جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١١

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٤

وأما الواسطة : فكل مرض لا يقين معه بالتلف ولا يستبعد معه كالحمى المطبقة ، لا كحمى الربع والغب ، إلاّ أن ينضم إليها برسام أو رعاف‌

______________________________________________________

الفقهاء ، لأن مثل ذلك إنما يعلم بقوانين الطب والتجربة ، وليس للفقه في ذلك مدخل.

ثم انه إن لم يكن مخوّفا في ابتدائه لم يحصل الوقوف على انتهائه إلاّ للطبيب ، على أن زمان الابتداء والانتهاء غير مضبوط ، إذ لا يراد أول حدوثه وآخر انتهائه ، بل ما يقرب من ذلك ، فلا بد من الرجوع إلى الطبيب.

إذا عرفت ذلك فقوله : ( المستمر ) قيد في السل دون الفالج ، لأنه المتبادر ، وهذا وإن كان ظاهرا في التذكرة فإنه قال : وهيجان البلغم مخوّف ، لأن ذلك من شدة البرد ، فربما غلب ذلك على الحرارة الغريزية فأطفأها ، فإذا صار فالجا تطاول ولم يكن مخوّفا (١) ، لأن الفالج ليس بمخوف في ابتدائه ولا في انتهائه.

إلاّ أن ما سيأتي من قوله : ( وكغلبة البلغم وهو ابتداء الفالج ... ) يقتضي خلاف ذلك ، فيكون قيدا فيهما ، وهو المقصود من كلامه في التذكرة فإنه قال : وهيجان البلغم مخوف ، لأن ذلك من شدة البرد ، فربما غلب ذلك على الحرارة الغريزية فأطفأها ، فإذا صار فالجا تطاول ولم يكن مخوّفا (٢).

وهذا وإن كان ظاهره أن الفالج ليس مخوّفا في ابتدائه ولا في انتهائه إلاّ انه غير مراد له ، وإنما يريد بقوله : ( فإذا صار فالجا ) أنه إذا استحكم واستمر على ذلك ، كما صنع فيما سيأتي من كلامه في هذا الكتاب وقد صرح في التحرير بأن الفالج غير مخوّف عند انتهائه ، والسل في ابتدائه (٣) ، وهو منبّه على ما قلناه ، وقد صرح بذلك غيره.

قوله : ( وأما الواسطة فكل مرض لا يقين معه بالتلف ولا يستبعد معه ، كالحمى المطبقة ، لا كحمى الربع والغب ، إلاّ أن ينضم إليها برسام ، أو رعاف‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٢٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٢٣.

(٣) التحرير ١ : ٣١١.

١٠١

دائم أو ذات جنب أو وجع صدر أو رئة أو قولنج ،

______________________________________________________

دائم ، أو ذات جنب ، أو وجع صدر ، أو رئة ، أو قولنج ).

حمى الربع ـ بكسر الراء ـ هي التي تأتي يوما وتنقطع يومين وتعود في اليوم الرابع ، والغب ـ بكسر الغين المعجمة ـ هي التي تأتي يوما وتنقطع يوما ، وللحميات أنواع آخر منها : الورد ، وهي التي تأتي كل يوم ، وحمى الأخوين وهي التي تأتي يومين وتنقطع يومين.

قال في التذكرة : فما سوى الربع من هذه مخوف ، وذكر في أن حمّى الغب مخوفة أولا اختلافا. قال : وأما الربع على تجردها فهي غير مخوفة ، لأن المحموم يأخذ القوة في يومي الإقلاع (١) ، ولا ريب انه إذا انضم إلى الحمّى شي‌ء من الأمور المذكورة كانت مخوفة.

أما البرسام ـ بالكسر ـ فإنه بخار يرتقي إلى الرأس يؤثر في الدماغ.

وأما الرعاف الدائم : فإنه يصفّي الدم فيذهب القوة.

وذات الجنب : قرح بباطن الجنب يوجع شديدا ، ثم ينفتح في الجوف ويسكن الوجع وذلك وقت الهلاك ، وكذا وجع الخاصرة.

ووجع القلب يستلزم اضطرابه ، وإذا اضطرب كان مخوّفا ، وكذا وجع الصدر ، ومثله وجع الرئة ، وهي بوزن فئة موضع النفس والريح من الحيوان ، قال في الجمهرة : والرية بالجر رية الإنسان والدابة (٢) ، وكذا فسرها في الصحاح (٣).

والقولنج : انعقاد اختلاط الطعام في بعض الأمعاء لا يزول عنه ، ويصعد عنه بسبب البخار إلى الدماغ فيؤدي إلى الهلاك ، كذا في التذكرة (٤). وفي القاموس : القولنج‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٢٢.

(٢) الجمهرة ٢ : ١١٠٧.

(٣) الصحاح ٦ : ٢٣٤٩ ( رأي ).

(٤) التذكرة : ٢ : ٥٢٢.

١٠٢

وكالإسهال المفرط أو المستصحب للزحير أو الدم ، وكغلبة الدم : أما على جميع البدن فينتفخ البدن به مع الحمى وهو الطاعون ، لأنه من شدة الحرارة فيطفئ الحرارة الغريزية ، أو على بعض البدن فينتفخ به ذلك العضو.

______________________________________________________

وقد تكسر لامه ، أو هو مكسور اللام ، ويفتح القاف ويضم : مرض معوي مؤلم يعسر معه خروج الثفل والريح (١).

