جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦١

وهل له المسافرة بالعبد الموصى بخدمته؟ الأقرب ذلك ، وليس للعبد التزويج إلاّ برضاهما.

______________________________________________________

لنفسه.

وأجاب الشارح الفاضل (١) : بأن المصنف أتى بهذه العبارة لفوائد :

الاولى : إنّ القيمة تابعة للأصل المتلقى من الموصى ، وفي مستحقه تردد ، وقضية ذلك وجوبها على الوطي حتى يتبين المستحق عند المجتهد.

الثانية : إنه لو مات الواطئ لم يمكن الورثة من التصرف في مقدار القيمة إلى أن يتبيّن المستحق.

الثالثة : لو كان مفلسا لم يقسم قدر القيمة بين الغرماء كذلك.

وفيما ذكره تكلّف ظاهر ، لأن التردد في المستحق يقتضي التردد في وجوب القيمة على الموصى له ، وما ذكره من عدم تمكين الورثة والغرماء من قدر القيمة إلى الترجيح لا يلزم عن الوجوب ، بل يكفي فيه التردد.

قوله : ( وهل له المسافرة بالعبد الموصى بخدمته؟ الأقرب ذلك ).

وجه القرب : أنّ من جملة منافعه الانتفاع به في السفر ، فلو لم يكن له المسافرة به لم يكن مستحقا للجميع ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الوصية بمنافعه على التأبيد أولا.

وقيل بالمنع لتعريضه للتلف وابعاده عن مالكه ، وربما انتهت الوصية الموقتة في السفر في بعض الصور ، وضعف ذلك كله ظاهر ، إذ لو صرح بالوصية بمنافعه سفرا وحضرا لاستحق السفر به ، فوجب استحقاقه إياها بدلالة اللفظ عليها بعمومه.

قوله : ( وليس للعبد التزويج إلاّ برضاهما ).

أما الوارث فظاهر ، لأنه مالك الرقبة ، وأما الموصى له ، فلأن صحة النكاح تؤدي‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٢٤.

١٨١

وإذا قتل الموصى بخدمته أبدا ووجب القصاص بطلت الوصية ، وكان المطالب بالقصاص الوارث.

ولو كان القتل موجبا للقيمة احتمل صرفها إلى الوارث ، لانتهاء الوصية بانتهاء العمر ، وشراء عبد حكمه ذلك ، وتقسيطها بينهما بأن تقوّم المنفعة المؤبدة والعين المسلوبة المنفعة ويسقط عليها.

______________________________________________________

إلى فوات بعض المنافع الموصى بها غالبا ، ولأنه ينجر إلى نقص الخدمة بالاشتغال بالوطء والضعف بسببه ، وشدة التعلق بالزوجة والولد ، وهذا الحكم في الجارية أولى.

قوله : ( وإذا قتل الموصى بخدمته أبدا ووجب القصاص بطلت الوصية وكان المطالب بالقصاص الوارث ).

إنما يجب القصاص إذا قتله المكافئ فما دون عمدا ، وحينئذ فقد بطلت الوصية قطعا ، لانتهائها بانتهاء العمر ، وانتفاء وجوب البدل ليتصور تعلق الوصية به ، إذ لا يجب إلاّ القصاص ، ولا حظّ فيه لغير مالك الرقبة.

قوله : ( ولو كان القتل موجبا للقيمة احتمل صرفها إلى الوارث ، لانتهاء الوصية بانتهاء العمر ، وشراء عبد حكمه ذلك ، وتقسيطها بينهما بأن تقوّم المنفعة المؤبدة والعين المسلوبة المنفعة ويقسط عليهما ).

لو كان قتل الموصى بمنافعه على وجه يوجب القيمة ، بأن يكون القاتل لا يقتص منه ، أو لم يكن القتل عمدا ففي القيمة ثلاثة أوجه :

أحدها : صرف جميعها إلى الوارث ، ولا حق للموصى له فيها ، لأن حقه هو المنافع مدّة حياة العبد ، فتنتهي الوصية بانتهاء عمره ، فعند الموت لا يكون للموصى له حق. ولأن حقه إنما هو المنافع ولم يتلفها القاتل ، إنما أتلف العين التي هي متعلقها ، والعين حق للوارث فيكون بدلها له.

ولقائل أن يقول : إنّ الوارث إنما يستحق العين مسلوبة المنافع ، وحين القتل‌

١٨٢

______________________________________________________

كان منتفعا بها ، فالزائد من القيمة لا حق للوارث فيه ، فيكون للموصى له.

وقد يجاب : بأن الموصى له إنما يستحق المنافع مدّة حياة العبد ، فلذلك استحق الوارث العين مسلوبة المنافع ، أما عند الموت فقد انقطع حق الموصى له ، وانحصر الحق في الوارث كالعين المستأجرة إذا أتلفها متلف ، فإن المستأجر لا حق له في البدل ، بل يرجع إلى مقابل الفائت من المنفعة من الأجرة ، بخلاف ما لو استوفى المنفعة غاصب.

ويمكن المناقشة بأن حق الموصى له إنما ينقطع من العين إذا خرجت عن الانتفاع بها ، وذلك بعد الموت ، وعند تقويمها هي منتفع بها ، فيكون حق الموصى له متعلقا بها ، كما لو اتفق الموصى له والوارث على بيع العين ، فإن مقابل كون العين منتفعا بها حق للموصى له.

وأيضا فإن العين إنما قوّمت على الوارث على القول بتقويمها عليه بالقيمة الدنيا ، فكيف يستحق القيمة العليا؟ حتى ان الموصى لو أوصى بوصايا مع هذه الوصية ، فحكم ببطلان بعضها لزيادته على الثلث ، ثم قتل العبد الموصى بمنافعه بعد ساعة يلزم تقويم المنافع التي لم تصل ـ ولا عوضها ـ إلى الموصى له عليه ولا على الموصى.

