جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

______________________________________________________

واختصاصها بعدم الاكتفاء بالمشاهدة في عوضها المكيل والموزون والمعدود بالنص (١) والإجماع.

والظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في ذلك ، هذا إذا كان العوض حاضرا ، ولو كان غائبا اعتبر وصفه بما يرفع الجهالة ، فيبطل العقد بدونه للغرر.

الثانية : لا تقدير للمهر قلة ولا كثرة ، فيجوز العقد على كل ما يعده مالا في العادة ، كما يصح جعل ذلك عوضا في البيع والإجارة. ولا يصح العقد على مالا يتمول عادة كحبة من حنطة ، لأن ما لا يعد مالا يمتنع جعله عوضا عما يقابل بالمال.

وروى محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام كم المهر ـ يعني في المتعة ـ قال : « ما تراضيا عليه إلى ما شاء من الأجل » (٢).

وقال ابن بابويه : أدنى ما يجزئ في المتعة درهم فما فوقه (٣) ، لصحيحة أبي بصير عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن متعة النساء قال : « حلال فإنه يجزئ الدرهم فما فوقه » (٤).

روى سعيد الأحول عن الصادق عليه‌السلام وقد سأله أدنى ما يتزوج به المتعة قال : « كف من بر » (٥).

ولا منافاة فيهما لما سبق ، أما الأولى فظاهر ، إذ ليس فيها منع ، لإجزاء ما دون الدرهم. وأما الثانية فمحمولة على أن الأدنى في العادة ذلك وإن كان الأدنى منه شرعا جائزا ، فتكون جارية على الغالب جمعا بينها وبين ما سبق.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٣ حديث ٦٢٧.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٦٤ حديث ١١٤١ ، الاستبصار ٣ : ١٤٩ حديث ٥٤٧.

(٣) المقنع : ١١٣.

(٤) الكافي ٥ : ٤٥٧ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٦٠ حديث ١١٢٦.

(٥) الكافي ٥ : ٤٥٧ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٦٠ حديث ١١٢٥.

٢١

ويجب دفعه بالعقد ، فإن دخل استقر إن وفت بالمدة ، وإن أخلّت ببعضها وضع منه بنسبتها ،

______________________________________________________

قوله : ( ويجب دفعه بالعقد ، فإن دخل استقر إن وفت بالمدة ، وإن أخلّت ببعضها وضع منه بنسبتها ).

لما كان هذا النكاح لا حقا بالمعاوضات ثبت المهر بالعقد لا محالة ، ووجب دفعه لكن مع تسليمها نفسها ، إلاّ أن ثبوته غير مستقر ، لأن استقرار العوض مشروط بتسليم مقابله ، فإن وفت بالمدة بمعنى أنها سلّمت نفسها في مجموعها فقد استقر وجوبه ، فإن كانت قد تسلمته فهو حقها ، وإلاّ وجب تسليمه إليها وجوبا ثابتا.

وإن أخلت ببعض المدة وضع من المهر بنسبة ما أخلت به منها الى مجموعها ، لأن مقابلة أحد العوضين بالآخر يقتضي مقابلة الأجزاء بالأجزاء ، فإذا فات بعض أحد العوضين وجب أن يسقط مقابله من العوض الآخر.

وروى عمر بن حنظلة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اتزوج المرأة شهرا بشي‌ء مسمّى فتأتي ببعض الشهر ولا تفي ببعض ، قال : « تحبس عنها من صداقها بقدر ما احتبست عنك إلاّ أيام حيضها فإنها لها » (١) ، وهي نص في الباب.

وقد علم من قوله : « إلاّ أيام حيضها » أن الإخلال لعذر لا يسقط به شي‌ء من الصداق ، وإنما عبّر بقوله : ( وضع ) دون أن يقول : قاصها ، كعبارة النافع ، لانتفاء المقاصة حقيقة هنا ، فإن إخلالها ببعض العوض أوجب سقوط مقابله من العوض الآخر ، ولا يعد ذلك مقاصة كما لا يخفى.

وينبغي أن يقرأ : ( وضع ) مجهولا ، لأن ذلك يسقط بنفسه لا بإسقاط الزوج.

والضمير في قوله : ( بنسبتها ) تعود إلى المدة ، وفيه حذف تقديره : وضع منه بنسبة ذلك البعض إلى المدة ، فإن كان نصفها فنصف المدة ، أو ربعها فربعه ، وعلى هذا وذلك‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٩٤ حديث ١٣٩٧.

٢٢

ولو وهبها المدة قبل الدخول لزمه النصف.

ولو ظهر فساد العقد اما بظهور زوج ، أو بكونها أخت زوجته ، أو‌

______________________________________________________

ظاهر.

قوله : ( ولو وهبها المدة قبل الدخول لزمه النصف ).

لو وهبها المدة أو بعضها جاز قطعا وكان ذلك إبراء ، لأنه إسقاط لما في الذمة ، فلا يفتقر الى القبول على أصح القولين كما سبق في الهبة.

ثم الهبة إما أن يكون قبل الدخول أو بعده ، فإن كان قبل الدخول وجب لها نصف المهر وسقط النصف الآخر ، كما لو طلّق الزوجة الدائمة قبل الدخول. ودليل ذلك وراء إجماع الأصحاب أنها فرقة قبل الدخول فأشبهت الطلاق.

