جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦١

ولو اوصى لزيد بثلث ، ولعمرو بربع ، ولخالد بسدس ، ولم تجز الورثة صحت وصية زيد خاصة

______________________________________________________

ولو عدد أشياء ثم أوصى بمجموعها دخل النقص على الجميع ، ولو اشتبه أقرع.

واعلم أن المراد بـ ( الأول ) في قوله : ( بدئ بالأول فالأول ) : الموصى به أولا ، سواء كان قد عطف الوصايا المتعددة بأداة تقتضي الترتيب كثمّ ، أم لا كالواو كقوله : حجوا عني وصلّوا عني ، وذلك لأن الوصية الصادرة أولا نافذة قطعا ، بصدورها من أهلها في محلها ، بخلاف الصادرة بعد ذلك حيث لا يسعه الثلث. ولا سبيل إلى الحكم بالتوزيع مع الضيق هنا ، لاستلزامه تبديل الوصية النافذة.

فإن قيل : الحكم إنما يتحقق عند تمام الكلام ، والمعطوف من جملته.

قلنا : إذا وقع التشريك بان قال : أعطوا كذا لزيد وعمرو ، أو أعطوا زيدا وعمرا كذا ، فلا شك في التوزيع ، اما إذا قال : أعطوا زيدا كذا وأعطوا عمرا كذا ، فإن كلا منهما وصية برأسها ، فإذا صادفت الاولى محل النفوذ نفذت ولم يجز تغيير بعضها ، لطروء وصية اخرى عليها ، كما لو باع شيئا لزيد وباعه لعمرو.

قوله : ( لو أوصى لزيد بثلث ولعمرو بربع ، ولخالد بسدس ولم يجز الورثة صحت وصية زيد خاصة ).

اما صحة وصية زيد فظاهرة ، لأنها ثلث. وأما عدم صحة وصية عمرو وخالد ، فلأنهما زائدتان على الثلث ، فمع عدم الإجازة يبطلان.

لا يقال : إنّ الوصية لعمرو وخالد بعد الوصية لزيد بالثلث تقتضي الرجوع عن الوصية لزيد ، لمضادتهما ، ولوجوب حمل إطلاق الوصية على ما يكون نافذا شرعا. وأقل الأحوال مجي‌ء الإشكال الذي ذكره في المسألة التي تلي هذه في الرجوع وعدمه.

لأنا نقول : إنّ اختلاف الوصايا دل على ان الموصى به ثانيا غير الموصى به أولا ولا مضادّ له ، وكذا الموصى به ثالثا ، ومتى تغايرت ولم يكن بينهما تضاد وجب أن يبدأ بالأول ثم ما بعده بقدر ما يتسع الثلث.

وإنما قلنا إنّ الاختلاف دليل على عدم التضاد ، لأن الربع الموصى به ثانيا لا‌

١٢١

ولو اوصى بثلثه لزيد ، وبثلثه لعمرو ، كان رجوعا على اشكال ،

______________________________________________________

يتبادر إلى الفهم منه إلاّ الربع الذي هو خارج عن الثلث ، وكذا السدس.

قوله : ( ولو اوصى بثلثه لزيد وبثلثه لعمرو كان رجوعا على اشكال ).

أي : لو قال : أوصيت بثلثي لزيد ، ثم قال : أوصيت بثلثي لعمرو ، ومنشأ الإشكال من أن الإنسان لا يستحق من ماله عند وفاته إلاّ ثلثه ، فإذا أوصى بالثلث مضافا إليه ، ثم اوصى كذلك كان الموصى به ثانيا هو الموصى به أولا ، فتكون الوصية الثانية رافعة للأولى وناسخة لها ، وهو مختار الشيخ في المبسوط والخلاف (١) ، واختاره ابن إدريس (٢).

ومن ان كل واحدة منهما وصية يجب تنفيذها ، ولا يجوز تبديلها مع عدم الزيادة على الثلث ، ولا دلالة في اللفظ على ان الموصى به ثانيا هو الموصى به أولا ، ولا على إرادة الرجوع بشي‌ء من الدلالات. والإضافة تقتضي ذلك ، لأنه ما دام حيا فجميع التركة على ملكه ، وإنما يخرج عنه بعد الموت.

ويلوح من قول المصنف : ( ولو اوصى بثلثه ... ) أنه لو أوصى بثلث لزيد وبثلث لعمرو لا يكون رجوعا ، إذ ليس في اللفظ ما يدل على اتحاد الموصى به بوجه من الوجوه ، وليس كذلك ، بل فيه إشكال ، لأن الأصل في الوصية أن تكون نافذة ، فيجب حملها على ما يقتضي النفوذ بحسب الإمكان.

وإنما تكون الثانية نافذة إذا كان متعلقها هو الثلث الذي يجوز للمريض الوصية به فيجب حملها عليه ، كما يجب حمل إطلاق بيع الشريك النصف على استحقاقه ، حملا للبيع على معناه الحقيقي ، وحينئذ فيتحقق التضاد فتكون الثانية رافعة للأولى.

فإن قيل : كما أن الأصل في الوصية الثانية النفوذ ، كذلك الأصل في الوصية‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٤٢.

(٢) السرائر : ٣٨٥.

١٢٢

______________________________________________________

الأولى الاستمرار ، فلا أولوية لنفوذ الثانية ، المقتضي للتضاد على استمرار الاولى المقتضي لعدمه.

