جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٧

الفصل الثاني : في مبطلاته ، وهي ثلاثة : العتق ، والبيع ، والطلاق.

المطلب الأول : في العتق :

إذا أعتقت الأمة وكان زوجها عبدا ، كان لها الخيار على الفور في الفسخ والإمضاء ، سواء دخل أو لا ،

______________________________________________________

كان الأولى القول بكون العقد موقوفا ، حذف وعوض التنوين عنه.

قوله : ( الفصل الثاني : في مبطلاته ، وهي ثلاثة : العتق ، والبيع ، والطلاق ).

الضمير في ( مبطلاته ) يعود إلى العقد على الإماء ، وسمّى العتق والبيع والطلاق مبطلات له مجازا ، من حيث ان كلا من العتق والبيع يؤل إلى إبطاله في كثير من الصور ، وليس جميع أقسامهما مبطلة له ، فإن من أعتق مملوكته المزوجة تخيّرت كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ولو باعها تخيّر المشتري ، ولو كانت موطوءة له حرم وطؤها بالعتق والبيع ، وهنا كلام وهو أن مبطلات نكاح الإماء لا ينحصر فيما ذكره ، فإن اللعان من المبطلات على قول ، والفسخ بالعيب والإسلام والارتداد كذلك ، وكذا أمر المولى عبده باعتزال زوجته مملوكة المولى ومنع المحلل له.

قوله : ( المطلب الأول : في العتق. إذا أعتقت الأمة وكان زوجها عبدا كان لها الخيار على الفور في الفسخ والإمضاء ، سواء دخل أو لا ).

لا خلاف بين العلماء في أن الأمة المزوجة بعبد إذا أعتقت ثبت لها الخيار ، لما روى العامة والخاصة أن بريرة عتقت فخيّرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورووا‌

١٠١

إلاّ إذا زوّج ذو المائة أمته في حال مرضه بمائة وقيمتها مائة ثم أعتقها ـ ، لم‌

______________________________________________________

أن زوجها كان عبدا ، وفي بعض الأخبار أن اسمه مغيث (١). والسر في ذلك حدوث الكمال لها وبقاء النقص بالعبودية للزوج ، وهو يستلزم تضررها من حيث ان سيده يمنعه عنها ، ولا نفقة لولدها عليه ، ولا ولاية له على ولدها ولا ترث.

وهذا الخيار فوري عند الأصحاب اقتصارا في فسخ العقد اللازم على موضع اليقين ، والضرورة تندفع بذلك ، ولظاهر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبريرة : « ملكت بضعك فاختاري » فإن الفاء للتعقيب.

قيل : قد روي أن زوج بريرة كان يطوف خلفها ويبكي خوفا من أن تفارقه ، وطلب من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يشفع إليها فشفع فلم تقبل ، ولو كان على الفور بطل حقها بالتأخير واستغنى عن الشفاعة.

قلنا : لا دلالة فيه ، لأن الظاهر من الحديث أن الشفاعة كانت بعد فسخها ، ولذلك روي أنه كان يطوف ويبكي ولم يأمرها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بترك الفسخ بل قال لها : « لو راجعته فإنه أبو ولدك » فقالت : يا رسول الله تأمرني بأمرك؟ فقال : « لا إنما أنا شافع » فقالت : لا حاجة لي فيه (٢).

والظاهر أن المراد من المراجعة في الحديث تجديد النكاح ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون العتق قبل الدخول أو بعده ، لقول الصادق عليه‌السلام : « أيما امرأة أعتقت فأمرها بيدها » (٣).

قوله : ( إلاّ إذا زوج ذو المائة أمته في حال مرضه بمائة وقيمتها مائة ثم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٨٦ حديث ١ ـ ٥ ، التهذيب ٧ : ٣٤١ حديث ١٣٩٥ ـ ١٣٩٦ ـ ١٣٩٧ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٢٠ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٩٢ حديث ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ٢٢٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٤١ حديث ١٣٩٤.

١٠٢

يكن لها الفسخ قبل الدخول ، وإلاّ لسقط المهر فلم تخرج من الثلث ، فبطل عتق بعضها فيبطل خيارها فيدور.

______________________________________________________

أعتقها ، لم يكن لها الفسخ قبل الدخول ، وإلاّ يسقط المهر فلم يخرج من الثلث ، فيبطل عتق بعضها ، فيبطل خيارها فيدور ).

هذا استثناء من قوله : ( سواء دخل أو لا ) وتحقيقه أنه لا فرق في ثبوت الخيار بالعتق إذا وقع بعد الدخول أو قبله إلاّ في الفرض المذكور ، وهو ما إذا كان لشخص جارية قيمتها مائة مثلا وهو يملك مائة أخرى ، فزوجها بمائة ، سواء كان في حال صحته أو مرضه من غير فرق بينهما ، لأن تزويجها لا يتضمن إتلافا بل اكتسابا للمهر ، فوقوعه في الصحة والمرض سواء.

وقد تضمّنت عبارة الكتاب وقوع التزويج في المرض وليس بحسن ، لأنه يوهم كون ذلك قيدا للمسألة ، نعم لا بد لتكميل الفرض من كون الإعتاق قد وقع في المرض قبل الدخول ، فإنه حينئذ لا يثبت لها خيار الفسخ ، إذ لو ثبت لأدى ثبوته إلى عدم ثبوته ، وذلك لأنه لو ثبت ففسخت لسقط المهر ، فإن الفسخ قبل الدخول من جانب الزوجة مسقط للمهر كما علم غير مرة.

وإذا سقط المهر انحصرت التركة في الجارية والمائة ، فلم ينفذ العتق في جميعها ، بل يبطل فيما زاد على ثلث التركة ، وحينئذ فيبطل خيارها ، لأن الخيار إنما يثبت إذا أعتق جميعها قطعا ، فيكون ثبوته مؤديا إلى عدم ثبوته ، وذلك هو الدور ، فتعيّن قطعا الحكم بانتفائه. وهذا بخلاف ما لو كان العتق في حال الصحة فإنه حينئذ لا يعتبر من الثلث ، فالخيار بحاله.

