جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٤

رجوعا ان كان الممزج به مماثلا ، وإن كان أجود فهو رجوع ، لأنه أحدث فيه زيادة ولم يرض بالتمليك فيها.

ولو كانت أردأ لم يكن رجوعا ولو انهالت عليه حنطة أجود ففي كونه رجوعا اشكال.

______________________________________________________

أي : الحكم الذي سبق في الزيت والحنطة إنما هو مع تعيينهما وتشخيصهما ، أما لو أوصى بصاع من صبرة ثم صب عليها غيرها فإنه لا يخلو : إما أن يكون الممزوج بها مماثلا ، أو أجود ، أو أردأ.

فإن كان مماثلا لم يكن ذلك رجوعا ، لأن الموصى به هنا مختلط بغيره ، فلا تضر زيادة الخليط ، ولا يختلف به الغرض. كذا علل المصنف في التذكرة (١) ، وفيه نظر ، لأن الممزوج به ليس متعلق الوصية ، فلو أبقينا الوصية لزم إعطاء ما ليس موصى به ، فكان الموصى به تالف ، لتعذر فصله.

وإن كان الممزوج أجود كان رجوعا ، لأنه بالمزج أحدث زيادة لم تتناولها الوصية ولم يثبت رضاه بتمليكها. وفيه نظر ، لأن هذا لو اقتضى الرجوع لاقتضاه ، إذا انهالت الجيدة بنفسها أو مزجها غيره. ويمكن الاحتجاج بأن مزجها بالأجود قرينة على ارادة الرجوع ، وفيه منع.

ولو خلطها بالأردإ فكالخلط بالمثل بل أولى ، لأن بعض المأخوذ دون حقه.

ولم يفرق في التحرير بين المزج بالأجود وغيره في انه ليس برجوع (٢) ، والذي يقتضيه النظر عدم الفرق ، فإن كان الخلط مقتضيا للرجوع وجب أن يقتضيه مطلقا ، وإلاّ فلا مطلقا أيضا ، فيمكن في الأجود أن يكون شريكا بنسبة القيمتين. وعدم اقتضاء الخلط الرجوع لا يخلو من وجه ، وإنما يأخذ في صورة المزج بالأردإ صاعا ، ولا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥١٦.

(٢) التحرير ١ : ٢٩٣.

٣٢١

ولو بنى عرصة أوصى بها فهو رجوع ، وكذا لو غرسها ، وكذا لو اوصى بثوب فقطعه قميصا أو بخشب فاتخذه بابا ، أو بشي‌ء فنقله من بلد الموصى له إلى مكان بعيد على اشكال في ذلك كله.

______________________________________________________

تعتبر القيمة هنا لانتفاء الدليل.

هذا حكم ما إذا خلطها الموصي ، فلو انهالت على الموصى به من الحنطة حنطة أجود ففي بطلان الوصية إشكال ـ وكذا لو خلطها غيره بغير إذنه ـ ينشأ : من أصالة بقاء الوصية لبقاء الموصى به ومن وجوب العمل بالوصية ما أمكن ، وهو ممكن هنا.

ومن أن الاختلاط يصيّر المختلط كالتالف ، لتعذر تمييزه وتسليمه. وهو ضعيف ، لأنه موجود قطعا ، وتعذر تسليمه لا يخل بالوصية ، لا مكان الرجوع الى القيمة فيكون شريكا بنسبة القيمتين.

وفي التذكرة حكم بدخول الزيادة الحاصلة بالجودة في الوصية (١). وقيد المصنف بالأجود احترازا عن المماثل والأردأ ، فإن الظاهر جزمه ببقاء الوصية مع اختلاطهما.

وفي قوله : ( ففي كونه رجوعا ) توسع ظاهر ، لأن ذلك لا يعد رجوعا قطعا ، إذ ليس من فعل الموصي ولا يعلمه ، فكيف يعد رجوعا منه عن الوصية؟ بل المراد لازمه وهو بطلان الوصية.

قوله : ( ولو بنى عرصة أوصى بها فهو رجوع ... ).

لو أوصى بعرصة ـ وهي الأرض الخالية من البناء والغرس ـ فانتفع بها بزرع ونحوه فليس رجوعا جزما ، لأنه كلبس الثوب. ولو بنى فيها أو غرس ففي كونه رجوعا إشكال ينشأ : من أن البناء والغراس يقصد بهما الدوام ، فيشعر ذلك بأنه قصد إبقاءها لنفسه وأبطل قصده الأول.

ومن أن أصالة بقاء الوصية ، والانتفاع بالموصى به ما دام الموصي حيا حقه ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥١٧.

٣٢٢

______________________________________________________

لأن الرقبة والمنافع مملوكة له وأثر الوصية إنما هو بعد الموت ، وفي ذلك الوقت يخرج الموصى به عن ملكه ، فلا يكون البناء والغرس دليلا على استيثاره بالعرصة بعد الموت الذي هو زمان التمليك بالوصية.

فإن قلنا بالبطلان فهل هو في موضع البناء والغرس خاصة دون البياض المتخلل أو مطلقا؟ فيه احتمالان ، الثاني منهما ـ تفريعا على البطلان ـ أوجه ، لأنه بدون ذلك ينقص الانتفاع بالغرس والبناء ، وتقل الرغبات فيهما ، ويحصل عيب الشركة.

وعلى الصحة ، فهل ينتظر بالانتفاع بالموصى به زوال البناء والغرس يوما ، أم يستحق الانتفاع في الحال حين الموت ، وهل يكون إبقاء البناء والغرس حقا واجبا عليه مجانا أم لا؟ لم أظفر في ذلك كله بتصريح ، والذي ينساق إليه النظر وجوب الإبقاء عليه مجانا تفريعا على الصحة.

