بها.
والاقوى وجوب القيمة ، وهو اختيار أبي علي ابن الجنيد ، وشيخنا دام ظله في المختلف (٢) ، وعليه دلت رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليهالسلام (٣).
قال رحمهالله : ولو قلع شجرة منه أعادها ، ولو جفت قيل : يلزمه ضمانها.
أقول : قال الشيخ رحمهالله في المبسوط : من قلع شجرة من شجر الحرم وغرسها في غيره ، فعليه أن يردها الى مكانها ، فاذا فعل ، فان عادت الى ما كانت أولا فلا شيء عليه ، وان جفت لزمه ضمانها (٤).
واعلم أن هذا الفرع مبني على المسألة الاولى ، فان أوجبنا الكفارة بالقلع وجبت هنا ، لانها كالمقلوعة ، مع احتمال ما قاله الشيخ ، ويحتمل الارش ضعيفا.
قال رحمهالله : ومن استعمل دهنا طيبا في احرامه ، ولو في حال الضرورة كان عليه شاة على قول. وكذا قيل في من قلع ضرسه ، وفي الجميع تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى اصالة براءة الذمة.
والالتفات الى فتوى الشيخ رحمهالله في النهاية (٥) والخلاف (٦) ، واختاره المتأخر. وقال في الجمل : انه مكروه (٧). وهو أقوى.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٨١ ، ح ٢٤٤.
(٢) المختلف ص ١١٦ ـ ١١٧ من كتاب الحج.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠.
(٤) المبسوط ١ / ٣٥٤.
(٥) النهاية ص ٢٣٥.
(٦) الخلاف ١ / ٤٣٨.
(٧) الجمل والعقود ص ٢٢٩.
وأما الكفارة في قلع الضرس ، فشيء انفرد به الشيخ في النهاية (١) ، مصيرا الى رواية محمد بن عيسى عن عدة من أصحابنا ، عن رجل من أهل خراسان أن مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شيء ، محرم قلع ضرسه ، فكتب عليهالسلام : يهريق دما (٢).
وهي مجهولة السائل والمسئول ، ومشتملة على المكاتبة أيضا ، فلا اعتماد عليها.
قال رحمهالله : تسقط الكفارة عن الجاهل والناسي والمجنون الا في الصيد فان الكفارة تلزم وان كان سهوا.
أقول : هذا هو المشهور بين الاصحاب. وقال ابن أبي عقيل : قد قيل في الصيد ان من قتله ناسيا فلا شيء.
قال رحمهالله : ويكره أن يأتي بعمرتين بينهما أقل من عشرة أيام. وقيل : يحرم. والاول أشبه.
أقول : للاصحاب في هذه أقوال أربعة :
الاول : قال في النهاية : لا يصح الاتباع بين العمرتين الا بعد مضي شهر يتحللهما (٣).
الثاني : قال في الجمل : أقل ما يكون بين العمرتين عشرة أيام (٤). مصيرا الى رواية يونس عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليهالسلام قال : ولكل شهر عمرة قال فقلت : كم يكون أقل؟ قال : يكون لكل عشرة أيام عمرة (٥). ذكرها الشيخ في كتابي الاخبار.
__________________
(١) النهاية ص ٢٣٥.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٨٥ ، ح ٢٥٧.
(٣) النهاية ص ٢٨٠.
(٤) الجمل والعقود ص ٢٣٩.
(٥) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٣٥ ، ح ١٥٤.
الثالث : قال ابن أبي عقيل : أقل ما يكون سنة ، تمسكا برواية زرارة عن الباقر عليهالسلام قال : لا يكون في السنة عمرتان (١). وحملها الشيخ على العمرة المتمتع بها ، وهو حسن.
الرابع : عدم التقدير ، بل يصح أن يأتي كل يوم بعمرة مع الامكان ، وهو اختيار علم الهدى قدس الله روحه والمتأخر.
لنا ـ أن العمرة عبادة مشروعة ، وذكر مطلوب للشارع ، والتقدير منفي بالاصل ، والروايتان لا تدلان على تحريم التتابع ، فوجب القول بجوازها بالتوالي ولان عمومات القرآن دالة على ذلك.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٣٥ ، ح ١٥٨.
فصل
( فى إيضاح الترددات المذكورة فى كتاب الجهاد )
قال رحمهالله : ولو كان عليه دين حال وهو معسر قيل : له منعه ، وهو بعيد.
اقول : هذا القول ذكره الشيخ رحمهالله في المبسوط (١) ، وليس بجيد.