وكذا لو كان العتق في الفرض السابق بعد الدخول ، لأن المهر لا يسقط حينئذ بانفساخ النكاح. وقول المصنف ( في مرضه ) يريد به مرض موته ، واعتمد في ذلك على ظهور الحال.

١٠٣

ولو كانت تحت حر ففي خيار الفسخ خلاف.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كانت تحت حر ففي خيار الفسخ خلاف ).

اختلف الأصحاب في ثبوت الخيار للأمة إذا أعتقت والزوج حر ، فقال الشيخ في النهاية (١) ، وابن الجنيد (٢) ، والمفيد (٣) ، وابن البراج (٤) ، وابن إدريس (٥) ، والمصنف في المختلف (٦) وغيره (٧) : إن لها الخيار.

وقال في المبسوط (٨) ، والخلاف (٩) : ليس لها.

والأصح الأول ، لنا عموم صحيحة أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه‌السلام قال : « أيما امرأة أعتقت فأمرها بيدها ، إن شاءت أقامت وإن شاءت فارقت » (١٠).

ورواية زيد الشحام عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا أعتقت الأمة ولها زوج خيّرت وإن كانت تحت حر أو عبد » (١١) ، وقريب من هذه رواية محمد بن آدم عن الرضا عليه‌السلام (١٢) ، وغير ذلك من الاخبار (١٣).

__________________

(١) النهاية : ٤٧٦.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٦٥.

(٣) المقنعة : ٧٧.

(٤) المهذب ٢ : ٢١٦.

(٥) السرائر : ٣٠٥.

(٦) المختلف : ٥٦٥.

(٧) التحرير ٢ : ٢٤.

(٨) المبسوط ٤ : ٢٥٨.

(٩) الخلاف ٢ : ٢٢٨ مسألة ١٣٤ كتاب النكاح.

(١٠) التهذيب ٧ : ٣٤١ حديث ١٣٩٤.

(١١) التهذيب ٧ : ٣٤٢ حديث ١٤٠١.

(١٢) التهذيب ٧ : ٣٤٢ حديث ١٤٠٠.

(١٣) التهذيب ٧ : ٣٤١ حديث ١٣٩٩.

١٠٤

وإذا اختارت الفراق في موضع ثبوته قبل الدخول سقط المهر وثبت بعده.

______________________________________________________

احتج الشيخ بأن الأصل لزوم العقد وحدوث الخيار يحتاج إلى دليل ، وبما رواه ابن سنان في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام : « إنه كان لبريرة زوج عبدا ، فلما أعتقت قال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اختاري » (١).

وجوابه : إن الأصل يعدل عنه للدليل وقد بيّناه ، والرواية لا تدل إلاّ بمفهوم المخالفة ، وهو ضعيف في نفسه فكيف مع معارضة المنطوق له ، على أنه قد روي أيضا أن زوج بريرة كان حرا (٢) ، فسقط الاستدلال بالرواية أصلا.

وقد علم من ثبوت الخيار إذا كانت تحت حر ثبوته إذا كان مبعّضا بطريق أولى ، وأولى منه المكاتب والمدبّر.

قوله : ( وإن اختارت الفراق في موضع ثبوته قبل الدخول سقط المهر وثبت بعده ).

متى اختارت المعتقة الفسخ في موضع ثبوت الخيار ، وهو ما إذا كان الزوج عبدا ، أو حرا على القول بثبوته مع الحر ، فإما أن يكون اختيارها للفسخ قبل الدخول أو بعده.

فإن كان قبل الدخول سقط المهر كله ، لأن الفسخ قبل الدخول من المرأة موجب لسقوط المهر ، كما تقرر غير مرة.

أما لو كان بعده فإن ثبوت المهر بحاله ، لأنه قد تقرر بالدخول ، فلا يسقط بالفسخ الطارئ بعده ، سواء كان العتق قبل الدخول أو بعده.

وفصّل المصنف في التحرير (٣) تبعا للمبسوط (٤) بأنها إذا فسخت بعد الدخول ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٤١ حديث ١٣٩٥.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ٢٢٣.

(٣) التحرير ٢ : ٢٤.

(٤) المبسوط ٤ : ٢٥٩.

١٠٥

ولو أخّرت الفسخ لجهالة العتق لم يسقط خيارها.

ولو كان لجهالة فورية الخيار أو أصله احتمل السقوط ، وعدمه ، والفرق.

______________________________________________________

فإما أن يكون العتق وقع قبله أو بعده فإن كان بعده فلها المسمّى ، لأن الفسخ استند إلى العتق ، وقد وقع بعد الدخول حين استقر المسمّى. وإن كان قبله بأن أعتقت ولم تعلم به حتى دخل فإن لها مهر المثل ، لأن الفسخ مستند إلى العتق ، وهو قبل الدخول ، فصار الوطء كأنه في نكاح فاسد. ويضعّف بأن استناد الفسخ الى العتق لا يقتضي وقوعه قبل الدخول بل حين إيقاعه ، وحينئذ قد استقر المسمّى بالدخول.

قوله : ( لو أخرت الفسخ لجهالة العتق لم يسقط خيارها ، ولو كان بجهالة فورية الخيار أو أصله احتمل السقوط ، وعدمه ، والفرق ).

حيث تقرر أن الخيار للمعتقة حيث يثبت إنما هو على الفور ، فلا شك أنها متى أخّرته بغير عذر سقط خيارها كما هو شأن كل فوري. ولو أخرته لعذر ، فإن كان جهالتها بالعتق لم يبطل خيارها إجماعا ، فإن الناس في سعة مما لم يعلموا.

