جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦١

ولو قال : ثلاثة أضعافه أعطي أربعة أمثاله.

ولو قال : بخمسة أعطي ستة ، وهكذا.

ولو قال : ضعّفوا لفلان ضعف نصيب ولدي فهو أربعة أمثاله ، وكذا لو قال : أعطوه ضعف الضعف ، ويحتمل‌ ثلاثة أمثاله.

______________________________________________________

وحكاه عن الخلاف (١) ـ انه ثلاثة أمثاله ، وحكى الشهيد في شرح الإرشاد أن الشيخ حكاه في الخلاف ومقتضاه عدم اختياره ـ وهو مختار ابن سعيد ـ لأن الأصل عدم الزائد. وما وقع في الاستعمال من كون الضعف المثل فهو مجاز ، لأنه خير من الاشتراك ، وعلله المصنف بأن ضعف الشي‌ء ضم مثله إليه ، فإذا قال : ضعفيه ، فكأنه ضم مثليه إليه.

وفيه نظر ، لأنه إذا كان للموصى له ضعفا نصيب الابن وجب أن يكون النصيب خارجا ، فإذا كان الضعف المثل كان له مثلان لا ثلاثة. وقال في المبسوط : إنّ له أربعة أمثاله (٢) ، وهو الأصح ، لأن الضعف مثلان كما سبق فإذا ثنى كان أربعة.

قوله : ( ولو قال : ثلاثة أضعافه أعطي أربعة أمثاله ، ولو قال : بخمسة أعطي ستة ، وهكذا ).

هذا بناء على أن الضعف هو ضم مثل الشي‌ء إليه ، والضعفان ضم مثليه إليه ، والثلاثة ضم ثلاثة أمثاله ، وهكذا.

وعلى أنه المثلان فثلاثة أضعاف الشي‌ء ستة أمثاله ، وأربعة أضعافه ثمانية أمثاله ، إلاّ أن استعمال هذا اللفظ بهذا المعنى غير شائع ، وقال المصنف في التحرير : إنه مرذول في استعمال العرب (٣).

قوله : ( ولو قال : ضعّفوا لفلان ضعف نصيب ولدي فهو أربعة أمثاله ، وكذا إذا قال : أعطوه ضعف الضعف ، ويحتمل‌ ثلاثة أمثاله ).

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٧٨ كتاب الوصايا مسألة ٦.

(٢) المبسوط ٤ : ٧.

(٣) التحرير : ٢٩٧.

٢٦١

ولو اوصى له بمثل أحد بنيه الثلاثة ، وينقص منه نصيب الزوجة ،

______________________________________________________

أما الأول ، فلأن تضعيف الضعف هو ضم مثله إليه ، وقد سبق أن ضعف الشي‌ء هو مع مثله ، فيكون تضعيف الضعف إعطاء أربعة أمثال النصيب.

ويشكل بأن الضعف إذا كان ضم مثل الشي‌ء إليه يكون نصيب الموصى بضعفه داخلا في الوصية ، مع أنه نصيب الابن فكيف يعقل دخوله؟

ويمكن أن يقال : إن ذلك بناء على أن الضعف مثلان ، ويكون المراد بتضعيفه : دفع قدره مرتين ، وذلك أربعة أمثال النصيب ، فيكون الموصى به هو ضعف ضعف النصيب والمضاف إليه أولا وثانيا خارج ، ومنه يظهر وجه الثاني وقوته.

واحتمال كونه ثلاثة أمثاله ضعيف ، لأن الضعف إن كان هو المثل فهو مثل واحد ، لأنه في معنى أعطوه : مثل نصيب ولدي ، وغاية ما يتكلف أن يكون مثلين ، وإن كان مثلين فهو أربعة كما قررناه. وفي احتمال بعيد أنه ستة أمثاله ، بأن يكون الضعف ومثله معا هو الموصى به.

وربما وجّه احتمال كونه ثلاثة أمثاله بأن الضعف هو ضم الشي‌ء إلى مثله ، فيكون الأول مثلين ، والثاني ضم مثل آخر إليهما. ويرد عليه ما قدمناه من أن الوصية بالمضاف دون ما عداه فلا يستقيم ما ذكروه ، مع أن ذلك مبني على أن الضعف المثل ، وقد بينّا ما فيه.

قوله : ( ولو أوصى له بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة وينقص منه نصيب الزوجة ).

أي : لو أوصى له بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة بعد الوصية ، فإنه قد سبق أنه لا يراد في مثل ذلك النصيب قبل الوصية ، والقائل به هو مالك (١) وجمع من العامة (٢).

نعم قد مال إليه المصنف في التحرير (٣) ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في كلامه في‌

__________________

(١) المجموع ١٥ : ٤٧٨.

(٢) المجموع ١٥ : ٤٧٨.

(٣) التحرير : ٢٩٨.

٢٦٢

فصحح الفريضة تجدها من أربعة وعشرين ، للزوجة الثمن ثلاثة ، ولكل ابن سبعة. وانقص سهم الزوجة من نصيب ابن يبقى أربعة وهي الوصية ، فزدها على أربعة وعشرين ، للموصى له أربعة ، وللمرأة ثمن الباقي ، ولكل ابن سبعة.

فإن أوصى لأخر بربع ما يبقى من ثلث ماله بعد الاولى ، فخذ ثلث المال وانقص منه الوصية الاولى ، وهي أربعة أنصباء كما تقدم ، يبقى ثلث مال إلاّ أربعة أنصباء ، فهذا باقي ثلث المال ، ادفع ربعه الى الثاني وهو نصف سدس مال الأنصباء ، يبقى من الثلث ربع مال إلاّ ثلاثة أنصباء ، زده على ثلثي المال يكون خمسة أسداس مال ونصف سدس مال إلا ثلاثة أنصباء تعدل أنصباء الورثة ، وهي أربعة وعشرون نصيبا ، فإذا جبرت صارت خمسة أسداس مال ونصف سدس مال تعدل سبعة وعشرين‌

______________________________________________________

المسائل الآتية عده احتمالا ، لكنه غير مراد هنا ، فإن البيان الذي ذكره لا ينطبق عليه ، إذ لو أريد لوجب أن يكون الموصى به ما يبقى من الثلث بعد نقص نصيب الزوجة.

