جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

______________________________________________________

يكون لها زوج قد أصيب في عقله من بعد ما تزوجها أو عرض له جنون ، قال : « لها أن تنزع نفسها منه إذا شاءت » (١) ، وترك الاستفصال دليل العموم.

ولنا على عدم الثبوت في المرأة وجوب التمسك بلزوم العقد ، فإن استصحاب الحال حجة ، ولن يثبت كون ذلك موجبا للخيار ، وأكثر الأصحاب على خلافه ، والأصل في جانبهم ، فوجب القول بنفيه. ولأن الضرر اللازم بحدوث ذلك في الرجل منتف في المرأة ، لأن للرجل طريقا الى التخلص منها بالطلاق ، فلم يكن المقتضي للفسخ موجودا.

فإن قيل : هذا منقوض بما إذا كان ذلك الجنون قبل العقد.

قلنا : قد خرج هذا بالنص والإجماع ، فيبقى ما عداه على أصل اللزوم.

ومحصل الخلاف هنا يرجع الى شيئين :

أحدهما : اشتراط ثبوت الخيار في تجدد جنون الرجل باستغراقه لأوقات الصلوات.

والثاني : ثبوت الخيار له بتجدد جنون المرأة.

احتج المخالف على الأول باشتهار هذا الحكم بين الأصحاب ، والتصريح بكونه مرويا ، وبأن الضرر لا يكاد يتحقق بدونه ، فإنه إذا كان يعقل أوقات الصلوات فهو كغيره من العقلاء ، وضعف ذلك ظاهر.

وعلى الثاني بعموم قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « إنما يرد النكاح من البرص والجنون والجذام والعفل » (٢) ، وذلك شامل لما قبل العقد وبعده.

والجواب منع الشمول بأن هذا ليس من ألفاظ العموم ، وثبوت الرد في الجملة‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٣٨ حديث ١٦٢٨ ، التهذيب ٧ : ٤٢٨ حديث ١٧٠٨.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٢٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ حديث ٨٨٠.

٢٢١

الثاني : المختصة ، أما الرجل فثلاثة : الجب ، والخصاء ، والعنة.

______________________________________________________

نقول بموجبه في غير المتجدد ، وأما المتجدد فلا دليل عليه ، إذا تقرر ذلك فهنا أمور :

الأول : مقتضى قول المصنف : ( مع سبقه على العقد ) اشتراط تقدم وجوده على صدور العقد ، فالحاصل في زمان العقد لا يفسخ به ، وفيه نظر ، لأن كلا منهما يثبت به الفسخ ، وإنما النزاع في المتجدد بعد العقد. ويمكن دفع الإيراد بأن السابق على العقد صادق على الحادث قبل آخره ، بأن يسير ، لأن العقد إنما يصدق على مجموع الإيجاب والقبول ، وما دام لا يحصل الجزء الأخير لم يتحقق العقد. وفي قول المصنف : ( سقط خيار الرجل ) تسامح فإنه لم يثبت فيسقط.

الثاني : الظاهر أن المتجدد بعد الدخول كالمتجدد قبله للاشتراك في المقتضي ، ولشمول لفظ الرواية له وبه صرح في المختلف (١) ، وحكاه عن ابن الجنيد ، وإطلاق كلام الشيخ في النهاية (٢) يشمله.

الثالث : لا تحتاج المرأة في فسخ النكاح بتجدد جنون الرجل الى طلاق كسائر العيوب ، ولو لا ذلك لم يكن سببا مستقلا في ثبوت الفسخ.

وقال الشيخ في النهاية : إنها إذا اختارت فراقه كان على وليه أن يطلقها (٣) ، وتابعه على ذلك جمع من الأصحاب (٤) ، ومنعه المصنف (٥) ، وابن إدريس (٦) ، وغيرهما (٧).

قوله : ( الثاني : المختصة ، أما الرجل فثلاثة : الجب ، والخصاء ، والعنة.

__________________

(١) المختلف : ٥٥٤.

(٢) النهاية : ٤٨٦.

(٣) النهاية : ٤٨٦.

(٤) منهم ابن البراج في المهذب ٢ : ٢٣٥.

(٥) المختلف : ٥٥٤.

(٦) السرائر : ٣٠٨.

(٧) المحقق في الشرائع ٢ : ٣٢٠.

٢٢٢

أما الجب فشرطه الاستيعاب ، فلو بقي معه ما يمكن الوطء ولو قدر الحشفة فلا خيار.

ولو استوعبت ثبت الخيار مع سبقه على العقد أو على الوطء ، وفي الفسخ بالمتجدد إشكال ، فإن أثبتناه وصدر منها فالأقرب عدم الفسخ.

______________________________________________________

أما الجب فشرطه الاستيعاب ، فلو بقي معه ما يمكن الوطء ولو قدر الحشفة فلا خيار ، ولو استوعب ثبت الخيار مع سبقه على العقد أو على الوطء ، وفي الفسخ بالمتجدد إشكال ، فإن أثبتناه وصدر منها فالأقرب عدم الفسخ ).

القسم الثاني من القسمين ما يختص كل واحد من الرجل والمرأة ، فأما الذي يختص بالرجل فثلاثة : الجب ، والخصاء مكسورا أوله ممدودا ، والعنة.