قوله : ( وكالإسهال المفرط ، والمستصحب للزحير أو الدم ).

إذا تواتر الإسهال ولم يمكن منعه فهو مخوف وإن كان ساعة ، لأن من لحقه ذلك أسرع في موته ، لتجفيفه رطوبات البدن.

وإن لم يكن متواترا ، فان كان يوما أو يومين ولم يدم فليس بمخوف ، لأنه قد يكون من فضل الطعام ، إلاّ أن يقترن به زحير : وهو أن يخرج بشدة أو بوجع أو بتقطيع ، وهو أن يخرج كذلك ويكون مقطعا.

وقد يتوهم انفصال شي‌ء كثير فإذا نظر كان قليلا ، وهو مخوّف ، لاضعافه القوة ، وكذا لو كان معه دم ، لأنه يسقط القوة ، وكذا الإسهال المنتن ، أو الذي يمازجه دهينة ، أو براز أسود يغلي على الأرض.

قوله : ( وكغلبة الدم ، اما على جميع البدن فينتفخ البدن به مع الحمى ، وهو الطاعون ، لأنه من شدة الحرارة ، فيطفئ الحرارة الغريزية ، أو على بعض البدن فينتفخ به ذلك العضو ).

لا ريب أن الطاعون مخوّف في حق من أصابه ، لأنه من شدة الحرارة. قال في التذكرة : إلاّ أنه يكون من هيجان الدم في جميع البدن وينتفخ ، وقال بعضهم : إنه انصباب الدم الى عضو ، والوجه الأول.

فقوله هنا : ( أو على بعض البدن ) وهو القول الثاني ، وظاهر كلامه هنا ارتضاء التفسيرين.

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٢٠٤.

١٠٣

وكغلبة البلغم وهو ابتداء الفالج فإنه مخوف في الابتداء ، لأنه يعقل اللسان ويسقط القوة ، فإن صار فالجا تطاول. وكغلبة المرة الصفراوية ، وكالجرح الواصل إلى جوف الدماغ أو البدن.

أما غير الواصل إليه كالحاصل في اليد والساق والفخذ ، فإن حصل منه انتفاخ وألم وضربان أو تأكل ومدة فمخوف ، وإلاّ فلا.

وأما ما ينذر بالموت ولا يمس البدن فلا يعد في المرض ، والتبرعات معه ماضية من الأصل كحال المراماة ، وكالأسير إذا وقع في يد المشركين ، وكركوب البحر وقت التموج ، وكإقامة الحجة عليه بما يوجب القتل ، وكظهور الطاعون والوباء في بلدة ، وكالحمل قبل ضرب الطلق وبعده ، أما لو مات الولد معها فإنه مخوّف ، وهذا التفصيل عندي لا اعتبار به.

______________________________________________________

ويمكن أن يريد بقوله : أو على بعض البدن : مطلق غلبة الدم من غير أن يكون طاعونا ، فإنه خص الشق الأول بكونه الطاعون (١) ، وتحقيق ذلك ليس من وظيفة الفقيه.

قوله : ( وكغلبة المرة الصفراوية ).

لأنها قد تورث يبوسة ، ومثلها غلبة الدم وهيجانه وانصبابه إلى عضو من يد أو رجل أو غيرهما فينتفخ ، وقد تحصل الحمى ، ولا يشترط معه تغير العقل ، خلافا للشافعي.

قوله : ( وكالحمل قبل ضرب الطلق ، ومعه وبعده ).

حكى المصنف في التذكرة عن الشيخ رحمه‌الله أن للحامل ثلاثة أحوال قبل الطلق ومعه وبعده ، فما قبله ليس مخوّفا ، وما معه مخوّف ، وما بعده إن لم يكن معه دم وألم فليس مخوّفا وإلاّ فهو مخوّف (٢). ويلوح من كلام المصنف هنا موافقة كلام الشيخ.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٢٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٢٣.

١٠٤

البحث الثاني : في حقيقة التبرع : وهو ازالة الملك عن عين مملوكة ، يجري الإرث فيها من غير لزوم ولا أخذ عوض يماثلها ،

______________________________________________________

وفي التذكرة أطلق كون الحمل ليس مخوّفا حين ضرب الطلق (١) ، وكلام الشيخ لا يخلو من وجه.

واعلم انه قد قيل في تفسير المرض المخوف : إنه ما يستعد الإنسان بسببه لما بعد الموت ، بأن يعد أسباب التجهيز وما ينفعه بعد الموت من توبة ووصية ورد مظلمة.

وقال أصحاب الرأي : المخوّف ما يمنع من المجي‌ء والذهاب ، وما لا يمنع من التردد فليس بمخوّف. وروي عنهم : إن المخوّف هو الذي يجوز القعود له في صلاة الفرض ، والكل ضعيف ، وما تقدم هو المعتمد.

قوله : ( في حقيقة التبرع : وهو ازالة الملك عن عين مملوكة ، يجري الإرث فيها من غير لزوم ، ولا أخذ عوض يماثلها ).

لما ذكر فيما مضى حكم تبرعات المريض المنجزة ، لم يكن بدّ من بيان حقيقة التبرع ، إذ هو متعلق الحكم.

