جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٤

١
٢

٣
٤

٥
٦

البحث الثاني : فيما اشتمل على الاستثناء :

قاعدة : إذا اوصى بمثل نصيب وارث إلاّ جزءا معينا فأبسط المسألة أولا على سهام ضحاح ، يخرج منه صاحب الفرض والورثة بسهام صحاح ، ثم تضيف إليها للموصى له مثل سهام من اوصى له بمثله ، وتضربها في مخرج المستثنى. ثم تعطي كل من استثني له من نصيبه ما استثني ، وتعطي كل واحد من باقي الورثة بحساب ذلك من المستثنى ، وما بقي قسمته على جميع سهام الورثة وسهام الموصى له ، لكل واحد منهم بقدر سهامه.

وانظر إن كان من استثنى يستغرق الجملة ، أو أكثر حتى لا تصح القسمة على الباقي فلا تتعرض للقسمة فإنها لا تصح.

ولك طرق في بيان استخراج ما يرد في‌ هذا الباب.

______________________________________________________

قوله : ( إذا أوصى بمثل نصيب وارث إلا جزءا معينا فابسط المسألة أولا على سهام صحاح ، تخرج منه صاحب الفرض والورثة بسهام صحاح ، ثم تضيف إليها للموصى له مثل سهام من أوصى له بمثله وتضربها في مخرج المستثنى ، ثم تعطي كل من استثني له من نصيبه ما استثنى ، وتعطي كل واحد من باقي الورثة بحساب ذلك من المستثنى ، وما بقي قسمته على سهام جميع الورثة ، وسهام الموصى له لكل واحد منهم بقدر سهامه وانظر إن كان من استثني يستغرق الجملة أو أكثرها حتى لا تصح القسمة على الباقي فلا تتعرض للقسمة فإنها لا تصح. ولك طرق في بيان استخراج ما يرد في‌ هذا الباب ).

٧

______________________________________________________

هذا هو البحث الثاني من البحثين في الأحكام المتعلقة بالحساب وهو معقود للمسائل الحسابية المشتملة على الاستثناء.

وقد ذكر المصنف قاعدة لمسائل هذا الباب هي في الحقيقة طريق من طرق استخرجها ، فقول المصنف آخرا : ولك طرق في بيان استخراج ما يرد في هذا الباب يراد به : ولك طرق غير ما ذكره ، لأنه من المعلوم أن طريق الجبر طريق بالاستقلال غير هذه القاعدة ، فلا يراد إلا ما ذكرناه.

وتحقيقها : إنه إذا أوصى بمثل نصيب أحد ورثته إلا جزءا معينا من المال كثلث المال وربعه ، قال المصنف : فابسط المسألة أولا على سهام صحاح ، يخرج منه صاحب الفرض والورثة بسهام صحاح ، والمراد من ذلك : تصحيح مسألة الورثة قبل الشروع في تصحيح مسألة الوصية ، بحيث يخرج سهم كل واحد من الورثة من المسألة صحيحا لا كسر فيه : سواء كان الوارث صاحب فرض أولا ، فأراد بالمسألة مسألة الورثة ، وببسطها على سهام صحاح تصحيحها على قلناه.

ومرجع الضمير في قوله : ( منه ) هو ما دل عليه قوله : فابسط أي : من ذلك المبسوط ، أو من ذلك البسط ، فأن المصدر مذكور في الفعل ضمنا.

والمراد بقوله : ـ ( والورثة ) ـ بعد قوله : ( صاحب الفرص سائرهم ) ، أي : يخرج منه صاحب الفرض من الورثة وسائر الورثة ، أي : باقيهم بسهام صحاح هي استحقاقه ، ثم تضيف إلى مسألة الورثة للموصى لهم مثل سهام ذلك الموصى بمثل سهامه من الورثة وتضرب المجموع في مخرج الكسر المستثنى ، فضمير له في قوله : ( من أوصى له ) يعود إلى الموصى له.