أما الجب فإنما يثبت به الخيار إذا كان مستوعبا للذكر ، ويتحقق استيعابه إذا لم يبق منه قدر الحشفة ، فإن بقي قدرها فلا خيار لإمكان الوطء حينئذ ، ولا شبهة في ثبوت الفسخ بهذا العيب إذا كان سابقا على العقد ، للنص والإجماع ، ولأنه أشد من العنة وستأتي الأخبار الدالة على الخيار بها.

وإن حدث بعد العقد فقد صرح الشيخ في المبسوط بثبوت الخيار به (١) ، وإطلاق كلامه يقتضي عدم الفرق بين الحدوث قبل الوطء وبعده ، وصرح في موضع آخر منه بالعدم (٢) ، واختاره في الخلاف (٣) ، وهو اختيار ابن إدريس (٤) ، والمصنف في التحرير (٥) ، وذهب هنا إلى ثبوت الخيار لو تجدد قبل الدخول ، وتوقف في المتجدد بعده ، وهو ظاهر اختياره في‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥٠.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٥٢.

(٣) الخلاف ٢ : ٢٢٧ مسألة ١٢٧ كتاب النكاح.

(٤) السرائر : ٣٠٩.

(٥) التحرير ٢ : ٢٨.

٢٢٣

______________________________________________________

المختلف (١).

فيحصل في المسألة ثلاثة أقوال ، يفرّق في الثالث بين الدخول وعدمه.

احتج الشيخ في المبسوط على الأول بعموم الأخبار والإجماع ، وتنقيحه ان النصوص الدالة على الخيار بالجب مطلقة فيشمل الحادث مطلقا. هذا محصل استدلاله ، ولعله يريد بالأخبار مثل ما رواه أبو الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا أتفارقه؟ قال : « نعم إن شاءت » (٢).

وترك الاستفصال دليل العموم ، وهو غير صريح في المدعى.

وعلى الثاني التمسك بلزوم العقد بالاستصحاب ، وثبوت الخيار يحتاج إلى دليل وهو منتف ، وفيه نظر ظاهر.

وأما الثالث فالحجة على الثبوت بالتجدد قبل الدخول ، مع ما تقدم أن العنة يثبت بها الفسخ مع التجدد قبل الدخول ففي الجب أولى ، لأن العنة يمكن زوالها بخلاف الجب ، فإن اليأس من زواله ثابت فحصول الوطء معه ممتنع ، فكان أدخل في سببيته الفسخ.

ومنشأ الاشكال في المتجدد بعد الدخول الالتفات إلى عموم الأخبار ، ومشاركة ما بعد الدخول لما قبله في المقتضي للفسخ ، وهو لزوم الضرر العظيم باليأس من الاستمتاع على مر الزمان ، وإلى أن النكاح عقد لازم.

ولم يثبت شرعا ما يدل على ثبوت الخيار هنا ، والإلحاق بالعنة إنما هو فيما قبل الدخول ، إذ لا خيار لها بعده على ما سيأتي ، ولزوم الضرر هنا منقوض بلزومه في كل ضرر يمنع الوطء إذا يئس من برئه ، ومعارض بضرر الرجل بثبوت الخيار والضرر‌

__________________

(١) المختلف : ٥٥٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٣١ حديث ١٧١٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٩ حديث ٨٩٢.

٢٢٤

______________________________________________________

لا يزال بالضرر.

وقد يرجّح هذا الوجه بما رواه غياث الضبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في العنين : « إذا علم أنه عنين لا يأتي النساء فرّق بينهما ، وإذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرق بينهما والرجل لا يرد من عيب » (١) فإن عموم عدم رد الرجل بالعيب يتناول محل النزاع ، ولا يخرج منه إلاّ ما أخرجه دليل.

وبما رواه إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا تزوج الرجل امرأة فوقع عليها مرة ثم اعرض عنها فليس لها الخيار لتصبر فقد ابتليت ، وليس لأمهات الأولاد ولا الإماء ما لم يمسها من الدهر مرة واحدة خيار » (٢).

ولا يخفى أن قوله عليه‌السلام : « ثم اعرض عنها » مشعر بأن ترك الوطء كان باختياره لا لمانع عرض ، فلا دلالة فيه على محل النزاع. لكن قوله : « لتصبر فقد ابتليت » يشعر بعروض المانع ، إذ لا موقع للأمر بالصبر وذكر الابتلاء على ذلك التقدير.

وبما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من أتى امرأة مرة واحدة فلا خيار لها » (٣).

فهذه الأخبار مخصصة لعموم دلائل الفسخ فكيف كان ، فالقول بعدم الفسخ لا يخلو من وجه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١٠ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٣٥٧ حديث ١٧٠٧ ، التهذيب ٧ : ٤٣٠ حديث ١٧١٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٠ حديث ٨٩٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٣٠ حديث ١٧١٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٠ حديث ٨٩٧.

(٣) الكافي ٥ : ٤١٢ حديث ١٠ ، الفقيه ٣ : ٣٥٨ حديث ١٧٠٩ ، التهذيب ٧ : ٤٣٠ حديث ١٧١٢ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٠ حديث ٨٩٥.

٢٢٥

وأما الخصاء : فهو سل الأنثيين ، وفي معناه الوجاء ، وتفسخ به المرأة مع سبقه على العقد ، وفي المتجدد بعده قول.

