جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦١

الإرث ، لكن يتساوى المستحق ، فللذكر مثل الأنثى ، وللمتقرب بالأب مثل المتقرب بالأم.

وفي تقديم ابن العم من الأبوين على العم من الأب هنا نظر.

وفي التسوية بين الأخ من الام والأخ من الأبوين في العطاء نظر.

______________________________________________________

مراتب الإرث ، لكن يتساوى المستحق ، فللذكر مثل الأنثى ، وللمتقرب بالأب مثل المتقرب بالأم ).

أما التنزيل على مراتب الإرث فظاهر ، لأن أهل المرتبة الأولى أقرب من أهل المرتبة الثانية قطعا.

وأما ان المستحقين يتساوون فلا يفرّق بين الذكر والأنثى ، ولا بين المتقرب بالأب والمتقرب بالأم ، فلاستواء نسبتهم إلى سبب الاستحقاق وهو الوصية ، والأصل عدم التفاضل. والتفاضل في الإرث جاء من قبل النص لا من قبل القرينة ، للإجماع على أن الأقرب يحجب الأبعد ، فلو كان ذو السهم الأكثر أقرب لحجب الآخر.

قوله : ( وفي تقديم ابن العم من الأبوين على العم من الأب هنا نظر ).

ينشأ : من تقدمه عليه في الميراث عند جميع علمائنا ، وما ذاك إلاّ لأنه أقرب فيقدّم هنا. وفيه نظر ، لتصريحهم باستثناء هذه المسألة من عموم قولهم : كل أقرب يحجب الأبعد ، ومن أن العم أقرب في الدرجة ، والأصح انه لا يقدّم هنا ، والإرث خرج بالنص.

قوله : ( وفي التسوية بين الأخ من الام والأخ من الأبوين في العطاء نظر ).

ينشأ : من أن الأخ من الأبوين متقرب بسببين كل منهما لو انفرد لاقتضى الاستحقاق ، ولرواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : في الوصية للأعمام والأخوال :

٦١

ولو اوصى لجماعة من أقرب الناس إليه ، ووجد ثلاثة من أقرب الناس إليه ، فما زاد في درجة واحدة أعطوا ، وفي جواز تخصيص ثلاثة به دون الزائد نظر ،

______________________________________________________

« إن للأعمام الثلثين وللأخوال الثلث » (١). وكتب سهل بن زياد الأدمي إلى أبي عبد الله عليه‌السلام : رجل له ولد ذكور وإناث فأقرّ بضيعة أنها لولده ، ولم يذكر انها بينهم على سهام الله تعالى فوقّع عليه‌السلام : « إن لم يكن أبوهم قد سمّى شيئا ردوها على كتاب الله » (٢). ومناط مورد النص ومحل النزاع واحد ، فإذا ثبت التفضيل في النصوص ثبت في المتنازع.

ومن استوائهما في الدرجة ، والتفضيل في الإرث ثبت بالنص فلا تلحق به الوصية. والروايتان لا تنتهضان حجة على ذلك ، والأصح التسوية.

فرع : هل يقدّم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب فلا يستحق معه شيئا؟ صرح بذلك في التذكرة محتجا بحجبه إياه في الميراث ، وهو محتمل. وقال فيها : إن الأخ من الأبوين أقرب من الأخ من الام فلا يشاركه في الوصية وإن شاركه في الإرث (٣) ، وليس بجيد.

قوله : ( ولو أوصى لجماعة من أقرب الناس إليه ووجد ثلاثة من أقرب الناس إليه فما زاد في درجة واحدة أعطوا ، وفي جواز تخصيص ثلاثة به دون الزائد نظر ).

ينشأ : من حصول الامتثال بذلك ، لأنه يصدق صرف الوصية إلى جماعة من أقرب الناس إليه ، ولا دليل على وجوب الصرف إلى ما زاد. وهذا إذا قلنا بأن أقل من‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٥ حديث ٣.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥ حديث ١.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٧٦.

٦٢

ولو لم يوجد ثلاثة في درجة واحدة أكمل من الثانية أو الثالثة ، فلو كان له ابن وأخ وعم تساووا.

ولو كان له ابن وثلاثة اخوة دخلوا أجمع في الوصية ، والأقرب إعطاء الابن الثلث.

______________________________________________________

يصدق عليه اسم الجمع ثلاثة ، ولو قلنا اثنان لاعتبرا كما نبه عليه في التذكرة (١). ولأن الموصى له ليس هو الجميع ، لعدم دلالة لفظ الوصية عليه ، فتعيّن أن يكون البعض ، وليس معيّنا بخصوصه بل هو منتشر فيهم ، فيتحقق الامتثال بالصرف إلى ما يقع عليه لفظ الجماعة منهم.

ومن استواء نسبة اللفظ إليهم ، فلا يختص به بعض دون الباقين ، وليس بشي‌ء ، وإلاّ لزم التعميم لو صرح بالوصية لثلاثة من أقرب الناس إليه ، ووجد في درجة واحدة أزيد من ثلاثة ، والأصح الأول.

قوله : ( ولو لم يوجد ثلاثة في درجة واحدة أكمل من الثانية أو الثالثة ، فلو كان له ابن وأخ وعم تساووا ، ولو كان له ابن وثلاثة اخوة دخلوا أجمع في الوصية ).

