جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٤

الثاني : الصيغة وهي قوله : وصيت إليك ، أو فوضت إليك أمور أولادي ، أو نصبتك وصيا لهم ، أو في حفظ مالي ، أو فيما له فعله. ولا بد فيه من القبول في حياة الموصى أو بعد موته.

______________________________________________________

قوله : ( الصيغة وهي قوله : وصيت إليك : أو فوضت إليك أمور أولادي ، أو نصبتك وصيا لهم ، أو في حفظ مالي ، أو فيما له فعله. ولا بد فيه من القبول في حياة الموصي أو بعد موته ).

لا تنحصر الصيغة في الأمور التي ذكرها ، فلو قال : أقمتك مقامي في كذا صح ، وكذا ما أدى معناه. ولو قال : وليتك كذا بعد موتي ، أو جعلتك وليا بعد الموت صح على أقوى الوجهين ، وهو مقرّب التذكرة. وقول المصنف : ( أو فيما له فعله ) انتقال من التكلم إلى الغيبة من دون اقتضاء المقام له.

وكما يصح الإطلاق في الوصية ، كذا يصح التأقيت ، مثل : أنت وصيي إلى سنة ، أو إلى أن يبلغ ابني فلان. أو أن يوصي إلى زوجته أن تتزوج.

والقبول شرط عندنا ، وهو مستفاد من قول المصنف : ( ولا بد ... ) ، خلافا لبعض العامة (١). ولا يشترط القبول نطقا ، فلو فعل مقتضى الوصية كان قبولا. وكذا لا يشترط وقوعه في حياة الموصي ، بل لو وقوع في حياته لم يعتد به عند بعض العامة (٢). ومختار المصنف الاعتداد به ـ وهو الظاهر ـ كما لو وكله في عمل يتأخر وقته ، فقبل في الحال فإنه يصح ويمتثل في المستقبل.

قال المصنف في التذكرة : والرد في حياة الموصي على هذين الوجهين (٣) ، فعلى الأول لو ردّ قبل موته جاز ، ولو رد بعد الموت بطلت الوصية.

__________________

(١) انظر : المغني لابن قدامة ٦ : ٤٧١.

(٢) انظر : المجموع ١٥ : ٤٣٤ ، والمغني لابن قدامة ٦ : ٦٠٦.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٠٨.

٢٦١

ولو قال : أوصيت إليك ولم يقل : لتتصرف في مال الأطفال ، احتمل الاقتصار على مجرد الحفظ والتصرف.

ولو اعتقل لسانه فقرئ عليه كتاب الوصية فأشار برأسه بما يدل‌ على الإيجاب كفى ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : أوصيت إليك ، ولم يقل له : ليتصرف في مال الأطفال ، احتمل الاقتصار على مجرد الحفظ والتصرف ).

لا ريب أنه لا بد في الإيجاب في الوصية بالولاية من تفصيلها. أو تعميمها إن كان يريد عموم التصرف ، فيقول : أوصيت إليك في كذا وكذا. أو يقول : أوصيت إليك في جميع أمور أولادي ، أو جميع التصرفات ، أو في كل قليل وكثير.

ولو قال : أوصيت إليك ، واقتصر عليه وقع لغوا ، كما لو قال : وكلتك ولم يعيّن ، نص عليه في التذكرة (١) ونقل الشارح الفاضل عدم الخلاف في وقوع هذا اللفظ لغوا ، ومنه يعلم أن المصنف لا يريد بقوله : ( أوصيت إليك ) الاقتصار عليه ، وإنما يريد أنه إذا قال : أوصيت إليك أو أقمتك مقامي في أمر أطفالي ، ولم يذكر كما صرح به في التذكرة (٢).

وقد ذكر فيه احتمالين : أحدهما : انه لا ينصرف إلاّ إلى الحفظ ، لأن اللفظ يحتمله ويحتمل التصرف ، فينزّل على الأقل : لأنه المتيقن.

والثاني : تنزيله على التصرف ، لأن المفهوم عرفا من هذا اللفظ هو إقامته مقامه ، خصوصا عند من يرى أن المفرد المضاف يفيد العموم ، وهذا واضح.

قوله : ( ولو اعتقل لسانه فقرئ عليه كتاب الوصية ، فأشار برأسه بما يدل‌ على الإيجاب كفى ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٠٨.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٦٢٣.

٢٦٢

ويقتصر على المأذون ، فلو جعل له النظر في مال معيّن لم يتعد إلى غيره.

ولو جعل له النظر في مال الطفل الموجود لم يكن له النظر في متجددات أمواله ، ولو أطلق له النظر في ماله دخل فيه المتجدد.

______________________________________________________

وذلك لأنه بالعجز صار كالأخرس ، وقد تقدّم في أول الوصايا في فعل الحسن والحسين عليهما‌السلام في وصية امامة بنت أبي العاص واكتفائهما بإشارتها (١).

قوله : ( ويقتصر على المأذون ، فلو جعل له النظر في مال معيّن لم يتعد إلى غيره. ولو جعل له النظر في مال الطفل الموجود لم يكن له النظر في متجددات أمواله ، ولو أطلق له النظر في ماله دخل فيه المتجدد ).

وجه ذلك كله العمل بمقتضى اللفظ ، فإن دل على التعميم أو التخصيص كان متبعا ، لأن منشأ الاشكال الولاية من الموصى بهذا اللفظ المخصوص ، فلا يستفاد حصولها إلاّ بقدر ما دل عليه اللفظ ، ولعموم قوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) (٢) ، وتجاوز مدلول اللفظ تبديل له.