٨

______________________________________________________

والضمير في قوله : ( بمثله ) يعود إلى من الذي يراد به الوارث الموصى بمثل نصيبه ، كالابن في المسألة الاولى والثانية الآتيتين ، ثم تنظر حاصل الضرب فتعطي الموصى بمثل نصيبه ، واستثني منه الجزء المعين قدر ما استثنى ، فإذا كان الموصى بمثل نصيبه هو الابن ، والجزء المستثنى هو الربع ، دفعت إليه ربع المال ، وتنظر كم نسبة هذا المدفوع إلى نصيبه في أصل الفريضة.

ففي المسألة الأولى تدفع ثمانية ونصيبه في أصل الفريضة ـ التي هي ستة ـ اثنان ، والثمانية أربعة أمثاله ، فيعطى كل واحد من باقي الورثة بحساب نصيبه من المستثنى ، فمن كان له سهمان في أصل الفريضة دفعت إليه أربعة أمثاله أربعة ، فالمشار إليه بـ ( ذلك ) في قوله : ( بحساب ذلك ) يحتمل أن يراد به نصيب كل واحد من باقي الورثة ، وإن لم يجر له ذكر فإنه مدلول عليه بنظيره ، وهو نصيب من استثنى من نصيب.

ويحتمل أن يراد به نصيب الموصى بمثل نصيبه ، والتقدير على الأول : ويعطى كل واحد من باقي الورثة بحساب نصيبه الذي في أصل الفريضة من المستثنى ، وعلى الثاني : ويعطى كل واحد من باقي الورثة بحساب نصيب الموصى بمثل نصيبه الذي في أصل الفريضة من المستثنى ، فالمساوي له في النصيب يعطى مثله والآخر بالحساب ، وهذا حسن.

والجار في قوله : ( من المستثنى ) متعلق بـ ( حساب ) لا بـ ( يعطى ) ، لأن الإعطاء من المال لا من المستثنى ، فإذا أعطى الورثة كلهم كذلك فما بقي من حاصل الضرب يقسم على جميع سهام الورثة ، والسهام المزيدة على أصل الفريضة للموصى له لكل واحد منهم بقدر سهامه إن كان الباقي بقدر الجميع كما في المسألة الأولى ، أو بحسبها إن كان زائدا كما في الثالثة‌.

٩

______________________________________________________

وقوله : ( وانظر إن كان من استثني يستغرق الجملة أو أكثرها حتى لا تصح القسمة على الباقي فلا تتعرض للقسمة فإنها لا تصح ) أراد به الإرشاد إلى ضابط تعرف به صحة الوصية بمثل النصيب مع اشتمالها على الاستثناء.

ومحصل المراد من ذلك من غير التفات إلى خصوص ألفاظه ، هو أنه إذا وقع الاستثناء في الوصية بمثل النصيب ، فانظر قدر المستثنى إن كان بحيث يستغرق النصيب ، كما لو كان له ابنان فأوصى لأجنبي بمثل نصيب أحدهما إلا نصف المال فإن الوصية باطلة ، لأنك إذا دفعت إلى المستثنى من نصيبه نصف المال ، ودفعت إلى الوارث الآخر مثله ، لأنه يساويه في النصيب لم يبق للموصى له شي‌ء.

وأراد المصنف بـ ( من ) في قوله : ( من استثنى الشي‌ء المستثنى ) على أن من بمعنى ما ، وأراد بالجملة على ما يظهر جميع التركة وبالأكثر أكثرهما. ولما رأى أن إطلاق الأكثر لا يستقيم ، فإنه لو ترك ابنا وزوجة وأوصى بمثل نصيب الابن إلا ثلثي المال ، فإن الاستثناء يستغرق أكثر الجملة ، ومع ذلك يصح ، فلذلك قيد بقوله : ( حتى لا تصح القسمة على الباقي ) ، ( ليعلم ) أن مناط صحة الوصية وفسادها صحة القسمة على باقي الورثة ، بعد إعطاء من أوصى بمثل نصيبه ما استثني ، سواء كان الاستثناء أكثر الجملة أم لا. ولا يخفى ما في هذا العبارة من الخشونة والتعقيد الموجب لبعد المراد عن الفهم.

