جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

______________________________________________________

وقال ابن بابويه في المقنع : عدتها حيضة ونصف (١) ، وقال ابن أبي عقيل : عدتها حيضة (٢).

احتج الشيخ برواية محمد بن فضيل عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام قال : « طلاق الأمة تطليقتان ، وعدتها حيضتان » (٣) وستأتي صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « على المتمتعة ما على الأمة » (٤).

احتج ابن بابويه بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه‌السلام ، عن المرأة يتزوجها الرجل متعة الى أن قال : « فإذا انقضت أيامها وهو حي اعتدت بحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة » (٥).

واحتج المفيد والجماعة بما رواه ليث بن البختري المراد عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له كم تعتد الأمة من ماء العبد؟ قال : « حيضة » (٦). وجه الاستدلال به أن الاعتبار بالقرء الذي هو الطهر فبحيضة واحدة يحصل قرآن ، القرء الذي طلقها فيه والقرء الذي بعد الحيضة ، والمتمتع بها كالأمة.

وما رواه عبد الله بن عمر عن الصادق عليه‌السلام قال فكم عدتها؟ يعني المتمتعة قال : « خمسة وأربعون يوما ، أو حيضة مستقيمة » (٧) والتقريب ما تقدّم ، ولأن القرء الطهر كما سيأتي في العدد إن شاء الله تعالى.

وعدة المتمتع بها كالأمة ، وعدة الأمة قرآن ، كما رواه زرارة في الحسن عن‌

__________________

(١) المقنع : ١١٤.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٦٢.

(٣) التهذيب ٨ : ١٣٥ حديث ٤٦٧ ، الاستبصار ٣ : ٣٣٥ حديث ١١٩٣.

(٤) التهذيب ٨ : ١٥٧ حديث ٥٤٥ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٠ حديث ١٢٥٢.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٩٦ حديث ١٤٠٧ ، التهذيب ٨ : ١٥٧ حديث ٥٤٤ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٠ حديث ١٢٥١.

(٦) الاستبصار ٣ : ٣٣٥ حديث ١٩٤.

(٧) التهذيب ٧ : ٢٦٥ حديث ١١٤٣ ، الاستبصار ٣ : ١٥٠ حديث ٥٤٩.

٤١

______________________________________________________

الباقر عليه‌السلام إلى أن قال : « وإن كان حر تحته أمة فطلاقها تطليقتان وعدتها قران » (١).

وفي صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : « وكذلك المتمتعة ، عليها ما على الأمة » (٢) ولا شك في قوة هذا القول. وإمكان الجمع بين الأخبار كلها بالحمل عليه ، فإن اعتبار الحيضة الثانية أو نصف الحيضة من العدة مجاز ، من حيث اعتبارها في الجملة ، لامتناع تحقق العدة من دونها.

إلاّ أن قول الشيخ أحوط وأقرب الى يقين البراءة ، هذا إذا كانت تحيض. فإن كانت في سن من تحيض ولا تحيض فعدتها خمسة وأربعون يوما ، وقد تطابق على ذلك الأخبار وكلام الأصحاب.

وإذا توفي عنها الزوج اعتدت بأربعة أشهر وعشرة أيام ، سواء دخل بها أم لا ، كما في الدوام. والحجة عليها قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ) (٣) الآية ، وصدق الزوجة عليها قبل الدخول وبعده على حد سواء. وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة؟ قال : « تعتد أربعة أشهر وعشرة » (٤) الحديث وصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي يتمتع بها؟ قال : « أربعة أشهر وعشرة أيام » ، ثم قال : « يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة ، وعلى اي وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو بملك يمين » (٥) الحديث.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٦٧ حديث ١٠ ، التهذيب ٨ : ١٣٤ حديث ٤٦٦ ، الاستبصار ٣ : ٣٣٥ حديث ١١٩٢.

(٢) التهذيب ٧ : ١٥٧ حديث ٥٤٥ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٠ حديث ١٢٥٢.

(٣) البقرة : ٢٣٤.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٩٦ حديث ١٤٠٧ ، التهذيب ٨ : ١٥٧ حديث ٥٤٤ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٠ حديث ١٢٥١.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٩٦ حديث ١٤٠٨ ، التهذيب ٨ : ١٥٧ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٠ حديث ١٢٥٢.

٤٢

وبأبعد الأجلين مع الحمل. والأمة في الوفاة بشهرين وخمسة أيام ، أو بأبعدهما إن كانت حاملا.

______________________________________________________

وإلى هذا القول ذهب الشيخ في النهاية (١) وابن البراج (٢) ، وأبو الصلاح (٣) ، وابن إدريس (٤).

وقال المفيد (٥) ، وسلار (٦) ، وابن أبي عقيل (٧) ، والسيد المرتضى : تعتد بشهرين وخمسة أيام (٨) ، لرواية مرسلة عن الصادق عليه‌السلام ، إنه سئل عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها؟ قال : « خمسة وستون يوما » (٩) ، وضعفها ظاهر فلا يعارض ما تقدم.

قوله : ( وبأبعد الأجلين مع الحمل ).

أي : لو كانت حاملا وقد توفى عنها الزوج ، اعتدت بأبعد الأجلين من أربعة أشهر وعشرة أيام ووضع الحمل.

أما إذا كانت الأشهر أبعد فظاهر ، وأما إذا كان الوضع أبعد ، فلامتناع الخروج من العدة مع بقاء الحمل.