______________________________________________________

ويتفرع على القول بثبوت الفسخ هنا ما لو صدر جب الزوج من الزوجة بعد العقد أو بعد الدخول ، وإن كانت عبارة الكتاب لا تدل على الأول ، فإن في ثبوت الفسخ لها وجهين أقربهما عند المصنف عدمه.

وجه القرب : إنّ فعلها ذلك يتضمن رضاها به ، والرضى بالعيب مانع من ثبوت الخيار ، ولأن الضرر اللازم عليها بذلك سقط اعتباره ، لأنها السبب فيه ، ولأن إتلافها ما به منفعة الوطء جار مجرى إتلاف المشتري المبيع فإنه يعد قبضا.

والثاني : الثبوت ، لوجود المقتضي للفسخ وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ صدوره منها وهو غير صالح للمانعية ، فإن المانع من الخيار هو الرضى بالنكاح من العيب لا الرضا بالعيب وهو منتف هنا.

ولمانع أن يمنع كون هذا الإتلاف جاريا مجرى إتلاف المشتري للمبيع ، وإنما هو جار مجرى إتلاف العين المستأجرة في الإجارة ، فما قرّبه المصنف غير ظاهر. وينبغي أن يعلم أن احتمال عدم خيارها هنا إنما يجي‌ء على تقدير صدور الفعل منها مع قصدها إليه ، فلو وقع خطأ أوجبت بعد عمدها خطأ ، كما لو كانت صغيرة أو مجنونة لم يتوجه هذا الاحتمال.

قوله : ( وأما الخصاء فهو سل الأنثيين ، وفي معناه الوجاء ، وتفسخ به المرأة مع سبقه على العقد ، وفي المتجدد بعده قول ).

قد عرفت أن من عيوب الرجل الخصاء ، وهو سل الأنثيين وكيفيته مشهورة. وفي معناه الوجاء بكسر أوله والمد ، وهو رض الخصيتين بحيث تبطل قوتهما.

وقد توجد في كلام بعض المحققين أن الخصي هو مسلول الأنثيين أو‌

٢٢٦

______________________________________________________

موجوؤهما (١).

والقول بكونه عيبا هو المشهور بين الأصحاب ، وقد دلت عليه الأخبار ، مثل موثقة بكير بن أعين عن أحدهما عليهما‌السلام : في خصي دلّس نفسه لامرأة مسلمة فتزوجها ، قال : « يفرّق بينهما إن شاءت ويوجع رأسه » (٢) الحديث.

وفي معناها صحيحة ابن مسكان (٣) ، وغيرها (٤) ، ولأنه في معنى العنة من حيث فوات مقصود العقد به وهو التناسل.

وقيل : إنه ليس بعيب ، لبقاء آلة الجماع وقدرته عليه ، ويقال إنه أقدر عليه ، لأنه لا ينزل ولا يعتريه فتور (٥). وهو مردود بالنص (٦) ، وبأن جهة كونه عيبا غير منحصر في ذلك ، لأن فوات التناسل به جهة يقتضي كونه عيبا ، وكذا لزوم العارية.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن الخصاء يوجب الخيار إذا قارن العقد ، فإن حدث بعده ففي حكمه الأقوال الثلاثة التي سبقت في الجب.

وكلام المختلف (٧) ، وغيره دال على ثبوت الأقوال الثلاثة ، وإن كانت عبارة الكتاب وكلام الشارحين (٨) خاليين من ذلك. والقول بالتفصيل قريب ، ويمكن الاحتجاج له بما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، إن خصيا دلس نفسه لامرأة‌

__________________

(١) قاله الشيخ الطوسي في المبسوط ٤ : ٢٥٠ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٢٣٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٠ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٦٨ حديث ١٢٧٤ ، التهذيب ٧ : ٤٣٢ حديث ١٧٢٠.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٣٢ حديث ١٧٢٢.

(٤) الكافي ٥ : ٤١١ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٤٣٢ حديث ١٧٢١.

(٥) قاله الشيخ في المبسوط ٤ : ٢٦٣ والخلاف ٢ : ٢٢٧ مسألة ١٢٥ كتاب النكاح.

(٦) الكافي ٥ : ٤١٠ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٦٨ حديث ١٢٧٤ ، التهذيب ٧ : ٤٣٢ حديث ١٧٢٠.

(٧) المختلف : ٥٥٤.

(٨) إيضاح الفوائد ٣ : ١٧٦.

٢٢٧

وأما العنة : فهو مرض يعجز معه عن الإيلاج ، ويضعف الذكر عن الانتشار ، وهو سبب لتسلط المرأة على الفسخ بشرط عدم سبق الوطء ، وعجزه عن وطئها ووطء غيرها ، فلو وطأها ولو مرة واحدة ، أو عنّ عنها دون غيرها ، أو عن قبلا لا دبرا فلا خيار.

______________________________________________________

قال : « يفرق بينهما وتأخذ المرأة منه صداقها ويوجع ظهره كما دلس نفسه » (١).

والمراد بالتدليس : التدليس قبل الوطء ، إذ هو الموجب للتعزير ، ولا يضر ضعف السند ، لاعتضاده بفتوى جمع من كبراء الأصحاب.

وقريب منها رواية بكير عن أحدهما عليهما‌السلام (٢).