وانظر إلى قوله : ( فلا تتعرض للقسمة فإنها لا تصح ) وعدم دلالته على المقصود من بطلان الوصية. وتأمل ان هذا الذي ذكره آخرا ، وهو قوله : ( وانظر ... ) كان حقه أن يجعل في أول القاعدة ، فبسبب تأخيره كيف حصل إيهام أن الأمر بالنظر المذكور بعد‌

١٠

______________________________________________________

العمل السابق ، وليس بمراد جزما ، فإنه مع بطلان الوصية ، لعدم صحة القسمة كيف يمكن العمل السابق؟

وقريب من هذا ما وقع في تقرير القاعدة من الألفاظ الغريبة مثل قوله : أولا : ( فابسط المسألة على سهام صحاح ) ، فإن المراد تصحيحها على ما ذكرنا. وكذا جمعه بين صاحب الفرض من الورثة ، فلذلك احتجنا إلى تقدير باقي الورثة ، ولو قال صاحب الفرض وغيره ، لأن الفريضة قد يخرج منها الفرض صحيحا ، ويحتاج سهام غير ذي الفرض إلى زيادة عمل.

وكذا قوله : ثم تعطي كل من استثنى له من نصيبه ... ) فإن المستثنى من نصيبه في المسألة متحد ، فلا معنى لإدخال كل في العبارة ، إلا أن يقال التعدد حاصل باعتبار آحاد المسائل المستخرجة على القاعدة. وكذا قوله : ( بحساب ذلك من المستثنى ) ، فإن المشار إليه غير معلوم ، ولخفائه يتوهم أن الإعطاء من المستثنى.

واعلم انه قد أورد هنا سؤالا حاصله : إنه قد سبق في كلام المصنف في أوائل الباب : انه إذا أوصى بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة وينقص منه نصيب زوجته تصحح الفريضة ، تجدها من أربعة وعشرين ، للزوجة الثمن ثلاثة ولكل ابن سبعة ، انقص سهم الزوجة من نصيب ابن يبقى أربعة هي الوصية ، زدها على أربعة وعشرين.

وهذا المذكور هناك لا يطابق ما ذكره هنا في هذه القاعدة ، فإن نصيب الزوجة هو ثمن المال ، فهذه الوصية في معنى ما لو أوصى بمثل نصيب ابنه إلا ثمن المال. ومقتضى ما ذكره من البيان هناك انه إذا أوصى بمثل نصيب ابن إلا ربع المال ، وله ابنان وبنت وأب يؤخذ نصيب الابن من ستة ـ وهو سهمان ـ وينقص منه ربع المال‌

١١

______________________________________________________

يبقى نصف سهم تزيده على الفريضة يكون ستة ونصفا ، تبسطها من جنس الكسر تبلغ ثلاثة عشر ، ومعلوم أن هذا مخالف لما هنا.

وجوابه يظهر بأدنى تأمل ، وهو أن الوصية هناك بمثل نصيب الابن إلا مثل نصيب الزوجة ، وحق مثل هذا أن تزاد سهام الموصى له على أصل الفريضة ، لأن الوصية بمثل نصيب الابن من أربعة وعشرين إلا قدر نصيب الزوجة منها ، وذلك لا يبلغ ثمن جميع المال بعد إضافة الوصية ، والوصية هنا في الصورة المذكورة بمثل نصيب ابن إلا ربع المال وصية بمثل نصيب ابن الا ربع جميع المال ، ولهذا تأخذ ربع جميع حاصل الضرب فتدفعه إلى الموصى بمثل نصيبه ، ولا كذلك في مسألة الزوجة.