وكذا الاشكال لو أوصى بثوب فقطعه قميصا ونحوه ، أو بخشب فاتخذه بابا أو نحوه. ومنشؤه : من أصالة بقاء الوصية ، ومن أن هذا الفعل دليل على الاستيثار بالموصى به والاختصاص فهو قرينة الرجوع.

وكذا الاشكال لو أوصى بشي‌ء فنقله من بلد الموصى له إلى مكان بعيد. ومنشؤه من الاستصحاب ، وأن هذا الفعل قرينة على ارادة الرجوع ، إذ لو لا قصد الرجوع لم يبعده عن الموصى له.

واختار في التذكرة في قطع الثوب قميصا انه رجوع ، وكذا في صبغه وقصره. وفي نقل الموصى به الى البعيد انه ليس برجوع (١). والاحتمال في الجميع قائم ، والتوقف أسلم ، إلاّ الأخير فإن عدم الرجوع فيه أقرب. ولو وجدت قرينة تدل على الرجوع أو على ارادة البقاء فلا بحث حينئذ.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥١٦.

٣٢٣

وكذا لو أوصى بخبز فجعله فتيتا ، أو بقطن فحشا به فراشا ، أو برطب فجففه تمرا ، أو بلحم فقدده ففي كونه رجوعا اشكال.

ولو أوصى له بألف ثم أوصى له بألف فهي واحدة ، وكذا بألف معنيّة ، ثم بألف مطلقة ، وبالعكس. ولو أوصى بألف ثم بألفين فهي بألفين ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو أوصى بخبز فجعله فتيتا ـ إلى قوله ـ إشكال ).

ينشأ : من أصالة بقاء الوصية ، وعدم منافاة شي‌ء من هذه الأمور لها خصوصا في الرطب واللحم ، فإن الفعل المذكور حفظ لهما وصيانة لهما عن التلف.

ومن أن ظاهر هذه الأفعال يشعر بإرادة الاستيثار بهذه الأشياء والاختصاص بها.

والأصح أن مجرد تخفيف الرطب لا يبطل الوصية ، وكذا اللحم إذا قدده ، إلاّ أن تدل قرينة على أنه يريد بذلك أكله والتزود به ونحو ذلك. وكذا الخبز إذا جعله فتيتا.

وأما القطن إذا حشا به فراشا ، ولم يكن إخراجه مستدعيا لإتلاف شي‌ء ـ كنقصان الفراش بالفتق ونحو ذلك ـ ولم تدل قرينة على ارادة الرجوع ، فالظاهر أنه ليس برجوع.

وهذا إذا كانت هذه الأشياء معيّنة ، فلو أوصى بخبز فجعل خبزه فتيتا ـ وكذا البواقي ـ فإنه على ما أسلفناه في الوصية بحنطة يجب أن يشترى له من التركة الموصى به ويدفع إليه.

قوله : ( ولو أوصى له بألف ... ).

وجهه ان المطلقين ، والمطلق والمعيّن ، سواء تقدم المطلق أم المعيّن ، لا يمتنع أن يكون المراد بهما واحدا. والأصل بقاء الملك على مالكه إلى أن يثبت المقتضي للنقل ، وهو منتف في محل النزاع ، فيحكم باتحاد متعلق الوصيتين ، فإن التعدد وإن كان محتملا ، إلاّ أن الأصل ينفيه ، ومنه يظهر وجه قوله : ( ولو أوصى بألف ثم بألفين فهي بألفين ).

٣٢٤

والرجوع في البعض ليس رجوعا في الباقي.

ولو تغيّر الاسم تغيّر فعل الموصي ، كما لو سقط الحب في الأرض فصار زرعا ، أو انهدمت الدار فصار براحا في حياة الموصي بطلت الوصية على اشكال.

ولو لم يكن الانهدام مزيلا لاسم الدار ، سلّمت إليه دون ما انفصل منها على إشكال‌

______________________________________________________

قوله : ( والرجوع في البعض ليس رجوعا في الباقي ).

إذ لا دلالة على ذلك ، والأصل بقاء الوصية.

قوله : ( ولو تغيّر الاسم تغيّر فعل الموصي ـ إلى قوله ـ على اشكال ).

ينشأ : من انتفاء متعلق الوصية فتبطل ، ومن تعلق حق الموصى له بالعين وأجزاؤها باقية.

والذي يقتضيه النظر أنه إن كان قد أوصى له بدار معيّنة فانهدمت فالوصية باقية ، لانتفاء الدليل الدال على البطلان ، وتغيّر الاسم لم يثبت كونه قادحا. وإن أوصى له بدار من دوره فانهدم الجميع قبل موته فليس ببعيد البطلان ، لانتفاء المسمى.

وكذا القول في الحب لو صار زرعا فإن ذلك لا يعد تلفا عرفا وتغير الصورة النوعية لا أثر له ، لأن الحكم دائر مع التلف عرفا.

وقيد بكون ذلك في حياة الموصي ، لأنه لو عرض بعد موته لم يقدح ، لسبق الاستحقاق ، وخصوصا على القول بأن القبول كاشف. وتقييده بكون التغيير بغير فعل الموصي يدل على أن ذلك لو كان بفعله بطلت الوصية ، لأنه دال على ارادة الرجوع ، وفيه اشكال.

قوله : ( ولو لم يكن الانهدام مزيلا ... ).

٣٢٥

وفي كون الجحود رجوعا إشكال ينشأ : من أنه عقد فلا يبطل بجحده كغيره من العقود ، ومن دلالته على أنه لا يريد إيصاله إلى الموصى له.

