جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

______________________________________________________

بتحليل الصبي ولا المجنون للحجر عليهما مطلقا ، ولا السفيه ولا المفلّس للحجر عليهما في التصرفات المتعلقة بالأموال.

الثالث : كون الأمة مباحة بالنسبة إلى من حلت عليه ، وقد سبق معرفة المحرمات بالنسب والرضاع والمصاهرة وغير ذلك فلا حاجة الى إعادتها.

وخصّ المصنف بالذكر من قد يخفى حكمه ، فمن ذلك المسلمة فإنها لا تحل على الكافر بجميع أنواعه اتفاقا ، ودلائل المنع في الكتاب والسنة كثيرة ، وقد سبق جملة منها ، ومن ذلك المؤمنة فإنها لا تحل على المخالف بجميع أنواعه على المختار بين محققي الأصحاب.

وقد تقدّم جملة من الأخبار الدالة على ذلك ، مثل قوله عليه‌السلام : « العارفة لا توضع إلاّ عند عارف (١) ، وللإجماع المركب ، فإن كل من منع تزويج المخالف منع من تحليل المؤمنة له ، ومن لا فلا ، وقد بيّنا المنع من تزويجه سابقا ، فيثبت المنع هنا بحكم الإجماع.

أما العكس وهو تحليل الكافرة للمسلم والمخالفة للمؤمن فإنه جائز ، لأن هذا في الحقيقة راجع الى ملك اليمين ، وهو جائز بالنسبة إليهما.

ولا يستثني من الكافرة إلاّ الوثنية ، لما تقدّم من الدلائل الدالة على المنع من وطئها بالملك ، ولا يستثني من المخالفة إلاّ الناصبة المعلنة بعداوة أهل البيت عليهم‌السلام فإنها كالكافرة ، وقد ورد : « ان الناصب شر من اليهودي والنصراني » (٢) ، ويثبت من وجوب مجانبتهم والتصلب في مباعدتهم ما يمتنع معه حل الوطء.

ومن المحرمات ذات البعل وذات العدة قطعا فلا تحل بالتحليل ، ولا فرق في العدة بين أن تكون بائنة أو رجعية.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٥٠ حديث ١١.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥١ حديث ١٦ ، علل الشرائع : ٢٩٢.

١٨١

والصيغة وهو لفظ التحليل ، مثل أحللت لك وطأها ، أو جعلتك في حل من وطئها ، والأقرب إلحاق الإباحة به.

ولو قال : أذنت لك ، أو سوّغت ، أو ملّكت فكذلك.

ولا تستباح بالعارية ، ولا بالإجارة ، ولا ببيع منفعة البضع.

______________________________________________________

وهل يجوز إحلالها مدة الاستبراء؟ ينبغي أن يقال : إن كان الاستبراء عن وطء محتمل غير معلوم جاز وإن علم الوطء ، فإن جوزنا ما سوى الوطء من الاستمتاعات فاقتصر على تحليل ما سواه حل ، وإلاّ فلا.

قوله : ( والصيغة : وهو لفظ التحليل ، مثل : أحللت لك وطأها ، أو جعلتك في حل من وطئها ، والأقرب إلحاق الإباحة به. ولو قال : أذنت ، أو سوّغت ، أو ملّكت فكذلك ، ولا يستباح بالعارية ، ولا بالإجارة ، ولا ببيع منفعة البضع ).

الشرط الرابع : الصيغة ، ولا خلاف في اعتبارها ، لأن الفروج لا يكفي في حلها مجرد التراضي ولا أي لفظ اتفق ، بل لا بد من صيغة متلقاة من الشرع ، وقد أجمعوا على اعتبار لفظ التحليل ، وبه وردت النصوص (١) ، فيقول : أحللت لك وطء فلانة ، أو جعلتك في حل من وطئها.

وكذا مقدمات الوطء كالتقبيل ، ولا يكفي : أنت في حل من وطئها ، لعدم كونه صريحا في الإنشاء ، واختلفوا في لفظ الإباحة.

فالأكثر : ـ ومنهم الشيخ في النهاية (٢) واتباعه ، والمرتضى (٣) ، وابن زهرة (٤) ،

__________________

(١) انظر : الكافي ٥ : ٤٦٨ ، التهذيب ٧ : ٢٤١ حديث ١٠٥٢ ـ ١٠٦٣.

(٢) النهاية : ٤٩٦.

(٣) الانتصار : ١١٨.

(٤) الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠.

١٨٢

______________________________________________________

والمصنف في الإرشاد ـ على أنه لا يفيد الحل وقوفا مع ظاهر النصوص ومراعاة الاحتياط ، فإن الأمر في الفروج شديد ، وتمسكا بالأصل فيما عداه.

وذهب في المبسوط (١) ، وابن إدريس (٢) ، ونجم الدين (٣) الى جواز لفظ الإباحة ، وهو مقرّب المصنف لاشتراك الإباحة والتحليل في المعنى ، ويجوز اقامة كل من المترادفين مقام الآخر كما بيّن في الأصول.

لا يقال : فعلى هذا يكفي لفظ العارية ، للاشتراك في المعنى.

لأنا نقول : الأكثر على أنه لا يكفي.

