جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

وإنما تجب النفقة بالتسليم ليلا ونهارا ، فلو سلّمها ليلا فالأقرب عدم وجوب نصف النفقة ويسقط مع سفر السيد بها.

______________________________________________________

قوله : ( وانما تجب النفقة بالتسليم ليلا ونهارا ، فلو سلّمها ليلا فالأقرب عدم وجوب نصف النفقة ، وتسقط مع سفر السيد بها ).

يجب بالنكاح الدائم من الحقوق المالية شيئان : المهر ، والنفقة. أما المهر فإنه يجب كله بالعقد عند المحققين في غير المفوضة ويستقر بالدخول ، ولا يجب تسليم الزوجة إلاّ مع تسليمه.

ولو سافر بها السيد قبل التمكين لم تكن له المطالبة ، بخلاف ما لو مكن منها فلم يتسلم الزوج. وأما النفقة فالمذهب أنها إنما تجب بالتمكين التام شرعا.

إذا تقرر هذا فنقول : انا قد بينا أن الأمة المزوجة لا يجب على السيد تسليمها ليلا ونهارا ، بل ليلا خاصة ، فإن اتفق تسليمها إليه ليلا ونهارا فلا كلام في وجوب جميع النفقة ، وإن سلمها ليلا خاصة ففي النفقة ثلاثة أوجه :

أحدها : وجوب جميعها ، لحصول التمكين التام ، إذ لا يراد منه إلاّ التمكين الواجب شرعا ، لأن غيره غير منظور إليه عند الشارع ، وكما أن المنع من الاستمتاع زمان الحيض والمرض مثلا لا يمنع وجوب النفقة ولا شي‌ء منها ، ومثله منع الزوجة من التسليم قبل الدخول لقبض المهر ، فكذا المنع من الاستمتاع هنا نهارا لا يسقط النفقة.

وفيه نظر ، لأن المنع في المرض والحيض إنما جاء من قبل الشارع لا من قبل الزوجة ، والمنع من التسليم قبل الدخول جاء من قبل الزوج ، لأن هذا المنع إنما يترتب على منعه المهر المستحق بالنكاح ، بخلاف المنع لمصلحة السيد ، لاستيفاء المنفعة المستحقة ، كما لو آجرت الحرة نفسها تعمل نهارا مدة ثم تزوجت في خلالها ، فإن حق المستأجر نهارا مقدّم ، ولا يعد ذلك عذرا في النفقة ولا يجب وإن سلمت نفسها ليلا.

٢٠١

______________________________________________________

وثانيها : ـ وهو الأقرب عند المصنف والأظهر في الفتوى ـ عدم وجوب شي‌ء منها ، لأن مناط الوجوب التسليم التام ، وهو منتف فينتفي الوجوب ، ومما ذكرناه في ضعف الوجه الأول والثالث يتبيّن وجه القرب هنا.

وثالثها : التقسيط ، فيجب نصف النفقة في مقابل التسليم ليلا ، لأنه نصف الزمان عادة ، ويسقط النصف في مقابل المنع نهارا ، لأن التسليم المقتضي للإنفاق قد حصل في بعض الزمان ، والمنع المقتضي للسقوط قد حصل في بعض ، فوجب أن يوفر على كل مقتضاه ، كما لو نشزت الحرة نهارا ثم أطاعت ليلا فإن نفقة النهار تسقط وتجب نفقة الليل.

وقيل في التقسيط : إن نفقة الليل على الزوج فيجب عليه العشاء وما تحتاج إليه من الملبس في الليل ، وعلى السيد الغداء وما تحتاج إليه من الملبس في النهار.

وفيه نظر ، لأن التسليم التام هو التسليم الذي ظاهره عموم الأزمنة وشمول جميع الاستمتاعات. فكما أن التمكين من بعض الاستمتاعات والمنع من بعضها لا يجب معه شي‌ء من النفقة ولا تكون موزعة على الاستمتاعات ، فكذا التمكين في بعض الزمان مع المنع في بعض.

ويزيده بيانا أن الأصل عدم استحقاق النفقة بدون التسليم بجميع الزمان ، ولم يثبت كون التسليم ببعض الزمان سببا في وجوب النفقة أو شي‌ء منها ، فينتفي الوجوب بانتفاء مقتضيه.

هذا كله إذا لم يسافر بها السيد ، فإن سافر بها لم يكلّف الزوج السفر معها ليترتب عليه الإنفاق مع التمكين ، فإذا تخلف سقط وجوب الإنفاق قولا واحدا.

ولا يخفى أن قول المصنف : ( وإنما تجب النفقة بالتسليم ليلا ونهارا ) يقتضي أن لا تجب النفقة بدونه ، وقوله : ( فلو سلّمها. ) إنما يدل على سقوط النصف ، فهو تفريع غير مستحسن.

٢٠٢

ولو قتلها السيد قبل الوطء ففي سقوط المهر نظر ، أقربه العدم ، كما لو قتلها أجنبي أو قتلت الحرة نفسها.

______________________________________________________

فرع :

لو سلّمها إليه قبل السفر فلم يدخل ثم سافر بها وجب على الزوج تسليم المهر ، لأنه غير مشروط بدوام التسليم بخلاف النفقة.

قوله : ( ولو قتلها السيد قبل الوطء ففي سقوط المهر نظر ، أقربه العدم ، كما لو قتلها أجنبي أو قتلت الحرة نفسها ).