إذا لم يوجد ثلاثة في درجة واحدة أكمل من الدرجة الثانية إن وفت ، والاّ فمن الثالثة ، لأنه يصدق حينئذ على من في الدرجة الاولى ومن أكمل به ممن هو في الدرجة الأخرى أنهم جماعة من أقرب الناس إليه ، لأنهم أقرب بالإضافة إلى من عداهم كابن وأخ وعم.

ولو وجد ابن وثلاثة اخوة مثلا ، فقد حكم المصنف بدخولهم أجمع في الوصية ، وقد سبق عن قريب تردده في جواز تخصيص ثلاثة دون الزائد في وجوب الصرف إلى الجميع ، فيكون هذا رجوعا عن التردد إلى الجزم ، وعلى ما اخترناه فإنما يجب الدفع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٦.

٦٣

______________________________________________________

إلى أخوين مع الابن.

وقوله : ( والأقرب إعطاء الابن الثلث ) تفريع على وجوب الصرف إلى الابن وجميع الإخوة ، إذ لو أوجبنا الدفع إلى أخوين لكان للابن الثلث لا محالة.

ويمكن أن يقال : إنّ هذا لا يختص بوجوب الصرف إلى الجميع ، لأنّا إذا لم نقل بالوجوب فلا ينتفي الجواز ، فعلى هذا ما الذي يجب دفعه إلى الابن إذا أريد الدفع إلى جميع الاخوة وجوبا أو جوازا؟ الأقرب عند المصنف دفع الثلث ، ووجه القرب : أنه لو كان مع الابن ابنان آخران لمنعوا الاخوة وأخذ هو الثلث ، واستحقاق الاخوة إنما هو لنصيب الابنين المعدومين.

ويعارض بأن الأولاد لو كانوا أربعة ودفع الوصية إلى الجميع وجوبا أو جوازا لاستحق الابن الربع ، فيكون للاخوة على هذا الفرض نصيب المعدومين من الأولاد هنا ثلاثة أرباع دون ثلثين ، ولو كانوا خمسة لكان الخمس له وهكذا. ولا ترجيح لواحد من هذه الأمور المفروضة على غيره ، فلم يبق إلاّ اعتبار عدد الجميع حال الدفع.

وربما احتج للأقرب : بأنّا أقمنا من وجد في الدرجة الثانية مقام من عدم من الدرجة الأولى ، لضرورة الجميع.

ويرد عليه : أن المعدوم من الدرجة الأولى كما يمكن فرضه اثنين كذا يمكن فرضه أزيد ، على أن استحقاق من وجد في الدرجة الثانية في هذه الصورة ليس لقيامهم مقام من فقد في الدرجة الاولى ، بل ذلك ثابت لهم بالأصالة من حيث تناول لفظ الموصى لهم الآن.

واحتج أيضا بأن المستحق للجميع ثلاثة من أقرب الناس فمستحق الثلث واحد أقرب ، وهو هنا ثابت في الابن ، وليس بواضح ، لأن المستحق على أحد الوجهين الموجودون مع وصف الأقربية وإن زادوا على الثلاثة ، والأصح إعطاء الابن كغيره ، فإن أعطى ثلاثة فالثلث ، وإلاّ فالربع.

٦٤

ولو اوصى للعصبة دخل فيهم القريب والبعيد ، دون المتقرب بالأم خاصة.

ولو اوصى لأهل بيت فلان دخل فيه الآباء والأولاد والأجداد والأعمام والأخوال وأولادهم.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أوصى للعصبة دخل فيهم القريب والبعيد ، دون المتقرب بالأم خاصة ).

لصدق اسم العصبة على القريب والبعيد من المتقرب بالأب دون المتقرب بالأم ، ويستوون في الوصية كغيرهم من المتعددين.

قوله : ( ولو أوصى لأهل بيت فلان دخل الآباء والأولاد والأجداد والأعمام والأخوال وأولادهم ).

قال المصنف في التذكرة : لو أوصى لأهل بيته صرف إلى أقاربه من قبل الأب ومن قبل الأم ، فيعطى الأبوان وآباؤهم من الجدات والأجداد ، وأبنائهم من الأعمام والأخوال ، ذكورهم وإناثهم ، ويعطى الأولاد وأولاد الأولاد الذكر والأنثى ، وبالجملة كل من يعرف بقرابته (١) ، وهذا يقتضي أن يكون أهل بيته بمنزلة قرابته.

وحكى عن تغلب أنه قال : أهل البيت عند العرب آباء الرجل وأولادهم كالأجداد والأعمام وأولادهم ، ويستوي فيه الذكور والإناث. ثم حكى عن بعض الحنابلة : أن أولاد الرجل لا يدخلون في اسم القرابة ولا أهل بيته ، وحكى أن باقيهم خطأه.

أقول : إن استعمال أهل البيت في القرابات موجود ، يقال : الفلانيون أهل بيت في النسب معروفون ، وعلى ذلك جرى ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّا أهل‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٧.

٦٥

ولو اوصى لأهل فلان فهو لزوجته ، ويحتمل من تلزمه نفقته.