خاتمة : تشتمل على مسائل متعددة :

الاولى : لو أوصى بعبد مستوعب لزيد ، وبثلث ماله لعمرو ، ولم يقصد الرجوع ومنع من التقديم وأجاز الوارث ، قسّم العبد أرباعا ، ويحتمل أسداسا. ولو قصد الرجوع قسّم‌ أثلاثا ،

______________________________________________________

لا ريب أن الانهدام إذا لم يكن موجبا لتغير الاسم لا يقتضي بطلان الوصية ، لبقاء متعلقها ، فتسلم إلى الموصى له. وهل يسلم إليه المنفصل من الآلات بالانهدام؟

فيه إشكال ينشأ : من أن الوصية تعلقت بالدار واجزائها تبعا ، والمنفصل منها قبل الموت لا يعد جزءا لخروجه عن الجزئية بالانفصال.

ومن سبق تعلق الوصية بها حال كونها جزءا ، والأصل بقاؤه. ولا دليل على بطلان الوصية فيها ، وهذا أقوى.

وفي كون الجحود رجوعا إشكال ، ينشأ : من أنه عقد فلا يبطل بجحده كغيره من العقود ، ومن دلالته على أنه لا يريد إيصاله إلى الموصى له.

وفي دلالة مجرد الجحود على أنه لا يريد إيصال الموصى به نظر ، فإنه أعم من ذلك ، وربما كان له غرض متعلق بالجحود كطلب كتمانه عن بعض من يخشى ضرره (١) أو طمعه ونحو ذلك ، نعم لو دلت قرينة على ارادة الرجوع كان رجوعا ، إلاّ أنه ليس موضع النزاع ، وهذا هو الأصح.

قوله : ( خاتمة تشتمل على مسائل متعددة : الأولى : لو أوصى بعبد مستوعب لزيد وبثلث ماله لعمرو ، ولم يقصد الرجوع ، ومنع من التقديم وأجاز الوارث ، قسم العبد أرباعا ، ويحتمل أسداسا ، ولو قصدا الرجوع قسم‌

__________________

(١) في « ص » : جوره.

٣٢٦

______________________________________________________

أثلاثا ).

لو انحصرت التركة في عبد فأوصى به لزيد وبجزء مشاع ـ كثلث ماله ـ لعمرو ، ولم يقصد الرجوع ، ومنع من تقديم احدى الوصيتين على الأخرى ، وأجاز الوارث كلا منهما ، ففي كيفية قسمته بين الوصيتين وجهان.

واحترزنا بعدم قصد الرجوع عما لو قصده ، فإن الثلث يتمحض للوصية الثانية ، لبطلان تعلق الأولى به. وبالمنع من تقديم احدى الوصيتين على الأخرى عما لو قدم إحداهما ، فإن المقدمة تخرج ، وما يبقى بعدها يصرف إلى الأخرى وبإجازة الورثة عن ردهم ، فإنهم إذا ردوا لا يقتسم الموصى لهما مجموع العبد بل ثلثه.

إذا عرفت ذلك فأحد الوجهين أن يقسم العبد بين الموصى لهما أرباعا ، بأن تجمع بين الوصيتين وتبسط الأولى من جنس الكسر وتقسط التركة عليهما ، فإن الوصية بعبد وثلث التركة ، وهو ثلث العبد لانحصار التركة في العبد.

فإذا بسطت الوصية الأولى أثلاثا كان المجموع أربعة لكل واحد ربع التركة ، فللموصى له الأول ثلاثة أرباع ، وللثاني ربع ، كما في المديون مع قصور التركة عنها.

وهذا الوجه أقوى ، لأن العمل بالوصية ما أمكن واجب ، ولا ترجيح لإحدى الوصيتين على الأخرى ، فيجب أن تكون نسبة قسط كل من الوصيتين ونقصها إلى قسط الآخرى ونقصها كنسبة تلك الوصية إلى الوصية الأخرى. ولأن الموصي قد منع من التقديم ، فلا يجوز أن تقدم احدى الوصيتين على الأخرى بشي‌ء أصلا.

ولأنه لو نذر أن يعطي لزيد عبدا معينا ، ثم نذر أن يعطي عمرا ثلث ماله وانحصر ماله في العبد يقسط أرباعا قطعا كالدين ، حتى لو لم يؤد حيا قسم كذلك بعد الموت ، فالوصية بمثل ذلك كذلك ، لأن كلا منهما سبب في الاستحقاق ، وكون الوصية تبرعا والمنذور قد وجب لا أثر له في الحكم.

والوجه الثاني قسمة العبد بينهما أسداسا ، حملا للوصية على الدعاوي‌

٣٢٧

فإن خلّف مع العبد مائتين وقيمة العبد مائة ولم يقصد الرجوع ، أخذ الثاني على الأول مع الإجازة ثلث المال وثلثا عائلا من العبد وهو ربعه ، وللأول ثلاثة أرباعه.

______________________________________________________

المتعارضة. ووجهه : أنّ للأول ثلثي العبد لا يزاحمه فيهما أحد ، ويبقى الثلث الآخر قد ازدحمت فيه وصيتهما كل يطلبه بوصيته ، لأن الباقي من وصية الأول ثلث ، ووصية الثاني ثلث ، فيقسم بينهما للتكافؤ ، كما في الدعاوي المتعارضة إذا ادعى واحد مجموع العين والآخر ثلثها واستويا في الحجة ، فيجتمع للأول خمسة أسداس العبد وللآخر سدسه.

ويضعف بأن المتداعيين إن تشبثا فاليد تقتضي الملك بالاستقلال مع عدم المعارض ، وذلك متحقق في الثلثين إذا كان المتشبث الآخر يدعي الثلث خاصة.

وإن خرجا وأقاما بينتين ، فبينة الكل لا تعارضها الأخرى في الثلثين ، فوجب العمل بها فيهما ، والحكم بخلوصهما لمدعي الكل ، ويبقى التعارض في الباقي.