قوله : ( والأمة في الوفاة بشهرين وخمسة أيام ، أو بأبعدهما إن كانت حاملا ).

__________________

(١) النهاية : ٤٩٢.

(٢) المهذب ٢ : ٢٤٤.

(٣) الكافي في الفقه : ٣١٣.

(٤) السرائر : ٣٣٩.

(٥) المقنعة : ٨٣.

(٦) المراسم : ١٦٥.

(٧) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٦٢.

(٨) الانتصار : ١١٤.

(٩) التهذيب ٨ : ١٥٨ حديث ٥٤٧ ، الاستبصار ٣ : ٣٥١ حديث ١٢٥٤.

٤٣

ولو أسلم المشرك عن كتابية فما زاد بالعقد المنقطع ثبت وإن لم يدخل.

ولو أسلمت قبله بطل إن لم يكن دخل ، وإن كان دخل انتظرت العدة أو المدة ، فإن خرجت إحداهما قبل إسلامه بطل العقد وعليه المهر ، وإن بقيتا فهو أملك.

______________________________________________________

أما الحكم الأول‌ فإن ظاهر كلام الشيخ ، في تنزيل الرواية المرسلة السابقة على كون الزوجة المسؤل عنها أمة (١) يقتضي القول به ، والاخبار الصحيحة بخلافه ، وقد تقدمت ، والأصح الاعتداد بأربعة أشهر وعشرة أيام كالحرة ، وبه صرح ابن إدريس (٢).

وأما الحكم الثاني فإنه مبني على الأول ، وتقريبه يعلم مما سبق.

قوله : ( ولو أسلم المشرك عن كتابية فما زاد بالعقد المنقطع ثبت وإن لم يدخل ).

وجهه : إن نكاح الكفر صحيح ، وإن أحكام نكاح الإسلام تجري عليه كل بحسبه ، واستدامة نكاح الكتابية دواما ومتعة جائزة قطعا.

قوله : ( ولو أسلمت قبله بطل إن لم يكن دخل ، وإن كان دخل انتظرت العدة أو المدة ، فإن خرجت إحداهما قبل إسلامه بطل العقد وعليه المهر ، وإن بقيتا فهو أملك بها ).

قد علم غير مرة أن المسلمة لا يجوز نكاحها للكافر كتابيا كان أو غيره فإذا أسلمت الزوجة قبل الدخول دون الزوج بطل النكاح المنقطع كما يبطل الدائم ، وإن كان إسلامها بعد الدخول انتظرت خروج العدة أو المدة.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٥٨ ذيل الحديث ٥٤٧ ، الاستبصار ٣ : ٣٥١ ذيل الحديث ١٢٥٤.

(٢) السرائر : ٣٣٩.

٤٤

ولو كانت وثنية فأسلم أحدهما بعد الدخول وقف على انقضاء العدة أو المدة ، فأيتهما خرجت ثبت المهر وانفسخ النكاح.

ولو أسلم وعنده حرة وأمة ثبت عقد الحرة ، ووقف عقد الأمة على رضاها.

______________________________________________________

فإن خرجت إحداهما قبل إسلامه بطل العقد ، فإن انقضت عدتها وهو على كفره تدل على انفساخ العقد وخروج المدة يقتضي البينونة ، ولا ريب أنه يجب عليه المهر المسمّى في العقد ، لأن المانع من قبله.

وإن بقيت المدة والعدة معا إلى أن أسلم فهو أملك بها ما دامت المدة باقية.

قوله : ( ولو كانت وثنية فأسلم أحدهما بعد الدخول وقف على انقضاء العدة أو المدة ، فأيتهما خرجت ثبت المهر وانفسخ النكاح ).

لما لم يجز نكاح الوثنية للمسلم دواما ولا متعة ابتداء ولا استدامة ، وامتنع نكاح الكافر وإن كان كتابيا المسلمة ابتداء واستدامة ، وجب فيما إذا كانت الزوجة في المتعة وثنية وأسلم أحدهما الحكم بانفساخ النكاح إن كان قبل الدخول.

ويجب المهر إن كان انفساخه بإسلام الزوج ، والظاهر أنه يسقط إن كان بإسلام الزوجة كالدائم.

وإن كان إسلام أحدهما بعد الدخول وقف النكاح على انقضاء العدة والمدة ، فأيتهما خرجت حكم بانفساخ النكاح ، والمهر المسمّى ثابت بالدخول.

قوله : ( ولو أسلم وعنده حرة وأمة ثبت عقد الحرة ووقف عقد الأمة على رضاها ).

أما ثبوت عقد الحرة ، فلأن نكاح الكفر صحيح ، ولا مقتضى للانفساخ حينئذ.

وأما وقوف عقد الأمة على رضى الحرة ، فلأن الجمع بينها وبين الحرة في النكاح‌

٤٥

فروع :

أ : لا ينقص المهر بالمنع عن بعض الاستمتاع لعذر كالحيض ، ولو منع عن الجميع كل المدة كالمرض المدنف فكذلك على اشكال ،

______________________________________________________

موقوف على رضى الحرة.

قوله : ( فروع : أ : لا ينقص المهر بالمنع عن بعض الاستمتاع لعذر كالحيض ، ولو منع عن الجميع كل المدة كالمرض المدنف فكذلك على اشكال ).

لو منعت الزوجة في المتعة بعض الاستمتاعات كالوطء في القبل مثلا ، لعذر شرعي أو حسي كالحيض والمرض الشديد ، لم ينقص المهر ولم يسقط شي‌ء منه بذلك ، لأن المهر ثبت بالعقد ، ولم يثبت كون المنع هنا مسقطا مع أنه مأذون فيه شرعا.