______________________________________________________

بيت لا تحل لنا الصدقة » (١). لكن في كون ذلك حقيقة اللفظ تردد ، فقد اضطرب كلام العامة في تفسير أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأطبق أصحابنا وجمع من العامة على انهم علي وفاطمة وابناهما عليهم‌السلام ، ولو كان لهذا اللفظ معنى هو حقيقة لما وقع هذا الاختلاف والاضطراب ، إلاّ أن يقال : إنّ هذا هو معنى اللفظ لغة ، وأهل بيته عليهم‌السلام اختصوا بالنص عليهم.

وينبغي أن يقال : إن كان عرف الموصي يقتضي معنى أخر وجب المصير إليه ، لأن الظاهر انه إنما يريد بلفظه ما يتعارف بينهم ، ولا خفاء في أنه إذا دلت القرينة على شي‌ء وجب المصير إليه.

قوله : ( ولو أوصى لأهل فلان فهو لزوجته ، ويحتمل من تلزمه نفقته ).

الشائع بين أهل اللغة أن أهل الرجل مع قطعه عن لفظ البيت زوجته ، قال الله تعالى حكاية عن موسى عليه‌السلام( قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا ) (٢). وقال الزمخشري في الأساس : أهل الرجل أهولا وتأهل وتزوج رجل أهل ، وفي الحديث : انه اعطى العزب حظا وأعطى الأهل حظين (٣) ، مع أن أول كلامه يدل على استعماله في غيرها. ويحتمل أن يراد به : من تلزمه نفقته لقوله تعالى ( فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ ) (٤) ، والمراد من كان في عياله.

كذا قيل وفيه نظر ، إذ لا دلالة في الآية على أن الأهل من وجبت نفقته ، وفسره في الكشاف بمن يختص به من ذويه أو من المؤمنين (٥). قال في التذكرة : فعلى الأول لو‌

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٩ حديث ٣٢.

(٢) القصص : ٢٩.

(٣) أساس البلاغة : ١١.

(٤) الأعراف : ٨٣ ، النمل : ٥٧.

(٥) الكشاف ٢ : ٩٣.

٦٦

والذرية : الأولاد وأولادهم ذكورا واناثا وخناثى ، والأختان : أزواج البنات ، والأصهار : آباء زوجاته وأمهاتهن ،

______________________________________________________

صدرت الوصية من امرأة بطلت بناء على ما فرضه أولا ، وهو وصية الرجل لأهله (١).

ويشكل بأن الأهل يستعمل في غير الزوجة ، وأقله أن يكون مجازا ويصار إليه عند تعذر الحقيقة بقرينة الحال ، كما لو أوصى لأولاده وليس له إلاّ أولاد أولاد. والذي يقتضيه النظر الحمل على المعنى المتبادر في عرف الموصي إذا لم تدل القرينة على معنى آخر ، ومع انتفائهما فالحمل على الزوجة قريب ، لأنه أشيع.

قوله : ( والذرية : الأولاد وأولادهم ذكورا واناثا وخناثى ).

التعميم بالذكور والإناث والخناثى في الأولاد وأولادهم فيدخل أولاد البنات ، خلافا لمالك (٢) وأحمد (٣). ويدل على الدخول قوله تعالى ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ) ـ إلى قوله ـ ( وَعِيسى ) (٤) وليس هو إلاّ ولد البنت ، والعقب والنسل كالذرية في ذلك.

قوله : ( والأختان : أزواج البنات ، والأصهار : آباء زوجاته وأمهاتهن ).

الأختان جمع ختن بالتحريك ، قال في القاموس : انه الصهر ، أو كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ (٥). وقال في الأساس : وهذا ختن فلان لصهره وهو المتزوج اليه بنته أو أخته ، وأبو الصهر ختناه ، وأقرباؤه اختانه. وقالوا : الأختان من قبل المرأة والأحماء من قبل الزوج ، وخاتنه صاهره (٦) ، فعلم من هذا أن الاقتصار في الختن على زوج البنت أحد قولي أهل اللغة ، وأن اسم الصهر يقع عليه وإن كان الشائع خلافه.

قال في التذكرة : ويدخل أزواج الأحفاد إن قلنا بدخول الأحفاد في الوصية‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٧.

(٢) المغني لابن قدامة ٦ : ٥٠١.

(٣) المغني لابن قدامة ٦ : ٥٠١.

(٤) الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥.

(٥) القاموس المحيط ٤ : ٢١٨ « ختن ».

(٦) أساس البلاغة : ١٠٣.

٦٧

والآل : القرابة ، والعترة : الأقرب إليه نسبا. وقيل : الذرية

______________________________________________________

للأولاد (١) ، وهو حق ، لأن بنت البنت حينئذ بنت حقيقة. وقد تردد المصنف في التذكرة في دخول أجداد الزوجة وجداتها في الأصهار ، وظاهر عبارته هنا الدخول (٢) ، والذي يقتضيه الدليل اتباع العرف في ذلك ، ولو دلت القرينة على شي‌ء تعيّن اتباعه.

قوله : ( والآل : القرابة ).

قال في التذكرة : لو أوصى لآله أو لآل غيره صحت الوصية ، وصرف إلى قرابته قضية للعرف. ثم احتج على ذلك بما لا يطابق أصول مذهبنا ، وذلك ما روي من أن آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين حرموا الصدقة بعده : آل علي ، وآل عباس ، وآل جعفر ، وآل عقيل (٣) ، وبأن أصل آل أهل قلبت الهاء همزة (٤).