وقد عرّفه المصنف بأنه : إزالة الملك عن عين مملوكة ، يجري الإرث فيها من غير لزوم إلى آخره. فقوله : ( ازالة الملك ) يخرج العارية ، إذ ليس فيها ازالة للملك ، ويشكل خروجها ، فإنها من التبرعات. وفيه اشكال آخر ، وهو الإزالة بالإتلاف ، فإن التعريف صادق عليها مع انها ليست من التبرعات ، ولا تحسب من الثلث.

وبقوله : ( عن عين مملوكة ). خرج ازالة الملك عن الدين ، وعن المنفعة ، وعن نحو التحجير والحريم. ولا ريب في أن خروج الدين والمنفعة مخل بصحة التعريف ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٢٣.

١٠٥

فلو باع بثمن المثل لزم وصح ، وكذا لو اشترى به.

ولا يمنع من إخراج ما ينتفع به من مأكول وملبوس ومشروب ، ولا‌

______________________________________________________

وأما نحو التحجير وحريم الملك فلا أعلم فيهما تصريحا للأصحاب ، لكنهما من توابع الملك ، ويجوز الصلح عليهما فيقابلان بمال.

وكان حقه أن يقول : مملوكة له ، لأن المملوكة لغيره لو أزال ملك مالكها عنها بوكالة أو ولاية لم يكن مما نحن فيه ، والمقام يعيّن هذا التقيد ، ويغني عن التعرض إليه.

وقوله : ( يجري فيها الإرث ) لا يكاد يتحقق له فائدة : إذ لا تتصور ازالة الملك عن عين مملوكة لا يجري فيها الإرث ويعد تبرعا ، إذ ما لا يجري فيه الإرث من الأموال الوقف ، وازالة الملك فيه إنما يكون بالإتلاف ، وليس مما نحن فيه.

وقوله : ( من غير لزوم ). يرد عليه ازالة الملك اللازم بالنذر في مرض الموت إذا وفّى به الثلث ، فان ذلك تبرع محسوب من الثلث مع كونه على وجه لازم.

فان قيل : الإزالة هنا بالنذر وليس إيقاعه لازما.

قلنا : بل الإزالة في مثل ما لو نذر له شاة من شياهه مثلا بالدفع.

وقوله : ( ولا أخذ عوض يماثلها ) احترز به عن المعاوضات الواقعة مجردة عن المحاباة ، فإن العوض لو لم يكن مماثلا فقد اشتملت المعاوضة على محاباة. وينبغي أن يراد بالمماثل المكافئ ، ليخرج عنه مهر المثل لو نكح في المرض.

قوله : ( فلو باع بثمن المثل لزم وصح ، وكذا لو اشترى به )

أي : إذا كانت حقيقة التبرع المحسوب من الثلث ما ذكر ، فالبيع والشراء بثمن المثل ليس من التبرع ، فيجب أن يكون البيع الواقع كذلك صحيحا لازما.

ولا يخفى أنه لما قدّم قوله ( لزم ) لم يكن محتاجا إلى قوله بعده : ( وصح ) ، لأن التقييد بالأخص يستلزم التقييد بالأعم.

قوله : ( ولا يمنع من إخراج ما ينتفع به من مأكول وملبوس ومشروب ،

١٠٦

من ابتياعه بثمن المثل ، سواء كانت عادته ذلك أم لا.

أما لو باع بدون ثمن المثل ، أو اشتري بأكثر منه ، أو وهب ، أو أعتق ، أو وقف ، أو تصدّق فإنه يخرج من الثلث على الأقوى.

والإقرار مع التهمة من الثلث ولا معها من الأصل ، فهنا مطالب :

______________________________________________________

ولا من ابتياعه بثمن المثل ، سواء كانت عادته ذلك أولا ).

أي : لا يمنع المريض من إخراج المأكول والمشروب على نفسه وإن كان ذلك نفيسا ، وإن كان الغرض منه التلذذ.

وكذا القول فيما يتداوى به من نفائس الأدوية وغيرها ، وكذا القول في ملبوسه فليلبس ما شاء ، وإن لم يوجد عنده كان له شراؤه ، وكذا لا يمنع من الانتفاع بثمن المثل ، فلو عاوض على جارية كان له التسري بها.

ولا يحسب شي‌ء من ذلك عليه من الثلث إجماعا ، كما ان سائر إتلافاته لا تحسب عليه. ولا فرق بين أن يكون من عادته الانتفاع بالنفيس وعدمه.

قوله : ( أما لو باع بدون ثمن المثل ، أو اشترى بأكثر منه ، أو وهب ، أو أعتق ، أو وقف ، أو تصدق فإنه يخرج من الثلث على الأقوى ).

هذا مما يتفرع أيضا على كون التبرع المحدود سابقا محسوبا من الثلث.

وتحقيقه : أنه إذا باع بدون ثمن المثل فقد اشتمل البيع على المحاباة ، فالتفاوت من جملة التبرعات ، فيكون محسوبا من الثلث على أصح القولين في التبرعات المنجزة في المرض ، على ما سبق تحقيقه. ومثله ما لو وهب هبة صحيحة غير معوّضة ، أو أعتق ، أو وقف ، أو تصدق ، لأن جميع ذلك من التبرعات.

قوله : ( والإقرار مع التهمة من الثلث ، ولا معها من الأصل ).