ولمقطوعة سماعة ، قال : سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتع بها ، ثم جعلته في حل وقد قبضته منه : « فإن خلاّها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الزوج نصف الصداق » (١). وجه الدلالة أنه لو لا استحقاقها النصف لوجوب أن يرد الجميع.

ولو دخل ثم وهبها الجميع أو البعض ، ففي سقوط شي‌ء من المهر باعتبار ما وهب من المدة نظر ، ولم أقف للأصحاب على كلام في ذلك والذي يقتضيه صحيح النظر وجوب الجميع ، لاقتضاء العقد وجوبه ، ولم يثبت شرعا ما يقتضي سقوط شي‌ء منه.

ولو وهبها البعض خاصة وانقضت المدة ولم يدخل ، ففي سقوط النصف هنا وجهان.

وتعبير الأصحاب بالسقوط لا يتناول هذه الصورة ، نعم قد يقال : لفظ الرواية لا يأبى هذه الصورة ، فإنه يصدق أنه خلاها قبل الدخول ، إلاّ أن يدّعي أن المراد إبانتها قبل الدخول ، ولا يكون ذلك إلاّ بهبة المدة.

قوله : ( ولو ظهر فساد العقد ، إما بظهور زوج ، أو كونها أخت زوجته ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٦١ حديث ١١٣٠.

٢٣

غيرهما ، فلا مهر إن لم يدخل ، ولو قبضته استعاده ، وإن دخل فلها المهر إن جهلت ، وإلاّ فلا.

وقيل تأخذ ما قبضت ولا تسلّم الباقي ، ويحتمل مهر المثل.

______________________________________________________

أو غيرهما فلا مهر إن لم يدخل ، فإن قبضته استعاده ، ولو دخل فلها المهر إن جهلت ، وإلاّ فلا. وقيل : تأخذ ما قبضته ولا تسلّم الباقي ، ويحتمل مهر المثل.

إذا ظهر فساد عقد المتعة بسبب من أسباب الفساد ، إما وجود مانع ، أو فقد شرط.

فإما أن يكون قد دخل بها ، أو لا. وعلى تقدير الدخول : إما أن تكون عالمة بالفساد ، أو جاهلة.

فإن لم يكن دخل بها فلا مهر ، لبطلان العقد المقتضي لبطلان المسمّى ، فلو كانت قد قبضته استعاده ، إذ لا حق لها فيه ، ولو تلف في يدها ضمنته.

وكذا إن دخل وهي عالمة بالفساد ، لأنها بغي ولا مهر لبغي.

أما إذا دخل وهي جاهلة ففي حكمه قولان للأصحاب :

أحدهما : ـ اختاره الشيخ في النهاية (١) ـ أن لها ما أخذت ، ولا يلزمه أن يعطيها ما بقي ، ومستنده حسنة حفص بن البختري عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا بقي عليه شي‌ء من المهر وعلم أن لها زوجا ، فما أخذته فلها بما استحل من فرجها ، ويحبس عنها ما بقي عنده » (٢).

وموردها ما إذا دفع إليها شيئا وبقي عنده شي‌ء ، فلو لم يدفع شيئا ، أو دفع الجميع ، فلا دلالة فيها على حكمه. وعليها إشكال ، فإن المدفوع قد يكون قليلا وقد‌

__________________

(١) النهاية : ٤٩١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٦١ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٦١ حديث ١١٢٩.

٢٤

الرابع : الأجل ، وذكره شرط فيه ، ويشترط فيه التعيين بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، ولا يتقدر قلة وكثرة.

______________________________________________________

يكون كثيرا ، فإن كانت مستحقة لشي‌ء فلا يتفاوت استحقاقها بالدفع وعدمه ، على أنها لا استحقاق لها مع العلم بالفساد قطعا ، لما قلناه من أنها بغي.

وقيل باستحقاق الجميع إن كانت جاهلة ، فيدفع إليها ما بقي ، وعدم استحقاق شي‌ء مع العلم فيستعاد ما أخذته ، اختاره المصنف هنا ، وفي المختلف (١) والتحرير (٢) وغيره ووجهه وقوع التراضي على المسمّى ، وقد حصل الدخول واستقر به وجوبه ، ويشكل بأمرين :

أ : إنّ مجرد التراضي غير مقتض للوجوب ، بل العقد الصحيح وهو منتف هنا.

ب : إنّ التراضي بالمسمّى إنما وقع بالنسبة إلى مجموع المدة فكيف يجب كله في البعض.

ويحتمل أن يجب لها مهر المثل ، لأن الوطء المحترم لا بد له من عوض ، والمسمّى باطل ، فتعيّن عوض المثل ، وهذا أقوى.

لكن يجب تنقيحه بأن الواجب هو مهر المثل في المتعة ، فيعتبر فيه أصلها ، وجهالتها ، وصفات كمالها حال ما مضى من المدة التي سلمته فيها نفسها ، فيجب مهر المثل لتلك المدة متعة. وعلى هذا فيمكن تنزيل الرواية على كونه المسمّى بقدر مهر المثل والمقبوض مقدار قسط المدة الماضية منه مع جهلها بالفساد.