ولا كذلك الوصيتان ، لأن كلا منهما قد أثبت حقا في التركة ، فإن وفت بالحقين ، وإلاّ وجب التقسيط بغير ترجيح لانتفاء المرجح. ولنص الموصي على عدم التقديم.

ولو حكم للأول بالثلثين لزم تقديمه بهما ، وهو خلاف مقتضى الوصية. وقول المصنف : ( ولو قصد الرجوع ... ) بيان لمحترز قوله : ( ولم يقصد الرجوع ).

قوله : ( فإن خلّف مع العبد مائتين وقيمة العبد ... ).

أي : فإن خلّف مع العبد مائتين وقيمة العبد مائة والصورة بحالها ـ وهي أنه أوصى بالعبد لواحد ولآخر بثلث التركة ـ فإن الوصيتين تزدحمان في ثلث العبد ، لأن الوصية بثلث التركة تقتضي شمول ثلث كل عين من أعيان التركة ومنها العبد.

[ فإن ] قيل : الثلث أمر كلي ، فلا يتعيّن التعلق بثلث العبد المقتضي للازدحام ، بل الواجب إخراج الثلث مع الإجازة من غير نقص.

قلنا : منع الموصي من التقديم في الوصيتين دليل على أن المراد ازدحامهما ، إذ لا‌

٣٢٨

______________________________________________________

معنى للتقديم لولاه.

فإن قيل : ذلك على تقدير عدم الإجازة.

قلنا : ظاهر اللفظ الإطلاق ، بل الظاهر أنه مع الإجازة ، لأن الوصيتين المذكورتين إنما تخرجان على تقدير الإجازة ، وقد منع من التقديم معهما فيقتضي ذلك ثبوت الازدحام مطلقا.

إذا عرفت ذلك فلأول ثلاثة أرباع العبد ، وللثاني ثلث المال ، أي المائتين وربع العبد وهو ثلث عائل ، وذلك لأن ثلث المائتين للموصى له الثاني لا يشاركه فيه أحد وله ثلث العبد ، وللأول جميعه ، فحصل الازدحام فيه. فإذا قسط كان لكل ثلث من الوصيتين ربع العبد ، وهو ما أراده المصنف بقوله : ( ثلثا عائلا ) ، فيكون للثاني ربع العبد وللأول ثلاثة أرباعه.

هذا إذا أجاز الورثة ، لأن الوصيتين زائدتان على الثلث ، فإن ردوا الزائد ففيه احتمالات.

أحدها : أن للأول نصف العبد على الاحتمال الثاني في المسألة السابقة ، وهو قسمة العبد على الوصيتين أسادسا كالدعاوي. ووجهه : أن الوصية للأول بجميع العبد ، وهو ثلث التركة ، وللثاني بثلثه ، فكل منهما يدعي ثلثا ، وإذا قد ردّ الورثة يقسط الثلث على الوصيتين بالسوية لتساويهما ، ولكل سدس ، إلاّ أن الأول يعطى من العبد فيأخذ نصفه.

ويجي‌ء هذا الاحتمال على الأول أيضا ، لأن الموصى به ثلثان كل وصية بثلث ، وليس لهما إلاّ الثلث ، فإذا قسمته عليهما أصاب كل ثلث سدس ، إلاّ أن صاحب العبد يعطى منه.

ويرد على هذا ما نبّه المصنف عليه من أن وصية صاحب العبد أقل. وتحقيقه : أن وصية صاحب العبد ترجع إلى ثلاثة أرباعه ، ووصية الآخر ترجع إلى ربع العبد‌

٣٢٩

______________________________________________________

وثلث الباقي ، وهي أكثر من الأولى. فإذا تفاوت المقسط عليهما وجب أن تتفاوت حصتهما من المقسط عليهما ، وهذا إيراد لازم. ولم يوجد في بعض النسخ التصريح بمجي‌ء هذا الاحتمال على الأول أيضا.

الاحتمال الثاني : ـ بناء على الأول وهو اعتبار العول ، وهذا هو الأقوى عند المصنف بناء على العول ـ اقتسامهما الثلث حالة الرد بالتفاوت على حسب مالهما في حالة الإجازة ، بحيث تكون نسبة ما لكل واحد منهما حال الرد إلى ماله حال الإجازة كنسبة الثلث إلى مجموع الوصيتين من التركة حال الإجازة ، أو بحيث تكون نسبة الحاصل لأحدهما في حال الرد الى الحاصل للآخر كنسبة الحاصل له حال الإجازة إلى الحاصل للآخر حينئذ.

ووجهه : أنّ وصيتهما متفاوتتان ، فإن وصية صاحب العبد أقل ، لأن الموصي قد شرك الثاني معه في جميع وصيته ، ولم يشترك صاحب العبد مع الثاني فيما عدا العبد ، فكان لصاحب العبد ثلاثة أرباعه ، وللثاني ربعه وثلث الباقي كملا ، ولا شك أن الثانية أكثر.

وتوضيحه : أنك تطلب عددا لثلثه ربع ولباقيه بعد الثلث ثلث ، وذلك مضروب ثلاثة في أربعة ، والمرتفع في ثلاثة ، ومجموعه ستة وثلاثون ، ثلاثة أرباع ثلثها تسعة فهي الوصية الأولى ، وربع الثلث وثلث الباقي بعد الثلث أحد عشر فهي الوصية الثانية ، وهي أزيد من الأولى باثنين من أحد عشر ، فحيث قد ثبت تفاوتهما حال الإجازة وجب أن يكون حالهما في الرد كذلك ، لأن التقسيط على المتفاوتين يجب أن يكون بالتفاوت.

