جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

ولو دفع الصداق فامتنعت من التمكين أجبرت ، وليس له الاسترداد.

وإذا سلّم الصداق فعليه أن يمهلها مدة استعدادها بالتنظيف والاستحداد.

______________________________________________________

للمهر ، بمعنى أنه لا يجب على الزوج تسليمه أولا. بل يسلم مع تسليمها كما سبق تحقيقه.

ولا يخفى أن هذا لا يتخرج على القول بوجوب مبادرة الزوج الى تسليم المهر فيكون دليلا على عدم اختيار المصنف له ، وإن كان بعد الوطء فقد حصل القبض من طرف الزوج واستقر المهر جميعه وتعيّن وجوب دفعه بطلبها ، فإن لم يدفعه اجبر عليه لا محالة ، وقد سبق أنها لو أرادت الامتناع لتقبضه في هذه الحالة لم يكن لها ذلك.

ولا يخفى أن الاستثناء من سقوط الطلب في جميع الأوقات إلاّ أوقات تحقق الوطء ، فإن الطلب لا يسقط لاستقرار المهر بالوطء.

قوله : ( فلو دفع الصداق فامتنعت من التمكين أجبرت ، وليس له الاسترداد ).

والمراد : انه لو بادر الزوج وسلم إليها الصداق فامتنعت من التمكين ولو من غير عذر أجبرت على التمكين لا محالة ، وليس له استرداد الصداق ، لأنه تبرع بالتسليم فلم يكن له الرجوع ، كما لو عجل المديون الدين المؤجل. وعلى القول بوجوب التسليم للصداق أولا على الزوج له الاسترداد ، لأن ذلك شرط تسليم العوض ، كذا قيل ، فعلى هذا يكون منع المصنف إياه من الاسترداد دليلا على عدم اختيار هذا القول.

قوله : ( وإذا سلم الصداق فعليه أن يمهلها مدة استعدادها بالتنظيف والاستحداد ).

الاستحداد : استفعال من الحديد ، وهو هنا كناية عن ازالة الشعر ولو بغير‌

٣٦١

ولا يمهلها لأجل تهيئة الجهاز ، ولا لأجل الحيض ، لإمكان الاستمتاع بغير القبل ،

______________________________________________________

الحديد كالاطلاء بالنورة وإن كان أصله الإزالة بالحديد.

وظاهر قول المصنف : ( فعليه أن يمهلها مدة استعدادها ) الوجوب ، ولم يقدر المدة ، وقدرها الشيخ في المبسوط بثلاثة أيام وقوى وجوبها ، محتجا بقوله عليه‌السلام ونهيه أن يطرق الرجل اهله ليلا ، وبأن العادة جارية بذلك (١) ، هذا محصل استدلاله.

ويؤيده ما روي في الحديث : « أمهلوا كي تمتشط الشّعثة وتستحدّ المغيّبة » (٢) ولا دلالة في الأخبار على المدة على الوجوب ، وذهب في التحرير الى عدم الوجوب لانتفاء مقتضيه (٣).

ويمكن أن يقال : في ذلك حق للمرأة ، لأنه إذا رآها على غير حال الاستعداد لم يؤمن بنفرة منها فيكون مضرا بحالها.

ويمكن القول بالوجوب والتحديد بالحاجة لا بثلاثة أيام ، وكيف كان فمتى أوجبنا امهالها لم يجز التعرض إليها حتى تنقضي مدته.

واعلم أن قوله : ( بالتنظيف ) صحيح ، لأن المراد تنظيف نفسها بامتشاط وازالة الأوساخ ، ولو قال كالتنظيف لكان أوقع.

قوله : ( ولا يمهلها لأجل تهيئة الجهاز ، ولا لأجل الحيض ، لإمكان الاستمتاع بغير القبل ).

أي : لا يجب ذلك ، فلو طلبت الإمهال لأجل تهيئة الجهاز وهو بفتح الجيم والكسر : ما تحتاج اليه العروس لم تجب الإجابة إجماعا ، ويجبرها الحاكم على التمكين‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣١٤.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٩٠ حديث ٢٧٧٨.

(٣) التحرير ٢ : ٣٣.

٣٦٢

ولو كانت صغيرة لا تطيق الجماع أو مريضة وجب الإمهال.

وإنما يتقرر كمال المهر بالوطء ، أو موت أحد الزوجين ، لا بالخلوة على الأقوى ،

______________________________________________________

من دونه إن أبت. وكذا القول لو كانت حائضا فطلبت الإمهال إلى الطهر لا تجب الإجابة ، لإمكان باقي الاستمتاعات سوى الوطء في القبل ، ولو ظهر من حاله أنه يأتيها في الحيض فلها الامتناع من المضاجعة.

قوله : ( ولو كانت صغيرة لا تطيق الجماع أو مريضة وجب الإمهال ).

المراد : لو كانت صغيرة لا تطيق الجماع وإن بلغت تسع سنين وجب امهالها الى زمان الإطاقة ، وكذا لو كانت مريضة لا تطيق معه الجماع ، ولم يقيد المصنف المريضة بعدم الإطاقة ، وكأنه استغنى بتقييد المعطوف عليه.