وكذا يراد بنصيب الزوجة المنقوص هو ما بعد الوصية ، وعمل المسألة ظاهر ، لأنك تصحح مسألة الورثة وتزيد عليها مثل نصيب أحدهم بعد نقص نصيب الزوجة منه.

قوله : ( فإن أوصى لآخر بربع ما بقي من ثلث ماله بعد الاولى ، فخذ ثلث المال وانقص منه الوصية الاولى ، وهي أربعة أنصباء كما تقدم ، يبقى ثلث مال إلاّ أربعة أنصباء ، فهذا باقي ثلث المال ، ادفع ربعه إلى الثاني وهو نصف سدس مال الأنصباء ، يبقى من الثلث ربع مال إلاّ ثلاثة أنصباء ، زده على ثلثي المال يكون خمسة أسداس مال ونصف سدس مال إلاّ ثلاثة أنصباء ، زده على ثلثي المال يكون خمسة أسداس مال ونصف سدس مال إلاّ ثلاثة أنصباء يعدل أنصباء الورثة وهي أربعة وعشرون نصيبا ، فإذا جبرت صارت خمسة‌

٢٦٣

نصيبا ، فكمّل المال بأن تضرب جميع ما معك في مخرج الكسر وهو اثنا عشر ، فيكون مال يعدل ثلاثمائة وأربعة وعشرين سهما ، ومنها تصح ، والنصيب أحد عشر.

______________________________________________________

أسداس مال ونصف سدس مال يعدل سبعة وعشرين نصيبا ، فكمّل المال بأن تضرب جميع ما معك في مخرج الكسر وهو اثنا عشر فيكون مال يعدل ثلاثمائة وأربعة وعشرين سهما ومنها تصح والنصيب أحد عشر (١).

اي : فإن أوصى الموصي الأول والصورة بحالها لآخر بربع ما بقي من ثلث ماله بعد الموصى به الأول فيلزم الدور حينئذ ، ولم يذكره المصنف.

__________________

(١) توضيحه : عند ما نأخذ المال ونطرح منه الوصية الاولى وهي ٤ أنصبة ، نقسمه على ٤ لتخرج الوصية الثانية = مال ـ ١ نصيب.

نطرح الوصية الاولى والثانية من الثلث : مال ـ ٤ انصبة ـ ( مال ـ ١ نصيب ) = مال ـ ٣ أنصبة. ما تبقى من ثلث المال نضيفه إلى بقية المال :

مال ـ ٣ أنصبة+ مال مال ـ ٣ أنصبة.

وهذا يعادل نصيب الورثة الذي فرض في الفرض السابق أنه ٢٤ نصيبا.

مال ـ ٣ أنصبة = ٢٤ نصيب.

مال ٢٧ نصيب.

حتى نقسم التركة بالسوية فنضرب ١٢* ٢٧= ٣٢٤ سهما.

والنصيب أحد عشر ، فنأخذ ثلاثة ٣٢٤ / ٣= ١٠٨ سهما.

الوصية الاولى وهي ٤*١١=٤٤ سهم.

الوصية الثانية وهي المتبقي من الثلث = ١٦سهما.

يطرح مجموع الوصيتين من الثلث ويضاف إلى باقيه التركة ١٠٨ ـ ٦٠ = ٤٨ سهم ٤

٨+ ٢١٦= ٢٦٤ سهما

تقسم هذه على فريضة الورثة وهي ٢٤ سهما ، يكون النصيب ١١.

٢٦٤

______________________________________________________

ووجه لزومه : إنّ ما يبقى من الثلث إنما يعلم بعد إخراج الوصية الاولى ، ولا يعلم إلاّ إذا علم النصيب ، ولا يعلم إلاّ بعد الوصية الثانية ، لأن الإرث بعد الوصية ، ولا تعلم الوصية الثانية إلاّ إذا علم الثلث ، لأنها ربع ما يبقى منه.

ووجه التخلص ما ذكره المصنف وهو طريق الجبر ، وتحقيقه : أن تأخذ ثلث المال فتنقص منه الوصية الاولى ، وهي أربعة من ثمانية وعشرين ، فإنها فريضة الوصية الأولى كما حققه سابقا ، وفريضة الورثة أربعة وعشرون ، والمطلوب بالبيان الآن فريضة الوصية الثانية ، فيبقى ثلث مال إلاّ أربعة أنصباء ، ادفع ربعه إلى الموصى له الثاني وهو نصف سدس مال إلاّ نصيبا ، لأنك أخرجت من الثلث أربعة أنصباء ، فمن ربعه خرج نصيب والباقي بعد الوصيتين ، وهو ربع مال إلاّ ثلاثة أنصباء يزاد على ثلثي المال يكون بعد بسطه أسداسا ، خمسة أسداس ونصف سدس مال إلاّ ثلاثة أنصباء هي حق الورثة من التركة ، فوجب أن تكون معادلة لأنصبائهم وهي أربعة وعشرون ، لما علم من أن فريضتهم أربعة وعشرون.

فإذا جبرت خمسة أسداس ونصف سدس إلاّ ثلاثة أنصباء بالثلاثة ، وزدت على معادله مثلها ، صار خمسة أسداس ونصف سدس مال تعدل سبعة وعشرين نصيبا ، فيقسم ذلك على سبعة وعشرين ـ ولا ينقسم ـ فتبسط خمسة أسداس من جنس النصف تبلغ أحد عشر ، وحيث لا وفق فتضرب سبعة وعشرين في مجموع المال وهو اثنا عشر ، بتكميل أحد عشر بنصف سدس آخر تبلغ ثلاثمائة وأربعة وعشرين ، وهي فريضة الوصية الثانية والنصيب أحد عشر ، لأنك إذا قسمت مضروب سبعة وعشرين نصيبا في أحد عشر ـ وهي خمسة أسداس ونصف سدس مال ، وقد علمت أنها معادلة لها ، وذلك مائتان وسبعة وتسعون ـ على سبعة وعشرين خرج أحد عشر ، فيكون لكل واحد من سبعة وعشرين من الجملة المذكورة أحد عشر.