وإن كان جهالتها بأصل الخيار ، بأن لم تعلم أن عتقها موجب لثبوت الخيار ، أو فوريته بأن علمت ثبوت الخيار وجهلت كونه على الفور ، ففي كون كل من الأمرين عذرا فلا يسقط معه الخيار أم لا ، ثلاثة أوجه :

أحدها : أن لا يكون واحد منهما عذرا فيسقط الخيار بالتأخير ولو مع أحدهما ، ووجهه : إن ثبوت الخيار على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على محل اليقين ، ولأن الحكم بفوريته إنما كان للجميع بين الحقين : حق الزوجة في الخيار بالعتق ، وحق الزوج في النكاح ، فلا يختلف بعلمها وجهلها. ولأنه لو عدّ الجهل عذرا لزم كون النسيان كذلك ، لاشتراكهما في كون كل منهما غافلا ، والثاني باطل ، لأن النسيان لا يخرج السبب عن كونه سببا.

وثانيها : عدّ كل منهما عذرا فيبقى الخيار ، لأن ترتب الخيار على العتق وكونه‌

١٠٦

______________________________________________________

على الفور من الأحكام الخفية التي لا يطلع عليها إلاّ الأفراد من الناس ، فلو لم يكن الجهل عذرا لانتفت فائدة شرعية هذا الخيار ، لأن المطلوب به الارتفاق العام ، ومع الجهل فالتأخير لا بد منه ، والتالي معلوم البطلان.

وثالثها : الفرق بين الأمرين ، أعني جهل أصل الخيار ، وجهل فوريته ، فيبطل بالتأخير في الثاني دون الأول. ووجهه : إنّ فائدة شرعية هذا الخيار إنما تحصل لعامة المكلفين أن لو بقي الخيار مع جهالة ثبوته ، إذ لا يقصر ممن لا يعلم الحكم أصلا ، لخفاء مثل هذا الحكم غالبا ، ومع الجهل لا طريق إلى إيقاع الفسخ بحال فلا يكون مقدورا عليه حينئذ ، بخلاف جهل الفورية فإن الضرر يندفع بعلم أصل الخيار ، فلا دليل على بقائه مع التأخير.

ولأن التأخير مع العلم بالخيار يشعر بالرضى عادة ، فإن الكاره للشي‌ء شديد الحرص على التخلص منه إذا تمكن ، ولأن تأخير الفسخ مع القدرة عليه والعلم بالخيار ينافي معنى الفور قطعا ، فيمتنع بقاؤه مع جهل الفورية ، وهذا الاحتمال أقواها.

والظاهر أن التأخير للنسيان مسقط ، لثبوت التقصير بالتأخير إلى أن طرأ النسيان. أما الإكراه فإن بلغ الإلجاء ، كأنه وضع واضع يده على فم الزوجة فمنعها من الاختيار ، فإنه عذر.

ولو خوفت بما يخاف منه عادة ، ففي عد ذلك عذرا احتمالات ، ولو كانت غائبة اختارت عند بلوغ الخبر ، ولو كانت منفردة ففي عد تأخيرها إلى أن تصل إلى الزوج أو من تشهده على فسخها مع مبادرتها إلى ذلك احتمال.

ولو ادعت الجهل بالعتق صدقت بيمينها مع إمكان صدقها ، إذ لا يعلم ذلك إلاّ من قبلها. وقريب منه ما إذا ادعت الجهل بأصل ثبوت الخيار ، ولو ادعت الإكراه فالمتجه مطالبتها بالبيّنة ، لإمكان إقامتها على ذلك.

ثم عد إلى عبارة الكتاب واعلم أن قول المصنف : ( احتمل السقوط ) يريد به‌

١٠٧

ولو اختارت المقام قبل الدخول فالمهر للسيد إن أوجبناه بالعقد ، وإلاّ فلها وبعده للمولى.

ولو لم يسم شيئا بل زوّجها مفوضة البضع ، فإن دخل قبل العتق‌

______________________________________________________

في المسألتين معا.

وقوله : ( وعدمه ) يريد به عدم السقوط فيهما ، وهو الاحتمال الثاني.

وقوله : ( والفرق ) يريد به الفرق بين التأخير بجهالة أصل الخيار ، وجهالة فوريته مع العلم بأصله ، فيثبت في أحدهما وينتفي في الآخر ، وهو الاحتمال الثالث.

قوله : ( ولو اختارت المقام قبل الدخول فالمهر للسيد إن أوجبناه بالعقد ، وإلاّ فلها ، وبعده للمولى ).

إذا أعتقت الأمة المزوجة ، فإما أن يكون عتقها قبل الدخول أو بعده ، وعلى التقديرين فإما أن تختار الفسخ أو المقام ، وعلى كل تقدير فإما أن يكون قد سمّي المهر أو تكون مفوضة ، وسيأتي حكم المفوضة إن شاء الله تعالى.

وأما حكم التسمية فإنها إذا فسخت قبل الدخول يسقط المهر كما قدمناه ، وليس للسيد منعها من الفسخ وإن تضرر به ، لأن الضرر لا يزال بالضرر ، بخلاف ما لو فسخت بعده ، وقد سبق حكم ذلك.

وأما إذا اختارت المقام فإما أن يكون قبل الدخول أو بعده ، فإن كان بعده فالمهر للسيد لا محالة ، وإطلاق العبارة يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين وقوع العتق قبل الدخول أو بعده.

وينبغي الفرق ، فإذا كان بعده فالمهر للسيد لا محالة ، وإن كان قبله فإن أوجبنا المهر بالعقد ـ وهو الأصح ـ فهو للسيد أيضا ، لكونها حينئذ مملوكة له ، وإن أوجبناه بالدخول فهو لها ، لكونها حينئذ حرة مالكة بضعها.