ويلوح من إطلاق وجوب الإمهال أن الزوج لو طلب التسليم لكل منهما وقال لا أقربهما الى أن يزول المانع لإيجاب ، لأنه ربما لا يفي فتتضرران. ومثله كلام المصنف في التحرير (١) ، والشيخ في المبسوط (٢) ، ولم يتعرض لوجوب تسليم المهر وعدمه.

لكن صرحوا بعدم وجوب نفقتها حتى تبرأ وتسلم نفسها ، وقد يفرق بين النفقة والمهر : بأن النفقة لا تجب إلاّ بالتمكين ، والمهر يجب بالعقد.

قوله : ( وإنما يتقرر كمال المهر بالوطء أو موت أحد الزوجين ، لا بالخلوة على رأي ).

سيأتي إن شاء الله ما يعلم منه أن الموجب للمهر إما عقد النكاح أو الفرض أو الوطء ، واستقرار الواجب بالعقد أو الفرض يكون بأمرين :

أحدهما : الوطء وإن كان حراما كالوطء في الحيض والإحرام ، ويدل عليه مع الإجماع أن الوطء بالشبهة يوجب المهر ابتداء فلئن تقريره في النكاح الصحيح أولى ،

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣١٤.

(٢) التحرير ٢ : ٣٣.

٣٦٣

______________________________________________________

ويكفي لذلك الوطأة الواحدة اتفاقا.

والثاني : موت أحد الزوجين ، وسيأتي الكلام على موت الزوجة عن قريب إن شاء الله تعالى.

وأما موت الزوج فإنه يقرر وجوب جميع المهر عند أكثر الأصحاب ، خلافا للصدوق في المقنع ، فإنه أوجب النصف (١) ، والمذهب وجوب الجميع.

لنا : إنّ الموت لا يبطل النكاح ، لأنهما يتوارثان ، وإذا لم يبطل بالموت ولم يبق كان الموت نهاية له ، وانتهاء العقد كاستيفاء المعقود عليه فيجب العوض بكماله بدليل الإجارة ، وما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : في المتوفى عنها زوجها إذا لم يدخل بها قال : « إن كان قد فرض لها مهرا فلها مهرها الذي فرض لها ولها الميراث » (٢) الحديث ، وغيره من الأحاديث الكثيرة (٣) ، وفي عدة أحاديث أن لها نصف المهر كما في الطلاق (٤).

ونزلها الشيخ على الاستحباب بمعنى أنه يستحب لها أن لا تطلب أكثر من النصف.

ولا يستقر المهر بالخلوة التي لا مانع معها من الوطء على الأصح ، وقد اختلف أقوال الأصحاب في ذلك فقال الشيخ في النهاية : إن الخلوة توجب المهر على ظاهر الحال ، وعلى الحاكم أن يحكم بذلك وإن لم يكن قد دخل ، لكن ليس للمرأة أن تأخذ أكثر من النصف مع عدم الدخول ، ومتى اثبت الزوج ان بكارتها باقية على حالها لم‌

__________________

(١) المقنع : ١٢١.

(٢) التهذيب ٨ : ١٤٦ حديث ٥٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٣٤١ حديث ١٢١٥.

(٣) التهذيب ٨ : ١٤٦ حديث ٥٠٦ ـ ٥٠٩.

(٤) التهذيب ٨ : ١٤٦ حديث ٥١٠ ـ ٥١٢.

٣٦٤

______________________________________________________

يلزمه إلاّ النصف (١) ، وتبعه ابن البراج (٢) ، وقطب الدين الكيدري (٣).

وقريب منه قول ابن الجنيد فإنه أوجب المهر بالخلوة ، ولم يجوّز للمرأة أخذها إذا لم يقع جماع ، ولا ما يقوم مقامه من إنزال الماء بغير إيلاج أو لمس عورة أو نظر إليها أو قبلة ، فإن تلذذ بشي‌ء من ذلك خصيا كان أو عنينا أو فحلا لزمه المهر (٤).

وقال ابن حمزة : إذا خلا بها وادعى عدم المواقعة ، فإن أمكنه إقامة البينة على ذلك فأقامها قبلت منه ، وإلاّ فالقول قولها بيمينها (٥).

وقال ابن بابويه في المقنع : إذا خلا الزوج بزوجته ثم أنكرا معا المجامعة لم يصدّقا ، لأنها تنفي عن نفسها العدة ، وهو ينفي وجوب المهر (٦).

وحكى الشيخ في المبسوط (٧) والخلاف (٨) عن قوم من أصحابنا أن الخلوة كالدخول يستقر بها المسمّى وتجب بها العدة ، وقال فيهما : إلاّ أن وجودها كعدمها فيجب بالطلاق بعدها نصف الصداق ولا عدة على المرأة.

والى هذا ذهب ابن ابي عقيل (٩) ، وعامة المتأخرين ، وهو الذي صرحنا باختياره سابقا.

لنا : قوله تعالى : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ

__________________

(١) النهاية : ٤٧١.

(٢) المهذب ٢ : ٢٠٤.

(٣) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٤٣.

(٤) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٤٣.

(٥) الوسيلة : ٤١٩.

(٦) المقنع : ١٠٩.

(٧) المبسوط ٤ : ٣١٨.

(٨) الخلاف ٣ : ١٢ مسألة ٤٢ كتاب الطلاق.

(٩) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٤٣.

٣٦٥

______________________________________________________

فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (١).

والمراد من المس الجماع اتفاقا.

