جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٤

ولو طلّق أربعا ونكح بعد العدة أربعا ، ودخل ثم مات ورث الثمان نصيب الزوجية بالسوية. وكذا لو طلق الأواخر وتزوج أربعا غيرهن ورثه الجميع ، وهكذا.

ولو أعتق أمته في مرض الموت ، وتزوج بها ودخل صح العتق والعقد ،

______________________________________________________

وإن كان بعدها وقبل الحول فالأقرب عند المصنف انتفاء الإرث فيهما ، ولم يتعرّض الشارحان لحكمهما لأنهما لم يجعلاهما في حيز الأقرب ، وظاهر الحال أنهما وما قبلهما في حيزه ، وكلام التذكرة ينبه على ذلك (١).

ووجه القرب انتفاء التهمة ، وقصد الإضرار يمنع الإرث ، لانتفائه بدون ذلك ، ولسبق الحكم بعدم ارثهما ، لاستمرار المانع بعد العدة الرجعية ، فثبوته بالإسلام والعتق بعد ذلك يحتاج الى دليل.

ويحتمل الثبوت ، وحكاه في التذكرة قولا في الأمة ، لتناول النصوص لها بعد زوال المانع ، وعدم التناول معه لا يقتضي المنع من التناول بعد زواله ، والاستصحاب حجة إذا لم يعارضه ظاهر النص من عموم ونحوه ، ولا أرى هذا الوجه بذلك البعيد.

قوله : ( ولو طلّق أربعا ، ونكح بعد العدة أربعا ، فدخل ثم مات ، ورث الثمان نصيب الزوجية بالسوية. وكذا لو طلّق الأواخر وتزوّج أربعا غيرهن ورثه الجميع ، وهكذا ).

المراد : انه تزوج أربعة غيرهن ودخل ، وتحقق الموت على وجه اقتضى إرث الجميع ، بأن لم يتجاوز الحول من حين الطلاق الأول.

ومعنى قوله : ( وهكذا انه لو طلّق الأواخر ونكح غيرهن على الوجه المعتبر تحقق الإرث أيضا ، والمستند عموم النصوص المتناولة لذلك.

قوله : ( ولو أعتق أمته وتزوّج بها ودخل صح العتق والعقد ، وورثت إن‌

__________________

(١) التذكرة : ٢ : ٥١٩.

١٢١

وورثت إن خرجت من الثلث ، وإلاّ فبالنسبة.

______________________________________________________

خرجت من الثلث ، وإلا فبالنسبة ).

أي : لو أعتق المريض أمته وتزوّج بها ودخل ، وجعل عتقها صداقها ، فإما أن يخرج من الثلث أو لا ، فإن خرجت صح العتق والنكاح وورثت بالزوجية ، خلافا للشافعي فإنه قال : لا ترث ، لأنها لو ورثت كان عتقها وصية للوارث لا يلزم ، وإذا بطل العتق بطل النكاح والميراث جميعا.

ولم يصرّح المصنف بجعل عتقها صداقها ، لكن قوله : ( إن خرجت من الثلث ) ينبّه على ذلك ، لأنه لو كان قد سمّى لها مهرا لوجب اعتباره من الثلث أيضا. وكذا قوله في المسألة التي بعدها : ( وتزوجها بمهر ) إذ لو لا ذلك لكانت المسألتان واحدة ولو كانت مفوضة البضع أو المهر.

وإن لم يخرج من الثلث عتق منها قدره ولم ترث ، لبطلان النكاح.

وهل لها من نفسها شي‌ء باعتبار الوطء؟ ذكر شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد احتمالين :

أحدهما : العدم ، لأنه لم يجعل لها عوضا سوى عتق رقبتها ، وقد بطل في الزائد على الثلث وصار حقا للوارث ، فلم تستحق غيره.

والثاني : إلحاقها بمن أمهرها قدر قيمتها ، فإن المسمى يبطل ، وتستحق من مهر المثل بالنسبة ، ويدخلها الدور كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

فلو كان مهر مثلها بقدر قيمتها في الفرض المذكور ولم يخلّف سواها عتق نصفها ، لأنه يعتق منها شي‌ء وتستحق من مهر المثل مثله ، ولا يحسب من الثلث ، لأنه عوض جناية ، فيكون للورثة شيئان في مقابلة ما عتق منها ، فيكون في تقدير أربعة أشياء ، فالشي‌ء ربعها.

١٢٢

ولو أعتق أمته في مرض الموت ، وتزوجها بمهر ودخل صح الجميع وإن خرجت من الثلث ، وورثت ، وإلاّ بطل العتق في الزائد وما قابله من المهر.

______________________________________________________

وحكى شيخنا في الشرح قولا ببطلان العتق هنا أصلا ، لأنه لم يعتقها إلاّ على تقدير التزويج وقد بطل. وفي الاحتمال الثاني قوة ، لأن الوطء المحترم لا يخلو من عوض.

إذا عرفت ذلك فقول المصنف : ( وإلاّ فبالنسبة ) معناه : وإن لم يخرج من الثلث عتق منها بالنسبة ، أي بنسبة الثلث كائنا ما كان. ويلوح من ظاهر هذه العبارة أنها لا تستحق بالوطء شيئا ، إذ لو استحقت لعتق منها أزيد من الثلث كما بيّناه.

قوله : ( ولو أعتق أمته وتزوجها بمهر ودخل صح الجميع إن خرجت من الثلث وورثت ، وإلاّ بطل العتق في الزائد وما قابله من المهر ).

أما صحة الجميع إذا خرجت من الثلث ، وخرج ما زاد عن مهر المثل مما سمى لها منه أيضا فواضح ، وإرثها في هذه الحالة ثابت ، لكونها زوجة ، خلافا للشافعي.