لا ريب أن هلاك المنكوحة بعد الدخول لا يسقط المهر ولا شيئا منه ، حرة كانت أو أمة ، سواء هلكت بالموت أو القتل ، لاستقراره بالدخول. أما قبل الدخول ، فإذا قتل السيد الأمة فإن في وجوب المهر وسقوطه وجهين متقابلين ينشأ النظر من الالتفات إليهما :

أحدهما : السقوط ، لأنها فرقة حصلت قبل الدخول من مستحق المهر ، فكان كفسخ الزوجة وردتها قبل الدخول ، ولأن تزويج السيد الأمة بحكم الملك ، فهو كالمعاوضة المالية فقتله إياها قبل الدخول كإتلاف البائع المبيع قبل القبض.

وثانيهما : العدم ، لأنها فرقة حصلت بانتهاء العمر فهي كالموت قبل الدخول.

وهذا إنما يتم على القول بأن المقتول لو لم يقتل لمات ، وهي مسألة كلامية.

وعندي في هذا البناء شي‌ء ، لإطلاق النص (١) بكون الموت موجبا لاستقرار المهر الشامل للموت بالقتل وغيره ، وكونه بحيث يعيش لو لا القتل لا دخل له.

والأقرب من الوجهين عند المصنف الثاني ، ووجه القرب أن المهر قد وجب بالعقد والأصل بقاؤه ، ولم يثبت كون القتل موجبا للسقوط ، والنكاح ليس معاوضة‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٤٧ حديث ٥١٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٤٢ حديث ١٢٢٣.

٢٠٣

______________________________________________________

محضة ، وكون تزويج السيد الأمة بحكم الملك لو أوجب هنا السقوط لأوجبه فيما إذا ماتت حتف أنفها قبل الوطء كما لو باعها فماتت قبل القبض ،

وقد نبّه المصنف على حكم هذه المسألة بذكر مسألتين :

إحداهما : ما إذا قتل الأمة أجنبي.

والثانية : ما إذا كانت الزوجة حرة فقتلت نفسها ، ومقتضى ذلك عدم السقوط فيهما وجها واحدا.

والتحقيق أن الاحتمال متطرق إليهما ، أما إذا قتل الأجنبي الأمة ، فلأنه على اعتبار التزويج بحكم المالية كإتلاف المبيع قبل قبضه ، وهنا ليس للزوج تضمينه شيئا إذ لا يجب سوى عوض النفس ، بخلاف إتلاف المبيع فيلزم السقوط.

وإن كان الحكم به هنا أضعف من الحكم به إذا قتلها السيد ، فإن المهر إنما يسقط بالفسخ إذا حديث من المستحق له. ومثل قتل الأجنبي ما إذا قتلها الزوج ، فإن قتله هنا لا يتضمن القبض ، كما لو قتل العبد المستأجر.

وأما الحرة إذا قتلت نفسها فإن مطلق النكاح فيه شائبة المعاوضة ، فقتلها نفسها قبل الدخول كإتلاف البائع المبيع قبل القبض ، فيلزم السقوط هنا أيضا. وربما فرّق بين الحرة والأمة : بأن الحرة كالمسلمة إلى الزوج بالعقد ، فإن له أن يمنعها من المسافرة ، وليست الأمة كذلك ، لأن للسيد أن يسافر بها. وتأثير هذا الفرق غير واضح ، ولو أثر لزم استقرار مهر الحرة بالعقد مع عدم نشوزها حينئذ.

والمهذب في المسائل كلها عدم السقوط ، لأن النكاح ليس على نهج المعاوضات ، ولا منافع البضع كسائر منافع الأموال ، وقد وجب المهر بالعقد وثبت أن الطلاق يشطره ، والفسخ من قبل الزوجة ومن جرى مجراها يسقطه ، فيقتصر على ذلك ويحكم في باقي الأحوال باللزوم بحكم الاستصحاب ، ولعل المصنف أراد بالأجنبي والحرة ذكر نظير المسألة ، أو أراد أن الحكم بالسقوط فيهما أضعف.

٢٠٤

وإذا عقد لشهادة اثنين لها بالحرية وأولدها ، فعليهما ما أتلفاه عليه من مهر وقيمة الولد لتزويرهما ، وفي تضمينهما ما زاد عن مهر المثل اشكال.

______________________________________________________

قوله : ( وإذا عقد بشهادة اثنين لها بالحرية فأولدها ، فعليهما ما أتلفاه عليه من مهر وقيمة الولد لتزويرهما ، وفي تضمينهما ما زاد عن مهر المثل إشكال ).

أي : إذا عقد على الأمة بشهادة اثنين بكونها حرة ، ثم تبيّن رقها وقد دخل بها وأولدها ، فلا شك في تضمينهما ما أتلفاه عليه بشهادتهما ، وذلك هو المهر وقيمة الولد ، لأنهما غرّاه بشهادتهما فدخل على أن الولد له بغير ضمان شي‌ء وأن النكاح صحيح ، فلما ظهر الخلاف وتبيّن تزويرهما كان له الرجوع عليهما ، لأن المغرور يرجع على من غره.