قلنا : بل الأولوية ثابتة ، فإن أصالة النفوذ تقتضي كون الوصية الثانية سببا في رفع الاولى ، وحينئذ فلا يبقى استصحاب.

وذهب المصنف في المختلف إلى أنه إن وجدت قرينة تدل على مغايرة الوصية الثانية للأولى ، ولم تكن الثانية ناسخة للأولى ، بل يبدأ بالأولى وتبطل الثانية إن ضاق الثلث عنها ، وإن وجدت قرينة تدل على الاتحاد كانت الثانية ناسخة للأولى ، ومع انتفاء الأمرين واستواء الحالين فالوجه كون الثانية غير ناسخة للأولى (١).

هذا محصل قوله ، ولا ريب أنه مع وجود القرينة يجب العمل بمقتضاها ، وبدونها فالذي يقتضيه النظر كون الثانية رجوعا عن الاولى ، لوجود المقتضي وهو توقف كون الوصية صحيحة نافذة على كونها من الثلث الذي يستحقه المريض ، فيقع التضاد وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ احتمال كونها خارجة عن الثلث ، وهو لا يصلح للمانعية ، لمرجوحيته باقتضائه كون الوصية غير نافذة ، ولعموم قوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) (٢) المقتضي لمنع تبديل الوصية الثانية ، ولا يتم ذلك إلاّ بكونها من الثلث ، فمنع النظائر يدل على أن مجرد الوصية الثانية ، لا يكون إلاّ رجوعا عن الاولى ، ومنه المسألة التي تلي هذه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه يلزم على هذا أنه لو اوصى لزيد بثلث ، ولعمرو بربع ، ولخالد بسدس وانتفت القرائن ان تكون الوصية الأخيرة رافعة للأولى ، مع ان الذي صرّح به الشيخ وغيره ان الاولى مقدّمة مع عدم الإجازة (٣) ، وهو اعتراف بأن متعلق‌

__________________

(١) المختلف : ٥٠٤.

(٢) البقرة : ١٨١.

(٣) المبسوط ٤ : ٨.

١٢٣

فإن اشتبه الأول أقرع.

ولو اوصى بمعيّن زائد عن الثلث لاثنين ، ولم تجز الورثة ، فلهما منه بقدر الثلث.

ولو رتّب أعطي الأول ، وكان النقص على الثاني ، سواء اوصى لكل منهما بشي‌ء منه ، أو اوصى لكل منهما بشي‌ء منفرد.

______________________________________________________

الأخيرة غير متعلق الاولى ، ولعله استفيد من الاختلاف الحاصل بين الثلث والربع والسدس ، وما ذكرناه من الدليل آت هنا ، إلاّ أن مخالفة الجماعة لا تخلو من شي‌ء.

ولو أوصى بثلث ثم بثلث آخر فعلى ما قلناه يكون رجوعا ، وقد صرح ابن إدريس (١) والمصنف بعدمه.

قوله : ( فإن اشتبه الأول أقرع ).

أي : سواء قلنا انه رجوع أم لا ، لأنه ان كان رجوعا ، فالوصية هي الثانية ، وإلاّ فالأولى.

قوله : ( ولو أوصى بمعين زائد على الثلث لاثنين ولم يجز الورثة فلهما منه بقدر الثلث ، ولو رتب أعطي الأول وكان النقص على الثاني ، سواء اوصى لكل منهما بشي‌ء منه أو أوصى لكل منهما بشي‌ء منفرد ).

أي : لو أوصى بمعيّن كدار لاثنين ، وهو زائد على الثلث ، ولم يجز الورثة فلهما منه بقدر الثلث إن كانت الوصية لهما دفعة ، بدليل قوله : ( ولو رتب ) فيكون إطلاقه في الأولى اعتمادا على التقييد في الثانية.

ولو رتب بأن أوصى لزيد من ذلك المعين بشي‌ء ولعمرو بشي‌ء بدئ بالأول وكان النقص على الثاني ، لأن الظاهر ان المراد تنفيذ الوصيتين لأنهما في حكم وصية واحدة. ولا فرق بين أن يوصي لكل منهما بشي‌ء من المعيّن مشاع كنصف ، أو بشي‌ء منفرد‌

__________________

(١) السرائر : ٣٨٥.

١٢٤

ولو أجازوا وصية النصف ثم ادعوا ظن القلة صدّقوا مع اليمين.

ولو كانت الوصية بمعيّن فادعوا ظن انه الثلث ، أو ما زاد بيسير ، أو أن المال كثير ، أو أنه لا دين لم يقبل منهم ، ويحتمل القبول.

وإذا اوصى بالثلث لزيد كان له من كل شي‌ء ثلثه.

______________________________________________________

كبيت من الدار لأحدهما وللآخر الباقي.

قوله : ( ولو أجازوا وصية النصف ثم ادعوا ظن القلة صدقوا مع اليمين ).

لأنهم ربما بنوا في القلة على أصالة عدم الزائد ، ولأن دعواهم يمكن أن تكون صادقة ، ولا يمكن الاطلاع على ظنهم إلاّ من قبلهم ، لان الظن من الأمور النفسانية ، فلو لم يكتف فيه باليمين لزم الضرر ، لتعذر إقامة البينة على دعواهم.

قوله : ( ولو كانت الوصية بمعيّن فادعوا ظن أنه الثلث أو ما زاد بيسير ، أو أن المال كثير ، أو أنه لا دين لم يقبل منهم ، ويحتمل القبول ).