٢٦٥

______________________________________________________

وحينئذ فتأخذ ثلث مجموع حاصل الضرب ـ أعني ثلاثمائة وأربعة وعشرين ـ وذلك مائة وثمانية ، فتدفع منها أربعة وأربعين إلى الموصى له الأول يبقى أربعة وستون ، تدفع ربعها ستة عشر إلى الموصى له الثاني ، يبقى ثمانية وأربعون تزيدها على مائتين وستة عشر ، تقسمها على أربعة وعشرين سهام الورثة ، يصيب كل واحد أحد عشر.

ولا يخفى أن قول المصنف : ( فكمل المال بأن تضرب ... ) فيه توسع ، فإن تكميل المال هو اضافة نصف سدس آخر إلى أحد عشر ، لتضرب المجموع في سبعة وعشرين ، لأنك إذا أردت قسمة نصيب على سهام ولم ينقسم ولم يكن وفقا ، ضربت السهام في الأصل الذي النصيب بعضه لا في النصيب ، فلذلك لم تضرب سبعة وعشرين في أحد عشر ، التي هي خمسة أسداس المال ونصف سدسه ، بل في مجموعه وهو اثنا عشر بملاحظة مخرج الكسر ـ أعني نصف سدس ـ وليس التكميل هو الضرب على ما هو متبادر العبارة.

ولك ان تستخرجها بطريق الحشو الآتي ذكره إن شاء الله ، بأن تضم إلى سهام الورثة أنصباء الموصى له الأول يكون ثمانية وعشرين ، ثم تضربها في مخرج الكسر ـ وهو ربع الثلث وذلك اثنا عشر ـ يبلغ ثلثمائة وستة وثلاثين ، تلقي منها سهام الحشو اثنا عشر ، وهي مضروب عدد الأنصباء الأربعة في مخرج الكسر المضاف إليه أعني الثلث وذلك ثلاثة ، يبقى ثلاثمائة وأربعة وعشرون والنصيب هو مخرج ربع الثلث ، بعد إلغاء مضروب النصيب في الجزء وهو واحد ، لأن ذلك مضروب الواحد في الواحد.

وبطريق الجامع الأكبر من طرق الخطآئين فنقول : نجعل ثلث المال عددا إذا أعطينا منه أربعة أنصباء يبقى له ربع ، وذلك اثنا عشر ، دفعنا منه أربعة إلى الأول واثنين إلى الثاني بقي ستة ، زدناها على ثلثي المال وهما أربعة وعشرون فأخطأ بستة زائدة بالنسبة إلى سهام الورثة فإنها أربعة وعشرون ، ثم فرضناه ستة عشر دفعنا منها أربعة إلى الموصى له الأول ، ثم ربع الباقي ثلاثة يبقى تسعة ، ضممناها إلى اثنين‌

٢٦٦

المقام الثاني : في المتعدد : وتصح مرتبا ومشتركا ، كما لو قال : ثلثي لفلان وفلان ، ويقتضي التسوية ما لم يفضل.

ولو قال : ثلثي لفلان ، فإن مات قبلي فهو لفلان صح ، وكذا إن ردّ‌ فهو لفلان.

______________________________________________________

وثلاثين بلغت احدى وأربعين فأخطأ بسبعة عشر زائدة ، ألقينا أقل الخطأين من الأكثر بقي أحد عشر هي المقسوم عليه في الجامع الأصغر ، ثم ضربنا العدد الأول اثني عشر في الخطأ الثاني سبعة عشر بلغ مائتين وأربعة ، ثم العدد الثاني ستة عشر في الخطأ الأول ستة بلغ ستة وتسعين ، يلقى الأقل من الأكثر يبقى مائة وثمانية وهي ثلث المال المطلوب.

وإذا أردنا النصيب ضربنا النصيب الأول ـ وهو واحد ـ في الخطأ الثاني وهو سبعة عشر ، وضربنا نصيب الثاني ـ وهو واحد أيضا ـ في الخطاء الأول ـ وهو ستة ـ ثم نقصنا الأقل من الأكثر بقي أحد عشر فذلك هو النصيب.

قوله : ( المقام الثاني : في المتعدد : وتصح مرتبا ومشتركا ، كما لو قال : ثلثي لفلان وفلان ، ويقتضي التسوية ما لم يفضل ).

هذا مثال ما إذا أوصى بالثلث مشتركا ، فإن الوصية واحدة وإن تعدد الموصى له.

ووجه اقتضاء تعليق الوصية بالمتعدد التسوية إذا لم يوجد ما يدل على التفضيل ، لاستواء نسبة السبب إلى كل واحد من أفراد المتعدد. والضمير في قوله : ( يصح ) يعود إلى المتعدد ، وفي قوله : ( ويقتضي ) إلى ما دل عليه السياق ، أي : ويقتضي التشريك التسوية إلى آخره.

قوله : ( ولو قال : ثلثي لفلان ، فإن مات قبلي فهو لفلان صح ، وكذا إن ردّ‌

٢٦٧

فهو لفلان. ولو قال ثلثي : لفلان ، فإن قدم الغائب فهو له ، فقدم قبل موت الموصى فهو للقادم ، سواء عاد إلى الغيبة أو لا ، لوجود شرط الانتقال إليه ، فلا ينتقل عنه بعده.

ولو مات الموصى قبل قدومه فهي للأول ، سواء قدم أو لا. ويحتمل تخصيص القادم بالعين ما لم يضف.

______________________________________________________

قد سبق أن الوصية المقيدة صحيحة ، وأنه يجب أن يراعى في نفوذها حصول القيد ، وما هنا من جملة صورها.

قوله : ( ولو قال : ثلثي لفلان ، فإن قدم الغائب فهو له ، فقدم قبل موت الموصى له فهو للقادم ، سواء عاد إلى الغيبة أو لا ، لوجود شرط الانتقال إليه فلا ينتقل عنه بعده ، ولو مات الموصى قبل قدومه فهو للأول ، سواء قدم أم لا ، ويحتمل تخصيص القادم بالعين ما لم يضف ).