لكن قول المصنف : ( إن خرجت من الثلث ) يقتضي عدم اعتبار حال المهر ، إلاّ أن يعتذر له بأنه قد سبق أن ما زاد عن مهر المثل في نكاح المريض محسوب من الثلث فلا حاجة إلى إعادته.

لكن يجي‌ء الإشكال على قوله : ( وإلاّ بطل العتق في الزائد ) ، فإنه إنما يستقيم ذلك إذا لم يخرج من الثلث ، فإن خرجت منه دون مهرها المسمّى بطل المسمّى خاصة ، وصح العتق والنكاح ، ووجب بالدخول مهر المثل وإن زاد على المسمّى ، لأنه كالأرش.

فعلى كل تقدير الإشكال : إما على الشق الأول ، وهو إطلاق صحة الجميع إذا خرجت من الثلث ، فإن ذلك يتناول صحة المهر إذا لم يخرج من الثلث ، فإن قيّد ذلك بخروجه من الثلث أيضا جاء الاشكال على الشق الثاني.

والمراد بالمهر في قوله : ( وما قابله من المهر ) مهر المثل ، لبطلان المسمّى ببطلان‌

١٢٣

الرابعة : لو آجر نفسه بأقل من أجرة المثل فهو كما لو نكحت بأقل من مهر المثل.

ولو آجر دوابه وعبيده بأقل فهو من الثلث ، ولو أوصى بأن يباع عبده من زيد وجب.

______________________________________________________

النكاح ، ولا يجب من المهر ما زاد على مقابل ما عتق منها ، لكونها رقيقة له ، فلو وجب لوجب له.

إذا تقرر هذا تبيّن أن المسألة دورية ، لأن معرفة ما انعتق منها إنما يكون إذا عرف مقدار ما يبقى من التركة بعد ما يستحقه من المهر ، وبالعكس فنقول : عتق منها شي‌ء ، ولها من مهر المثل شي‌ء ، وللورثة شيئان ضعف ما عتق منها ، فتكون هي وباقي التركة ـ إن كان هناك بقية ـ في تقدير أربعة أشياء ، فلو خلّف مثلها كانت هي وما معها أربعة أشياء ، فالشي‌ء نصفها.

قوله : ( لو آجر نفسه بأقل من اجرة المثل ، فهو كما لو نكحت بأقل من مهر المثل ).

المراد : انه لا يكون محسوبا من الثلث للتفاوت ، لأن منافعه ليست أموالا ، ولا يجري فيها الإرث ، ولا تعد من التبرعات.

وقد يستفاد من قوله : ( فهو كما لو نكحت ... ) اطراد الاحتمال المقابل للأقرب هناك ، وضعفه ظاهر ، وهذا بخلاف ما لو آجر دوابه وعبيده بأقل من أجرة المثل ، فإن التفاوت هنا محسوب من الثلث ، لأن هذه المنافع يجري فيها الإرث ، وتعد أموالا على الأصح ، وإلى هذا أشار بقوله : ( ولو آجر دوابه وعبيده بأقل من أجرة المثل ).

قوله : ( ولو أوصى بأن يباع عبده من زيد وجب ).

وذلك لوجوب الوفاء بالوصية ، وظاهر إطلاق العبارة يتناول ما إذا زاد العبد‌

١٢٤

المطلب الثاني : في كيفية التنفيذ : إن كانت العطايا معلقة بالموت مضت من الثلث ، فإن اتسع لها ، وإلاّ بدئ بالأول فالأول ، ولا فرق بين العتق وغيره ، وإن كانت منجزة فكالوصية في خروجها من الثلث أو اجازة الورثة ، واعتبار خروجها من الثلث حال الموت ، وأنه يزاحم بها الوصايا في الثلث ، وأنها مع الاجتماع وقصور الثلث يبدأ‌ بالأول منها فالأول.

______________________________________________________

على الثلث وعدمه ، فيكون رجوعا عن الاشكال المذكور في المطلب الرابع ، وقد بيّنا المختار هناك ، ولا يخفى أنه لو كان في المبيع الموصى به محاباة كانت من الثلث.

قوله : ( إن كانت العطايا معلقة بالموت مضت من الثلث ، فإن اتسع لها ، وإلاّ بدئ بالأول فالأول ).

المراد بالأول المذكور أولا ، ثم ما يليه ، ثم ما يليه ، وهكذا.

والظاهر عدم الفرق بين أن يكون في اللفظ ما يقتضي الترتيب وعدمه ، لأن السابق قد حكم بصحته ، فلا يحكم ببطلانه ، إلاّ إذا دل دليل على ذلك ، لأن تقديمه دليل على شدة العناية به ، ولرواية حمران عن الباقر عليه‌السلام المتضمنة لعتق من ابتدئ بالوصية بعتقه ، ثم من بعده ، وهكذا. وهذا إذا لم يعلم بقرينة ارادة الرجوع عن السابق ، وهو ظاهر.

قوله : ( ولا فرق بين العتق وغيره ).

وللشافعي قول بتقديم الوصية بالعتق على الوصية بغيره ، لقوته ، لتعلق حق الله وحق الآدمي به وثبوت السراية فيه ، ولا أثر لذلك فيما نحن فيه.

