جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

وعلى المولى مع اذنه مهر العبد ونفقة زوجته ، وله مهر أمته.

______________________________________________________

فالقائلون بالبطلان ثم قالوا به في نكاح العبد والأمة إذا بادر أحدهما إلى العقد بنفسه بدون اذن سيده.

والقائلون بوقوعه موقوفا اختلفوا هنا ، فقال بعضهم بوقوع هذا النكاح موقوفا ، فإن اجازه السيد صح ، وإلاّ بطل. واختاره المصنف هنا وفي المختلف (١) ، وهو الأصح ، لحسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سألته عن مملوك تزوّج بغير اذن سيده قال : « ذلك الى السيد إن شاء أجاز ، وإن شاء فرّق بينهما » (٢).

واضطرب كلام ابن إدريس فقال في أوله ما حاصله : إن كلام الشيخ مبني على مذهبه من أن العقد لا يقف على الإجازة ، قال : وقد بيّنا فساد ذلك فيما مضى ، ثم حكم ببطلان العقد هنا من أصله محتجا بأنه منهي عنه فيكون فاسدا (٣) ، وكلية الكبرى ممنوعة.

وقد يحتج بما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أيما مملوك تزوّج بغير اذن مولاه فنكاحه باطل » (٤) ، ويجاب بمنع السند أولا ، وبالجملة على انه بمنزلة الباطل ، إذ لا يترتب عليه أثره بمجرده ثانيا مجازا طلبا للجمع بينه وبين ما سبق.

قوله : ( وعلى المولى مع اذنه مهر العبد ونفقة زوجته وله مهر أمته ).

إذا أذن المولى لعبده في النكاح صح وكان المهر في ذمة السيد ، وكذا نفقة الزوجة على أشهر الأقوال للأصحاب ، لأن العبد لما لم يتصور ملكه امتنع تعلق الوجوب به ، ولما وقع النكاح صحيحا لزمه الحكم بثبوت المهر والنفقة ، ولا متعلق لهما إلاّ السيد وقد أذن في النكاح فيتعيّن وجوبهما عليه ، لأن الاذن في النكاح لمن هذا حاله‌

__________________

(١) المختلف : ٥٦٩.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٨ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٥٠ حديث ١٦٧٥ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ حديث ١٤٣٢.

(٣) السرائر : ٣٠٥.

(٤) سنن البيهقي ٧ : ١٢٧ وفيه : « عاهر » بدل « باطل ».

٦١

واجازة عقد العبد كالإذن المبتدأ في النفقة ، وفي المهر اشكال.

______________________________________________________

التزام لمؤنته ، ولما كان نسبتهما الى جهات أموال السيد على حد سواء وجب الحكم بثبوتهما في ذمة السيد ، لامتناع الترجيح.

ولو زوّج السيد أمته صح النكاح قطعا وكان المهر للسيد ، لأن الأمة وبضعها ومنافعها مملوكة له ، فيكون المهر الذي هو في مقابل البعض حقا له.

قوله : ( واجازة عقد العبد كالإذن المبتدأ له في النفقة ، وفي المهر اشكال ).

لما حكم بأن عقد المملوك يقع موقوفا على اجازة السيد ولا يقع باطلا من أصله ، فرّع عليه ما إذا كان المملوك العاقد عبدا وأجاز المولى نكاحه فقال : إنه كالإذن المبتدأ في النفقة ، وتردد في المهر. وتحقيقه : إن المولى إذا أجاز العقد كانت الإجازة كالإذن المبتدأ ، أي : الواقع قبل العقد ، فيصح به العقد كما سبق وتثبت به النفقة مع حصول التمكين من الزوجة في ذمة السيد ، لأن وجوبها أثر النكاح الثابت بالاذن.

وأما المهر ففي كون الإجازة بالنسبة إليه كالإذن المبتدأ ، فيثبت في ذمة العبد على أنه يتبع به إذا أعتق ، أو في ذمة السيد إشكال ينشأ : من أن الإجازة لما طرأت على العقد بعد تمامه لم توجب في ذمة المولى شيئا ، وذلك لأن العقد تضمّن المهر قبل صدور الإجازة ، فلم يكن له تعلق بذمته. ولأن الإجازة إنما تؤثر في العقد على ما هو عليه ، ومعلوم أنه لم يقع على أن المهر في ذمة المولى.

ومن أن الرضى بالنكاح من المولى التزام لمؤنة ، ولا يفترق الحال في ذلك بين وقوعه متقدما ومتأخرا.

فإن العبد لكونه لا يملك يمتنع إلزامه بالمهر ، فلا يقع العقد إلاّ على الوجه الممكن ، وهو كون المهر على السيد ، فيقع موقوفا على هذا الوجه. فإذا أجازه ثبت المهر في ذمته كما في الاذن قبل العقد سواء ، وهذا أصح.

٦٢

ولو تعدد المالك افتقر إلى اذن الجميع قبل العقد ، أو إجازتهم بعده.

ويحتمل ثبوت المهر والنفقة في كسب العبد وربح تجارته ، ولا يضمن السيد ، بل يجب أن يمكنّه من الاكتساب ،

______________________________________________________

والجواب عما سبق أن العقد وإن لم يتضمن ثبوت المهر في ذمة السيد ، إلاّ أنه يمتنع وقوعه إلاّ كذلك ، لما قلناه.

قوله : ( ولو تعدد المالك افتقر إلى اذن الجميع قبل العقد ، أو إجازتهم بعده ).

لأن كل واحد منهم مالك ، فيعتبر في كل واحد منهم ما يعتبر في المالك الواحد ، وحينئذ فيوزّع عليهم المهر والنفقة بالحصة.