وقال أبو حنيفة : إذا أوصى إليه في شي‌ء بعينه صار وصيا في كل ما يملكه ، لأن هذه ولاية تنتقل إليه من الأب بموته ، فلا تتبعض كولاية الجد (٣).

والفرق أن الجد استحق الولاية بالولادة ، وهي لا تتبعض والاذن يتبعض. وأيضا فإن ولاية الجد ثابتة بأصل الشرع على وجه العموم ، وولاية الوصي من الموصى فتتبع الاذن. فعلى هذا لو أوصى إلى متعددين بوصايا متعددة ، لكل واحد منهم شي‌ء بخصوصه ، كان لكل واحد منهم ما جعل إليه دون غيره.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٤٦ حديث ٥٠٦ ، التهذيب ٩ : ٢٤١ حديث ٩٣٥.

(٢) البقرة : ١٨١.

(٣) المجموع ١٥ : ٥١٤.

٢٦٣

الثالث : الموصي : وهو كل من له ولاية على مال ، أو أطفال ، أو مجانين شرعا كالأب والجد له.

أما الوصي فليس له الإيصاء إلاّ أن يأذن له الموصى على رأى ، فإن لم يأذن كان النظر الى الحاكم بعد موت الوصي.

______________________________________________________

قوله : ( الثالث : الموصي ، وهو كل من له ولاية على مال ، أو أطفال ، أو مجانين شرعا كالأب والجد له ، أما الوصي فليس له الإيصاء إلاّ أن يأذن له الموصى على رأى ، فإن لم يأذن كان النظر الى الحاكم بعد موت الوصي ).

يشترط في الموصي بالولاية أن يكون له ولاية على الموصى عليه ثابتة بأصل الشرع قطعا ، لامتناع الاستنابة وإثبات الولاية ممن لا ولاية له ، فلا بد أن تكون ولايته ثابتة بأصل الشرع ، بأن يكون أبا أو جدا له ويشترط أن يكون بالغا عاقلا رشيدا حرا ، لأن من عداهم لا يملك أمور نفسه ، فأمور غيره بطريق أولى.

ولو لم تكن ولاية الموصي بأصل الشرع بأن كان وصيا لأحدهما ، فإن أذن له الموصي في الاستنابة عند موته جاز له ذلك بمقتضى الاذن ، وإن لم يأذن له ففي جواز استنابته قولان :

أحدهما ـ واختاره الشيخ في النهاية والخلاف (١) ، وابن البراج (٢) ، وابن الجنيد (٣) ـ أن له ذلك ، لصحيحة محمد بن الحسن الصفار أنه كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام : رجل كان وصي رجل فمات وأوصى إلى رجل ، هل يلزم الوصي وصية الرجل الذي كان هذا وصيه؟ فكتب عليه‌السلام : « يلزمه لحقه إن كان له قبله حق إن شاء الله تعالى » (٤).

__________________

(١) النهاية : ٦٠٧ ، الخلاف ٢ : ١٨٤ مسألة ٤٣ كتاب الوصايا.

(٢) المهذب ٢ : ١١٧.

(٣) نقله عنه العلامة في المختلف : ٥١١.

(٤) الفقيه ٤ : ١٦٨ حديث ٥٨٧.

٢٦٤

______________________________________________________

وجه الاستدلال : أن المراد بالحق هنا حق الايمان ، فكأنه قال : يلزمه إن كان مؤمنا. ولأن الموصي لما أقامه مقامه ثبت له من الولاية ما ثبت له ، ومن ذلك الاستنابة بعد الموت. ولأن الاستنابة من جملة التصرفات التي تملك بالنص عليها ، فكما يملك غيرها من التصرفات بالاستنابة فيه خصوصا أو عموما ، فكذا الاستنابة بعد الموت.

وقال المفيد وأبو الصلاح وابن إدريس وأكثر الأصحاب أنه مع الإطلاق ليس للموصى الإيصاء (١) للأصل ، ولأن المتبادر من الاستنابة في التصرف الاستنابة في تصرفه بنفسه ، أما تفويض التصرف إلى غيره فلا يدل عليه دليل.

ولأن الوصي لا يملك نصب وصي بدله في حال حياته ، فبعد موته بطريق أولى. وجواز توكيله في الجزئيات الخاصة لا يقتضي جواز نصب وصي ، وهذا أقوى.

والجواب عن الرواية : أن حمل الحق على الايمان ليس أولى من حمله على حق الموصي الأول ، بأن يكون الموصي قد أوصى إلى رجل ، وانه إذا حضرته الوفاة فالوصي زيد ، فإن الحق حينئذ قبل الوصي الثاني للأول ، ويكون الضمير في قوله : ( لحقه ) راجعا إلى الموصى الأول ، ومع تطرق الاحتمال فلا حجة فيها.

وعن الباقي ان الفرق بين الأب والجد والوصي ظاهر ، فإن ولايتهما في جميع الأمور ثابتة بأصل الشرع ، بخلاف الوصي فإنه نائب ومفوض إليه ، فولايته بحسب استنابته وتفويضه.

ولا يتبادر من إطلاقهما إلاّ تصرفه بنفسه لا إقامة وصي مقامه ، وإنما يحمل اللفظ عند إطلاقه على المتبادر منه ، فعلى هذا إذا لم يأذن الموصي في الاستنابة عند موت الوصي يكون النظر في أمور الموصى عليهم للحاكم وما سيأتي من تجويز الوصية إلى السفيه ، ومن لا كفاية فيه يقتضي ثبوت الولاية إلى أب السفيه بطريق أولى.