والمراد بالتزويج المذكور فيها الدخول بقرينة وجوب التعزير ، أما التدليس بعد الدخول ، فإن القول بلزوم النكاح أقوى ، لانتفاء المعارض ، ويأتي مثل التفريع السابق ، والتوجيه واحد.

واعلم أيضا أن قول المصنف : ( وفي معناه الوجاء ) يريد به أنهما متقاربان في المعنى ، فيكون اشتراكهما في الحكم لاشتراكهما في المقتضى. وعلى ما ذكره بعضهم من أن الخصي هو مسلولهما أو موجوؤهما (٣) فالأمر ظاهر.

قوله : ( وأما العنة فهو مرض يعجز معه عن الإيلاج ، ويضعف عن الانتشار ، وهو سبب لتسلط المرأة على الفسخ ، بشرط عدم سبق الوطء وعجزه عن وطئها ووطء غيرها ، فلو وطأها ولو مرة واحدة ، أو عن عنها دون غيرها ، أو عن قبلا لا دبرا فلا خيار ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١١ حديث ٦ ، التهذيب ٧ : ٤٣٢ حديث ١٧٢١.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٠ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٦٨ حديث ١٢٧٤ ، التهذيب ٧ : ٤٣٢ حديث ١٧٢٠.

(٣) قاله الشيخ الطوسي في المبسوط ٤ : ٢٥٠ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٢٣٣.

٢٢٨

______________________________________________________

العنين كسكين من‌ لا يأتي النساء عجزا ولا يريدهن ، وعنن عن امرأته وعن وأعن بضمهن حكم القاضي عليه بذلك ، أو منع عنها بالسحر ، والاسم العنة بالضم ذكره في القاموس (١).

ومقصود البحث أن العنة من جملة عيوب الرجل الذي تسلط المرأة على فسخ نكاحه بالنص المستفيض ، والإجماع من علماء الإسلام إلاّ أبا حنيفة (٢).

وحقيقة العنة أنها مرض يعجز الرجل معه عن الإيلاج ، لأن الذكر يضعف عن الانتشار.

قال المصنف في التحرير : العنن مرض تضعف معه القوة عن نشر العضو بحيث يعجز معه عن الإيلاج ، وهو من عن أي أعرض والعنن الإعراض ، لأن الذكر يعرض إذا أراد الإيلاج (٣) ، هذا كلامه.

وقال قوم : انه مشتق من العنن وهو الإعراض ، لأن الذكر يعرض إذا أراد إيلاجه (٤). وقيل : إنه يعن بقبل المرأة عن يمينه وشماله فلا يقصده (٥) ، وقيل غير ذلك.

فمتى تحققت العنة تسلطت المرأة على الفسخ بشرط أن لا يسبق على عروض العنة وطؤه إياها في هذا النكاح ، فإن سبق ذلك لم يكن لها فسخ ، لما سبق في رواية غياث الضبي « وإذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرق بينهما » (٦). ولا عبرة في وقوعه عليها في نكاح القبل ، لاستقلال كل منهما بحكم ينفرد به عن الآخر. وكذا يشترط في تحقق سبب الفسخ عجزه عن وطئها ووطء غيرها ، فلو عجز عن وطئها وقدر على وطء‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٢٤٩ « عنن ».

(٢) انظر : بدائع الصنائع ٢ : ٣٢٢.

(٣) التحرير ٢ : ٢٨.

(٤) الصحاح ٦ : ٢١٦٦ ، مجمع البحرين ٦ : ٢٨٣ « عنن ».

(٥) مجمع البحرين ٦ : ٢٨٣ « عنن ».

(٦) الكافي ٥ : ٤١٠ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٤٣٠ حديث ١٧١٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٠ حديث ٨٩٦.

٢٢٩

ويثبت الخيار لو سبق العقد أو تجدد بعده ، بشرط عدم الوطء لها ولغيرها.

______________________________________________________

غيرها فليس بعنين ، لامتناع تحقق العنة بدون العجز مطلقا ، وكذا لو عجز عن وطئها قبلا وامكنه الوطء دبرا فلا خيار لها أصلا.

قوله : ( ويثبت الخيار لو سبق العقد أو تجدد بعده بشرط عدم الوطء لها ولغيرها ).

هذا تنقيح لما سبق ، ومحصله انه حيث علم أن العنة مرض يوجب الخيار فلا بد أن يعلم أن محل ثبوت الخيار به ما ذا.

وتحقيقه إنه إذا كان ذلك ثابتا في وقت العقد ثبت لها الخيار قطعا ، وان تجدد بعده قبل الوطء فاللائح من عبارة الشيخ في المبسوط عدم ثبوت الخيار به ، فإنه قال : العيب الحادث بالزوج بعد العقد وكل العيوب يحدث به إلاّ العنة ، فإنه لا يكون محلا ثم يصير عنينا في نكاح واحد ، وعندنا لا يرد الرجل من عيب يحدث به إلاّ الجنون الذي لا يعقل معه أوقات الصلوات (١).