اختلف الأصحاب في إقرار المريض ، هل هو ماض من الأصل أم من الثلث؟

١٠٧

______________________________________________________

فاختار سلار (١) ، وابن إدريس (٢) كونه من الأصل مطلقا ، سواء كان الوارث أو لأجنبي ، وسواء كان متهما أو لا ، لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٣).

وقال الصدوق : إنه من الثلث إذا كان للوارث (٤) ، ولم يقيّد بالتهمة.

وقال الشيخ في النهاية (٥) ، وابن البراج : إنه من الأصل مع العدالة وانتفاء التهمة ، ومن الثلث بدونهما ، سواء الوارث والأجنبي.

وقال المفيد : إنه ماض من الأصل بالشرطين السابقين بالنسبة إلى الوارث والأجنبي إذا أقر بوديعة ، وأطلق في الإقرار بالدين كونه ماضيا من الأصل (٦).

وقال ابن حمزة : انه ماض من الأصل بالنسبة إلى الأجنبي مطلقا ، وبالنسبة إلى الوارث من الثلث إن كان متهما (٧).

وذهب المحقق نجم الدين إلى أنه مع التهمة من الثلث مطلقا ، ولا معها من الأصل مطلقا (٨) ، واختاره المصنف ، وهو الأصح ، لنا على النفوذ من الأصل مع عدم التهمة عموم قوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٩) وإجماع المسلمين على نفوذ إقرار العاقل ، وعلى النفوذ معها بالنسبة إلى الوارث والأجنبي صحيحة منصور بن حازم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أوصى لبعض ورثته‌

__________________

(١) المراسم : ٣١٧.

(٢) السرائر : ٣٩١.

(٣) عوالي اللئالي ١ : ٢٢٣ حديث ١٠٤.

(٤) المقنع : ٤٧.

(٥) النهاية : ٦١٨.

(٦) المقنعة : ١٠٠.

(٧) الوسيلة : ٤١٣.

(٨) الشرائع ٣ : ١٥٢.

(٩) عوالي اللئالي ١ : ٢٢٣ حديث ١٠٤.

١٠٨

الأول : في التبرعات ، وفيه مسائل :

الأولى : الهبة والعتق والوقف والصدقة المندوبة محسوبة من الثلث ، ولو نذر الصدقة في مرض الموت ، فالأقرب‌ أنه من الثلث.

______________________________________________________

بأن عليه دينا فقال : « إن كان الميت مرضيا فأعطه الذي أوصى له » (١).

وصحيحة العلاء بياع السابري ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة استودعت رجلا مالا ، فلما حضرها الموت قالت له : أن المال الذي دفعت إليك لفلانة ، وماتت المرأة ، فأتى أولياؤها الرجل وقالوا له : إنه كان لصاحبتنا مال لا نراه إلاّ عندك ، فاحلف لنا ما قبلك شي‌ء ، أفيحلف لهم؟ فقال : « إن كانت مأمونة عنده فليحلف ، وإن كانت متهمة فلا يحلف ، ويضع الأمر على ما كان ، فإنما لها من مالها ثلثه » (٢). قوله : « ويضع الأمر على ما كان » المراد انه يجري على الوديعة حكم مال المقرة إذا لم يسعها الثلث ، فإنه ليس لها من مالها إلاّ الثلث.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه ليس في الأخبار ما ينهض حجة على اعتبار العدالة في المريض ، فإن اعتبار كونه مرضيا مأمونا يحتمل أن يريد به كونه بحيث يعتمد على قوله ، لما عهد من حسن سيرته وإن لم يبلغ مرتبة العدالة ، وانه ليس متهما على الوارث بإرادة الإضرار به وحرمانه بالإقرار ، وتصريح بعض الأصحاب باعتبار العدالة محل تردد.

قوله : ( في التبرعات وفيه مسائل :

الأول : الهبة ، والعتق ، والوقف ، والصدقة المندوبة محسوبة من الثلث ، ولو نذر الصدقة في مرض الموت فالأقرب أنه من الثلث ).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٧٠ حديث ٥٩٤ ، الاستبصار ٤ : ١١١ حديث ٤٢٦.

(٢) الفقيه ٤ : ١٧٠ حديث ١٢٤ ، الاستبصار ٤ : ١١٢ حديث ٧.

١٠٩

وكذا لو وهب صحيحا واقبض مريضا ، لأن القبض هو المزيل للملك.

وكذا لو أبرأ عن دين ، أو كاتب عبدا وان زاد عن ثمن المثل.

______________________________________________________

وجه القرب عموم الأخبار الدالة على الحجر على المريض فيما زاد على ثلث ماله ، ولأن صحة النذر مشروطة بأن لا يستلزم إتلاف مال على الغير ولا إسقاط حق ، وما زاد على الثلث تعلق به حق الورثة ، فوجب أن يكون نفوذ النذر فيه موقوفا على إجازتهم.

وقيل : يمضي من الأصل ، لوجوب الوفاء بالنذر ، والواجبات المالية من الأصل. ويضعّف بأن وجوب الوفاء فرع صحة النذر ، وصحته فيما زاد على الثلث ممنوعة ، فإن عموم الأخبار يقتضي العدم.

قوله : ( وكذا لو وهب صحيحا وأقبض مريضا ، لأن القبض هو المزيل للملك ، وكذا لو أبرأ عن دين ، أو كاتب عبدا وإن زاد عن ثمن المثل ).

المراد : إذا وهب هبة غير معوضة ، أو عوضها دون عوض المثل.