قوله : ( ولو لم يسمّ شيئا بل زوّجها مفوضة البضع ، فإن دخل قبل‌

١٠٨

فالمهر للسيد ، لوجوبه في ملكه. وإن دخل بعده أو فرضه بعده ، فإن قلنا صداق المفوضة يجب بالعقد وإن لم يفرض لها مهر فهو للسيد ، وإن قلنا بالدخول أو بالفرض فهو لها ، لوجوبه حال الحرية.

______________________________________________________

العتق فالمهر للسيد ، لوجوبه في ملكه ، وإن دخل بعده أو فرضه بعده ، فإن قلنا صداق المفوضة يجب بالعقد وإن لم يفرض لها فهو للسيد ، وإن قلنا بالدخول أو بالفرض فهو لها ، لوجوبه حال الحرية ).

ما سبق حكم ما إذا سمّى لها في العقد مهرا ، وهذا حكم ما إذا لم يسمّ لها شي‌ء.

وتحقيقه : إن المعتقة إن كانت قد زوجت مفوضة البضع ، أي لم يسمّ لها مهر في عقد النكاح أصلا ، فإن دخل بها الزوج قبل العتق ، أو فرض لها المهر قبله فالمهر للسيد قولا واحدا ، لوجوبه في ملكه. وإن كان دخوله بها بعد العتق ، أو كان فرض المهر بعده قبل الدخول ، ففي مستحقه وجهان مبنيان على أن صداق المفوضة متى يجب.

فإن قلنا : يجب بالعقد ، سواء فرض لها أو لم يفرض لها حتى دخل ، على معنى أنه يتبيّن بالفرض أو بالدخول مع عدم وجوبه بالعقد ، فهو حق للسيد ، لأنها حينئذ مملوكة.

وإن قلنا : إنه يجب بالفرض إن فرض ، وبالدخول إن لم يفرض ، فهو لها ، لوجوبه حال حريتها.

والثاني لا يخلو من وجه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى كمال تحقيق المسألة.

واعلم أن قول المصنف : ( فإن قلنا : صداق المفوضة يجب بالعقد وإن لم يفرض لها ). يريد به التفريع على القول بأن الصداق في التفويض يجب بالعقد ، على معنى أنه بالفرض يتبين وجوبه بالعقد ، وكذا الدخول إذا لم يفرض ، والمعنى : انا إذا قلنا بأن العقد يستقل بإيجاب الصداق ، ولا يكون للفرض دخل في إيجابه ، بل يكون كاشفا عنه فقط ، فيكون وجوبه بحسب الواقع قبل حصول الفرض فيكون كاشفا عنه ،

١٠٩

ولو أعتقت في العدة الرجعية فلها الفسخ في الحال ، فتسقط الرجعة ولا تفتقر إلى عدة اخرى بل تتم عدة الحرة.

ولو اختارته لم يصح ، لأنه جار إلى بينونة ، فلا يصح اختيارها للنكاح ، فإن لم يراجعها في العدة بانت ، وإن راجعها كان لها خيار الفسخ فتعتد اخرى عدة حرة ، وإن سكتت لم يسقط خيارها.

______________________________________________________

فإن الكشف عن الشي‌ء فرع حصوله في نفسه ، فإذا قلنا بذلك كان للسيد لا محالة.

قوله : ( ولو أعتقت في العدة الرجعية فلها الفسخ في الحال فتسقط الرجعة ، ولا يفتقر إلى عدة اخرى بل تتم عدة الحرة ولو اختارته لم يصح : لأنه جار إلى بينونة ، فلا يصح اختيارها للنكاح ، فإن لم يراجعها في العدة بانت ، وإن راجعها كان لها خيار الفسخ فتعتد اخرى عدة الحرة ، وإن سكتت لم يسقط خيارها ).

أي : لو طلق الأمة طلاقا رجعيا ، ثم أعتقت وهي في العدة ، فإما أن تختار الفسخ في الحال ، أو النكاح ، أو تسكت على كل من الأمرين.

فإن اختارت الفسخ في الحال كان لها ذلك ، لاستفادتها به قطع سلطنة الرجعة ، ودفع تطويل الانتظار إلى أن يراجع فتفسخ ، لأن ذلك يقتضي أن تكون العدة من حينه.

وإذا فسخت أكملت عدة الطلاق ، ولم يجب استئناف عدة اخرى ، لانتفاء المقتضي لها ، فإن العدة وجبت بالطلاق ، والفسخ لا يقطعها ، والواجب إكمال عدة حرة عندنا اعتبارا بما صارت إليه.

وإن اختارت النكاح في الحال لم يصح ، لأنه جار إلى بينونة ، والإجارة تقتضي بقاؤه فلا يتلاقيان ، كما لو طلقها رجعية فارتد ، ثم راجعها وهي مرتدة فإنه لا تصح الرجعة ، وحينئذ فإن لم يراجعها في العدة بانت ، وإن راجعها كان لها خيار الفسخ ،

١١٠

وإذا فسخت فتزوجها بقيت على ثلاث.

ولو أعتقت الصغيرة اختارت عند البلوغ ، والمجنون عند الرشد ، وللزوج الوطء قبله.

______________________________________________________

لبطلان الإجارة السابقة ، فإن فسخت وجب عليها الاعتداد بعدة مستأنفة ، لحدوث البينونة حينئذ.

ولا يخفى أن الواجب عدة حرة ، لكونها حين الفسخ حرة ، وإن سكتت ولم تختر واحدا من الأمرين لم يبطل خيارها ، لأن سكوتها لا يدل على الرضى وهي بصدد البينونة ، ومن الممكن أن لا يراجعها فيحصل الفراق من غير احتياج إلى ظهور رغبتها فيه.

والحاصل أن سكوتها في هذه الحالة لا ينافي الفور ، لوجود القاطع لعلاقة النكاح وهو الطلاق ، مع أن في السكوت استفادة عدم إظهار طلب الفراق ، وهو من المطالب.