قوله : ( ويحتمل ثبوت المهر والنفقة في كسب العبد وربح تجارته ، ولا يضمن السيد بل يجب أن يمكّنه من الاكتساب ).

ذكر الشارح الفاضل ما حاصله : إن ما ذكره المصنف في المطلب الخامس في الأحكام من الفصل الثالث : في الأولياء ، من أن المولى إذا أذن لعبده في النكاح وأطلق ثبت قدر مهر المثل على المولى لو نكح بأزيد منه ، لم يكن ترجيحا مانعا من النقيض ، أو أنه رجع عنه إلى كون المهر والنفقة في كسب العبد (١).

وما ذكره غير واضح إذ ليس في كلامه ما يدل على اختيار كون المهر والنفقة في كسب العبد بحال ، فإنه لم يذكر ذلك إلاّ احتمالا. وقد ذكر قبله بيسير إن على المولى مع اذنه مهر العبد ونفقة زوجته ، فكيف يكون هذا رجوعا عما سبق. ولا ريب أن الاحتمال لا ينافي صورة الجزم ، لأنه مع ترجيح أحد الطرفين يجوز ذكره بصورة الجزم لتعيّن العمل به لا محالة.

__________________

(١) الإيضاح ٣ : ١٣٨.

٦٣

______________________________________________________

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه يحتمل ثبوت المهر والنفقة فيما إذا اذن السيد لعبده في النكاح قبل العقد ، أو اجازه بعد وقوعه في كسب العبد إن كان كاسبا ، كما في الاحتطاب والاحتشاش ، وما يحصّله بصنعة أو حرفة ولو بالاكتساب النادر في ربح تجارته إن كان تاجرا.

وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١) ، ووجهه : إن المهر والنفقة من لوازم النكاح ، وكسب العبد أقرب شي‌ء إليهما ، فإن غاية كسب كل انسان هو الصرف في مؤنة وضروراته ، والعادة جارية بذلك فينزل الحال في لوازم النكاح عليها.

ويضعّف بأن الدين لا بد له من ذمة يتعلق بها ، وذمة العبد ليست أهلا لذلك ، فلا بد من تعلقه بذمة المولى. وعلى القول بذلك فلا يخفى أنهما لا يتعلقان بكل كسب للعبد بل بما كان بعد النكاح ، فإن السابق خاص بالمولى كسائر أمواله.

ولا بد في المهر من حلوله ، فلو كان مؤجلا تعلّق بالكسب الواقع بعد الحلول دون ما قبله ، لما قلناه.

ولا بد في النفقة من التمكين ، فلا تعلق لها بالكسب المتقدم عليه. ومن هذا يعلم أنه لو كان تاجرا لم يتعلق برأس المال ، بل بالربح الحاصل بعد الاستحقاق حالا. وطريق الصرف إلى المهر والنفقة أن ينظر في الحاصل كل يوم ، فيؤدي منه النفقة إن وفي بها ، فإن فضل شي‌ء صرف إلى المهر ، وهكذا حتى يتم المهر ثم يصرف الفاضل من النفقة إلى السيد ، ولا يدخر لما يتجدد من النفقة.

ولو فلس السيد اختصت الزوجة بقدر النفقة والمهر من كسب العبد ، وعلى القول بكونهما في ذمة السيد هي أحد غرمائه فتضرب بالحصة.

وقول المصنف : ( ولا يضمن السيد بل يجب أن يمكنه من الاكتساب ) تنقيح‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٦٧.

٦٤

فإن استخدمه يوما فأجرة المثل كالأجنبي. ويحتمل أقل الأمرين من كسبه ونفقة يومه.

______________________________________________________

للقول بثبوتهما في كسب العبد ، فإن تعلق الحق بمال معيّن لا ينافي الثبوت في الذمة ، كما لو ضمن ما على الغير وشرط الأداء من مال بعينه ، وكما في الرهن وتركة الميت.

ولما لم يكن للمهر والنفقة على هذا القول تعلق بذمة السيد ، بل متعلقهما الكسب ، كما أن متعلق أرش الجناية هو رقبة العبد دون ذمة السيد ، نصّ المصنف على ذلك ، وبيّن أنه يجب على السيد تمكينه من الكسب بمعنى تخليته ليكتسب ، ولا يشترط إذنه ، لأن الاذن في النكاح يستدعي ذلك.

ومقتضى هذا أنه لا يشترط الاذن في التجارة بخصوصها ، بل إن اتجر حينئذ صح وتعلقا بالربح.

وقد يتوهّم من قول الشارح الفاضل : لو كان مأذونا له في التجارة تعلق أيضا المهر ونفقة زوجته بربحه ، اعتبار الاذن في الصحة ، فإن ذلك مراد له (١) ، فليس بظاهر.

وليس من لوازمها التصرف في مال المولى ، إلاّ أن يقال : التجارة لا بد فيها من الشراء ، ولا بد من ثبوت الثمن في ذمة المولى ، وهذا مما يجب التوقف فيه على اذنه.

فرع : يجب عليه تخليته للاستمتاع بمجرى العادة.

قوله : ( فإن استخدمه يوما فاجرة المثل كالأجنبي ، ويحتمل أقل الأمرين من كسبه ونفقة يومه ).

هذا فرع على القول بثبوت المهر والنفقة في كسب العبد ووجوب تخليته للاكتساب ، وتحقيقه : إنه على هذا القول لو استخدمه السيد يوما ولم يلتزم بلوازم النكاح وجب عليه الغرم لما استخدم ، لأنه لما أذن في النكاح فكأنه أحال على كسبه ، فإن فوّته طولب بعوض ما استوفاه وهو اجرة المثل كما في الأجنبي.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٣٩.