ما سبق حكم الوصية إذا كانت بجزء مشاع وأجازها الورثة ، وهذا حكم ما إذا كانت الوصية بمعيّن فأجازوها ، ثم ادعوا ظن أن الموصى به هو ثلث التركة أو زائدا عليه بيسير ، أو ادعوا ظن أن المال كثير ، أو ظن أنه لا دين على الميت فظهر دين ، فلزمت زيادة الموصى به على القدر الذي رضوا بنقصانه من التركة.

وقد اختار المصنف عدم القبول منهم وذكر القبول احتمالا. ووجه الأول : إنّ الإجازة وقعت على معلوم للورثة فكانت ماضية عليهم ، بخلاف الوصية بالجزء المشاع من التركة فإن العلم بمقداره موقوف على العلم بمجموع التركة ، والأصل عدمه فتقبل فيه دعوى الجهالة.

ووجه احتمال القبول : إنّ الإجازة وإن وقعت على معلوم إلاّ أن كونه بمقدار الثلث لا يعلم إلاّ بعد العلم بمقدار التركة ، ولأنه كما احتمل ظنهم قلّة النصف في نفسه‌

١٢٥

ولو اوصى بمعيّن يخرج من الثلث ملكه الموصى له بالقبول بعد الموت بغير اختيار الورثة ، فإن كان هو الحاضر فله التصرف في الثلث ، ويقف الباقي حتى يحضر الغائب ، لأنه معرض للتلف.

ويحتمل منعه من التصرف وإن كان مستحقا بكل حال ، لأن حق الوارث التسلط على ضعف تسلطه ، وهو غير ممكن هنا.

______________________________________________________

كذا يحتمل ظنهم قلة المعيّن بالإضافة إلى مجموع التركة ، فإن القلة هنا إنما هي بالإضافة إلى مجموع باقي التركة ، إذ لا تعتبر قلة الشي‌ء الموصى به في نفسه ولا كثرته.

ولا أثر لتخيل كون دعوى القلة معتضدة بالأصل في المشاع دون المعين : أما أولا ، فلأن المقتضي لقبول الدعوى إمكان صدقها وتعذر إقامة البيّنة عليها.

وأما ثانيا ، فلأن الاعتضاد بالأصل ثابت فيهما ، لأن الأصل عدم العلم بقدر التركة على التقديرين ، وذلك يقتضي جهالة قدر المعين من التركة كالمشاع ، والأصح القبول.

قوله : ( ولو اوصى بمعين يخرج من الثلث ملكه الموصى له بالقبول بعد الموت بغير اختيار الورثة ، فإن كان هو الحاضر فله التصرف في الثلث ، ويقف الباقي حتى يحضر الغائب ، لأنه معرض للتلف. ويحتمل منعه من التصرف وإن كان مستحقا بكل حال ، لأن حق الوارث التسلط على ضعف تسلطه وهو غير ممكن هنا ).

لا يخفى انه لو أوصى بمعيّن يخرج من الثلث ملكه الموصى له بالقبول بعد موت الموصي ، إما بكونه كاشفا عن الملك بالموت ، فهو سبب في الملك ، لأنه سبب في حصول العلم به ظاهرا أو انكشافه ، أو بكونه جزء السبب.

ولا دخل لاختيار الورثة في ذلك ، لكن لو كان بعض التركة غائبا ، ولم يكن حاضرا منها إلاّ الموصى به ، وهو المستفاد من الحصر المدلول عليه بقوله : ( فإن كان‌

١٢٦

تنبيه : لو اشتملت الوصية ، أو المنجز في مرض الموت على كل تقدير على التصرف في أكثر من الثلث احتمل البطلان ، لأنها وصية بغير المعروف ، والصحة. ويكون النقص كالإتلاف ، ونقص السوق كما لو كانت‌

______________________________________________________

هو الحاضر ) ، ففي ثبوت استحقاق الموصى له التصرف في ثلث ذلك المعين دون الباقي ـ فإنه موقوف حتى يحضر الغائب ، لأنه معرض للتلف. ولو تلف والحال هذه لم يكن محسوبا على الوارث ، لعدم قبضه إياه ، فتكون التركة منحصرة في ذلك المعيّن الموصى به ، فتنفذ الوصية مع عدم الإجازة في ثلثه وجهان :

أحدهما ـ واختاره المصنف ـ : ثبوت استحقاق التصرف لوجود المقتضي ، وهو حصول الوصية المحكوم بصحتها بالنسبة إلى ثلث الموصى به على كل حال ، لأن غاية ما هناك تلف الغائب فيكون الموصى به هو مجموع التركة فتنفذ الوصية في ثلثه. وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ إمكان تلف الغائب وهو غير صالح للمانعية كما قلناه.

والثاني : العدم ، لأن حق الوارث التسلط على ضعف ما تسلط عليه الموصي ، لما تقرر من أن الوصية إنما تنفذ في ثلث التركة حيث يكون للوارث ثلثان. ويعتبر تسلط الوارث عليهما على حد تسلط الموصى له بالثلث ، وهو منتف هنا بالنسبة إلى الوارث ، فيجب أن يمنع الموصى له من الثلث ، لانتفاء شرط الاستحقاق.

وفيه نظر ، فإنا نمنع الاشتراط ، وإذا منع الوارث من التصرف في ثلثي الموصى به لاحتمال نفوذ الوصية فيه ، فأي دليل على منع التصرف فيما علم نفوذ الوصية فيه وقطع بتمليكه إياه؟ والأصح الأول.