وأكثر الأصحاب على أنه يثبت به الخيار ، وهو المذهب ، والحجة تناول النصوص إياه مثل رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « العنين يتربص به سنة ، ثم إن شاءت امرأته تزوجت وإن شاءت أقامت » (٢) ، وغيرها من الروايات (٣). وإن تجدد بعد الوطء فقضية كلام المصنف أنه لا خيار لها ، وللأصحاب في ذلك قولان :

أحدهما : عدم الفسخ ، وهو مختار الشيخ (٤) ، وأكثر الأصحاب (٥) ، استنادا الى‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٣١ حديث ١٧١٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٩ حديث ٨٩١.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٣١ حديث ١٧١٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٩ حديث ٨٩٣.

(٤) المبسوط ٤ : ٢٦٤ ، النهاية : ٤٨٧.

(٥) منهم ابن الجنيد كما في المختلف : ٥٥٤ ، وابن إدريس في السرائر : ٣٠٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٦٦.

٢٣٠

______________________________________________________

رواية غياث الضبي ورواية إسحاق بن عمار السالفتين ، وأن النكاح قد ثبت ولزم ، والخيار على خلاف الأصل.

والثاني : ـ واختاره المفيد (١) ـ أن لها الفسخ ، للاشتراك في الضرر الحاصل باليأس من الوطء.

ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « العنين يتربص سنة ، ثم إن شاءت امرأته تزوجت وإن شاءت أقامت » (٢).

ورواية أبي الصباح الكناني أنه قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع ابدا اتفارقه؟ قال : « نعم إن شاءت » (٣).

ورواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام كان يقول : يؤخر العنين سنة من يوم ترافعه امرأته ، فإن خلص إليها وإلاّ فرق بينهما فإن رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد سقط الخيار ولا خيار لها » (٤).

والمصنف في المختلف ذكر ما يقتضي ترجيح قول الشيخ ، ثم قال : إن قول المفيد لا يخلو من قوة إلاّ أنه ، الى أن قال : فنحن في ذلك من المتوقفين والأصح قول الشيخ (٥).

واعلم أن قول المصنف ( بشرط عدم الوطء ) يحتمل أن يريد به أن ثبوت الخيار بالعنة قبل العقد وبعده مشروط بذلك ، فيكون التقدير : وثبت الخيار بالعنة قبل العقد‌

__________________

(١) المقنعة : ٨١.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٣١ حديث ١٧١٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٩ حديث ٨٩١.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٣١ حديث ١٧١٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٩ حديث ٨٩٢.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٣١ حديث ١٧١٩ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٩ حديث ٨٩٤.

(٥) المختلف : ٥٥٥.

٢٣١

ولو بان خنثى ، فإن أمكن الوطء فلا خيار على رأي ، وإلاّ ثبت ،

______________________________________________________

وبعده بشرط أن لا يطأها ولا يطأ غيرها.

ويحتمل أن يريد ان ثبوت الخيار بالمتجدد بعد العقد مشروط بذلك ، والتقدير : يثبت الخيار بالمتجدد بعد العقد بشرط أن لا يكون قد وطأها ولا غيرها ، وعلى هذا فاشتراط عدم وطئها واضح ، لأن العنة المتجددة بعد الدخول لا توجب الخيار عند الأكثر.

لكن اشتراط عدم وطء غيرها هنا غير ظاهر ، فإن عموم النصوص بثبوت الخيار يتناول هذا الفرد ، اعني تجدد العنة بعد العقد وقد وطأ غيرها خاصة ، وليس ثم ما يقتضي إخراجه ، فالقول به لا يساعد عليه دليل ، ولعل المصنف لا يريد إلاّ المعنى الأول.

قوله : ( ولو بان خنثى ، فإن أمكن الوطء فلا خيار على رأي ، وإلاّ ثبت ).

أي : لو بان الزوج خنثى ، لأنه المحدث عنه ، وفي التحرير قال : إنه لو بان الزوج أو الزوجة خنثى (١) وهو أولى ، لأن كلا منهما يتصور فيه ظهور ذلك.

واعلم أن ظهور كونه خنثى يقع على حالات ثلاث :

إحداها : أن يكون مشكلا.

الثاني : أن يحكم له بالذكورة أو الأنوثة بعلامة مظنونة كسبق البول من أحد الفرجين.

الثالث : أن يحكم بذلك بعلامة مقطوع بها كالولادة.

أما الحالة الأولى فإن فرضها مشكل ، لأن النكاح لا ينعقد بين الرجل والخنثى ، لإمكان كونه رجلا ولا بينه وبين الأنثى لإمكان كونه امرأة ، لأن صحة النكاح‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٨.

٢٣٢

______________________________________________________

مشروطة بوقوع العقد بين ذكر وأنثى ، وعدم تحقق الشرط يقتضي عدم تحقق المشروط ، ولو لم يتبيّن كونه خنثى مشكلا إلاّ بعد العقد حكمنا بكون النكاح غير معلوم الثبوت.

ولا يضر توهم ثبوته حين وقوعه للجهل بالحال.

ولا ريب أن الحكم بثبوت الخيار وعدمه فرع صحته ، نعم للشيخ قول في الميراث بأن الخنثى المشكل لو كان زوجا أو زوجة أعطى نصف النصيبين (١) ، ومقتضى هذا صحة نكاحه ، فيجي‌ء على قوله احتمال ثبوت الخيار وعدمه ، والعدم قوي ، لانتفاء المقتضي ، ولا شبهة في ضعف ما ذهب اليه الشيخ.