وقد تقدم أن أهل الرجل زوجته ، والذي ذكره ابن عيسى في كشف الغمة : أن حقيقة الآل لغة القرابة (٥) ، وهو شاهد ، والاستعمال العرفي لا يأباه ، ولو اقتضى العرف أو القرينة شيئا وجب المصير إليه.

واعلم أن المصنف قال في التذكرة في آخر هذا البحث ـ ونعم ما قال ـ : وينبغي أن يتبع الحاكم والوصي معا مراد الموصي إن ظهر لهما بقرينة حال وشبهها ، ولا يتبعان أظهر معاني اللفظ بالوضع أو الاستعمال إلاّ مع عدم التمكن من معرفة مراده (٦) ، هذا كلامه وهو ضابط في جميع هذه المسائل.

قوله : ( والعترة : الأقرب إليه نسبا وقيل : الذرية ، ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٨.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٧٨.

(٣) انظر المغني لابن قدامة ٦ : ٥٨٣.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٧٧.

(٥) كشف الغمة : ٤٢.

(٦) التذكرة ٢ : ٤٧٧‌

٦٨

والقوم : أهل لغته ، والجيران : من يلي داره إلى أربعين ذراعا على رأي.

______________________________________________________

الأول قول ابن إدريس (١) ، والثاني قول ابن زهرة (٢). وكل منهما احتج لمذهبه بالنقل عن أهل اللغة ، ولا ريب أن الأول أعرف وأشهر. قال في القاموس : العترة نسل الرجل ورهطه وعشيرته الأدنون ممن مضى وغبر (٣). وفي الأساس نقلا عن العين نحو ذلك (٤).

قوله : ( والقوم : أهل لغته ، والجيران : من يلي داره إلى أربعين ذراعا على رأي ).

أما القوم فقد اختلف الأصحاب فيهم ، فقال سلار : هم أهل لغته (٥).

وقال الشيخان (٦) ، وابن البراج (٧) ، وابن حمزة : أنهم الذكور من أهل لغته (٨).

وقال ابن إدريس : انهم الرجال من قبيلته ممن يطلق العرف بأنهم أهله وعشيرته دون من سواهم ، لأنه الذي تشهد به اللغة ، ثم استشهد بقول الشاعر :

قومي هم قتلوا أميم أخي

فإذا رميت يصيبني سهمي

وغيره.

وذكر في كلامه أنه قد روي أنّ قوم الرجل جماعة أهل لغته من الذكور دون‌

__________________

(١) السرائر : ٣٧٧.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤١.

(٣) القاموس المحيط ٢ : ٨٤ « عتر ».

(٤) أساس البلاغة : ٢٩٢.

(٥) المراسم : ١٩٨.

(٦) الشيخ المفيد في المقنعة : ١٠٠ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٥٩٩.

(٧) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٤٩٤.

(٨) الوسيلة : ٣٧١.

٦٩

والعشيرة القرابة.

ولو اوصى لمواليه ، وله موال من أحد الطرفين صرف إليه ، ولا‌ يصرف إلى موالي أبيه ،

______________________________________________________

الإناث (١) وذلك هو مختار الشيخين وأكثر الأصحاب. ولا ريب أن ما قاله ابن إدريس أقرب وأوفق لكلام أهل اللغة.

وقال أبو الصلاح : يعمل بالمعلوم من قصده ، فإن لم يعلم فبعرف قومه في ذلك الإطلاق (٢) ، وهذا حق لكن مع انتفائهما فهل يعمل بالمشهور أم بما اختاره ابن إدريس؟

كل محتمل ، وفي قول ابن إدريس قوة ، ومخالفته الأكثر في تفسير موضوع اللفظ مشكل.

وأما الجيران فقد سبق حكاية الاختلاف في تفسيرهم بين الأصحاب ، والأصح الرجوع إلى العرف.

قوله : ( والعشيرة : القرابة ).

كذا قال في التذكرة (٣) ، وحكى عن بعض الشافعية ان العشيرة والقبيلة لا يدخل فيهما إلاّ قرابة الأب (٤). وفي القاموس : عشيرة الرجل بنو أبيه الأدنون أو قبيلته (٥) ، واتباع العرف في ذلك مع عدم القرينة لا ريب فيه ، ومع انتفائهما فما ذكره محتمل.

قوله : ( ولو أوصى لمواليه وله موال من أحد الطرفين صرف إليه ، ولا يصرف إلى موالي أبيه ).

__________________

(١) السرائر : ٣٧٩.

(٢) الكافي في الفقه : ٣٢٧.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٧٥.

(٤) مغني المحتاج ٣ : ٦٣ ، الوجيز : ٩٧.

(٥) القاموس المحيط ٢ : ٩٠ « عشر ».

٧٠

ولو اجتمعا فالأقرب البطلان.

ولو لم يكن له مولى ، ففي استحقاق مولى أبيه نظر ، ينشأ : من كونه ليس مولى له ، ومن المصير إلى المجاز عند تعذّر الحقيقة ، فإن أعطيناه فلو كان له موال ولأبيه موال فمات مواليه قبله لم يعط موالي أبيه ، بخلاف ما لو اوصى لأقرب الناس إليه ، وله ابن وابن ابن فمات الابن في حياته ، فإنه لابن الابن.