فإن شئت جمعت الوصيتين المذكورتين ـ أعني تسعة وأحد عشر ـ يبلغان عشرين ، فيقسط الثلث عليهما بأن يجعله عشرين ويكون الأصل ستين ، فيكون لصاحب العبد تسعة من العبد من أصل عشرين منه ـ وذلك ربعه وخمسه ـ وللآخر‌

٣٣٠

______________________________________________________

ثلثه من العبد ، هي عشرة ونصف عشرة وثمانية (١) من الأربعين هي خمسها.

وإن شئت نسبت الثلث من ستة وثلاثين ـ وهو اثنا عشر ـ الى مجموع الوصيتين في الإجازة ـ وهو عشرون ـ تجده ثلاثة أخماسها ، فيجب أن يكون قسط كل من الوصيتين من الثلث في حال الرد ثلاثة أخماس الحاصل له في حال الإجازة.

فإذا أردت أن يتضح ذلك فلا بد أن تطلب عددا يكون لثلاثة أرباع ثلثه خمس ، فتضرب خمسة في ستة وثلاثين تبلغ مائة وثمانين ، فثلاثة أرباع ثلثها خمسة وأربعون ، وثلث الثلثين مع ربع الثلث خمسة وخمسون ، وذلك هو الوصيتان في حال الإجازة ، ففي حال الرد ثلاثة أخماسهما وهو ثلث المجموع لأن ثلاثة أخماس الوصية الأولى سبعة وعشرون ، وثلاثة أخماس الوصية الأخرى ثلاثة وثلاثون ومجموعهما ستون هو الثلث.

وإن نسبت خمسة وأربعين إلى خمسة وخمسين ـ وذلك الوصيتان حال الإجازة ـ كانت تسعة أجزاء من أحد عشر جزءا على حد نسبة سبعة وعشرين إلى ثلاثة وثلاثين ـ أعني الوصيتين حال الرد ـ ، وهذا الاحتمال هو المختار.

الاحتمال الثالث : تفريعا على الثاني ، وهو إلحاق الوصيتين بالدعاوي المتعارضة أن يضم سهام الموصى له الثاني إلى سهام الورثة ، وتبسط العبد والتركة أخماسا ، وذلك لأنك إذا قسمت العبد أسداسا لانفراد الأول بالثلثين ، وقسمت الثلث الآخر بينه وبين الثاني كان للأول خمسة أسداس العبد ، وللثاني سدسه وثلث الباقي حال الإجازة ، وذلك بقدر خمسة أسداس العبد.

وبيانه : أنك تطلب عددا له ثلث ولثلثه سدس ، وهو ثمانية عشر ، فللأول خمسة منها هي خمسة أسداس العبد ، وللآخر سدس العبد وأربعة من الثلثين ، ومجموعهما عشرة.

__________________

(١) في النسختين الخطية والحجرية : ثمانمائة. وهو خطأ واضح.

٣٣١

______________________________________________________

هذا حال الإجازة ، وفي حال الرد يقسم الثلث على الوصيتين ، إما بأن تجعل الثلث عشرة ، فتدفع إلى الأول خمسة هي نصف العبد وسدس الأصل ، وتضم سهام الثاني إلى سهام الورثة وتبسط باقي العبد والتركة أخماسا ، لأن للثاني سدس الأصل وللورثة ثلثان ، وذلك بعد البسط خمسة ، فيكون له من العبد عشرة وخمس المائتين.

وإن شئت أخذت نصف العبد ـ وهو السدس ـ ودفعته إلى الموصى له الأول وخمس باقيه ، وخمس باقي التركة للثاني ، وليس له خمس فتضرب خمسة في ستة تبلغ ثلاثين.

والفرق بين هذا الاحتمال وبين الاحتمال المذكور أولا : هو أن للثاني من العبد في الرد سدسه وسدس باقي التركة على الاحتمال الأول. وعلى هذا الاحتمال له عشرة وخمس باقي التركة. وهما سواء لأن كلا منهما سدس الأصل.

ووجه هذا الاحتمال ـ أعني ضم وصية الثاني إلى سهام الورثة وبسط باقي التركة على الجميع ـ أن حقه مثل حقوقهم ، فيجب أن يتساووا في التقسيط لأعيان التركة بحسب الاستحقاق ، فلا يستحق من العبد أكثر من حصته بحسب البسط وهي عشرة.

وهذا لا يختص بالاحتمال الثاني ، بل يأتي على الأول أيضا ـ أعني العول ـ بناء على أن لكل من الموصى لهما السدس ، وتفريع المصنف له على الثاني لا ينافي تفريعه على الأول.

واعلم أن الشارح الفاضل ذكر هذا الاحتمال مرتين : إحداهما مع الاحتمالات الثلاثة قبل الثالث ، والثانية تفريعا على اقتسامهما المال على حسب مالهما حال الإجازة (١) ، ولا وجه لذلك.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٦٤٣ ـ ٦٤٤.

٣٣٢

ولو ردّ الورثة ما زاد على الثلث فللأول نصف العبد ، وللثاني سدس التركة ، فيأخذ سدس العبد وسدس المائتين ، فله من العبد ستة عشر وثلثان ، ومن باقي التركة ثلاثة وثلاثون وثلث.

ويحتمل قويا على الأول اقتسامهما الثلث حالة الرّد على حسب مالهما في الإجازة ، فوصية صاحب العبد أقل ، لأنه شرك معه في وصية غيره ولم يشرك في وصية الثاني غيره ، فلصاحب الثلث ثلث المائتين من غير مزاحمة.

ويشتركان في العبد للثاني ثلثه وللآخر جميعه فيصير أرباعا ، وفي حال الرد ترد وصيتهما إلى ثلث المال ، تضرب مخرج الثلث في مخرج الربع يكون اثني عشر ، ثم في ثلاثة تكون ستة وثلاثين ، فلصاحب الثلث ثلث المائتين وهو ثمانية من أربعة وعشرين ، وربع العبد وهو ثلاثة أسهم ، صار أحد عشر.