__________________

(١) المقنعة : ١٠١ ، الكافي في الفقه : ٢٣٥ ، السرائر : ٣٨٤.

٢٦٥

وكذا لو مات انسان ولا وصي له كان للحاكم النظر في تركته ، فإن لم يكن حاكم جاز أن يتولاه من المؤمنين من يوثق به على اشكال.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لو مات انسان ولا وصي له كان للحاكم النظر في تركته ، فإن لم يكن حاكم جاز أن يتولاه من المؤمنين من يوثق به على اشكال ).

لا يخفى أن الولاية بالأصالة على الطفل ثابتة لأبيه ثم لجده الأدنى ، ثم من يليه وهكذا. ولا ولاية للأبعد مع وجود الأقرب ، فمع عدم الأب والجد فوصي الأب ، فإن فقد فوصي الجد ، ومع عدم الجميع فالحاكم. والمراد به الامام المعصوم أو نائبه الخاص ، وفي زمان الغيبة النائب العام ، وهو المستجمع لشرائط الفتوى والحكم. وإنما سمّي نائبا عاما لأنه منصوب على وجه كلي بقولهم عليهم‌السلام : « انظروا إلى من كان منكم » (١) ، الحديث.

فإن فقد الكل فهل يجوز أن يتولى النظر في تركة الميت من المؤمنين من يوثق به والمراد به العدل ، إذ الفاسق لا أمانة له ولا يوثق به؟

فيه إشكال ينشأ : من أن ذلك مصلحة من المصالح الحسبية ، فيستفاد الاذن فيه من دلائل الأمر بالمعروف ، وتطرق محذور إتلاف مال الطفل يندفع بحصول وصف العدالة. ومن أن إثبات اليد على مال الطفل ، والتصرف فيه بالبيع والشراء وغيرهما موقوف على الاذن الشرعي ، وهو منتف.

ويمكن الجواب باستفادة الاذن من الدلائل المذكورة ، ومن قوله تعالى : ( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (٢) ، وقوله تعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (٣) فالمختار الأول.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٢ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ٥ حديث ١٨ ، التهذيب ٦ : ٣٠١ حديث ٨٤٥.

(٢) المائدة : ٢.

(٣) التوبة : ٧١.

٢٦٦

ولا يجوز نصب وصي على أولاده الكاملين ، ولا على غير أولاده وإن كانوا ورثة صغارا أو مجانين كالاخوة والأعمام.

نعم له نصب وصي في قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه.

______________________________________________________

وينبغي أن يكون موضع الاشكال ما عدا محل الضرورة ، فإن الضروري من أمور الطفل من إنفاق وصيانة مال مشرف على التلف كتذكية شاته المشرفة على الموت ، ونحو ذلك يجب أن يكون مستثنى ومقطوعا بوجوبه.

ولا يخفى أن الحاكم حيث أطلق لا يراد به إلاّ الفقيه الجامع للشرائط. وما نقله الشارح الفاضل من عبارة الشيخ المتضمنة أنه مع عدم السلطان يتولى النظر بعض المؤمنين ، لا يدل على عدم اشتراط الفقه في الحاكم كما فهمه الشارح ، لأن السلطان يتناول الحاكم تبعا ، من حيث أن يده يد السلطان ، لأنه نائبه.

واعلم أن قول المصنف : ( جاز أن يتولاه من المؤمنين ) ليس المراد من الجواز استواء الطرفين ، بل الاذن في ذلك شرعا ، فإنه متى جاز وجب ، لأنه من فروض الكفايات. واعلم أيضا أن المراد بعدم الحاكم عدم وجوده في القطر ، أو حصول المشقة العظيمة بمراجعته عادة.

قوله : ( ولا يجوز نصب وصي على أولاده الكاملين ، ولا على غير أولاده وإن كانوا ورثة صغارا أو مجانين كالاخوة والأعمام ، نعم له نصب وصي في قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه ).

لما لم يكن للأب والجد له ولاية على ولده الكامل ، أعني البالغ العاقل الرشيد ، لم يكن لأحدهما نصب وصي عليه ، لأن الاستنابة في الولاية فرع ثبوت الولاية للمسبب ، ومن ثمة لم يكن لمن حضره الموت أن ينصب وصيا على غير أولاده وإن كان المنصوب عليهم ورثة صغارا أو مجانين كالاخوة والأعمام وأولادهم ، ومن جرى هذا المجرى. نعم له أن ينصب وصيا في التصرف المختص به كقضاء ديونه وتنفيذ وصاياه ، لأن ولاية ذلك ثابتة له.

٢٦٧

ولا يجوز له نصب وصي على ولده الصغير أو المجنون مع الجد للأب ، بل الولاية للجد وفي بطلانها مطلقا اشكال ، نعم تصح في إخراج الحقوق.

______________________________________________________

والظاهر أنه لا يعتد بنصب الحاكم إذا حضره الموت ، لأن ولايته دائرة مع حكمه المنوط باجتهاده ، وهو منتف بعد الموت.

قوله : ( ولا يجوز له نصب وصي على ولده الصغير أو المجنون مع الجد للأب ، بل الولاية للجد ، وفي بطلانها مطلقا اشكال ، نعم يصح في إخراج الحقوق ).

أي : لا يجوز للأب نصب وصي على ولده الصغير أو المجنون مع وجود الجد للأب ، لأن الجد بدل الأب شرعا ، والولاية ثابتة له بأصل الشرع ، فليس للأب نقلها عنه ، ولا إثبات شريك معه.