نعم لو أوصى بمثل نصيب الابن إلا ثمن المال ، والبنون ثلاثة مع زوجة ، فإنك تزيد سبعة على أربعة وعشرين ، وتضربها في ثمانية تبلغ مائتين وثمانية وأربعين ، فتدفع إلى الموصى بمثل نصيبه الثمن أحدا وثلاثين ، وكذا كل من الابنين الآخرين ، وتدفع إلى الزوجة ثلاثة عشر وسبعين وجملة ذلك مائة وستة وسبعان ، يبقى مائة وأحد وأربعون وخمسة أسباع ، يقسم على أحد وثلاثين ـ سهام الجميع ـ فلكل ابن اثنان وثلاثون ، وكذا للموصى له ، وللزوجة ثلاثة عشر وخمسة أسباع ، فتجمع لكل ابن ثلاثة وستون ، وللموصى له اثنان وثلاثون هي مثل نصيب الابن الا ثمن المال ، وللزوجة سبعة وعشرون.

وإن أردت أن يزول الكسر فاضرب سبعة في المبلغ يصير ألفا وسبعمائة وستة وثلاثين وحينئذ فيقسم صحيحا في كل مرتبة.

١٢

ويشتمل هذا البحث على مقامات :

الأول : إذا كان الاستثناء من أصل المال ، وفيه مسائل :

أ : لو ترك أبا وابنين وبنتا ، واوصى لأجنبي بمثل نصيب الابن إلا ربع المال فالفريضة من ستة لكل من الأب والبنت سهم ، ولكل ابن سهمان. فتضيف سهمين للأجنبي فتضرب الثمانية في أربعة يصير اثنين وثلاثين تعطي كل ابن ثمانية ، لأنها الربع المستثنى ، وتعطي البنت بحساب ذلك من هذا الاستثناء أربعة ، وللأب أربعة.

______________________________________________________

قوله : ( ويشتمل هذا البحث على مقامات ، إذا كان الاستثناء من أصل المال ، وفيه مسائل : لو ترك أبا وابنين وبنتا ، وأوصى لأجنبي بمثل نصيب ابن إلا ربع المال فالفريضة من ستة ، لكل من الأب والبنت سهم ، ولكل ابن سهمان فنضيف سهمين للأجنبي ، فنضرب الثمانية في أربعة يصير اثنين وثلاثين ويعطى كل ابن ثمانية ، لأنها الربع المستثنى ، وتعطى البنت بحساب ذلك من هذا الاستثناء أربعة. )

أنما كانت الفريضة من ستة ، لأنها مخرج السدس نصيب الأب ، والباقي وهو خمسة بقدر سهام الابنين والبنت.

وقوله : ( ويعطى كل ابن ثمانية ، لأنها الربع المستثنى تنقيحه : إن الوصية بمثل نصيب ابن إلا ربع المال ، وكل ابن صالح لأن يكون هو الموصى بمثل نصيبه ، فيدفع إليه ربع المال ، وتعطى البنت بحساب نصيب الابن من هذا الاستثناء ، أو بحساب نصيبها من هذا الاستثناء ، على ما ذكرناه من الاحتمالين في المشار اليه بذلك في القاعدة.

١٣

وبالجملة أربعة وعشرون للورثة غير الموصى له ، والباقي وهو ثمانية تقسم على سهام الورثة والموصى له ، لكل ابن سهمان ، ولكل من البنت والأب واحد ، وللموصى له اثنان. فلكل من الابنين في أصل المستثنى ثمانية ، وفي الباقي سهمان فهي عشرة وللبنت في الأصل أربعة وفي الباقي سهم ، وللأب كذلك. فللموصى له إذا مثل ما للابن عشرة أسهم إلا ربع المال ، والربع ثمانية ، يبقى له سهمان أو نقول : ندفع نصيبا من مال ، ثم نسترد منه ربع المال ، يبقى مال وربع مال إلا نصيبا يعدل أنصباء الورثة ، فهي ثلاثة تصير بعد الجبر مال وربع مال يعدل أربعة أنصباء فالمال يعدل ثلاثة أنصباء وخمسا.