قوله : ( وإن كانت منجّزة فكالوصية في خروجها من الثلث ، أو اجازة الورثة ، واعتبار خروجها من الثلث حال الموت ، وانه يزاحم بها الوصايا في الثلث ، وأنها مع الاجتماع وقصور الثلث يبدأ‌ بالأول منها فالأول. )

١٢٥

وتفارقها في كونها لازمة في حق المعطي ، وليس له الرجوع فيها ، وإن قبولها على الفور ، واشترط ما يشترط لها في الصحة كالعلم والتنجيز ،

______________________________________________________

تشارك العطايا المنجزة الوصية في أمور خمسة :

الأول : توقف نفوذها على خروجها من الثلث ، أو اجازة الورثة.

الثاني : إن اعتبار خروجها من الثلث حال الموت لا قبله ولا بعده ، وقد سبق منّا في المطلب الرابع كلام في هذا الحكم بالنسبة إلى الوصية ، فهو آت هنا.

الثالث : إنه يزاحم بها الوصايا في الثلث ، فيدخل النقص على الوصايا بسببها ، كما يدخل النقص على وصية بسبب أخرى.

الرابع : إنها مع اجتماعها وقصور الثلث عن جميعها يبدأ بالأول منها فالأول كالوصية ، سواء العتق وغيره عندنا.

الخامس : إنها تصح للوارث وغيره كالوصية ، وعند العامة انها كالوصية له في انها غير صحيحة ، أو أن حكمها حكم الوصية في ما زاد على الثلث في أنها تتوقف على اجازة جميع الورثة ، ولم يذكر المصنف هذا الحكم هنا ، وزاد في التذكرة سادسا هو : ان فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن أفضل الصدقة فقال : « أن تتصدّق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ولفلان كذا ، وقد كان لفلان وقد كان لفلان » (١).

قوله : ( وتفارقها في كونها لازمة في حق المعطي ليس له الرجوع فيها ، وأن قبولها على الفور ، واشتراط ما يشترط لها في الصحة كالعلم والتنجيز ،

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ٢ : ١٢.

١٢٦

وأنها متقدمة على الوصية ، وأنها لازمة في حق المعطى والوارث لو بري‌ء.

______________________________________________________

وأنها متقدّمة على الوصية ، وأنها لازمة في حق المعطي والوارث لو بري‌ء ).

تفارق المنجزة الوصية في أمور خمسة :

الأول : أنها لازمة في حق المعطي ليس له الرجوع فيها وإن كثرت ، لأن المنع من الزيادة على الثلث إنما كان الحق الورثة ، فلم يملك إجازتها ولا ردها.

وإنما كان له الرجوع في الوصية ، لأن التبرع بها مشروط بالموت ، وقبولها المعتبر إنما هو بعده ، فقبل حصوله لم يوجد التبرع فكان للموصي الرجوع فيها. وهذا بخلاف العطية في المرض ، فإن الفرض حصول الإيجاب والقبول والقبض على الوجه المثمر للزوم ، كالوصية إذا قبلت بعد الموت.

الثاني : أن قبول المنجزة على الفور ، حيث يكون القبول معتبرا ، كما في غير المريض ، بخلاف الوصية فإن مبناها على تأخر القبول عن الموت.

الثالث : أن المنجزة في المرض مشروطة بالشروط المعتبرة فيها ، إذا صدرت في حال الصحة ، كالعلم النافي للغرر في المحاباة ، والتنجيز المعتبر في البيع ، وغيره من العقود ، بخلاف الوصية فإنها معلقة بالموت ، وعدم الغرر غير شرط في صحتها.

الرابع : أنها متقدمة على الوصية ، بمعنى أن الثلث إذا ضاق عنهما قدّمت المنجزة في التنفيذ وإن كانت واقعة بعد الوصية ، وعلى هذا جمهور العلماء. وحكي عن العامة تقديم العتق ، لتعلق حق الله تعالى به وحق الأدمي ، وقوته بسرايته ونفوذه في ملك الغير.

الخامس : انها لازمة في حق المعطي والوارث معا على تقدير البرء ، فإنه ليس لواحد منهما حينئذ ابطالها ، بخلاف الوصية.

والفرق بين هذا وبين الأول : أن المراد هنا اللزوم بالنسبة إلى المعطي والوارث‌

١٢٧

وإذا وهب وتصدّق وحابى ، فإن وسع الثلث ، وإلاّ بدئ بالأول فالأول حتى يستوفي الثلث.

ولو جمع بين المنجّزة والمؤخرة قدّمت المنجزة ، فإن وسع الثلث للباقي أخرج ، وإلاّ أخرج ما يحتمله.

ولو أعتق شقصا من عبد ، ثم شقصا من آخر ، ولم يخرج من الثلث إلاّ العبد الأول عتق خاصة.

______________________________________________________

معا على التقدير المذكور ، وهذا غير اللزوم بالنسبة إلى المعطي فقط.

ويجي‌ء هنا أمر سادس ، وهو اللزوم في حق المتبرع عليه ، حيث يكون التصرف لازما من طرفه ، بخلاف الوصية.

قوله : ( وإذا وهب وتصدّق وحابى ، فإن وسع الثلث ، وإلا بدئ بالأول فالأول حتى يستوفي الثلث ).

الجزاء في قوله : ( فإن وسع الثلث ) محذوف تقديره : نفذ الجميع ، أو نحو ذلك ، وهذا من فروع الأحكام السابقة.

وكذا قوله : ( ولو جمع بين المنجزة والمؤخرة قدّمت المنجزة ، فإن وسع الثلث للباقي أخرج ، وإلاّ أخرج ما يحتمله ).

ولا يخفى أنه لا فرق بين أن يكون صدور المنجزة سابقا على المؤخرة ، وعدمه كما سبق تحقيقه.

قوله : ( ولو أعتق شقصا من عبد ، ثم شقصا من آخر ، ولم يخرج من الثلث إلاّ العبد الأول ، عتق خاصة ).