وقال بعض العامة : إنّ وصي الأب أولى من الجد ، لأنه نائبه ، فهو بمنزلة وكيله ، ووكيل الأب أولى من الجد.

ويرده أن ولاية الجد بعد موت الأب ثابتة بأصل الشرع ، بخلاف وكيل الأب ، إذ الجد لا ولاية له مع وجود الأب. فإذا أوصى الأب على أطفاله مع وجود أبيه ففي بطلان وصيته مطلقا ـ أي في حياة الجد وبعد موته ، وفي الثلث وما زاد ، أو بطلانها في حياته خاصة ، أو فيما زاد على الثلث خاصة ـ إشكال ينشأ من تعارض وجوه الأقوال الثلاثة :

الأول : البطلان مطلقا ـ وهو مختار الشيخ في الخلاف وموضع من المبسوط (١) ـ لأن الأب لا ولاية له بعد موته مع وجود الجد وصلاحيته للولاية. وإذا انقطعت ولايته حينئذ بموته لم تعد إلاّ بأمر الشارع ، ولم يثبت.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٨٤ مسألة ٤٠ كتاب الوصايا ، المبسوط ٤ : ٥٤.

٢٦٨

وليس للأم أن توصي على أولادها وإن لم يكن لهم أب ولا جد ، وللجد للأب أن يوصي على أولاد أولاده إذا لم يكن لهم أب.

______________________________________________________

الثاني : بطلانها في زمان ولاية الجد خاصة ، لأنها شاملة للأزمنة كلها ، ولا مانع إلاّ وجود الجد وولايته ، فيختص البطلان بزمان وجوده.

وجوابه : أن ولاية الأب انقطعت بموته مع وجود الجد ، فعودها بموته يحتاج إلى دليل.

الثالث : صحتها في الثلث خاصة ، لأن له إخراجه عن الوارث ، فيكون له إثبات الولاية فيه للغير بطريق أولى ، واختاره الشيخ في موضع من المبسوط (١).

ويضعّف بمنع الملازمة والأولية ، فإن إزالة الملك يقتضي إبطال حق الوارث أصلا ، وبقاؤه في ملك الوارث يقتضي كون الولاية عليه لوليه الشرعي الثابتة ولايته بالأصالة ، فلا يكون للأب ولاية بالنسبة إليه أصلا. وأصح الأقوال الأول.

ومما قررناه يعلم انه لو أوصى الأب إلى غير الجد في إخراج الحقوق وإيفاء ديون صح ، إذ لا ولاية للجد هنا أصلا.

قوله : ( وليس للأم أن توصي على أولادها وإن لم يكن لهم أب ولا جد ).

لأنها لا ولاية لها أصلا ، ومن لا ولاية له يمتنع استنابته للغير ، وثبوت الولاية باستنابته. وقال بعض الشافعية : أنه يجوز لها أن توصي على أولادها الأصاغر كالأب ، لأنها أحد الأبوين (٢). والفرق أن الأم ليست أهلا للولاية ، فوصيتها كوصية غيرها من الأجانب.

قوله : ( وللجد للأب أن يوصي على أولاد أولاده إذا لم يكن لهم أب ).

لأن الولاية حينئذ ثابتة له.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٥٢.

(٢) انظر : مغني المحتاج ٣ : ٧٥.

٢٦٩

ولو أوصى بثلثه للفقراء ومات وله جد أطفاله لم يتصرف الجد في الثلث ، بل الحاكم إذا لم يكن له وصي.

الرابع : الوصي وشروطه ستة :

الأول : العقل ، فلا تصح الوصية إلى المجنون منضما ومنفردا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أوصى بثلثه للفقراء ومات وله جد أطفاله لم يتصرف الجد في الثلث بل الحاكم ).

وذلك لأن الثلث في هذه الحالة ليس للأطفال ليليه الجد ، وإنما هو حق للميت ، فإن كان له وصي لإخراجه ، وإلاّ تولى إخراجه الحاكم. ولو قال المصنف بدل قوله : ( وله أب ) : لم يتصرف أبوه ، لكان أحسن.

قوله : ( الرابع : الوصي : وشروطه ستة :

الأول : العقل : فلا تصح الوصية إلى المجنون منضما ومنفردا ).

لا خلاف في أنه لا تصح الوصية إلى المجنون المطبق ، وهل تصح إلى من يعتوره الجنون أدوارا فينفذ تصرفه وقت إفاقته؟ إشكال ينشأ : من وجود الشرط حين كونه وصيا. ومن صدق الاسم ، واختلال الحال بتجدد جنونه. وذهب في الدروس إلى الصحة ، وتتعلق الوصية بأوقات الإفاقة (١) ، وليس ببعيد. ومتى حكمنا بعدم الصحة فلا فرق بين كونه منفردا ومنضما ، إذ وجوده كعدمه.

ولو أوصى إلى عاقل فجن بطلت الوصية. وهل يعود بعود العقل؟ فيه تردد ينشأ : من أنه لا دليل على عودها بعد بطلانها. ومن إمكان تعلق الوصية من أول الأمر بوقت كمال العقل.

وعدم العود أقوى ، لأنها إنما تثبت له بوصف العقل الثابت ، ولا دليل على ثبوتها في جميع أوقات العقل ، فيستصحب بطلانها ، وسيأتي التصريح بذلك في كلام‌

__________________

(١) الدروس : ٢٤٧.

٢٧٠

الثاني : البلوغ ، فلا يصح التفويض إلى الطفل منفردا ، سواء كان مميّزا أو لا. ويصح منضما إلى البالغ ، لكن لا يتصرف حال صغره ، بل يتصرف الكبير إلى أن يبلغ ، وحينئذ لا يجوز للبالغ التفرد.