______________________________________________________

أما الحكم الأول فلأن اللفظ وإن كان مشتركا بين الموالي من الطرفين ، إلاّ أن الممكن والظاهر إرادته هو الموالي الموجودون فتعيّن الحمل عليهم مع احتمال البطلان ، لأن إبهام اللفظ لا يختلف بأن توجد محامله أو لا توجد ، نبّه عليه في التذكرة (١) ، والاختلاف ظاهره الاستعانة بقرينة الحال.

وأما الثاني فلأن اللفظ حقيقة في موالي نفسه ، ومجازا في موالي أبيه ، ولا يصار إلى المجاز مع إمكان الحقيقة.

قوله : ( ولو اجتمعا فالأقرب البطلان ).

قد سبق مثله في الوقف ، وبيّنا هناك أقوال الأصحاب ودلائلها وأن الأصح البطلان.

قوله : ( ولو لم يكن له مولى ففي استحقاق مولى أبيه نظر ينشأ : من كونه ليس مولى له ، ومن المصير إلى المجاز عند تعذر الحقيقة ).

والثاني أقوى ، لأن الحال تشهد بإرادة المجاز إذا كان الموصي عالما بالحال ، ولو لا ذلك لكان لفظه لغوا وهذرا ، وصيانته عن الهذر بحسب الممكن متعينة.

قوله : ( بخلاف ما لو أوصى لأقرب الناس إليه وله ابن وابن ابن ، فمات الابن في حياته فإنه لابن الابن ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٨.

٧١

ولو اوصى المسلم لأهل قرية أو للفقراء فهو للمسلمين من أهل القرية ومن الفقراء ، دون الكفار ، ولو كان جميع القرية كفارا صحت إن كانوا أهل ذمة.

ولو كان الأكثر أهل ذمة ففي تخصيص المسلمين نظر.

______________________________________________________

لصدق اللفظ عليه حقيقة ، إذ هو أقرب الناس إليه حين الاستحقاق.

وفيه نظر ، لأن الظاهر أن المراد هو ما صدق عليه اللفظ حين الوصية ، فعلى هذا لو أوصى لمواليه ، وكان له موالي من أسفل ثم أعتق مملوكا لم يشارك الموجودين وقت الوصية.

قوله : ( ولو أوصى المسلم لأهل قرية أو للفقراء فهو للمسلمين من أهل القرية أو من الفقراء دون الكفار ).

وذلك لأن الظاهر أن المسلم لا يريد الوصية للكافر ، للعداوة الدينية الراسخة بينه وبينهم ، وانقطاع الوصلة المانع من الإرث ، ووجوب الإنفاق على فقيرهم ، ولذلك خرجوا من عموم اللفظ في الأولاد والأخوة والأزواج ، وسائر الألفاظ العامة في الميراث. ولو صرّح الموصي بدخولهم دخلوا إن كانوا أهل ذمة ، وكذا الحكم لو أوصى لقرابته وفيهم مسلم وكافر.

قوله : ( ولو كان جميع أهل القرية كفّارا صحت إن كانوا أهل ذمة ).

لشهادة الحال بأنه يريدهم بالوصية ، وإلاّ كانت هذرا ولغوا ، وكذا لو أوصى لقرابته وكانوا كلهم كفارا. وإنما قيّد بكونهم أهل ذمة ، لما سبق من عدم جواز الوصية للحربي.

قوله : ( ولو كان الأكثر أهل ذمة ففي تخصيص المسلمين نظر ).

ينشأ : من استبعاد إرادة الأقل خاصة من لفظ العموم ، ومن جواز التخصيص وإن بقي الأقل ، ووجود القرينة المخصصة ، ولولاه لم يجز التخصيص لو كان الكفّار أقل ، والاستبعاد مع قيام المقتضى للتخصيص لا أثر له.

٧٢

ولو اوصى الكافر للفقراء صرف إلى فقراء أهل نحلته ، وكذا لو اوصى لأهل قريته وإن كانوا كفارا ، ولو كان فيها مسلمون ففي دخولهم نظر ،

______________________________________________________

فرع : لو لم يكن في القرية إلاّ مسلم واحد لم يختص بالوصية ، لأنه خلاف ظاهر اللفظ ، ولا يرد ذلك على العبارة ، لظاهر قوله : ( ففي تخصيص المسلمين ).

قوله : ( ولو أوصى الكافر للفقراء صرف إلى فقراء أهل نحلته ).

لوجود القرينة الدالة على عدم ارادة غيرهم ، ولما روي : أن الرضا عليه‌السلام حكم في وصية مجوسي بشي‌ء من ماله للفقراء بأن ذلك ليس لفقراء المسلمين ، قال عليه‌السلام : « ولكن ينبغي أن يؤخذ مقدار ذلك من مال الصدقة فيرد على فقراء المجوس » (١).

قوله : ( وكذا لو أوصى لأهل قريته وإن كانوا كفارا ).

الظاهر أن المراد : وإن كانوا غير أهل ذمته ، وإلاّ فلا معنى للعطف بأن الوصلية ، إذ ليس هذا هو الفرد الأخفى في هذا المقام ، بل الأخفى هو الكفار غير أهل الذمة.

لكن يشكل ذلك مما سبق من عدم صحة الوصية للحربي ، لأنه في‌ء فلا يجب الصرف إليه. واعلم أنه لو كان في القرية كفار من غير أهل دين الموصي لم يدخلوا في الوصية عملا بالوصية.