وما رواه يونس بن يعقوب عن الصادق عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « لا يوجب المهر الاّ الوقاع في الفرج » (٢).

ورواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، وقد سأله متى يجب المهر؟

قال : « إذا دخل بها » (٣).

وقول الصادق عليه‌السلام في رواية حفص بن البختري : « إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة » (٤).

احتج الآخرون بما رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : « إذا تزوج الرجل المرأة ثم خلا بها فغلق عليها بابا أو أرخى سترا ، ثم طلقها ، فقد وجب الصداق وخلاؤه بها دخول » (٥).

وفي معناها رواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام عن علي عليه‌السلام (٦). ولأن المرأة سلمت المعقود عليه تسليما صحيحا ، فوجب أن يستقر العوض كما في تسليم العين المؤجرة مدة الإجارة وإن لم ينتفع.

وأجاب المصنف في المختلف بالمنع من صحة الخبرين (٧) ، وحملهما الشيخ على ما إذا كان الزوجان متهمين ، واستدل على الجمع برواية أبي بصير عن الصادق عليه‌

__________________

(١) البقرة : ٢٣٧.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٦٤ حديث ١٨٥٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٦ حديث ٨١٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٦٤ حديث ١٨٦٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٦ حديث ٨١٨.

(٤) الكافي ٦ : ١٠٩ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٦٤ حديث ١٨٦١ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٦ حديث ٨١٩.

(٥) التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٨٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٦ حديث ٨٢٠.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٦٤ حديث ١٨٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٧ حديث ٨٢٢.

(٧) المختلف : ٥٤٤.

٣٦٦

______________________________________________________

السلام : « انهما لا يصدقان بعد الخلوة على عدم الوطء ، لأنها تدفع العدة عن نفسها وهو يدفع المهر » (١).

والفرق بين الإجارة والنكاح ظاهر ، فإن المنافع في الإجارة تتلف بمضي الزمان ، وهنا المنفعة تتلف بالاستيفاء دون مضي الزمان.

واعلم أن المصنف في المختلف حقق هذا المقام بنحو ما نقله الشيخ عن ابن ابي عمير وارتضاه (٢).

وحاصله ان الموجب لكمال المهر هو الدخول دون الخلوة ، لكن الخلوة لكونها مظنة له ولا ينفك عنه غالبا يلزمه كمال المهر مع ادعاء المرأة الدخول ، لأنها تدّعي الظاهر فيقوى جانبها فيكتفى بيمينها ، ولا يقبل من الرجل إلاّ بالبيّنة ، أما مع تصديق المرأة على عدم الدخول فلا يجب إلاّ النصف قطعا.

وهذا التحقيق هو الذي حاوله الشيخ في النهاية (٣) ، ومن تابعه (٤) ، وصرح به ابن حمزة (٥).

وقريب منه ما قاله ابن الجنيد (٦) ، وإن كان في كلامه مخالفة أخرى حيث الحق بالوطء غيره.

وقريب من ذلك كلام ابن بابويه (٧) ، وإن كان إطلاق قوله بعدم قبول قول الزوجين في عدم الوطء محل نظر ، وإنما عول في ذلك على رواية أبي بصير.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٦٥ حديث ١٨٦٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٧ حديث ٨٢٣.

(٢) المختلف : ٥٤٤.

(٣) النهاية : ٤٧١.

(٤) منهم ابن البراج في المهذب ٢ : ٢٠٤.

(٥) الوسيلة : ٣٥١.

(٦) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٤٣.

(٧) المقنع : ١٠٩.

٣٦٧

ويستحب تقليله ، ويكره أن يتجاوز السنة وهو خمسمائة درهم ، وأن يدخل بالزوجة قبل تقديمه أو بعضه أو غيره ولو هدية.

______________________________________________________

ويظهر من كلام الشيخ العمل بها مع التهمة ، وللتوقف في ذلك مجال.

فتلخص من هذا أن أكثر الأصحاب لا يقولون أن الخلوة بنفسها موجبة لاستقرار المهر كله.

قوله : ( ويستحب تقليله ، ويكره أن يتجاوز السنة وهو خمسمائة درهم ).

روى إسماعيل بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل نساء أمتي أصبحهن وجها وأقلهن مهرا » (١).

وفي حديث آخر عن الحسين بن خالد قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن مهر السنّة كيف صار خمسمائة؟ فقال : « إن الله تعالى أوجب على نفسه أن لا يكبّره مؤمن مائة تكبيرة ، ويسبّحه مائة تسبيحة ، ويحمده مائة تحميدة ، ويهلّله مائة تهليلة ، ويصلّي على النبي وآله مائة مرة ، ثم يقول : اللهم زوجني من الحور العين إلاّ زوجه الله حورا وجعل ذلك مهرها ، ثم أوحى الله تعالى إلى نبيه أن يسن مهور المؤمنات خمسمائة درهم ، ففعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأيما مؤمن خطب الى أخيه حرمته فبذل له خمسمائة درهم فلم يزوجه فقد عقه ، واستحق من الله عز وجل ان لا يزوجه حورا » (٢).

واعلم أن ظاهر قوله : ( ويكره أن يتجاوز خمسمائة ) شمول الكراهية للزوج والزوجة ، والأخبار لا تنهض حجة على ذلك ، وقد روي أن الحسن عليه‌السلام تزوج امرأة أصدقها مائة جارية مع كل جارية ألف درهم (٣).