قوله : ( تنبيه : لو اشتملت الوصية ، أو المنجز في مرض الموت على كل تقدير على التصرف في أكثر من الثلث احتمل البطلان ، لأنها وصية بغير المعروف ، والصحة ، ويكون النقص كالإتلاف ، ونقص السوق كما لو كانت‌

١٢٧

قيمة العين ثلاثين ولا شي‌ء سواها ، ورجعت بالتشقيص إلى عشرة ، أو باعه أو أعتقه فرجع بالشركة في أقل جزء إلى عشرة.

وكذا الاشكال لو اوصى له بأحد مصراعي باب ، أو أحد زوجي خف قيمتهما معا ستة ، وكل واحد اثنان.

______________________________________________________

قيمة العين ثلاثين ولا شي‌ء سواها ورجعت بالتشقيص إلى عشرة ، أو باعه أو أعتقه فرجع بالشركة في أقل جزء إلى عشرة ، وكذا الاشكال لو أوصى له بأحد مصراعي باب ، أو أحد زوجي خف قيمتهما معا ستة وكل واحد اثنان ).

هذا البحث من توابع ما تقدم من أحكام الموصى به ، قال الشارح : وهذا من خصائص المصنف (١).

وتحقيقه : إنّه لو اشتملت الوصية ، أو المنجز الواقع في مرض الموت على التصرف في أكثر من الثلث ، وكان ذلك ـ اعني التصرف في أكثر من الثلث ـ لازما على كل تقدير يفرض وقوع التصرف عليه ، سواء فرض كون التصرف في الثلث أو فيما دونه على اختلاف أقسامه.

مثاله : لو كانت قيمة العين التي هي مجموع التركة ثلاثين ولزم من الوصية بشقص منها ، أي شي‌ء قدر من ثلث وربع وثمن وعشر ، ودون ذلك من الأجزاء التي يتصور تعلّق الوصية بها نقصان القيمة ، بحيث ترجع القيمة بسبب التشقيص إلى عشرة ، كسيف وجوهر يؤثر التشقيص في نقصان قيمته تأثيرا فاحشا ، ففي صحة التصرف بالوصية والمنجز على الوجه المذكور بالنسبة إلى الثلث وما دونه وجهان :

أحدهما : البطلان ، لأنها وصية بغير المعروف ، لاقتضائها تفويت ما زاد على الثلث على الورثة ، على كل تقدير من التقديرات التي تفرض ، ومتى كانت الوصية‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٥١٠.

١٢٨

______________________________________________________

كذلك وجب الحكم ببطلانها.

والثاني : الصحة ، لعموم الدلائل.

ولا نسلّم أن مطلق تفويت ما زاد على الثلث مانع من الصحة ، وإنما يمنع إذا كان الزائد من جملة أعيان التركة ، والفرض أنّ الزائد هنا إنما هو نقص في القيمة لزم بسبب التشقيص ، فكان كالنقص الحاصل بالإتلاف ، فإن المريض لو أتلف بعض أعيان التركة ، كما لو قتل عبدا ثم أوصى بثلث ما بقي فإن قيمة العبد لا تحسب عليه ، فكذا لا يحسب عليه النقص الحاصل بالتشقيص هنا.

ولأن نقص القيمة بالتشقيص كالنقص الحاصل بسبب تغيّر الأسعار وهو نقص السوق ، بل عدم احتساب النقص هنا أولى ، لأن التصرف في ثلث المال أمر ثابت للمريض بأصل الشرع ، فيكون النقص الحاصل بسبب التصرف فيه غير محسوب عليه كتصرف الشريك في استحقاقه من المشترك ، وهذا الاحتمال الثاني أقوى.

واعلم أن قول المصنف : ( فيرجع بالشركة أقل جزء إلى عشرة ) في معنى قوله ( على كل تقدير ) ، فإن المراد من التقديرات على ما سبق : التقديرات التي يفرض وقوع الوصية عليها من ثلث وما دونه ، وإن الجار في قوله : ( على كل تقدير ) يجوز تعلّقه بـ ( اشتملت ) ، وب ( التصرف ) في قوله ( على التصرف ) ، ولا يتفاوت المعنى بذلك كثيرا. وقوله : ـ ( ورجعت بالتشقيص إلى عشرة ) ـ المراد به : التشقيص بسبب الوصية ، بدليل‌ قوله : ( أو باعه أو أعتقه فيرجع بالشركة ... ) ، فإن هذا بيان حكم التصرف المنجز.

وقوله : ( وكذا الإشكال ) إشارة إلى مسألة أخرى ، وهي ما لو كان التصرف في الثلث بوصية ، أو غيرها من التصرفات المنجزة ، مشتملا على التصرف فيما زاد على الثلث على بعض التقديرات ، خاصة بسبب النقص الحاصل بالتشقيص ، كما لو أوصى له بمصراع من ثلاثة مصاريع بأن قيمته تسعة وقيمة كل واحد منها ثلاثة ، ورجعت‌

١٢٩

ومع البطلان لا عبرة بإجازة بعض الورثة ، أما نقص القيمة بتشقيص الورثة فكالإتلاف في الإرث وفي الوصية ، فتصح حينئذ وتؤثر الإجازة.

______________________________________________________

بالتشقيص إلى اثنين ، فإن التصرف بثلث التركة باعتبار العين ، وبما زاد باعتبار النقص الحاصل في القيمة ، فإن قيمة المصراعين الآخرين أربعة ، فقد فات من القيمة خمسة من تسعة ، فيجي‌ء احتمال البطلان واحتمال الصحة ، ووجههما ما سبق.