وقد تقدّم في كلام المصنف في أول باب نكاح الإماء أن الواجب على العاقد هو المسمّى ، ولا ريب أنه قد يزيد على مهر المثل وقد ينقص عنه ، فإن لم يزد فلا شبهة في الرجوع بما اغترم ، وإن زاد فلا شبهة أيضا في الرجوع بقدر مهر المثل.

وأما الزائد فإن في الرجوع به إشكالا ينشأ : من أنهما غراه في ذلك بشهادتهما لها بالحرية ، إذ لولاها لما أصدقها ذلك القدر ، والمغرور يرجع على من غره. ومن أن إصداقها الزيادة إنما كان باختياره ، فإن شهادتهما بالحرية لا توجب اصداق الزائد على مهر أمثالها ، فكان الزوج مستقلا بإتلاف الزائد حيث انه متبرع ببذله ، إذ ليس في مقابله شي‌ء باعتقاده.

ومثله ما لو شهدا بمال لزيد فاشتراه آخر بزائد عن القيمة السوقية ، ثم تبيّن تزويرهما وتعذر استرجاع الثمن ، فإن في تغريم الشاهدين الزائد عن القيمة إشكالا.

ولقائل أن يقول : إن أريد بالتغرير الموجب لاستحقاق الرجوع ما يكون سببا في الغرم في الجملة ، فمعلوم أن الشهادة بالحرية هي الباعث على العقد ، ولها دخل في‌

٢٠٥

ولا يشترط في التحليل تعيين المدة على رأي.

______________________________________________________

كل مهر يذكر في العقد ، فوجب الحكم باستحقاق الرجوع به كائنا ما كان.

وإن أريد به ما يلزم عن الشهادة فمعلوم أن أصل النكاح ليس لازما عن الشهادة ، وإنما هو مستند الى اختيار الزوج ، والشهادة بالحرية من جملة البواعث ، فالحكم بتضمين الزائد له وجه.

إذا عرفت ذلك فهنا مباحث :

الأول : أطلق المصنف في العبارة الشاهدين ولم يصرح بكونهما عدلين ، ومقتضى الإطلاق أن له الرجوع عليهما بما ذكر بشهادتهما وإن لم يكونا عدلين. وكذا أطلق في المختلف (١) وإن كان كلامه الذي ذكره آخرا تحقيقا يقتضي عدالتهما ، إلاّ أن اشتراط العدالة في استحقاق الرجوع بما لزمه غرمه من التغرير لا يظهر وجهه ، فإن المدلّس لا يشترط عدالته في استحقاق الرجوع عليه في صورة التدليس ، ومتى صح عدم اشتراط العدالة فكذا عدم اشتراط التعدد.

الثاني : ظاهر العبارة أنهما إنما أتلفا بشهادتهما المهر وقيمة الولد ، فلا يرجع عليهما بما سواهما. ويمكن أن يقال : إن النفقة من هذا القبيل أيضا ، لأنه إنما بذلها بناء على وجوبها بالزوجية بناء على الحرية وقد ظهر العدم.

الثالث : ينبغي أن يراد بمهر المثل الذي يرجع به جزما : هو مهر مثلها على تقدير كونها حرة ، لأن ذلك هو اللائق بها لو كانت حرة ، فهو يقتضي الغرر لا محالة ، فالزائد عليه هو مناط الاشكال ، وليس المراد به مهر مثلها أمة قطعا وهو ظاهر.

قوله : ( ولا يشترط في التحليل تعيين المدة على رأي ).

قد ذكرنا فيما سبق أن الرأي هو ما عليه أكثر الأصحاب ، وأن القول‌

__________________

(١) المختلف : ٥٦٦.

٢٠٦

وإذا اشترى جارية موطوءة حرم عليه وطؤها قبلا إلاّ بعد الاستبراء.

ويجب على البائع أيضا استبراؤها ، فيكفي عن استبراء المشتري ، ويصدّقه المشتري مع عدالته على رأي.

______________________________________________________

باشتراط التعيين هو قول الشيخ في النهاية (١) ، ويجي‌ء على قول من يرى أن التحليل نكاح منقطع الاشتراط أيضا ، والأصح العدم ، وقد تقدّم البحث في ذلك.

قوله : ( وإذا اشترى جارية موطوءة حرم عليه وطؤها قبلا إلاّ بعد الاستبراء ، ويجب على البائع أيضا استبراؤها فيكفي عن استبراء المشتري ، ويصدقه المشتري مع عدالته على رأي ).

لا ريب أنه إذا اشترى جارية قد علم كونها موطوءة تحتم استبراؤها ، فلا يسقط بعتق ولا غيره إذا كان الوطء من البائع ، وكذا إذا كان من غيره إلاّ أن يكون وطءا يوجب العدة كوطء الزوج في النكاح الدائم والمنقطع ، فإن فيه العدة لا محالة.

ويفهم من قول المصنف : ( حرم عليه وطؤها قبلا ) جواز الوطء دبرا هنا ، وهو غير واضح ، فإن الذي يجوز الاستمتاع به في الأمة المملوكة بالبيع إذا وجب استبراؤها هو ما عدا الوطء على ما سبق ، فلو اقتصر على قوله : ( حرم عليه وطؤها ) كان أولى.

وقد بيّنا أن الاستبراء لا يكفي مطلقا بل في غير المزوجة ، ولعل إطلاقه اعتمادا على ما سبق منه ، وهو أن المزوجة إذا طلقت بعد الدخول اعتدت ، وإن فسخ السيد نكاحها استبرأت.