قوله : ( وأن يدخل بالزوجة قبل تقديمه ، أو بعضه ، أو غيره ولو هدية ).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٤٣ حديث ١١٥٦.

(٢) الكافي ٥ : ٣٧٦ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٥٦ حديث ١٤٥١.

(٣) رواه الشيخ في المبسوط ٤ : ٢٧٢.

٣٦٨

ولا فرق بين موت الزوج قبل الدخول أو المرأة في استقرار جميع المهر ، لكن يستحب لها إذا مات الزوج ترك نصف المهر.

وقيل : لو ماتت قبل الدخول كان لأوليائها نصف المهر ، وليس بجيد.

______________________________________________________

مستند ذلك ما رواه‌ أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا تزوج الرجل المرأة فلا يحل له فرجها حتى يسوق إليها شيئا ، درهما فما فوقه ، أو هدية من سويق أو غيره » (١).

قال الشيخ : وهذه الرواية وردت على جهة الأفضل ، فأما أن يكون ذلك واجبا أو تركه محظورا فلا (٢) ، لما رواه عبد الحميد الطائي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : من أنه يجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئا (٣).

وقد اعترض ابن إدريس عبارة الشيخ في النهاية (٤) ـ حيث استحب للرجل قبل الدخول بامرأته تقديم شي‌ء يستبيح به فرجها ـ بأن الذي يستباح به الفرج هو العقد دون ما يقدمه (٥).

واعتذر المصنف في المختلف عن ذلك بأنه قصد بذلك التأكيد في الاستحباب ، وتابع لفظ رواية أبي بصير المتقدمة (٦).

قوله : ( ولا فرق بين موت الزوج قبل الدخول أو المرأة في استقرار جميع المهر ، لكن يستحب لها إذا مات الزوج أن تترك نصف المهر ، وقيل : لو ماتت قبل الدخول كان لأوليائها نصف المهر وليس بجيد ).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٥٧ حديث ١٤٥٢ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٠ حديث ٧٩٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٥٧ ذيل الحديث ١٤٥٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٥٧ حديث ١٤٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٠ حديث ٧٩٨.

(٤) النهاية : ٤٧١.

(٥) السرائر : ٣٠١.

(٦) المختلف : ٥٤٣.

٣٦٩

______________________________________________________

قد قدّمنا أن المختار‌ استقرار جميع المهر بموت كل واحد من الزوجين سواء الرجل والمرأة ، وقد ذكرنا خلاف الصدوق في الاستقرار بموت الرجل وبيّنا ضعفه وحققنا أنه يستقر به.

وأما موت المرأة فقد ذهب عامة الأصحاب إلى أنه كذلك ، وذهب الشيخ في النهاية (١) ، وابن البراج في الكامل (٢) ، وقطب الدين الكيدري (٣) إلى أنه إنما يجب بموتها النصف خاصة ، تعويلا على عدة أخبار ، منها رواية ابن أبي يعفور في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : في امرأة توفيت قبل أن يدخل بها زوجها مالها من المهر ، وكيف ميراثها؟ قال : « إذا كان قد أمهرها صداقا فلها نصف المهر ، وهو يرثها » (٤) الحديث ، وغير ذلك من الاخبار (٥).

والمختار ما قدمناه ، فقد روى منصور بن حازم في الموثق عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : رجل تزوج امرأة وسمّى لها صداقا ، ثم مات عنها ولم يدخل بها قال : « لها المهر كاملا ولها الميراث » قلت : فإنهم قد رووا عنك أن لها نصف المهر قال : « لا يحفظون عني إنما ذلك للمطلقة » (٦).

قال الشارح الفاضل السيد : يحتمل أن يكون مراد الشيخ بقوله : لأوليائها النصف من جهة سقوط النصف الآخر عن الزوج بالميراث ، لكونها غير ذات ولد بقرينة قوله : كان لأوليائها النصف ، وحينئذ لا يبقى بين القولين منافاة.

__________________

(١) النهاية : ٤٧١.

(٢) قاله في المهذب أيضا ٢ : ٢٠٤.

(٣) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٤٤.

(٤) الكافي ٦ : ١١٩ حديث ٦ ، التهذيب ٨ : ١٤٧ حديث ٥١٠ ، الاستبصار ٣ : ٣٤١ حديث ١٢٢٠.

(٥) الكافي ٦ : ١١٩ حديث ٧ ـ ١٠ ، التهذيب ٨ : ١٤٧ حديث ٥١١ ـ ٥١٢.

(٦) التهذيب ٨ : ١٤٧ حديث ٥١٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٤٢ حديث ١٢٢٣.

٣٧٠

ويكره للورثة المطالبة بالمهر مع الدخول إذا لم تكن قد طالبت به.

الفصل الثاني : في الصداق الفاسد ، ولفساده أسباب :

الأول : عدم قبولية الملك كالخمر والخنزير مع إسلام أحد الزوجين ، وكالحر ، وما لا قيمة له ولا منفعة مباحة فيه ،

______________________________________________________

قوله : ( ويكره للورثة المطالبة بالمهر مع الدخول إذا لم يكن قد طالبت به ).