ورواية أبي العباس البقباق عن الصادق عليه‌السلام ، حيث سأله عن عارية الفروج فقال : « حرام » ثم مكث قليلا وقال : « لكن لا بأس بأن يحل الرجل جاريته لأخيه » (٤) نص في المنع ، والأصح الأول.

ويمنع الاكتفاء بالمرادف مطلقا ، فإن في النكاح شائبة العبادة ، وكثير من أحكامه توقيفية والاحتياط فيه من أهم المطالب.

ولو قال : أذنت لك في وطئها ، أو سوغته لك ، أو ملّكتك إياه فعند المصنف أنه كالإباحة في إفادة الحل ، لأنها بمعناها. ويلزمه أن يكون لفظ الهبة كذلك ، لأن وهبت وملّكت بمعنى واحد ، إلاّ أن يقال : إن الهبة لا تتعلق بما سوى الأعيان ، بخلاف التمليك فإنه قد يتعلق بالمنافع كما سبق في الإجارة.

والأصح المنع في الجميع اقتصارا على موضع اليقين.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٥٧.

(٢) السرائر : ٣١٤.

(٣) الشرائع ٢ : ٣١٦.

(٤) الكافي ٥ : ٤٧٠ حديث ١٦ ، التهذيب ٧ : ٢٤٤ حديث ١٠٦٣ ، الاستبصار ٣ : ١٤٠ حديث ٥٠٥‌

١٨٣

ويوكل الشريكان ثالثا ، أو أحدهما الآخر في الصيغة ، فلو باشرا فقال كل منهما : أحللت لك وطأها صح.

ولو قال : أحللت حصتي فإشكال ،

______________________________________________________

وأما بيع منفعة البضع فإنه باطل قطعا ، لأن البيع لا يتعلق بالمنافع. وكذا اجازة الأمة للوطء ، لأن منافع البضع ليست كسائر المنافع تحل بأي سبب اتفق ، بل حلها منوط بالسبب المستفاد من الشرع بخصوصه ، ولا يجوز تعديه ، وليس هذا مما ورد به الشرع.

قوله : ( ويوكل الشريكان ثالثا أو أحدهما الآخر في الصيغة ، فلو باشرا فقال كل منهما : أحللت لك وطأها صح ، ولو قال : أحللت لك وطء حصتي فإشكال ).

ما سبق هو بيان تحليل الأمة من المالك الواحد ، وهذا بيان تحليلها إذا كانت مشتركة ، فإن وكلا ثالثا صحت منه الصيغة قطعا كما يصح منه تزويجها.

وكذا لو وكل أحدهما الآخر ، ولا يقدح كون تصرف أحدهما عن نفسه بالأصالة وعن الآخر بالوكالة ، لأن الاعتبار بوقوع الصيغة باللفظ المعتبر ولا أثر للسبب.

ولو أوقعاها معا مباشرة ، بأن قال كل منهما : أحللت لك وطءها غير مقيد بتحليل بعضها صح أيضا ، لصدور الصيغة المعتبرة من كل منهما.

فإن قيل : لما لم يملك كل واحد منهما إلا بعضها وجب أن لا تعتبر الصيغة منه إلاّ إذا أحل حصته خاصة ، لامتناع تحليل ما عداها منه.

قلنا : المحلل إنما هو الوطء ، وهو أمر واحد لا يقبل التجزئة ولا يتصور حل بعضه وحرمة بعضه ، وإنما يحل مجموعه بتحليلهما ، فتحليل أحدهما إياه جزء السبب ، فإن أحلاه دفعة أو تقدّم أحدهما كان كل منهما معتبرا واقعا الموقع.

وإن قال أحدهما أو كلاهما : أحللت لك حصتي ففي صحة ذلك وافادته الحل‌

١٨٤

وهل هو عقد أو تمليك منفعة؟ خلاف.

______________________________________________________

إشكال ينشأ : من أن تصرف كل واحد منهما إنما هو في حصته ، حتى إذا أحل وطءها فإنما ينصرف ذلك إلى حصته ، لامتناع إحلاله وطء ما سواها ، فإذا صرح بتحليلها خاصة كان أولى بالصحة.

ومن أن الإحلال ليس لحصة كل واحد منهما ، بل للوطء وهو أمر واحد لا يتبعض فيه كما قدمناه ، وحله إنما يكون بتحليلهما إياه ، فلا أثر لتحليل الحصة ، كما أن لكل واحد منهما إذا أراد نكاحها لا يجوز أن يقتصر على إنكاح حصته ، لأن علاقة الزوجية المثمرة لاستحقاق منافع البضع إنما تتعلق بمجموعها دون الأبعاض.

ولأن استفادة حل الفروج بالعقد أمر توقيفي ، فلا يتجاوز فيه موضع اليقين ، وهذا أصح.

إذا تقرر ذلك ، فإن اعتبرنا القبول في التحليل فلا بد من القبول مرتين باعتبار تحليل كل من الشريكين ، أو قبول الوكيل عنه مرتين.

قوله : ( وهل هو عقد أو تمليك منفعة؟ خلاف ).

لما كان حل الفروج منحصرا في العقد والملك بنص القرآن (١) كما قدّمناه ، وكان القول بحل الأمة بالتحليل هو القول المعتبر عند الأصحاب ، بل هو مذهب الأصحاب ، وجب أن لا يكون خارجا عن الأمرين. والمراد بكونه عقدا كونه عقد نكاح ، لأن كونه تمليك منفعة لا ينافي كونه من جملة العقود ، فتعيّن أن يراد كونه عقد نكاح.