ولا شك أنه كما يجب على المشتري الاستبراء كذا يجب على البائع الاستبراء من وطئه خاصة ، لقول الصادق عليه‌السلام في رواية عمار : « الاستبراء على الذي يريد أن يبيع الجارية واجب إن كان يطأها » (٢) ، ومفهوم الشرط حجة ، فإذا فعل كفى ذلك‌

__________________

(١) النهاية : ٤٩٤.

(٢) التهذيب ٨ : ١٧٧ حديث ٦٢١ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٣ حديث ١٣٠٣.

٢٠٧

ولو اشتراها حاملا كره له وطؤها قبلا قبل الوضع أو مضي أربعة أشهر وعشرة أيام إن جهل حال الحمل ، لأصالة عدم اذن المولى بالوطء ، فإن علم إباحته إما بعقد أو تحليل حرم الوطء حتى تضع ، وإن علم كونه عن زنا فلا بأس.

______________________________________________________

عن استبراء المشتري إذا علم به.

ولو أخبره فهل يكفي في السقوط اخباره؟ فيه قولان تقدما ، أصحهما أنه يكفي إذا كان البائع عدلا.

قوله : ( ولو اشتراها حاملا كره له وطؤها قبلا قبل الوضع أو مضي أربعة أشهر وعشرة أيام إن جهل حال الحمل ، لأصالة عدم اذن المولى بالوطء. وإن علم إباحته إما بعقد أو تحليل حرم حتى تضع ، وإن علم كونه عن زنا فلا بأس ).

إذا اشترى أمة حاملا فلا يخلو : إما أن يكون الحمل عن زنا ، أو عن وطء صحيح بنكاح شرعي أو ملك ، أو يكون مجهول الحال ، وينبغي أن يكون الوطء ، بشبهة كالنكاح الصحيح ، وبه صرح في المختلف (١).

فإن كان الحمل عن زنا جاز وطؤها عند المصنف مطلقا ، لأن الزنا لا حرمة له ، وإن كان مجهول الحال بحيث لا يعلم فيه الحل وعدمه جاز الوطء عنده أيضا ، لكن يكره إذا لم يمض للحمل أربعة أشهر وعشرة أيام.

أما الجواز ، فلأنه في قوة الزنا ، إذا الحل إنما يكون باذن المولى ، والأصل عدمه.

وأما الكراهية قبل المدة المذكورة فقد احتج لها المصنف في المختلف (٢) بما رواه رفاعة بن موسى النحّاس عن أبي الحسن عليه‌السلام قلت : إن كانت حاملا فما لي‌

__________________

(١) المختلف : ٥٧٢.

(٢) المختلف : ٥٧٢.

٢٠٨

ولو تقايلا البيع وجب الاستبراء مع القبض لا بدونه.

______________________________________________________

منها؟ قال : « لك منها ما دون الفرج حتى يبلغ حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج » (١) فلا دلالة فيها على المدعى بعينه.

وأصالة عدم اذن المولى في الوطء معارض بأصالة الصحة في فعل المسلم ، وبأن إمكان الحل كاف في وجوب الاجتناب ، ولعموم قوله عليه‌السلام في المسبيات : « لا توطأ الحبالى حتى يضعن » (٢) ، فمن ثم كان التحريم أقوى ، وهو اختيار شيخنا الشهيد وبعض المتأخرين.

وإن كان الحمل عن وطء بسبب محترم حرم الوطء حتى تضع عند المصنف (٣) وجماعة ، لعموم قوله تعالى ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (٤) .. (٥).

وأطلق الشيخان حل وطء الأمة الحامل بعد المدة (٦) ، واكتفى المفيد بأربعة أشهر ولم يقيد الحامل بشي‌ء (٧) ، وصرح أبو الصلاح بالتحريم قبل أربعة أشهر وأطلق الحامل (٨) ، وذهب ابن إدريس إلى كراهة الوطء قبلا ، سواء كان الوطء قبل الأربعة أو بعدها (٩) ، محتجا بالأصل ، وبعموم قوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (١٠).

قوله : ( ولو تقايلا البيع وجب الاستبراء مع القبض لا بدونه ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٥ حديث ٢ ، التهذيب ٨ : ١٧٧ حديث ٦٢٢.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٦٣ حديث ٦٧١ ، سنن البيهقي ٧ : ٤٤٩.

(٣) المختلف : ٥٧٢.

(٤) الطلاق : ٤.

(٥) في النسخة الحجرية : ولما رواه كذا بياض ، وفي نسخة « ش » : ولما رواه ، ولم يرد في نسخة « ض » أي شي‌ء.

(٦) النهاية : ٤٩٦.

(٧) المقنعة : ٨٥.

(٨) الكافي في الفقه : ٣٠٠.

(٩) السرائر : ٣١٥.

(١٠) النساء : ٣.

٢٠٩

وإذا طلّق المجعول عتقها مهرا قبل الدخول رجع نصفها رقا لمولاها تستسعى فيه ، فإن أبت كان لها يوم وله يوم في الخدمة ، ويجوز شراؤها من سهم الرقاب.