فإذا بسطت صارت ستة عشر والنصيب خمسة نسترد منه أربعة هي ربع المال ، يبقى للموصى له سهم ، ولكل ابن خمسة ، ولكل من البنت والأب اثنان ونصف. فإذا أردت الصحاح بلغت اثنين وثلاثين والنصيب عشرة‌

ب : لو اوصى له بمثل نصيب ابن وله ثلاثة إلا ربع المال فالوصية‌

______________________________________________________

قوله : ( أو نقول : ندفع نصيبا من مال ثم نسترد منه ربع المال ، يبقى مال وربع مال إلا نصيبا يعدل أنصباء الورثة ، وهي ثلاثة تصير بعد الجبر مال وربع مال يعدل أربعة أنصباء ، فالمال يعدل ثلاثة أنصباء وخمسا )

إنما كان المال معادلا لثلاثة أنصباء وخمس : لأنك إذا بسطت المال من جنس الكسر كان المجموع خمسة ، وأجزاء المال أربعة أخماسها فمعادلة أربعة أخماس أربعة أنصباء ، وذلك ثلاثة أنصباء وخمس نصيب.

وإن شئت ضربت أجزاء المال ـ وهي أربعة ـ في المعادل الأخر ـ وهو أربعة ـ تبلغ ستة عشر ، نقسّمها على خمسة تبلغ ثلاثة وخمسا فيه معادل المال ، وذلك ظاهر‌

قوله : ( لو أوصى بمثل تصيب ابن وله ثلاثة إلا ربع ، فالوصية‌

١٤

صحيحة ، ولا تتوهم أن الاستثناء مستغرق من حيث أنه لولاه لكان له الربع وقد استثناه ، لأنا نقول : حقيقة هذه الوصية انه فضّل كل ابن على الموصى له بربع المال ، فتجعل المال أربعة أسهم ، وتسلّم لكل منهم ربع المال من غير مزاحم.

وهو الذي ينبغي أن تفضل به كل واحد على الموصى له ، فيبقى واحد يقسّم على الأولاد والموصى له بالسوية فتضرب أربعة في الأصل فهي ستة عشر ، لكل ابن أربعة ، تبقى أربعة تقسم أرباعا ، فلكل ابن سهم ، وللموصى له سهم ، فكمل لكل ابن خمسة فيفضل على الموصى له بأربعة هي الربع إذا ضمت إلى سهم الموصى له صار مثل نصيب ابن ، فالسهم مثل النصيب إلا ربع المال ،

______________________________________________________

صحيحة ، ولا يتوهم أن الاستثناء مستغرق من حيث أنه لولاه لكان الربع وقد استثناه ، لأنا نقول : حقيقة هذه الوصية انه فضّل كل ابن على الموصى له بربع المال. )

أشار المصنف بهذا الكلام إلى ضابط تعرف به صحة الوصية وفسادها ، بسبب استغراق الاستثناء وعدمه.

وتحقيقه : إنّ الوصية بمثل نصيب وارث إلاّ جزءا معيّنا من المال ، حقيقتها تفضيل ذلك الوارث ومن ماثله مع تعدده على الموصى له بذلك الجزء من المال ، ومن لم يماثله من الورثة يفضل على الموصى له بنسبة نصيبه من نصيب الموصى له بمثل نصيبه ، فمتى بقي من التركة وراء ما وقع التفضيل به شي‌ء يقسّم بين الورثة والموصى له ، وإن قل فالوصية صحيحة ، وإن لم يبق شي‌ء أصلا فالوصية باطلة.

فلو كان له ابنان وأوصى بمثل نصيب أحدهما إلاّ ثلث المال فالوصية صحيحة ، فإنك إذا فضّلت الابنين بثلثين يبقى ثلث يقسّم بينهما وبين الموصى له ، حتى انه لو‌

١٥

وبالجبر كالأولى.