والخلاف الذي ذكره المصنف هو ما نقله ابن إدريس (٢) ، فإنه نقل عن المرتضى في الانتصار : إن تحليل المالك جاريته بغير عقد ، والتحليل والإباحة عبارة‌

__________________

(١) النساء : ٣ و ٢٥.

(٢) السرائر : ٣١٣.

١٨٥

______________________________________________________

عنه (١).

ونقل عن الباقين الأكثرين كالشيخين (٢) وغيرهما من المشيخة أنه تمليك منفعة مع بقاء الأصل ، واختار الثاني. وكلام الشيخ في المبسوط (٣) قريب من هذا ، فإنه لما ذكر اختلاف الأصحاب قال : إن منهم من قال : إنه عقد والتحليل عبارة عنه.

ومنهم من قال : هو تمليك منفعة مع بقاء الأصل ، وقوّاه وقال : إنه يجري مجرى إسكان الدار وأعمارها ، قال : ولأجل هذا يحتاج الى أن تكون المدة معلومة ، ومقتضى هذا انه يفتقر الى تعيين المدة.

وقال في النهاية : ويحل له منها مقدار ما يحلله مالكها ، إن يوما فيوما وإن شهرا فشهرا على حسب ما يريد (٤) ، ولم يذكر حكم الإطلاق.

واختار المصنف في المختلف الجواز بغير مدة (٥) ، وفاقا لما يشعر به كلام ابن إدريس (٦). والأصح انه تمليك منفعة ، وأن تعيين المدة غير شرط.

أما الأول ، فلأن الحل دائر بين العقد والملك ، ولما امتنع الأول هنا تعيّن الثاني ، وإنما قلنا : إن كونه عقدا ممتنع ، لأن العقد منحصر في الدوام والمتعة ، وانتفاء الأول ظاهر ، لأن ثبوته يستلزم توقف رفعه على الطلاق ، وأنه يجب بالدخول المهر ، ونحو ذلك‌

__________________

(١) الانتصار : ١١٨.

(٢) الشيخ المفيد في المقنعة : ٨٠ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ٣ : ٧٥.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٤٦.

(٤) النهاية : ٤٩٤.

(٥) المختلف : ٥٧٠.

(٦) السرائر : ٣١٣.

١٨٦

ولو أباح أمته لعبده ، فإن قلنا إنه عقد أو تمليك وأن العبد يملك حلّت ، وإلاّ فلا. والأول أولى ، لأنه نوع اباحة والعبد أهل لها.

______________________________________________________

مما هو معلوم الانتفاء.

وأما انتفاء المتعة فلأنها مشروطة بالمهر ، ولا مهر مع التحليل ، لأن المفهوم من الأخبار أنه تمليك مخصوص لمنفعة مخصوصة شرعا ، فثمرته تقرب من ثمرة العارية. وكذا يشترط في المتعة الأجل ، وهو منتف هنا لما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ويزيد ذلك بيانا أن النكاح عقد لازم ولا شي‌ء من التحليل بلازم ، إلاّ أن يدعي المرتضى لزومه ، وهو بعيد. وإذا انتفى الدوام والمتعة امتنع كونه نكاحا ، فتعيّن كونه من قبيل الملك.

وأما الثاني ، فلأن كون الشي‌ء شرطا في آخر شرعا إنما يكون بتعين الشارع ، وإنما يكون ذلك بالنقل ، والأخبار الواردة في هذا الباب خالية من ذلك ، فالقول بالاشتراط باطل لا محالة ، بل لو شرط مدة كان له الرجوع متى شاء ، لانتفاء المقتضي للزوم ، ولأنه ينزع بنزع العارية.

إذا تقرر ذلك فعلى كل من القولين لا بد من القبول ، أما إذا كان عقد نكاح فظاهر ، وأما إذا كان تمليكا ، فلأنه في معنى هبة المنفعة ، فيكون أيضا من قبيل العقود فاعتبر فيه القبول ، ولأن النكاح مبني على كمال الاحتياط فيراعى فيه وجود ما يقطع بسببيته.

قوله : ( ولو أباح أمته لعبده فإن قلنا إنه عقد ، أو تمليك وأن العبد يملك حلت ، وإلاّ فلا. والأول أولى ، لأنه نوع اباحة والعبد أهل لها ).

اختلف الأصحاب القائلون بحل الأمة بتحليل المولى ، في أنه إذا أحل أمته لعبده هل تحل له بالتحليل على قولين :

١٨٧

______________________________________________________

أحدهما : ـ واختاره الشيخ في النهاية (١) ، والمصنف في المختلف (٢) ، وجماعة (٣) ـ العدم ، لصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، انه سئل عن المملوك أيحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه؟ قال : « لا يحل له » (٤) ، ولأنه نوع تمليك والعبد ليس أهلا له.

والثاني : ـ واختاره ابن إدريس (٥) ـ الحل ، لأنه لا مانع منه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، والأصل الإباحة ، ولعموم قوله تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (٦) ، وقوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (٧).