ولو بلغ الصبي فاسد العقل أو مات جاز للكبير الانفراد ، ولا يداخله الحاكم.

______________________________________________________

المصنف عن قريب إن شاء الله تعالى.

قوله : ( الثاني : البلوغ ، فلا يصح التفويض إلى الطفل منفردا ، سواء كان مميّزا أو لا ).

لأنه لا يملك التصرف لنفسه ، فلغيره أولى ، ولا فرق بين كونه مراهقا وعدمه.

قوله : ( ويصح منضما إلى البالغ ، لكن لا يتصرف حال صغره ، بل يتصرف الكبير إلى أن يبلغ ، وحينئذ لا يجوز للبالغ التفرد ).

إنما جازت الوصية إلى الصبي منضما ، لأن ولايته حينئذ تابعة ، وقد يغتفر في حال التبعية ما لا يغتفر استقلالا ، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك. وإنما يتصرف الكبير بالاستقلال ، لأن الوصية له في وقت صغر الصبي بالانفراد.

وإنما التشريك بعد للبلوغ ، كما لو قال : أنت وصيي ، وإذا حضر فلان فهو شريكك ، ومن ثمة لم يكن للحاكم أن يداخله ، ولا أن يضم إليه آخر ليكون نائبا عن الصغير. أما إذا بلغ الصغير فإنه لا يجوز للبالغ التفرد ، لأنه الآن غير مستقل.

قوله : ( ولو بلغ الصبي فاسد العقل أو مات جاز للكبير الانفراد ، ولا يداخله الحاكم ).

وذلك لأن الصبي لا شركة له في الوصية قبل البلوغ ، ولم يتحقق وصف البلوغ المقتضي للمشاركة ، فيبقى الاستقلال كما كان عملا بالاستصحاب. ويحتمل أن ينصب الحاكم مع الآخر أمينا ، لأن الموصي إنما فوّض إليه بالاستقلال إلى حين بلوغ الصبي فلا يبقى له استقلال بعد ذلك.

٢٧١

وليس للصبي بعد بلوغه نقض ما فعله الكبير قبله إذا لم يخالف المشروع ، وهل يقتصر البالغ من التصرف على ما لا بد منه؟ نظر.

______________________________________________________

وقد ذكر المصنف الاحتمالين في التذكرة (١) ولم يرجّح شيئا ، وكذا شيخنا في الدروس (٢). وفي الأول قوة ، لأنه إنما ضم إليه الصبي على تقدير أهليته ، ولم يحصل.

ولو بلغ الصبي رشيدا لم ينفرد الكبير حينئذ ، فإن مات فوجوب الضم هنا ظاهر.

قوله : ( وليس للصبي بعد بلوغه نقض ما فعله الكبير قبله إذا لم يخالف المشروع ).

وذلك لأن التصرف الواقع حينئذ تصرف واقع من أهله في محله ، وليس للصبي حينئذ ولاية. والضمير في قوله : ( قبله ) يعود إلى البلوغ.

قوله : ( وهل يقتصر البالغ من التصرف على ما لا بد منه؟ نظر ).

أي : هل يقتصر البالغ فيما إذا أوصى إلى صبي وبالغ من التصرفات على ما لا بد منه ـ يعني على الأمر الضروري كالأكل والشرب والكسوة ونحو ذلك من الأمور الضرورية ـ ، أم يتصرف كمال التصرف بالمصلحة؟

فيه نظر ، ينشأ : من أن الكبير قبل بلوغ الصبي وصي بالاستقلال ، لامتناع ثبوت الإيصاء إلى الصبي قبل كماله ، إذ هو محجور عليه. ولأنه لو كان شريكا في الولاية قبل البلوغ وجب أن لا ينفذ من التصرفات شي‌ء مع انفراده وإن كان ضروريا ، إذ هو كالأجنبي ، بل يجب أن يضم إليه الحاكم ، وهو باطل.

ومن أن ظاهر التشريك يقتضي عدم الاستقلال بالتصرف ، خرج منه محل الضرورة ، فيبقى الباقي على أصله.

ويضعف بأن مجرد الاضطرار إلى ذلك التصرف لا يقتضي تسلطه عليه‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥١٠.

(٢) الدروس : ٢٤٧.

٢٧٢

الثالث : الإسلام ، فلا تصح وصية المسلم إلى الكافر وإن كان رحما ، ويصح أن يوصي إليه مثله. وهل تشترط عدالته في دينه؟ نظر.

______________________________________________________

بالانفراد لو كان له شريك ، بل يلزم وجوب الضم نيابة عن الطفل ، واللازم باطل ، فتكون ولايته بالاستقلال ، فلا يفرّق بين الضروري وغيره ، وهو الأصح.

قوله : ( الثالث : الإسلام ، فلا تصح وصية المسلم إلى كافر وإن كان رحما ).

وذلك لأن الكافر ليس من أهل الولاية على المسلمين ، ولا من أهل الأمانة. والركون إليه منهي عنه بقوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (١). ولا فرق بين كون الكافر رحما وغيره ، ولا بين الذمي وغيره ، للاشتراك في سبب المنع.

قوله : ( ويصح أن يوصي إليه مثله. وهل يشترط عدالته في دينه؟ نظر ).