هذا من فروع بعض الأحكام السابقة ، وهو كون التبرعات كالوصايا في أنها مع الاجتماع وقصور الثلث يبدأ بالأول منها فالأول.

وتحقيقه : انه حين أعتق الشقص من العبد الأول انعتق جميعه بالسراية ، لكون‌

١٢٨

ولو أعتق الشقصين دفعة ، وكان الباقي من كل منهما يساوي الشقص من الآخر ، واتسع الثلث للشقصين خاصة فالأقرب عتق الشقصين خاصة ، ولو خرج أحدهما من الثلث أقرع.

______________________________________________________

الثلث وافيا به خاصة ، فيبطل عتق الثاني مع عدم الإجازة ، لمصادفته ما زاد على الثلث.

قوله : ( ولو أعتق الشقصين دفعة ، وكان الباقي من كل منهما يساوي الشقص من الآخر ، واتسع الثلث للشقصين خاصة ، فالأقرب عتق الشقصين خاصة ).

وجه القرب ان شرط السراية اليسار مع عدم اتساع الثلث لما زاد عن الشقصين ، فالشرط منتف فتنتفي السراية فينحصر التصرف في الشقصين ، والفرض اتساع الثلث لهما فينعتقان.

ويحتمل أن يقرع بينهما فمن خرج اسمه أعتق ، لأن إعتاق الشقص سبب السراية في المجموع ، فيكون بمنزلة إعتاق العبدين.

ولا نسلم انتفاء شرط السراية هنا ، لأن ذلك إنما هو على تقدير الحكم بعتق الشقصين معا. ولم لا يجوز أن يكون المنعتق أحدهما مع ما يقتضي السراية عتقه؟

ويمكن الجواب بأن العتق مباشرة أقوى من السراية ، فلا يبطل عتق أحد الشقصين بمقتضى سراية عتق الآخر. وقد رجع المصنف عن هذا الجزم إلى الإشكال في العتق ، والوجه الأول لا يخلو من قوة.

وإنما قيّد بقوله : ( وكان الباقي من كل منهما يساوي الشقص من الآخر ) ، لأنه لو لم يكن كذلك لم يتحقق عتق مجموع العبد ، فكان استرقاق بعضه لازما على هذا التقدير ، فلم يكن لتغليب حكم السراية وجه حينئذ.

قوله : ( ولو خرج أحدهما أقرع ).

أي : لو خرج أحد الشقصين من الثلث خاصة أقرع بينهما ، إذ لا سبيل إلى إعتاقهما معا ، ولا ترجيح.

١٢٩

ولو ملك من يعتق عليه بغير عوض كالهبة ، أو بغير عوض موروث كما لو آجر نفسه للخدمة به عتق من صلب المال وورّث.

ولو انتقل بالشراء فالأقرب أنه كذلك ، ولو اشتراه بتركته أجمع عتق.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ملك من يعتق عليه بغير عوض كالهبة ، أو بغير عوض موروث ، كما لو آجر نفسه للخدمة به ، عتق من صلب المال وورّث ).

المراد بكونه يعتق من صلب المال : انه لا يكون محسوبا من الثلث ، ووجهه انه ليس ذلك من جملة التبرعات ، إذ لا يصدق عليه تعريفها ، ولم يتحقق من المريض تضييع شي‌ء من أعيان التركة.

وقال بعض الشافعية : إنه يعتق ولا يرث ، وقال أبو حنيفة : يعتق من الثلث ، فإن وسعه ورث ، وإلاّ سعى في الباقي ولم يرث.

قوله : ( ولو انتقل بالشراء فالأقرب انه كذلك ).

أي : يعتق من صلب المال ، ووجه القرب انه لم يتحقق منه تضييع شي‌ء من التركة ، فإن الفرض أن الشراء بثمن المثل ، وترتب العتق على حصول الملك أمر شرعي قهري ، فلا يحسب من الثلث. وقد سبق للمصنف في هذه المسألة قول آخر في المطلب الثاني في الأحكام المعنوية في هذا الكتاب ، وهو كونه من الثلث ، وقد وجهناه هناك بما فيه كفاية.

وقد ذكر الشارح أن الذي استقر عليه رأي المصنف هو هذا ، والأصح كونه من الثلث ، فإن شراء المريض من يعتق عليه ، وبذل المال فيه في قوة إتلافه ، إذ هو بذل للمال في مقابل ما لا يعد مالا بالإضافة اليه وإليهم.

قوله : ( ولو اشتراه بتركته أجمع عتق ).

لو أتى بالفاء بدل الواو لكان أولى ، ليكون تفريعا على ما قرره ، وهو في بعض النسخ كذلك.

١٣٠

ولو اشتراه بأكثر من ثمن المثل ، فإن خرجت المحاباة من الثلث فكذلك ، وإلاّ نفذت المحاباة من الثلث واستسعى القريب في الباقي.

ولو أوصى له بمن يعتق عليه فقبله انعتق من صلب المال ، لأن اعتبار الثلث إنما هو فيما يخرجه عن ملكه اختيارا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اشتراه بأكثر من ثمن المثل ، فإن خرجت المحاباة من الثلث فكذلك ، وإلاّ نفذت المحاباة من الثلث واستسعى القريب في الباقي ).

هذا من فروع كون شراء من ينعتق محسوبا من صلب المال ، فإن موضع ذلك ما إذا اشتراه بثمن المثل.

أما إذا اشتراه بزيادة يتغابن بمثلها فإن الزيادة محاباة ، فإن خرجت من الثلث عتق أجمع ، وهو المراد بقوله : ( فكذلك ) ، وإن لم يخرج من الثلث نفذ منها ما يتسع له الثلث واستسعى القريب في الباقي.