ولصاحب العبد ثلاثة أرباعه وهو تسعة تضمهما إلى سهام صاحب الثلث ، فالجميع عشرون. ففي الرد تجعل الثلث عشرين فالمال ستون ،

______________________________________________________

[ فإن ] قيل : وجهه أن هذا الاحتمال يلزم باعتبار وجوب التقسيط على الورثة والموصى له الثاني بحسب الاستحقاق ، ويلزم أيضا تفريعا لحال الرد على حال الإجازة ، وفي حال الإجازة تكون الوصيتان عشرة من ثمانية عشر ، مضروب ثلاثة في ستة على الثاني ففي حال الرد يجعل الثلث عشرة. والمال ثلاثون ، لصاحب العبد خمسة هي نصفه ، وللآخر واحد ـ وهو عشرة ـ وأربعة من باقي التركة ، فهذا لازم احتمال الضم وجب على احتمال آخر.

قلنا : الاحتمال هو الحكم لا المقتضي له ، فإذا ثبت الحكم بسببين لم يعد كل منهما احتمالا برأسه.

٣٣٣

فلصاحب العبد تسعة من العبد وهو ربعه وخمسه ، ولصاحب الثلث ثمانية من الأربعين وهي خمسها ، وثلاثة من العبد وهو عشرة ونصف عشره.

ويحتمل مع عدم الإجازة ضم سهامه إلى سهام الورثة ، وبسط باقي العبد والتركة أخماسا ، فله عشر العبد وخمس المائتين على الثاني.

الثانية : لو خلّف عبدا مستوعبا قيمته مائة وأوصى به لواحد ، ولآخر بثلثه ، ولآخر بسدسه على جهة العول ، قسّم العبد تسعة : ستة لصاحب الكل ، واثنان لصاحب الثلث ، وواحد لصاحب السدس.

ويحتمل أن يكون للأول تسعة وعشرون من ستة وثلاثين ، وللثاني خمسة ، وللثالث اثنان.

ولو جعل العول بين المستوعب والآخرين دونهما ، فللأول ثلاثة‌

______________________________________________________

قوله : ( لو خلف عبدا مستوعبا قيمته مائة ... ).

وجه الأول على طريقة العول ظاهر ، فإن الوصايا كلها إذا جمعت وبسطت من جنس أدق ما فيها من الكسور بلغت تسعة فيقسم العبد عليها يرجع سدس العبد إلى تسع ، فللأول ستة هي الثلثان ، وللثاني اثنان هما تسعان ، وللثالث واحد هو تسع.

ووجه الاحتمال الثاني ان للأول ثلثين بوصيته لا يزاحمه فيهما أحد من الموصى لهم ، يبقى ثلث نصفه ازدحم فيه وصية كل من الأول والثاني ، فوجب أن يقسم بينهما.

ويبقى سدس آخر ازدحم فيه وصية كل من الثلاثة ، فيقسم بين الثلاثة ، فيطلب مالا له سدس ولسدسه نصف ، ولسدسه أيضا ثلث ، إذ لا بد فيه من قسمة سدس نصفين ، وسدس آخر أثلاثا وذلك ستة وثلاثون ، للأول منها أربعة وعشرون بغير مزاحم ومن مقاسمة الثاني ثلثه ومن مقاسمة الثاني والثالث اثنان وذلك تسعة وعشرون ، وللثاني خمسة ، وللثالث اثنان ، وذلك ظاهر.

قوله : ( ولو جعل العول بين المستوعب ... ).

٣٣٤

أرباع ، وللثاني السدس ، وللثالث نصفه.

ولو ردّ الوارث قسّم الثلث كذلك.

ولو كان مع العبد مائتان واوصى به لواحد ولآخر بثلث ماله ، ولآخر بسدسه. فلصاحب العبد مع الإجازة ثلثا العبد ، ولصاحب الثلث تسعاه وثلث الدراهم ، ولصاحب السدس تسعة وسدس الدراهم ومع الرد يضرب صاحب العبد مائة ، وصاحب الثلث بها ، وصاحب السدس بخمسين ، وينحصر حق صاحب العبد فيه.

______________________________________________________

يناسب أن يكون هذا احتمالا ثالثا في الفرض المذكور. وتحقيقه : أنه كما يحتمل‌ أن يكون العول بين الوصايا الثلاث ، أو يكون حكم تعارض الدعاوي بينهما ، كذا يحتمل أن يكون العول بين المستوعب ـ وهو الأول ـ وبين الأخيرين ، بأن يكون بينهما حكم تعارض الدعاوي بأن يجعل السدس غير منظور إليه مع الثلث ولا ملحوظ ، كما أنك لا تنظر إلى السدس مع الثلث إذا أجريت على الجميع حكم الدعاوي فيأخذ للأول الثلثين الى آخره.

وحينئذ فتعتبر الوصية بالجميع والوصية بالثلث ويقسط العبد عليهما ، فيكون لصاحب الجميع ثلاثة أرباع ، ويبقى للأخيرين ربع يعتبر فيه حكم الدعاوي المتعارضة ، يسلم الذي الثلث نصف سدس منه لعدم التزاحم فيه ، ويبقى سدس يقسم بينهما.

ولو عكس ذلك لكان للثالث سبع ، وللأول اثنان وعشرون من ستة وثلاثين بغير مزاحم ، ويبقى أربعة عشر قد ازدحم فيها وصية الأول والثالث فيقسم بينهما. ويصح من اثنين وأربعين.

قوله : ( ولو كان مع العبد مائتان ... ).

أي : لو كان مع العبد الذي قيمته مائة ـ وهي ثلث التركة ـ مائتان ، وأوصى‌

٣٣٥

وعلى الاحتمال القوى تجعل الثلث ثمانية عشر : للأول ستة من العبد ، وللثاني اثنان منه وستة من باقي التركة ، وللثالث واحد منه وثلاثة من باقي التركة.