وبعده عن الصواب ظاهر ، وجوابه أظهر ، فإن العين قد تقوّم بقيمة دنيا ، لكونها في معرض التلف أو نقص منفعة ، ثم يزول ذلك ، فلا يرجع على من قوّمت عليه بالزائد كالعبد المريض ، والذي في طريق خطر هو مظنة التلف إذا احتيج الى تقويمها في تلك الحالة ، فقومت بالقيمة الدنيا وانفصل الأمر ، ثم زال العارض بعد لحظة. وهاهنا كذلك ، لأن الموصى به في وقت الموت كانت قيمته قليلة بسبب استحقاق الموصى له منافعه مدة حياته ، ومدة الحياة غير معلومة فجاز أن تكون طويلة وأن يموت موتا ، فلذلك قلت قيمته ، فإذا اتفق قلة حياته ومات قتلا لم يتغير الحكم.

ولو أوصى بالمنافع مؤبدة لزيد ، وبالرقبة مسلوبة المنافع لعمرو فعرض القتل ، فإن القول باستحقاق عمرو جميع القيمة المقابلة للعين المنتفع بها بعيد عن الصواب.

١٨٣

______________________________________________________

ويمكن الجواب عن هذا : بأن العين تخرج عن الانتفاع بصيرورتها مشرفة على الموت مقطوعا بموتها ، فينقطع حق الموصى له ايضا وتقوّم للوارث.

الثاني : صرف القيمة إلى شراء عبد حكمه ذلك ـ وهو مختار المصنف في التذكرة (١) وابي حنيفة (٢) وبعض العامة (٣) ـ ، ووجهه : إنّ القيمة بدل الرقبة ومنافعها فتقوم مقامها. ويضعف بأن الوصية إنما هي بمنافع العين دون منافع البدل ، وكون القيمة بدلا عن العين لا يقتضي تعلق الوصية بالبدل كما كانت متعلقة بالعين.

الثالث : تقسط القيمة بين الموصى له والوارث ، بأن تقوّم المنفعة المؤبّدة والعين المسلوبة المنفعة ويقسط عليهما ، فيؤخذ قدر كل من القيمتين من مجموع القيمة. ووجهه : إنّ بالجناية تلف حق كل منهما ، والواجب ـ وهو قيمة العين منتفعا بها ـ في مقابل حق كل منهما.

ويرد عليه : إنّ بالموت انقطع حق الموصى له ، لأن الوصية إنما تعلقت بخصوص المنافع ، وذلك في حال الحياة ، خاصة وأن التالف بالموت هو العين دون المنافع ، إذ ليست موجودة. غاية ما في الباب ان كونها منتفعا بها ملحوظ ، وحق الموصى له إنما هو استيفاء نفس المنفعة ، ولهذا لم يثبت للمستأجر مطالبة الجاني بعوض المنفعة المملوكة بالإجارة ، ولم يثبت لمالك العين أكثر من قيمتها دون عوض المنفعة.

وذكر في التذكرة وجها رابعا هو أبعدها ، وهو أن القيمة كلها للموصى له خاصة ، ويمكن ان يحتج له بأنه بدون المنافع لا قيمة له (٤). وحقق الشارح الفاضل‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٠٧.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢٧ : ١٨٥.

(٣) الوجيز : ٢٧٨.

(٤) التذكرة ٢ : ٥٠٧.

١٨٤

ولو قطع طرفه احتمل أرشه التقسيط ، واختصاص الوارث.

______________________________________________________

بناء المسألة على أن المقتول لو لم يقتل لعاش قطعا أم لا (١). وليس بناء واضحا ، لأن استحقاق الموصى له إنما هو للمنافع الموجودة بالفعل ، دون المنافع التي لو لا العارض لكانت موجودة ، والوجه الأول أقرب من الجميع.

قوله : ( ولو قطع طرفه احتمل في أرشه التقسيط ، واختصاص الوارث ).

ويجي‌ء احتمال ثالث ، وهو شراء عبد أو بعضه تكون رقبته للوارث ومنفعته للموصى له. وقطع بعض الشافعية هنا بكون الأرش للوارث ، واتفقوا على ترجيحه ، لأن العبد يبقى منتفعا به ، ومقادير المنفعة لا تنضبط إذ قد تختلف بالمرض والكبر وغيرهما ، فكان حق الموصى به باقيا بحاله (٢) ، والمختار هنا هو المختار في المسألة السابقة. هذا حكم ما إذا كان المقتول الموصى بخدمته أبدا ، فلو كان الموصى بخدمته إلى أمد كسنة ، وقتل في خلالها فإنه يأتي فيه ما سبق ، إلاّ أن احتمال التقسيط لا بد أن يكون ملحوظا فيه تقويمه منتفعا به ، وتقويمه موصى بمنفعته إلى ذلك الأمد ، وصرف التفاوت إلى الموصى له والباقي إلى الوارث ، ولا يأتي الاحتمال الرابع هنا ، لبقاء العين بعد الوصية متقوّمة.

ولو أوصى بخدمته مطلقا ، أو مؤقتا فقتل قبل زمان الخدمة ، ففي استحقاق الوارث القيمة أو التقسيط أو شراء البدل ، الأوجه. ولو كان القاتل الوارث أو الموصى له فلا شي‌ء على من تصرف إليه القيمة لو كان أجنبيا.