ولا يخفى أن قوله : ( وإلاّ نفذت المحاباة من الثلث ) لا يخلو من قصور ، لأنه إذا كانت لا تخرج من الثلث فكيف تنفذ منه.

قوله : ( ولو أوصى له بمن يعتق عليه فقبله انعتق من صلب المال ، لأن اعتبار الثلث إنما هو فيما يخرج عن ملكه اختيارا ).

فإن ذلك هو حقيقة التبرع كما سبق ، أما ما يجب إخراجه شرعا فليس من التبرع في شي‌ء.

لا يقال : فعلى هذا يكون المنتقل بالشراء بثمن المثل منعتقا من صلب المال ، لأن خروجه لا بالاختيار.

لأنا نقول : ليس الكلام فيه نفسه ، إنما الكلام في أن الثمن المبذول في مقابله من التبرعات ، إذ هو كالمتلف. ولهذا لو اشتراه بدون ثمن مثله لم يعتبر من الثلث ، إلاّ‌

١٣١

وكذا لو وهب أو ورث ، وكذا المفلس والمحجور عليه والمديون والمريض ، ولو وهب ابنه فقبله وقيمته مائة : وخلّف مائتين وابنا آخر عتق وأخذ مائة.

______________________________________________________

الثمن دون الزائد بالمحاباة في العبد. واعلم أن في بعض النسخ : إنما هو فيما يخرجه عن ملكه ، وكلاهما صحيح.

قوله : ( وكذا لو وهب أو ورث ).

قد سبق ذكر ما إذا وهب قريبه فلا وجه لا عادته ، وحكم ما إذا ورث قريبه حكم ما إذا قبل هبته أو الوصية به.

قوله : ( وكذا المفلس والمحجور عليه والمديون والمريض ).

أي : وكذا الحكم في المفلس لو قبل الوصية بمن ينعتق عليه ، أو قبل هبته أو ورثة ، فإنه ليس للغرماء سوى أعيان أمواله التي يتعلق الحجر بها ، وليس هذا من ذاك ، فعلى هذا لو اشتراه بثمن في ذمته صح.

وينبغي أن يزاد بالمحجور عليه المحجور عليه للسفه ، فإن قبوله هبة القريب والوصية به ليس فيه تصرف في شي‌ء من ماله. وعبارة السفيه صحيحة ، لكن قد سبق في الهبة ما يقتضي عدم جواز القبول لو كان فقيرا.

وأما المديون المريض فإنه لا حجر لأرباب الديون عليه ما دام حيا ، فله أن يقبل الهبة والوصية ، وأن يشتري القريب الذي ينعتق عليه بثمن المثل وأزيد.

ولا يعتبر في الزائد عن الثلث ، إلاّ إجازة الوارث خاصة ، لأن موضع الدين الذمة ، ولا يتعلق بالمال إلاّ بالموت أو الحجر ، نعم لو ضاقت التركة عن الدين بسبب التبرعات لم ينفذ ما قصرت التركة بسببه عن الوفاء ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو وهب ابنه ، فقبله وقيمته مائة ، وخلّف مائتين وابنا آخر ، عتق وأخذ مائة ).

لا بحث في هذه المسألة عندنا ، وكأنه أراد بذكرها الرد على الشافعي ، فإن له قولا بأن الابن المنعتق لا يرث ، لأنه وصية فلا يجامع الميراث ، وكلاهما ممنوع.

١٣٢

ولو كان قيمته مائتين والتركة مائة ، عتق أجمع وأخذ خمسين.

ولو اشترى ابني عم بألف لا يملك سواها ، ثم أعتق أحدهما ووهبه الآخر ، وخلفهما مع مولاه ولا وارث له سواه عتق ثلثا المعتق ، إلاّ أن يجيز الموالي ، ثم يرث بثلثيه ثلثي بقية التركة ، فيعتق منه ثمانية اتساعه ، ويبقى تسعة وثلث أخيه للمولى.

ويحتمل عتق جميعه ويرث أخاه ، لأنه بالإعتاق يصير وارثا لثلثي التركة ، فتنفذ إجازته في عتق باقيه ، فتكمل له الحرية ثم يكمل له الميراث.

______________________________________________________

وقال أبو يوسف ومحمد : يرث نصف نفسه ونصف المائتين ، ويحتسب بقيمة نصفه الباقي من ميراثه.

قوله : ( ولو كان قيمته مائتين والتركة مائة عتق أجمع وأخذ خمسين ).

الحكم عندنا ظاهر ، وقال أبو حنيفة : يعتق منه نصفه ، لأنه قدر ثلث التركة ، ويسعى في قيمة باقيه ولا يرث ، لأن المستسعى عنده كالعبد لا يرث إلاّ في أربعة مواضع ، ولا مهم لنا في بيانها.

قوله : ( ولو اشترى ابني عم بألف لا يملك سواها ، ثم أعتق أحدهما ووهبه الآخر ، وخلفهما مع مولاه ولا وارث له سواه ، عتق ثلثا المعتق ، إلاّ أن يجيز المولى ، ثم يرث بثلثيه ثلثي بقية التركة ، فيعتق منه ثمانية أتساعه ويبقى تسعة وثلث أخيه للمولى. ويحتمل عتق جميعه ويرث أخاه ، لأنه بالإعتاق يصير وارثا لثلثي التركة ، فتنفذ إجازته في عتق باقيه ، فتكمل له الحرية ثم يكمل له الميراث ).