واعترضه المصنف في المختلف (٨) بوجود المانع ، وهو الخبر الصحيح والدلالة العقلية ، وفي هذا الكتاب بنى الحكم بالحل وعدمه هنا على القولين في المسألة التي قبله أوّلا ، ثم اختار الحل معرضا عن هذا البناء ، لأنه أهل للنكاح قطعا.

وإن جعلناه تمليكا ، فإن قلنا : إن العبد يملك فكذلك ، وإن لم نقل بواحد من الأمرين ـ أعني كونه نكاحا ، أو تمليكا مع القول بأن العبد يملك ـ لم يحل له ، لأن الحل حينئذ دائر مع الملك وهو منتف.

والمراد بالأول في قول المصنف : ( والأول أولى لأنه نوع اباحة. ) هو الحل المستفاد من قوله : ( حلت ) ، فيكون الثاني هو ما دل عليه قوله : ( وإلاّ فلا ) اعني عدم‌

__________________

(١) النهاية : ٤٩٤.

(٢) المختلف : ٥٧١.

(٣) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ١٦٧.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٤٣ حديث ١٠٦٢ ، الاستبصار ٣ : ١٣٧ حديث ٤٩٥.

(٥) السرائر : ٣١٤.

(٦) النساء : ٢٥.

(٧) النور : ٢٣.

(٨) المختلف : ٥٧١.

١٨٨

______________________________________________________

الحل. ومراده أن القول بالحل أولى من غير بناء على أن العبد يملك.

بيانه : انا إذا جعلنا التحليل نكاحا فترتب الحل عليه للعبد من غير نظر الى كونه يملك أو لا يملك أمر واضح.

وإذا جعلناه تمليكا فلا نريد به إلاّ كونه ضربا من ضروب الإباحة ، والعبد أهل لها.

قلت : ما لمحه المصنف هنا ملمح حسن دقيق ، والمنع بناء على التمليك وأن العبد لا يملك كلام ظاهري ، وتحريره إن القدر المعقول من الملك في هذا الباب هو في معنى الإباحة ، والحر والعبد في ذلك سواء.

وبيانه : أن النكاح يفيد ملكية منافع البضع للزوج ، ولهذا يحكم بوجوب مهر المثل على من تولت إرضاع الزوجة على

زوجه ينفسخ به النكاح ، وهذا وإن لم يكن ملكا محضا ، لأن الموطوءة بالشبهة تستحق مهر المثل دون زوجها ، إلاّ أن هذا الإطلاق صحيح عندهم لا يمنع منه مانع ، وهذا القدر يحصل بالتحليل ، بل الحاصل به أضعف منه وإن خص الأول باسم النكاح والثاني باسم الملك.

ولما كان العبد كالحر في استفادة ملكية المنافع في النكاح وجب أن يكون كذلك في التحليل بطريق أولى ، والظاهر أن المراد بالملك في هذا ونظائره الاستحقاق كما نقول فيما إذا نذر زيد لعمرو أن يسكنه داره سنة ، أو يعطيه كذا من ماله أو يطعمه ويسقيه كذا من طعامه وشرابه ، استحق عمرو ذلك وملكه. ولو كان عمرو عبدا لم يتفاوت الحال في الاستحقاق والإطلاق ، ومثله ما لو استحق طلب إنسان إلى مجلس الحكم فإنه يقال ملكه.

ولا يختلف الحر والعبد في هذا الإطلاق ، وحيث لم يعقل من ملك منافع البضع إلاّ هذا القدر في النكاح والتحليل ، وعلمت أن ذلك ثابت للعبد لا محالة ، فالقول بمنع التحليل في حقه لا وجه له.

١٨٩

ويجوز تحليل المدبرة وأم الولد ، دون المكاتبة وإن كانت مشروطة ، والمرهونة.

______________________________________________________

وأما الرواية فإنها غير صريحة بالمنع في صورة النزاع ، إذ لا صراحة فيها بكون الأمة ملكا للمولى ، فجاز أن يكون المسؤول عنه تحليل مولى العبد أمة الغير أو أنه أراد التحليل بدون الصيغة الشرعية.

ويمكن حملها على التقية ، لأن العامة يمنعون التحليل مطلقا ، ولا يخفى أنه لا فرق بين إباحة أمته لعبده أو عبد غيره إذا اذن سيده ، ولعل المصنف إنما لم يعمّم العبارة بحيث يشمل عبد الغير ، لاحتياجه حينئذ إلى التقييد باذن السيد.

قوله : ( ويجوز تحليل المدبرة وأم الولد دون المكاتبة وإن كانت مشروطة والمرهونة ).

كما يجوز تحليل وطء المملوكة القنة كذا يجوز تحليل وطء المدبرة ، لأن التدبير لا يخرج المدبر عن الملك ، ولا يمنع من تصرف المولى فيه ، لبقاء الملك كما كان قبل التدبير ، فإن كونه بحيث يستحق العتق بالموت لا يقتضي خلاف ذلك.

ومن ثم صحت اجارة المدبر وعاريته ، ولا ينافي شي‌ء من ذلك بقاء التدبير ، بخلاف ما لو باعه أو وهبه ، وكذا يجوز تحليل أم الولد ، لما قلناه في المدبرة.

أما المكاتبة فلا يصح تحليلها وإن كانت مملوكة ، لانقطاع سلطنة المولى عنها بالكتابة وتسلطها على منافع نفسها ، ولهذا لا يجوز للمولى وطؤها بحال ، ولا فرق بين كون الكتابة مطلقة أو مشروطة.