وقد يجب فيبقى وجوبه بكماله عملا بالاستصحاب ، ولقول الصادق عليه‌السلام في رواية عمر بن حنظلة : « إلاّ أيام حيضها فإنها لها » (١).

ولو كان العذر الضروري لمصلحتها ، كحفظ مالها أو الاكتساب لضرورة المعاش ، ففي عدم تنقيص المهر بذلك نظر ينشأ : من أن المهر في مقابل المدة فأبعاضه في مقابل أبعاضها ، فإذا فات شي‌ء منها وجب أن يفوت مقابله من المهر خرج عن ذلك نحو الحيض من الاعذار ، فيبقى نحو ما ذكرناه على الأصل. ومن أن المنع جائز شرعا وربما وجب ، فكيف يؤاخذ بسقوط شي‌ء من مهرها بعد الحكم بثبوته بالعقد.

ولو كان العذر نحو تنظيفها واستعدادها للاستمتاع بما لا بد منه ، أو لنحو المأكل والمشرب فهو كالحيض ، لأنه كالمستثنى عادة. هذا كله إذا كان المنع بنحو‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٩٤ حديث ٢٣٩٧.

٤٦

وكذا لو منع هو أو هي بظالم ، والأقرب أن الموت هنا كالدائم.

______________________________________________________

الحيض لبعض الاستمتاعات بعض المدة.

ولو منع الجميع كل المدة ففي سقوط جميع المهر إشكال ينشأ : من ان المهر في مقابل الاستمتاع ، ولم يحصل شي‌ء منه فوجب الحكم بسقوطه كما في سائر المعاوضات.

والفرق بين هذا وبين المنع بالعذر من بعض الاستمتاعات في بعض المدة : أن حدوث نحو هذه الأعذار غالب في العادة فهي كالمستثناة ، ولأنه إذا منع عن البعض بقي البعض الآخر من الاستمتاعات فلم يفت أصل الاستمتاع ، بخلاف ما إذا منع من الجميع كل المدة. ومن أن المهر ثبت بالعقد والأصل بقاؤه ، ولم يثبت شرعا كون هذا مسقطا.

ولا شك أن كونه مسقطا يتوقف على نص الشارع ، ولو سقط بذلك المهر امتنع العقد متعة بتعذر الاستمتاع ، وهذا الوجه أقرب.

ولو منع العذر جميع الاستمتاعات بعض المدة ، أو بعض الاستمتاعات جميع المدة فالمهر ثابت كما لو منع بعضها في بعض المدة ، وهاتان الصورتان لا يشملهما عبارة الكتاب.

والمدنف بكسر النون : المرض اللازم ، والمراد هنا : المرض الشديد الذي يتعذر معه الاستمتاع.

قوله : ( وكذا لو منع هو أو هي بظالم ).

أي : وكذا لا ينقص المهر بمنع الظالم الزوج أو الزوجة عن بعض الاستمتاعات أو جميعها ، فيكون التشبيه في عدم النقص ، وإن كان السياق يقتضي أن يكون التشبيه في توجه الإشكال في النقص وعدمه ، والأول أظهر ، لامتناع اطراد الوجهين فيما إذا كان الاستمتاع من طرف الزوج.

قوله : ( والأقرب أن الموت هنا كالدائم ).

أي : في استقرار جميع المهر به ، ووجه القرب ما تقدم غير مرة ، وهو أن‌

٤٧

ب : لو عقد على مدة متأخرة لم يكن لها النكاح فيما بينهما ، ولا له أن ينكح أختها وإن وقّت المدة بالأجل والعدة.

ج : لو مات فيما بينهما احتمل بطلان العقد ، فلا مهر ولا عدة ولا ميراث إن أوجبناه مطلقا أو مع الشرط وعدمه فيثبت النقيض.

______________________________________________________

المقتضي لثبوت المهر وهو العقد حاصل والمسقط منتف ، إذ ليس إلاّ الموت ، ولم يثبت شرعا كونه مسقطا ، فيجب التمسك بثبوته عملا بالمقتضي.

ويحتمل ضعيفا السقوط ، لأن استحقاق المهر في مقابل الاستمتاع ، فإذا فات انتفى الاستحقاق. ويضعّف بأن الاستحقاق بالعقد وقد حصل ، ويمنع كون فوات الاستمتاع مطلقا مسقطا ، ولم يرد النص إلاّ على تفويت الزوجة لا لعذر ، فيبقى حكم ما عداه على الثبوت.

قوله : ( ب : لو عقد على مدة متأخرة لم يكن لها النكاح فيما بينهما ، ولا له أن ينكح أختها وإن وفت المدة بالأجل والعدة ).

وإنما لم يجز ذلك ، لأنه يصدق عليها أنها زوجة وذات بعل قطعا ، لانعقاد النكاح بينهما ، وتأخر المدة لا يخل بهذا الصدق ، إنما يمنع من الاستمتاع حينئذ.

ويحرم عقد الغير على ذات البعل ، وكذا يحرم على الزوج نكاح أخت الزوجة متعة ودواما ، ويحتمل جواز ذلك حينئذ وخصوصا إذا وفت المدة المتخللة بين العقد والأجل بالأجل المعقود عليه ثانيا والعدة ، لأنها بالنسبة إلى تلك المدة خلية ، إذ لا حق له عليها في ذلك الوقت. والأصح الأول ، لما قلناه من كونها زوجة فتندرج في إطلاقات النصوص.