واعلم أن المصنف في التذكرة لم يقيّد البحث عن حكم الموصى بخدمته إذا قتل ، بكون الوصية مؤبدة كما قيده هنا (٣) ، ومما قررناه يظهر أن ما ذكره هنا أولى.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٢٥.

(٢) الوجيز : ٢٧٨.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٠٧.

١٨٥

ولو لم تنقص به المنفعة كالأنملة فللوارث.

ولو جنى العبد قدّم حق المجني عليه على الموصى له ، فإن بيع بطل حقه ، وإن فداه الوارث استمر حقه ، وكذا لو فداه الموصى له.

وهل يجبر المجني عليه على القبول؟ إشكال ينشأ : من تعلق حق الموصى له بالعين ، ومن كونه أجنبيا عن الرقبة التي هي متعلق الجناية ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو لم تنقص به المنفعة كالأنملة فللوارث ).

في المثال مناقشة ، فإن الأنملة تنقص بها المنفعة ، وربما حصل بسببها التنفر من استخدامه ، خصوصا في المحافل ، فلو مثّل بالجرح القليل ، أو القطعة اليسيرة من اللحم التي لا يكاد يتنبه إليها لكان أحسن ، والأمر سهل.

قوله : ( ولو جنى العبد قدم حق المجني عليه على الموصى له ، فإن بيع بطل حقه ، وإن فداه الوارث استمر حقه ، وكذا إن فداه الموصى له ).

أي : لو جنى هذا العبد ، فإن كانت جنايته توجب القصاص واقتص منه فقد فات حق المالك والموصى له جميعا ، وكذا الاسترقاق والبيع. وإن كانت توجب المال تعلق برقبته مقدما على حق الموصى له ، لأن حق الجناية مقدّم على حق المالك.

فإن فداه أحدهما أو فدياه فلا بحث ، وإن امتنعا فبيع في الجناية كله ـ إما لاستيعاب المال قيمته ، أو لعدم وجود راغب في شراء البعض ـ صرف إلى المجني عليه حقه ، ويجي‌ء في الفاضل الخلاف السابق. ثم ان كان المفتدى له الوارث فلا كلام في وجوب القبول من المجني عليه وفي بقاء حق الموصى له ، إلاّ أن يفتدي حصته وهي الرقبة فقط ، ففي وجه انه يباع نصيب الآخر.

وفيه نظر ، لأن بيع المنفعة وحدها لا يعقل وإن كان المفتدى هو الموصى له ، فإن حق الوارث في الرقبة باق ، إلاّ أن يفتدي حصته فقط ، فبيع الرقبة ثابت على قول سيأتي إن شاء الله تعالى ، وهو أن الوارث هل يملك بيع الرقبة منفردة؟ وهل يجب على‌

١٨٦

وكذا المرتهن.

وتصح الوصية بالمنفعة مؤبدة ومؤقتة ومطلقة ، فالأقرب تخير الوارث ،

______________________________________________________

المجني عليه القبول هنا كما يجب عليه القبول من الوارث؟ أشار المصنف إلى حكمه بقوله : ( وهل يجبر المجني عليه على القبول؟ إشكال ينشأ : من تعلق حق الموصى له بالعين ، ومن كونه أجنبيا عن الرقبة التي هي متعلق الجناية ).

في الوجه الأول نظر ، فإنه لا يلزم من ثبوت تعلق الموصى له بالعين وجوب قبول الفداء على المجني عليه ، وثبوت ذلك بالنسبة إلى المولى بالنص فيقتصر على مورده ، وهذا قوي.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ أول كلام المصنف أعم من كون الجناية عمدا أو خطأ ، وآخره إنما يستقيم في الجناية خطأ.

قوله : ( وكذا المرتهن ).

معناه : إنّ العبد المرهون إذا جنى خطأ ، فأراد المرتهن فداه ، ففي إجبار المجني عليه الاشكال. وكذا العبد المستأجر إذا جنى فأراد المستأجر فداه.

قوله : ( وتصح الوصية بالمنفعة مؤبدة ومؤقتة ومطلقة ، فالأقرب تخير الوارث ).

لا شك في صحة الوصية بالمنفعة على كل واحدة من الحالات الثلاث : مؤبدة ، ومؤقتة ، وكذا مطلقة ، إذ لا مانع من الصحة ، وحينئذ فعلى ما ذا ينزّل الإطلاق؟ الأقرب انه يحمل على أقل ما يصدق عليه ولو لحظة واحدة ، إذ لا دليل على الزائد. وحينئذ فيتخير الوارث في تعيين القدر والزمان ، لانتفاء معين آخر ، وصلاحية اللفظ لكل فرد.

ويحتمل ضعيفا الحمل علي التأبيد ، لأنه المفهوم من اللفظ. وضعفه ظاهر ، لأن مفهوم اللفظ أعم منه ، والفتوى على الأول.

واعلم أن الشارح الفاضل ذكر مقابل الأقرب احتمال التنزيل على ما يتملك‌

١٨٧

ولو قيّدها بالعام المقبل فمرض بطلت.

ولو قيّدها بوقت مطلق كسنة من السنين تخيّر الوارث ، ويعتبر جميع قيمته في الحالين ، فيخرج التفاوت من الثلث ،

______________________________________________________

من المنافع ، فإن تعددت وتباينت فبالقرعة (١). ويظهر منه انه فهم من العبارة أن المراد تخيير الوارث في تعيين نوع المنفعة ، والظاهر أن المراد خلافه ، مع ان الكلام مسوق للوصية بجميع المنافع مؤقتة ومؤبدة ومطلقة ، ويظهر ذلك بتأمل ما سبق.

والفاء في قول المصنف : ( فالأقرب ) أحسن من الواو ، لا شعارها باتصال الأقرب بالمطلقة دون ما عداها ، وهو المراد.