وإنما عطف المصنف المشروطة إن الوصلية ، لأنها الفرد الأخفى ، لأن انقطاع السلطنة في الكتابة المطلقة أقوى.

وكذا لا يجوز تحليل أمته المرهونة ، لأنه لا يجوز للراهن التصرف في الرهن لأجل حق المرتهن بوطء ولا غيره إلا باذنه ، وعلى هذا فإذا أحلها للمرتهن حلت ، لانحصار الحق فيهما.

١٩٠

ولو ملك بعضها فإباحته لم تحل ، ولو أحل الشريك حلّت على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ملك بعضها فإباحته لم يحل ، ولو أحل الشريك حلت على رأي ).

لو ملك مالك بعض الأمة فبعضها الآخر إما حر أو مملوك لغيره ، فإن كان حرا فإباحته نفسها لم تحل له ، لأن الحرة إنما تحل بالنكاح دون الإباحة قطعا. وإن كان مملوكا للغير فأحلها الشريك ففي حلها للأصحاب قولان : ، أحدهما : ـ واختاره المصنف ، ومنعه ابن حمزة (١) محتجا بأنه يلزم تبعض سبب البضع ، وقد تقدّم الكلام في ذلك قبل الفصل الثاني في مبطلاته وأن الأصح عدم الحل بذلك ، فلا حاجة إلى إعادته ، وينبغي التنبيه بشيئين :

الأول : موضوع المسألة السابقة وموضوع هذه المسألة متغايران ، فيخرج بذلك عن التكرار. بيانه : إن موضوع السابقة ما إذا كان مزوجا بأمة مشتركة فاشترى نصيب أحد الشريكين ، وموضوع هذه إحلال أحد الشريكين الأمة المشتركة لشريكه وهو أعم من موضوع الأولى.

الثاني : حكى جماعة أن المصنف رحمه‌الله كتب على حاشية كتاب القواعد : إنه رأى والده سديد الدين رحمه‌الله بعد وفاته في النوم فبحث معه في هذه المسألة ومنع الحل فيها ، واحتج بأن سبب البضع لا يتبعض. فأجابه والده بمنع التبعض ، لأن حلها ليس مستندا إلى حل بعضها بالملك وبعضها بالتحليل ليلزم ذلك ، بل هي قبل التحليل حرام وبه يحصل حلها فلا تبعض.

واعترض بأنّ للملك دخلا ولولاه لما حلت ، والتحليل وهو الجزء‌

__________________

(١) الوسيلة : ٣٥٩.

١٩١

ولو أباح الوطء حلّت مقدمات الاستمتاع ، ولو أحل المقدمات أو بعضها لم يحل الباقي ،

______________________________________________________

الأخير من اجزاء السبب فتبعض السبب.

واحتمل شيخنا الشهيد الحل بوجه آخر ، وهو أن التبعض الممنوع منه هو ما يتألف من الملك والتزويج ، أما ما يرجع إلى الملك وحده فلا ، وهو هنا كذلك ، لأن التحليل راجع الى الملك كما حققناه ، فلا يمنع ضمه الى ملك النصف ، كما لو ملك مجموع الأمة بسببين مختلفين كالإرث والبيع ونحوهما ، فإن هذا التبعيض غير قادح قطعا ، وهذا مثله. ولا شك أن ما احتمل محتمل لا يخلو من وجه.

قوله : ( ولو أباح الوطء حلّت مقدمات الاستمتاع ، ولو أحل المقدمات أو بعضها لم يحل الباقي ).

لا ريب أن أعلى مراتب الاستمتاع الوطء ، وما عدا ذلك من نحو لمس وتقبيل وملاعبة وما جرى هذا المجرى فهو دونه ومحسوب من مقدماته ، لأنه لا ينفك من تقدمها عليه غالبا ولا موقع له بدونها.

فإذا أباح مولى الأمة وطأها حل المقدمات لمن أحل له الوطء ، نظرا إلى اقتضائه إياها غالبا ، ولأن تحليل الأقوى يدل على تحليل ما دونه بطريق أولى.

أما لو أحل المقدمات ولم يتعرض للوطء فإنه لا يحل قطعا لانتفاء المقتضي فيستصحب أصل التحريم ، وكذا لو أحل بعض المقدمات لم يحل قطعا ولا البعض الآخر منها ، لانتفاء المقتضي ، ولرواية الحسن بن عطية عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أحل الرجل من جاريته قبلة لم يحل له غيرها ، وإن أحل له منها دون الفرج لم يحل له غيره ، وإن أحل الفرج حل له جميعها » (١) ، وفي معناها غيرها (٢).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٠ حديث ١٥ ، التهذيب ٧ : ٢٤٥ حديث ١٠٦٦.

(٢) الكافي ٥ : ٤٦٨ حديث ٤.

١٩٢

ولا تستباح الخدمة بإباحة الوطء وبالعكس.

ولو وطأ من غير اذن كان زانيا إن كان عالما ، وعليه العقر إن أكرهها أو جهلت ، والولد للمولى ،

______________________________________________________

ولو كان بعض الذي أحله مستلزما لبعض آخر غالبا ، كالتقبيل المستلزم للمس بشهوة لم يبعد استفادة حل الثاني من إحلال الأول.