قوله : ( ج : لو مات فيما بينهما احتمل بطلان العقد ولا مهر ولا عدة ولا ميراث إن أوجبناه مطلقا ، أو مع الشرط وعدمه فيثبت النقيض ).

هذا من أحكام ما إذا عقد على مدة متأخرة عن العقد ، وتحقيقه : إن الزوج إذا مات فيما بينهما ـ أي فيما بين العقد والمدة ـ وقلنا بصحة هذا النكاح فهل يبطل‌

٤٨

المقصد الثاني : في نكاح الإماء : وإنما تستباح بأمرين : العقد والملك.

______________________________________________________

العقد بالموت من أصله؟ يحتمل ذلك ، لأن الصحة في العقود هي ترتب اثر العقد عليه ، واثر هذا العقد هو ملك الاستمتاع بالفعل ، وذلك إنما يكون بعد حصول المدة عملا بمقتضى العقد فيمتنع تقدمه.

فإذا مات قبل حضور المدة امتنع ترتب الأثر ، وتبيّن خروج العقد عن صلاحية التأثير فانكشف بطلانه ، وحينئذ فينتفي المهر والعدة والميراث إن أوجبناه مطلقا ، أو مع الشرط وكانا قد شرطاه ، لأن ذلك كله من توابع النكاح وقد انكشف بطلانه ، وعلى هذا فلا يحرم على أب العاقد ولا على ابنه ، وبالجملة فلا يثبت لهذا العقد شي‌ء من أحكام النكاح.

ويحتمل أن يكون قد وقع صحيحا ، ثم طرأ عليه البطلان بالموت كغيره من العقود ، لأن العقد بالنظر إلى ذاته له صلاحية التأثير ، وخروجه عن ذلك إنما طرأ بالموت وهو أمر خارج عنه متجدد ، وحينئذ فيجب المهر والعدة والميراث حيث يثبت في المتعة إلى غير ذلك من آثار صحة النكاح.

ولعل الأول أقرب ، لأن الصحة هي نفس ترتب الأثر ، وترتبه قبل حضور المدة ممتنع لكونها أجلا مضروبا للنكاح فلا يثبت قبلها.

وقول المصنف : ( وعدمه فيثبت النقيض ) معطوف على قوله : ( بطلان العقد ) أي : احتمل بطلان العقد وعدمه وارد بالنقيض مقابل الأمور المذكورة من المهر والعدة والميراث.

قوله : ( المقصد الثاني : في نكاح الإماء ، وإنما يستباح بأمرين : العقد ، والملك ).

٤٩

فهنا فصول :

الأول : العقد : وليس للسيد أن ينكح أمته بالعقد ، ولو ملك منكوحته انفسخ العقد. ولا للحرة أن تنكح عبدها لا بالعقد ولا بالملك ، ولو ملكت زوجها انفسخ النكاح.

______________________________________________________

المراد بالنكاح‌ في قول المصنف : ( في نكاح الإماء ) هو الوطء دون العقد كما لا يخفى ، ولا شك أن نكاح الإماء إنما يكون بالعقد أو الملك لانحصار النكاح فيهما ، لقوله تعالى ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (١) والاستثناء في سياق النفي يفيد الحصر.

فإن قيل : التحليل أمر ثالث ، فإنه ليس من قبيل الملك ولا العقد.

قلنا : سيأتي إن شاء الله تعالى انه تمليك للمنفعة ، وهو داخل في الملك. وقيل : إنه من قبيل العقد ، وكيف كان فهو داخل فيهما.

قوله : ( فها هنا فصول : الأول : العقد ، وليس للسيد أن ينكح أمته بالعقد ، ولو ملك منكوحته انفسخ العقد. ولا للحرة أن تنكح عبدها ، لا بالعقد ولا بالملك ، ولو ملكت زوجها انفسخ النكاح ).

لا خلاف في أنه ليس للسيد أن ينكح أمته بالعقد ، ولو طرأ الملك على النكاح بأن ملك منكوحته انفسخ النكاح.

يدل على ذلك وراء الإجماع قوله تعالى ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (٢) فإنه سبحانه جعل كلا من الزوجية والملك سببا للحل على سبيل البدل والتفصيل قاطع للشركة ، فامتنع أن يتألف سبب الحل منهما.

وأما انفساخ النكاح إذا طرأ عليه الملك ، فقد احتج له بأن ملك اليمين أقوى‌

__________________

(١) المؤمنون : ٦.

(٢) المؤمنون : ٦.

٥٠

وإنما يحل العقد على مملوكة الغير بشرط اذنه ، واذن الحرة إن كانت تحته وإن كانت رتقاء ، أو كتابية ، أو غائبة ، أو هرمة ، أو صغيرة ، أو مجنونة ، أو‌

______________________________________________________

من النكاح ، لأنه يملك به الرقبة ، والمنفعة ، والنكاح لا يملك به إلاّ ضرب من المنفعة ، فسقط الأضعف بالأقوى.

وأورد عليه الاشكال بما إذا باع العين المؤجرة من المستأجر ، فإنه لا تنفسخ الإجارة مع وجود هذا المعنى.

والتحقيق أن النكاح لا يقتضي ملك المنفعة حقيقة ، وإنما يملك به الانتفاع. ولهذا لو وطئت الزوجة بالشبهة لم يستحق الزوج المهر ، ولو كانت المنفعة مملوكة لاستحق عوضها ، فظهر أن الملك أقوى منه واندفع الاشكال.