والأقرب نفوذ العتق والرجوع بنصف القيمة وقت العقد ، كما لو أعتقت المهر قبل الدخول

______________________________________________________

إذا تقايلا المتبايعان‌ فقد انتقل الملك عن المشتري الى البائع ، فإن كان المشتري قد قبض الأمة وجب الاستبراء ، لأنا قد أسلفنا أن جميع أسباب نقل الملك مثل البيع في وجوب الاستبراء ، وبيّنا أن البيع إنما يوجبه مع احتمال الوطء لا بدونه.

فمتى حصل القبض للمشتري وجب بعد التقايل على البائع الاستبراء لا بدونه ، لانتفاء المقتضي ، ومن هذا يعلم أن القبض لا يؤثر في وجوب الاستبراء إلاّ إذا كان الوطء معه ممكنا.

قوله : ( وإذا طلّق المجعول عتقها مهرا قبل الدخول رجع نصفها رقا لمولاها تستسعى فيه ، فإن أبت كان لها يوم وله يوم في الخدمة ، ويجوز شراؤها من سهم الرقاب. والأقرب نفوذ العتق والرجوع بنصف القيمة وقت العقد ، كما لو أعتقت المهر قبل الدخول ).

هذه من جملة أحكام ما إذا أعتق أمته وتزوجها وجعل العتق صداقها ، فهي من تتمة ما سبق ، وتحقيقها أنه إذا جعل العتق للأمة مهرها بالصيغة المعتبرة على ما سبق صح كما حققناه.

فإذا طلقها قبل الدخول وجب أن يعود إليه نصف المهر وقد جعل المهر عتقها وقبضته أن يرجع نصفها رقا لمولاها.

٢١٠

______________________________________________________

ذهب إلى ذلك الشيخ (١) ، وابن حمزة (٢) ، احتجاجا بما رواه يونس بن يعقوب عن الصادق عليه‌السلام : في رجل أعتق أمة له وجعل عتقها صداقها ، ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : « يستسعيها في نصف قيمتها ، فإن أبت كان لها يوم وله يوم في الخدمة » ، قال : « وإن كان لها ولد ادى عنها نصف قيمتها وعتقت » (٣).

وقريب منها رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام (٤) ، ورواية عباد بن كثير البصري عنه عليه‌السلام (٥). وعلى هذا فيجوز شراء نصفها من سهم الرقاب ، لأنه رقيق.

وذهب ابن الجنيد (٦) ، وابن البراج (٧) ، وابن إدريس إلى نفوذ العتق ويرجع الولي عليها بنصف قيمتها (٨) ، واختاره المصنف في المختلف (٩) ، وقربه هنا ، وهو الأصح.

لنا إن العتق صح بالإصداق كما صح النكاح ، ولهذا لو أصدقها رقيقا فأعتقته قبل الدخول ثم طلقها فإن العتق ينفذ ويجب عليها قيمة النصف.

وحقيقة العتق فك الملك وزواله ، وعوده بعد زواله ممتنع ، لوجود المقتضي وانتفاء المانع. قال المصنف في المختلف ونعم ما قال : وكلام الشيخ إنما يتم لو قلنا : إن المرأة لا تملك جميع المهر بالعقد ، بل تملك نصفه والنصف الآخر بالدخول (١٠).

__________________

(١) النهاية : ٤٩٧.

(٢) الوسيلة : ٣٥٩.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٦١ حديث ١٢٤٣ ، التهذيب ٧ : ٤٨٢ حديث ١٩٣٩ ، الاستبصار ٣ : ٢١٠ حديث ٧٦١.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٠٢ حديث ٧١٢ ، الاستبصار ٣ : ٢١٠ حديث ٧٦٢.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٠٢ حديث ٧١٣ ، الاستبصار ٣ : ٢١٣ حديث ٧٦٣.

(٦) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٧٣.

(٧) المهذب ٢ : ٢٤٨.

(٨) السرائر : ٣١٦.

(٩) المختلف : ٥٧٣.

(١٠) المختلف : ٥٧٣.

٢١١

وملك كل من الزوجين صاحبه يوجب فسخ العقد فإن كان المالك الرجل استباح بالملك ، وإن كانت المرأة حرمت عليه ، فإن أرادته أعتقته أو باعته ثم جددت العقد.

______________________________________________________

ورواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : رجل أعتق مملوكته وجعل عتقها صداقها ثم طلقها قال : « مضى عتقها وترد على السيد نصف قيمتها تسعى فيه ولا عدة عليها » (١).

والجواب عن الاخبار المتقدمة الطعن في سندها ، قال المصنف في المختلف : يونس بن يعقوب كان فطحيا قبل وقد رجع ، ورواية أبي بصير مرسلة ، وعباد عامي (٢) ، وهنا كلامان :

الأول : بناء على الأصح الواجب للسيد عليها هو قيمة النصف وفي العبارة نصف القيمة ، وكذا في الرواية ، وفيه تسامح ، لأن التشقيص قد تنقص به القيمة والواجب هو قيمته على تقدير التشقيص ، لأن القيمة بدل منه.

الثاني : إنما تعتبر القيمة وقت العقد ، لأنه وقت ملك المهر ووقت دخوله في ضمان الزوجة ، والطلاق يقتضي عود نصف المعقود عليه للزوج.

واعلم أن في رواية عبد الله بن سنان : أنها تسعى في قيمة النصف ، وهو مشكل ، لأنه دين يجب أن يكون كسائر الديون يجب الانظار به مع الإعسار ، ولم يصرح المصنف بذلك في العبارة بل اقتصر على ذكر الرجوع وهو الأنسب بالحال.