ولو كان له ابن فأوصى له بمثل نصيبه إلا نصف المال ، فقد فضله على الموصى له بالنصف ، فاجعل المال نصفين وخص الابن بأحدهما ، وتقسّم الآخر عليهما ، فللموصى له ربع المال وهي سهم من أربعة ، فهو مثل نصيب الابن إلاّ نصف المال.

ولو كان له ابنان فاوصى بمثل نصيب أحدهما إلاّ نصف المال فالوصية باطلة ، لاستغراق الاستثناء ، إذ قد فضّل كل واحد بنصف المال ،

______________________________________________________

كان معهما زوج فصحة الوصية بحالها ، فان تفضيل الابن بثلث يقتضي تفضيل الزوج بتسعي المال ، فيبقى من المال تسع.

ولو أوصى بمثل نصيب أحد الابنين إلا نصف المال فقد فضّل كلا من الابنين بنصف المال ، وبعد إخراج نصفي المال لا يبقى منه شي‌ء فلا تصح الوصية ، فمن هذا يعلم أنه إذا أوصى بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة إلا ربع المال فالوصية صحيحة ولا يتطرق توهم البطلان لتوهم أن الموصى به هو ربع المال ، لأن الموصى له بمنزلة واحد من البنين الثلاثة لولا الاستثناء ، فيكون لكل واحد منهم ربع المال ، فالوصية بربع ، فإذا استثنى منها ربعا كان مستغرقا ، لما عرفت من حقيقة هذه الوصية ، وأنها تقتضي تفضيل الوارث بالجزء المذكور.

فإذا فضل كل ابن بربع المال بقي ربع يقسم بين الجميع ، وتنقيحه : إنّ الوصية إنما تتحقق بالاستثناء ، فالموصى به هو ما بعد الاستثناء ، ولا شك أن الباقي بعده ليس هو ربع المال. والاستثناء ليس من الوصية ، إنما هو من النصيب الذي يكون بعد الوصية ، واستغراقه إنما يتحقق بأن لا يبقى وراء ما وقع به التفضيل لجميع الورثة شي‌ء كما حققناه ، وسيأتي في كلام المصنف هذا صريحا عن قريب.

قوله : ( وبالجبر كالأولى ).

أي : وبيانه بالجبر كالذي قبله ، فنقول : ندفع نصيب من مال ونسترد منه ربع‌

١٦

فإذا سلّمنا إلى كل واحد ما فضل به نفد المال ، وكذا لو اوصى بمثل أحدهم وهم أربعة إلا ربع المال.

ولو قال : إلاّ سدس المال ، ضربت خمسة هي العدد في مخرج الاستثناء تبلغ ثلاثين ، لكل ابن خمسة ، هي ضرب العدد في نصيبه ، وهو واحد من أربعة قبل الوصية ، تبقى عشرة تقسّم بينهم أخماسا ، فيكمل لكل ابن سبعة ، وللموصى له اثنان ، فله أيضا سبعة إلاّ سدس المال.

أو نقول نخرج من المال نصيبا ونسترد منه سدسه فيبقى مال وسدس مال إلاّ نصيبا يعدل أنصباء الورثة ، فبعد الجبر يبقى مال وسدس مال يعدل خمسة أنصباء ، فالمال يعدل أربعة أنصباء وسبعي نصيب ، فللموصى له اثنان ، ولكل ابن سبعة.

______________________________________________________

المال ، يبقى مال وربع مال إلاّ نصيبا يعدل أنصباء الورثة ـ وهي ثلاثة ـ فإذا جبرت صار مال وربع مال يعدل أربعة أنصباء فالمال يعدل ثلاثة أنصباء وخمسا ، فإذا بسطت كان ستة عشر ، لكل ابن خمسة ، وللموصى له سهم ، وذلك نصيب إلاّ ربع المال.

قوله : ( فإذا سلمنا إلى كل واحد ما فضل له نفد المال ).

نفد ـ بالدال المهملة مكسور العين ـ معناه فني ولم يبق منه شي‌ء.

قوله : ( وكذا لو أوصى بمثل أحدهم ـ وهم أربعة ـ إلاّ ربع المال ).