وأيضا فإن لوازم الملك والزوجية متضادة ، فإن الخدمة حق على المملوكة ، والاخدام حق للزوجة إن كانت من اهله ، وتضاد اللوازم يفضي الى تضاد الملزومات ، ولا سبيل إلى إبطال الملك الحاصل بنحو الإرث مثلا فتعين فسخ النكاح.

وكذا ليس للحرة أن تنكح عبدها ، لا بالعقد ولا بالملك قطعا. ولو ملكت زوجها انفسخ النكاح لمثل ما ذكرناه ، فإنها تطالبه بالسفر إلى المشرق لأنه عبد ، وهو يطالبها بالسفر معه الى المغرب لأنها زوجة ، وإذا دعاها إلى فراشه بحق النكاح بعثته في حوائجها بحق الملك ، وإذا تعذر الجمع بطل الأضعف وثبت الأقوى.

وروى ابن بابويه في الفقيه عن ابن عباس وعبيد عن أبي عبد الله : في امرأة كان لها زوج مملوك فورثته فأعتقته هل يكونان على نكاحهما؟ قال : « لا ، ولكن يحدثان نكاحا آخر » (١).

قوله : ( وإنما يحل العقد على مملوكة الغير بشرط اذنه واذن الحرة إن كانت تحته وإن كانت رتقاء ، أو كتابية ، أو غائبة ، أو هرمة ، أو صغيرة ، أو‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٠٣ حديث ١٤٥٤.

٥١

متمتعا بها ما لم يطلقها.

ولا يشترط إسلام الأمة وإن كان الزوج مسلما في المتعة عندنا ،

______________________________________________________

مجنونة ، أو متمتعا بها ما لم يطلقها ).

لا ريب أن العقد على مملوكة الغير تصرف فيها ، فيمتنع الحكم بحله شرعا بحيث يعد عقدا شرعيا يترتب عليه أثره إلاّ بإذن المولى ، ذكرا كان أو أنثى ، متعة كان النكاح أو دواما ، على خلاف ضعيف في أمة المرأة في المتعة ، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

يدل على ذلك بعد الإجماع قوله تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (١) ، وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت الرضا عليه‌السلام هل يجوز للرجل أن يتمتع من المملوكة بإذن أهلها وله امرأة حرة؟ قال : « نعم إذا كان بإذن أهلها إذا رضيت الحرة » (٢) والأهل عام في الرجال والنساء.

ويشترط أيضا إذن الزوجة الحرة إن كان للعاقد زوجة حرة ، لتواتر الأخبار من طرق العامة (٣) والخاصة (٤) بالنهي عن نكاح الأمة لمن عنده حرة ، وفي عدة أخبار اشتراط رضاها (٥) ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الحرة رتقاء أو كتابية ، أو غائبة ، أو هرمة أو مجنونة ، أو صغيرة ، أو متمتعا بها. وبين أن لا يكون كذلك ، لإطلاق النصوص ، فيتناول جميع من ذكر ما لم تطلّق الحرة طلاقا بائنا أو رجعيا ثم تبين منه بانقضاء العدة فإنه حينئذ يسقط اعتبارها.

قوله : ( ولا يشترط إسلام الأمة وإن كان الزوج مسلما في المتعة عندنا ،

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٥٧ حديث ١١١٢ ، الاستبصار ٣ : ١٤٦ حديث ٥٣٣.

(٣) سنن البيهقي ٧ : ١٧٥.

(٤) الكافي ٥ : ٢٥٩ باب الحر يتزوّج الأمة ، التهذيب ٧ : ٣٤٤ حديث ١٤٠٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٢ حديث ٨٦٦.

(٥) الكافي ٥ : ٤٦٣ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٥٧ حديث ١١١٢ ، الاستبصار ٣ : ١٤٦ حديث ٥٣٣.

٥٢

ومطلقا عند آخرين.

وللعبد أن ينكح الكتابية إن جوزناه للمسلم ، وكذا للكتابي أن يتزوج بالأمة الكتابية.

______________________________________________________

ومطلقا عند آخرين ).

قد سبق حكاية الخلاف بين الأصحاب في نكاح الكافرة بالعقد ، وأن منهم من جوّز المتعة والدوام ، وأن منهم من جوز المتعة دون الدوام ، وأن منهم من منعهما ، وأن الأصح عند المصنف وجمع من الأصحاب جواز المتعة خاصة ، وعلى هذا جرى قوله : ( ولا يشترط إسلام الأمة ) أي : المنكوحة بالعقد ، لأنه في سياقه ، ( وإن كان الزوج مسلما ) أي : سواء كان الزوج مسلما أم لا.

لكن ذلك في المتعة عند المصنف ، وأما الدوام عنده فإنه يشترط فيه إسلام الأمة إذا كان الزوج مسلما ، ومطلقا عند اخرين ، أي : لا يشترط إسلام الأمة وإن كان الزوج مسلما مطلقا ، أي : في المتعة والدوام عند آخرين ، وهم القائلون بجواز نكاح الكافرة للمسلم مطلقا ، وأما القائلون بالمنع مطلقا فإنهم يشترطون إسلامها مطلقا إذا كان الزوج مسلما.

قوله : ( وللعبد أن ينكح الكتابية إن جوّزناه للمسلم ، وكذا للكتابي أن يتزوّج بالأمة الكتابية ).

العبد المسلم كالحر المسلم في أنّ له أن ينكح الكتابية ، حرة كانت أو أمة ، في المتعة خاصة عندنا ، ومطلقا عند آخرين ، لأن دلائل الجواز والمنع شاملة للحر والعبد.