قوله : ( الرابع : الأجل ، وذكره شرط فيه ، ويشترط فيه التعيين بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، ولا يتقدر قلة ولا كثرة ).

__________________

(١) المختلف : ٥٦٤.

(٢) التحرير ٢ : ٢٧.

٢٥

ولو أخل به بطل ، وقيل ينقلب دائما.

______________________________________________________

ولو أخل به بطل ، وقيل ينقلب دائما.

كما يشترط ذكر المهر في عقد المتعة كذا يشترط ذلك الأجل ، نظرا إلى أن مقصود هذا النكاح هو الاستمتاع في زمان مخصوص وحديث زرارة (١) وإسماعيل بن الفضل (٢) السابقان ينبهان على ذلك.

ويشترط أيضا تعيين الأجل بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، فلو جعل نهايته كقدوم الحاج ، أو إدراك الغلات ، ونحو ذلك لم يصح ، للغرر. ولا يتقدر قلة ولا كثرة ، فيجوز اشتراط زمان قصير وطويل بحسب التراضي إذا كان معيّنا مضبوطا.

وقال ابن حمزة : وقدر المدة من طلوع الشمس إلى نصف النهار وإلى سنين متطاولة (٣).

فإن قصد بذلك التمثيل للقلة والكثرة ـ وهو الظاهر ـ فهو صحيح ، وإن قصد بيان الأقل فليس بجيد.

ولو أخل بذكر الأجل أصلا ففيه أقوال :

أحدها : ـ واختاره المصنف وهو الأصح ـ البطلان.

والثاني : ـ وبه قال الشيخ (٤) ـ ينعقد دائما ، واختاره ابن البراج (٥) ، وابن حمزة ، وأبو الصلاح (٦).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٥٥ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٦٢ حديث ١١٣٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٦٢ حديث ١١٣٥.

(٣) الوسيلة : ٣١٠ ( تحقيق الشيخ محمد الحسّون ) ، علما بأن هذا القول لم يرد في النسخة الحجرية للوسيلة المطبوعة ضمن الجوامع الفقهية ، ولا في النسخة الحروفية التي حققها الأستاذ عبد العظيم البكاء ، لسقوط فصل نكاح المتعة من هاتين النسختين.

(٤) النهاية : ٤٨٩.

(٥) المهذب ٢ : ٢٤١.

(٦) الكافي في الفقه : ٢٩٨.

٢٦

______________________________________________________

والثالث : ـ وهو اختيار ابن إدريس (١) ـ أنه إن كان الإيجاب بلفظ التزويج أو النكاح انقلب دائما ، وإن كان بلفظ التمتع بطل العقد.

لنا : إنّ المتعة شرطها الأجل إجماعا ، ولصحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام : « لا يكون متعة إلاّ بأمرين : بأجل مسمّى ، وأجر مسمّى » (٢) ، ومثلها صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عنه عليه‌السلام (٣) ، فإذا أخل به فقد أخل بالشرط فوجب الحكم بالبطلان ، وإلاّ لم يكن شرطا.

لا يقال : نقول بالموجب ولا يلزم البطلان من رأس ، لأن اللازم بطلان المتعة لفوات شرطها لا بطلان أصل العقد ، فينعقد دائما.

لأنا نقول : إذا بطل كون العقد متعة لزم بطلان العقد من رأس ، إذ محل النزاع إنما هو إذا أراد العقد متعة وأخلا في هذه الحالة بذكر الأجل ، فالدوام حينئذ غير مقصود أصلا ، بل المقصود منافيه.

فإذا بطل المقصود ولم يحصل غيره ، لأن العقود تابعة للقصود.

واحتج الشيخ بأن لفظ الإيجاب صالح لكل منهما ، وإنما يتمحض للمتعة بذكر الأجل وللدوام بعدمه ، فإذا انتفى الأول ثبت الثاني ، فإن الأصل في العقد الصحة ، والفساد على خلاف الأصل.

ولموثقة عبد الله بن بكير عن الصادق عليه‌السلام قال : « إن سمّى الأجل فهو متعة ، وإن لم يسمّ الأجل فهو نكاح ثابت » (٤).

والجواب : إن الصلاحية غير كافية بمجردها ، فإن العقد تابع لإرادة العاقد ،

__________________

(١) السرائر : ٣١١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٥٥ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٦٢ حديث ١١٣٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٦٢ حديث ١١٣٥.

(٤) النهاية : ٤٥٠ ، الكافي ٥ : ٤٥٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٦٢ حديث ١١٣٤.

٢٧

وإن عيّن المبدأ تعيّن ، وإن تأخر عن العقد ، وإلاّ اقتضى اتصاله به ،

______________________________________________________

والفرض أن المقصود هو المتعة خاصة ، فإذا فات شرطها بطلت ، فيمتنع الحمل على الدوام مع ارادة غيره ، والأصل حجة مع عدم الناقل.

وأما الرواية فنقول بموجبها ، إذ ليس فيها تصريح بأنهما أرادا المتعة وأخلا بالأجل ، بل مضمونها أن النكاح المعقود مع الأجل متعة وبدونه دوام ، وليس في ذلك دلالة على إرادة الأجل ، على أنه يمكن أن يكون المراد أنه إذا عقد ولم يذكر الأجل ينعقد دائما بحسب الظاهر ، إذ لا يقبل قوله في إرادة المتعة.