______________________________________________________

لواحد به ، ولأخر بثلث جميع ماله ، ولأخر بسدس الجميع ولم يقصد الرجوع ومنع من التقديم ، فإما أن يجيز الورثة أو يردوا.

فإن أجازوا ففي قسمة العبد الاحتمالان السابقان في المسألة المذكورة أولا :

أحدهما : اعتبار العول في الوصايا فيقسم العبد على تسعة ، للأول ستة هي ثلثاه ، وذلك تمام وصيته. وللثاني اثنان منه هما تسعاه وثلث باقي التركة. وللثالث واحد هو تسعة وسدس باقي التركة ، لأن السدس رجع بالعول تسعا.

والاحتمال الثاني : قسمته على حكم الدعاوي المتعارضة فلأول ثلثاه بغير منازع ونصف سدس الخامس وثلث السادس ، وذلك تسعة وعشرون من ستة وثلاثين من العبد. وللثاني نصف سدس الخامس وثلث السادس ، وذلك خمسة مع ثلث باقي التركة ، وللثالث اثنان وسدس باقي التركة أيضا.

هذا حكم الإجازة ، وأما حكم الرد ففيه احتمالات :

أحدهما : أن يضرب صاحب العبد بمائة وصاحب الثلث بمائة أيضا ، لأن كلا منهما وصيته بثلث التركة وصاحب السدس بخمسين ، فيقسم الثلث على مائتين وخمسين ، لكل من الأولين خمساه ، إلاّ أن صاحب العبد ينحصر حقه فيه ، فيكون له خمساه. وللثاني خمسا الثلث فيكون له خمسا ثلث العبد ـ وهما اثنان من خمسة عشر ـ ، وخمسا ثلث باقي التركة ، وذلك أربعة من ثلاثين. وللثالث خمس ثلث العبد وخمس باقي التركة ، وذلك ثلاثة. ويصح من خمسة وأربعين.

ووجه هذا الاحتمال أن الوصايا الزائدة على الثلث ، إذا رد الورثة ما زاد منها على الثلث وجب أن يقسط الثلث عليها بالنسبة على العول.

٣٣٦

______________________________________________________

وكذا الحكم لو اعتبرت القسمة على حكم الدعاوي المتعارضة لأن النقص حال الإجازة إنما جاء عليهم ، لأن الوصايا ازدحمت في العبد لتعلق واحدة بجميعه ، واخرى بثلثه ، وأخرى بسدسه ، فإذا حصل الرد وقسط الثلث على الوصايا انتفى الازدحام الاحتمال الثاني : وهو القوي بناء على الأول ـ قسمة الثلث حال الرد كقسمته حال الإجازة. والقسمة في حال الإجازة بالتفاوت ، فكذا في حال الرد ، لأن الموصى له بالعبد قد شرك بينه وبين الآخرين فيه ، ولم يشرك بينه وبينهما في باقي وصيتهما على ما تقدم.

فحيث كان للأول من العبد في حال الإجازة ستة من تسعة على أن التركة سبعة وعشرون ، وللثاني من العبد اثنان وثلث الثلثين ستة ، وللثالث من العبد واحد وثلاثة من الباقي سدس الثلثين ، ومجموع ذلك ثمانية عشر ، وجب في حال الرد أن يكون الثلث ثمانية عشر والتركة أربعة وخمسون ، فللأول من الثلث ستة منحصرة في العبد ، وللثاني ثمانية اثنان من العبد ، وللثالث أربعة واحد من العبد. ونسبة وصية كل منهم حال الرد إلى وصيته حال الإجازة كنسبة الثلث إلى مجموع الوصايا.

ويجي‌ء على اعتبار التفاوت حال الإجازة اعتباره حال الرد على الاحتمال الثاني ـ وهو القسمة على حكم الدعاوي المتعارضة ـ احتمال آخر ، وهو أن يجعل الثلث اثنين وسبعين لأن لصاحب العبد حال الإجازة تسعة وعشرون من ستة وثلاثين هي الثلث ، وللثاني خمسة من العبد وأربعة وعشرون هي ثلث الثلثين وذلك تسعة وعشرون ، وللثالث اثنان من العبد واثنا عشر هي سدس الثلثين وذلك أربعة عشر ، ومجموعها اثنان وسبعون. فإذا قدرت الثلث اثنين وسبعين كان للمستوعب تسعة وعشرون منحصرة في العبد وللآخر تسعة وعشرون خمسة من العبد وللثالث أربعة عشر اثنان من العبد.

٣٣٧

الثالثة : لو ترك ثلاثة قيمة كل واحد مائة ، وأوصى بعتق أحدهم ، ولآخر بثلث ماله على سبيل العول ، عتق من العبد ثلاثة أرباعه ، وكان‌

______________________________________________________

واعلم أن الشارح الفاضل ولد المصنف أفاد أن الأصل في احتمالي قسمة الثلث على حسب الوصيتين أو على حسب مالهما في الإجازة أن ما يأخذه صاحب الثلث وصاحب السدس من العبد هل يكون الموصي قد رجع فيه عن الوصية لصاحب العبد أم لا.

والفائدة أنه لو رجع عن وصيتهما في العبد يكون ما كان لهما للورثة أم للموصى له بالعبد؟ والأقوى الأول ، لأن ملك اثنين لشي‌ء واحد محال (١).

وفيه نظر ، لأن الرجوع في الجملة مقطوع به لا محالة ، وكيف تصح وصيتان متضادتان يراد كل منهما من حيث هي هي!؟ وإنما نشأ الاحتمالان من أن النقص الحاصل حين الإجازة بسبب الازدحام هل هو مقصود للموصي ، أم مراده تنفيذ الوصيتين بحسب الممكن؟ وفي حال الرد يمكن تنفيذهما من غير نقص فيجب العمل به.