وجه الأول : ما ذكره المصنف من وجود شرط الانتقال إليه ، وهو قدومه ، وتحقيقه : إن الشرط إن كان مطلق القدوم فواضح ، وإن كان هو القدوم في حياة الموصي فهو متحقق هنا.

وأما الثاني ففيه احتمالان :

أحدهما : كون الوصية للأول وليس للقادم شي‌ء ، لأن إطلاق قول الموصي : ( فإن قدم الغائب ) يدل على قدومه في حياة الموصي ، لأنه المتبادر ، إذ يبعد أن يكون المراد قدومه ولو بعد مدة متطاولة.

ومثله ما لو قال : إن دخل عبدي الدار فلله علي عتقه ، فإنه انما يحمل على دخوله أيام حياته ، ولأن الموصى به بعد الوفاة لا بد أن يكون مملوكا للموصى له ، إذا قبل ، وليس الثاني هو الموصى له حينئذ ، لانتفاء الشرط ، فتعيّن أن يكون هو الأول ، وإذا ملك امتنع انتقاله عنه ، ولأن الشرط يجب تقدمه على زمان الملك وهو ما بعد الموت.

٢٦٨

ولو أوصى له بثلث ، ولأخر بربع ، ولثالث بخمس ، ولرابع بمثل وصية أحدهم ، فله الخمس.

ولو قال : فلان شريكهم فله خمس ما لكل واحد.

______________________________________________________

الثاني : تخصيص القادم بالعين في هذه الحالة ما لم يضف الموصي القدوم إلى زمان حياته ، لأن الشرط في كلام الموصي هو القدوم ، والتقييد بحياة الموصي لا يدل عليه اللفظ بشي‌ء من الدلالات الثلاث ، كما لا يدل على ضده. والاستبعاد لا أثر له مع وجود الدليل ، مع أن حرمانه من الوصية لو قدم عند الموت بعيد أيضا.

والفرق بين هذا وبين المثال : إنّ الشرط في المثال دخول عبده وبعد الموت ليس عبده ، بخلاف ما هنا ، وحكم الموصى به عند الموت هنا حكم الوصية قبل القبول ، والشرط يجب تقدمه على مشروطه ـ وهو الملك ـ دون زمانه.

فإن قيل : على القول بأن القبول كاشف ، فبحصول القدوم يتبيّن الملك عند الموت حال عدم الشرط ، فيلزم أن لا يكون شرطا وقد فرض اشتراطه ، وهو خلف.

قلنا : اشتراطه أعم من أن يكون في حصول أصل الملك ، أو في انكشاف حصوله للقادم وانتفائه عن الأول ، ولا دليل على تعيين الأول.

ولقائل أن يقول : إنّ المتبادر من قوله : ( فإن قدم الغائب فهو له ) أن المشروط بالقدوم هو حصول أصل الملك لا انكشافه ، فيكون الاحتمال الأول أقوى ، أما إذا أضاف القدوم إلى حياته فلا بحث.

قوله : ( ولو أوصى له بثلث ، ولآخر بربع ، ولثالث بخمس ، ولرابع بمثل وصية أحدهم فله الخمس ، ولو قال : فلان شريكهم فله خمس ما لكل واحد ).

أما أن للرابع الخمس في المثال المذكور. فلأن الإطلاق يجب تنزيله على أقل المحتملات ، لأنه المتقين والزائد مشكوك فيه.

وأما أن له خمس ما لكل واحد إذا قال : فلان شريكهم ، فلانه شرّك بينه وبين‌

٢٦٩

ولو اوصى لأحدهم بمائة ، ولأخر بدار ، ولأخر بعبد ، ثم قال : فلان شريكهم ، فله نصف ما لكل واحد ، لأنه هنا يشارك كل واحد منهم منفردا ، والشركة تقتضي التسوية ، وفي الأولى الجميع مشتركون. ولو قيل : له الربع في الجميع كان أولى.

______________________________________________________

الكل من حيث هو كل ، وذلك لأن الكل مشتركون في شي‌ء واحد بأجزاء مشاعة وإن اختلفت الحصص ، وحيث كان شريكا للمجموع من حيث المجموعية ، وإطلاق التشريك منزل على أقل الحصص وجب أن يكون له خمس ما للمجموع.

ولقائل أن يقول : إنّ قوله : ( فلان شريكهم ) أعم من أن يكون شريكا للمجموع أو لكل واحد ، واشتراك الكل في شي‌ء واحد لا يقتضي إرادة الأول.

قوله : ( ولو أوصى لأحدهم بمائة ، ولاخر بدار ، ولآخر بعبد ، ثم قال : فلان شريكهم فله نصف ما لكل واحد ، لأنه هنا يشارك كل واحد منفردا ، والشركة تقتضي التسوية ، وفي الأول الجميع مشتركون ، ولو قيل : له الربع في الجميع كان اولى ).

فرّق المصنف بين ما إذا كان الموصى به لمتعددين أجزاء شي‌ء واحد ، وبين ما إذا كان الموصى به متعددا لكل واحد شي‌ء على انفراده ، فحكم بأن التشريك بين الآخر وبين الموصى لهم في الأول يقتضي التشريك بينه وبين المجموع ، فيلحظ في نصيبه ضميمته إلى المجموع في الشركة.

وفي الثاني يقتضي التشريك بينه وبين كل واحد ، لانفراد الموصى به لكل واحد عن الباقين ، فيكون له نصف ما لكل واحد ، إذ الأصل في الشركة بين اثنين عدم التفضيل ، فإطلاق الشركة وكونها بينه وبين كل واحد يقتضي الاستواء بينه وبين كل واحد.

وفي هذا الفرق نظر ، فإن اشتراك الموصى لهم في شي‌ء واحد ، وانفراد كل واحد بشي‌ء معين لا دلالة له على كون الشركة بينه وبين المجموع ، أو بين كل واحد بشي‌ء‌

٢٧٠

ولو خلّف ثلاثة بنين واوصى لثلاثة بمثل أنصبائهم ، فالمال على ستة إن أجازوا ، وإن ردّوا فمن تسعة.