وأما الحالة الثانية والثالثة فإن نكاحه يصح فيهما ، فإذا لم يعلم حاله حين العقد ثم تبيّن بعده ففي ثبوت الخيار قولان للشيخ في المبسوط :

أحدهما : الثبوت ، لحصول نفرة الطبع بذلك ، ولأنه مما يعير به في العادة ، ويحصل بذلك ضرر عظيم ، وإذا لم يستند في وضوحه إلاّ إلى العلامة المظنونة كان ضرر النفرة والعار أشد.

والثاني : العدم ، استصحابا للّزوم ، وثبوت الخيار على خلاف الأصل ، فيتوقف على الدليل ، وهو منتف ، وثبوته بمجرد النفرة والعار في موضع المنع مع بعده ، فإن زيادة ذلك العضو بمنزلة زيادة سلعة ونقبه وهما لا يوجبان الخيار قطعا (٢) ، وهذا أصح.

واعلم أن قول المصنف : ( فإن أمكن الوطء ) تقييد للحكم في المسألة ، فإنه مع عدم إمكان الوطء بشلل العضو أو لشدة صغره في أصل خلقته بحيث لا يساوي قدر الحشفة من مستوي الخلقة يجب الحكم بثبوت الخيار لا محالة.

لكن هذا الخيار ليس منشؤه كونه خنثى ، بل للأمر الزائد على ذلك وهو العنة‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١١٤.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٦٦.

٢٣٣

ولا يرد الرجل بعيب سوى ذلك.

واما : المرأة فالمختص بها سبعة : الجذام ، والبرص ، والقرن ، والإفضاء ، والعمى ، والعرج ، والرتق.

______________________________________________________

أو ما جرى مجراها ، والبحث إنما هو في خصوص كونه خنثى فالمناسب ترك هذا القيد ، لأن حكمه معلوم مما سبق.

قوله : ( ولا يرد الرجل بعيب سوى ذلك ).

لأن هذه العيوب هي التي ورد بها النص وصرح بها أجلة الأصحاب ، وأما ما عداها فلا دليل على ثبوت الخيار به ، ولا يخالف فيه إلاّ نادر من الأصحاب.

فإن اللائح من كلام ابن البراج في المهذب اشتراك الرجل والمرأة في كون كل من الجنون والجذام والعفل والبرص والعمى موجبا للخيار في النكاح (١) ، وكذا ابن الجنيد (٢).

والمذهب خلافه ، تمسكا بظاهر قوله عليه‌السلام : « والرجل لا يرد من عيب » (٣) فإنه حجة فيما لم يخرجه دليل ، ولا دليل على كون المذكورة عيبا في الرجل.

وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل » (٤) ولا دلالة فيه على حكم الرجل ، فإن عمومه معارض بعمومه ، والرجل لا يرد من عيب. واعلم أن العقم ليس عيبا فلا ترد واحد من الرجل والمرأة به إجماعا.

قوله : ( وأما المرأة فالمختص بها سبعة : الجذام ، والبرص ، والقرن ، والإفضاء ، والعمى ، والعرج ، والرتق ).

__________________

(١) المهذب ٢ : ٢٣١.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٥٢.

(٣) الكافي ٥ : ٤١٠ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٣٥٧ حديث ١٧٠٧ ، التهذيب ٧ : ٤٣٠ حديث ١٧١٤.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ حديث ٨٨٠.

٢٣٤

أما الجذام : فهو مرض يظهر معه تناثر اللحم ويبس الأعضاء ، ولا بد وأن يكون بيّنا ، فلو قوى الاحتراق ، أو تعجّر الوجه ، أو استدارت العين ولم يعلم كونه منه لم يوجب فسخا.

______________________________________________________

هذا الاختصاص جار‌ على المختار في المذهب ، وقد قيل : إنها ترد بغير ذلك (١) ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وأما الجذام فهو مرض يظهر معه تناثر اللحم ويبس الأعضاء ، فلا بد أن يكون بينا ، فلو قوى الاحتراق أو تعجر الوجه أو استدارت العين ولم يعلم كونه منه لم يوجب فسخا ).

الجذام : علة صعبة يحمر معها العضو ثم يسود ثم ينقطع ويتناثر نعوذ بالله ، وأكبر ما يكون ذلك في الوجه ، ويتصور في كل عضو ، فمتى ما ظهرت هذه العلة وثبتت بحيث لا يخفى على أحد فلا شك في ثبوت الخيار.

ولو وجدت علاماتها كقوة احتراق العضو واسوداده وتعجر الوجه واستدارة العين على وجه لا يقطع بالعلة لم يثبت.

ولو علم وجود العلة والحالة هذه إما بتصادقهما ، أو بشهادة طبيبين عدلين ثبت لا محالة ، وبدون ذلك فعلى المنكر اليمين ، لعموم قوله عليه‌السلام : « واليمين على من أنكر » (٢) ، ولو ردت والحالة هذه ثبتت باليمين المردودة كما يثبت بالبينة والإقرار.

وينبغي أن يقرأ : ( تعجر ) في قوله : ( أو تعجر الوجه ) بالراء المهملة من العجر ، فإنها تطلق على العيوب ، ومنه قولهم : أطلعته على عجري ومجري ، وقد يراد بها العقد والانتفاخ وجميعها متقاربة ، لأن المراد بها ما يبدو في الوجه من آثار العلة نعوذ بالله منها.