أي : وكذا تكون الوصية باطلة لو أوصى بمثل أحد البنين الأربع إلاّ ربع المال ، لأن تفضيل كل واحد بربع المال يقتضي أن لا يبقى من المال شي‌ء فيتحقق الاستغراق.

قوله : ( فبعد الجبر يبقى مال وسدس مال يعدل خمسة أنصباء ، فالمال يعدل أربعة أنصباء وسبعي نصيب ، فللموصى له اثنان ، ولكل ابن سبعة ).

إنما كان المال يعدل أربعة أنصباء وسبعي نصيب ، لأنك تبسط المال من جنس‌

١٧

ج : لو ترك أبويه وابنا وثلاث بنات ، واوصى له بمثل نصيب الأب إلاّ ثمن المال ، فالفريضة من ثلاثين ، وتضيف إليها خمسة وتضرب المجموع في ثمانية تصير مائتين وثمانين ، فلكل من الأبوين ما استثنى وهو الثمن خمسة وثلاثون ، وهو سبعة أمثال نصيبه من الأصل ، إذ له في أصل المسألة خمسة ، وتعطي الابن سبعة أمثال نصيبه أيضا ستة وخمسين سهما ، ولكل بنت ثمانية وعشرون.

يبقى سبعون تقسّم على سهام الورثة والموصى له ، وهي خمسة وثلاثون ، لكل سهم اثنان ، فلكل من الأبوين عشرة ، وللابن ستة عشر ، ولكل بنت ثمانية ، وللموصى له عشرة ، فله ما لأحد الأبوين إلاّ ثمن المال ، لأن كلا من الأبوين له في أصل المستثنى ، وفي الباقي خمسة وأربعون.

وللموصى له خمسة وأربعون إلاّ ثمن المال ، وهي خمسة وثلاثون فيبقى له عشرة ، وللابن في أصل المستثنى وفي الباقي اثنان وسبعون ، ولكل بنت في الأصل والباقي ستة وثلاثون.

أو نقول : نأخذ مالا ونخرج منه نصيبا ، ونسترد من النصيب ثمن المال ، يبقى مال وثمن مال إلاّ نصيبا يعدل أنصباء الورثة وهي ستة يصير المال بعد الجبر والمقابلة وحذف الثمن الزائد يعدل ستة أنصباء وتسعى نصيب ، فالوصية‌ تسعا نصيب.

______________________________________________________

السدس يكون المجموع سبعة ، فأجزاء المال ستة أسباع فيكون معادلها ستة أسباع خمسة أنصباء وذلك ما ذكره ، فإذا بسطتها كانت ثلاثين ، والأمر ظاهر.

قوله : ( يبقى مال وثمن مال إلاّ نصيبا يعدل أنصباء الورثة وهي ستة ، يصير المال بعد الجبر والمقابلة وحذف الثمن الزائد يعدل ستة أنصباء وتسعي نصيب ، فالوصية‌ تسعا نصيب ).

١٨

د : لو وصّت بمثل نصيب زوجها مع أب وابنين وثلاث بنات الاّ سدس المال فالفريضة من اثني عشر ، ونضيف ثلاثة ونضرب الجميع في ستة يصير تسعين ، فللزوج ما استثني وهو السدس بثلاثة أسهم خمسة وعشر وهو خمسة أمثال نصيبه ، وللأب عشرة ، وكذا لكل ابن ، ولكل بنت خمسة تبقى ثلاثون تقسّمه على الورثة وللموصى له بقدر سهامهم وهي خمسة عشر ، لكل سهم اثنان ، فللزوج من الباقي ستة ، وللأب أربعة.

وكذا لكل ابن ، ولكل بنت سهمان وللموصى له ستة فكمل للزوج في القسمين أحد وعشرون ، وللموصى له مثله إلاّ سدس المال وسدسه خمسة عشر فيتخلف ستة.