روى عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل أن المرأة إذا ماتت بعد أن أقامت مع الرجل الى أن ماتت لا تطلب صداقها ، ثم جاء ورثتها بعد موتها يطلبون صداقها : « لا شي‌ء لها » (١) وفي معناها روايات أخر (٢).

ونقل الشيخ في التهذيب عن بعض أصحابنا أن الدخول يهدم الصداق احتجاجا بهذه الأخبار ، ونزلها الشيخ على أن المرأة لا تعطى المهر في هذه الحالة إلاّ بالبينة (٣) ، ويلوح من عبارة المصنف أنه نزلها على كراهية المطالبة.

قوله : ( الفصل الثاني في الصداق الفاسد ، ولفساده أسباب :

الأول : عدم قبوله الملك كالخمر والخنزير مع إسلام أحد الزوجين ، وكالحر ، وما لا قيمة له ولا منفعة مباحة فيه ).

من مباحث المهر البحث عن الفاسد ، ولفساده أسباب حصرها المصنف في ستة :

الأول : عدم قبوله الملك في شرع الإسلام كالخمر والخنزير مع إسلام أحد‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٥٩ حديث ١٤٦٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٢ حديث ٨٠٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٦٠ حديث ١٤٦١ ـ ١٤٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٢ حديث ٨٠٧ ـ ٨٠٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٦٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٢٣.

٣٧١

فلو تزوج المسلم على حمر أو خنزير أو حر بطل المسمّى ، وقيل العقد. وهل تثبت قيمة المسمّى أو مهر المثل؟ قولان ، الأقرب الثاني.

______________________________________________________

الزوجين ، بخلاف ما إذا كانا ذميين. وكذا الحر ، سواء كان الزوجان مسلمين أو كافرين. وكذا ما لا قيمة له عند أحد من الناس ، ولا منفعة مباحة فيه كالعذرة النجسة ونحوها.

قوله : ( فلو تزوج المسلم على خمر أو خنزير أو حر بطل المسمّى ، وقيل : العقد. وهل تثبت قيمة المسمّى أو مهر المثل؟ قولان ، الأقرب الثاني ).

لو تزوج المسلم على خمر أو خنزير أو حر ، سواء جرى العقد على خمر معيّن معلوم أو خنزير أو حر كذلك ، أو على مقدار معيّن من الخمر في الذمة ، بطل المسمّى قطعا ، لعدم صلاحيته ، وفي بطلان العقد من أصله قولان :

أحدهما : ـ واختاره الشيخ في النهاية (١) ، والمفيد في المقنعة (٢) ، وابن البراج (٣) ، وأبو الصلاح (٤) ـ انه يبطل ، لأن الرضى بالنكاح شرط في العقد ، وإنما وقع على المسمّى وهو باطل فينتفي الرضى ، فيكون العقد باطلا ، لانتفاء الشرط ، ولأن النكاح عقد معاوضة فيبطل ببطلان العوض ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « المهر ما تراضيا عليه قل أو كثر » (٥).

ويلزمه بعكس النقيض ان ما لم يتراضيا عليه لا يكون مهرا ، ولا ريب أن غير المسمّى لم يقع عليه التراضي فامتنع كونه مهرا ، وقد تقرر امتناع كون المسمّى مهرا ،

__________________

(١) النهاية : ٤٦٩.

(٢) المقنعة : ٧٨.

(٣) المهذب ٢ : ٢٠٠.

(٤) الكافي في الفقه : ٢٩٣.

(٥) الكافي ٥ : ٣٧٨ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٣٥٣ حديث ١٤٣٨.

٣٧٢

______________________________________________________

والنكاح الصحيح لا بد له من مهر سابق أو لاحق ، فمتى تخلف عنه لزم بطلانه.

والثاني : ـ واختاره الشيخ في المبسوط (١) والخلاف (٢) ، وابن الجنيد (٣) ، وابن حمزة (٤) ، وابن زهرة (٥) ، وابن إدريس (٦) ، والمصنف هنا وفي التحرير (٧) ، لأن المهر ليس ركنا في العقد وإنما الركن فيه الزوجان ، ولهذا جاز عرى العقد عنه ، بل اشتراط عدمه ، وليس ذكر الفاسد أعظم من اشتراط عدمه. ولأن النكاح والصداق غيران فلا يقتضي فساد أحدهما فساد الآخر ، وهذا هو الأصح.

وتوقف المصنف في المختلف (٨).

ويجاب عن الأول بأن بطلان المسمّى لا ينفي أصل الرضى بالنكاح ، وإلاّ لم يصح النكاح لو تبين كونه مستحقا.

والمراد في الحديث أن المهر الذي يراد ذكره في العقد ، والمعنى أنه لا حد له باعتبار القلة والكثرة ، بل مناطه التراضي بقرينة قوله : « قل أو كثر » ، ولأن الواجب بالدخول في المفوضة لم يتراضيا عليه مع أنه مهر.

إذا تقرر ذلك فعلى القول بالصحة ما الذي يجب؟ للأصحاب فيه أقوال :

أحدها : انه يجب مهر المثل ، اختاره الشيخ في الخلاف (٩) ، وابن حمزة (١٠) ، وهو‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٧٢.

(٢) الخلاف ٣ : ١ مسألة ١ كتاب الصداق.

(٣) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٤١.

(٤) الوسيلة : ٣٤٨.