قوله : ( ولو قيدها بالعام المقبل فمرض بطلت ).

أي : فمرض في جميعه بطلت ، لانتفاء متعلقها.

قوله : ( ولو قيدها بوقت مطلق كسنة من السنين تخيّر الوارث ).

أي : تخير في تعيين ذلك الوقت المقيد به ، وبه صرح في التذكرة (٢). ويرد عليه : إنّ تنفيذ الوصية واجب على الفور فلا يجوز تأخيرها عن أول وقت الإمكان.

ويمكن ان يجاب : بأنه يكفي في صدق التنفيذ هنا تعيين الوقت المطلق ، أو يقال : إن التأخير الممنوع منه انما هو في الوصية التي ليس فيها إشعار بالتأخير. وليس كذلك هنا ، لأن الوصية بمنفعة سنة ظاهرة أي سنة كانت ، ففي نفس الوصية إشعار بذلك ، فمن ثم كان التعيين إلى الوارث.

قوله : ( ويعتبر جميع قيمته في الحالين ، فيخرج التفاوت من الثلث ).

بيان لكيفية إخراج هذه الوصية من الثلث ، لأنه سيأتي كيفية ذلك في المؤبدة ، ومن هذا يعلم حكم المطلقة. إذا عرفت ذلك فطريقه : ان يعتبر جميع قيمة العبد في‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٢٦.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٠٥.

١٨٨

لأنه لا تتعيّن له سنة حتى تعتبر منفعتها ، ولا يملك الوارث بيعه إن كانت مؤبدة أو مجهولة.

ولو كانت مؤقتة‌ جاز بيعه ،

______________________________________________________

الحالين ـ أي : حال الوصية وحال عدمها ـ بخلاف ما سيأتي في الموصى بمنفعته على التأبيد ، فإنه قد قيل : إنّ العين مسلوبة المنفعة لا قيمة لها ، وذلك لا يتجه هنا.

إن قيل : لم يمكن التسليم إلاّ بالنسبة إلى الموصى له فلا يصح.

قلنا : بل يمكن ، وليس هو بأدون من بيع العين المؤجرة.

قوله : ( لانه لا تتعيّن له سنة حتى تعتبر منفعتها ).

الظاهر انه تعليل لقوله : ( تخير الوارث ) ، وما بينهما معترض ، لفساد كونه تعليلا لقوله : ( ويعتبر جميع قيمته في الحالين ). وتوضيحه : إنّه ليس هناك سنة معينة موصى بها ليعتبر منفعتها للموصى له ، وإنما نسبتها إلى سائر السنين على حد سواء ، فيكون من قبيل الوصية بالمتواطي.

قوله : ( ولا يملك الوارث بيعه إن كانت مؤبدة أو مجهولة ).

أما إذا كانت الوصية مجهولة فظاهر لجهالة وقت الانتفاع المقتضي لتجهيل المبيع ، وأما إذا كانت مؤبدة فلاستغراق المنفعة بحق الغير فيبقى لا منفعة فيه ، فلا يجوز بيعه كالحشرات ، واختار في التذكرة جواز بيع الرقبة لاستكمال الملك (١).

وعموم سلب منافعها ممنوع ، لإمكان إعتاقها وتحصيل الثواب بذلك وهو أعظم المنافع ، ولأنه يتوقع استحقاق الأرش بالجناية عليه ، أو الحصة منه على اختلاف الوجهين ، وكذا استفادة جر ولاء الأولاد ، وهو قوي متين. وربما فرق بين كون الموصى بمنفعته رقيقا فيجوز ، أو بهيمة ونحوها فلا ، لامتناع العتق في غير الرقيق.

قوله : ( ولو كانت مؤقتة جاز بيعه جاز بيعه ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٠٦.

١٨٩

وهل يجوز في المؤبدة بيعه من الموصى له؟ نظر ، ويملك عتقه مطلقا ، ولا يخرج استحقاق الموصى له ، وفي الاجزاء عن الكفارة إشكال.

______________________________________________________

كما يجوز بيع العبد المستأجر.

قوله : ( وهل يجوز في المؤبدة بيعه من الموصى له؟ نظر ).

ينشأ مما ذكر من أن العين المسلوبة المنافع لا قيمة لها ، وما لا قيمة له لا يصح بيعه. ومن أن المنفعة بالنسبة إليه ثابتة ، لأنه يستفيد بذلك جواز بيعه وعتقه عن الكفارة ، ويزول عنه توقع ضمان الرقبة لو تعدى أو فرط وغير ذلك ، ولا ريب في شدة ضعف وجه المنع.

قوله : ( ويملك عتقه مطلقا ، ولا يخرج استحقاق الموصى له ).

أي : يملكه الوارث على تقدير كون المنفعة مؤبدة ، أو موقتة مجهولة أو معلومة ، إذ لا مانع ، والعمومات تتناول صحة عتقه.

ولا تخرج المنافع بالعتق عن استحقاق الموصى له كما كانت قبل ذلك ، لان حق الوارث هو الرقبة لا غير ، فلا يملك إسقاط حق الموصى له من المنافع.

وليس للعتيق الرجوع على الوارث هنا بشي‌ء ، لأن تفويت المنافع على العتيق هنا ليس من قبله ، بخلاف ما قاله بعض العامة فيما لو آجره ثم أعتقه (١).

قوله : ( وفي الإجزاء عن الكفارة إشكال ).

ينشأ : من أن الواجب في الكفارة هو إعتاق الرقبة ، وهو حاصل هنا. ومن أنه ناقص الملك فلا يجزي كالوقف ، ولأن فائدة العتق التسلط على منافعه وقطع سلطنة الغير عنه ، وذلك منتف هنا ، فكان بعد العتق كالرق.