قوله : ( ولا تستباح الخدمة بإباحة الوطء ، وبالعكس ).

أما الأول ، فلأن الخدمة منفعة لا يتناولها عقد التحليل ولا يقتضيها ، فيبقى على حكم المنع منها استصحابا لما كان.

وأما الثاني وهو العكس ، فلأن حل الوطء له عقد برأسه لا يحل بدونه ، وكذا مقدماته فكيف يحل بإباحة الخدمة.

قوله : ( ولو وطأ من غير اذن كان زانيا إن كان عالما وعليه العقر إن أكرهها أو جهلت والولد للمولى ).

ينبغي أن يكون هذا متصلا بقوله : ( وبالعكس ) ، ليكون ذكره سببا لذكره ، ويجوز أن يكون حكما مستقلا بنفسه ، والأول أحسن.

أي : لو اباحه الخدمة فقد قلنا إنه لا يستبيح الوطء ، فلو وطأ في هذه الحالة من غير اذن ، والمراد من غير اذن يقتضيه ، وهو الاذن المستفاد من عقد التحليل.

فإما أن يكون عالما بالتحريم أو جاهلا به ، اما لجهله بها كأن ظنها أمته ، أو لتوهمه أن اباحة الخدمة يقتضي حل الوطء.

فإن كان عالما بالتحريم فهو زان لا محالة يجب حده ، ثم هي إما أن تكون مطاوعة أو مكرهة ، فإن طاوعت فإما أن تكون عالمة بالتحريم أو لا ، فإن كانت مكرهة أو جاهلة بالتحريم فعليه العقر لمولاها ، وهو العشر إن كانت بكرا ونصف العشر إن كانت ثيبا ، لما ذكر في نظائره غير مرة.

١٩٣

ولو جهل فالولد حر وعليه القيمة.

وولد التحليل حر بشرط الحرية أو أطلق ، ولا شي‌ء على الأب على رأي.

______________________________________________________

ويجب مع العقر أيضا أرش البكارة ، لأن إزالتها جناية خارجة عن عوض الوطء ، وإن كانت عالمة بالتحريم ففي وجوب العقر اشكال ، تقدّم في كلام المصنف ذكره غير مرة.

وقد نقحناه في أول هذا الباب ، وقد بينا أنه لا مهر في مثل هذا ، لأنها بغي ، نعم يجب أرش البكارة ، لأنها جناية مستقلة ، وليس من المهر في شي‌ء.

وهذا الحكم وهو عدم وجوب المهر مع علمها بالتحريم ومطاوعتها مستمر مع علمه وجهله ، فحقه أن يكون قوله : ( وعليه العقر ) مستقلا غير متصل بكونه عالما.

إلاّ أن قوله : ( والولد للمولى ) يقتضي اتصاله به ، فإن الولد إنما يكون للمولى إذا لم يكن لاحقا بالواطئ ، وإنما يكون ذلك إذا كان عالما.

قوله : ( ولو جهل فالولد حر وعليه القيمة ).

أي : لو جهل الواطئ التحريم فالولد حر ، وذلك لأنه نسبه لكن عليه قيمته يوم سقوطه حيا لمولى الأمة ، لأنه نماء ملكه وقد فات منه بغير اذنه فوجب عوضه ، وهو قيمته لو كان رقيقا في أول أوقات إمكان تقويمه ، وهو حين سقوطه حيا ، ولو حصل للأمة نقص بسبب ذلك وجب أرشه.

قوله : ( وولد التحليل حر شرط الحرية أو أطلق ، ولا شي‌ء على الأب على رأي ).

للولد الحاصل بالتحليل ثلاثة أحوال : أن يشترط الأب على المولى حريته في عقد التحليل ، وأن يشترط المولى رقيته ، وأن يطلق العقد بحيث يخلو من الأمرين.

فإن شرطا الحرية فالولد حر إجماعا ، ولا قيمة على الأب هنا إجماعا.

١٩٤

______________________________________________________

وإن أطلقا العقد فلأصحاب قولان :

أحدهما : إنه رق ، اختاره الشيخ في النهاية والمبسوط ، قال في النهاية : متى جعله في حل من وطئها وأتت بولد كان لمولاها ، وعلى أبيه أن يشتريه بماله إن كان له مال ، وإن لم يكن له مال استسعى في ثمنه (١).

وقال في المبسوط في خلال استدلاله على أن التحليل نوع تمليك لا عقد : ويكون الولد لاحقا بأمه ويكون رقا ، إلاّ أن يشترط الحرية ، ولو كان عقدا بمعنى التحليل للحق بالحرية على كل حال (٢).

والثاني : إنه حر ، ذهب اليه المرتضى (٣) ، وابن إدريس (٤) ، وجمع من المتأخرين (٥) منهم المصنف ، واختاره الشيخ في الخلاف (٦) ، وهو الأصح.

لنا أن الحرية مبنية على التغليب والسراية ، ولهذا يسري العتق بأقل جزء يتصور ، ولا شبهة في أن الولد متكون من نطفة الرجل والمرأة كما نطق به القرآن العزيز ، فيغلب جانب الحرية ولموثقة إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحلل جاريته لأخيه ـ إلى أن قال ـ : قلت : فجاءت بولد قال : « يلحق بالحر من أبويه » (٧).

