جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٦

ولو استرق الجاني أو بعضه فهل يختص به أو يكون وقفا؟ اشكال.

ولو اتفق هو ومولاه على الفداء فهل يختص ، أو يشتري به عبدا يكون وقفا؟ إشكال.

ولو وقف مسجدا فخرب وخربت القرية أو المحلة لم يجز بيعه ، ولم يعد الى الواقف.

ولو أخذ السيل ميتا فالكفن للورثة.

______________________________________________________

الصحيح فلا كلام فيه.

قوله : ( ولو استرق الجاني أو بعضه فهل يختص به أو يكون وقفا؟ اشكال ).

هذا هو القسم الثالث مما إذا أوجبت الجناية على الموقوف القصاص ، وهو ما إذا استرق الموقوف عليه العبد الجاني أو بعضه بحسب ما تقتضيه الجناية ، فهل يختص به الموقوف عليه الآن لبطلان الوقف واستحقاقه الاسترقاق ، أو يكون المسترق وقفا إما بالاسترقاق أو بإنشاء صيغة الوقف ، فيه إشكال منشؤه معلوم مما سبق في بيان الوجهين فيما إذا أوجبت الجناية على الموقوف مالا ، والأصح انه يكون وقفا كما سبق هناك.

قوله : ( ولو اتفق هو ومولاه على الفداء فهل يختص به أو يشتري به عبدا يكون وقفا؟ اشكال ).

هذا هو القسم الرابع وهو ما إذا تراضى الموقوف عليه ومولى الجاني على الفداء ، وفيه اشكال باعتبار اختصاص الموجود به ، وعدمه فيشتري به عبدا يكون وقفا ، ومنشؤه معلوم مما سبق ، والأصح الثاني.

قوله : ( ولو وقف مسجدا فخرب وخربت القرية أو المحلة لم يجز بيعه ولم يعد الى الواقف ، ولو أخذ السيل ميتا فالكفن للورثة ).

٨١

ولو مات البطن الأول قبل انقضاء مدة الإجارة فالأقرب البطلان هنا ، ويرجع المستأجر على ورثة الموتى بما قابل الباقي مع الدفع.

______________________________________________________

لا ريب أن المسجد إذا خرب وخربت القرية أو المحلة التي هو فيها لا يجوز بيعه بحال ـ خلافا لأحمد (١) ولا يعود الى ملك الواقف أيضا بحال ـ خلافا لبعض العامة (٢) ، لأن وقف المسجد بمنزلة التحرير للعبد فلا يقبل التغيّر ، ولبقاء الغرض المقصود من إعداده للعبادة لرجاء عود القرية وصلاة من يمر به بخلاف ما لو أخذ السيل ميتا فإن الكفن للورثة ، لأنه كان ملكا لهم ، لأن التركة تنتقل الى الوارث بالموت وإن وجب صرفه في التكفين ، فلا يمكن قياس المسجد على الكفن في العود بجامع تعذر المصرف في الموضعين ، للفرق بما ذكرناه. وهذا انما هو في الكفن الذي يكون في التركة ، أما ما يكون من الزكاة أو من الوقف فإنه يرجع الى أصله ، ولا بد مع أخذ السيل الميت من حصول اليأس منه.

قوله : ( ولو مات البطن الأول قبل انقضاء مدة الإجارة فالأقرب البطلان هنا ، ويرجع المستأجر على ورثة الموتى بما قابل الباقي مع الدفع ).

أشار بقوله : ( هنا ) الى أن بطلان الإجارة حيث يكون المؤجر هو الموقوف عليه ، بخلاف ما إذا كان هو المالك والفرق ان ملك الموقوف عليه غير تام ، فإنّ باقي البطون لهم استحقاق ، خصوصا إذا قلنا بأنهم يتلقون عن الواقف ، فإنه بموت المؤجر من البطون يتبين انتهاء حقه بموته فتكون إجارته بالنسبة إلى المستقبل تصرفا في حق غيره.

وأما المالك فان له إتلاف عين ماله ومنفعتها من غير حجر عليه في ذلك بالنسبة إلى الوارث ، وإنما يتلقى الوارث عنه ما كان ملكا له حين موته ، فلا يتبين بموته‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٦ : ٢٥٠.

(٢) ذهب اليه محمد بن الحسن ، انظر المغني لابن قدامة ٦ : ٢٥١.

٨٢

ولا يجوز للموقوف عليه وطء الأمة ، فإن فعل فلا مهر ، ولو ولدت فهو حر ولا قيمة عليه ،

______________________________________________________

انه متصرف في حق غيره. ويحتمل ضعيفا عدم البطلان ، لأن له التصرف حينئذ وكان ماضيا.