ولأن المعهود من العتق والمتبادر عند الإطلاق هو العتق الذي يقتضي فك الرقبة والمنافع ، ومن ثمّ لو أعتقه عن الكفارة واشترط عليه الخدمة لم يجز إجماعا. وفي‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٦ : ٥١١.

١٩٠

وفي صحة كتابته إشكال ينشأ : من امتناع الاكتساب عليه لنفسه ، ومن إمكان أخذ المال من الصدقات. وليس له الوصية بمنفعته ولا إجارته ، وله أن يوصي برقبته.

وهذه المنافع تحسب من الثلث إجماعا ، لأنها تنقص قيمة العين ، وإن كنا لا نقضي الديون من المنافع المتجددة بعد الموت.

ولا تقع موروثة ، بل يملكها الوارث ،

______________________________________________________

جعل الشارح المعتق عن الكفارات شائبة إيماء إلى ذلك (١) ، وعدم الاجزاء أقرب إلى يقين البراءة.

قوله : ( وفي صحة كتابته إشكال ينشأ : من امتناع الاكتساب عليه لنفسه ، ومن إمكان أخذ المال من الصدقات ).

ضعف الأول ظاهر ، إذ لا ينهض مخصصا لعموم الكتاب والسنة ، والأصح الصحة.

قوله : ( وليس له الوصية بمنفعته ولا إجارته ، وله أن يوصي برقبته ).

أي : ليس للوارث ، فإن جميع ما تقدم من قوله : ( ولا يملك الوارث بيعه ) إلى هنا متعلق بالوارث ، ووجهه : إنه لا حق له في المنفعة ، فلا يملك نقلها بحال من الأحوال ، بخلاف الرقبة فإن في بيعها ما سبق. وتصح وصيته بها لانه لا يشترط في صحة الوصية كون الموصى به مالا وحال الموصى له على العكس من الوارث.

قوله : ( وهذه المنافع تحسب من الثلث إجماعا ، لأنها تنقص قيمة العين وإن كنا لا نقضي الديون من المنافع المتجددة بعد الموت ، ولا تقع موروثة بل يملكها الوارث ).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٢٦.

١٩١

فإن كانت مؤبّدة احتمل خروج قيمة العين بمنافعها من الثلث ، لسقوط قيمتها إذا كانت مسلوبة المنفعة ، والحيلولة مؤبدة ، فكأنها الفائتة ، إذ عبد لا منفعة له ، وشجرة لا ثمرة لها لا قيمة لها غالبا ، وتقويم الرقبة على الورثة ، والمنفعة على الموصى له ، فيقوّم العبد بمنفعته ، فإذا قيل : مائة ، قوّم مسلوب المنفعة ، فإذا قيل : عشرة ، علم أن قيمة المنفعة تسعون.

______________________________________________________

توضيح ذلك : إنّ المنافع الموصى بها بعد الموت محسوبة من الثلث إجماعا ، ولا تحسب من جملة التركة فتقع موروثة ، بل يملكها الوارث ، لأنها نماء التركة المملوكة له ، ومقتضى ذلك أن لا تكون محسوبة من الثلث ، لأنه لا يحسب منه إلاّ ما كان من جملة التركة.

وتحقيق المقام : إنّ المحسوب من الثلث ليس هو نفس المنافع المتجددة ، وإنما هو التفاوت بين القيمتين للعين منتفعا وبها مسلوبة المنافع ، أو مجموع قيمة العين منتفعا بها على ما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى ، وذلك مملوك للموصى لا محالة ومعدود تركته قطعا.

قوله : ( فإن كانت مؤبدة احتمل خروج قيمة العين بمنافعها من الثلث ، لسقوط قيمتها إذا كانت مسلوبة المنفعة ، والحيلولة مؤبدة فكأنها الفائتة ، إذ عبد لا منفعة له وشجرة لا ثمرة لها لا قيمة لها غالبا. وتقويم الرقبة على الورثة والمنفعة على الموصى له ، فيقوّم العبد بمنفعته ، فإذا قيل : مائة ، قوّم مسلوب المنفعة ، فإذا قيل : عشرة ، علم ان قيمة المنفعة تسعون ).

هذا بيان طريق تقويم المنافع إذا كانت مؤبدة ليخرج من الثلث ، وقد حكى‌

١٩٢

______________________________________________________

الشيخ في المبسوط في ذلك ثلاثة أقوال (١) ، وكذا حكاها المصنف في التذكرة (٢) ، وذكر هنا احتمالين :

الأول : تقويم العين بمنافعها وخروج مجموع القيمة من الثلث ، ووجهه : ما أشار إليه من أنها حيث كانت مسلوبة المنافع بالوصية فقد خرجت عن التقويم ، فقد فات على الورثة جميع القيمة فكأن العين هي الفائتة ، إذ عبد لا منفعة له وشجرة لا ثمرة لها لا قيمة لها غالبا ، اي لا قيمة للشجرة ، وحذف ضمير العبد لدلالة ضمير الشجرة عليه. ولدوام الحيلولة بين الوارث والعين وهي بمنزلة الإتلاف ، ولهذا ضمن الغاصب جميع القيمة بسببها.

ويضعّف بأن ذلك لا يخرج العين عن التقويم أصلا ، والغاصب مؤاخذ باليد العادية ، فلذلك أغرم القيمة للحيلولة ، وأما الحيلولة هنا فإنها كالحيلولة في العين المستأجرة.