وقول ابن إدريس ضعيف (١) ، لأنه على القول بعدم صحة الدائم بلفظ المتعة يكون البطلان مع وقوع العقد بلفظ المتعة ، للإخلال بالأجل ، وعدم ارادة الدوام ، وانتفاء صلاحية اللفظ له مع وقوعه بلفظ النكاح والتزويج لما عدا الأخير ، وذلك كاف في البطلان من رأس.

قوله : ( وإن عيّن المبدأ تعيّن وإن تأخر عن العقد ، وإلاّ اقتضى اتصاله به ).

أي : إن عيّن مبدأ الأجل تعيّن لا محالة ، لوجوب الوفاء بالعقد ، ولا فرق في ذلك بين أن يعينه متصلا بالعقد أو متأخرا عنه.

أما الأول فظاهر.

وأما الثاني ، فلأنه لا مانع من تأخره ، والأصل الصحة فيتمسك به. وروى بكار ابن كردم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يلقي المرأة فيقول لها : زوجيني نفسك شهرا ولا يسمّي الشهر بعينه ، ثم يمضي فيلقاها بعد سنين ، قال : فقال : « له شهره إن كان سمّاه ، وإن لم يكن سمّاه فلا سبيل له عليها » (٢). وجه الاستدلال : ان‌

__________________

(١) السرائر : ٣١١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٦٦ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٩٧ حديث ١٤١٠ ، التهذيب ٧ : ٢٦٧ حديث ١١٥٠.

٢٨

______________________________________________________

الشهر الذي سمّاه إنما يكون له بعد سنين إذا كان متأخرا عن العقد.

لا يقال : أثر العقد الزوجية ، فيجب أن يترتب عليه حين وقوعه ، ويمتنع ذلك مع تأخر الأجل ، فيكون مع التأخير فاسدا ، لأن الفاسد ما لا يترتب أثره عليه.

وأيضا فإنه لو صح العقد كذلك لزم جواز عقد الغير عليها بين العقد والأجل.

لأنا نقول : إنما يجب أن يترتب عليه أثره بحسب مقتضاه ، ومع التعيين يجب أن يكون ثبوته كذلك ، وإلاّ لم يكن صحيحا.

وأما لزوم جواز العقد عليها للغير فيتوجه المنع فيه على الملازمة تارة ، لأنها ذات بعل ، وعلى بطلان التالي أخرى ، إذ لم يقم على المنع في مثل ذلك دليل في الكتاب والسنة ، والجواز أظهر.

ونقل عن بعضهم القول بالمنع ، وقد بيّنا ضعفه. ولا يخفى أنه لو عيّن أجلا مجهولا يبطل العقد ، للجهالة.

وقول الشيخ في النهاية : ومتى عقد عليها شهرا ، ولم يذكر الشهر بعينه ، ومضى عليها شهر ثم طالبها بعد ذلك بما عقد عليها لم يكن له عليها سبيل (١) ، غير صريح في صحة العقد على شهر مجهول ، لأن مقابل المعيّن المطلق ولا يلزم أن يكون مجهولا.

ثم ان قوله : ( لم يكن له عليها سبيل ) لا دلالة فيه على صحة العقد ، لجواز أن يكون نفي السبيل لفساده ، هذا حكم ما إذا عيّن الشهر.

ولو أطلقه فإنه ينصرف إلى المعجّل ، فيكون متصلا بالعقد كما في الأجل في البيع والإجارة ونحوهما ولأن العرف جار بذلك ، فإن المتفاهم في العادة هو ذلك ، ولأن أثر العقد يجب أن يترتب عليه حين وقوعه إذا لم يكن فيه ما يمنع ذلك.

ولأن قوله عليه‌السلام في الرواية السابقة : « وإن لم يكن سمّاه فلا سبيل له‌

__________________

(١) النهاية : ٤٩١.

٢٩

فإن تركها حتى خرج خرجت من عقده ولها المسمّى.

ولو قال : بعض يوم ، فإن عيّن كالزوال أو الغروب صح ، وإلاّ فلا.

ولو قال : مرة أو مرتين ، قيّد بالزمان ، ولا تجوز الزيادة ، وإلاّ بطل.

______________________________________________________

عليها » (١) إن أريد به الإطلاق كان دليلا على ما ذكرناه ، إذ لو لا الحكم بالاتصال لوجب بقاؤه ، إذ لا أولوية لزمان على آخر.

قوله : ( فإن تركها حتى خرجت من عقده فلها المسمّى ).

وجهه : إن المسمّى وجب بالعقد ، ولم يثبت المسقط شرعا إذ هو إما المفارقة قبل الدخول ، أو امتناعها من تسليم نفسها ، وكلاهما منتف.

قوله : ( ولو قال : بعض يوم ، فإن عيّن كالزوال والغروب صح ، وإلاّ فلا ولو قال : مرة أو مرتين قيّد بالزمان ، ولا يجوز الزيادة وإلاّ بطل ).

لا ريب أنه لو ذكر في العقد أجلا غير معيّن كبعض يوم ، ولم يعين ذلك البعض ، أو المرة أو المرتين ونحوهما غير مقيدتين بزمان معيّن يبطل العقد للجهالة.