(٥) الغنية : ٥٤٨.

(٦) السرائر : ٣٠٠.

(٧) التحرير ٢ : ٣١.

(٨) المختلف : ٥٤٢.

(٩) الخلاف ٣ : ١ مسألة ١ كتاب الصداق.

(١٠) الوسيلة : ٣٤٨.

٣٧٣

______________________________________________________

ظاهر كلام ابن إدريس (١) ، واختاره المصنف هنا وفي التحرير (٢) ، وهو الأصح ، لأن عدم صلاحية المسمّى لئن يكون صداقا يقتضي بطلان التسمية فيصير العقد خاليا منها ، فيجب بالوطء مهر المثل ، لأنه قيمة البضع.

والثاني : إنه يجب قيمة الخمر أو الخنزير عند مستحليه والحر على تقدير العبودية ، اختاره بعض الأصحاب (٣) ، ووجّه بأن الزوجين لما ذكرا في العقد عوضا كان مقصودهما ذلك العوض دون قيمة البضع وهو مهر المثل ، ولذلك العوض خصوص وهو عينه ، وعموم وهو ماليته باعتبار مقابلته بالبضع وهو متقوم ، فإذا لم يمكن اعتبار عينه يعتبر ذكره في المالية فلا يلغو التقدير بذلك القدر وإن الغي التعيين ، فيقدر مالا ويجب قيمته على ذلك التقدير.

وردّ بأن تقدير المالية فيما يمتنع ماليته تقدير للمحال ، فيلغو التقدير كما يلغو التعيين ، وفيه نظر ، لأنه لا يلزم من كونه تقدير للمحال إلغاؤه وعدم لحظه في تقدير الواجب من العوض المالي ، كما يقدر الحر عبدا في الحكومة ليؤخذ الأرش من الدية تلحظ القيمة على تقدير العبودية.

ويمكن رده بوجه آخر وهو : إنه لمّا بطل تعيينه لم يكن اعتبار ماليته بسبب مقابلته للبضع مستلزما لوجوب قيمته ، لأن وجوب المال المخصوص عوضا إنما يكون بذكره في العقد فيجب مهر المثل.

وفرّق الشيخ في موضع في المبسوط بين الحر والخمر ، بأن الحر ليس مالا أصلا ، ومالية الخمر منتفية للمسلم لا عليه للذمي ولا للذمي على مثله ، فنقل عن بعضهم‌

__________________

(١) السرائر : ٣٠٠.

(٢) التحرير ٢ : ٣١.

(٣) في المبسوط ٤ : ٢٩٠.

٣٧٤

______________________________________________________

وجوب مهر المثل في الحر والقيمة في الخمر (١).

واعلم أن إطلاق عبارة المصنف في قوله : ( وهل يثبت المسمّى أو مهر المثل؟ قولان ) يحتمل وجوب مهر المثل بنفس العقد كما يفهم من بعض كلام الشيخ (٢) ، ويرشد إليه تعليل جماعة بأنه إذا كان العوض فاسدا وجب رد العوض الآخر ، فإذا تعذر ردّه لصحة النكاح وجب مهر المثل (٣).

وكذا بنى بعض العامة (٤) القولين بوجوب مهر المثل أو القيمة ، على أن الصداق إذا تلف قبل القبض يرجع الى مهر المثل أو بدل الصداق ، فإن وجب مهر المثل إذا لم يبق الصداق فكذا يجب إذا لم يصلح المذكور لأن يكون صداقا.

وإن وجب بدل الصداق هناك فقد نفي عقد الصداق مع فوات العين اعتمادا على المالية ، فكذلك في الابتداء يحكم بانعقاد الصداق اعتمادا على المالية ، وفيه ضعف ، للفرق بين وجوب البدل بعد وجوب الصداق للحكم بصحته ، وبين بطلان التسمية من أول الأمر بحيث ينعقد النكاح بدونه.

والمصنف في الإرشاد قيّد وجوب مهر المثل بالدخول ، والشارح الفاضل ولد المصنف جعل مناط الخلاف فيما يجب من المهر هو الوطء (٥) ، وفي عبارته مسامحة ، لأن التقييد بذلك على تقدير مهر المثل ظاهر ، أما على تقدير القيمة فلا ، لاعتبار التسمية على هذا التقدير.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٩٠.

(٢) الخلاف ٣ : ١ مسألة ١ كتاب الصداق.

(٣) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٣٤٨ ، وابن إدريس في السرائر : ٣٠٠ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٢٠٣.

(٤) انظر : المجموع ١٦ : ٣٢٩ ، المغني لابن قدامة ٨ : ٢٤.

(٥) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٠٢.

٣٧٥

ولو تزوجها على ظرف خل فخرج خمرا صح العقد وثبت مهر المثل ، وقيل : مثل الخل ، وكذا لو تزوجها بعبد فبان حرا أو مستحقا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو تزوجها على ظرف خل فخرج خمرا صح العقد ، وثبت مهر المثل ، وقيل : مثل الخل ، وكذا لو تزوجها بعبد فبان حرا ).