٦٥

ويحتمل ثبوت النفقة في رقبته ، بأن يباع كل يوم منه جزء للنفقة.

______________________________________________________

ويحتمل أن يجب أقل الأمرين من اجرة المثل والمهر ونفقة يومه ، أما إذا كان المهر والنفقة أقل فظاهر ، إذ لا يجب شي‌ء غير ذلك.

وأما إذا كانت الأجرة أقل ، فلأن الذي استوفاه السيد هو قدر الأجرة ، فلا يغرم أكثر منه.

ويجي‌ء احتمال ثالث ، وهو أن يغرم نفقة مدة الاستخدام كائنة ما كانت ، لأنه ربما كان يكتسب ما يفي بذلك.

والأقرب تفريعا هو وجوب أقل الأمرين. واعلم أن المصنف لم يذكر في هذا الاحتمال سوى نفقة يومه.

ولا ريب أن المهر دين حاضر ، لأنه الفرض ، فإذا وفت به الأجرة تعيّن صرفها إليه مع النفقة ، وكأنه إنما سكت عنه اكتفاء بما تقدّم واعتمادا على ظهور الحال ، وكذا فعل في احتمال كونها في رقبته.

قوله : ( ويحتمل ثبوت النفقة في رقبته ، بأن يباع كل يوم منه جزء للنفقة ).

هذا احتمال ثالث لتعلق النفقة ، وتحقيقه : إنّ نفقة كل يوم تثبت في رقبته ، فيباع منه جزء ما يفي بالنفقة ، تنزيلا لها منزلة أرش الجنايات.

ووجهه : إن النفقة واجبة لا محالة وليست على السيد ، لأصالة البراءة ، ولا على العبد ، لأنه ليس أهلا لذلك. وتعليقها بكسبه تعليق للواجب بما ليس بمعلوم الحصول ، فتعيّن تعلقها بالرقبة بمقتضى السبر والتقسيم.

فعلى هذا إن وجد راغب يشتري كل يوم منه جزء بقدر النفقة الواجبة لذلك اليوم وجب بيعه.

واعلم أن قوله : ( ويحتمل ثبوت النفقة في رقبته ) ليس عديلا لقوله : ( ويحتمل أقل الأمرين ) بل هو عديل لقوله : ( ويحتمل ثبوت المهر والنفقة في كسب العبد ) كما‌

٦٦

ولو قصر الكسب ، أو لم يكن ذا كسب احتمل ثبوت النفقة في رقبته وفي ذمة المولى ، وأن يتخير بين الصبر والفسخ إن جوّزناه مع العسر.

ولو اشترته زوجته أو اتهبته قبل الدخول سقط نصف المهر الذي‌

______________________________________________________

هو ظاهر عند التأمل.

قوله : ( ولو قصر الكسب أو لم يكن ذا كسب احتمل ثبوت النفقة في رقبته ، وفي ذمة المولى ، وأن يتخير بين الفسخ والصبر إن جوّزناه مع العسر ).

ما سبق هو حكم ما إذا كان العبد كاسبا وكسبه واف بنفقة زوجته ، وهذا بيان حكم ما إذا كان كسبه قاصرا عنها أو لم يكن له كسب أصلا ، وقد ذكر المصنف فيه احتمالات ثلاثة :

أحدها : ثبوت النفقة أو ما قصر الكسب عنه منها في رقبته ، تنزيلا للوطء في النكاح منزلة الجناية.

الثاني : ثبوتها في ذمة المولى ، لأنه لما اذن في النكاح لزمته لوازمه ، لامتناع إغراء النكاح عن النفقة ، وإنما قدّمنا الكسب ، لأنه أقرب شي‌ء إليها ، فإذا انتفى تعيّنت ذمة المولى.

الثالث : تخيير الزوجة بين الصبر بغير نفقة حاضرة ، وبين الفسخ إن جوّزنا الفسخ للمرأة إذا أعسر زوجها الحر عن النفقة ، وسيأتي تحقيقه إن شاء تعالى. ولم يذكر المصنف حال المهر مع القصور ، وكذا لم يذكره في احتمال ثبوت النفقة في رقبته ، فيمكن أن لا يرى مجي‌ء ذلك فيه ، وأن يكون على ذلك التقدير دينا على العبد يتبع به.

لكن في إثبات الفرق بين المهر والنفقة عسر ، وهذا كله بناء على أن المهر والنفقة لا يثبتان في ذمة المولى بإذنه في النكاح ، أما على القول بالثبوت فإن ذلك ساقط.

قوله : ( ولو اشترته زوجته ، أو اتهبته قبل الدخول سقط نصف المهر‌

٦٧

ضمنه السيد أو جميعه ، فإن اشترته بالمهر المضمون بطل الشراء إن أسقطنا الجميع حذرا من الدور ، إذ سقوط العوض بحكم الفسخ يقتضي عراء البيع عن‌

______________________________________________________

الذي ضمنه السيد أو جميعه ).

قد سبق أنه إذا ملك أحد الزوجين الآخر أو شيئا منه انفسخ النكاح ، فإذا ملكت الزوجة الحرة زوجها المملوك شراء أو اتهابا أو غيرهما ، فإما أن يكون ذلك قبل الدخول أو بعده.

فإن كان قبله وقد ضمن السيد المهر ، إما بناء على أن الاذن في النكاح يقتضي ثبوته في ذمته ، أو لكونه قد ضمنه للمرأة بعد النكاح حتى صار في ذمته ، فإن ما في الذمة مضمون لا محالة ، ففي سقوط نصف المهر أو جميعه وجهان :

وجه الأول : إن الانفساخ حصل بالعقد الجاري من المولى ، والزوجة والمولى قائم مقام الزوج من حيث انه سيده ، والفراق إذا حصل بصنع الزوجين غلب جانب الزوج وتشطر المهر ، كما لو خالعها قبل المسيس.