الثاني : إنّ المعتبر ما بين قيمتها بمنافعها وقيمتها مسلوبة المنافع ، وهو الذي أراده المصنف بقوله : ( وتقويم الرقبة ) ، أي : واحتمل تقويم الرقبة إلى آخره ، ووجهه : إنّ الرقبة باقية للوارث يقدر على إعتاقها ، وبيعها ـ من الموصى له أو مطلقا ـ وهبتها ، والوصية بها ، فلا وجه لاحتسابها على الموصى له ، فحينئذ يقوّم العبد بمنفعته.

فإذا قيل : قيمته مائة ، قوّم مسلوب المنفعة. فإذا قيل : عشرة ، علم أن قيمة المنفعة تسعون ، فيعتبر أن يبقى مع الورثة بقدرها مرتين ، ومن جملة ذلك الرقبة بعشرة ، وهذا القول أصح وأعدل.

الثالث : ـ وقواه الشيخ (٣) ـ احتساب قيمة المنفعة من الثلث بالطريق المذكور‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٧٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٠٥.

(٣) المبسوط ٤ : ١٤.

١٩٣

ولو كانت مؤقتة قوّمت مع المنفعة تلك المدة ، وبدونها ، فينظر كم قيمتها.

ولو اشتمل على منفعتين كالغزل والنساجة واوصى بإحداهما صح ، وأمكن هنا التقويم ، والأقرب البناء على العادة في استيفاء احدى المنفعتين.

______________________________________________________

ولا تحسب قيمة الرقبة على واحد من الوارث والموصى له ، أما الموصى له ، فلأنها ليست له ، وأما الوارث ، فللحيلولة بينه وبينها وسلب قيمتها بسبب منافعها وكأنها تالفة ، وضعفه يعلم مما سبق.

قوله : ( ولو كانت مؤقتة قوّمت مع المنفعة تلك المدة وبدونها فينظر كم قيمتها ).

هذا بيان خروج المنفعة المؤقتة من الثلث ، وطريقه : أن تقوّم العين منتفعا بها دائما ، ومنتفعا بها ما عدا المدة الموصى بها ، فيخرج التفاوت بين القيمتين. ولا يأتي الوجهان الآخران في المؤبدة ، لبقاء العين بعد الوصية منتفعا بها متقوّمة.

واعتبر بعض الشافعية هنا قيمة منفعة تلك المدة ـ وهي أجرة المثل ـ ، واستبعده بعضهم ، لأن المنافع تحدث بعد الموت ، فليس الموصى مقوّما لها من ملكه ، وكيف كان فمذهب الأصحاب هو ما سبق.

قوله : ( ولو اشتمل على منفعتين كالغزل والنساجة ، وأوصى بإحداهما صح وأمكن هنا التقويم ).

أي : تقويم الرقبة مسلوبة المنفعة الموصى بها ، لبقائها منتفعا بدونها ، فلا تجي‌ء الاحتمالات السالفة هنا ، بل تقوّم بمنافعه كلها وبدون المنفعة الموصى بها ، ويعتبر التفاوت بين القيمتين وجها واحدا.

قوله : ( والأقرب البناء على العادة في استيفاء احدى المنفعتين ).

أي : الأقرب في طريق تمييز حق الموصى له في هذه الصورة عن حق الوارث ، في استيفاء كل منهما منفعة الرجوع إلى العادة المستمرة لذلك العبد في المنفعتين ، أما‌

١٩٤

ولو انتفت وقصد الدوام وعدم استيعاب الأوقات فإشكال.

______________________________________________________

بصرف بعض اليوم إلى إحداهما والبعض الآخر إلى الأخرى ، أو الليل لواحدة والنهار لأخرى ، أو أسبوع ثم أسبوع آخر ، أو فصل وفصل آخر ، هذا إن كان له عادة مستمرة. وكذا لو كان بين أهل العرف عادة مستمرة ، كما لو كان وقّادا وخيّاطا ، فإن العرف المستمر الغالب كون الاولى ليلا والأخرى نهارا.

ووجه القرب : إنّ اللفظ بالنسبة إلى الأمر المتعارف الجاري في العادة ظاهر ، فلا يجوز الحمل على مقابله لكونه مرجوحا.

ويحتمل العمل بالقرعة ، وهو بعيد ، لأنه مع وجود العادة لا اشكال ، ومع ذلك يحتمل خروج الزمان كله لإحداهما ، وهو خلاف مقتضى الوصية ، إذ الفرض عدم قصد استيعاب الزمان بالمنفعة الموصى بها ، والأصح الأول.

وهل ترجّح العادة المستمرة للعبد على الجارية بين الناس أو بالعكس؟ اشكال ، وليس ببعيد ترجيح الأول ، لأن ذلك هو الظاهر من قصد الموصي إن كان استمرار عادة العبد بعلمه.

قوله : ( ولو انتفت وقصد الدوام وعدم استيعاب الأوقات فإشكال ).

أي : لو انتفت العادة وقصد الموصى بالوصية الدوام ، وعدم استيعاب الأوقات بها ففي الحكم إشكال ينشأ : من احتمال تخيير الوارث في التعيين ، لأن الوصية مطلقة بالإضافة إلى الأوقات ، وليس هناك ما يدل على التعيين ، فيكون التعيين فيها إلى الوارث كما في كل مطلق.

ومن احتمال توزيع الزمان على المنفعتين ، لأن لكل واحدة منهما حظا من الزمان ، ولا مرجح يقتضي التفضيل فيستويان فيه. ويحتمل الصلح ، لعدم تميّز الحقين ، ويحتمل القرعة ، لأنه أمر مشكل.