______________________________________________________

قد عرفت غير مرة أنه لا مقابلة في مثل هذا الموضع ، إنما الجبر هنا بالاستثناء فيكون مال وثمن مال يعدل سبعة أنصباء ، فمعادل المال ستة أنصباء وتسعا نصيب ، لأنك تبسط المال فيكون المجموع تسعة ، واجزاء المال ثمانية أتساع ومعادلها ثمانية أتساع سبعة أنصباء ، وذلك ستة أنصباء وتسعا نصيب فالوصية تسعا نصيب ، لأن أنصباء الورثة ستة على ما ذكر ، وهي أصل الفريضة.

فإذا أردت القسمة وبسطتها من جنس الكسر بلغت ستة وخمسين ، للموصى له اثنان ، وللأبوين السدسان ثمانية عشر ، يبقى ستة وثلاثون لا ينقسم على خمسة سهام الابن والبنات وتباينها ، فتضرب خمسة في ستة وخمسين يبلغ مائتين وثمانين ، فيقسم كما سبق.

قوله : ( لو أوصت بمثل نصيب زوجها مع أب وابنين وثلاث بنات إلاّ سدس المال فالفريضة من اثني عشر ، وتضيف إليها ثلاثة وتضرب الجميع في ستة يصير تسعين فللزوج ما استثنى وهو السدس بثلاثة أسهم خمسة عشر وهو خمسة أمثال نصيبه ).

١٩

هـ : لو خلّف أبوين وزوجة ، فاوصى بمثل الأب إلاّ خمس المال ، فالفريضة اثنى عشر ، فيزاد عليها خمسة للموصى له ، ثم تضرب المجموع في خمسة ، فكل من كان له قسط من سبعة عشر اعطي مضروبا في خمسة. ثم تأخذ سبعة عشر من الموصى له هي خمس المال ، وتبسطها على الجميع بالنسبة ، فله ثلاثة عشر ، وللأب ثلاثون ، فله مثل نصيبه إلاّ خمس المال.

______________________________________________________

إنما كانت الفريضة من اثني عشر ، لأن للزوج الربع ، وللأب السدس ، ومخرجهما اثنا عشر ، وسهام البنين والبنات سبعة ، ونصيبهم من اثني عشر أيضا سبعة ، والجار في قوله : ( بثلاثة أسهم ) يتعلق بما تعلق به الجار في قوله : ( فللزوج ) ، فإنه خبر ما في قوله : ( ما استثنى ) ، ويجوز أن يكون معنى الباء للسببية

فإن قيل : ليس استحقاق الزوج خمسة عشر بسبب ثلاثة أسهم التي هي الربع في أصل الفريضة ، بل استحقاقه بسبب ذلك الربع.

قلنا : من استحق مجموعا بسبب فقد استحق أبعاضه بذلك السبب ، ويجوز أن يكون للمقابلة إذ بعض المقابل مقابل.

قوله : ( لو خلف أبوين وزوجة فأوصى بمثل الأب إلاّ خمس المال فالفريضة اثنا عشر ، فزد عليها خمسة للموصى له ، ثم تضرب المجموع في خمسة ، فكل من كان له قسط من سبعة عشر أعطي مضروبا في خمسة ، ثم تأخذ سبعة عشر من الموصى له هي خمس المال وتبسطها على الجميع بالنسبة ، فله ثلاثة عشر ، وللأب ثلاثون ، فله مثل نصيبه إلاّ خمس المال ).

إنما كانت الفريضة اثني عشر ، لأن للزوجة الربع ، إذ لا حاجب لها ، والفرض أن لا حاجب للام ، وإلاّ لم يكن للأب خمسة من اثني عشر ، فيكون لها الثلث ، ومخرجهما اثنا عشر ، والباقي ـ وهو خمسة ـ للأب ، فلذلك زيد للموصى له بمثل الأب خمسة.

وقد ارتكب المصنف هنا طريقا في القسمة خلاف ما قرره في القاعدة ، وهو قسمة حاصل الفريضة على الورثة والموصى له ، ودفع مثل نصيب الوارث الموصى له‌

٢٠