ووجه الثاني : إن الفرقة حصلت بالزوجة ، والسيد لا اختيار للزوج فيها ، فكان كما لو أسلمت مع كفره ، أو ارتدت مع إسلامه قبل الدخول. وفي هذا الوجه قوة ، فعلى هذا ترد المهر إن قبضته وعليها الثمن ، وعلى الأول ترد النصف وعليها الثمن ، وقد يقع التقاص إذا اتحد الجنس.

ولو انعكس الفرض فملك الحر زوجته الأمة قبل الدخول ، ففي وجوب نصف المهر أو جميعه الوجهان أيضا ، لكن المتجه هنا وجوب الجميع ، وقد سبق نظائره في الرضاع وتجدد الإسلام.

وتمليك السيد إياه لا يقدح في استحقاقه المهر ، إذ ليس أبلغ من بذل الزوجة في الخلع ، وإنما تشطر في الخلع للدليل ، فلا يلحق به غيره.

قوله : ( فإن اشترته بالمهر المضمون بطل الشراء إن أسقطنا الجميع حذرا من الدور ، إذ سقوط العوض بحكم الفسخ يقتضي عراء المبيع عن‌

٦٨

العوض ،

______________________________________________________

العوض ).

قد بينّا أن المهر يمكن ثبوته في ذمة السيد ، اما بأن يكون صدور العقد بإذنه يقتضي شغل ذمته ، أو بأن يضمنه للزوجة ، بناء على أنه لا يثبت في ذمته بعد صدور العقد ، لأنه دين لازم فيصح ضمانه.

ولا ريب أن ما يقرن بالباقي عقد البيع من العوضين هو الثمن ، فإذا باع السيد العبد للزوجة بالدين الذي في ذمته فقد باعه بنفس المهر. ومثله ما لو دفع إلى عبده عينا من أمواله لينكحها بها ، ثم باعها إياه بتلك العين ، بخلاف ما لو باعها بعوض وأطلق بحيث لم يقيّده بكونه الذي في ذمته لها ، فإنه ليس بيعا بنفس المهر.

إذا تقرر ذلك ، فإن الزوجة إذا اشترت زوجها العبد بنفس المهر الذي في ذمة السيد ، أو الذي تعيّن في عقد النكاح على ما بيّناه ، وكان ذلك قبل الدخول بنى على صحة البيع ، وعدمه على المسألة السابقة ، وهي أن الزوجة إذا اشترته قبل الدخول سقط نصف المهر أو جميعه.

فإن قلنا بسقوط الجميع بطل البيع ، لأنه يلزم منه الدور ، وهو باطل. بيان اللزوم : إنه إذا صح البيع دخل في ملكها وانفسخ النكاح فيسقط المهر ، لأنه المقدّر ، فيبقى المبيع بغير عوض يقابله فينفسخ ، لامتناع صحة البيع بدون ثمن.

فصحة البيع تستلزم بطلانه ، وذلك دور عند الفقهاء ، وبطلانه ظاهر. لأن كلما كان بحيث يفضي صحته الى بطلانه يجب الحكم ببطلانه.

لا يقال : صحة البيع وارتفاع النكاح لا يكونان معا ، بل يكون الفسخ بعد البيع وحصول الملك ، وحينئذ فلا يزول ملكها عن الصداق إلاّ بعد ملكها للرقبة ، فلا يبطل الثمن لانفساخ العقد ، بل يكون أثره الرجوع إلى البيع بدل الصداق.

وكما لو اشترت بعين الصداق قبل المسيس ثم ارتدت ، فإنه يلزمها غرم بدل الصداق ، ولا يبطل البيع.

٦٩

ولو اشترته به بعد الدخول صح.

ولو جوّزنا اذن المولى بشرط ثبوت المهر في ذمة العبد فاشترته به بطل العقد ، لأن تملكها له يستلزم براءة ذمته ، فيخلو البيع عن العوض.

______________________________________________________

لأنا نقول : ليس بين صحة البيع وارتفاع النكاح وزوال الملك عن الصداق تخلل زمان ، وإن كان هناك تقدّم اعتباري ، بخلاف الصورة المذكورة في السؤال. هذا إذا أسقطنا جميع الصداق بشرائها إياه ، ولو أسقطنا النصف خاصة ، فإن البيع إنما يبطل في النصف فقط ، لسقوط نصف الثمن.

و ( عراء ) في قول المصنف يقتضي عراء المبيع كأنه مصدر عرى عن كذا يعري عنه ، والمنقول في مصدره عرى اما عراء ممدودا أو مقصورا فلم أقف عليه.

قوله : ( ولو اشترته بعد الدخول صح ).

أي : لو اشترت الزوجة العبد بنفس المهر المضمون بعد الدخول صح الشراء ، وذلك لأن المهر استقر بالدخول ، فلا يلزم من انفساخ النكاح سقوطه ليلزم عراء المبيع عن العوض.

ولا فرق في ذلك بين أن نقول بثبوت المهر في ذمة السيد بالعقد إذا وقع باذنه ، وبين أن نقول بثبوته في ذمة العبد ثم يضمنه السيد ، لأن الضمان لما كان ناقلا عندنا لم يرد أن ذمة العبد تبرأ من الصداق بدخوله في الملك ، حيث ان المولى لا يستحق براءة ذمة الضامن.