وقوله : ( لأن القبض هو المزيل للملك ) بناء على المشهور ، أما على القول بأن الملك يحصل بالعقد ـ وهو مختار الشيخ في المبسوط (١) ، والمصنف في المختلف (٢) ـ فلا يتم ، والإبراء عن الدين هبة.

وإنما كانت الكتابة من الثلث وإن زاد العوض عن ثمن المثل ، فلأن العبد وما يكتسبه جميعه ملك للسيد ، فلا يقع ما يؤديه عوضا حقيقيا ، لأن العوض الحقيقي هو الذي لا يكون مملوكا لملك المعوض.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣٣.

(٢) المختلف : ٤٨٦.

١١٠

ولو شرط في الهبة عوض المثل فمن الأصل ، ودونه يكون الزائد من الثلث ، ويمضي من الأصل ما يؤديه من الديون ، وأروش الجنايات سواء وقعت في الصحة أو مرض الموت ، وكذا مهر المثل مع الدخول ، أما لو زاد كان الزائد من الثلث.

ولو خصص بعض الديون بالقضاء لم يكن لباقي الديان المشاركة وإن قصرت التركة.

______________________________________________________

فإن قيل : المدفوع من الزكاة المبذول والمشروط صرفه في عوض الكتابة غير مملوك للسيد.

قلنا : عوض الكتابة أعم من ذلك وموضعه الذمة ، والعبد ذمته ملك للمولى. نعم لو اشتراه مشتر من الزكاة ونحو ذلك اعتبر فيه عوض المثل فصاعدا ، إلاّ أن ذلك ليس من الكتابة في شي‌ء.

قوله : ( ويمضي من الأصل ما يؤديه من الديون ، وأروش الجنايات ، سواء وقعت في الصحة أو مرض الموت ، وكذا مهر المثل مع الدخول ... ).

أما الديون الثابتة في الذمة ، فلأنها مقدّمة على الإرث بنص القرآن العزيز ، من غير فرق بين الواقع منها في الصحة وغيره ، وأروش الجنايات من جملة الديون.

ومهر المثل من جملة الأعواض اللازمة مع صحة النكاح ، وإنما يصح مع الدخول بالنص والإجماع. أما الزائد عن مهر المثل فهو من جملة التبرعات ، إذ لا عوض في مقابلة ، فيكون من الثلث.

قوله : ( ولو خصص بعض الديون بالقضاء لم يكن لباقي الديّان المشاركة وإن قصرت التركة ).

أي : وإن قصرت التركة عن الديون ، وذلك لأن المديون ما دام حيا لم يفلس فموضع ديونه ذمته لا أمواله ، فلا تعلق للديان بأمواله إلاّ بعد موته. فإذا وهب أو‌

١١١

اما لو أوصى بتخصيصه بالقضاء لم يصح ، ويمضي من الأصل الكفارة الواجبة وأجرة المثل عن حجة الإسلام أو المنذورة في الصحة وأجرة الصلاة من الثلث وإن كانت واجبة ، وبالجملة كل واجب يخرج من صلب المال.

______________________________________________________

خصص بعض الديون بشي‌ء لم يكن لهم الاعتراض عليه ، نعم لهم المطالبة والتضييق وطلب الحجر من الحاكم بشروطه.

قوله : ( أما لو أوصى بتخصيصه بالقضاء لم تصح ).

أي : بتخصيص بعض الديون ، وإنما لم تصح الوصية لتعلق حق الديّان بالتركة حينئذ ، ويتحقق الحجر على الوارث والموصى فيها.

وينبغي أن يحمل قوله : ( بتخصيصه بالقضاء ) على ارادة قضاء ذلك الدين دون غيره ، إذ لو أوصى بتخصيصه بمال معيّن فالمتجه انه إن كانت التركة زائدة على الدين زيادة وافية بالوصية صحت الوصية ، بناء على ما ذهب إليه في باب الحجر على المريض من أن للوارث التصرف فيما زاد على قدر الدين من التركة تصرفا مراعى ، فيكون هنا كذلك.

بل التحقيق وجوب العمل بالوصية هنا مطلقا ، سواء زادت التركة أم لا ، بأن توفّى باقي الديون أولا مما عدا الموصى به ، فإذا تحقق قضاؤها نفذت الوصية حينئذ ، لانتفاء المانع. ولو دفع بكفيل ونحوه لم يبعد الجواز ، نعم مع نقصان التركة عن الديون يراعى تنفيذ الوصية في حصة ذلك الدين.

قوله : ( وبالجملة كل واجب يخرج من صلب المال ).

الظاهر أن هذا ضابط لما يمضي من الأصل من الواجبات ، وأن قوله ( واجرة الصلاة من الثلث ) وقع في البين أجنبيا.

والمعنى المراد : إن ضابط ما يمضي من الأصل من ذلك على وجه الجملة هو قولنا : كل واجب يخرج من صلب المال ، أي له تعلق بالمال في حال الحياة ، بحيث‌

١١٢

الثانية : لو أخذ عوضا هو ثمن مثل ما بذله من المال فهو من رأس المال كالبيع ، وأصناف المعاوضات ، سواء كان مع أجنبي أو وارث ، وسواء كان متهما أو لا.