واعلم أن الضمير في قول المصنف : ( ولو اختارته ) يعود الى النكاح بقرينة الفسخ ، وقوله : ( فإن لم يراجعها ) متفرّع على قوله : ( لم يصح ) ، وقوله : ( وان سكتت ) هي الصورة الثالثة من صورة المسألة.

قوله : ( وإذا فسخت فتزوجها بقيت على ثلاث ).

هذا راجع إلى أصل الباب ، ولا تعلق له بالبحث الذي قبله. والمراد : إن المعتقة إذا فسخت حيث يثبت لها الخيار ، فتزوجها الزوج بعقد مستأنف ، بقيت عنده على ثلاث طلاقات ، لأن الفسخ لا يعدّ في الطلاق ، لا سيما إذا وقع من الزوجة ، فإن من اكتفى في الطلاق بالكناية لا سبيل له إلى عدة طلاقها هنا ، لأن ذلك إنما هو في الواقع من الزوج.

قوله : ( ولو أعتقت الصغيرة اختارت عند البلوغ والمجنونة عند الرشد ، وللزوج الوطء قبله.

١١١

وليس للولي الاختيار عنها ، لأنه على طريقة الشهوة.

ولا خيار لها لو أعتق بعضها ، فإن كملت اختارت حينئذ ولو لم تختر حتى يعتق العبد ، فإن قلنا بالمنع من الاختيار تحت الحر احتمل ثبوته هنا ،

______________________________________________________

وليس للولي الاختيار عنها ، لأنه على طريقة الشهوة ).

إذا أعتقت الأمة تحت عبد أو حر ـ بناء على ثبوت الخيار معه ـ وكانت صغيرة ثبت لها الخيار ، لعموم الأخبار الدالة على ثبوت الخيار لكل معتقة ، وكذا المجنونة. وليس لوليها أن يختار عنها ، لأن الاختيار منوط بالشهوة والميل القلبي ، فلا يعتد بوقوعه من الولي ، لعدم علمه بما تريده الزوجة ، بل ينتظر في ذلك بلوغ الصغيرة مبلغا تملك أمرها ، وإفاقة المجنونة بحيث تكمل رشدها ، فتختار حينئذ على الفور.

وللزوج الوطء قبل الفسخ في المجنونة والاستمتاع في الصغيرة ، بل له الوطء قبله مطلقا ، لبقاء الزوجية ما لم يفسخ ، وثبوت الخيار في أصل النكاح لا ينافي بقاء الملك كما لا يخفى ، ووجوب الإنفاق في هذه المدة بحاله مع وجود شرائطه.

واعلم أن إطلاق قوله : ( اختارت عند البلوغ ) يؤذن بعدم اعتبار الرشد معه ، فعلى هذا لو بلغت اختارت وإن كان قبل الدخول ولم يتحقق رشدها ، وإن لزم منه سقوط المهر في صورة يجب لها ، وكذا الفسخ بالعيب ، وللنظر فيه مجال ، وعلى ظاهر عبارته فيراد برشد المجنونة إفاقتها.

قوله : ( ولا خيار لها لو أعتق بعضها ، فإن كملت اختارت حينئذ ).

وذلك لأن المقتضي للخيار هو حريتها ، وهي منتفية مع تحرر البعض خاصة ، لصدق السلب في مثل ذلك. ولا فرق بين كون الأكثر بعض الحرية أو بعض الرقية ، لانتفاء المقتضي. أما إذا كملت حريتها فلأن الخيار يثبت حينئذ ، لوجود المقتضي في هذه الحالة.

قوله : ( ولو لم تختر حتى يعتق العبد ، فإن قلنا بالمنع من الاختيار تحت الحر احتمل ثبوته هنا ، لأنه ثبت سابقا فلا يسقط بالحرية كغيره من‌

١١٢

لأنه ثبت سابقا فلا يسقط بالحرية كغيره من الحقوق ، والسقوط كالعيب إذا علمه المشتري بعد زواله.

ولو أعتقت تحت من نصفه حر فلها الخيار وإن منعنا الخيار في الحر.

______________________________________________________

الحقوق ، والسقوط كالعيب إذا علمه المشتري بعد زواله ).

إذا أعتقت الأمة فلم تختر ، إما بناء على القول بأن الخيار على التراضي ، أو لأنها لم تعلم بالعتق الى أن عتق العبد ، بنى على الخلاف في ثبوت الخيار لو عتقت تحت حر وعدمه.

فإن قلنا بالثبوت ثم فلا بحث في الثبوت هنا ، وإن قلنا بالعدم احتمل هنا الثبوت ، لأنه قد ثبت بعتقها حين وقوعه ، والأصل بقاء ما كان على ما كان إلى أن يحصل المسقط كما في سائر الحقوق.

ولم يثبت أن تجدد حريته مسقط لخيارها ، فلا يسقط. ويحتمل السقوط ، لزوال الضرر بزوال رقيته ، ولأن سبب الخيار مركب من تجدد حريتها وكونه رقا ، إذ الفرض أنها مع الحر لا خيار لها. وفيه نظر ، لأن السبب قد حصل ، ولا يلزم من زوال أحد جزئية بعد ثبوت الخيار زوال الخيار عملا بالاستصحاب.

وقول الشارح الفاضل : إن بقاء الخيار مشروط ببقاء رقية الزوج ، لأن الأصل بقاء الشرطية (١) ، ليس بشي‌ء ، فإن الدليل لم يدل إلاّ على أنها شرط الثبوت ، ولا يلزم منه الاشتراط في البقاء ، والأصل الذي ادعاه لا أصل له.

قوله : ( ولو أعتقت تحت من نصفه حر ، فلها الخيار وإن منعنا الخيار في الحر ).