ولحسنة زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الرجل يحل جاريته لأخيه قال : « لا بأس » ، قال : قلت : فإن جاءت بولد قال : « يضم إليه ولده وترد الجارية على‌

__________________

(١) النهاية : ٤٩٤.

(٢) المبسوط ٤ : ٢٤٦.

(٣) نقله عنه فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ١٦٨.

(٤) السرائر : ٣١٣.

(٥) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٣١٧ ، والمقداد السيوري في التنقيح ٣ : ١٧٧.

(٦) الخلاف ٢ : ١٧٠.

(٧) التهذيب ٧ : ٢٤٧ حديث ١٠٧١ ، الاستبصار ٣ : ١٣٩ حديث ٥٠٠.

١٩٥

______________________________________________________

صاحبها » ، قلت له : انه لم يأذن في ذلك ، قال : « انه قد اذن له وهو لا يأمن أن يكون ذلك » (١).

وغير ذلك من الأخبار (٢).

احتج الشيخ بما رواه ضريس بن عبد الملك قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحلل لأخيه فرج جاريته ، قال : « هو له حلال » ، قلت : فإن جاءت بولد منه قال : « هو لمولى الجارية ، إلاّ أن يكون قد اشترط على مولى الجارية حين أحلها إن جاءت بولد فهو حر » (٣).

وفي معناها رواية الحسين العطار عنه عليه‌السلام (٤).

وجوابه : إن الروايات من ذلك الجانب أكثر وأشهر بين الأصحاب وأوضح طريقا ، فلا تصلح هذه لمعارضتها.

وإن شرطا الرقية ، وهي الحالة الثانية ولم يتعرض إليها المصنف.

فعلى قول الشيخ في النهاية والمبسوط (٥) الشرط تأكيد لمقتضى التحليل ، ويترتب عليه عدم وجوب الفك على الأب ولا السعاية ، وعلى القول بانعقاده حرا المشهور بين الأصحاب صحة الشرط.

قال شيخنا في شرح الإرشاد : ولا قاطع يدل عليه بل ولا حديث ولهذا توقف فيه المحقق ، ثم قال : ويمكن الاستدلال باشتهاره بين الأصحاب وعدم علم المخالف‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٤٧ حديث ١٠٧٣ ، الاستبصار ٣ : ١٣٩ حديث ٥٠٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٤٦ حديث ١٠٧٠ ، الاستبصار ٣ : ١٣٩ حديث ٤٩٩.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٤٦ حديث ١٠٦٨ ، الاستبصار ٣ : ١٣٨ حديث ٤٩٧.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٤٦ حديث ١٠٦٩ ، الاستبصار ٣ : ١٣٨ حديث ٤٩٥.

(٥) النهاية : ٤٩٤ ، المبسوط ٤ : ٢٤٦.

١٩٦

الفصل الرابع : في بقايا مسائل متبددة :

يكره وطء الفاجرة ، والمولودة من الزنا ، وأن ينام بين حرتين ، وأن يطأ حرة وفي البيت غيره ، ولا بأس بهما في الإماء.

______________________________________________________

وعموم : « المسلمون عند شروطهم » (١).

أقول : قد بيّنا فيما سبق الدليل الدال على عدم صحة هذا الشرط في النكاح ، وهذا بعينه آت هنا ، إلاّ أن يبلغ فتوى الأصحاب هنا مبلغ الإجماع ، فيكون هو الحجة.

إذا عرفت ذلك فقول المصنف : ( شرط الحرية أو أطلق ولا شي‌ء على الأب ) يريد به كون الرأي في الحرية وعدم وجوب شي‌ء على الأب مع الإطلاق ، فإن مع اشتراط الحرية لا خلاف في الحكمين.

قوله : ( الفصل الرابع : في بقايا مسائل متبددة ).

إنما كانت هذه المسائل متبددة ، لأنها من أبواب شتى حاول بها تكميل المباحث السابقة.

قوله : ( يكره وطء الفاجرة والمولدة من الزنا ، وأن ينام بين حرتين ، وأن يطأ حرة وفي البيت غيره ، ولا بأس بهما في الإماء ).

لا شبهة في كراهية وطء الزانية بالعقد والملك ، لما فيه من العار وخوف اختلاط الماءين ، وكذا يكره وطء المولودة من الزنا لكل من الأمرين. روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام عن الخبيثة يتزوجها الرجل قال : « لا ، وإن كانت أمة فإن شاء وطأها ولا يتخذها أم ولد » (٢).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٢ حديث ٩٣ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٧ حديث ٩٨ و ٩٩.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥٣ حديث ٤ ، التهذيب ٨ : ٣٠٧ حديث ٧٣٣.

١٩٧

وللسيد استخدام الأمة نهارا ، وعليه تسليمها إلى زوجها ليلا.

وهل له إسكانهما في بيت في داره ، أو للزوج إخراجها ليلا؟ نظر أقربه الأخير.

______________________________________________________

والمراد بذلك أن يعزل عنها حذرا من حملها.

وكذا يكره النوم بين حرتين ، لما فيه من الامتهان لهما ، بخلاف الأمتين. وكذا يكره أن يطأ الحرة وفي البيت غيره ، ولا بأس بذلك في الأمة.