ويضعف الأول بأن تخيير الوارث إنما هو مع انتفاء ما يقتضي التعيين واستواء النسبة ، وعدم المرجّح يقتضي التسوية ، وكذا الثالث ، لأنه لا بحث مع التراضي إنما‌

١٩٥

ولو اوصى باللبن دون الصوف قوّمت المنفعة خاصة ، لبقاء العين منتفعا بها.

وهل يحسب ما يبقى من القيمة للرقبة على الورثة من التركة؟ فيه إشكال ينشأ : من الحيلولة المؤبدة.

______________________________________________________

الكلام مع عدمه ، والرابع أضعف ، لأن القرعة في المتميز في نفسه المبهم عندنا ولا طريق إلى تعيينه ، وليس كذلك هنا ، إذ ليس الحق في نفسه عندنا مبهما ، وقد بيّنا أن له معنا آخر ، وفيه محذور آخر وهو انه لا يؤمن بالقرعة خروج جميع الزمان لأحدهما ، فالأقرب الثاني.

واعلم أنه احترز بـ ( قصد الدوام ) عما لو أوصى له بالمنفعة المذكورة يوما أو شهرا ، فإن الظاهر وجوب صرف ذلك الزمان كله إليها. واحترز بعدمه قصد استيعاب الزمان ، إذ لو قصد اندفع الاشكال ، لكن تصير العين بذلك مسلوبة المنافع.

قوله : ( ولو أوصى باللبن دون الصوف قوّمت المنفعة خاصة ، لبقاء العين منتفعا بها ).

هذا نوع آخر من المنفعة غير المذكور سابقا ، فإن اللبن في نفسه عين وإن عدّ منفعة عرفا ، فلا تصير العين باعتبار الوصية به دائما مسلوبة المنافع ، وكذا لو أوصى به وبالصوف معا وبه صرح في التذكرة (١).

قوله : ( وهل يحسب ما يبقى من القيمة للرقبة على الورثة من التركة؟ فيه إشكال ينشأ : من الحيلولة المؤبدة ).

هذا في الحقيقة هو الاحتمال الثالث في طريق احتساب الموصي منفعته مؤبدا ، فإن المصنف لم يذكر فيما تقدم إلاّ احتمالين ، وكان حقه ان يذكر الثالث هناك ، لأنه محله ، فلما أفرده هنا جعله مسألة برأسه وذكر إشكالا.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٠٨.

١٩٦

ونفقة العبد والحيوان الموصى بخدمته وفطرته على الوارث في الموقتة ، وفي المؤبدة إشكال ،

______________________________________________________

وحاصل ما هنا : إنّه بناء على عدم احتساب الرقبة على الموصى له ، وإنما يحتسب عليه تفاوت ما بين القيمتين ، هل تحتسب الرقبة على الوارث ، بحيث تكون قيمتها من جملة الثلثين اللذين يجب بقاؤهما للوارث بعد إخراج الوصية ، أم لا تحتسب على واحد منهما ، فإن احتمل احتسابها على الموصى له قد سبق ذكره في كلامه؟

فيه إشكال ينشأ : من الحيلولة المؤبدة الجارية مجرى الإتلاف ، ولذلك وجبت بها القيمة على الغاصب ، ومن بقاء الرقبة لهم ، وتمكنهم من استيفاء المنافع المتعلقة بها خاصة كالعتق ونحوه ، وقد ذكر الدليل من الجانبين وبيان احتسابها على الوارث وضعف مقابله فلا حاجة إلى إعادته.

قوله : ( ونفقة العبد والحيوان الموصى بخدمته وفطرته على الوارث في الموقتة ، وفي المؤبدة إشكال ).

أما في الموقتة فظاهر ، لأن العبد والحيوان مملوك للوارث ، ولم يخرج بالوصية عن كونه منتفعا به ، ولا خلاف في ذلك.

وأما في المؤبدة ففي الحكم إشكال ينشأ : من احتمال كونها على الوارث ، لأنه المالك للرقبة ، وهي مناط النفقة والفطرة. ومن احتمال كونها على الموصى له ، لأنه مالك المنفعة مؤبدا فكان كالزوج ، ولأن نفعه له ، فكان ضرره عليه كالمالك لهما جميعا ، ولأن إثبات المنفعة للموصى له والنفقة على الوارث إضرار به ، بخلاف المستأجر فإن عوض منافعه لمالك الرقبة.

ومن احتمال كونها في كسب العبد ، فإن لم يف أنفق عليه من بيت المال ، لأن الوارث لا نفع له ، والموصى له غير مالك. إلاّ أن إيجاب الفطرة على هذا الوجه بعيد ، خصوصا إذا أخذت النفقة من بيت المال.

والأصح الأول ، لعموم النصوص الواردة بوجوب الإنفاق على العبد والحيوان‌

١٩٧

وبعد العتق على العبد.

ولو أسقط الخدمة مطلقا أو موقتة فللوارث.

______________________________________________________

على مالكهما ، ولا مخصص ، والإلحاق بالزوج قياس مع الفارق ، فإن الزوجة غير مملوكة ، والنفقة في مقابل التمكين من الاستمتاع لا في مقابل باقي المنافع. ولا نسلم أنّ إيجاب النفقة على الوارث ضرر يجب كونه منفيا ، على أنه متمكن من الإزالة في كل وقت بالإعتاق ونحوه.

والإيجاب في كسب العبد في الحقيقة من الموصى له ، لأن جميع منافعه مملوكة له. قال الشارح : إنّ هذه المسألة تبنى على نفقة الأجير الخاص مع عدم الشرط (١). وليس بشي‌ء ، لأن عوض المنافع في الأجير مملوك للمؤجر فافترقا.

قوله : ( وبعد العتق على العبد ).