لكن هنا إن قلنا بالبطلان لم نحكم به مطلقا ، بل في الفرض الذي لزم التصرف.

في أزيد من الثلث ، دون ما دونه مما لا يلزم فيه ذلك ، فإذا أبطلنا الوصية أو البيع مثلا في المصراع صححناه في جزء منه لا يستلزم ذلك.

واعلم ان ما فرضه المصنف من مصراعي باب وزوجي خف ، قيمتها معا ستة وكل واحد وحده اثنان لا يطابق الفرض ، لأن التصرف في مصراع تصرف في نصف التركة لا في ثلثها ، اللهم إلاّ أن يريد كون التصرف في ثلثي المصراع على وجه يلزم منه نقص ما زاد على ثلث القيمة.

قوله : ( ومع البطلان لا عبرة بإجازة بعض الورثة ، أما نقص القيمة بتشقيص الورثة فكالإتلاف في الإرث وفي الوصية ، فتصح حينئذ وتؤثر الإجازة ).

هذان فرعان على المسألتين السابقتين :

الأول : على القول بالبطلان بالنسبة إلى الوصية والمنجز في كل من المسألتين ، فمع البطلان لوجود ما يقتضيه لو أجاز بعض الورثة ذلك التصرف لم يعتبر ، لأن حصته من النقص وإن سقط اعتبارها بالإجازة ، إلاّ أن ذلك لا يرفع لزوم التصرف فيما زاد على الثلث بالنسبة إلى النقص اللازم بالنسبة إلى جميع الورثة.

١٣٠

______________________________________________________

والسر فيه أنه ليست حصة المجيز من النقص شيئا معيّنا مفرزا عن حصة غيره ليجري على كل منهما حكمه ، وإنما النقص أمر عدمي ، إذ هو عبارة عن فوات بعض القيمة فيمتنع فيه ذلك ، بخلاف ما لو أجاز أحدهم حصته من الوصية بالعين فيما زاد على الثلث.

الثاني : لو كان نقص القيمة بسبب الورثة ، كما إذا تعدد الوارث ، فلزم من التعدد الشركة والتشقيص المقتضي للنقصان ، فإن ذلك النقص جار مجرى الإتلاف قطعا. ولو عبّر بالتلف لكان أولى ، لأن ذلك حصل من الشركة الحاصلة بالإرث الثابت بأصل الشرع ، فتكون التركة في المثال كأنها عشرة.

وكما يكون هذا النقص كالإتلاف بالنسبة إلى الإرث فكذلك بالنسبة إلى الوصية ، لأن النقص لازم على تقدير الوصية ، وبدونها فلا يكون ناشئا عن تصرف المورث. والحجر إنما هو فيما استند إلى فعله فحينئذ تصح الوصية ، وتؤثر الإجازة لو أوصى بزيادة عن الثلث فأجاز بعض الورثة ، فإنّ أجازته تنفذ في حصته من الزائد ، لأن الغرض إنه عين موجودة بخلاف حصته من النقص كما حققناه.

بقي هنا شي‌ء ، وهو أن النقص متى كان حاصلا بسبب تعدد الوارث لم يكن محسوبا على الموصي ولا مانعا من نفوذ الوصية في الثلث ، وحينئذ فلا حجر على الموصي في تصرفه ذلك بوجه من الوجوه بسبب ذلك النقص ، فلا حاجة إلى إجازة الورثة أصلا ، فلا يستقيم الحكم بصحة الإجازة من البعض ولا بعدمها ، لانتفاء متعلقها وهو التصرف فيما زاد على الثلث من الموصى ، فلا يتصور صحة الفرض الأول مع تعدد الوارث.

ويظهر من عبارة الشارح الفاضل أن المراد عدم تأثير الإجازة من جميع الورثة (١) ، يرشد إلى ذلك تعليله وهو قوله : لأن الإجازة إنما تؤثر في وصية صحيحة‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٥١١.

١٣١

______________________________________________________

ويتوقف لزومها على الإجازة ، وهذه وصية باطلة ، وإن كان قد قدح في هذا التعليل ، لكن قول المصنف : ( لا عبرة بإجازة بعض الورثة ) ينافي ذلك.

ويمكن أن تفرض المسألة فيما إذا كان تعدد الورثة لا يقتضي التشقيص المنقص للقيمة ، كما لو كانت التركة أعيانا متساوية متعادلة في القيمة ، بحيث يختص كل وارث بعين من غير لزوم تشقيص ، أو خص المريض كل واحد بعين هي قدر حصته ، إلاّ انه لو أوصى لأجنبي بثلث الجميع على وجه يلزم منه التشقيص المنقص للقيمة ، ففي هذه الصورة على القول بالبطلان لا تؤثر إجازة بعض الورثة لما قلناه ، وإنما تؤثر إجازة الجميع.

* * *

١٣٢

الفصل الثاني : في الأحكام ومطالبه ثلاثة :

الأول : الأحكام الراجعة إلى اللفظ وفيه بحثان :

الأول : الموصى به : لو اوصى بالحامل لم يدخل الحمل ، ولو اوصى بالحمل لم تدخل الام.

ولو سقط بجناية جان صحت ، وعوّض الجنين للموصى له ، بخلاف ما لو اوصى له فانفصل بالجناية ميتا.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثاني : في الأحكام : ومطالبه ثلاثة :

الأول : الأحكام الراجعة إلى اللفظ ، وفيه بحثان :

الأول : الموصى به : لو أوصى بالحامل لم يدخل الحمل ، ولو أوصى بالحمل لم تدخل الام ).