قوله : ( ولو جوّزنا اذن المولى بشرط ثبوت المهر في ذمة العبد فاشترته بطل العقد ، لأن تملكها له يستلزم براءة ذمته ، فيخلو البيع عن العوض ).

يلوح من قوله : ( ولو جوّزنا. ) أنه لا يجوز ذلك ، إلاّ أن قوله سابقا : ( وفي المهر إشكال ) يقتضي تجويز ذلك.

ويمكن أن يعتذر له بأن المراد بالتجويز : الحكم بالجواز ، وليس بلازم من الإشكال في المهر.

٧٠

والولد رق إن كان أبواه كذلك ، فإن كانا لمالك فالولد له ، ولو كان كل منهما لمالك فالولد بينهما نصفان ، إلاّ أن يشترطه أحدهما أو يشترط الأكثر فيلزم ،

______________________________________________________

إذا عرفت ذلك فمقصود المسألة إنّا إذا جوّزنا للمولى أن يأذن لعبده في النكاح بشرط أن يصرح للمرأة بكون المهر في ذمته ، فنكح كذلك ، ثم اشترته الزوجة بالمهر بعد الدخول بطل العقد ، أي : البيع ، لأن تملكها إياه يستلزم براءة ذمته ، لامتناع أن يستحق المولى في ذمة مملوكه مالا ، لأنه وذمته ملك له فكيف يعقل أن يستحق على ماله مالا؟! وحينئذ فيخلو البيع عن العوض فيبطل للزوم الدور.

ووجه جواز الاذن كذلك أن العبد يمكن ثبوت الدين في ذمته بدليل أنه يتبع بعوض المتلفات.

ووجه العدم أن ذمته مملوكة للسيد ، فلا يمكن شغلها بشي‌ء من الديون ، ولزوم عوض المتلفات للضرورة حذرا من ضياع الأموال لا يقتضي أن يكون ذمته كذمة غيره يمكن شغلها بالديون اختيارا.

قوله : ( والولد رق إن كان أبواه كذلك ، فإن كانا لمالك فالولد له ، ولو كان كل منهما لمالك فالولد بينهما نصفان ، إلاّ أن يشترطه أحدهما ، أو يشترط الأكثر فيلزم ).

لا خلاف في أن الولد إذا كان أبواه رقين يكون رقيقا ، فإن كانا لمالك واحد فالولد له لا محالة ، وإن كان كل منهما لمالك فالولد بينهما نصفان ، لأنه نماء ملكهما لا مزية لأحدهما على الآخر.

وليس كذلك الولد في باقي الحيوانات ، بل هو لمالك الام. والفرق بينها وبين الآدمي في ذلك وراء النص والإجماع ثبوت النسب المقتضي للتبعية ، وسيأتي فيما بعد في الأخبار مما ينبّه على ذلك إن شاء الله تعالى.

٧١

ويتبع في الحرية أحد أبويه ، إلاّ أن يشترط المولى رقيته فيلزم ، ولا تسقط بالإسقاط بعده.

______________________________________________________

ولو شرط أحد الموليين في عقد لازم كون الولد له ، أو استحقاقه أزيد من النصف فيه صح الشرط ولزم ، لأنه شرط لا ينافي النكاح ، وعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١) يتناوله.

قوله : ( ويتبع في الحرية أحد أبويه ، إلاّ أن يشترط المولى رقيته فيلزم ، ولا يسقط بالإسقاط بعده ).

هنا مسألتان :

الأولى : إذا كان أحد أبوي الولد حرا والآخر رقا كان الولد حرا تبعا للحر من الأبوين ، سواء كان الحر الأب أو الأم عند أكثر الأصحاب (٢) ، لأن الأصل في الإنسان الحرية ، خرج منه ما أخرجه الدليل وكان موضع وفاق ، فيبقى ما سواه على الأصل.

ولرواية جميل بن درّاج عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا تزوّج العبد الحرة فولده أحرار ، وإذا تزوّج الحر الأمة فولده أحرار » (٣).

ولحسنة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يتزوّج بأمة قوم ، الولد مماليك أو أحرار؟ قال : « إذا كان أحد أبويه حرا فالولد أحرار » (٤).

ولرواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام : في مملوك تزوّج حرة قال :

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

(٢) انظر : التنقيح الرائع ٣ : ١٣٨ ، المهذب ٢ : ٢١٥ ، اللمعة الدمشقية : ١٩٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٩٢ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٣٦ حديث ١٣٧٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٣ حديث ٧٣٢.

(٤) الكافي ٥ : ٤٩٣ حديث ٧ ، الفقيه ٣ : ٢٩١ حديث ١٣٨١ ، التهذيب ٧ : ٣٣٦ حديث ١٣٧٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٣ حديث ٧٣٣.

٧٢

______________________________________________________

« الولد للحر » ، وفي حر تزوج مملوكة فقال : « الولد للأب » (١).

وقال ابن الجنيد : إن ولد المملوكة زوجة الحر ، والمملوك زوج الحرة للسيد إلاّ مع اشتراط حريتهم ، لأنهم نماء مملوك فيتبعه ، ولأن حق الآدمي يغلب إذا اجتمع مع حق الله تعالى (٢).

ولرواية أبي بصير قال : « لو أن رجلا دبّر جارية ، ثم زوّجها من رجل فوطأها ، كانت جاريته وولدها مدبرين كما لو أن رجلا أتى قوما فتزوّج إليهم مملوكتهم كان ما ولد له مماليك » (٣).

والجواب : إنه نماء الحر أيضا ، وحق الحرية مقدّم فإنه أقوى ، ولهذا كان العتق مبنيا على التغليب والسراية ، والرواية مقطوعة فلا تعارض ما تقدّم ، وحملها الأصحاب على ما إذا شرط المولى الرقية ، وفيه نظر.