أي : نفقته بعد العتق لو كان عبدا عليه ، لأن نفقة الحر على نفسه كسائر الأحرار ، وينبغي أن يبنى ذلك على كون النفقة وهو رقيق على الوارث ، فإن قلنا بكونها على الموصى له أو في كسبه ، ومع عجزه فمن بيت المال اتجه بقاء الحكم المذكور بعد العتق.

فإن قيل : كيف يتصور كونها على العبد مع أن جميع منافعه واكتساباته الغالبة والنادرة للموصى له.

قلنا : بأن يحدث له مال بهبة أو إرث أو نحوهما.

قوله : ( ولو أسقط الخدمة مطلقا أو موقتة فللوارث ).

لو أسقط الموصى له حقه من الخدمة الموصى بها سقط ، لأنها حق واجب ، وليس بعين فيسقط بالإسقاط ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الوصية مؤبدة أو لا.

وتردد المصنف في التحرير في لزوم هذه الهبة ، وكأنه نظر إلى أن هذه المنافع تتجدد شيئا فشيئا (٢). وينبغي الجزم بالصحة ، لأن مناط المنافع المذكورة [ الذمة ] وإن‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٥٢٩.

(٢) التحرير ٢ : ٢٩٦.

١٩٨

______________________________________________________

تعلقت بالرقبة ، كما لو استأجره على وجه خاص ثم ابرأ ذمته ، أو أسلفه في حنطة وشرط كونها من حنطة بلد ثم ابرأ ذمته ، وحينئذ فيكون حقا للوارث ، لأن ما يوهب للعبد فهو لسيده.

ولو أسقطها بعد طروء العتق احتمل أيضا كونها للوارث ، لأن العتق لم يؤثر في المنافع ، وإنما أثر في الرقبة وبقيت المنافع مستثناة مملوكة ، فإذا أسقط حقه منها رجعت إلى الوارث ، لكونها متلقاة عن مورثه للموصى له ، فإذا بطل حقه منها عادت إلى الوارث ، لقيامه مقامه.

ويحتمل ثبوتها للمعتق ، لأنها مملوكة للموصى له ، فإذا أبرأ ذمة المعتق منها كان ذلك هبة له ، فيكون هو المالك لها دون الوارث.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن عبارة الكتاب لا تأبى أن يكون المراد : أسقط الخدمة في حال الرقية ، وهو الذي ذكره المصنف في التذكرة والتحرير (١).

والثاني وإن كان محتملا ويؤيده مناسبة ما قبله ، إلاّ أنه بعيد جدا من حيث الدليل ، فالأولى حمل العبارة على الأول. وفي بعض القيود المنسوبة إلى شيخنا الشهيد الحمل على الثاني ـ وهو ما بعد العتق ـ وفيه ما عرفت.

ثم إن قوله : ( مطلقا ) يمكن ان يراد به ما قبل المؤقتة ، لتندرج فيه المؤبدة ، فتكون العبارة شاملة للأقسام الثلاثة ، وهو أولى وإن كان لا يخلو من تكلف.

ويمكن أن يكون المراد : إسقاط الخدمة بأقسامها ، أما مطلقا ـ أي : بحيث لم يدع فيها حقا ـ ، أو موقتة ـ أي : أسقطها إلى أجل كما لو أسقط عنه الخدمة سنة أو شهرا ـ ، وهو صحيح أيضا ، إلاّ انه لو أريد هذا لكان حقه أن يقول : مطلقا أو مؤقتا ، وكيف كان فالعبارة لا تخلو من مسامحة.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٠٦ ، التحرير ٢ : ٢٩٦.

١٩٩

ولو اوصى لأحدهما بحب زرعه ، ولآخر بتبنه ، صح والنفقة عليهما ، فإن امتنع أحدهما احتمل إجباره ، إذ في تركه ضرر وإضاعة للمال. وعدمه ، إذ لا يجبر على الإنفاق على مال نفسه ولا مال غيره.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أوصى لأحدهما بحب زرعه ولاخر بتبنه صح والنفقة عليهما ).

لا خفاء في أنه إذا أوصى بأن يكون حب زرعه لأحد الشخصين وتبنه للآخر تصح الوصية ، كما لو أوصى بأحدهما فقط ، فتجب نفقة الزرع عليهما بالنسبة كل بحسب ماله ، لأن لكل واحد منهما تعلقا بالزرع ، فهما بمنزلة الشريكين.

قوله : ( فإن امتنع أحدهما احتمل إجباره ، إذ في تركه ضرر وإضاعة للمال ، وعدمه ، إذ لا يجبر على الإنفاق على مال نفسه ولا مال غيره ).

لا ريب أن في ترك الإنفاق ضررا به وبشريكه ، ولا طريق الى دفع الضرر عن الشريك إلاّ بالإنفاق ، فيجب أن يكون إلى دفعه طريق ، إذ ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) (١) ، وقد نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن إضاعة المال

ويعارض ذلك بإطباقهم على أن الإنسان لا يجبر على الإنفاق على مال نفسه ، ولا على مال غيره ، إلاّ أن يكون ذا نفس محترمة ، وقد ذكر المصنف الوجهين في التذكرة (٢) ، وتردد في التحرير (٣).

والذي يقتضيه النظر أن يخيره الحاكم بين الأمور الممكنة من البيع والإنفاق ونحوهما ، فإن امتنع من الجميع فعل ما هو الأغبط له دفعا للضرر.

وإن ضاق الوقت عن ذلك وخشي هلاك الزرع أجبره على الإنفاق أو أنفق‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤٣ حديث ٧٧٧.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٠٨.

(٣) التحرير ٢ : ٢٩٦.

٢٠٠