وقال الشيخ في النهاية : إنّ العقد ينقلب دائما (٢) ، وهو ضعيف جدا ، لأن ذكر الأجل أخرجه عن صلاحية الدوام وقد فات شرط المتعة بالجهالة فوجب الحكم بالبطلان.

وليس هذا كما لو جرد العقد عن ذكر الأجل أصلا ، فإن العقد غير مشتمل على ما يمنع كونه دائما.

وقول المصنف : ( ولا تجوز الزيادة ) معناه : إنه إذا عقد متعة على أن يطأ مرة أو مرتين ، وقيّد ذلك بزمان معيّن كاليوم والشهر صح العقد ووجب الوفاء به ، ولم يجز الوطء أزيد مما عيّن.

وقوله : ( وإلاّ بطل ) معناه : وإن لم يقيّد بالزمان بل ذكر المرة والمرتين مجردا ذلك‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٦٦ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٩٧ حديث ١٤١٠ ، التهذيب ٧ : ٢٦٧ حديث ١١٥٠.

(٢) النهاية : ٤٩١.

٣٠

الفصل الثاني : في الأحكام :

لا ولاية على البالغة الرشيدة وإن كانت بكرا على الأقوى.

ويلزم ما يشترط في متن العقد إذا كان سائغا ، ولو قدّمه أو أخّره لم يعتد به ، ولا يجب إعادته بعده لو قرنه به على رأي.

______________________________________________________

عن ذكر الزمان بطل العقد من رأس.

قوله : ( الفصل الثاني : في الأحكام : لا ولاية على البالغة الرشيدة وإن كانت بكرا على الأقوى ).

قد سبق ذكر الخلاف في ذلك في أحكام النكاح الدائم ، وأنه قد قيل بمنع النكاحين للبكر بدون اذن وليها وإن كانت بالغة رشيدة.

وقيل بمنع المتعة خاصة ، وان الأصح الجواز مطلقا مع الوصفين ، ولا يتوقف على اذن الولي.

قوله : ( ويلزم ما يشترط في متن العقد إذا كان سائغا ، ولو قدّمه أو أخره لم يعتد به ، ولا يجب إعادته بعده لو قرنه به على رأي ).

لا شك أن كل شرط من الشروط السائغة ـ وهي التي لا تنافي مقتضى العقد ، ولم يرد في الكتاب والسنة ما يدل على المنع منه ـ يجوز اشتراطه ، للأصل ، ولقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١) ، وانما يعتد به ويلزم الوفاء به إذا وقع بين الإيجاب والقبول ، ليكون من جملة العقد ، ويجري عليه كل من الإيجاب والقبول.

فلو تقدّم على العقد أو تأخر عنه لم يقع معتدا به ، إذ ليس محسوبا من جملة العقد ، والذي يجب الوفاء به إنما هو العقد.

وينبّه على ذلك ما رواه بكير بن أعين عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

٣١

______________________________________________________

شرطت على المرأة شروط المتعة فرضيت بها وأوجبت التزويج فاردد عليها شرطك الأول بعد النكاح ، فإن أجازته جاز ، وإن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من الشروط قبل النكاح » (١).

وجه الدلالة : إن قوله عليه‌السلام : « إذا شرطت على المرأة شروط المتعة » المراد به شرط ذلك قبل العقد ، كما يجري بين الرجل والمرأة من الكلام قبل العقد ، وكذا كل من المتعاقدين.

وقوله عليه‌السلام : « فاردد عليها شرطك الأول بعد النكاح » المراد به إذا حصل الشروع في العقد وجرى الإيجاب.

وقوله عليه‌السلام : « فإن أجازته جاز » المراد به حصول القبول منها على هذا الوجه.

وقال الشيخ في النهاية : كل شرط يشترطه الرجل على المرأة إنما يكون له تأثير بعد ذكر العقد ، فإن ذكر الشروط وذكر بعدها العقد كانت الشروط التي تقدّم ذكرها باطلة ، فإن كررها بعد العقد ثبت على ما شرط (٢).

حجة الشيخ حسنة عبد الله بن بكير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح ، وما كان بعد النكاح فهو جائز » (٣).

ويمكن أن يريد الشيخ بالنكاح الإيجاب مجازا ، فلا يكون مخالفا لما سبق ، وعليه تحمل الرواية.

فرع : لو تراضيا على شي‌ء قبل العقد ، ثم عقدا ولم يذكراه إما نسيانا أو اعتقاد أن ذكره سابقا كاف عن إعادته في العقد ، ففي صحته مطلقا تمسكا بعموم : ( أَوْفُوا

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٥٦ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٦٤ حديث ١١٣٩.

(٢) النهاية : ٤٩٣.

(٣) الكافي ٥ : ٤٥٦ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٦٢ حديث ١١٣٤.

٣٢

ولو شرط الإتيان في وقت دون آخر لزمه ، وكذا المرة والمرات في المعيّن.

ويجوز العزل وإن لم تأذن ، ويلحق به الولد وإن عزل ، ولو نفاه انتفى ظاهرا من غير لعان.

______________________________________________________

بِالْعُقُودِ ) (١) ، وبطلانه لوقوعه على خلاف القصد وجهان.

قوله : ( ولو شرط الإتيان في وقت دون آخر لزم ).