الثانية : إذا اشترط المولى رقية الولد حيث يكون أحد الأبوين حرا ، فقد صرّح المصنف بصحة الشرط ولزومه. وهو اختيار الشيخين (٤) وجماعة (٥) ، وتردد فيه المحقق ابن سعيد (٦).

وجه الصحة : عموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٧) ، وعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٨) ، ورواية أبي بصير السالفة ، فإنها منزّلة على ذلك ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٣٦ حديث ١٣٧٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٣ حديث ٧٣٤.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٦٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٣٦ حديث ١٣٧٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٣ حديث ٧٣٥.

(٤) المقنعة : ٧٧ ، النهاية : ٤٧٧.

(٥) انظر : الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩ ، المهذب ٢ : ٢١٥ ، اللمعة : ١٩٤.

(٦) المختصر النافع : ١٨٣.

(٧) المائدة : ١.

(٨) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ١٣٨.

٧٣

______________________________________________________

وموردها وإن كان ما إذا كانت الام رقا إلاّ أنه لا قائل بالفصل.

ووجه العدم : عموم الأخبار السالفة ، فإن ترك الاستفصال في حكاية الحال مع الاحتمال للعموم ، ولقول الصادق عليه‌السلام في رواية سماعة الآتية وقد سئل عن مملوكة تزوّجها حر بدعواها الحرية في الجواب : « ولا يملك ولد حر » (١) ، وقد ضبطها المحققون بالتنوين دون الإضافة.

وجه الاستدلال بها : إن النكرة في سياق النفي للعموم ، والمعنى : ولا يملك الولد المحكوم بحريته بحال.

فإن قيل : هذا محكوم برقيته.

قلنا : بل هو حر بدون الشرط ، فلا يكون الشرط سببا لرقيته بنص الحديث ، ولأن الحرية بجعل الله تعالى فلا مدخل للشرط في تغييرها ، كما لو شرط رقية ولد الحرين ، ولأن الولد ليس ملكا للحر من الأبوين ليصح اشتراطه للمولى.

وكما لا يصح أن يشترط رقية من ولد حرا فكذا من سيولد حرا ، لانتفاء السلطنة في الموضعين. ويؤيد نفي السلطنة أن الوالد لو أقر برقية ولده لم ينفذ هذا الإقرار على الولد ، ولأن الولد نماء الأبوين ، فنماء حر الأصل يجب أن يكون حرا بالأصالة ، وحر الأصل يمتنع أن يجري عليه الرق بغير الشي‌ء.

فإن قلنا بالأول لزم الشرط ولم يسقط بالإسقاط بعد العقد ، لأنه من مقتضياته الثابتة ، وإنما يسقط بإسقاط ما في الذمة ، والحق الضعيف الذي لا يقتضي الملك كالتحجير.

وإن قلنا بالثاني فالشرط باطل لا محالة ، وهل يبطل به العقد؟ يحتمل ذلك.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٥٠ حديث ١٤٢٩ ، الاستبصار ٣ : ٢١٧ حديث ٣٩٠.

٧٤

ولو تزوّج الحر الأمة من غير اذن مالكها ، ووطأ قبل الرضى عالما بالتحريم فهو زان وعليه الحد ، وفي المهر مع علمها إشكال ينشأ : من أنها زانية ، ومن ملكية البضع للمولى.

______________________________________________________

ولا يخفى أن دلائل الثاني أقوى ، والأول هو المشهور بين الأصحاب.

قوله : ( ولو تزوّج الحر من غير اذن مالكها ووطأ قبل الرضى عالما بالتحريم فهو زان وعليه الحد ، وفي المهر مع علمها إشكال ينشأ : من أنها زانية ، ومن ملكية البضع للمولى ).

أي : لو تزوج الحر الأمة ـ بدليل السياق ـ بدون اذن مالكها ، وهو عالم بكونها أمة ، بدليل قوله : ( عالما بالتحريم ) ثم وطأ قبل صدور الرضى من المولى عالما بتحريم ذلك فهو زان قطعا ، لصدق حد الزاني عليه ، ويجب عليه الحد بحسب حاله.

وفي وجوب المهر إذا كانت هي أيضا عالمة بالتحريم إشكال ينشأ : من أنها زانية ، ولا مهر للزانية لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا مهر لبغي » (١) ، والنفي للثبوت والاستحقاق ، وهو للعموم لوقوع النكرة في سياق النفي. ومن أن البضع حق للمولى وملكه ، فلا يؤثر علمها ورضاها في سقوط حقه.

ولقائل أن يقول : إن البضع وان كان حق المولى إلاّ أنه ليس على نهج الأموال ، ليكون مطلق الانتفاع به موجبا للعوض ، وإنما يستحق العوض به على وجه مخصوص ، فإنه لو تراضى الواطئ والمولى على عوض الوطء من دون عقد شرعي لم يستحق شيئا.

ولو قبّل أحد مملوكة الغير أو لمسها أو استمتع بها بما دون الوطء لم يكن له عوض مال ، بخلاف ما لو استخدمها أي أنواع الخدمة كان ، والسر في ذلك أن في الوطء شائبة التعبد ، فلا يباح إلاّ على الوجه المعيّن ، ولا يكفي فيه مطلق التراضي ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٩ : ٨٩ ، سنن البيهقي ٦ : ٦.

٧٥

ولو كانت بكرا لزمه أرش البكارة.

______________________________________________________

ولا يستحق به العوض إلاّ على النهج الذي عيّنه الشارع ، وبدونه فليس إلاّ العقوبة. في الدنيا والعوض في الأخرى.