لو اشترى المريض ابني عم له بألف مثلا لا يملك سواها ، ثم أعتق أحدهما ووهبه الآخر ، ولم يخلف وارثا سواهما مع مولى نعمته ، عتق من المعتق قدر الثلث وهو ثلثاه.

١٣٣

______________________________________________________

وإنما يكون ذلك إذا كانا متساويين في القيمة ، وحينئذ فيرث بثلثيه ثلثي بقية التركة ، وذلك تسعاه وثلث أخيه ، فينعتق منه ثمانية أتساعه ويبقى تسعة وثلث أخيه للمولى.

هذا إذا لم يجز المولى عتق جميعه ، فإن أجاز فلا بحث في عتق جميعه. لكن هل يرث جميع ما بقي من التركة؟

يمكن أن يقال : لا يرث سوى الثلثين ، إذ لو حكمنا بأن الإرث منحصر فيه ، لأدى إلى عدم صحة الإجازة من المولى ، لأن الإجازة تقتضي نفوذ العتق من حين وقوعه ، فيخرج عن كونه وارثا ، لوجود من هو أولى منه بالإرث.

ويندفع بما سبق في أول الوصايا في بيان أن القبول كاشف أو جزء السبب ، فيما إذا قبل الوصية بمن ينعتق عليه إذا كان أولى بالإرث ، من انه يكفي كونه وارثا في تلك الحال.

وإن لزم خروجه عن الإرث بالقبول كما في الإقرار بوارث أولى ، فإنه يكفي للصحة عدم وارث غيره في تلك الحال ، لكن قد ذكر المصنف فيما يأتي إن شاء الله أنه يحتمل.

ويحتمل عتق جميعه من غير توقف على اجازة المولى فيرث أخاه ، لأنه بالإعتاق يصير وارثا لثلثي باقي التركة فتنفذ إجازته في عتق باقيه ، فتكمل له الحرية ثم يكمل له الميراث ، ويضعّف بأنه إنما يرث ثلثي مجموع باقي التركة ، وذلك ثلثا أخيه وثلثا ما بقي منه ، والثلث الآخر من كل منهما للمولى.

والإجازة إنما تؤثر حيث يعتبر فيما لولا الإجازة لاستحقه المجيز بالإرث ، ولا تؤثر في حق المولى ، ومنعه من الإرث الثابت بأصل الشرع. والحاصل أن نفوذ إجازته في عتق باقيه ممنوع ، والسند ما قدمناه ، والأصح الأول.

١٣٤

ولو ملك من يرثه ممن لا يعتق عليه كابن عمه ثم مات ملك نفسه وعتق وأخذ باقي التركة إن لم يكن هناك وارث.

ولو كان هناك وارث لم يعتق وإن كان أبعد ، فإن أعتقه في مرضه : فإن خرج من الثلث عتق وأخذ التركة ، وإلاّ عتق ما يحتمله الثلث وورث بنسبته ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو ملك من يرثه ممن لا يعتق عليه كابن عمه ثم مات ملك نفسه وعتق ، وأخذ باقي التركة إن لم يكن هناك وارث ).

إن قيل : أسباب العتق محصورة ، وليس هذا من جملتها.

قلنا : من جملتها الفك للإرث ، وهذا من قبيله ، فإن الفلك يثبت إذا انحصر الوارث في عبد الغير ، فإذا انحصر في عبد الميت فأولى بالثبوت.

نعم في قول المصنف : ( ملك نفسه ) شي‌ء ، لأنه إذا كان رقيقا لم يرث فيكف يملك نفسه؟ وكأنه أراد بذلك الكناية عن انقطاع السلطنة عنه بموت مورثه ، وعدم التوقف هنا على صدور شراء وإعتاق ، كما في عبد الغير إذا مات مورثه وانحصر الإرث فيه.

قوله : ( ولو كان هناك وارث لم يعتق وإن كان أبعد ).

لانتفاء المقتضي حينئذ ، إذ هو انحصار الإرث فيه ، وهو منتف هنا.

قوله : ( فإن أعتقه في مرضه ، فإن خرج من الثلث عتق وأخذ التركة ، وإلاّ عتق ما يحتمله الثلث وورث بنسبته ).

ويجي‌ء الاحتمال المذكور في مسألة ابني العم ، حيث يكون معه تركة سوى باقيه ، فينعتق جميعه بإجازته ويجوز باقي الإرث ، وضعفه معلوم مما سبق.

وهذا إذا لم يجز الأبعد ، فإن أجاز عتق جميعه ، وعلى ما سبق فيمنعه من الإرث.

والضمير في قوله : ( بنسبته ) يعود الى ما في قوله : ( ما يحتمله الثلث ) ، أي : وورث بنسبته على ما عتق منه إن كان نصفه فنصف الإرث ، أو ثلثه فثلثه ، وهكذا.

١٣٥

وكذا لو كان قد أقر بأنه كان أعتقه في صحته مع التهمة.

وكل ما يلزم المريض في مرضه من حق لا يمكنه دفعه كأرش الجناية ، وجناية عبده ، وما عاوض عليه بثمن المثل ، وإتلاف مال الغير ظلما أو غيره ، والنكاح بمهر المثل يمضي من الأصل.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لو كان قد أقر بأنه كان أعتقه في صحته مع التهمة ).

أي : وكذا يعتق جميعه إن خرج من الثلث ، وإلاّ فما يحتمله الثلث ، ويرث بالنسبة إذا كان المريض قد أقر بأنه قد كان أعتقه في حال الصحة ، وكان متهما في إقراره ذلك ، فإن الإقرار مع التهمة إنما يمضي من الثلث ، فهو بمنزلة الإعتاق في المرض.