إلاّ أن الأول أقوى ، لأن الرد إنما جاء من قبل الورثة ، والذي أراده الموصي يقتضي إعطاء الوصيتين بالتفاوت ، فإذا حصل الرد نزل على ذلك تمسكا بالاستصحاب ، وانتفاء المقتضي لما زاد.

قوله : ( لو ترك ثلاثة قيمة كل واحد مائة ... ).

لا فرق بين هذه المسألة والمفروض في المسألة الأولى في الحكم فإنها في المعنى مثلها ، لأن الموصى بعتقه بمنزلة الموصى له بجميع العبد ، فتأتي الاحتمالات السابقة كلها. وكل ما حصل للموصى له بالعبد على احتمال منها نفذ العتق في مثله هنا ، ويكون للثاني ما كان له هناك على ذلك الاحتمال.

وما ذكره المصنف هو الاحتمال الأول مع الإجازة ، ومع الرد يحتمل نفوذ العتق‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٦٤٦.

٣٣٨

للموصى له ربعه وثلث العبدين الآخرين مع الإجازة ، ومع الرد تبلغ الوصيتان مائتين ، والثلث مائة وهو مثل نصفه. فلكل واحد نصف ما اوصى له به ، فينعتق من العبد نصفه ، ولصاحب الثلث سدس كل عبد ، ويحتمل ما تقدم.

الرابعة : إذا كان مال اليتيم غائبا ، فولاية التصرف في ماله إلى قاضي بلده لا قاضي بلد المال مع عدم الوصي.

ولو مات صاحب ديون غريبا لم يكن لقاضي بلدة الموت استيفاء ديونه ، فإن أخذها حفظها على الوارث.

______________________________________________________

في نصفه. ويحتمل اعتبار التفاوت حال الإجازة واعتباره حال الرد ـ وهو الاحتمال القوي ـ فيعتق منه ربعه وخمسه ، وللثاني منه عشرة ونصف عشرة وخمس الآخرين.

وعلى الاحتمال الثاني يعتق من العبد خمسة أسداسه ، وللآخر سدسه وثلث الآخرين مع الإجازة. ومع الرد يحتمل أن ينفذ العتق في نصف العبد ويكون للثاني منه ومن كل عبد سدسه ستة عشر وثلثان.

ويحتمل مع نفوذ العتق في النصف أن يضم حصة الثاني إلى حصص الورثة ، ويقسم باقي العبد والآخرين أخماسا ، فله من الموصى بعتقه عشرة وخمس الآخرين ، وللورثة خمسان وأربعة أخماس الآخرين. وقد تقدّم ذكر الاحتمالات ، ودلائلها مستوفاة ، وبيان ما هو المختار.

قوله : ( إذا كان مال اليتيم غائبا فولاية التصرف في ماله إلى قاضي بلده ... ).

وذلك لأن الولاية في التصرف بالمال تابعة للولاية على اليتيم ، إذ هي أثرها. والولاية عليه إنما هي لقاضي بلده مع عدم الوصي دون قاضي بلد المال.

قوله : ( ولو مات صاحب ديون غريبا ... ).

أما أنه ليس لقاضي بلد الموت استيفاء ديونه ، فلأنه إن كان الوارث كاملا فلا ولاية لأحد عليه. وإن كان غير كامل فولايته للأب أو الجد أو الوصي ، ومع عدمهم.

٣٣٩

الخامسة : للوصي أن يوكل في آحاد التصرفات التي لم تجر عادته أن يتولاها.

السادسة : لو أقام الأب وصيا لأطفاله لم يكن للقاضي تغييره بعد موته ، إلاّ أن يتغير حاله ، ولو كان بأجرة ووجد القاضي المتبرّع فالأقرب انه ليس له العزل إن وفّى الثلث ، وإلاّ جاز ، لخفة المؤنة عن الأطفال.

______________________________________________________

فلقاضي بلده كما عرفت آنفا. وينبغي أن يستثني من ذلك ما إذا خيف على الديون أن تضيع ، فإنه يسوغ له حينئذ استيفاؤها من باب الحسبة.

والمراد بالديون في قوله : ( صاحب ديون ) كونها له ، فلو كانت عليه وخلّف مالا فلحاكم بلد الموت إيفاؤها مع طلب أربابها ، كما يستوفى من المديون إذا امتنع من الأداء. وأما أنه إذا أخذها حفظها على الوارث ، فلأنه لا يجوز إعادتها على من كانت بيده ، إذ لا ولاية له عليها ، وبأخذها منه زالت سلطنته.

ويشكل بأن الدين إنما يتعيّن بقبض صاحبه أو من يقوم مقامه ، وقد تقدّم أنه لا ولاية لقاضي بلد الموت إذا لم يكن الوارث المولى عليه في بلد حكمه. نعم ، يستقيم ذلك في الأعيان كالوديعة وما جرى مجراها.

قوله : ( للوصي أن يوكل في آحاد التصرفات التي لم تجر عادته أن يتولاها ).

نظرا إلى العادة المطردة في ذلك ، وكذا فيما يعجز عنه لسعة الأموال وتعددها في الأماكن المتباعدة ، كما يجوز للوكيل أن يوكل في أمثال ذلك.

قوله : ( لو أقام الأب وصيا لأطفاله ... ).

لما تقرر أن القاضي لا ولاية له على الأطفال مع وجود الأب أو الجد له ، أو وصي أحدهما مع اتصافهما بالصفات المشترطة في الوصي المستقل ، لم يكن له التعرض إلى الوصي الذي عيّنه الأب لأطفاله إذا كان جامعا للصفات المعتبرة ، فلا يغيره ولا‌

٣٤٠