قوله : ( ولو كان فيها مسلمون ففي دخولهم نظر ).

ينشأ : من تناول اللفظ لهم وهم أحق من غيرهم ، ولا يصرف اللفظ عن مقتضاه وعمن هو أحق بحكمه إلى غيره. ومن أن العداوة الدينية قرينة على عدم إرادة الدخول ، ومقتضى تعليل المصنف في التذكرة أن المختار عنده دخولهم (٢).

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٦ حديث ، التهذيب ٩ : ٢٠٢ حديث ٨٠٧ ، الاستبصار ٤ : ١٢٩ حديث ٤٨٧.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٦٥.

٧٣

ولو لم يكن فيها إلاّ المسلمون صرف إليهم.

ولو اوصى للجارح صح وإن سرت ولا تبطل ، وكذا القاتل على اشكال.

______________________________________________________

ويشكل بأن وجود قرينة التخصيص يقتضي عدم التناول ، والأحقية ممنوعة ، فإن الأحق هو من أراده المالك بالوصية دون غيره وإن كان دينه الحق ، وهذا أقرب.

قوله : ( ولو لم يكن فيها إلاّ المسلمون صرف إليهم ).

لوجود القرينة الدالة على ذلك ، فإنّ تنفيذ الوصية إنما يكون إذا قلنا بالصرف إليهم ، وكذا يدخلون لو لم يكن فيهم إلاّ كافر واحد.

فرع : لو كان بعض أهل القرية كفارا في وقت الوصية والموصي مسلم ، ثم أسلموا في حياته ففي استحقاقهم نظر ، وعلى ما سبق في الوصية لأقرب الناس إليه وله ابن وابن ابن فمات الابن في حياته ثبت الاستحقاق هنا ، وللنظر في ذلك مجال.

قوله : ( ولو أوصى للجارح صحت وإن سرت ولا تبطل وكذا القاتل على اشكال ).

اختلف الأصحاب في الوصية للقاتل ، فقال الشيخ : يصح (١) ، لعموم قوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) (٢) ، ونحو ذلك كقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها ) (٣). وقال ابن الجنيد : لا وصية لقاتل عمد ، لأن فعله مانع له من الوصية كمنعه من الميراث (٤).

وفصّل المصنف في المختلف والتذكرة : بأنه إن أوصى قبل القتل أو ما يوجبه لمن يندرج فيه القاتل ، كما إذا قال : أعطوا أولادي أو إخوتي كذا ، ثم يقتله أحدهم‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٨٢ مسألة ٢٧ كتاب الوصايا.

(٢) البقرة : ١٨٠.

(٣) النساء : ١١.

(٤) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٠٧.

٧٤

وكذا لو قتلت المستولدة سيدها فإنها تعتق ،

______________________________________________________

فإنه يمنع كما يمنع من الميراث ، لوجود المقتضي للمنع هناك ، وهو مقابلته بنقيض مقصوده وهو الاستعجال في أخذ المال. ولقضاء العرف بالمنع ، وإن نص عليه بعد فعل ما يوجب القتل فالأولى الصحة ، فلو أوصى بلفظ عام بعده فالأقوى المنع عملا بالعرف (١). والأصح الأول ، واختاره شيخنا في الدروس (٢) ، ووجه المنع ضعيف لا ينهض مخصصا للنص ، والحمل على الميراث قياس.

إذا عرفت ذلك فارجع إلى عبارة الكتاب ، واعلم أن الاشكال ينبغي أن يكون في كل من القاتل والجارح مع سريان الجراحة ، لأن كلا منهما قاتل ، إلاّ أن ذكر أحدهما مع الآخر مستدرك. ومنشأ الاشكال معلوم مما ذكر سابقا ، وتفصيل المختلف إنما يتحقق فيمن أوجد سبب القتل ، إذ لا تتصور الوصية للقاتل بعد القتل ، وظاهر إطلاق العبارة عدم الفرق بين القتل عمدا وخطأ.

وفرّق المصنف في التذكرة ، فخص المنع بالعمد (٣) ، وعليه دل كلام ابن الجنيد (٤). ولا بد من تقييده بكون القتل ظلما ، فتصح الوصية للقاتل بحق كما يصح له الميراث ، صرح به في التذكرة (٥).

قوله : ( وكذا لو قتلت المستولدة سيدها فإنها تعتق ).

أي : كما تصح الوصية للجارح وإن سرت وكذا القاتل على اشكال ، كذا أم الولد لو قتلت سيدها فإنها تعتق من نصيب ولدها بغير اشكال ، ولا يقدح في ذلك استعجالها في العتق بقتله.

__________________

(١) المختلف : ٥٠٧ ، التذكرة ٢ : ٤٦٥.

(٢) الدروس : ٢٤٤.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٦٥.

(٤) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥٠٧.

(٥) التذكرة ٢ : ٤٦٥.

٧٥

وكذا المدبّر ، وذو الدين المؤجل.

ولو اوصى لأصناف الزكاة أو لمستحقها فالأقرب استحقاق كل صنف ثمن الوصية ،

______________________________________________________

وحاول المصنف الدلالة على عدم الاشكال هنا بقوله : ( فإنها تعتق ) ، فإن ذلك كما يدل على وجه التشبيه يدل على عدم مجي‌ء الإشكال للجزم به.