وذلك لأن الحمل غير داخل في مسمّى الام فلا تشمله الوصية بها ، وكذا العكس ، بل هو أظهر ، إذ لا خلاف في أن الحمل لا يتناول الام ، وقد قيل يتناول الام الحمل.

قوله : ( ولو سقط بجناية جان صحت وعوّض الجنين للموصى له ، بخلاف ما لو أوصى له فانفصل بالجناية ميتا ).

إذا سقط الحمل الموصى به بجناية جان صحت الوصية به ، لأنه لثبوت عوضه في الذمة انفصل متقوّما ، فتنفذ الوصية في الضمان ، كما لو أوصى له بعبد فقتله قاتل.

وقد ذكر المصنف هذا الحكم في التذكرة محكيا بقوله : قيل لا تبطل الوصية (١) ، وهو قول بعض الشافعية (٢). بخلاف ما لو أوصى له فانفصل بالجناية ميتا ، لأن صحة‌

__________________

(١) التذكرة : ٤٨٠.

(٢) كفاية الأخيار ٢ : ٢٠ ، مغني المحتاج ٣ : ٤٤.

١٣٣

ولو سقط ميتا بطلت الوصية به ، وكانت مؤنة التجهيز على الورثة ، ولو تعدد دخلا معا. ولا بد من وجوده حال الوصية ، فلو شككنا في وجوده بطلت ،

______________________________________________________

الوصية للحمل مشروطة بانفصاله حيا كما سبق ، فلا أثر لكون انفصاله بالجناية إذا انفصل ميتا.

قوله : ( ولو انفصل ميتا بطلت الوصية به ، وكانت مؤنة التجهيز على الورثة ).

أي : لو انفصل الحمل الموصى به ميتا ظهر بطلان الوصية به لتلف متعلقها ـ حكى المصنف فيه الإجماع في التذكرة (١) ـ ، وحينئذ فمؤنة التجهيز على الورثة ، لأن انتقال ذلك للموصى له مشروط بصحة الوصية ، وقد ظهر بطلانها.

قوله : ( ولو تعدد دخلا معا ).

وذلك لأن الحمل اسم لما في بطن الام من الأجنة ، واحدا كان أو متعددا ، ولو ظنه واحدا فظهر تعدده أمكن اعتباره.

وهل تبطل الوصية حينئذ ، أو يتخير الوارث في إعطاء واحد؟ فيه احتمال ، فعلى هذا هل يقبل قوله بيمينه؟ فيه نظر يلتفت إلى قيامه مقام المورث.

قوله : ( ولا بد من وجوده حال الوصية ، فلو شككنا في وجوده بطلت ).

لا يشترط لصحة الوصية بالحمل كونه موجودا حال الوصية ، فتصح الوصية بما تحمله الجارية أو الدابة كما سبق في المطلب الرابع قبل هذا ، وسيأتي التصريح به عن قريب إن شاء الله تعالى. لكن لو أطلق الوصية فقال : أوصيت لك بحمل فلانة ، أو قيّد فقال : أوصيت لك بحملها الموجود في الحال ، اشترط وجوده وقت الوصية.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٨٠.

١٣٤

ويرجع في الأمة إلى ضابط الشرع.

أما البهائم فتختلف باختلاف أجناسها ، فيرجع فيها إلى العادة.

أما لو اوصى بما تحمل لم يشترط الوجود.

ولو اوصى بما يقع اسمه على المحلل والمحرم انصرف إلى المحلل.

______________________________________________________

أما مع التقييد فظاهر ، وأما مع الإطلاق فلأن المتبادر إلى الفهم من الوصية بالحمل إنما هو الموجود ، فلو شككنا في ذلك بطلت ، لانتفاء الشرط.

قوله : ( ويرجع في الأمة إلى ضابط الشرع ، وأما البهائم فتختلف باختلاف أجناسها فيرجع فيها إلى العادة ).

هذا بيان للضابط في معرفة وجود الحمل وقت الموصى به ، وتحقيقه : إنّ حمل الأمة يتحقق وجوده بضابط الشرع ، وهو أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من حين الوصية ، أو لدون أقصى مدّة الحمل إذا لم تكن فراشا لزوج أو مولى.

وأما البهائم فأجناسها مختلفة ، فللغنم مقدار معلوم عادة ، وكذا للبقر والخيل وغيرها ، فيرجع في ذلك إلى العادة الغالبة. والظاهر ان مدة حمل البهائم لا تنقسم إلى أقل وأكثر ، بخلاف الأمة ، لورود النص على القسمين فيها.

قوله : ( أما لو أوصى بما تحمل لم يشترط الوجود ).

للتصريح بما يقتضي كون الحمل الموصى به غير موجود وقت الوصية ، ووجوده غير شرط فيها مطلقا على ما تقدم.

قوله : ( ولو أوصى بما يقع اسمه على المحلل والمحرم انصرف إلى المحلل ).

وذلك كالطبل ، وإنما وجب صرفه الى المحلل نظرا إلى أن ظاهر حال المسلم صحة تصرفاته ، وموافقتها لمقصود الشارع ، وصونا لكلام العاقل عن اللغو وعن المنهي عنه شرعا ، ولوجوب تنفيذ الوصية بحسب الإمكان لعموم : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما

١٣٥

ولو اوصى بكلب نزّل على المنتفع به ، فلو لم يكن له سوى غيره يشترى له.