أما صحة وصية الكافر إلى مثله في الجملة ، فلأن الكافر يلي بالنسب كما يلي المسلم ، فجاز أن يلي بالوصية. ويحتمل عدمه ، لأن الكافر اسوأ حالا من المسلم الفاسق. فعلى الأول هل يشترط عدالته في دينه ، أي كونه أمينا مجتنبا في مذهبه مثل ما يعتبر اجتنابه في ملة الإسلام بالنسبة إلى عدالة المسلم؟

فيه نظر ينشأ : من أن المسلم الذي ليس بعدل لا تصح الوصية إليه ، فالكافر أولى ، لأنه أسوأ حالا من الفاسق ، فإن الكفر أعظم من الفسق ، وهو رأس الفسوق. ومن أن الغرض من اشتراط وصف العدالة صيانة حال الطفل وحفظ ماله وأداء الأمانة. وإذا كان الكافر في ملته مجانبا للمحرمات حصل الغرض المطلوب ، بخلاف المسلم الفاسق.

ولقائل أن يقول : إن كان المراد بصحة الوصية إلى الكافر من مثله صحتها‌

__________________

(١) سورة هود ، آية : ١٣٣.

٢٧٣

وتصح وصية الكافر الى المسلم إلاّ أن تكون تركته خمرا أو خنزيرا.

الرابع : العدالة ، وفي اعتبارها خلاف ، الأقرب ذلك.

______________________________________________________

عندهم فلا شغل لنا بالبحث عن أحكام ملتهم ، وإن كان الغرض صحتها عندنا ، بمعنى انهم إذا ترافعوا إلينا حكمنا بها وألزمنا بمقتضاها ـ وهذا هو المراد على الظاهر ـ فالحكم بالصحة مع القول باشتراط العدالة في الوصي المسلم بعيد ، وعدالته في ملته لا أثر لها ولا يركن إليها ولا يوثق بأفعاله ، بل إيقاع كثير منها على الوجه المخالف لملة الإسلام أمر معلوم.

قوله : ( وتصح وصية الكافر إلى المسلم ، إلاّ أن تكون تركته خمرا أو خنزيرا ).

لا مانع من كون المسلم وصيا للكافر على كافر ، إذا كان بحيث يصح لمثله أن يكون وصيا لمسلم. نعم لو كان متعلق الوصية ما لا يجوز التصرف فيه في ملة الإسلام ، كالخمر والخنزير والميتة ، لم تصح الوصية فيه قطعا.

قوله : ( الرابع : العدالة ، وفي اعتبارها خلاف ، الأقرب ذلك ).

اختلف الأصحاب في اشتراط العدالة في الوصي ، فقال الشيخ في المبسوط (١) ، والمفيد في المقنعة (٢) ، وابن حمزة (٣) ، وسلار (٤) ، وابن البراج (٥) ، وأكثر الأصحاب بالاشتراط ، واضطراب كلام ابن إدريس ، فاشترطها تارة ، ونفي الاشتراط أخرى (٦).

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٥١.

(٢) المقنعة : ١٠١.

(٣) الوسيلة : ٤٤٥.

(٤) المراسم : ٢٠٢.

(٥) المهذب ٢ : ١١٦.

(٦) السرائر : ٣٨٤.

٢٧٤

______________________________________________________

وذهب المصنف في المختلف إلى عدم الاشتراط (١).

والأصح الأول.

لنا أن الوصية استيمان ، والفاسق ليس أهلا له ، لوجوب التثبت عند خبره.

أن الوصية تتضمن الركون قطعا ، والفاسق ظالم ، فلا يجوز الركون إليه لقوله تعالى : ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٢).

وان الوصية استنابة على الغير ، فيشترط في النائب العدالة كوكيل الوكيل ، بل أولى ، لأن تقصير وكيل الوكيل مجبور ببقاء الوكيل والموكل ونظرهما وتفحصهما ، وذلك من أكبر البواعث على تحرز وكيل الوكيل من تجاوز الحدود ، بخلاف الوصي ، فإن ولايته بعد موت الموصي في زمان صغر الموصى عليه إن كانت الوصية على طفل ، أو حيث لا يداخله أحد غالبا ، ولا يتتبع أفعاله إن كانت الوصية في إخراج حقوق ونحو ذلك.

احتج المصنف في المختلف بأنها نيابة ، فيتبع اختيار المنوب (٣). ويضعف بأنه ليس كل نيابة تتبع اختيار المنوب ، فإن من عجز عن الحج ووجب عليه الاستنابة ، إنما يستنيب العدل. وأيضا فإنها نيابة في حق الغير ، فيتعين فيها اعتبار العدالة.

وربما احتج بأن إيداع الفاسق جائز إجماعا ، مع أنه استئمان. والفرق ظاهر ، فإن ذلك حق للمودع وله إتلاف ما له ، فايداع الفاسق بمقتضى العادة المستمرة أولى. وأيضا فإن الفرق في الاستنابة بين ما يختص بالمنوب وغيره من حقوق الله تعالى أو حقوق الناس ثابت ، ولهذا جاز له أن يودع ما له من الفاسق ، بخلاف مال ولده.

__________________

(١) المختلف : ٥١٠.

(٢) هود : ١١٣.

(٣) المختلف : ٥١٠.

٢٧٥

ويشكل الأمر في الأب الفاسق.

نعم لو أوصى إلى العدل ففسق بعد موته عزله الحاكم ونصب غيره ، فإن عاد أمينا لم تعد ولايته.

______________________________________________________

فرع : لو كان على ظاهر العدالة ، لكن يعلم الفسق من نفسه ويثق بالخروج من عهدة الوصية ، فهل له أن يقبلها؟ الظاهر نعم ، لأنا لا نمنع من الوصية إلى الفاسق إلاّ لعدم الوثوق بفعله ما يجب.

قوله : ( ويشكل الأمر في الأب الفاسق ).