وجهه : إنّ ذلك شرط لا ينافي مقتضى العقد ، لأنه قد يتعلق الغرض بالاستمتاع في وقت دون آخر ، إما طلبا للاستتار ، أو توفيرا لما سوى ذلك الوقت على باقي مطالبة.

قوله : ( وكذا المرة والمرات في المعيّن ).

أي : وكذا اشتراط الجماع مرة أو مرتين ، ونحو ذلك في الوقت المعيّن ، لمثل ما سبق ، ولو لم يعيّن الوقت بل أطلق المرة والمرتين بطل للجهالة.

قوله : ( ويجوز العزل وإن لم تأذن ، ويلحق به الولد وإن عزل ، ولو نفاه انتفى ظاهرا من غير لعان ).

هنا مباحث :

أ : يجوز العزل عن المرأة في هذا النكاح وإن لم تأذن قولا واحدا ، لأن الغرض الأصلي منه الاستمتاع دون النسل ، بخلاف الدوام وفي مقطوعة ابن أبي عمير قال : « الماء ماء الرجل يضعه حيث شاء ، إلاّ أنه إن جاء بولد لم ينكره » وشدد في إنكار الولد (٢).

ب : إذا أتت بولد لحق به وإن عزل ، لأنها فراش ، والولد للفراش وقد تقدّم في‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٦٤ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٦٩ حديث ١١٥٥ ، الاستبصار ٣ : ١٥٢ حديث ٥٥٨.

٣٣

ولا يقع بها طلاق ، بل تبين بانقضاء المدة ، ولا إيلاء ولا لعان على رأي ، ويقع الظهار على رأي.

______________________________________________________

مقطوعة ابن أبي عمير التصريح بذلك ، وقريب منها رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : أرأيت إن حبلت ، قال : « هو ولده » (١) ، وترك الاستفصال عن العزل وعدمه دليل العموم ، ولا يقدح العزل لأن الماء قد يسبق من غير شعور.

ج : لو نفى ولد المتعة انتفى ظاهرا ولم يتوقف على اللعان ، بخلاف الدوام إجماعا منا ، ولأن فراش المستمتع بها ضعيف ، لأنها كالأمة في بعض الأخبار ، وفي بعضها أنها مستأجرة.

ولا ريب أنه لا يجوز له نفيه بمجرد العزل إذا كان لاحقا به ، لكن لو نفاه انتفى ظاهرا ، فلا تجري عليه أحكام البنوة ظاهرا ، وعليه فيما بينه وبين الله تعالى أن يعمل بما يعلم.

قوله : ( ولا يقع بها طلاق بل تبين بانقضاء المدة ، ولا إيلاء ولا لعان على رأي ، ويقع الظهار على رأي ).

هنا مسائل :

الاولى : لا خلاف بين الأصحاب في أن المستمتع بها لا يقع بها طلاق ، بل تبين بانقضاء المدة ، أو بهبته إياها. وفي رواية محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : قلت : وتبين بغير طلاق؟ قال : « نعم » (٢).

الثانية : لا يقع بها إيلاء على أقوى الوجهين ، لظاهر قوله تعالى ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) (٣) ، وليس في المتعة طلاق ، ولأن من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٦٤ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٦٩ حديث ١١٥٤ ، الاستبصار ٣ : ١٥٢ حديث ٥٥٧.

(٢) الكافي ٥ : ٤٥٩ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٦٦ حديث ١١٤٧ ، الاستبصار ٣ : ١٥١ حديث ٥٥٣.

(٣) البقرة : ٢٢٧.

٣٤

______________________________________________________

وذلك في المتعة منتف ، وبانتفاء اللازم ينتفي الملزوم.

ويحتمل ضعيفا الوقوع ، وهو قول المرتضى (١) ، لعموم لفظ النساء في قوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) (٢) ، ودفع العموم بقوله تعالى ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) (٣) فإن عود الضمير إلى بعض العام يخصصه.

الثالثة : لا يقع بها لعان لنفي الولد ، ولا للقذف. أما الأول فظاهر ، لأن الولد ينتفي بمجرد نفيه قطعا ، ولا خلاف فيه ، إنما الخلاف في وقوع اللعان للقذف.

فقال الأكثر كالشيخ (٤) ، وابن الجنيد ، وأبي الصلاح (٥) ، والمحقق (٦) ، والمصنف : لا يقع ، لصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام : « لا يلاعن الحر الأمة ، ولا الذمية ، ولا التي يتمتع بها » (٧).

ومثله رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٨) ، ومتى ثبت الحكم في الحر فالعبد كذلك ، لعدم القائل بالفرق.

وقال المفيد في الغرية ، والمرتضى بالوقوع (٩) ، لأنها زوجة قطعا ، للعلم بأنها ليست ملك يمين ، وحل الوطء منحصر فيهما. وكل زوجة يقع بها اللعان لعموم قوله‌

__________________

(١) نقله عنه فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ١٣١.

(٢) البقرة : ٢٢٦.

(٣) البقرة : ٢٢٧.

(٤) النهاية : ٥٢٣.

(٥) الكافي في الفقه : ٢٩٨.

(٦) شرائع الإسلام ٢ : ٣٠٧.

(٧) الفقيه ٣ : ٣٤٧ حديث ١٦٦٧ ، التهذيب ٨ : ١٨٨ حديث ٦٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٧٣ حديث ١٣٣٢.