وإن أجازوا لواحد وردّوا على اثنين فللمردود عليهما التسعان.

ويحتمل أمران في المجاز له أن يكون له السدس الذي كان له حالة اجازة الجميع فتأخذ السدس والتسعين من مخرجهما وهو ثمانية عشر ، ويبقى أحد عشر لا تنقسم ، فتضرب عدد البنين في ثمانية عشر ، وأن يضم المجاز له الى البنين ، ويقسم الباقي على بعد التسعين عليهم ، فتضرب أربعة في‌

______________________________________________________

من الدلالات ، فلا يتم الفرق.

ووجه ما ذكره آخرا ـ وهو أن للموصى له الأخير ربع ما لكل واحد ـ أن اللفظ يحتمل الأمرين معا ، وهو كون التشريك بينه وبين المجموع ، وبينه وبين كل واحد ولا ترجيح ، فيجب الحمل على أقل الأمرين ، لأنه المتيقن والزائد مشكوك فيه.

ومجرد الاحتمال غير كاف في الحمل عليه ، وحينئذ فلا يفترق الحال بالنسبة إلى المسألة الاولى والثانية ، وفي هذا اعتراف بضعف الفرق الذي ذكره ، والأصح استحقاق الربع هنا كالخمس في الاولى.

ولا يخفى أن المراد بقوله : ( الربع في الجميع ) المائة والدار والعبد ، ولا يجوز أن يراد جميع المسألتين الاولى والثانية ، لأن الذي له في الاولى هو الخمس ليس إلاّ.

قوله : ( ولو خلّف ثلاث بنين وأوصى لثلاثة بمثل أنصبائهم ، فالمال على ستة إن أجازوا ، وإن ردوا فمن تسعة ).

وذلك لأن اسهام البنين ثلاثة ، فمع الإجازة يضم إليها ثلاثة سهام الموصى لهم تبلغ ستة ، ومع الرد فللموصى لهم الثلث أثلاثا ، وذلك من تسعة.

قوله : ( ولو أجاز والواحد وردّوا على اثنين فللمردود عليهما التسعان ، ويحتمل أمران في المجاز له ، أن يكون له السدس الذي كان له حالة اجازة الجميع فيأخذ السدس والتسعين ـ إلى قوله ـ فيضرب أربعة في تسعة ، فإن‌

٢٧١

تسعة. فإن أجازوا بعد ذلك للآخرين أتموا لكل واحد تمام السدس ، فيصير المال بينهم أسداسا على الأول ، وعلى الثاني يضمون ما حصل لهم ـ وهو أحد وعشرون من ستة وثلاثين ـ إلى ما حصل لهما ـ وهو ثمانية ـ ويقسمونه على خمسة تنكسر ، فتضرب خمسة في ستة وثلاثين تبلغ مائة وثمانين.

______________________________________________________

أجازوا بعد ذلك للآخرين أتموا لكل واحد تمام السدس فيصير المال بينهم أسداسا ـ إلى قوله ـ فيضرب خمسة في ستة وثلاثين تبلغ مائة وثمانين ).

تقييد الإجازة بكونها لواحد والرد على اثنين ، يؤذن بأن إطلاق الإجازة والرد فيما قبله بالنسبة إلى الجميع. وإنما كان للمردود عليهما التسعان ، لأن الوصية بالنسبة إليهما إنما تنفذ من الثلث فيكون لهما ثلثاه نظرا إلى الموصى له الثالث وهو المجاز له وهما تسعان. وأما المجاز له ففيه احتمالان :

أحدهما : أن يكون له السدس الذي كان يستحقه حال الإجازة للجميع ، ووجهه : إنّ الموصي جعله واحدا من ستة في استحقاق التركة ، وقد أجاز الورثة ذلك ، فيكون له السدس.

الثاني : أن يضم المجاز له الى البنين ، فيكون كواحد منهم تنقصه الإجازة ويزيده الرد ، ووجهه : إن للموصى له مثل نصيب أحدهم فيجب الاستواء في الزيادة والنقصان.

وحقق الشارح الفاضل ابتناء هذين الاحتمالين على أن الوصية للثلاثة هل هي وصية للمجموع من حيث المجموعية ، أم هي وصية لكل واحد واحد بمثل نصيب أحد البنين الثلاثة؟ (١).

فعلى الأول يتجه الاحتمال الأول ، إذ لم يوص على هذا التقدير لواحد من الموصى لهم إلاّ بالسدس فقط ، فلا تؤثر الإجازة في الزيادة عليه.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٥٢.

٢٧٢

______________________________________________________

وعلى الثاني يتجه الثاني ، لأن الوصية لكل واحد بمثل نصيب أحد البنين ، فيعتبر المماثلة بين نصيب الموصى له والابن مع الإجازة في الكثرة والقلة. ولا يخفى أنّ لفظ الموصي محتمل للأمرين إن لم يكن أظهر في الوصية للمجموع ، ومع تطرق الاحتمال فكيف تثبت الوصية بالزائد ، فيكون الاحتمال الأول أقوى.

إذا عرفت ذلك ، فعلى الاحتمال الأول يأخذ السدس والتسعين للموصى لهم ، والمخرج المشترك لهما ثمانية عشر ، فإن السدس من ستة والتسع من تسعة ، وبينهما توافق بالثلث ، فمضروب ثلث أحدهما في الآخر هو مخرجهما فذلك ثمانية عشر ، فإذا أخذتهما بقي أحد عشر لا ينقسم على البنين ولا وفق ، فيضرب ثلاثة في ثمانية عشر يبلغ أربعة وخمسين ومنها يصح (١).

وعلى الاحتمال الثاني يقسّم الباقي بعد التسعين للمردود عليهما ـ وهو سبعة ـ على المجاز له والبنين أرباعا فتنكسر ولا وفق ، فيضرب أربعة في تسعة تبلغ ستة وثلاثين ، للمجاز له منها سبعة هي أزيد من السدس (٢).