لنا ـ أنه معسر ، فتسقط سلطنة المدين عنه حتى اليسار ، عملا بالآية. وما ذكره الشيخ بناء على أن المدين المعسر يجوز لصاحب الدين مؤاجرته. وسيأتي تحقيقه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
قال رحمهالله : لو تجدد العذر بعد التحام الحرب ، لم يسقط فرضه على تردد ، الا مع العجز عن القيام به.
اقول : منشأ التردد : النظر الى حصول العذر المسقط للجهاد عنه (٢).
والالتفات الى عموم قوله تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا » (٣)
__________________
(١) المبسوط ٢ / ٦.
(٢) فى هامش « س » : ويعضده قوله تعالى « ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج » وهو عام فى حال الحرب وغيره.
(٣) سورة الانفال : ٤٥.
وقوله تعالى « إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ » (١) فيجب عليه ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط. أما لو حصل العذر الذي يعجز معه عن القيام بالجهاد كالمرض والعمى ، سقط الجهاد عنه اجماعا.
فرع :
قال الشيخ رحمهالله في المبسوط : لو جدد العذر بعد الخروج وقبل الالتحام فان كان ذلك العذر من الغير ، مثل أن رجع صاحب الدين عن الاذن بعده ، أو يسلم أبواه ويمنعاه عن الجهاد ، فعليه الرجوع. وان كان العذر من قبل نفسه كالعرج والمرض ، فهو بالخيار ان شاء فعل وان شاء رجع (٢).
ولو قيل انما يسوغ له الجهاد مع ظن السلامة وعدم التضرر به كان حسنا.
قال رحمهالله : ومن عجز عن الجهاد بنفسه وكان موسرا ، وجب اقامة غيره ، وقيل : يستحب. وهو أشبه.
أقول : القول الاول ذكره الشيخ في النهاية (٣) ، وأتبعه المتأخر. والحق الثاني.
لنا ـ أصالة براءة الذمة ، ولان الجهاد من جملة العبادات البدنية.
احتجوا بأنه أحوط ، وبعموم الآيات الدالة على الامر بفعل الخيرات. والاحتياط معارض بالاصل ، والآيات مخصوصة بالقادر ، لانتفاء شرط التكليف في حق العاجز.
قال رحمهالله : والهجرة باقية ما دام الكفر.
__________________
(١) سورة الانفال : ١٥.
(٢) المبسوط ٢ / ٦.
(٣) النهاية ص ٢٨٩.
أقول : هذا مذهب جميع علمائنا رضوان الله عليهم أجمعين.
قال الشيخ رحمهالله في المبسوط : فأما ما روي من قولهم عليهمالسلام « لا هجرة بعد الفتح » فمعناه : لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبله. وقيل : لا هجرة بعد الفتح من مكة ، لانها صارت دار الاسلام (١).
قال رحمهالله : ولو نذر المرابطة ، وجبت مع وجود الامام وفقده.
اقول : لا خلاف في وجوب الوفاء بهذا النذر ، اذ هو من جملة الطاعات وان كانت المرابطة في زمان ظهور الامام أكثر ، فضلا منها في زمان استتاره ، ولكن اذا أتى بها في وقت استتاره ، نوى بها الدفع عن بيضة الاسلام وعن حوزته وعن ماله ، دون الجهاد الشرعي.
قال رحمهالله : وكذا لو نذر أن يصرف شيئا في المرابطين على الاصح. وقيل : يحرم ويصرفه في وجوه البر ، الا مع خوف الشنعة ، والاول أشبه.
أقول : قال الشيخ رحمهالله في المبسوط (٢) والنهاية (٣) : من نذر أن يصرف شيئا في المرابطين وكان حال ظهور الامام ، وجب الوفاء به. وان كان في حال انقباض يده واستتاره ، صرف في وجوه البر ، الا أن يكون قد نذره ظاهرا ، أو يخاف الشنعة من الاخلال به عليه ، فيصرفه إليهم حينئذ هبة.
والحق وجوب الوفاء من غير تفصيل ، وهو اختيار المتأخر.
لنا ـ أنه نذر في طاعة ، فوجب الوفاء به. أما الصغرى ، فلان المرابطة مستحبة مطلقا اتفاقا منا. واذا كانت مع ظهور الامام أكثر استحبابا ، فتكون المعاونة
__________________
(١) المبسوط ٢ / ٤.
(٢) المبسوط ١ / ٨ ـ ٩.
(٣) النهاية ص ٢٩١.