وينبغي تقييد الغير بكونه مميزا ، روى الكليني بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده لو أن رجلا غشي امرأته وفي البيت مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح أبدا إن كان غلاما كان زانيا ، أو كانت جارية كانت زانية » (١).

وروى الشيخ بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام قال : « لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي ، فإن ذلك مما يورث الزنا » (٢).

وقول المصنف : ( ولا بأس به في الإماء ) يريد به النوم بين أمتين ووطء المرأة وفي البيت غيره.

قوله : ( وللسيد استخدام الأمة نهارا ، وعليه تسليمها الى زوجها ليلا وهل له إسكانها في بيت في داره ، أم للزوج إخراجها ليلا؟ نظر أقربه الأخير ).

إذا زوّج السيد أمته لم يلزمه تسليمها الى الزوج ليلا ونهارا قطعا ، بل يستخدمها نهارا ويسلمها إلى الزوج ليلا ، لأن السيد يملك من أمته منفعة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٠٠ حديث ٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤٩٩ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٤١٤ حديث ١٦٥٥.

١٩٨

______________________________________________________

الاستخدام ومنفعة الاستمتاع ، فإذا زوجها فقد عقد على احدى منفعتيها ، وبقيت المنفعة الأخرى يستحق استيفاءها في وقتها وهو النهار ، كما لو آخر الأمة فإنه يسلمها للمستأجر وقت الاستخدام وهو النهار ، ويمسكها ليلا لاستيفاء المنفعة الأخرى.

ولو أراد أحدهما تسليمها نهارا للاستمتاع بدلا من الليل لم يلزم الآخر إجابته ، لأن الليل وقت الاستراحة والاستمتاع ، وعليه التعديل في القسم بين النساء. إذا تقرر ذلك.

فلو قال السيد : لا أخرجها من داري لكن أفرد لكما بيتا لتخلوا فيه ، فأبى الزوج إلاّ إخراجها ليلا ، ففي تقديم اختيار السيد أو الزوج نظر ، ينشأ من احتمال كل منهما : أما السيد ، فلأنه يستحق دوام يده على ملكه ، فإذا لم يناف حق الزوج حيث يتمكن من الوصول الى حقه كان فيه الجمع بين الحقين.

وأما الزوج ، فلأن له على الزوجة حق التبعية ، لقوله تعالى ( الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) (١) فتعين المكان اليه ، ولأن الحياء والمروة يمنعانه من دخول دار السيد ، ولأن التسليم ليلا إلى الزوج يجب أن يكون تاما ، لانقطاع حق السيد عنها في الليل ، ولا يكون تاما إلاّ بما قلناه.

ولقوة دلائل هذا الوجه على الذي قبله كان هو الأقرب عند المصنف ، والأصح في الفتوى.

ووجه ضعف ما قبله أن لمانع أن يمنع أن للسيد ادامة يده على الأمة ليلا ، لأنه لما عقد على منفعة الليل انقطعت سلطنته عنها ليلا. وكذا له أن يمنع أن في ذلك جمعا‌

__________________

(١) النساء : ٣٤.

١٩٩

ولو كانت محترفة وأمكنها ذلك في يد الزوج ، ففي وجوب تسليمها إليه نهارا اشكال.

وللسيد أن يسافر بها ، وليس له منع الزوج من السفر ليصحبها ليلا ،

______________________________________________________

بين الحقين ، فإن حق الزوج هو التسليم التام ولا يحصل بذلك.

قوله : ( ولو كانت محترفة وأمكنها ذلك في يد الزوج ، ففي وجوب تسليمها الى الزوج نهارا إشكال ).

أي : لو كانت الجارية المزوجة ذات حرفة ، وأمكنها عمل تلك الحرفة في يد الزوج ، فقال : دعوها تحترف للسيد في يدي ، ففي وجوب تسليمها إليه نهارا إشكال ينشأ : من أن المانع من تسليمها اليه نهارا هو فوات حق السيد ، وفي الصورة المذكورة المانع المذكور منتف فوجب التسليم.

ولأن لكل من السيد والزوج حقا متعلقا بها ، ومع التسليم على الوجه المذكور يحصل الجمع بين الحقين فكان واجبا. ومن أن حق كل منهما اختص بزمان ، نظرا إلى ارتباطه به غالبا ، فحق الزوج مناطه الليل ، لأنه محل الاستمتاع غالبا ، وحق السيد مناطه النهار كذلك ، فلا يتغير ذلك بحدوث حالة نادرة ، على أن حق السيد ليس منحصرا في الحرفة. وقد يبدو له فيريد استخدامها وهذا أصح ، ومن هذا البيان يظهر انتفاء الجمع بين الحقين بذلك.

قوله : ( وللسيد أن يسافر بها ، وليس له منع الزوج من السفر ليصحبها ليلا ).

إذا أراد السيد أن يسافر بالأمة المزوجة كان له ذلك ، ولم يكن للزوج المنع ، وذلك لأن السيد مالك للرقبة وإحدى المنفعتين ، وليس للزوج إلاّ المنفعة الأخرى فكان جانبه أقوى من جانب الزوج ، فلو أراد الزوج والحالة هذه أن يسافر معه ليستمتع بها ليلا لم يكن للسيد منعه ، لأن ذلك حق ثابت له.

٢٠٠