إذا عقد على ظرف خل في زعمهما وعيّناه بإشارة اليد فخرج خمرا ، فقضية كلام الأصحاب صحة النكاح قولا واحدا ، وأما المهر فلا شبهة في فساده ، وفيما يجب ثلاثة أقوال :

أحدها : مهر المثل ، اختاره المصنف ، وبعض الأصحاب (١) ، لبطلان التسمية بسبب عدم صلاحية المسمّى ، ولما امتنع ردّ المعوض وهو البضع لصحة النكاح وجب الرجوع الى قيمته وهو مهر المثل ، وينبغي أن يكون وجوبه بالدخول ، لأن صحة النكاح لا يستلزم وجوب المهر.

ويحتمل وجوبه بنفس العقد كما سبق الكلام فيه.

الثاني : انه يجب بقدره خلا ، لأنهما حيث عقدا على معيّن كان مرادهما ذلك المعيّن دون مهر المثل ، وحيث عقدا على المعيّن على أنه خل فقد تراضيا على خل بقدر هذا ، لأن الرضى بالجزئي يتضمن الرضى بالكلي إذ هو جزؤه ، فمع بطلان الجزء ـ لظهور عدم صلاحيته لكونه بحسب الواقع خمرا ـ تعيّن وجوب الكلي ، لأنه أحد الأمرين اللذين وقع التراضي بهما ، ولأنه أقرب إلى المعقود عليه ، لأنه مثله ، وهو اختيار ابن إدريس (٢) ، وابن الجنيد (٣) حيث قالا : لها ملؤه خلاّ وحسّنه المحقق ابن سعيد (٤) ، وقال المصنف في المختلف : إنه أقوى (٥).

__________________

(١) منهم الشيخ في المبسوط ٤ : ٢٩٠.

(٢) السرائر : ٣٠٤.

(٣) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٤٧.

(٤) الشرائع ٢ : ٣٢٥.

(٥) المختلف : ٥٤٧.

٣٧٦

______________________________________________________

ولقائل أن يقول : إن الكلي الذي وقع عليه التراضي بالعقد على الجزئي هو الكلي المقترن بالمشخصات الموجودة في ذهن المتعاقدين ، وهذا يمتنع بقاؤه إذا ارتفعت المشخصات ، والمحكوم بوجوبه غيره أعني الكلي في ضمن شخص آخر ، وهذا لم يقع التراضي عليه أصلا ولا تبعا ، فإيجابه بالعقد إيجاب لما لم يتراضيا عليه.

وكونه أقرب الى المعقود عليه مع تسليم صحته لا يستلزم وجوبه ، لأن المهر الذي يجب بالعقد هو ما تراضيا عليه ، ولا يلزم من التراضي على أحد المثلين التراضي على الآخر.

الثالث : وجوب قيمة الخمر عند مستحليه ، اختاره الشيخ في المبسوط (١) والخلاف (٢) ، لأن قيمة الشي‌ء أقرب إليه عند تعذره ، ولأنهما عقدا على شخصي باعتبار ماليته فمع تعذره ـ لظهور بطلان الظن ـ وجب المصير إلى المالية ، وفيه نظر.

لأن الانتقال إلى القيمة فرع صحة العقد على ذي القيمة ، لأنه لم يقع التراضي عليها.

وأمتن الأقوال الثلاثة دليلا هو الأول ، ثم عد إلى عبارة الكتاب واعلم أن قوله : ( ولو تزوجها على ظرف خل ) يريد به كونه خلا في ظنهما.

وقوله : ( صح العقد وثبت مهر المثل ) يحتمل أن يريد به ثبوته بالعقد على حد القول بوجوب مثل الخل ، ويحتمل أن يريد ثبوته بالدخول ، لأنه قيمة البضع فيتوقف ثبوته على استيفائها ، كما لو عقدا على غير مهر ، ولم يتعرض الى القول الثالث.

وقوله : ( وكذا له تزوجها بعبد فبان حرا ) ينبغي أن يريد به ثبوت مهر المثل ، ووجوب قيمة الحر على تقدير العبودية ، ولا يتصور وجوب المثل هنا لانتفائه.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٩٠.

(٢) الخلاف ٣ : ٤ مسألة ١٠ كتاب الصداق.

٣٧٧

ولو تزوجها على عبدين فبان أحدهما حرا لم ينحصر الصداق في الآخر ، بل يجب بقدر حصة الحر من مهر المثل أو قيمته لو كان عبدا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو تزوجها على عبدين فبان أحدهما حرا ، لم ينحصر الصداق في الآخر ، بل يجب بقدر حصة الحر من مهر المثل ، أو قيمته لو كان عبدا ).

هذه متفرعة على القولين في المسألة السابقة ، وصورتها أنه لو تزوج امرأة وأصدقها عبدين بظنه فبان أحدهما حرا ، بطل الصداق في الحر قطعا ، ولا ينحصر في العبد ، لأنها لم ترض به وحده ، بل يجب معه ما يقتضيه ضميمة الحر اليه ، فيبني على القولين السابقين في المسألة المتقدمة.

فعلى القول بعدم اعتبار المسمّى ووجوب مهر المثل يستعلم مهر المثل ، فإذا كان خمسين مثلا فينظر قيمة المعقود عليهما معا على تقدير عبودية الحر ، وقيمة الحر منهما لو كان عبدا ، فإذا كانت عشرة استحقت من مهر المثل بنسبتها الى مجموع القيمتين وهو ثلاثة.