ويتخرج أيضا على الاحتمالين ما إذا أجاز الورثة للآخرين بعد الإجازة للأول خاصة : فعلى الأول يعطى كل واحد منهما تمام السدس ، لأن ذلك أقصى وصيته ، فيكون‌

__________________

(١) توضيح المسألة في الاحتمال الأول : وهو أن تبقى حصة المجاز له هي السدس ، وحصة الآخرين هي تسعان والقاسم المشترك بين. وهو ١٨ ، فيكون للمجاز له ٣ وهو السدس ، وللآخرين ٤ وهي ( ٢ / ٩ ) والباقي من ال ١٨ هو ١لا ينقسم على الأولاد الثلاثة ، فنضرب ١٨ ٣ ٥٤ حصة.

للمجاز له ٥٤ ٩.

وللآخرين ٥٤ * =١٢ الباقي ٥٤ ـ ٢=٣٣ ، لكل ابن ١١.

(٢) وفي الاحتمال الثاني : وهو أن يكون نصيب المجاز له مثل نصيب أحد الأولاد الثلاثة ، فعند أخذ التسعين يبقى ٧ لا ، تنقسم على ٤ فنضرب ٤ ٩ ٣٦ حصة الاثنان ٣٦ =٨ الباقي ٢٨ / ٤= ٧ لكل من الأبناء والمجاز له.

٢٧٣

ولو أجاز واحدّ خاصة فللمجيز السدس ثلاثة من ثمانية عشر ، وللباقين أربعة أتساع هي ثمانية ، تبقى سبعة للموصى لهم تضرب ثلاثة في ثمانية عشر.

______________________________________________________

المال بينهم أسداسا.

وعلى الثاني يضم ما حصل للبنين ـ وهو أحد وعشرون من ستة وثلاثين ـ إلى ما حصل للمجاز لهما آخرا ـ وهو ثمانية ـ يكون تسعة وعشرين ، ثم يقتسمونه أخماسا لتحقق المساواة بين كل منهما وكل من البنين ، ولا ينقسم ولا وفق فيضرب خمسة في الأصل ـ أعني ستة وثلاثين ـ تبلغ مائة وثمانين ، ومنها تصح للمجاز له أولا خمسة وثلاثون ، وللباقين لكل واحد تسعة وعشرون.

فإن قيل : الوصية اقتضت مساواة نصيب كل منهم لنصيب كل واحد من الورثة ، وقد زاد نصيب المجاز له أولا ، فيكون ذلك تبديلا للوصية.

قلنا : لما أجازوا للأول خاصة استحق مثل ما يستحقه أحدهم حينئذ فتحققت المساواة ، وإجازتهم للآخرين طارئة على هذا الاستحقاق والمساواة ، فلا يقدح طروء النقصان.

واعلم أن مقتضى ذلك صحة الإجازة بعد الرد ، وعدها اجازة للوصية ، ومقتضى إطلاقهم بطلان الوصية بمجرد الرد ، فلا تكون الإجازة بعد ذلك إجازة حقيقة ، فليحقق ذلك.

قوله : ( ولو أجاز واحد خاصة فللمجيز السدس ثلاثة من ثمانية عشر ، وللباقين أربعة أتساع هي ثمانية ، يبقى سبعة للموصى لهم تضرب ثلاثة في ثمانية عشر ).

إنما كان للمجيز ثلاثة من ثمانية عشر هي السدس ، لأنه لما أجاز الوصية للكل كان له سهم من فريضة الإجازة ـ وهي ستة ـ فتأخذه مضروبا في وفق فريضة الرد ـ أعني تسعة ـ وهو ثلاثة ، وحاصل ضربه ثلاثة ، وللآخرين سهامهم من فريضة الرد‌

٢٧٤

ولو أجاز واحد لواحد دفع اليه ثلث ما في يده من الفضل ، وهو ثلث سهم من ثمانية عشر ، فتضربها في ثلاثة تبلغ أربعة وخمسين.

ولو اوصى له بجزء مقدّر ، ولأخر بمثل نصيب وارث ، احتمل إعطاء الجزء لصاحبه وقسمة الباقي بين ورثته والموصى له ، وإعطاء صاحب النصيب‌

______________________________________________________

وهي أربعة من تسعة ، فيأخذونها مضروبة في الوفق من فريضة الإجازة وهو اثنان من ستة وذلك ثمانية ، يبقى سبعة للموصى لهم ينكسر على ثلاثة ولا وفق فتضربها في ثمانية عشر يبلغ أربعة وخمسين ، ومنها يصح.

قوله : ( ولو أجاز واحد لواحد دفع إليه ثلث ما في يده من الفضل ـ وهو ثلث سهم من ثمانية عشر ـ فنضربها في ثلاثة تبلغ أربعة وخمسين ).

قد علم أن للوارث مع الإجازة للجميع سدسا هو ثلاثة من ثمانية عشر ، ومع الرد أربعة ، فالفضل بين النصيبين سهم.

فإذا أجاز واحد لواحد خاصة استحق المجاز له من سهم الفضل ثلثه ، فاحتيج إلى ضرب ثمانية عشر في ثلاثة تبلغ أربعة وخمسين ، فللمجاز له منها تسع وسدس تسع وذلك سبعة ، وللآخرين تسعان اثنا عشر ، وللمجيز أحد عشر وهي تسع وخمسة أسداس تسع ، ولكل من الابنين الآخرين اثنا عشر هي تسعان (١).

قوله : ( ولو أوصى بجزء مقدر ، ولآخر بمثل نصيب وارث ، احتمل إعطاء الجزء لصاحبه وقسمة الباقي بين ورثته والموصى له ، وإعطاء صاحب‌

__________________

(١) قد مرّ أنه إذا أجاز الجميع للجميع فلكل واحد من الورثة ٣ من ١٨ وهي السدس ، وفي حالة عدم الإجازة فلكل واحد من الورثة ٤ من ١٨ ، والفرق بينهما حصة واحد ، فإذا أجاز واحد من الأولاد لواحد من الموصى لهم فيستحق حصة زيادة عن نصيبه ، فلمعرفة الحصص نضرب ٣ *١٨ =٥٤ فللمجاز له إضافة إلى حصته وهي التسع من ٥٤ ، ويساوي ٧ وهو ما يعادل تسع وسدس تسع.