وكذا الكتابي الحر أن يتزوج بالأمة الكتابية في المتعة خاصة عندنا ، ومطلقا عند آخرين ، وذلك لازم من التشبيه في قوله : ( وكذا الكتابي ) ، ولو لاه لم يستقم الإطلاق ، فإن المراد : حل ذلك له عندنا بحيث يحكم به عند الترافع إلينا ، أما عندهم فإنا لا نؤاخذهم بما يدينون به وإن كان نكاح المحرمات ما لم يتظاهروا به.

٥٣

وفي اشتراط عدم الطول وخوف العنت خلاف ، فإن شرطناهما وقدر على حرة رتقاء ، أو غائبة غيبة بعيدة ، أو كتابية ، أو من غلت في المهر إلى حد الإسراف ، جاز نكاح الأمة

______________________________________________________

فرع : إذا تحرر بعض المملوك كان كالحر في تحريم نكاح الأمة ، ولو كان بعض الأمة رقيقا فهي كالأمة في تحريم نكاحها بالحرة إلاّ بإذنها ، وفي تحريم نكاحها إلاّ مع الشرطين ، وإذا وجدها من يسوغ له نكاح الأمة فهل يتعين نكاحها ، أم يجوز التخطي إلى الأمة؟ فيه وجهان.

قوله : ( وفي اشتراط عدم الطول وخوف العنت خلاف ، فإن شرطناهما وقدر على حرة رتقاء ، أو غائبة غيبة بعيدة ، أو كتابية ، أو من غلت في المهر إلى حد الإسراف جاز نكاح الأمة ).

أي : وفي اشتراط عدم الطول وخوف العنت في نكاح الحر المسلم للأمة بالعقد ، وكذا الكتابي الحر خلاف سبق بيانه في المحرمات ، فإن شرطناهما ـ وهو الأصح ـ وقدر على حرة من المذكورات جاز نكاح الأمة عند المصنف ، وتنقيح البحث في مسائل :

الاولى : أن يقدر على نكاح حرة يتعذر وطؤها قبلا لكونها رتقاء أو قرناء ونحو ذلك ، وفي جواز نكاح الأمة حينئذ وجهان :

أحدهما : العدم ، لأنه قادر على بعض الاستمتاعات ، فإن الوطء في الدبر على القول بجوازه ، والتفخيذ ، وأمثال ذلك ينكسر به الشهوة ويندفع به خوف العنت.

والآخر : الجواز ، لأن المشتهي طبعا هو الوطء في القبل ، ويؤيده أن الغرض الأصلي من النكاح ـ وهو النسل الذي به بقاء النوع ـ لا يحصل به.

والجواز أقوى ، لأنّ خوف العنت لا يندفع بهذا القدر من الاستمتاع ، إذ المشتهي طبعا غيره ، وموضع الوجهين ما إذا لم يمكن علاجها بحيث يندفع المانع ، فإن أمكن فلا بحث في عدم الجواز.

٥٤

______________________________________________________

وربما بني الوجهان على الوجهين في أن الرتقاء والقرناء لو كانتا تحته هل يمنع من نكاح الأمة ، حيث لا يقدر على غيرهما ، وليس ببعيد ، لأن خوف العنت في الموضعين على حد سواء.

الثانية : أن يقدر على حرة كتابية ، فإن قلنا بالمنع من نكاحها مطلقا جاز نكاح الأمة ، وإن جوّزناه دواما أو متعة فوجهان :

وجه الجواز : إنه سبحانه جعل الشرط في الآية ان لا يستطيع نكاح المؤمنات ، وقد وجدها هنا ، ولأن مباشرة الزوجة ومخالطتها مما تعم به البلوى ، وتجنبها لكفرها مما تعظم مشقته.

ووجه المنع : إنه لا يخشى العنت حينئذ ، ولو كانت الكتابية تحته منع من الأمة ، وكذا مع القدرة عليها ، والآية خرجت مخرج الغالب ، فإن الغالب أن المسلم إنما يرغب في المؤمنات. وفي الوجه الأول قوة ، والحجة ظاهر الآية فإنها خالية عن المعارض.

الثالثة : أن يقدر على حرة غائبة عن بلده غيبة بعيدة ، فإنه إذا خاف العنت في مدة قطع المسافة ، أو كان بحيث يلحقه مشقة شديدة عادة بالخروج إليها وفي إحضارها عنده جاز له نكاح الأمة دفعا للحرج ، وإلاّ لم يجز.

الرابعة : أن يقدر على هرمة جدا ، أو صغيرة أو مفضاة كذلك. وضابطه أن لا يتيسر الاستمتاع بها ، ففي جواز الأمة حينئذ وجهان ، أصحهما الجواز ، إذ لا فناء في هذه ولا استغناء بها ، ويحتمل ضعيفا المنع ، لصدق استطاعة نكاح المؤمنة.

أما لو قدر على مجنونة ففي الجواز تردد ، وجه المنع إمكان الاستمتاع ، ووجه الجواز حصول الشرط إذ ليست بمؤمنة.

الخامسة : أن يقدر على حرة غلت في المهر إلى حد الإسراف ، وظاهر عبارة المصنف تشمل ما إذا كان ذلك مهر مثلها لكنها لا يليق بحاله ، بحيث يعد تزويجه بها بذلك المهر إسرافا في حقه مع قدرته على المهر.