__________________

(١) قاله المفيد في المقنعة : ٨١ ، وسلار في المراسم : ١٥٠.

(٢) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٠ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ حديث ٥٥٣ ، سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢.

٢٣٥

وأما البرص : فهو البياض الظاهر على صفحة البدن لغلبة البلغم ، ولا اعتبار بالبهق ، ولا بالمشتبه به.

______________________________________________________

قوله : ( وأما البرص : فهو البياض الظاهر على صفحة البدن لغلبة البلغم ، ولا اعتبار بالبهق ولا بالمشتبه به ).

البرص : علة معروفة نعوذ بالله منها ، وهي بياض يظهر في البدن منشؤه غلبة البلغم ، وهو غير البهق وقد فرّق الأطباء بينهما : بأن البرص يكون براقا أملس غائضا في الجلد واللحم ، ويكون الشعر النابت فيه أبيض وجلده انزل من جلد سائر البدن ، وإن غرزت فيه الإبرة لم يخرج منه دم بل رطوبة بيضاء.

والبهق بخلافه ، وفي الأكثر يكون مستدير الشكل ، والقول فيه كما سبق في الجذام ، فمتى وجد في المرأة ما يقطع بكونه برصا ولا يخفى على أحد حاله ثبت الخيار ، ومتى وجد بياضا وأمكن كونه برصا وغيره لم يثبت إلاّ بتصادقهما وبشهادة طبيبين عدلين ، لأن المقتضي لثبوت الفسخ هو حصول البرص ، ومع احتمال غيره فالمقتضي منتف.

والنصوص الواردة بثبوت الخيار بالجذام والبرص كثيرة مثل صحيحة داود بن سرحان (١) ، وصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٢) ، ورواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام (٣) ، وإجماع الأصحاب وإطباق أكثر علماء الإسلام على ذلك من الأمور المعلومة.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ حديث ٨٨٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ حديث ٨٨٠.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٧٣ حديث ١٢٩٨ ، التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٦.

٢٣٦

وأما القرن فقيل : إنه عظم ينبت في الرحم يمنع الوطء ، وقيل : إنه لحم ينبت في الرحم يسمّى العفل ، فإن منع الوطء أوجب الفسخ ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

قوله : ( وأما القرن فقيل : إنه عظم ينبت في الرحم يسمى العفل ، فإن منع الوطء أوجب الفسخ ، وإلاّ فلا ).

من عيوب المرأة القرن ، وفي أكثر الأخبار العفل والرتق (١) ولم يذكر القرن ، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : قلت : في الرجل إذا تزوج المرأة فوجدها قرناء الحديث (٢) ، فذكر القرن وفسره بالعفل.

وهكذا فعل ابن الأثير في النهاية قال : القرن بسكون الراء شي‌ء يكون في فرج المرأة كالسن يمنع من الوطء ويقال له : العفل (٣) ، وقريب منه كلام صاحب الصحاح (٤) ، إلاّ أنه قال في موضع آخر : العفل شي‌ء يخرج من قبل النساء وحيا الناقة شبيه بالأدرة التي للرجال والمرأة عفلا (٥) ، ومثل ذلك في القاموس (٦).

وقال ابن دريد في الجمهرة : أن القرناء هي المرأة التي يخرج قرنة رحمها ، قال : والاسم القرن ضبطها محركة ، وفي العفل قال : انه غلظ في الرحم (٧).

وقد اختلف كلام الفقهاء في تفسيره ، والدائر على ألسنتهم فتح الراء ، وعلى ألسنة أهل اللغة تسكينها.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٢٥ حديث ١٦٩٣ ـ ١٦٩٨.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٥ حديث ١٢ ، التهذيب ٧ : ٤٢٧ حديث ١٧٠٢ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٨ حديث ٨٨٨.

(٣) النهاية ٤ : ٥٤ « قرن ».

(٤) الصحاح ٦ : ٢١٨٠ « قرن ».

(٥) الصحاح ٥ : ١٧٦٩ « عفل ».

(٦) القاموس المحيط ٤ : ١٨ « عفل ».

(٧) الجمهرة ٢ : ٧٩٣ « قرن » و ٩٣٧ « عفل ».

٢٣٧

______________________________________________________

قال الشيخ في المبسوط : إنه عظم في الفرج يمنع الوطء ، ثم قال : وقال أهل الخبرة : العظم لا يكون في الفرج لكن يلحقها عند الولادة حال ينبت اللحم في الفرج ، وهو الذي يسمى العفل يكون كالرتق سواء (١).

ومثل ذلك قال المصنف في التحرير لكنه قال فيه : الرتق لحم ينبت في الفرج يمنع دخول الذكر ، قال : والألفاظ الثلاثة مترادفة حينئذ (٢).

وهذا الخلاف وإن كان دائرا بين الفقهاء إلاّ أن منشؤه اختلاف أهل اللغة ، لأن ذلك راجع الى وضع اللفظ ، وذكر الفقهاء إياه لا من حيث خصوص الوضع لأن ذلك من وظيفة اللغوي وحق الفقيه أن يتسلمه منه ، لأن عيوب النساء تزيد وتنقص باعتبار القولين ، فإن كون عيوب المرأة سبعة فقط إنما يستمر على أحدهما خاصة.