ولو اوصى بطبل من طبوله ، وله طبل لهو وطبل حرب نزّل على الحرب.

ولو لم يكن له إلاّ طبل لهو لا يصلح إلاّ له بطلت ،

______________________________________________________

سَمِعَهُ ) (١) ، ولا يتم إلاّ بذلك.

قوله : ( ولو أوصى بكلب نزّل على المنتفع به ).

لعدم صحة الوصية بغير المنتفع به. والمراد بالمنتفع به كلب الصيد وما جرى مجراه ، وقد سبق بيانه في البيع.

قوله : ( ولو لم يكن له سوى غيره يشترى له ).

أي : ولو لم يكن للموصي بما يقع على المحلل والمحرم ، وبالكلب سوى غير كل من المحلل ومن المنتفع به لم تبطل الوصية ، بل يجب ان يشترى للموصى له من التركة محلل مما يقع عليه اسم الموصى به ، وكلب منتفع به لوجوب تنفيذ الوصية بحسب الممكن.

قوله : ( ولو أوصى له بطبل من طبوله وله طبل لهو وطبل حرب نزّل على الحرب ، ولو لم يكن له إلاّ طبل لهو لا يصلح إلاّ له بطلت ).

لا يخفى انه إنما يجب صرف الوصية إلى المحلل إذا لم يكن في الوصية ما يمنع من ذلك ، فإذا أوصى له بطبل من طبوله وللموصي طبل لهو وطبل حرب مثلا نزّل لفظ الموصي على طبل الحرب.

ولو لم يكن له إلاّ طبل اللهو ، فإن لم يصلح لغير اللهو بطلت ، لأن قوله في الوصية : ( من طبولي ) ينافي تحصيل طبل من خارج ، وإن صلح لغيره ولو بتغيير يسير‌

__________________

(١) البقرة : ١٨١.

١٣٦

وكذا لو اوصى بالمحرم ويمكن إزالته عن صفته المحرمة كالعود.

أما لو لم يمكن فإنها تبطل ، أما لو قال : طبلا من مالي فإنه يشترى له طبل حرب.

ولو اوصى له بدف صحت ،

______________________________________________________

يبقى معه اسم الطبل على ما سبق صحت الوصية ، وهو مفهوم قوله : ( لا يصلح إلاّ له ... ).

قوله : ( وكذا لو أوصى بالمحرّم ويمكن إزالته عن صفته المحرّمة كالعود ، أما لو لم يمكن فإنها تبطل ).

أي : وكما تصح الوصية إذا أوصى له بطبل من طبوله ، وكان له طبل لهو وطبل حرب ونزّل على طبل الحرب ، فكذا لو أوصى بنفس المحرّم ، والحال أنه يمكن إزالته عن صفته المحرّمة ، كما لو أوصى بعود لهو ، وتقريبه معلوم مما سبق.

أما لو لم تمكن الإزالة مع بقاء الاسم فإن الوصية باطلة ، لامتناع الوصية بالمحرم كما سبق ، وقد تقدّم تحقيق ذلك في المطلب الرابع قبل هذا في الوصية بالطبل.

قوله : ( أما لو قال : طبلا من مالي فإنه يشترى له طبل حرب ).

أي : أما لو أوصى له بطبل من ماله ولم يقل : من طبولي ، فإنه يشترى له طبل محلل ، لأن الطبل المشترى من ماله تصدق عليه الوصية. ولا فرق في ذلك بين أن يكون له طبل محرّم لا يقبل الإصلاح وعدمه.

والظاهر أن قول المصنف : ( فإنه يشترى له طبل حرب ) ليس على جهة التحتم ، بل يكفي مطلق الطبل المحلّل ، لصدق اللفظ عليها بالتواطؤ ، نعم لو دلّت القرينة على شي‌ء وجب الحمل عليه.

قوله : ( ولو أوصى له بدف صحت ).

لأنه يجوز استعماله في الاملاك والختان ، ومنع الصحة الشيخ في المبسوط ، لأنه‌

١٣٧

وإذا أوصى بعود من عيدانه ، ولو عود لهو ، وعود بناء ، وعود قوس بطلت ، لأنه في عود اللهو أظهر ، وفيه اشكال.

______________________________________________________

آلة لهو يحرم استعماله (١) ، وتبعه ابن إدريس (٢). والأصح الأول ، وقد روي عنه عليه‌السلام : « أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدف » (٣). والدّف : بضم الدال ، قاله في الصحاح ، وحكى عن أبي عبيدة عن بعضهم ان الفتح فيه لغة (٤).

قوله : ( وإذا أوصى بعود من عيدانه وله عود لهو وعود بناء وعود قوس بطلت ، لأنه في عود اللهو أظهر ، وفيه اشكال ).

اسم العود يقع على الذي يضرب به وهو عود اللهو ، وعلى واحد الأخشاب التي منها ما يستعمل في عود البناء ، وما يصلح للقسي والعصي ، ويقع على ما يتبخر به.

فإذا أوصى بعود من عيدانه وله عود لهو لا يصلح لمنفعة مباحة ، وعود بناء ، وعود قوس ، فقد ذهب المصنف في التذكرة إلى أنه يعطى واحدا من العيدان المباحة (٥) ، إما بالقرعة وإما باختيار الوارث ، صرفا للوصية إلى المباح ، وصونا لكلام المسلم عن اللغو ، وعن الحمل على ما لا يجوز شرعا ، ولأن ما لا يجوز استعماله ساقط الاعتبار في نظر الشرع فهو بمنزلة المعدوم ، فأشبه ما لو لم يكن له إلاّ غير المحرم.