وللآخرين *٥٤= ١٢ وللمجيز ١٢ ـ ١=١١ وهو ما يعادل تسع وخمسة أسداس تسع. ولكل من الابنين *٥٤= ١٢.

٢٧٥

مثل نصيب الوارث كأن لا وصية غيرها.

فلو اوصى له بثلث ماله ، ولأخر بمثل نصيب أحد بنيه ، وهم ثلاثة ، فعلى الأول للموصى له بالثلث الثلث ، والباقي يقسم أرباعا بين الثاني والبنين ، وتصح من ستة ، فإن ردّوا بطلت وصية الثاني. وعلى الثاني الأول الثلث ، وللآخر الربع مع الإجازة ، وتصح من ستة وثلاثين.

______________________________________________________

النصيب مثل نصيب الوارث كأن لا وصية غيرها ، فلو أوصى له بثلث ماله ولآخر بمثل نصيب أحد بنيه ـ وهم ثلاثة ـ ، فعلى الأول للموصى له بالثلث الثلث والباقي يقسم أرباعا بين الثاني والبنين وتصح من ستة ، فإن ردوا بطلت وصية الثاني. وعلى الثاني للأول الثلث ، وللآخر الربع مع الإجازة ، وتصح من ستة وثلاثين ).

لو أوصى لواحد بجزء مقدّر كالثلث والربع ، ولآخر بمثل نصيب وارث ، والورثة ثلاثة ، ففي كيفية إخراج الوصية الثانية وجهان :

أحدهما : أن يقسم ما يبقى بعد الجزء بين الموصى له الثاني وبين الورثة أرباعا ، فيكون كواحد منهم. ووجهه : إنه أوصى بمثل نصيب الوارث ، ونصيبه هو ما يكون بعد الوصايا ، للنص الصريح ، فتعيّن في تقديره إخراج كل من الوصيتين بحيث يساوي نصيب الوارث بعدهما ، وان قضية المماثلة تقتضي أن يكون نصيب الموصى له الثاني غير زائد على نصيب الوارث ، كما لا يكون ناقصا عنه ، ولأن ذلك هو المتيقن ، والزائد منفي بالأصل.

الثاني : إعطاء صاحب النصيب مثل نصيب الوارث الذي ثبت له ، على تقدير أن لا تكون وصيته سوى الوصية الثانية ، ثم يؤخذ الجزء من الباقي ويقسم ما يبقى بعده بين الورثة. ووجهه : انه جعله رابع الأربعة ، ولو لا الوصية الأولى لكان له الربع فكذا معها ، إذ لم يقيّد نصيبه بكونه بعد الوصية الاولى.

٢٧٦

ولو زاد الجزء على الثلث كالنصف احتمل وجها ثالثا ، وهو أن‌

______________________________________________________

ولأنه لو كان المراد : مماثلة النصيب الذي بعد إخراج الجزء ، لم يستحق الموصى له الثاني غيره وإن رد الموصى له بالجزء وصيته إذ لا يستحق غير ما أوصى له به ، والثاني باطل.

ويضعف بأن عدم التقييد لا يقتضي نفي القيد ، وثبوته لازم عن مماثلته لنصيب الوارث الذي لا يكون إلاّ بعد الوصايا كلها ، وليس المراد مماثله النصيب الذي بعد إخراج الجزء بل مماثلته مطلقا على أي حال كان ، فمع الرد يستحق الثاني ، كالوارث.

كما يستحق مع عدمه ، والأول أقوى.

إذا عرفت هذا ، فلو أوصى لواحد بثلث ماله ، ولآخر بمثل نصيب أحد بنيه وهم ثلاثة : فعلى الاحتمال الأول للموصى له بالثلث الثلث ، والباقي يقسم أرباعا بين الموصى له الثاني والبنين ، فلا بد من مال له ثلث وربع ولا يبقى منه بعد الثلث ربع ، وذلك ستة.

وعلى الثاني للأول الثلث ، وللثاني ربع الأصل ، كأنه أوصى بثلث الأصل وربعه ، والباقي يقسّم أثلاثا ، فلا بد من مال له ثلث وربع ولا يبقى منه بعدهما ثلث ، وذلك ستة وثلاثون.

ولا يخفى ان شرط نفوذ الوصية الثانية في الفرض المذكور اجازة الورثة على الاحتمالين ، لأنها زائدة على الثلث وواقعة بعد الاولى ، فمع الرد لا تخرج إلاّ الاولى.

ولو أوصى بالثلث والنصيب معا وردّ الوارث قسم الثلث بين الموصى له الأول والثاني أثلاثا ، للموصى له بالجزء اثنان على الأول كما لو أجازوا ، وعلى الثاني يقسم على سبعة ، للموصى له ، بالثلث أربعة وبالربع ثلاثة ، فإن مخرجهما اثنا عشر ، فيضرب ثلاثة في سبعة.

قوله : ( ولو زاد الجزء على الثلث كالنصف احتمل وجها ثالثا ، وهو أن‌

٢٧٧

يجعل لصاحب النصيب نصيبه من الثلثين وهو ربعهما : لأن الثلثين حق للورثة ، لا يؤخذ منهم شي‌ء إلاّ بإجازتهم.

وصاحب النصيب كواحد منهم لا ينقص من السدس شي‌ء إلاّ برضاه ، فعلى الأول لصاحب الجزء النصف ، والباقي أرباعا للثاني والورثة ، وتصح من ثمانية. وعلى الثاني للأول النصف وللثاني الربع ، ويبقى الربع بين البنين ، وتصح من اثني عشر. وعلى الثالث للأول النصف وللآخر السدس ، ويبقى الثلث للبنين ، وتصح من ثمانية عشر.