وما سواه فالأصل براءة الذمة منه ، فيتمسك به من غير احتياج الى دليل آخر ، لانتفاء المعارض ، وحينئذ فلا يقدح ما قيل من أن الحديث لا يعم المملوكة ، لأن اللام في قوله عليه‌السلام : « لبغي » يقتضي الملك ، والمملوكة يمتنع في حقها الملك ، على أن لقائل أن يقول : إنّ اللازم فيه لام الاختصاص الناشئ عن المقابلة ، فإن ذلك هو المراد من نظائره ، مثل قولك : لا اجرة لهذا العبد ، ولهذه الدار ، ولهذه الدابة ، وأمثال ذلك مما لا يتناهى.

ثم ان الظاهر أن الحديث إنما ورد في البغايا من الإماء ، لأن العادة كانت بينهم حمل الإماء على الزنا يبتغون بذلك العوض ، وعلى هذا فالأصح عدم الوجوب.

ولو علمت التحريم هي وجهل هو فلا مهر ، لما قلناه. ولو جهلت خاصة ثبت المهر ، للشبهة. وكذا لو أكرهها ، لقيام الشبهة ولهذا يلحق بها الولد ، والولد رق لمولاها في هذه الصورة ، لأن للعاهر الحجر ، وهذا كله إذا لم يجز المولى العقد.

أما إذا اجازه وقلنا : إن الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه ، فإن المهر المسمّى يلزم ويتحقق استقراره ويلحق به الولد ، لأنه قد تبيّن كونها زوجة حين الوطء. وعلى هذا فلا حد ، لانتفاء كونه زانيا إذ هي زوجة ، غاية ما في الباب انه أقدم على محرّم فاستحق التعزير ، ولعل الأصحاب إنما تركوا التعرض إلى هذا اعتمادا على ظهوره بتقدير مقدماته.

قوله : ( ولو كانت بكرا لزمه أرش البكارة ).

المراد : إن الأمة في الصورة السابقة لو كانت بكرا فاقتضها لزمه أرش بكارتها ، وظاهر السياق أن لزومه لا ريب فيه ، وهو الذي ينساق إليه النظر ، لأن الاقتضاض أمر زائد على أصل الوطء ، ولهذا نوجبه مع المهر إذا كانت جاهلة ، وليس جزءا من‌

٧٦

ولو كان عبدا ، فإن قلنا إنه أرش جناية تعلّق برقبته يباع فيه ، وإن قلنا إنه مهر تبع به بعد العتق ،

______________________________________________________

المهر وإنما هو عوض جناية.

إلاّ أن تردد المصنف في حكم العبد يؤذن بتجويزه أن يكون مهرا ، فيجي‌ء فيه الاشكال من حيث انه لا مهر لبغي ، وهو في غاية البعد.

قوله : ( ولو كان عبدا : فإن قلنا إنه أرش جناية تعلّق برقبته ويباع فيه ، وإن قلنا إنه مهر تبع به بعد العتق ).

أي : لو كان المتزوج في الصورة المذكورة بدل الحر عبدا ، وكانت الأمة بكرا فاقتضها ، ففي تعلّق عوض البكارة برقبته ، أو ثبوته في ذمته يتبع به إذا أعتق وجهان ، مبنيان على أن العوض أرش جناية أو مهر ، كل منهما محتمل.

أما كونه أرش جناية ، فلأن الاقتضاض تفريق اتصال في اللحم وجرح على الآدمي ، وهذا معنى الجناية.

وأما كونه مهرا ، فلأنه تابع للوطء ، وقد جعل في جملة المهر لو وطأ حرة بكرا بشبهة ، وإذا جاءت زوجة الكافر إلينا مهاجرة رددنا عليه المهر كملا من غير إسقاط عوض البكارة ، والأظهر أنه أرش جناية.

ولا يقدح الحكم في الحرائر ، لأن المهر في مقابل الوطء خاصة ، وهذه الجناية مباحة مأذون فيها ، لتوقف الوطء المستحق عليها فلا عوض في مقابلها ، والموطوءة بالشبهة بتمكينها سقط الأرش كما في الزانية.

ومن ثم لو أكره حرة بكرا على الوطء فاقتضها اتجه وجوب المهر والأرش معا.

واعلم أن عدّ أرش البكارة مهرا يقتضي التردد في ثبوته على العبد أيضا ، إذ لا مهر لبغي ، فكان حقه أن يقول : وإن قلنا إنه مهر احتمل سقوطه مع علمها ، ويحتمل‌

٧٧

والولد للمولى رق. ومع جهلها فله المهر قطعا.

ولو وطأ جهلا أو لشبهة فلا حد وعليه المهر ، والولد حر وعليه قيمته لمولى الام يوم سقط حيا.

______________________________________________________

أن يتبع به بعد العتق.

قوله : ( والولد للمولى رق ).

المتبادر أن الحكم برقية الولد جاز في الصور السابقة جميعا ، فيشمل ما إذا تزوّجها العبد ، ولكن سيأتي أنه إذا تزوّج المملوكان ولم يأذن واحد من الموليين يكون الولد لهما ، وإن أذن أحدهما فالولد لمن لم يأذن ، إلاّ أن يقال : إن ذكر العبد عند ذكر أرش البكارة وقع استطرادا ، وقوله : ( والولد للمولى رق ) مخصوص بمسألة الحر.

قوله : ( ومع جهلها فله المهر قطعا ).

أي : مع جهل المملوكة في الصورة المذكورة يستحق مولاها المهر قطعا ، لأنه وطء شبهة من طرفها ، والوطء المحترم لا يخلو من عوض ، والواجب هو مهر المثل لا المسمّى قطعا ، لفساد النكاح.