قوله : ( وملك كل من الزوجين صاحبه يوجب فسخ العقد ، فإن كان المالك الرجل استباح بالملك ، وإن كانت المرأة حرمت عليه ، فإن أرادته أعتقته أو باعته ثم جددت العقد ).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٦١ حديث ١٢٤٢ ، التهذيب ٧ : ٤٨٢ حديث ١٩٣٨.

(٢) المختلف : ٥٧٣.

٢١٢

ولا يجوز العقد على المكاتبة إلاّ بإذن مولاها وإن كانت مطلقة فلو علق المولى عتق جاريته بموت زوجها قيل يبطل. وقيل يصح فتعتد عدة الحرة ولا ميراث ، والأقرب ثبوته مع تعدد الورثة.

______________________________________________________

قد سبق في أول‌ الباب أن ملك أي الزوجين كان صاحبه يقتضي فسخ العقد ، وإنما أعاده هنا ليبيّن أن ملك الزوج للزوجة لا يرفع أصل الحل ، لأن النكاح وإن ارتفع إلاّ أنها مملوكة فتحل بملك اليمين فالحل موجود.

والسبب مختلف بخلاف الزوجة إذا ملكت الزوج ، فإن كلا منهما حرام على الأخر ، لأن الحل بملك اليمين من جانب الرجل لا من جانب المرأة قطعا ، فإن أرادت المرأة ورغبت في نكاحه أعتقته ثم جددت النكاح ، أو باعته لغيرها ثم نكحته باذن المولى بعقد مستأنف.

قوله : ( ولا يجوز العقد على المكاتبة إلاّ بإذن مولاها وإن كانت مطلقة ).

سيأتي إن شاء الله تعالى أن المكاتبة لا تخرج عن ملك مولاها بمجرد الكتابة بل بأداء مال الكتابة في محله ، فحينئذ تصير حرة لكنها بالكتابة تنقطع عنها سلطنة المولى في الاكتسابات المحضة كالبيع والشراء ، دون غيرها كالنكاح ، فلا يصح منها بدون اذن المولى سواء كانت الكتابة مطلقة أو مشروطة ، وسواء أدت بعض مال الكتابة وان كان أكثره أو لم تؤد شيئا لبقاء الرق ما بقي شي‌ء منه.

وكما لا تستقل هي بالعقد كذا لا يستقل به المولى.

هذا حكم نكاح الغير لها ، أما المولى فلا يتصور نكاحه إياها بحال ، لامتناع اجتماع العقد والملك ، ووطئها بملك اليمين ممتنع ، لانقطاع سلطنته عنها بالكتابة.

قوله : ( ولو علّق المولى عتق جاريته بموت زوجها قيل : تبطل ، وقيل : يصح فتعتد عدة الحر ولا ميراث ، والأقرب ثبوته مع تعدد الورثة ).

٢١٣

______________________________________________________

هنا بحثان :

الأول : إذا علق المولى عتق جاريته بموت زوجها ، ففي صحة ذلك على أنه تدبير قولان للأصحاب :

أحدهما : ـ واليه ذهب الشيخ (١) ، وابن البراج (٢) ـ الصحة ، ومال اليه المصنف في باب التدبير ، وإن تردد هنا ، لأن العتق يقبل التأخير وقد جاز تعليقه بموت المولى ، فجاز تعليقه بموت غيره ممن له علاقة مثل الزوجية والخدمة ، ولرواية محمد بن حكيم قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن رجل زوّج مملوكته من رجل آخر قال لها : إذا مات الزوج فهي حرة فما الزوج ، فقال عليه‌السلام : « إذا مات الزوج فهي حرة تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ، ولا ميراث لها منه ، لأنها إنما صارت حرة بموت الزوج » (٣).

والثاني : ـ واختاره ابن إدريس (٤) ـ العدم ، لأن التدبير تعليق عتق المملوك بموت سيده دون غيره ، لأنه بمنزلة الوصية ، ولو لا ذلك لم يصح ، فإذا علق بموت غير السيد خرج عن مقتضاه ، فوجب الحكم بفساده ، لأن الأصل في العتق المعلق الفساد إلاّ ما أخرجه الدليل.

ولقائل أن يقول : إن هذا مما أخرجه الدليل ، لأن هذه الرواية المعتضدة بعمل أكثر الأصحاب لا تقتصر عن أن تكون دليلا.

ويؤيدها صحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه‌السلام (٥) ، الدالة على‌

__________________

(١) النهاية : ٤٩٩.

(٢) المهذب ٢ : ٢٥٠.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٠٢ حديث ١٤٤٥ ، التهذيب ٧ : ٣٤٤ حديث ١٤٠٧.

(٤) السرائر : ٣١٧.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٦٤ حديث ٩٦٥ ، الاستبصار ٤ : ٣٢ حديث ١١١.

٢١٤

______________________________________________________

جواز تعليق العتق بموت من جعلت له خدمة المملوك ، فإذا ثبت ذلك لم يخرج التدبير بهذا التعليق عن مقتضاه فلا يكون فاسدا ، وفيه قوة.