______________________________________________________

يجعل لصاحب النصيب نصيب من الثلثين وهو ربعهما ، لأن الثلثين حق الورثة لا يؤخذ منها شي‌ء إلاّ بإجازتهم ، وصاحب النصيب كواحد منهم لا ينقص من السدس إلاّ برضاه ، فعلى الأول : لصاحب الجزء النصف والباقي أرباعا للثاني والورثة ويصح من ثمانية ، وعلى الثاني : للأول النصف وللثاني الربع ويبقى الربع بين البنين وتصح من اثني عشر ، وعلى الثالث : للأول النصف وللآخر السدس ويبقى الثلث للبنين وتصح من ثمانية عشر ).

إنما يجي‌ء الوجه الثالث على تقدير كون الجزء الموصى به زائدا على الثلث ، لأنه إن كان ثلثا فما دون لم يكن نفوذه متوقفا على الإجازة ، بل يكون نافذا على كل حال.

فأما مع زيادته فإن نفوذ الزائد حينئذ مستند إلى إجازة الوارث ، والزائد محسوب من جملة نصيبه الذي وقعت المماثلة بينه وبين الوصية الثانية ، فلا ينقص الموصى له الثاني عنه إلاّ برضاه.

فإذا أوصى بالنصف لواحد ، ولآخر بمثل نصيب أحد البنين الثلاثة كان للموصى له الثاني السدس ، لأن الثلثين حق للورثة لا يؤخذ منها شي‌ء إلاّ بإجازتهم ، فكأنه قال : مثل نصيب أحد الورثة من الثلثين ، نظرا إلى أن ذلك نصيبهم الثابت لهم‌

٢٧٨

ولو اوصى لرجل بمثل نصيب وارث ، ولآخر بجزء مما يبقى من المال ، احتمل أن يعطى صاحب النصيب مثل نصيب الوارث إذا لم يكن ثمة وصية اخرى ، وأن يعطى مثل نصيبه من ثلثي المال ، وأن يعطى مثل نصيبه بعد أخذ صاحب الجزء نصيبه ، فيدخلها حينئذ الدور.

فلو اوصى لواحد بمثل نصيب ابن وله ثلاثة ، ولآخر بنصف باقي المال ، فعلى الأول لصاحب النصيب الربع ، وللآخر نصف الباقي وما بقي‌

______________________________________________________

بأصل الشرع.

فعلى الوجه الأول : إذا أجازوا لصاحب الجزء النصف ، ويقسم الباقي بين الورثة والموصى له الثاني أرباعا ، ويصح من ثمانية فإنها عدد لنصفها ربع.

وعلى الثاني : للأول نصف الأصل وللثاني ربعه ، ويبقى الربع بين البنين أثلاثا ، ويصح من اثني عشر ، لأنه لا بد من عدد له ربع ولربعه ثلث.

وعلى الثالث : للأول النصف وللثاني السدس ، والباقي ـ وهو الثلث ـ يقسّم بين البنين أثلاثا ، ويصح من ثمانية عشر ، لأنه لا بد من عدد له نصف وسدس ولثلثه ثلث وذلك ثمانية عشر ، حاصلة من ضرب الوفق من أحد المخرجين في الآخر.

والاحتمال الأول أقرب ، لأن المتبادر من النصيب هو ما يصيب الوارث بعد الوصايا ، ولأن المتيقن هو الأقل والزائد مشكوك فيه.

قوله : ( ولو أوصى لرجل بمثل نصيب وارث ، ولآخر بجزء مما يبقى من المال ، احتمل أن يعطى صاحب النصيب مثل نصيب الوارث ، إذا لم يكن ثم وصية اخرى ، وان يعطى مثل نصيبه من ثلثي المال ، وأن يعطى مثل نصيبه بعد أخذ صاحب الجزء نصيبه فيدخلها حينئذ الدور. فلو أوصى لواحد بمثل نصيب ابن وله ثلاثة ، ولآخر بنصف باقي المال ، فعلى الأول لصاحب النصيب الربع ولآخر نصف الباقي وما بقي للبنين ويصح من ثمانية ، وعلى‌

٢٧٩

للبنين ، وتصح من ثمانية. وعلى الثاني للأول السدس ، وللآخر نصف الباقي ، وتصح من ستة وثلاثين.

______________________________________________________

الثاني للأول السدس وللآخر نصف الباقي ويصح من ستة وثلاثين ).

ما سبق كان الجزء الموصى به من أصل المال ، وهنا الجزء الموصى به مما يبقى من المال بعد الوصية بالنصيب.

وتحقيقه : إنّه إذا أوصى لشخص بمثل نصيب أحد ورثته ، ولآخر بجزء مما يبقى من المال بعد النصيب المذكور كنصف الباقي مثلا ، ففي قدر ما يعطى صاحب النصيب احتمالات ثلاثة :

أحدهما : أن يعطى مثل نصيب أحد الورثة إذا لم يكن ثم وصية اخرى.

والثاني : أن يعطى مثل نصيبه من ثلثي المال.

والثالث : أن يعطى مثل نصيبه بعد الوصية الثانية ، فيدخلها الدور حينئذ ـ أي على هذا الاحتمال ـ ، لأن معرفة النصيب حينئذ موقوفة على معرفة الوصية الثانية ، لأنه بعدها ، ومعرفتها موقوفة على معرفة النصيب ، لأنها في المثال المذكور نصف ما يبقى بعده.

ووجه كل من الاحتمالات الثلاثة قد سبق بيانه ، فوجه الأول : وقوع الوصية الأولى حال عدم الثانية ، لأنها قبلها ، ولم يقيّد بكون النصيب بعدها.

ووجه الثاني : إنه قد جعل للأول مثل نصيب الابن وهو يملك ربع الثلثين أصالة ، وذلك هو السدس.

ووجه الثالث : إن نصيب الوارث هو ما يكون بعد الوصايا بنص القرآن ، والكل ضعيف إلاّ الثالث ، وقد سبق بيانه.

فعلى الأول : لصاحب النصيب ربع الأصل ، وللآخر نصف الباقي ، وما بقي للبنين ويصح من ثمانية ، إذ لا بد من مال له ربع ، ولما يبقى منه نصف ينقسم على الثلاثة فيزاد على الثلاثة مثلها ، وعلى المجموع مثل ثلثه يكون ثمانية.

٢٨٠