لو أعتقت الأمة تحت من نصفه حر فإن قلنا بثبوت الخيار لو كانت تحت الحر فلا بحث في الثبوت ، وإن منعناه ثم فالثبوت هنا أظهر ، لأن ضرر رقية الزوج‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ١٥٢.

١١٣

ولو طلّق قبل اختيار الفسخ احتمل إيقافه ، فإن اختارت الفسخ بطل ، وإلاّ وقع موقعه ،

______________________________________________________

قائم هنا ، والمعتمد في الاستدلال عموم الأخبار السالفة ، ولا اثر لهذا التفريع.

قوله : ( ولو طلّق قبل اختيار الفسخ احتمل إيقافه ، فإن اختارت الفسخ بطل ، وإلاّ وقع موقعه ).

إذا ثبت لها خيار العتق فطلقها قبل الفسخ ، فإن كان الطلاق رجعيا فالخيار بحاله ، والحكم كما إذا أعتقت في العدة الرجعية ، وقد سبق بيانه ، وإن كان بائنا ففيه وجهان :

أحدهما : إنه يقع موقوفا ، بمعنى أنه يراعى في الحكم بصحته وفساده اختيارها للفسخ وعدمه ، فإن اختارت الفسخ في العدة ظهر بطلانه ، وإن لم تختر ظهر وقوعه ، وذلك لأن الخيار قد ثبت جزما ، وتنفيذ الطلاق في الحال يقتضي إبطاله فلا يكون نافذا.

ومثله القول في الطلاق ، لأنه قد وقع في النكاح مستجمعا ما يعتبر فيه ، فلم يكن بد من الحكم بوقوع الطلاق مراعى فيه عدم طرء الفسخ عليه ، فإن فسخت تبين بطلان الطلاق ، إذ لو صح لحصلت البينونة فامتنع الفسخ ، وإلاّ تبيّن نفوذ الطلاق ، كما لو طلّق في الردة ولم يكن عن فطرة من قبل الزوج ، فإنه بالعود إلى الإسلام تبيّن وقوع الطلاق ، وبدونه يتبيّن عدمه.

والثاني : وقوعه جزما ، لوجود المقتضي ، وهو صدور الصيغة من زوج كامل في محل الطلاق ، وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ ثبوت الخيار ، وهو غير صالح للمانعية ، فإن المقصود بالفسخ حاصل به فلم يكن بينهما منافاة.

والفرق بين العتق والردة : إن الانفساخ في الردة يستند إليها ، فيتبين بعدم العود في العدة أن الطلاق لم يصادف النكاح ، بخلاف الفسخ بالعتق فإنه لا يستند إلى أمر سابق على الطلاق ، وهذا أقرب.

واعلم أن المراد بالطلاق في الكتاب هو البائن دون الرجعي ، إذ لا‌

١١٤

ولا يفتقر فسخ الأمة إلى الحاكم.

ولو أعتق الزوج وتحته أمة فلا خيار له ، ولا لمولاه ، ولا لزوجته حرة كانت أو أمة ، ولا لمولاها.

ولو زوّج عبده أمته ثم أعتقت أو أعتقا معا اختارت ،

______________________________________________________

يطرد الوجهان في الرجعي ، لأن تنفيذ الطلاق فيه لا يقتضي إبطال الخيار. وقد تقدّم أن المعتقة لو طلقت تخيّرت واجتزأت بإكمال العدة ، ولعل المصنف إنما أطلق ها هنا اعتمادا على ما سبق في كلامه ، وأشار الى الاحتمال الثاني بقوله : ( ووقوعه ) ، وأراد بقوله : ( احتمل إيقافه ) كونه مراعى ، أي : موقوفا عندنا لا موقوفا في نفسه.

قوله : ( ولا يفتقر فسخ الأمة إلى الحاكم ).

ثبوت هذا الفسخ بالنص (١) والإجماع ، وليس فيه مدة يتوقف ضربها على الحاكم ، فلا يتوقف إيقاعه على مراجعة الحاكم والمرافعة إليه بحال.

قوله : ( ولو أعتق الزوج وتحته أمة فلا خيار له ، ولا لمولاه ، ولا لزوجته حرة كانت أو أمة ، ولا لمولاها ).

ما تقدّم من ثبوت الخيار بالعتق إنما هو فيما إذا أعتقت الأمة المزوجة ، أما العبد إذا أعتق فإنه لا خيار له عندنا ، لأن الأصل في ثبوت هذا الخيار هو الخبر.

وليست هذه الصورة من الصور المنصوصة في شي‌ء ، على أن التخلص بالطلاق ثابت له دونها فلا معنى لثبوته ، وفي وجه للشافعية أن له الخيار كما في الطرف الآخر على حد خيار العيب (٢) ولا فرق في ذلك بين أن يكون تحته أمة أو حرة. وكما لا يثبت الخيار له كذا لا يثبت لمولاه ، لانتفاء المقتضي. وكذا لا خيار لزوجته حرة كانت أو أمة بطريق أولى ، لزوال نقصه. وكذا لا خيار لمولى زوجته الأمة.

قوله : ( ولو زوج عبده أمته ثم أعتقت أو أعتقا معا اختارت ).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٤١ حديث ١٣٩٤.

(٢) المجموع ١٦ : ٢٩٤.

١١٥

ولو كانا لاثنين فأعتقا دفعة أو سبق عتقها أو مطلقا على رأي اختارت ،

______________________________________________________

كما يثبت الخيار‌ للأمة إذا أعتقت وهي تحت غير من هو عبد لمولاها ، كذا يثبت إذا أعتقت تحت عبده ، للاشتراك في المعنى ، لعموم الأخبار الدالة على ثبوت الخيار ، وكذا لو أعتقا معا.

قوله : ( ولو كانا لاثنين فأعتقا معا دفعة ، أو سبق عتقها ، أو مطلقا على رأي اختارت ).