قوله : ( ولو وطأ جهلا أو لشبهة فلا حد وعليه المهر والولد حر ، وعليه قيمته لمولى الام يوم سقط حيا ).

هذا عديل المسألة السابقة ، فإنه قيّدها بكون العاقد الواطئ عالما بالتحريم ، وهذا بيان حكم الجاهل.

أي : لو وطأ العاقد في الصورة السابقة جهلا ، بأن كان لا يعلم أن وطء الأمة بغير اذن مولاها محرّم ، أو بعلمه لكن وجد شبهة كأن وجدها على فراشه فظنها زوجته أو أمته ، ولم يدر ، أنها الأمة التي عقد عليها فلا حد عليه قطعا ، للشبهة الدارئة للحد ، وعليه المهر إن كانت هي أيضا جاهلة.

وإن كانت عالمة ففي لزومه الاشكال السابق ، والولد حر ، لأنه نسب والأصل الحرية.

٧٨

وكذا لو ادعت الحرية فعقد ، ويلزمه المهر ، وقيل العشر مع البكارة ، ونصفه لا معها ، فإن كان قد دفع المهر إليها استعاده ، فإن تلف تبعها والولد رق وعليه فكه بقيمته يوم سقط حيا ، وعلى المولى دفعه إليه.

فإن لم يكن له مال استسعى فيه ، فإن امتنع قيل : يفديهم الامام من سهم الرقاب.

______________________________________________________

ولا فرق عندنا بين كون الزوج عربيا أو أعجميا ، ولا شك أن على الأب قيمته للمولى ، لأنه نماء ملكه ، وعليه أيضا ضمان ما يحدث عليها بسبب الحمل والولادة. وإنما تعتبر القيمة وقت سقوطه حيا ، لأنه وقت الحيلولة ، ووقت افراده بالتقويم ، ووقت الحكم عليه بالمالية لو كان رقا ، وقد دلت الرواية على ذلك ، وسيأتي إن شاء تعالى.

ولا يخفى أن المهر الواجب هنا هو مهر المثل ، لعلمه بعدم صحة العقد فلا يجب المسمّى.

قوله : ( وكذا لو ادعت الحرية فعقد ويلزمه المهر ، وقيل : العشر مع البكارة ونصفه لا معها (١) ، فإن كان قد دفع المهر إليها استعاده ، وإن تلف تبعها والولد رق وعليه فكه بقيمته يوم سقط حيا ، وعلى المولى دفعه إليه.

فإن لم يكن له مال استسعى فيه ، فإن امتنع قيل يفديهم الإمام من سهم الرقاب ).

هذه صورة ثالثة لهما ، وتحقيقها : إن الأمة لو ادعت الحرية فعقد عليها النكاح ، وهو شامل لما إذا كان لا يعلم حالها وادعت كونها حرة الأصل ، فيبني على الظاهر ، ولما إذا كان يعلم أنها كانت مملوكة لكن ادعت تجدد الحرية ، وفي جواز التعويل بمثل ذلك على مجرد قولها نظر ، وقد تردد فيه شيخنا في شرح الإرشاد.

__________________

(١) ذهب إليه ابن الجنيد ، كما نقله عنه فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ١٤٢.

٧٩

______________________________________________________

ولو انضم إلى خبرها قرائن تثمر ظنا قويا لم يبعد الجواز حينئذ ، وحكمها إنه إذا دخل بها لا حدّ ، لانتفاء كونه زانيا ، وعليه المهر عوض الوطء المحترم ، وفي كونه المسمّى في العقد أو مهر المثل قولان ، ووراؤهما قول ثالث وهو وجوب عشر قيمتها إن كانت بكرا ونصف العشر إن كان ثيبا.

والأول مختار المصنف وجماعة (١) ، لأن العقد صحيح ظاهرا ، فيثبت ما تضمنه. وفيه نظر ، لأن الفرض وقوعه بغير رضى السيد ، ولا أثر لكونه صحيحا ظاهرا ، لأنها حرة ظاهرا إذا ثبت رقها بالحجة الشرعية. نعم لو أجاز السيد العقد اتجه ذلك ، لا سيما إذا قلنا : إن الإجازة تكشف عن صحة العقد من حين وقوعه.

والقول الثاني مختار الشيخ في المبسوط (٢) ، ونقله الشارح الفاضل عن ابن حمزة (٣) ، ورده شيخنا في شرح الإرشاد. ووجهه : إن العقد فاسد لظهور الرقية وعدم اذن المولى ، وقد حصل الوطء المحترم فوجب مهر المثل ، وهو واضح السبيل إذا لم يجز المولى. وقد سبق نظيره في آخر الرضاع ، وعلى هذا فيجب أرش البكارة لو كانت بكرا ، وأرش النقص بالولادة إن حصل لها نقص.

والقول الثالث مختار الشيخ في النهاية (٤) ، وابن البراج (٥) ، ومستنده ما رواه الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل تزوّج امرأة حرة فوجدها أمة دلست نفسها له ، قال : « إن كان الذي زوّجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد » إلى أن قال عليه‌السلام : « ولمواليها عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا ، وإن كانت غير‌

__________________

(١) انظر : الإيضاح ٣ : ١٤٢ ، التنقيح الرائع ٣ : ١٤١.

(٢) المبسوط ٤ : ١٨٩.

(٣) الوسيلة : ٣٥٨ ، إيضاح الفوائد ٣ : ١٤٢.

(٤) النهاية : ٤٧٧.

(٥) المهذب ٢ : ٢١٧.

٨٠