الثاني : يتفرع على القول بالصحة مسألتان : إحداهما حكم العدة ، والثانية حكم الميراث. أما العدة من وفاة زوجها فإنها عدة الحرة أربعة أشهر وعشرة أيام ، لأن حريتها متحققة حين موت الزوج ، فلم يتعلق بها حكم الاعتداد إلاّ وهي حرة ، وللتصريح به في الرواية السابقة.

وإنما تتحقق صحة هذا التفريع إذا قلنا : إن الأمة تعتد من وفاة زوجها بشهرين وخمسة أيام ، ولو ساوينا بينها وبين الحرة في العدة كان ذلك ساقطا. وأما الميراث فقد نفاه المصنف في أول كلامه ، وهو الذي وردت به الرواية (١) ، ثم قرّب ثبوته مع تعدد الورثة.

ووجه القرب ما سيأتي في الميراث إن شاء الله تعالى أن المملوك إذا أعتق على ميراث قبل القسمة شارك إن ساوى في الدرجة ، واختص إن كان أولى ، وهذا ثابت مع تعدد الورثة في محل النزاع ، فإن العتق يحصل بالموت والقسمة إنما تكون بعده. ويحتمل المنع ، لإطلاق عدم الإرث في الرواية ، وفيه نظر ، لأنه لا دلالة فيه على كون ذلك مع تعدد الورثة.

ولو سلّم فهذا الفرد خارج بنص آخر ، ولا يخفى أن قول المصنف : ( وقيل : يصح فتعتد عدة الحرة ولا ميراث ) يريد به تفرع كل من الأمرين على القول بالصحة لمكان الفساد.

وقد عرفت امتناع كل منهما على القول بالفساد.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٠٢ حديث ١٤٤٥ ، التهذيب ٧ : ٣٤٤ حديث ١٤٠٧.

٢١٥

ولو ملك المكاتب زوجة سيده ففي الانفساخ نظر.

______________________________________________________

فإن قيل : أحد الأمرين اللذين فرعهما على الصحة عدم الإرث ، وهو ثابت مع القول بالفساد.

قلنا : المتفرع هو احتمال الإرث وعدمه ، وذلك منتف على القول بالفساد ، لامتناع الإرث مع الرق.

فإن قيل : المذكور في كلام المصنف نفي الإرث لا الاحتمال.

قلنا : يحصل ذلك من قوله : ( والأقرب ) ، أو أن المتفرع مجموع الحاصل من عبارته وهو الإرث مع التعدد وعدمه مع عدمه.

قوله : ( ولو ملك المكاتب زوجة سيده ففي الانفساخ نظر ).

أي : ففي انفساخ نكاح السيد نظر ، ومنشأ النظر : من احتمال كونه مالكا بالاستقلال ، ومن احتمال كون الملك في الحقيقة للسيد فيما يعد ملكا للمكاتب ظاهرا ، فعلى الأول يبقى النكاح وعلى الثاني ينفسخ.

وجه الأول : إن الكتابة تقتضي انقطاع سلطنة السيد عن المكاتب ، واستقلاله بالمعاوضات ، وجواز معاملة السيد إياه وتضمينه له ، ولو لا استقلاله بالملك لامتنع ذلك ، والملازمة ظاهرة.

لا يقال : يجوز أن يكون الملك لهما.

لأنا نقول : استحالة كون مجموع الشي‌ء الواحد ملكا لكل واحد من الشخصين دفعة أمر واضح ، على أنه لو كان ملكا للسيد لما استقل فيه بالتصرف بالاكتساب ، ولامتنع معاملة السيد إياه وتضمينه له.

ووجه الثاني : إن الكتابة لا تقتضي الحرية في الحال فيكون رقا إلى زمان أداء مال الكتابة ، إذ لا واسطة بينهما ، وحينئذ فيكون ما يملكه ملكا للمولى ، لأنه إذا كان مالكا لرقبته فملكيته لما يملكه بطريق أولى. ولمانع أن يمنع الأولوية ، وأن يمنع لزوم ملك السيد لما يملكه المكاتب حيث انه باق على الرق ، لثبوت انقطاع سلطنته عنه‌

٢١٦

______________________________________________________

بالنص والإجماع ، ومعها فلا مانع من استقلاله بالملك ، والحكم بجواز المعاملة يدل على ثبوته قطعا ، فحينئذ الأصح عدم انفساخ النكاح.

* * *

٢١٧

الباب الخامس : في توابع النكاح وفيه مقاصد :

الأول : العيب والتدليس ، وفيه فصول :

الأول : في أصناف العيوب ، وينظمها قسمان :

الأول : المشتركة ، وهي الجنون وهو اختلال العقل ، ولا اعتبار بالسهو السريع زواله ، ولا الإغماء المستند إلى غلبة المرة ، بل المستقر الذي لا يزول فإنه كالجنون.

ولا فرق بين الجنون المطبق وغيره.

______________________________________________________

قوله : ( وفيه فصول :

الأول : في أصناف العيوب ، وينظمها قسمان :

الأول : المشتركة ، وهي الجنون ، وهو اختلال العقل. ولا اعتبار بالسهو السريع زواله ، ولا الإغماء المستند الى غلبة المرة ، بل المستقر الذي لا يزول فإنه كالجنون ، ولا فرق بين الجنون المطبق وغيره ).