إذا كان العبد والأمة المزوجان لاثنين فأعتقا معا دفعة تخيّرت الأمة لعموم الأخبار الدالة على ثبوت الخيار هنا.

وعلى القول بأنها إذا أعتقت تحت حر فلا خيار لها فالخيار هنا منتف ، لأن الفرض أن عتقها وعتقه حصلا في زمان واحد ، فلم يصادف حريتها عبوديته. أما لو سبق عتقها على عتقه فإن لها الخيار قطعا ، بخلاف ما لو سبق عتقه على عتقها ، فإنها لا تتخير إذا أعتقت ، إلاّ على القول بأنها تتخير إذا أعتقت تحت حر.

وهذه الأحكام كلها ظاهرة بعد ما سبق بيانه ، لكن في عبارة المصنف مناقشات :

إحداها : إن حكم ما إذا تقدم عتقها قد سبق بيانه ، وكذا حكم ما إذا تقدم عتقه ، بل قد سبق ما يدل على حكمه بطريق أولى ، وهو ما إذا أعتقت فلم تختر حتى عتق العبد ، فإعادة ذلك عري عن الفائدة.

الثانية : إن الإشارة بقوله : ( على رأي ) إلى الخلاف في تخيرها تحت الحر ، فإن أراد به التعلق بقوله : ( مطلقا ) أو هم أن ما قبله لا خلاف فيه ، لأن تخصيص هذا بذكر الخلاف مع إدراج المسألتين اللتين قبله معه في جملة واحدة ، وجعل الجواب عن الجميع واحدا يشعر بانتفاء الخلاف فيهما ، ولا يستقيم عوده إلى الجميع ، لأن الثانية لا خلاف فيها ، ولا عوده إلى الاولى ، والثالثة خاصة ، لأن ذلك إلغاز ، وكما يتخرج حكم هاتين على هذا الخلاف ، فكذا حكم ما إذا زوج عبده أمته وأعتقهما دفعة ، مع أنه لم يتعرض لذلك فيما سبق ، ولا ريب أن نظم العبارة في ذكر الخلاف غير حسن.

١١٦

ويجوز أن يجعل عتق أمته مهرا لها.

ويلزم العقد إن قدّم النكاح فيقول : تزوّجتك وأعتقتك وجعلت مهرك عتقك.

وفي اشتراط قبولها ، أو الاكتفاء بقوله : تزوجتك وجعلت مهرك عتقك عن قوله : أعتقتك إشكال.

ولو قدّم العتق كان لها الخيار ، وقيل : لا خيار ، لأنه تتمة الكلام ، وقيل : يقدم العتق ، لأن تزويج الأمة باطل.

______________________________________________________

الثالثة : قوله : ( دفعة ) وقع موقع الحال من الضمير في ( أعتقا ) ، وقوله : ( سبق عتقها ) معطوف على ( أعتقا ) وهو ظاهر. وأما قوله : ( مطلقا ) فينبغي أن يكون حالا من الضمير في ( أعتقا ) المحذوف ، أو مفعولا مطلقا لتكون الجملة معطوفة على ما قبلها. هذا هو الظاهر ، لكن حاصله على أنهما لو أعتقا عتقا مطلقا اختارت ، ولا يخفى ما فيه ، والمراد ظاهر ، فإنه يريد أنه سواء سبق عتقها أو لم يسبق يتخيّر إلاّ أن العبارة ليست بتلك الفصيحة.

قوله : ( ويجوز أن يجعل عتق أمته مهرا لها ، ويلزم العقد إن قدّم النكاح ، فيقول : تزوّجتك وأعتقتك وجعلت مهرك عتقك ، وفي الاكتفاء بقوله : تزوجتك وجعلت مهرك عتقك عن قوله : أعتقتك إشكال. ولو قدّم العتق كان لها الخيار ، وقيل : لا خيار ، لأنه تتمة الكلام ، وقيل : يقدّم العتق ، لأن تزويج الأمة باطل ).

من الأصول المقررة إن تزويج الرجل بأمته باطل ، إلاّ إذا جعل عتقها مهرها ، فإنه يجوز عند علماء أهل البيت عليهم‌السلام قاطبة.

قال في المختلف : لا نعرف فيه مخالفا من علمائنا (١) ، والأصل فيه أن النبي صلّى‌

__________________

(١) المختلف : ٥٧٢.

١١٧

______________________________________________________

الله عليه وآله اصطفى صفية بنت حي بن اخطب من ولد هارون عليه‌السلام في فتح خيبر ، ثم تزوجها وأعتقها وجعل عتقها صداقها بعد أن حاضت حيضة (١). وقال أكثر العامة : إن ذلك من خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

والنقل عن أهل البيت عليهم‌السلام في ذلك مستفيض أو متواتر ، روى محمد ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام قال : « أيما رجل شاء أن يعتق جاريته ويتزوجها ويجعل عتقها صداقها فعل » (٣).

وعن عبيد بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت : رجل قال لجاريته : أعتقتك وجعلت عتقك مهرك ، قال : فقال : « جائز » (٤).

وعن الباقر عليه‌السلام : « إنّ عليا عليه‌السلام كان يقول : إن شاء الرجل أعتق أم ولده وجعل مهرها عتقها » (٥) ، وغير ذلك من الاخبار الكثيرة (٦).

وقد أورد المحقق ابن سعيد في النكت سؤالات وأجاب عنها ، حاصلها أنه كيف يجوز أن يتزوج جاريته ، وكيف يتحقق الإيجاب والقبول وهي مملوكة ، ثم المهر يجب أن يكون متحققا قبل العقد ومع تقدم التزويج لا يكون متحققا ، ثم يلوح منه الدور ، فإن العقد لا يتحقق إلاّ بالمهر الذي هو العتق ، والعتق لا يتحقق إلاّ بعد العقد.