ولو باع الوارث بثمن المثل ، وأقر بقبض الثمن من غير مشاهدة نفذ‌

______________________________________________________

يكون المال ملحوظا فيه شرعا كالحج فإن الاستطاعة ملحوظة فيه ، وحال الكفارة والخمس والزكاة والنذور المالية ظاهر. وإنما قلنا إن هذا هو المراد ، لأنه لولاه لم يستقم حمله على عمومه ، إذ ليس كل واجب يخرج من صلب المال كما لا يخفى.

قوله : ( لو أخذ عوضا هو ثمن مثل ما بذله من المال فهو من رأس المال كالبيع ، وأصناف المعاوضات ، سواء كان مع أجنبي أو وارث ، وسواء كان متهما أولا ).

لا يخفى ما في قوله : ( كالبيع وأصناف المعاوضات ) من المسامحة ، إذ لا يكون ذلك مثالا للأخذ ، والمراد ظاهر.

والحاصل أن تصرّف المريض في جميع ماله بالبيع ، وغيره من المعاوضات المشتملة على عوض المثل لما يخرجه عن نفسه لا خلاف في صحتها بين أهل الإسلام لعموم : « الناس مسلطون على أموالهم » (١) ، ولأن الذي يجب حفظه على الوارث هو المالية دون أعيان الأموال ، وذلك حاصل مع عوض المثل.

ولا فرق بين كون المعاوضة مع أجنبي أو وارث ، ولا أثر لكون المريض متهما على الورثة أو بعضهم بإرادة إخراج أعيان التركة عنهم أولا ، لما قلناه.

قوله : ( ولو باع الوارث بثمن المثل ، وأقر بقبض الثمن من غير‌

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ٢ ص ١٣٨ ج ٣٨٣.

١١٣

البيع وإن كان مستوعبا ، وكان الإقرار من الثلث مع التهمة ، وما يتغابن الناس بمثله يمضي من الأصل.

ولو اوصى أن يكفن بالمرتفع مضى الزائد عن المجزئ من الثلث.

______________________________________________________

مشاهدة ، نفذ البيع وإن كان مستوعبا ، وإن كان الإقرار من الثلث مع التهمة ).

أي : لو باع المريض الوارث شيئا بثمن المثل ، وأقر بقبض الثمن ، ولم يشاهد الشهود القبض ، فالبيع صحيح نافذ ، لأن المريض مسلط على المعاوضات المشتملة على عوض المثل ، وقبض الثمن غير شرط في الصحة ، ولا فرق في ذلك بين كون المبيع مستوعبا لجميع التركة وعدمه.

أما الإقرار فإنه يمضي من الثلث إن كان المريض متهما ، لما عرفت من أن إقراره مع التهمة إنما يمضي من الثلث ، سواء كان في حق الوارث أم الأجنبي ، وبدونها من الأصل.

ولا يخفى أنه لا فائدة في قوله : ( ولو باع الوارث ) ، بل هو مضر ، فلو أسقطه لكانت العبارة أشمل.

واعلم أن البيع لو كان صرفا ، وكان متهما في إقراره ، لم يمض الصرف فيما زاد على الثلث ، لفقد الشرط.

قوله : ( وما يتغابن الناس بمثله يمضي من الأصل ).

قطعا ، لأن مثل هذا التفاوت لا يقدح في كون المأخوذ عوض المثل.

قوله : ( ولو أوصى أن يكفن بالمرتفع مضى الزائد عن المجزئ من الثلث ).

المراد : المرتفع بالنسبة إلى الموصي ، ولا شك أنه يختلف باختلاف الأشخاص والبلدان ، فرب مرتفع بالنسبة إلى شخص منخفض بالنسبة إلى آخر ، وكذا القول في البلدان.

١١٤

ولو اشتمل البيع على المحاباة مضى ما قابل السلعة من الأصل والزائد من الثلث ، وكذا لو شرط أقل من عوض المثل في الهبة.

الثالثة : نكاح المريض مشروط بالدخول ، فإن مات قبله بطل العقد ، ولا مهر ولا ميراث ، ولو ماتت قبله فكذلك.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اشتمل البيع على المحاباة مضى ما قابل السلعة من الأصل والزائد من الثلث ، وكذا لو اشترط أقل من عوض المثل في الهبة ).

المحاباة : مفاعلة من الحبوة ، وهي مثلثة الأول العطية بلا منّ ولا جزاء.

والمراد : البيع بأقل من ثمن مثل المبيع بما لا يتغابن به الناس ، فهو في قوة بيع وهبة فمقابل السلعة من الأصل ، والزائد وهو ما وقعت به المحاباة من الثلث.

وكان الأحسن أن يقول : ومقابل المأخوذ ، ليعم ما إذا كان بائعا أو مشتريا بنقد وغيره ، لأن أول كلامه لا يأبى ذلك ، فإن البيع الواقع كما يصح تقديره من المريض كذا يصح تقديره له ، والحكم في الهبة المعوضة والصلح والصداق كذلك.

قوله : ( نكاح المريض مشروط بالدخول ، فإن مات قبله بطل العقد ولا مهر ولا ميراث ، ولو ماتت فكذلك ).

لا خلاف عندنا في جواز النكاح للمريض ، وعمومات الكتاب والسنة وصريح الأخبار شاهدة بذلك.

إلاّ أن صحته مشروطة بالدخول عندنا ، ويدل على ذلك حسنة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « ليس للمريض أن يطلّق وله أن يتزوّج ، فإن تزوّج ودخل بها فهو جائز ، وإن لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل ولا مهر لها ولا ميراث » (١). وفي معناها صحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام (٢).