أي : يشكل أمر الولاية في الأب الفاسق ، بناء على اشتراط العدالة في الوصي ثبوتا وانتفاء. ووجه الاشكال أن ولايته ثابتة بأصل الشرع تابعة لأبوته ، ولم يشترط الشارع في ولايته العدالة.

والفرق بينه وبين الأجنبي قائم ، لأن شفقته المركوزة في الجبلة تمنعه من تضييع مصلحة أولاده. ومن حيث أن الفاسق لا يركن إليه وليس أهلا للاستئمان. وربما لم توجد الشفقة المانعة عن تضييع مصلحة الطفل في بعض الأفراد ، فإن الناس متفاوتون ، وأسباب الفسق مختلفة.

والذي يقتضيه النظر أن ولايته ثابتة بمقتضى النص والإجماع ، واشتراط العدالة فيه لا دليل عليه. والمحذور مندفع بأن الحاكم متى ظهر عنده بقرائن الأحوال اختلال حال الطفل إذا كان للأب عليه ولاية عزله ومنعه من التصرف في ماله وإثبات اليد عليه ، وإن ظهر خلافه فولايته ثابتة. وإن لم يعلم حاله استعلم بالاجتهاد ، وتتبع سلوكه وشواهد أحواله.

قوله : ( نعم لو أوصى إلى العدل ففسق بعد موته عزله الحاكم ونصب غيره ، فإن عاد أمينا لم تعد ولايته ).

هذا استدراك مما اقتضاه ظاهر الكلام السابق ـ وهو ثبوت الخلاف في اشتراط العدالة في الوصي وأن الأقرب اشتراطها ـ وإنما استدرك هذا لأنه قاطع بانعزال‌

٢٧٦

والأب تعود ولايته بالتوبة ، ولا تعود ولاية القاضي والوصي بالإفاقة بعد الجنون.

الخامس : الحرية ، فلا تصح الوصية إلى مملوك غيره إلاّ بإذن مولاه ،

______________________________________________________

الوصي إذا كان عدلا وتجدد فسقه بعد موت الموصي ، وكأنه لا خلاف في ذلك عندنا ، لأن الموصي إنما أوصى إليه بهذا الوصف ، وربما كان هو الباعث الأصلي على التفويض إليه ، وقد فات. وينعزل من حين الفسق وإن لم يعزله الحاكم لوجود المانع.

والظاهر أن قول المصنف : ( عزله الحاكم ) لا يريد به توقف عزله على عزل الحاكم ، لما قلناه من وجود المانع ، بل أراد تسلط الحاكم حينئذ على منعه ، وهو العزل الظاهري ـ أعني قطعه عن التصرفات ـ وإن كان العزل الشرعي قد حصل من حين الفسق. ومثله عزل الإمام القاضي إذا فسق.

ولا يخفى أنه لو عاد أمينا لم تعد ولايته ، إذ لا دليل على عودها بعد البطلان ، واستصحاب الحال حجة.

واحترز بقوله : ( بعد موته ) عما إذا فسق قبل موته واكتفينا في العدالة بوجودها حالة الموت ، فإنه إذا صار عدلا قبل الموت صحت ولايته.

قوله : ( والأب تعود ولايته بالتوبة ، ولا تعود ولاية القاضي والوصي بالإفاقة بعد الجنون ).

الفرق أن ولاية الأب مستندة إلى القرابة المستمرة ، وإنما زالت بعارض ، فإذا زال عادت. ولأنها ثابتة بأصل الشرع ، وبالعارض لم تزل بالكلية ، بل يمنع من التصرف كما يمنع الزوج من الاستمتاع بالإحرام مع بقاء الزوجية.

وأما الوصي والقاضي إذا جنّ أحدهما فإن ولايتهما إنما تثبت بالتولية والتفويض ، فإذا زالت بالجنون ونحوه لم تعد إلاّ بتفويض جديد. وكذا القاضي إذا فسق فإنه كالوصي.

قوله : ( الخامس : الحرية : فلا تصح الوصية إلى مملوك غيره إلا بإذن‌

٢٧٧

وتجوز الوصية إلى المرأة والأعمى والوارث.

______________________________________________________

مولاه ، وتجوز الوصية إلى المرأة والأعمى والوارث ).

إنما لم تصح الوصية إلى المملوك فلأن منافعه مملوكة لغيره ، والوصية تستدعي نظرا في الموصى فيه وسعيا ، وهو ممنوع منه ، لأنه حق الغير ، فإذا أذن المولى زال المانع وصحت الوصية ، لأن المنع من قبله ، وحينئذ فليس للمولى بعد قبوله وموت الموصي الرد ، كما إذا قبل الحر ومات الموصي. وقال الشافعي وجمع من العامة : أنه لا يصلح للوصية بكل حال (١).

وأما المرأة فإنها إذا كانت جامعة لشرائط الوصية صحت الوصية إليها باتفاقنا ، وقد روى علي بن يقطين عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن رجل أوصى إلى المرأة وشرك في الوصية معها ، صبيا فقال : « يجوز ذلك وتمضي الوصية ولا ينتظر بلوغ الصبي ، فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضى ، إلاّ ما كان من تبديل أو تغيير فإن له أن يرده إلى ما أوصى به الميت » (٢).

وهذه كما تدل على المراد ، تدل على أن الكبير الموصى إليه مع طفل لا يقتصر في التصرف على قدر الضرورة ، لظاهر قوله عليه‌السلام : « وتمضي الوصية ولا ينتظر بلوغ الصبي » (٣). ورواية السكوني عن علي عليه‌السلام بالمنع من الوصية إليها (٤) محمولة على التقية أو الكراهية.