قوله : ( وكذا المدبّر ).

أي : لو قتل سيده لم يمنع ذلك من عتقه ، لكن على ما ذكره المصنف في التذكرة (١) يأتي الإشكال السابق ، لأن التدبير عندنا وصية فيكون كالوصية للقاتل ، فيكون جزمه هنا بعتقه مع تردده في الوصية للقاتل منظورا فيه. ولا يستقيم أن يراد بـ ( كذا ) هنا مجي‌ء الإشكال ، لأن المتبادر منه التشبيه بالمستولدة.

قوله : ( وذو الدين المؤجل ).

معناه : وكذا ذو الدين المؤجل إذا قتل المديون ، فإن القتل لا يمنع الحلول بغير اشكال. وعلّله في التذكرة بأن الأجل حق من عليه الحق اثبت ليرتفق به بالاكتساب في المدة ، فإذا هلك فالحظ له في التعجيل لتبرأ ذمته (٢) ، فالحاصل انه ليس الحلول هنا غبطة للمدين وحده ليقابل فيه بنقيض مقصوده لو قتل.

قوله : ( ولو أوصى لأصناف الزكاة أو لمستحقها فالأقرب استحقاق كل صنف ثمن الوصية ).

وجه القرب : أنه أوصى لمحصورين باعتبار الصنف فإنهم ثمانية ، والوصية تمليك ، فإذا وقعت لمتعدد اقتضت التشريك ، فيكون لكل صنف ثمن ، بخلاف الزكاة فإن الأصناف الثمانية مصرف لها ، ولهذا لا يملكها الفقير بمجرد قبولها من دون القبض ، ولا يعتبر قبوله ، بل ولا علمه أنها زكاة.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٦٦.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٦٦.

٧٦

والاكتفاء بواحد من كل صنف.

ولو اوصى للفقراء دخل فيهم المساكين ، وبالعكس على اشكال.

______________________________________________________

ويحتمل ضعيفا إلحاقها بالزكاة في حكمها ، فيكون كل واحد من الأصناف مصرفا تاما يجوز الاقتصار عليه والمفاضلة في توزيعها عليهم ، نظرا إلى أن الوصية لأصناف الزكاة يشعر بأنه جعفل الوصية كالزكاة وجارية مجراها ، وضعفه ظاهر ، والأصح الأول.

قوله : ( والاكتفاء بواحد من كل صنف ).

أي : والأقرب في الوصية للأصناف الاكتفاء في صرف كل ثمن من الوصية إلى واحد من كل صنف ، فلا يجب صرفه إلى اثنين أو ثلاثة خلافا لجمع من العامة.

ووجه القرب : إنّ آحاد الصنف لمّا لم يكونوا محصورين امتنع كون الموصى به للمتعدد ، فيكون ذلك الصنف مصرفا لثمن الوصية ، فيكفي فيه الواحد كما في الزكاة ، لأن استحقاق المتعدد. إما على وجه التشريك ، أو على وجه كونه مصرفا ، ولما انتفى الأول تعيّن الثاني.

ويحتمل وجوب الصرف إلى مسمّى الجمع ، نظرا إلى ظاهر اللفظ كما في الوقف. ويضعف بأن الجمع في لفظ الوصية لأصناف الزكاة في الأصناف لا في آحاد الأصناف ، وفي الوصية لمستحقيها يتحقق الجمع بتعدد الصنف ، والأصح ما قرّبه المصنف.

قوله : ( ولو أوصى للفقراء دخل فيهم المساكين ، وبالعكس على اشكال ).

لو أوصى للفقراء والمساكين معا وجب الصرف إليهما إجماعا ، ذكره المصنف في التذكرة (١). ولو أوصى لأحدهما ، فقد قال بعض العامة : إنّه يندرج فيه الآخر ، لأن كل واحد من الاسمين يقع على الفريقين عند الاجتماع (٢).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٣.

(٢) ذهب إليه أحمد بن حنبل ، انظر المغني لابن قدامة ٦ : ٥٨٧.

٧٧

أما لو اوصى للفقراء بعشر وللمساكين بخمس ، وجب التمييز.

______________________________________________________

وقال في التذكرة : وهل يدخل المساكين في الوصية للفقراء؟ اشكال ، أقربه الدخول إن جعلنا المسكين أسوأ حالا من الفقير ، وكذا لو أوصى للمساكين ففي دخول الفقراء اشكال ، أقربه الدخول إن جعلنا الفقير أسوأ حالا من المسكين (١).

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الاشكال في العبارة يحتمل تعلّقه بكل من المسألتين ، ومنشؤه حينئذ من إطلاق كل من لفظة الفقراء على المساكين وبالعكس عند الانفراد. ومن الشك في كون ذلك حقيقة ، والأصل عدم الترادف.

ويحتمل تعلّقه بالأخيرة خاصة ، تنزيلا على أن المسكين أسوأ حالا من الفقير. ووجهه : أنه على هذا التقدير يندرج المسكين في الوصية للفقراء جزما ، لكونه أسوأ حالا بخلاف العكس فإن فيه الاشكال ، ومنشؤه من إطلاق لفظ المسكين على الفقراء عرفا عند الانفراد ، ومن أنه لكون المسكين أسوأ حالا منه لا يتناوله لفظه فلا يندرج في الوصية ، فيكون منشأ الاشكال من تعارض الاستعمال العرفي والوضع اللغوي.