لا كلام في ثبوت فسخ النكاح لكل من الرجل والمرأة بوجود شي‌ء من العيوب التي سيأتي تعيينها ، وهي أربعة في الرجل وسبعة في المرأة ، وينضمها قسمان : ما يشترك فيه كل منهما ، وما يختص بكل واحد بخصوصه.

الأول : المشترك ، وهو واحد وهو الجنون ، والمراد به اختلال العقل وفساده بأي وجه اتفق ، فإن الجنون فنون ، ولا اعتبار بعروض السهو إذا كان زواله سريعا. وكذا الإغماء العارض ، كغلبة المرة وإن طالت مدته ، أما إذا صار مستقرا بحيث لا يكون مستندا الى المرض فيزول ، ويبقى زوال العقل فإنه حينئذ يوجب الخيار ، ولا فرق في‌

٢١٨

ولكل من الزوجين فسخ النكاح بجنون صاحبه مع سبقه على العقد ، وإن تجدد بعده سقط خيار الرجل دون المرأة ، سواء حصل الوطء أولا.

______________________________________________________

إيجاب الجنون بأقسامه الخيار بين أن يكون مطبقا مستوعبا للزمان وغير مطبق فيكون أدوارا ، لوجود الجنون على كل من التقديرين.

والأصل في كون الجنون عيبا يقتضي الخيار من الجانبين الأخبار المستفيضة عن أهل البيت عليهم‌السلام من أن النكاح يرد بالجنون (١) ، وإجماع الأصحاب وإطباق أكثر أهل الإسلام سوى أبي حنيفة (٢) ، وهنا أمور :

الأول : في قوله : ( وهي الجنون ) تسامح ، لأن الضمير للعيوب المشتركة والجنون أمر واحد فلا يتطابقان ، وكأنه أراد أن كل عيب في نظر الشارع مشترك بين الرجل والمرأة منحصر في الجنون.

الثاني : قوله : ( فإنه كالمجنون ) ايضا لا يخلو من تسامح ، فإن الإغماء إذا صار مستقرا يعد من أقسام الجنون فلا معنى لتشبيهه به.

الثالث : المرة بكسر الميم قال في الصحاح : هي إحدى الطبائع الأربع (٣) ، وقال في الجمهرة : هي أحد أمشاج البدن (٤).

قوله : ( ولكل من الزوجين فسخ النكاح بجنون صاحبه مع سبقه على العقد ، وإن تجدد بعده سقط خيار الرجل دون المرأة ، سواء حصل الوطء أم لا ).

قد سبق كون الجنون من العيوب المشتركة في الجملة ، والغرض هنا تنقيح‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٦ ـ ٤٠٨ حديث ١٤ ـ ١٦ ، الفقيه ٣ : ٢٧٣ باب ١٢٥ ، التهذيب ٧ : ٤٢٢ باب ٣٨.

(٢) اللباب ٣ : ٢٥.

(٣) الصحاح ٢ : ٨١٤ « مرر ».

(٤) الجمهرة ١ : ١٢٧ « مرر ».

٢١٩

______________________________________________________

ذلك ، وجملة القول فيه إن جنون أحد الزوجين إما أن يكون موجودا قبل العقد ، أو يكون قد تجدد بعده ، فإما قبل الدخول أو بعده.

فإن كان موجودا قبل العقد فلا كلام في ثبوت الخيار لكل منهما ، وعن ظاهر كلام ابن حمزة ان الجنون لا يثبت الخيار في الرجل والمرأة ، إلاّ إذا كان بحيث لا يعقل معه أوقات الصلوات (١) ، ووجهه غير ظاهر ، مع أن أكثر الأصحاب على خلافه (٢).

وإن تجدد بعد العقد ففي ثبوت الخيار به أقوال :

أحدها : الثبوت إذا كان بحيث لا يعقل معه أوقات الصلوات ، سواء الرجل والمرأة ، اختاره الشيخ في المبسوط والخلاف (٣) ، وابن البراج في المهذب (٤).

والثاني : الثبوت في الرجل خاصة إذا كان لا يعقل معه أوقات الصلوات ، أما المرأة فإنه لا خيار بتجدد جنونها ، اختاره ابن إدريس (٥).

والثالث : الثبوت في الرجل مطلقا ، سواء عقل مع جنونه أوقات الصلوات ، أم لا دون المرأة فلا يثبت بتجدد جنونها خيار مطلقا ، اختاره المصنف في المختلف (٦) وغيره (٧) ، وهو الأصح.

لنا على الثبوت في الرجل مطلقا وجود المقتضي ، وهو الجنون الثابت بالنص كونه عيبا ، فلا يتقيد بعدم التعقل. ولأن الضرر اللازم على المرأة بالجنون موجود على التقديرين ، وما رواه علي بن أبي حمزة قال : سئل أبو إبراهيم عليه‌السلام عن امرأة‌

__________________

(١) الوسيلة : ٣٦٧.

(٢) منهم الشيخ في المبسوط ٤ : ٢٤٩ ، وابن إدريس في السرائر : ٣٠٨ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٢٣٢.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٥٢ ، الخلاف ٢ : ٢٢٧ مسألة ١٢٧ كتاب النكاح.

(٤) المهذب ٢ : ٢٣٥.

(٥) السرائر : ٣٠٨.

(٦) المختلف : ٥٥٤.

(٧) التحرير ٢ : ٢٨.

٢٢٠