وقيل تبطل الوصية تنزيلا لها على عود اللهو ، لأن اسم العود إنما ينصرف عند الإطلاق إليه ، فهو فيه أظهر من غيره ، وهو الذي ذكره في أول كلامه هنا. ثم ذكر فيه إشكالا ينشأ من ذلك ، ومن وجوب تنزيل الوصية على المحلّل دون المحرّم كما مر في الطبل.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٠.

(٢) السرائر : ٣٨٨.

(٣) الجامع الصغير : ١٨حديث ١١٩٨ ، السنن الكبرى ٧ : ٢٩٠.

(٤) الصحاح ٤ : ١٣٦٠ « دفف ».

(٥) التذكرة ٢ : ٤٨٤.

١٣٨

والضابط أن كل لفظ يقع على أشياء وقوعا متساويا ، إما لكونه مشتركا ، أو لكونه متواطئا ، فإن للورثة الخيار في تعيين ما شاؤا ، ويحتمل في المشترك القرعة ،

______________________________________________________

فإن قيل : اسم العود أظهر في عود اللهو عرفا بخلاف الطبل.

قلنا : لا نسلّم ، بل هو لفظ مشترك بينه وبين ما يتبخّر به والواحد من الأخشاب ، ذكره في التذكرة (١). ولو سلّم أنّ استعماله في آلة اللهو أظهر ، فلا نسلم انه يجب الصرف اليه عند الإطلاق لوجوب تنزيل وصية المسلم على الجائز شرعا.

فإن قيل : على تقدير كونه مشتركا ينبغي أن تبطل الوصية ، كما لو أوصى لمواليه ولم يعيّن ، وله موال من أعلى ومن أسفل.

قلنا : الاشتراك غير معلوم ، ولم لا يجوز أن يكون متواطئا أو مشككا؟ وعلى تقدير الاشتراك لا يلزم البطلان.

وفرق بين كون الموصى به مشتركا والموصى له ، فإن الموصى به تغتفر جهالته وعدم وجوده ، بخلاف الموصى له ، ولهذا لو أوصى بالحمل المتجدد صح ، بخلاف ما لو أوصى للحمل الذي سيوجد ، ومختار التذكرة أقوى.

قوله : ( والضابط أنّ كل لفظ يقع على أشياء وقوعا متساويا : إما لكونه مشتركا ، أو لكونه متواطئا ، فإن للورثة الخيار في تعيين ما شاء ، ويحتمل في المشترك القرعة ).

سوق العبارة يقتضي كون هذا ضابطا لما قبله ، إلاّ أن المعنى يأباه ، لأن غاية ما اقتضاه الاشكال التردد في كون العود في عود اللهو أظهر عرفا ، وذلك لا يقتضي كونه مشتركا ولا متواطئا ، مع أنه يحتمل أن يكون الإشكال في لزوم البطلان عن كونه أظهر في عود اللهو ، لوجوب تنزيل الوصية على الجائز شرعا.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٨٤.

١٣٩

______________________________________________________

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه إذا أوصى بلفظ يقع على أشياء وقوعا متساويا : إما لكونه متواطئا ، أو لكونه مشتركا ، فإن للورثة الخيار في تعيين ما شاءوا ، أما في المتواطئ ، فلأن الوصية به وصية بالماهية الصادقة لكل من الأفراد كالعبد والجارية ، لأن مدلول اللفظ في المتواطئ هو الماهية الكلية ، وخصوصيات الأفراد غير مقصودة إلاّ تبعا ، فيتخير الوارث في تعيين أي فرد شاء ، لوجوب تعلق الوصية في جميع الأفراد.

وأما المشترك فيحتمل فيه ذلك ، لأن متعلّق الوصية هو الاسم ، وهو صادق على كل من المعنيين حقيقة.

وتحتمل القرعة ، لأنه أمر مشكل ، فإن الموصى به ليس كل واحد ، إذ اللفظ لا يصلح لأن يراد به كل واحد إنما يراد به أحدهما ، غاية ما في الباب انه غير معيّن فيتوصل إليه بالقرعة ، ولأن الوصية مقدّمة على حق الوارث فلا يقبل تعيينه لتفاوت الغرض. ويضعف هذا بأن المراد بتقدمها عدم استحقاقه الموصى به ، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون التعيين في الوصية المعين إليه.

واعترض على هذا الاحتمال بأن القرعة لبيان ما هو معيّن في نفس الأمر ، وليس هاهنا. وفيه نظر ، لأن المشترك لما لم يكن لجميع المعاني ولا لأيها كان وجب أن يكون لواحد بعينه عند الموصي ، والإبهام إنما هو عندنا. وكذا القول في كل لفظ مشترك ، فإن الإبهام فيه إنما هو عند السامع ، فلا طريق إلى استخراجه إلاّ القرعة ، وهذا قوى.

واعترض شيخنا الشهيد في حواشيه بعدم الفرق بين الوصية للمشترك وبه ، وقوّى الحمل على الجميع إن أمكن ولم يعلم قصد البعض ، وإلاّ فالقرعة ، وقد بينّا الفرق فيما مضى. والحمل على الجميع مع الاعتراف بكون المشترك لا يستعمل في الجميع إلاّ بطريق المجاز عدول عن الحقيقة إلى المجاز بغير دليل.

وقد بينّا الفرق بين الموصى به والموصى له ، وثبوت التسامح بجهالة الأول دون‌

١٤٠