قوله : ( وكل ما يلزم المريض في مرضه من حق لا يمكنه دفعه ، كأرش الجناية ، وجناية عبده ، وما عاوض عليه بثمن المثل ، وإتلاف مال الغير ظلما أو غيره ، والنكاح بمهر المثل يمضي من الأصل ).

المراد : إن كل حق يلزم المريض على وجه قهري من غير أن يكون لزومه باختياره ، ولا يمكنه أن يدفعه عنه ، كأرش الجناية على الغير ، أو على عبد الغير. وكذا أرش جناية عبده فإنه لا سبيل له إلى دفع ثبوت الأرش عنه.

ومثله ما عاوض عليه بثمن المثل ، فإن له ذلك كما تقدّم ، بخلاف ما زاد عن ثمن المثل إذ هو محاباة فهو تبرع. وكذا عوض إتلاف مال الغير ظلما ، أو بحق إذا كان مضمونا.

وكذا مهر المثل إذا نكح به ، بخلاف ما لو زاد عنه فإن الزائد محاباة فإن جميع ذلك يمضي من أصل المال ، ولا يكون محسوبا عليه من الثلث ، إذ ليس شي‌ء من ذلك تبرعا.

١٣٦

ولو أعتق المستوعب أو وهبه ، ثم مات المعتق أو الموهوب قبله احتمل البطلان في الجميع ، والصحة فيه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أعتق المستوعب أو وهبه ثم مات المعتق أو الموهوب قبله ، احتمل البطلان في الجميع ، والصحة فيه ).

أي : لو أعتق عبدا مستوعبا لتركته أو وهبه لغيره ثم مات المعتق أو الموهوب قبله ـ أي : قبل المريض المعتق أو الواهب ـ فهناك احتمالان :

أحدهما : بطلان العتق أو الهبة في جميع العبد ، ووجهه : أن تصرفات المريض المنجزة إنما تنفذ من الثلث كما تقدّم ، فشرط نفوذها أن يحصل للوارث ضعف ما نفذ فيه التصرف والشرط منتف هنا ، إذ الفرض أن لا تركة غير المعتق أو الموهوب ، فيكون العتق والهبة باطلين.

ويرد عليه أنه يحتمل أن يكون موضع الاشتراط ما لو لا التصرف لكان المتصرف فيه مستحقا للوارث بالإرث دون ما سواه ، إذ لا ضرر عليهم في التصرف به ولا حق لهم فيه ، لامتناع تملكهم قبل الموت ، وامتناع كون التالف موروثا.

ويؤيد هذا الوجه الأصل ، فإن الأصل عدم الحجر إلاّ في موضع الدليل ، ولأن تعلق حق الوارث بمال المريض ، والحجر عليه فيه إنما هو لتبقى التركة موفرة عليه ، وذلك منتف في التالف قبل الموت فينتفي الحجر فيه.

الثاني : الصحة في الجميع ، ووجهه : أن هذا التصرف لا يعد تبرعا ، إذ بموت العبد قبل التصرف تبيّن أن الإرث لا يجري فيه ، وجريان الإرث قيد في التبرع كما سبق.

ولأنه لو تعلّق به حق الوارث لوجب أن يعتبر رده وأجازته ، والتالي باطل ، لعدم اعتبارهما بعد موت العتيق ، وكذا تلف العين مطلقا قطعا.

فإن قيل : لو أجاز الوارث قبل موت العتيق ، وقلنا باعتبار الإجازة قبل الموت ، لا يرث هنا قطعا بحيث يموت حرا.

قلنا : لا نسلّم تأثيرها هنا ، والحكم بها حينئذ ظاهرا مراعى ببقائه إلى حين‌

١٣٧

______________________________________________________

الموت ، فإذا مات قبله تبيّنا بطلانها ، كما لو أجاز الوارث ثم مات قبل المريض.

ويجي‌ء هنا احتمال ثالث ، وهو النفوذ في الثلث ، للحكم بالنفوذ فيه مع بقائه ، فمع الموت أولى.

وفي حواشي شيخنا الشهيد : إنه على كل واحد من الاحتمالات يلزم مخالفة أحد أصول ثلاثة : أما على الأول ، فلأن المريض لا ينعقد تصرفه تبرعا في جميع ماله ، وهذا الوجه ينافيه. ويرد عليه أن ذلك لا يعد تبرعا.

وأما على الثاني : فلأن تصرف المريض لا يبطل جميعه ، بل يجب نفوذه ولو في الثالث ، وهذا الوجه ينافيه.

وأما على الثالث ، فلأن نفوذ التصرف في الثلث مشروط بحصول ضعف ما نفذ فيه التصرف للورثة ، ويضعّف بمنع عموم الاشتراط ، وفي الاحتمال الأول قوة.

وهذا إذا لم يخلّف الميت شيئا على ما قدمناه ، فلو خلّف تركة قليلة غير العتيق احتمل صحة التصرف مطلقا ، وبطلانه فيما زاد على قدر نصف الباقي ، وبطلانه فيما زاد على قدر ثلث العبد والباقي.

إذا عرفت ذلك فهنا مباحث :

أ : فائدة الخلاف هنا تظهر في الأمور التي تختلف باختلاف الحرية والرقية ، فلو كان على المعتق أو الموهوب صلاة تمكن من فعلها ونحوها وله ولي ، قضاها الولي على الوجه الأول خاصة. وكذا لو جنى خطأ بعد العتق ، ومثله ما لو أوصى له أو وهب شيئا.