وعن عطاء أنه قال : لا تصح الوصية إليها كما لا تصح أن تكون قاضية (٥).

__________________

(١) المجموع ١٥ : ٥٠٨ ، المغني لابن قدامة ٦ : ٦٠٢ ، المحلى ٩ : ٣٢٨.

(٢) الكافي ٧ : ٤٦ حديث ١ ، الفقيه ٤ : ١٥٥ حديث ٥٣٨ ، التهذيب ٩ : ١٨٤ حديث ٧٤٣ ، الاستبصار ٤ : ١٤٠ حديث ٥٢٢.

(٣) الكافي ٧ : ٤٦ حديث ١ ، الفقيه ٤ : ١٥٥ حديث ٥٣٨ ، التهذيب ٩ : ١٨٤ حديث ٧٤٣ ، الاستبصار ٤ : ١٤٠ حديث ٥٢٢.

(٤) الفقيه ٤ : ١٦٨ حديث ٥٨٥ ، التهذيب ٩ : ٢٤٥ حديث ٩٥٣ ، الاستبصار ٤ : ١٤٠ حديث ٥٢٣.

(٥) المجموع ١٥ : ٥١٠.

٢٧٨

السادس : كفاية الوصي واهتداؤه إلى ما فوّض إليه ، فلو قصر عن ذلك نصب الحاكم معه أمينا ، وكذا لو تجدد العجز بعد الموت ولا ينعزل ، بخلاف العدل إذا فسق.

______________________________________________________

والفرق أن القاضي لا بد أن يكون كاملا مجتهدا أهلا للحكومة ، بخلاف الوصية ، فإذا حصلت الشرائط في أم الأطفال فهي أولى ، لكن لا ولاية لها بالأمومة خلافا لأبي حنيفة (١).

وكذا تصح الوصية إلى الأعمى الجامع للشرائط عند علمائنا ، وهو قول أبي حنيفة (٢) ، وأحد وجهي الشافعي (٣) ، لأن الفرض أن الأعمى صحيح التصرف ، فجاز أن يكون وصيا. وفي الوجه الآخر لا يجوز ، لأنه لا يقدر على البيع والشراء في حق نفسه ، فلا يوجد فيه معنى الولاية ، والأصل ممنوع.

وأما الوارث فإنه إذا كان كاملا مستجمعا للشرائط لم يكن وصف الإرث مانعا ، وحكى المصنف في التذكرة أن بعضا شرط في الوصي انتفاء العداوة بينه وبين الطفل الذي يفوض أمره اليه (٤) ، ولا بعد فيه.

قوله : ( السادس : كفاية الوصي واهتداؤه إلى ما فوّض إليه ، فلو قصر عن ذلك نصب الحاكم معه أمينا. وكذا لو تجدد العجز بعد الموت ، ولا ينعزل بخلاف العدل إذا فسق ).

هذا الشرط ليس على نهج الشروط السابقة ، لأنه شرط لجواز انفراد الوصي واستقلاله بالتصرف ، فإن الوصية إلى من لا كفاية عنده ولا يهتدى إلى التصرف لسفه‌

__________________

(١) المبسوط ٢٧ : ٢٥.

(٢) المبسوط ٢٧ : ٢٥.

(٣) المجموع ١٥ : ٥٠٨ ، مغني المحتاج ٣ : ٧٤.

(٤) التذكرة ٢ : ٥١١.

٢٧٩

______________________________________________________

أو هرم ، جائزة على ما يستفاد من قوله : ( فلو قصر عن ذلك نصب الحاكم معه أمينا ) ، وبه صرح في التذكرة ، وقال : إنه الظاهر من مذهب علمائنا (١).

وتردد شيخنا في الدروس ، معللا بأن العمل بقول الوصي ما أمكن واجب ، فتصح الوصية وينصب الحاكم أمينا ، وبه ينجبر نقص الوصي. وبأن الفائدة المقصودة من الوصية منتفية هنا ، فيكون نصبه عبثا (٢).

ولو تجدد العجز في الأثناء لم ينعزل ويضم إليه القاضي ، وذلك بطريق أولى ، وبه قطع في الدروس (٣).

ولا يخفى أن الحكم بعد انعزال الوصي بتجدد السفه ونحوه يقتضي الاعتراف بجواز الوصية إليه ، إذ لو كان ذلك منافيا للوصية لاقتضي تجدده عزله ، ونمنع انتفاء الفائدة في نصبه.

والفرق بين تجدد العجز وتجدد الفسق أن الأمانة هي الفرض الملحوظ في الوصية ، فإذا اتصف بها الموصى إليه ، فالظاهر من حال الموصي إن الاتصاف بها هو محط النظر ، فإذا زالت امتنع بقاء الوصية. وأما تجدد العجز فإنه لا يخل بالمقصود ، إذ مع الضم يحصل المراد.

واعلم أن التقييد بما بعد الموت في قوله : ( لو تجدد العجز بعد الموت ) لا ينفي تعلق الحكم لو تجدد بعد الوصية وقبل الموت. نعم على القول بالاكتفاء بالشروط حين الوفاة ، فلو تجدد قبل الموت ثم زال قبله أيضا لم يحتج إلى الضم. واعلم أيضا أنه لو ضم إليه الحاكم أمينا ثم زال العارض فهل يستقل أم يبقى الانضمام بحاله؟ فيه وجهان.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥١١.

(٢) الدروس : ٢٤٨.

(٣) الدروس : ٢٤٨.

٢٨٠