(٨) قرب الإسناد : ٣٢.

(٩) الانتصار : ١١٥.

٣٥

______________________________________________________

تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ) ، (١) ، فإن الجمع المضاف للعموم.

وجوابه : إن ذلك في الدائم ، لأن الكتاب يخص بالسنة ، وقد سبق ذكر المخصص ، والأصح عدم الوقوع.

الرابعة : اختلفوا في وقوع الظهار بها ، فقال الصدوق (٢) ، وابن إدريس : لا يقع (٣) ، لأصالة بقاء الحل ، ولأن المظاهر يلزم بالفئة أو الطلاق ، ولا طلاق في المتعة ، والإلزام بالفئة وحدها بعيد ، واقامة هبة المدة مقام الطلاق مما لا ينتقل الفهم إليه ، على أن المستمتع بها لا حق لها في الوطء فيكف تقع منها المرافعة.

ويؤيده مرسلة ابن فضّال عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا يكون الظهار إلاّ على مثل موقع الطلاق » (٤) ، والمتبادر المماثلة في جميع الأحكام.

وقال الحسن والمفيد والمرتضى وأكثر الأصحاب : يقع (٥) ، لعموم الآية ، فإن المستمتع بها زوجة كما قدمناه ، ولا مخصص في الكتاب ولا في السنة ، والإلزام بأحد الأمرين على ما وردت به السنة لا يقتضي التخصيص ، ولم لا يجوز أن يكون ذلك خاصا بالدائم ، وكذا المرافعة ، ويكون أثر الظهار في المستمتع بها وجوب اعتزال فراشها كما في المملوكة ، والرواية ضعيفة بالإرسال ، مع انتفاء دلالتها فإن المماثلة لا تقتضي العموم ، والأصح الوقوع.

__________________

(١) النور : ٦.

(٢) الهداية : ٧١.

(٣) السرائر : ٣١٢.

(٤) الكافي ٦ : ١٥٤ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ٣٤٠ حديث ٦٣٩ ، التهذيب ٨ : ١٣ حديث ٤٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٦١ حديث ٩٣٥.

(٥) المختلف : ٥٩٩ ، الانتصار : ١١٥ ، الكافي في الفقه : ٢٩٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩.

٣٦

ولا توارث بين الزوجين به ، شرطا سقوط التوارث أولا ، ولو شرطاه فالأقوى بطلان الشرط.

______________________________________________________

قوله : ( ولا توارث بين الزوجين به ، شرطا سقوط التوارث أولا ، ولو شرطاه فالأقوى بطلان الشرط ).

للأصحاب أقوال في ثبوت التوارث في نكاح المتعة :

أحدها : عدم التوارث من الجانبين ، فلا ترث منه ولا يرث منها ، سواء شرطا في العقد التوارث أو عدمه أو لم يشترطا شيئا منهما ، صرح بذلك أبو الصلاح (١) ، وابن إدريس (٢) ، والمصنف ، وجماعة (٣) ، وهو الأصح ، تمسكا بأصالة عدمه ، فإن الإرث حكم شرعي فيتوقف ثبوته على توظيف الشارع.

ولما رواه سعيد بن يسار عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يتزوّج المرأة متعة ولم يشترط الميراث قال : « ليس بينهما ميراث اشترطا أو لم يشترطا » (٤) ، وهي نص في الباب.

وقريب منها رواية جميل بن صالح ، عن عبد الله بن عمر ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة ، قال : « حلال من الله ورسوله ، » قلت : فما حدها؟ قال : « من حدودها ألا ترثك ولا ترثها » (٥).

وجه الاستدلال بها انه عليه‌السلام نفى التوارث من الجانبين وجعله من حدود المتعة ومقتضياتها ، فوجب أن لا يثبت بها توارث مطلقا. أما مع عدم الاشتراط أو مع اشتراط العدم فواضح ، وأما مع اشتراط الإرث ، فلأنه شرط ينافي مقتضى العقد على‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٩٨.

(٢) السرائر : ٣١٢.

(٣) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٣٠٧ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٦٥ حديث ١١٤١ ، الاستبصار ٣ : ١٥٠ حديث ٥٤٨.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٦٥ حديث ١١٤٣ ، الاستبصار ٣ : ١٥٠ حديث ٥٤٩.

٣٧

______________________________________________________

ما دل عليه الحديث ، فوجب أن يكون باطلا.

الثاني : القول بالإرث كالدائم حتى لو شرطا سقوطه بطل الشرط ، ولا يعتبر هذا القول إلاّ مع انتفاء موانع الإرث في النسب كالرق والقتل ، فيكون المقتضي للإرث هو مطلق العقد ، أي الماهية لا بشرط شي‌ء حتى لو شرط فيه عدم الإرث بطل الشرط كالدائم.

وهذا القول منقول عن ابن البراج (١) ، ووجهه إنها زوجة قطعا ، فيندرج في آية توارث (٢) الزوجين عملا بعمومها.

ويضعّف بثبوت المخصص ، فإن الأخبار التي لا سبيل إلى ردها واردة بعدم التوارث في المتعة ، وأن المستمتع بها كالأمة ، وأنها مستأجرة ، فكيف يكون العموم متمسكا.