وكذا البحث في كفنه ، فإنه على الصحة يلزم المتهب ، وعلى البطلان فهو على المولى. وكذا على القول في أولوية غسله والصلاة عليه وعدة زوجته. ولو تولّد عنه بعد العتق ولد اتجه الحكم بانعتاق ثلثه وثلث ولده ، ويرق ثلثا الولد ، ويمكن اعتبار التساوي في القيمة.

ب : لو اكتسب بعد الإعتاق مالا ، فإن كان ضعف قيمته ولا وارث له إلاّ السيد‌

١٣٨

ولو أعتق تبرعا ثم أقر بدين ، فإن كان متهما نفذ العتق أولا ، وإن لم يكن متهما فالأقرب‌ تقديم الدين.

______________________________________________________

نفذ عتقه قطعا.

وإن قلنا بأنه إذا لم يخلّف شيئا يبطل عتقه ، لأن كسبه للسيد على كل تقدير ، فيتحقق خروجه من الثلث حينئذ. وإن كان أقل : فعلى القول بالانعتاق إذا لم يخلف شيئا لا بحث ، وعلى البطلان ثم لا تبطل هنا قطعا ، لوجود تركة في الجملة ، فيحتمل عدم اعتبار خروجه من الثلث ، لأن المال الموجود وإن قل خير من ضعف المعدوم ، ولأن اعتباره لا يتوفر على الورثة به شي‌ء ، وعدمه لا ينقص به شي‌ء فيحكم بعتق جميعه.

ويحتمل اعتباره وقوفا مع عموم اعتبار الثلث في نفوذ التبرع ، فيعتق منه قدر نصف الكسب ، ويجوّز المولى نصيب الحرية بالإرث والزائد يتبعه الملك.

ج : لو اكتسب مالا وترك وارثا غير السيد ، وجب الحكم بعدم نفوذ العتق في جميعه قولا واحدا ، لأن نفوذه يقتضي إبطال حق الوارث من الكسب ، وقد تعلق به قبل الموت فيدور ، لأن معرفة نصيب الحرية موقوف على معرفة قدرها ، وهي موقوفة على معرفة قدر نصيب المولى من الكسب ، ولا يكون إلاّ بمعرفة نصيب الحرية.

وطريق التخلص أن يقال : عتق من العبد شي‌ء ، وتبعه من الكسب مثله إن كان الكسب بقدره ، وإلاّ فبالنسبة.

ويجب أن يكون للسيد بقدر ما عتق مرتين محافظة على حق الورثة ، فيكون كسبه في تقدير ثلاثة أشياء ، فالشي‌ء ثلاثة ، فينعتق ثلث العبد ويتبعه ثلث الكسب.

ولو كان الكسب أقل ، كما لو كان ثلاثة وقيمة العبد تسعة ، قلنا : عتق من العبد شي‌ء ويتبعه من كسبه ثلث شي‌ء ، وبقي شيئان من الكسب في مقابل ما عتق مرتين ، فالكسب في تقدير شيئين وثلث ، إذا بسطت ذلك كان سبعة ، فالشي‌ء واحد وسبعان ، والمعتق سبع العبد ، وثلث الشي‌ء ثلاثة أسباع.

قوله : ( ولو أعتق تبرعا ثم أقر بدين ، فإن كان متهما نفذ العتق أولا ، وإن لم يكن متهما فالأقرب‌ تقديم الدين ).

١٣٩

ولو باع فحابى ، فإن أجاز الورثة لزم البيع ، وإن لم يجيزوا فاختار‌

______________________________________________________

أي : فإن كان متهما في الإقرار بالدين على المعتق ، ووجه نفوذ العتق أولا إن الإقرار مع التهمة غير نافذ ، كما في إقرار المريض إذا كان متهما على الورثة.

ولأنه إقرار يقتضي إبطال العتق ، أو بعضه بعد الحكم بصحته ، فيكون إقرارا في حق الغير ، فلا يسمع. أما إذا انتفت التهمة فالأقرب السماع ، فيقدّم الدين.

ووجه القرب عموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) ، وذلك إقرار في حق نفسه وإن لزم منه بالنسبة إلى المعتق مناف للعتق. ولأن ذلك مما قد يقع على وجه النسيان ، فلو لم يقبل الإقرار لزم الضرر المنفي ، ولدلالة النصوص على قبول إقرار المريض إذا كان مأمونا.

ويحتمل عدم القبول ، لأنه يقتضي إبطال العتق أو بعضه وقد حكم بصحته ، ولأنه إقرار في حق المعتق فلا يسمع. فأن قلنا به قضي الدين مما بقي ، وإن لم يف به قضى ما يحتمله خاصة ، والأصح الأول.

واحترز بكون العتق تبرعا عما لو كان واجبا في كفارة ونحوها ، فإن الإقرار بالدين لا يقتضي إبطاله. ويشكل بأنه من جملة الديون ، فإن نافي الإقرار التبرع بالعتق وجب أن يحكم بمنافاته العتق الواجب فيما زاد على حصته من التركة مع الضيق.

وفي هذا البحث نظر ، لأن تبرعات المريض لا يمنع منها كونه مديونا ، لأن الدين لا يتعلق بماله ، ولا يحجر عليه بسببه ما دام حيا.

قوله : ( ولو باع فحابى ، فإن أجاز الورثة ... ).

قد سبق أن تبرعات المريض محسوبة من الثلث ومن جملتها المحاباة ، فإذا باع وحابى ولم يخرج المحاباة من الثلث ، فإن أجاز الورثة فلا بحث ، وإن لم يجيزوا بطل البيع فيما زاد من المحاباة على الثلث ، وحينئذ فإن كان المشتري عالما بالحال والحكم‌

__________________

(١) عوالي اللئالي : ١ : ٢٢٣ حديث ١٠٤.

١٤٠