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٣ حديث ١٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٢١ حديث ١.

١١٥

وإن دخل صح العقد فإن كان المسمى بقدر مهر المثل أو أقل نفذ من الأصل ، وإلاّ فالزائد من الثلث ، وله أن ينكح أربعا.

ولو زوجت المريضة نفسها فالأقرب الصحة وعدم اشتراط الدخول ،

______________________________________________________

وحيث علم اشتراط صحة نكاحه بالدخول ، فلو ماتت قبله بطل العقد أيضا ، ولم تستحق مهرا ولم يرثها هو.

قوله : ( وإن دخل صح العقد ، فإن كان المسمّى بقدر مهر المثل أو أقل نفذ من الأصل ، وإلاّ فالزائد من الثلث ).

إنما كان قدر مهر المثل من الأصل لظاهر الأخبار الدالة على جواز نكاح المريض من غير تقييد ، ولأن في النكاح شائبة المعاوضة ، ولأنه ليس أسوأ من شراء جارية للتسري.

وإنما كان الزائد على مهر المثل من الثلث ، فلأن النكاح في معنى المعاوضة ، والبضع يجري مجرى المال ، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك عندنا.

قوله : ( ولو زوّجت المريضة نفسها فالأقرب الصحة وعدم اشتراط الدخول ).

أما الصحة فمقطوع بها في الجملة ، إذ نكاح المريض مع التزامه المهر مقطوع بصحته في الجملة ، فالمريضة أولى ، لأن النكاح بالنسبة إليها في معنى الاكتساب ، إنما الكلام في أن نكاحها هل هو مشروط بالدخول كنكاح المريض؟ وهذا هو مراد المصنف وإن كانت العبارة قد توهم خلافه.

ووجه القرب عمومات الكتاب (١) والسنة الدالة على صحة النكاح من غير‌

__________________

(١) النساء : ٣.

١١٦

فإن كان بدون مهر المثل فالأقرب النفوذ.

ويكره للمريض أن يطلّق ، ويمضي لو فعل ،

______________________________________________________

اشتراط الدخول ، ونكاح المريض اختص بنص أخرجه (١) ، ولأنه اكتساب بالنسبة إليها لإيجابه المهر والنفقة لها ، بخلاف الرجل ، لاقتضائه وجوب ذلك عليه.

ويحتمل ضعيفا اشتراطه بالدخول كما في المريض ، للاشتراك في وصف المرض ، وتحقق المزاحمة للورثة في الميراث فيهما معا ، وضعف هذا أظهر من أن يحتاج إلى بيان.

قوله : ( فإن كان بدون مهر المثل فالأقرب النفوذ ).

وجه القرب تناول العمومات له مع انتفاء المعارض ، ولأن البضع لا حق للورثة فيه ، وليس هو من جملة الأموال ، بل ذلك محض فائدة للوارث ، إذ هو مقابلة ما لا يستحقونه بما يدخل في ملكهم ، فلا فرق فيه بين القليل والكثير في أنه لا دخل للوارث فيه.

ويحتمل ضعيفا كون المحاباة من الثلث ، لأن ذلك بمنزلة الهبة ، ولأن الوارث يستحق المهر ، فيكون النقص عن مهر المثل تفويتا عليه ، وليس بشي‌ء.

قوله : ( ويكره للمريض أن يطلّق ، ويمضي لو فعل ).

يكره طلاق المريض كراهية شديدة ، حتى انه ورد في بعض الأخبار ما يقتضي المنع ، وهو منزل على شدة الكراهية.

وربما علّل بأنه يراد به حرمان الوارث من الإرث ، فلذلك قوبل بنقض مقصوده ، وكيف كان فلو طلّق مع الشرائط وقع إجماعا.

__________________

(١) انظر الوسائل ١٥ : ٣٨٣ باب ٢١ من أبواب أقسام الطلاق.

١١٧

لكنهما يتوارثان في العدة الرجعية ، وترثه المرأة إن مات في الحول من حين الطلاق ما لم تتزوج أو يبرأ من مرضه.

فلو مات بعد الحول ولو بساعة ، أو برأ في أثناء الحول ثم مات قبل خروجه ، أو تزوجت في أثنائه وإن طلّق الثاني بائنا فلا ميراث.

______________________________________________________

قوله : ( لكنهما يتوارثان في العدة الرجعية ، وترثه المرأة إن مات في الحول من حين الطلاق ما لم تتزوج أو يبرأ من مرضه ، فلو مات بعد الحول ولو بساعة ، أو بري‌ء في أثناء الحول ثم مات قبل خروجه ، أو تزوجت في أثنائه وإن طلّق الثاني بائنا فلا ميراث ).

الاستدراك على ظاهر قوله : ( ويمضي لو فعل ) ، فإن مضي الطلاق هنا ليس كمضيه في غيره ، بل خرج عن حكمه بالإرث في غير العدة الرجعية ، فترثه هي إذا مات في مرضه ذلك قبل مضي الحول من حين الطلاق ولم تتزوج وإن كانت بائنة ، أما هو فلا يرثها إلاّ في العدة الرجعية.