٥٥

______________________________________________________

والمسألة مصورة في غير هذا الكتاب بما إذا كانت لا ترضى إلاّ بأكثر من مهر مثلها ، وهو الظاهر من كلام الشارح الفاضل ولد المصنف حيث شبّه هذه المسألة بما إذا وجد الماء بأكثر من ثمن المثل هل ينتقل الى التيمم ، وبما إذا وجد الرقبة في الكفارة المرتبة بأكثر من ثمن المثل هل ينتقل فرضه الى الصوم؟ في كل منهما قولان (١).

وهذا هو الأنسب ، لأن من وجد مهر شريفة وإن كانت أعلى منه بيتا وكثر مهر أمثالها عادة ينبغي ان لا تحل له الأمة ، لانتفاء الشرط حينئذ ، فإنه يصدق عليه الاستطاعة لنكاح المؤمنة ، ولا اثر لكون تزوجه لمثلها في العادة يعد سرفا.

أما إذا لم توجد الحرة إلاّ بأكثر من مهر أمثالها ففي جواز الأمة وجهان :

وجه الجواز : إنّ بذل المال على هذا الوجه إتلاف له وهو من السفه ، ولما فيه من المشقة بتحمل الغبن.

ووجه المنع : إنه مستطيع فانتفى ، ولأن مثل هذه المغالاة في النكاح مما تقتضيها العادة فإنه يتعلق به أغراض كلية ينتفي معها الغبن.

وتوسط متوسط فقال : إن كانت المغالاة بقدر كثير يعد بذله إسرافا جاز نكاح الأمة ، وإلاّ فلا. ولعل المصنف حاول هذا المعنى بعبارته ، لكنها غير وافية بالدلالة عليه كما عرفت.

ولا ريب أن لهذه المسألة نظائر غير المسألتين اللتين ذكرهما الشارح ، منها : ما لو وجد الراحلة في الحج وما لا بد منه بأزيد من ثمن المثل ، فهل يجب الشراء ، أم يسقط الحج؟

ومنها : ما لو وجد الساتر في الصلاة بأزيد من ثمن المثل ، فهل يجب الشراء ، أم يصلي عاريا؟ وغير ذلك.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٣٧.

٥٦

وفي ذات العيب اشكال.

______________________________________________________

وقد سبق أن المختار الوجوب ما لم يعد إجحافا ، فيسقط لما فيه من الضرر ، وينبغي أن يكون الحكم هنا كذلك.

واعلم أن قول المصنف : ( أو من غلت ) يجوز قراءته بالمهملة والمعجمة ، من العلو أو من الزيادة ، وهما يتقاربان في المعنى.

قوله : ( وفي ذات العيب إشكال ).

أي : لو قدر على حرة ذات عيب كالبرصاء والمجذومة ، ففي جواز نكاح الأمة في هذه الحالة إشكال ، ينشأ : من انتفاء شرط نكاح الأمة ، لأنه مستطيع لنكاح الحرة المؤمنة ، فيمنع من نكاحها. ومن أن مقصود النكاح دفع الشهوة ، وإنما يكون ذلك مع الميل القلبي ، وهو منتف هنا ، لوجود النفرة طبعا ، فلا يندفع خوف العنت. ولأنه إن جاز الفسخ بالعيب هنا لو تزوّجها ولم يعلم بالعيب إلاّ بعد العقد جاز نكاح الأمة ، والمقدم حق ، لإطلاق النصوص بثبوت الخيار بالعيوب ، وهو يتناول صورة النزاع ، فاخراجها يحتاج إلى دليل شرعي ، وهو منتف.

فإن قيل : عموم قوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ) (١) يقتضي إخراجها.

قلنا : دلائل الفسخ بالعيب أخص من هذا الوجه فتقدّم ، وأما بيان الملازمة ، فلأنه إذا جاز فسخ نكاح ذات العيب امتنع القول بتحتم تزويجها لو لم تكن منكوحة ، فإنه لو وجب ابتداء النكاح لوجبت استدامته بطريق اولى ، وهذا أقوى.

واعلم أن عبارة المصنف كالمتدافعة ، فإنه جزم بأنه إذا قدر على رتقاء جاز له نكاح الأمة ، وتردد في ذات العيب مع أنها شاملة للرتقاء ، فإن الرتق من العيوب المجوزة للفسخ كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) النساء : ٢٥.

٥٧

ولو كان مفلسا ورضيت بالمؤجل أقل من مهر المثل لم تنكح الأمة.

______________________________________________________

وقد يعتذر له بأنه أراد بذات العيب ما عدا الرتقاء فلا تدافع ، لكن قد يسأل عن الفرق بينهما وبين غيرها من ذوات العيوب ، فيجاب بأن الرتق مانع من الوطء قبلا ، فمطلوب النكاح وهو الوطء قبلا معه منتف ، بخلاف نحو الجنون والجذام والبرص ، وهو ضعيف ، ومنقوض بالرتق والعمى والعرج والإفضاء.

قوله : ( ولو كان مفلسا ورضيت بالمؤجل أقل من مهر المثل لم ينكح الأمة ).

ينبغي أن يقرأ مفلسا بالتخليف ليشتمل من كان غير قادر على المهر ولم يحكم بتفليسه.

وفقه المسألة : إنه متى كان غير قادر على طول الحرة لفقره أو للحجر عليه بالإفلاس ، فوجد حرة ترضى بمهر مؤجل إلى أجل يتوقع القدرة عليه عند حلوله ، والمهر الذي رضيت به لا يزيد على مهر أمثالها ، لم ينكح الأمة عند المصنف ووجب عليه نكاحها ، لأنه مستطيع للحرة حينئذ. وفي الحكم نظر ينشأ من هذا ، ومن أنه شغل الذمة بالدين الموجب للمطالبة عند الحلول.