والظاهر تعلّق الإشكال بالمسألتين معا ، سواء قلنا بأن الفقير أسوأ حالا أم المسكين ، لأن أيهما كان أسوء حالا لا يجب أن يتناوله لفظ الآخر ، لاختلاف المسمين ، ومنشأ الاشكال حينئذ : اختلاف المعنى لغة ، وجواز إطلاق كل من لفظ أحدهما على الآخر عرفا.

والذي يقتضيه الدليل عدم دخول أحدهما في الوصية للآخر ، لاختلاف الوضعين ، والإطلاق العرفي لم يبلغ درجة الحقيقة ، إلاّ أن تدل القرينة على ارادة الدخول ، وتكفي في ذلك القرينة المستفادة من حال الموصي ، وقصده ، وما يفهمه أمثاله عرفا ، واعلم أن تحقيق الأسوإ حالا منهما موضعه كتاب الزكاة.

قوله : ( أما لو أوصى للفقراء بعشر وللمساكين بخمس وجب التمييز ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٢.

٧٨

ولو مات الموصى له قبل الموصي قيل : بطلت ، وقيل : إن لم يرجع فهي لورثة الموصى له ، فإن لم يكن له وارث فلورثة الموصي.

______________________________________________________

هذا كالصريح في أن لفظ الفقراء والمساكين مختلفان وضعا ، إذ لا معنى التمييز بين اللفظين المتحدين وضعا ، فيظهر بذلك فساد وهم من توهم تساويهما في المفهوم.

ووجه ما ذكره المصنف : انه لما فاوت بينهما في الوصية وجب تنفيذهما ، ولا يتحقق ذلك إلا بالتمييز بينهما ، إذ التسوية تبديل للوصية. ومفهوم العبارة يشعر بأنه لو أوصى لكل منهما بمثل الآخر لا يجب التمييز ، وهو حق ، لإمكان الدفع إلى القبيلتين على السواء من غير تميز. نعم لا يجوز الاقتصار على أحدهما ، لأنه مخالف للإجماع الذي حكيناه عن نقله في التذكرة سابقا (١).

قوله : ( ولو مات الموصى له قبل الموصي قيل بطلت ، وقيل إن لم يرجع فهي لورثة الموصى له ، فان لم يكن له وارث فلورثة الموصي ).

أي : لو مات الموصى له قبل موت الموصي ، والقائل بالبطلان هو المفيد (٢) وجماعة (٣) ، احتجاجا برواية أبي بصير ومحمد بن مسلم في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام (٤) وقد تقدم ذكرها والكلام عليها في أول كتاب الوصايا.

والثاني قول ابن الجنيد (٥) وجماعة (٦) ، ويدل عليه رواية محمد بن قيس عن الباقر عليه‌السلام (٧) ، وقد سبق ذكرها. والأصح عدم البطلان ، إلاّ أن يعلم تعلق‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٣.

(٢) المقنعة : ١٠٣.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٦١٧ ، والعلاّمة في المختلف : ٥١٣.

(٤) التهذيب ٩ : ٢٣حديث ٩٠٦ ، الاستبصار ٤ : ١٣٨ حديث ٥١٨.

(٥) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٥١٣.

(٦) منهم الشيخ في النهاية : ٦١٧ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٢٥٥.

(٧) الكافي ٧ : ١٣ حديث ، الفقيه ٤ : ١٥٦ حديث ٥٤، التهذيب ٩ : ٢٣٠ حديث ٩٠٣ ، الاستبصار ٤ : ١٣٧ حديث ٥١٥.

٧٩

ولو قال : أعطوا فلانا كذا ، ولم يبيّن ما يصنع به ، صرف إليه يعمل به ما شاء.

ولو اوصى في سبيل الله فالأقرب صرفه إلى ما فيه قربة ، وقيل : يختص الغزاة.

______________________________________________________

غرض الموصي بالموصى له. واعلم أن الذي تقدم في كلام المصنف يقتضي الجزم بعدم البطلان ، وبه صرح في التذكرة (١) ، واستحسنه في المختلف (٢) ، وقد حكى القولين هنا ولم يرجّح شيئا.

قوله : ( ولو قال : أعطوا فلانا كذا ، ولم يبين ما يصنع به صرف إليه يعمل به ما شاء ).

لأن الوصية تمليك فيقتضي تسلط الموصى له تسلط سائر الملاّك. ولو عيّن المصرف كأن قال : أعطوه ليحج به تعيّن صرفه في تلك الجهة ، لعموم قوله تعالى : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) (٣) الآية.

قوله : ( ولو أوصى في سبيل الله فالأقرب صرفه إلى ما فيه قربة ، وقيل : يختص الغزاة ).

وجه القرب : إنّ السبيل : الطريق ، وكل ما فيه قربة فهو طريق إلى الله تعالى ، فيجب إجراء السبيل على عمومه. واحتج الشيخ رحمه‌الله في الخلاف على ذلك مع ما ذكرناه بأخبار الطائفة (٤) ، وابن إدريس بالإجماع (٥).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٥٣.

(٢) المختلف : ٥١٣.

(٣) البقرة : ١٨١.

(٤) الخلاف ٢ : ١٨٠ مسألة ٢٠ كتاب الوصايا.

(٥) السرائر : ٣٨٧.

٨٠