ولا يخفى أن الترادف الذي ذكره في التحرير (٣) بين الألفاظ الثلاثة يحصل باعتباره قول ثالث ، فإن الرتق على ما يأتي في كلامه هنا معنى آخر.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المصنف هنا وفي التحرير لم يصرح بترجيح واحد من القولين ، وهو الأنسب لما بينا من أن ذلك ليس وظيفة الفقيه ، نعم تعرضه إلى القولين مما لا يكاد يستغنى عنه ، لما قلناه من اختلاف عدد العيوب باعتبارهما.

وكيف قلنا فلا خلاف في كون كل من القرن والعفل عيبا ، إلاّ أن كونه عيبا مشروط بمنع الوطء ، فلو لم يمنع لم يكن له خيار ، سواء كان لصغر آلته جدا أو لكون المانع قليلا. أما إذا منع فظاهر ، لفوات غرض الاستمتاع ، وأما مع العدم فإنه كسلعة زائدة في غير المحل.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٥٠.

(٢) التحرير ٢ : ٢٨.

(٣) التحرير ٢ : ٢٨.

٢٣٨

وأما الإفضاء : فهو ذهاب الحاجز بين مخرج البول والحيض.

وأما العمى فالأظهر من المذهب أنه موجب للخيار.

ولا اعتبار بالعور ، والعمش ، وقلة النظر لبياض وغيره ، والعمى يوجب الفسخ وإن كانتا مفتوحتين.

______________________________________________________

فرع :

لو لم يستوعب المانع المحل ، لكن منع الزوج الوطء ، اما لكبر آلته ، أو لكون السليم من المحل ضيقا جدا لا يقبل إلاّ الآلة الصغيرة جدا ، فإطلاق النصوص وكلام الفقهاء يقتضي كونه يوجب الخيار.

قوله : ( وأما الإفضاء : فهو ذهاب الحاجز بين مخرج البول والحيض ).

لا خلاف في أن الإفضاء عيب ، وقد روى الشيخ عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه‌السلام : في رجل تزوج امرأة من وليها فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها ، قال : فقال : « إذا دلست العفلاء نفسها والبرصاء والمجنونة والمفضاة وما كان بها من زمانة ظاهرة فإنها ترد على أهلها من غير طلاق » (١) الحديث.

وهو نص في الباب ، وما ذكره المصنف في تفسير الإفضاء هو أحد تفسيريه ، وتفسيره الآخر أنه ذهاب الحاجز بين مخرج البول والغائط ، وإنما اقتصر المصنف على هذا التفسير اكتفاء بما ذكره في موضع آخر وكونه عيبا ، لا يختلف على كل منهما بل على التفسير الآخر أولى ، لبعدها عن الانتفاع بها في الوطء حينئذ.

قوله : ( وأما العمى فالأظهر من المذهب أنه موجب للخيار ، ولا اعتبار بالعور والعمش وقلة النظر لبياض وغيره ، والعمى يوجب الفسخ وإن كانتا مفتوحتين ).

الظاهر من مذهب الأصحاب أن العمى عيب في المرأة ترد به ، نص عليه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٨ حديث ١٤ ، التهذيب ٧ : ٤٢٥ حديث ١٦٩٩.

٢٣٩

______________________________________________________

الشيخ في النهاية (١) ، وأكثر الأصحاب كالمفيد (٢) ، والمرتضى (٣) ، وابن الجنيد (٤) ، وابن البراج (٥) ، وأبي الصلاح (٦) ، وابن إدريس (٧) ، وسلار (٨) ، وابن حمزة (٩).

وظاهر كلامه في المبسوط والخلاف أنه ليس بعيب ، فإنه عدّ عيوب المرأة ستة ثم قال : ومن أصحابنا من ألحق به العمى وكونها محدودة في الزنا (١٠) ، وربما يلوح ذلك من كلام الصدوق في المقنع حيث جعله رواية (١١).

والمذهب هو الأول ، لصحيحة داود بن سرحان عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يتزوج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء ، قال : « ترد على وليها » (١٢) الحديث. وفي معناه ما رواه ابن بابويه في الفقيه عن الباقر عليه‌السلام قال : « ترد العمياء والبرصاء والجذماء والعرجاء » (١٣).

والمراد ردها في النكاح كما فهمه الأصحاب.

حجة المانع صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : « إنما يرد النكاح‌

__________________

(١) النهاية : ٤٨٥.

(٢) المقنعة : ٨٠.

(٣) الناصريات ـ الجوامع الفقهية ـ : ٢٤٨.

(٤) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٥٢.

(٥) قاله في الكامل كما نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٥٢.

(٦) الكافي في الفقه : ٢٩٥.

(٧) السرائر : ٣٠٩.

(٨) المراسم : ١٥٠.

(٩) الوسيلة : ٣٦٧.

(١٠) المبسوط ٤ : ٢٤٩ ، الخلاف ٢ : ٢٢٦ مسألة ١٢٤ كتاب النكاح.

(١١) المقنع : ١٠٤.

(١٢) التهذيب ٧ : ٤٢٤ حديث ١٦٩٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٦ حديث ٨٨٤.

(١٣) الفقيه ٣ : ٢٧٣ حديث ١٢٩٨.

٢٤٠