وقد لا يصدق رجاؤه في حصول الملاءة ضرر بيّن ، وقد ورد في الدين أنه « همّ بالليل ومذلة في النهار ».

وقريب من ذلك ما إذا وجد من يبيع منه نسيئة ما يفي بصداقها ، أو وجد من يستأجره بأجرة معجّلة تفي به أو يقرضه ذلك ، وعدم الوجوب في هذه المسائل كلها قوي ، فيجوز نكاح الأمة.

فرعان :

أ : المال الغائب لا يمنع نكاح الأمة ، لأن صاحبه ملحق بالفقير ، ولهذا يجوز له أخذ الزكاة.

فلو وجد من يبيعه نسيئة إلى أجل ، يغلب على الظن وصول المال الغائب عند‌

٥٨

وخوف العنت إنما يحصل بغلبة الشهوة وضعف التقوى ، فلو انتفى أحدهما لم ينكح الأمة.

______________________________________________________

الحلول ، ففي الوجوب نظر. وكذا الفرض إذا أجّل لازما كذلك.

ب : لا يجب بيع المسكن والخادم وما جرى مجراهما ، وصرف ذلك إلى طول الأمة على أقرب الوجهين ، لأن ملك ذلك لا ينافي الفقر ، والفقير غير مستطيع.

واعلم أنه لا حاجة إلى كون ما ترضى به الحرة مؤجلا أقل من مهر المثل ، كما في عبارة الكتاب ، بل مهر المثل أيضا كذلك. أما لو لم ترض إلاّ بما زاد ، فإنه يبني على أنه لو وجد حرة لا ترضى إلاّ بما زاد على مهر أمثالها وهو قادر عليه هل يجوز نكاح الأمة أم لا؟ ولا بد أن يكون بحيث يتوقع عند آخر الأجل التمكن من أداء المهر ، وإلاّ جاز نكاح الأمة وجها واحدا ، وعبارة الكتاب خالية من ذلك.

قوله : ( وخوف العنت إنما يحصل بغلبة الشهوة وضعف التقوى ، فلو انتفى أحدهما لم ينكح الأمة ).

قال الله تعالى ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) (١) والعنت لغة : المشقة الشديدة ، ويقال : إنه الهلاك ، والمراد هنا الزنا. وأطلق عليه العنت من حيث انه سبب المشقة والهلاك بالحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة ، فخوف العنت هو توقع مقارفة الزنا على سبيل الندرة ، وإنما يتحقق ذلك بغلبة الشهوة وضعف التقوى ، فمن غلبت شهوته وقل تقواه فهو خائف ، ومن قويت شهوته وله زاجر عن الوقوع في الزنا من دين أو مروءة أو حياء فهو غير خائف.

وكذا من غلبت شهوته وقوى تقواه ، لأنه لا يخشى العنت ، لكن لو كان ترك الوقاع في حق هذا بحيث يجر ضررا ومرضا شديدا لم يبعد القول بجواز نكاح الأمة ، وعبارة الكتاب مطلقة.

__________________

(١) النساء : ٢٥.

٥٩

والقادر على ملك اليمين لا يخاف العنت فلا يترخص ، ولو أيسر بعد نكاح الأمة لم تحرم الأمة.

ولا يجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا نكاحا بدون اذن المالك ، فإن فعل أحدهما بدونه وقف على الإجازة على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( والقادر على ملك اليمين لا يخاف العنت فلا يترخص ).

وجهه : إنّ خوف الوقوع في الزنا يندفع بوطء المملوكة ، فيتحتم شراؤها لو لم تكن في ملكه ، ولا يجوز له نكاح الأمة.

ويحتمل الجواز ، لأنه لا يستطيع طول حرة ، وهذا هو الشرط في الآية ، والأول أقوى ، لأن خوف العنت شرط أيضا ، وهو منتف هنا.

فرع : لو كانت الأمة التي يملكها غير محللة له ، فإن كانت قيمتها تفي بثمن أمة يتسرى بها أو مهر حرة ، ولم يكن هناك ما يسقط معه وجوب بيعها لكونها مألوفة يشق فراقها لم ينكح الأمة.

قوله : ( ولو أيسر بعد نكاح الأمة لم تحرم الأمة ).

لأن قضية الآية اشتراط الإعسار في الابتداء ، ولا دليل على كونه شرطا في الدوام ، مع أن الدوام أقوى من الابتداء ، وذلك كما أن العنت شرط في الابتداء خاصة ، وكما أن كلا من العدة والردة والإحرام يمنع ابتداء النكاح دون دوامه ، والإسلام يمنع ابتداء السبي دون دوامه ، وكذا لا تحرم الأمة لو نكح حرة بعد ما نكحها عندنا.

ولا يخفى أن المصنف لو اقتصر على قوله : ( لم تحرم ) ، ولم يذكر الأمة مرة أخرى ، لم يكن محتاجا إلى ذكرها ، ولكانت مع الاختصار خالية من التكرار.

قوله : ( ولا يجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا نكاحا من دون اذن المالك ، فإن فعل أحدهما بدونه وقف على الإجازة على رأي ).

اختلف الأصحاب في أن الفضولي من النكاح يقع باطلا ، أو موقوفا على الإجازة من الزوج أو الزوجة.

٦٠