وعلى القول بوجوب قيمة المسمّى في المسألة السابقة يجب قيمة الحر على تقدير كونه عبدا مع العبد الآخر قلّت أو كثرت ، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله : ( بل يجب بقدر حصة الحر من مهر المثل أو قيمته لو كان عبدا ).

أي : بل يجب مع العبد الآخر من مهر المثل بقدر حصة الحر من مجموع المسمّى ، فالجار يتعلق يجب ، والمنسوب إليه الحصة وهو المسمّى محذوف في العبارة.

واعلم أن المصنف لم يذكر في هذه المسألة احتمال فساد الصداق جميعه ، وقد ذكره فيما إذا ضم إلى المعلوم مجهولا ، ولم يتعرض الى احتمال تسلطها على الفسخ على القول بعدم بطلان الجميع ، لفوات بعض المعقود عليه.

وقد أورد في التحرير عليه اشكالا (١) ، وعندي في حكمها تردد ، فإن القول‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٣٢.

٣٧٨

ولو أصدقها عينا ، فخرجت مستحقة ، فإن كانت مثلية فالمثل ، وإلاّ فالقيمة ، ويحتمل مهر المثل.

______________________________________________________

ببطلان التسمية في كل من العبد الحر مع تعلق الغرض بعين المعقود عليه وصلاحيته للعقد عليه مشكل ، والقول بتلفيق الصداق من المسمّى ومهر المثل مع تنافي مقتضاهما أيضا مشكل ، والانتقال إلى قيمة الحر على تقدير العبودية مع عدم تسميته مشكل ، فالتوقف اولى.

قوله : ( ولو أصدقها عينا فخرجت مستحقة ، فإن كانت مثلية فالمثل ، وإلاّ القيمة ، ويحتمل مهر المثل ).

هذه أيضا من مسائل الباب ، وصورتها أنه إذا أصدقها عينا فخرجت مستحقة لغير المصداق بطل كونها صداقا ، لامتناع صحة نقل مال الغير ، وفيما يجب لها وجهان :

أحدهما : أنه يجب لها مثل تلك العين إن كانت مثلية وقيمتها إن كانت قيمية ، لأن العقد والتراضي جرى على تلك العين وقد تعذر إيصالها ، لأنها مال الغير ، فوجب بدلها وهو المثل أو القيمة.

والثاني : أنه يجب مهر المثل ، لفساد التسمية المقتضي لبطلان الصداق ، وتعذر الرجوع ويلوح من عباراتهم وجوبه بالتسمية ، وبه صرح الشارح الفاضل ولد المصنف (١) ، وفيه نظر ، لأن بطلان المسمّى ليس تسمية لشي‌ء آخر ولا يقتضيها ، وإنما صح النكاح مجردا عن المهر ، وقد صرح الشارح السيد بأنه يكون بمنزلة من لم يسم مهرا.

ثم اعلم أن الشارح ولد المصنف ذكر في تحقيقه بناء الوجهين في المسألة على أن الصداق حقيقة أم لا.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٠٣.

٣٧٩

الثاني : الجهالة ، فلو تزوجها على مهر مجهول بطل المسمّى وثبت مهر المثل ، لتعذر تقويم المجهول ،

______________________________________________________

فعلى الثاني يجب المثل أو القيمة اعتبارا بإفادة ذكره التقدير بذلك القدر حيث كان التعيين لاغيا.

وعلى الأول يجب مهر المثل ، لأن فساد العوض وتعذر الرجوع الى العوض يقتضي الرجوع الى قيمة المعوض ، وهو مهر المثل.

ولقائل أن يقول : إنّ كون الصداق ليس عوضا حقيقة لا يقتضي أن لا يكون عوضا أصلا ، فلا يمتنع أن يكون فيه شبهة الأعواض إذا قوبل الصحيح منه بالبضع فيتعين ، ويجب كما يجب سائر الأعواض في عقود المعاوضات ، وإن لم يكن في أصله عوضا فإنه يجوز أخلاء العقد عنه ، ولا يتوقف صحة النكاح عليه ، بخلاف الأعواض الحقيقية.

ولو سلّم يلزم منه أن المعقود عليه إذا فسد يجب الانتقال إلى بدله ما لم يجر له ذكر ولم يقع عليه تراض ، وإنما يلزم ذلك من صحة النكاح مع فساده ، وما سوى ذلك فهو محض دعوى عرية عن الدليل.

قوله : ( الثاني : الجهالة ، فلو تزوجها على مهر مجهول بطل المسمّى ويثبت مهر المثل ، لتعذر تقويم المجهول ).

من جهات فساد الصداق المسمّى جهالته ، فمتى عقد على مهر مجهول كعبد ودابة وشي‌ء بطل المسمّى ، لأن الصداق وإن لم يكن عوضا في أصله ، إلاّ أنه إذا ذكر في العقد جرت عليه أحكام المعاوضات ، والجهالة من موانع صحتها.

ويثبت هنا مهر المثل قولا واحدا ، لامتناع القول بوجوب قيمة المسمّى ، لأن المجهول يتعذر تقويمه ، وظاهرهم وجوب مهر المثل بنفس العقد كما مر في نظائره ، لأن فساد المسمّى لا يوجب فساد التسمية ، لأن أثرها عدم التفويض حيث لم يتراضيا على النكاح بغير مهر ، وللنظر فيه مجال.

٣٨٠