الثالث : القول بالإرث إذا لم يشترط سقوطه ، فيكون المقتضي للإرث هو العقد بشرط لا شي‌ء ، ولو شرطا ثبوته عند هذا القائل لكان اشتراطا لما يقتضيه العقد.

وهو اختيار المرتضى ، وابن أبي عقيل (٣) ، ووجهه عموم الآية (٤) ، فإن اشترطا عدمه سقط ، لعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٥) ، ولقول الباقر عليه‌السلام في موثقة محمد بن مسلم في المتمتعين : « أنهما يتوارثان إذا لم يشترطاه ، وإنما الشرط بعد النكاح » (٦).

وأجاب الشيخ عن هذا : بأن المراد به اشتراط الأجل ، أي إذا لم يشترطا‌

__________________

(١) المهذب ٢ : ٢٤٣.

(٢) النساء : ١٢.

(٣) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٦١.

(٤) النساء : ١٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

(٦) الكافي ٥ : ٤٦٥ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٦٥ حديث ١١٤٤ ، الاستبصار ٣ : ١٥٠ حديث ٥٥٠.

٣٨

______________________________________________________

الأجل توارثا (١). وهذا وإن كان خلاف الظاهر ، إلاّ أن الجميع بينه وبين ما تقدم لا يكون إلاّ بالخروج عن الظاهر. وأما الاستدلال بعموم الآية فقد بينا ما فيه.

الرابع : القول بأن أصل العقد لا يقتضي التوارث بل اشتراطه ، فلو اشترط ثبت تبعا للشرط ، لعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » ، ولحسنة البزنطي عن الرضا عليه‌السلام في المتعة : « إن اشترطت الميراث كان ، وإن لم تشترط لم يكن » (٢) ، ولصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : « فإن اشترطت الميراث فإنهما على شرطهما » (٣).

وفرّع على هذا لو شرطاه لأحدهما وأغفلا الآخر فيمكن ثبوته من الجانبين تغليبا من أحدهما ، ولو شرطاه لأحدهما ونفياه عن الآخر فالإشكال مع احتمال بطلان شرط الإرث.

ويحتمل صحته وثبوت الإرث لهما ، فيبطل اشتراط نفيه عن الآخر ، والتفات الوجهين إلى أن الزوجية متى اقتضت الإرث وانتفت موانع الإرث المحصورة وجب أن يكون من الجانبين ، وإلاّ انتفى من الجانبين.

ولا ريب في ضعف هذا القول ، لأن ما ليس بسبب شرعا لا يمكن جعله سببا بالاشتراط. والأصح اشتراط الإرث بالبيع ونحوه.

ويمكن تنزيل الروايتين بالحمل على إرادة الوصية باشتراط الإرث في عقد المتعة ، فيكون كالإرث لا إرثا حقيقيا.

واعلم أن قول المصنف : ( ولا توارث بين الزوجين به شرطا سقوط التوارث أو لا ) يتضمن رد كل من القولين الثاني والثالث. وفي قوله : ( ولو شرطا إلى آخره ) رد‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٦٥ ذيل الحديث ١١٤٤ ، الاستبصار ٣ : ١٥٠ ذيل الحديث ٥٥٠.

(٢) الكافي ٥ : ٤٦٥ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٦٤ حديث ١١٤٠ ، الاستبصار ٣ : ١٤٩ حديث ٥٤٦.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٦٤ حديث ١١٤١ ، الاستبصار ٣ : ١٤٩ حديث ٥٤٧.

٣٩

ومع الدخول وانقضاء المدة تعتد بحيضتين ، وإن لم تحض وهي من أهله فبخمسة وأربعين يوما. ومن الوفاة بأربعة أشهر وعشرة أيام وإن لم يدخل ،

______________________________________________________

الرابع.

وقول المصنف : ( فالأقوى بطلان الشرط ) يلوح منه أن العقد لا يبطل ، وينبغي بطلانه أيضا ، لأن التراضي إنما حصل على ذلك الوجه المحكوم ببطلانه.

قوله : ( ومع الدخول وانقضاء المدة تعتد بحيضتين ، وإن لم تحض وهي من أهله فخمسة وأربعين يوما ، ومن الوفاة بأربعة أشهر وعشرة أيام وإن لم يدخل ).

إذا دخل الزوج بها وانقضت مدتها ، أو وهبها أيامها فعدتها حيضتان عند الشيخ في النهاية (١) وجمع من المتأخرين (٢).

فإن كانت في سن من تحيض ولا تحيض فعدتها خمسة وأربعين يوما ، وكذا قال ابن البراج (٣).

وقال أبو الصلاح (٤) وابن حمزة : عدتها قرآن (٥).

وقال المفيد (٦) وابن إدريس (٧) والمصنف في المختلف : عدتها طهران (٨).

__________________

(١) النهاية : ٤٩٢.

(٢) انظر : شرائع الإسلام ٢ : ٣٠٧ ، اللمعة الدمشقية : ١٩٣.

(٣) المهذب ٢ : ٢٤٤.

(٤) الكافي في الفقه : ٣١٢.

(٥) الوسيلة : ٣٨٧.

(٦) المقنعة : ٨٣.

(٧) السرائر : ٣٣٩.

(٨) المختلف : ٥٦٢.

٤٠