الجواب : إذا كان العتق يحصل مع العقد لم يستبعد صحته ، وإنما يمتنع لو كانت الرقية باقية ، ولا بعد في العقد وهي مملوكة إذا كانت الرقية غير مستقرة معه ، فإنه كما جاز أن يعقد لغيره عليها ، لعدم ملك ذلك الغير ، جاز أن يعقد عليها لنفسه ،

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٢٢١ حديث ٢٠٥٤ ، سنن البيهقي ٧ : ٥٨.

(٢) الخصائص الكبرى ٢ : ٢٤٧ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢٨.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٠١ حديث ٧٠٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٩ حديث ٧٥٦.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٠١ حديث ٧٠٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٩ حديث ٧٥٧.

(٥) التهذيب ٨ : ٢٠١ حديث ٧٠٨ ، الاستبصار ٣ : ٢٠٩ حديث ٧٥٨.

(٦) الكافي ٥ : ٧٤٥ حديث ١ ـ ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٠١ حديث ٧١٠ ، الاستبصار ٣ : ٢١٠ حديث ٧٦٠.

١١٨

______________________________________________________

لعدم استقرار ملكه فإنها تصير حرة معه.

وأما وجوب تحقق المهر قبل العقد فممنوع ، ولم لا يجوز أن يكتفى بمقارنة العقد ، وهو هنا كذلك ، فإن المهر العتق وهو يقارن العقد ، سواء تقدّم التزويج أو تأخر. والدور غير لازم ، لأنا نمنع توقف العقد على المهر ، نعم يستلزمه ولا ينفك منه.

والعقد على الأمة جائز في نفسه ، وهي صالحة لأن تكون مهرا لغيرها ، فلم لا يجوز جعلها أو جعل فك ملكها مهرا لها ، ولو سلّمنا منافاة هذه المسألة للأصول ، فقد ورد النقل المستفيض عن أهل البيت عليهم‌السلام على وجه لا يمكن رده فوجب المصير إليها ، وتصير أصلا بنفسها كما صارت ضرب الدية على العاقلة أصلا ، ثم هنا مباحث.

لأنه إما أن يشترط قبولها أو لا ، وإما أن يكتفى بقوله : تزوجتك وجعلت مهرك عتقك عن قوله : أعتقتك أو لا. وإما أن يعتبر تقديم النكاح أولا.

الأول : ذكر المصنف في اشتراط القبول اشكالا ، ومنشؤه : من أنه عقد نكاح فاشترط فيه القبول كسائر العقود اللازمة ، لأن العقد في عرف أهل الشرع هو انه مركب من الإيجاب والقبول.

لا يقال : هي في حال إيقاع العقد رقيقة فكيف يعتبر قبولها.

لأنا نقول : هي في حكم الحرة ، حيث انها مع تمامه تصير حرة فرقيتها غير مستقرة ، ولو لا ذلك امتنع تزويجها من رأس.

بل قد يقال : إن الواقع من المولى هو القبول ، لأن إيجاب النكاح إنما يكون من طرف الزوجة ، فيعتبر وقوع لفظ من طرفها يكون به تمام العقد.

ومن أن المستند في شرعية هذا العقد هو النقل المستفيض ، وليس في شي‌ء منه ما يدل على اعتبار القبول. والأصل في الباب ما فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١١٩

______________________________________________________

بصفية (١) ، ولم ينقل قبولها ، ولو وقع لنقل إذ هو من الأحكام التي يضطر إليها ، وليس من خصائصه ، لتوقف الحكم بذلك على البيان ، لثبوت التأسي في كل ما لم يثبت أنه من خصائصه كما بيّن في الأصول.

ولأن حل الوطء مملوك له فهو بمنزلة التزويج ، فإذا أعتقها وتزوجها وجعل العتق مهرها ، كان في معنى استثناء بقاء الحل من مقتضيات العتق ، لأن مقتضاه بدون ذلك التحريم. والمتجه الاكتفاء بالصيغة المنقولة من غير توقف على أمر آخر.

وقد أسلفنا وجوب المصير إلى ما دل عليه النقل من غير ملاحظة لمنافاة الأصول المقررة وبيّنا أن ذلك أصل برأسه ثبت بدلائل يقتضيه ، وهو خيرة المصنف في المختلف (٢) ، على أن القبول لو اعتبر لم يتم به العقد ، لخلوه حينئذ عن الإيجاب. نعم الأحوط اعتباره خروجا عن حيطة الاحتمال ، فيعتبر وقوعه على الفور بالعربية على نهج سائر العقود اللازمة.

الثاني : هل يكفي قوله : تزوجتك وجعلت مهرك عتقك عن قوله : أعتقتك : ذكر المصنف فيه إشكال أيضا ، ومنشؤه : من أن المفهوم من الأخبار (٣) ، وكلام الأصحاب (٤) ذلك ، بل قد صرّح به جماعة (٥) منهم المصنف (٦) ، ويؤيده أنه لو أمهر امرأة ثوبا فقال لها : تزوجتك وجعلت مهرك هذا الثوب فإنها تملكه بتمام العقد من غير احتياج إلى صيغة تمليك.

وكذا إذا جعل العتق مهرا فإنها تملك نفسها ، فلا حاجة الى صيغة أخرى‌

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١٠٤٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٢٣ حديث ١١١٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٩ حديث ١٩٥٨.

(٢) المختلف : ٥٧٣.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٦١ حديث ١٢٤٤ ، التهذيب ٨ : ٢٠١ حديث ٧١٠ ، الاستبصار ٣ : ٢١٠ حديث ٧٦٠.

(٤) المفيد في المقنعة : ٨٥ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣١٧.

(٥) منهم الشيخ في النهاية : ٤٩٧ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٢٤٧.

(٦) المختلف : ٥٧٢.

١٢٠