ويدل على الأول ما رواه أبو الورد عن الباقر عليه‌السلام قال : « إذا طلق الرجل امرأته تطليقة في مرضه ، ثم مكثت في مرضه حتى انقضت عدتها فإنها ترثه ما لم تتزوج ، فإن كانت تزوجت بعد انقضاء العدة فإنها لا ترثه » (١).

وروى أبو العباس عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : رجل طلّق امرأته وهو مريض تطليقة ، وقد كان طلقها قبل ذلك تطليقتين ، قال : « فإنها ترثه إذا كان في مرضه » ، قال : قلت : ما حد المرض؟ قال : « لا يزال مريضا حتى يموت وإن طال ذلك إلى سنة » (٢).

وروى أبو العباس عنه عليه‌السلام قال : « إذا طلق الرجل المرأة في مرضه‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢١ حديث ٢.

(٢) الكافي ٦ : ١٢٢ حديث ٦.

١١٨

والأقرب انتفاء الإرث مع الخلع والمبارأة ، وسؤالها الطلاق ، وكونها كافرة أو أمة وقت الطلاق وإن أسلمت أو أعتقت في الحول ، إلاّ في العدة الرجعية.

______________________________________________________

ورثته ما دام في مرضه ذلك وإن انقضت عدتها ، إلاّ أن يصح منه » ، قال : قلت : فإن طال به المرض؟ قال : « ما بينه وبين سنة » (١).

وروى عبد الرحمن بن الحجاج عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل طلق امرأته وهو مريض ، قال : « إن مات في مرضه ولم تتزوّج ورثته ، وإن كانت قد تزوّجت فقد رضيت بالذي صنع ، لا ميراث لها » (٢) ، وهذه الرواية تتناول مطلق المطلّقة بائنة وغيرها.

ولا يخفى أن قول المصنف : ( فلو مات بعد الحول ولو بساعة ) وإن أشعر باعتبار الساعة إلاّ أنه لا يراد ظاهره ، لدلالة الأخبار على أنه لو مات بعد الحل لم ترثه وذلك صادق بأقل من ساعة.

ويدل على الثاني ما رواه الحلبي وأبو بصير وأبو العباس جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال : « ترثه ولا يرثها إذا انقضت العدة » (٣).

قوله : ( والأقرب انتفاء الإرث مع الخلع والمبارأة ، وسؤالها الطلاق ، وكونها كافرة أو أمة وقت الطلاق وإن أسلمت أو أعتقت في الحول ، إلاّ في العدة الرجعية ).

ما قرّبه المصنف هنا من انتفاء الإرث مع الخلع والمبارأة وسؤالها الطلاق ، هو مختار الشيخ في الاستبصار (٤) ، وأبي القاسم جعفر بن سعيد الحلي (٥) ، وتدل عليه رواية‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٢٢ حديث ٧.

(٢) الكافي ٦ : ١٢١ حديث ٣.

(٣) الكافي ٧ : ١٣٤ حديث ٦.

(٤) الاستبصار ٣ : ٣٠٦.

(٥) الشرائع ٤ : ٣٤.

١١٩

______________________________________________________

زرعة عن سماعة قال : سألته عن رجل طلّق امرأته وهو مريض قال : « ترثه ما دامت في عدتها ، فإن طلقها في حال إضرار فهي ترثه إلى سنة ، فإن زاد على السنة يوم واحد لم ترثه ، وتعتد منه أربعة أشهر وعشرة أيام عدة المتوفى عنها زوجها » (١).

ونقل في الاستبصار عن محمد بن القاسم الهاشمي ، كذا ذكره الشارحان (٢) ، والذي وجدته في الاستبصار عن الحسن بن محمد بن القسم قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا ترث المختلعة والمبارأة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئا إذا كان منهن في مرض الزوج » (٣). وذهب في المبسوط (٤) والخلاف إلى الإرث (٥) ، وتبعه ابن إدريس (٦)

تمسكا بعموم الأخبار واستضعافا ، للمنافي.

فإن قيل : ما سبق في رواية عبد الرحمن بن الحجاج من قوله عليه‌السلام : « فقد رضيت بالذي صنع لا ميراث لها » (٧) يدل على أنه لا إرث لها مع رضاها ، ويومي إلى أن علّة ثبوت الإرث في المطلقة في المرض تهمته بإرادة حرمانها من الإرث.

قلنا : لو كان ذلك علّة لوجب أن ينتفي إرثها برضاها بعد الطلاق ، وبما إذا علم رضاها به ولم يصرح بالسؤال ، وبما إذا علم أن غرضه بالطلاق خوف نزول ضرر به أو بها ، أو خوف ظالم ونحو ذلك. وإن ثبت مع الفسخ بشي‌ء من الأسباب الموجبة له ، وليس كذلك ، فالحكم بالإرث فيهن كغيرهن لا يخلو من قوة.

وأما إذا كانت الزوجة كتابية أو أمة ، فأسلمت بعد الطلاق في المرض أو أعتقت ، فإن كان ذلك في العدة الرجعية فلا بحث في ثبوت الإرث ، لأنها زوجة.

__________________

(١) الاستبصار ٣ : ٣٠٧ حديث ١٤.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٦٠٠.

(٣) الاستبصار ٣ : ٣٠٨ حديث ٦.

(٤) المبسوط ٥ : ٦٨.

(٥) مسألة ٥٥ كتاب الإرث.

(٦) السرائر : ٣٢٥.

(٧) الكافي ٦ : ١٢١ حديث ٣.

١٢٠