وفي الصغرى بحث لانكشاف انه لم يكن له ذلك بموته ، وقد حققنا المسألة في الإجارة ، وذكرنا انه لو كان المؤجر ناظرا ومات لا يصح على إطلاقه بل حيث يوجر ، ويبقى ذلك البطن الذي أجر مع وجوده مدة الإجارة ، لأنه كان في وقت الإجارة قائما مقامهم دون البطون الباقية.

إذا تقرر ذلك ، فحيث حكمنا بالبطلان ، وقد دفع المستأجر الأجرة إلى البطن الأول رجع على ورثة البطن الأول بما قابل باقي المدة ، ولا يخفى أن المراد : البطلان مع عدم اجارة البطن الثاني.

قوله : ( ولا يجوز للموقوف عليه وطء الأمة ).

وإن قلنا بانتقالها إليه ، لأن ملكه غير تام.

قوله : ( فإن فعل فلا مهر ).

لأنه لو وجب لوجب له ولا حد وإن لم يكن بشبهة ، لأنه مالك ، وعلى القول بأنه غير مالك فشبهة الملك فيه ثابتة.

قوله : ( ولو ولدت فهو حر ، ولا قيمة عليه ).

لما كان وطؤه غير معدود زنى كان الولد لاحقا به ، وكان حرا ، ولا تجب عليه قيمته ، لأنه المستحق لها لو وجبت ، ولا يعقل وجوب شي‌ء عليه لنفسه.

لكن هذا انما يستقيم إذ انحصر أهل الطبقة في الواطئ وقلنا بأن ولد الموقوفة الرقيق ملك له ، فلو كان له شريك وجبت عليه حصته. ولو قلنا : بأن ولد الموقوفة وقف وجب أن يشترى بقيمة الولد عند سقوطه حيا ما يكون وقفا.

٨٣

وفي صيرورتها أم ولد إشكال ، ومعه تنعتق بموته ، وتؤخذ من تركته قيمتها لمن يليه من البطون على إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( وفي صيرورتها أم ولد إشكال ).

ينشأ من انها علقت منه في ملكه بولد ، لأن الفرض انتقال الملك اليه ، ومن أن حق باقي البطون متعلّق بها فلا يجوز إبطاله. والأصح انها لا تصير ، لأن المتبادر من الملك هو الكامل الطلق الذي لا حجر على مالكه لتعلق حق الغير به ، ولأن دلائل دوام الوقف ولزومه على تقدير معارضة دلائل ثبوت الاستيلاد لها فالمرجّح قائم ، وهو استصحاب حال الوقف الى أن يوجد المبطل.

قوله : ( ومعه ينعتق بموته ويؤخذ من تركته قيمتها لمن يليه من البطون على اشكال ).

مرجع الضمير في قوله : ( ومعه ) هو صيرورتها بتأويل كونها أم ولد ، أي : ومع كونها أم ولد تنعتق بموته كسائر أمهات الأولاد ، ويؤخذ من تركته قيمتها قولا واحدا ، كذا قال الشارح الفاضل ، لأنه أتلفها على من بعده من البطون بعد موته حيث لم يكن مالكا ، بخلاف ما لو أتلفها في حياته ، لأنه حينئذ مالك فيكون الإتلاف منه على أحد الوجهين السابق نظيرهما في عوض الجناية (١).

واعترضه شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد بأنها إذا صارت أم ولد يحكم بنفوذ الاستيلاد في الحال ، كما في صورة وطء أحد الشريكين وعلوقها منه ، قال : وهذا وارد على عبارة القوم ولعلهم أرادوا ذلك ، إلاّ أنه لما كان أحد الاحتمالين صرفها الى من يليه من البطون تأخّر إلى الموت ولا يلزم منه تأخر الحكم بنفوذ الاستيلاد.

وهذا كلام صحيح ، إلاّ أن عبارة المصنف تأباه ، لأنه على هذا التقدير لا تختص القيمة بمن يليه من البطون قطعا فلا يتجه الاشكال المذكور في العبارة‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٩٨.

٨٤

______________________________________________________

حينئذ ، لأن احتمال اختصاص البطن الذي يليه بها إنما يتجه إذا كان الاختلاف واقعا حين اختصاصهم بالوقف ، ولا يتحقق ذلك إلاّ إذا كان الحكم بنفوذ الاستيلاد بعد الموت.

أما إذا حكمنا بنفوذه قبله فان الاختصاص بالوقف ثابت للواطئ حينئذ ، فإيجاب القيمة عليه على هذا التقدير إنما هو لتعلق حقوق الموقوف عليهم جميعا ، فكيف يحتمل اختصاص البطن الذي يليه بالقيمة ليكون فيه اشكال؟

والظاهر ان الاستيلاد إنما ينفذ بعد الموت ، لإمكان موت الولد قبل موت أبيه ، فلا يتحقق سبب العتق المقتضي لبطلان الوقف بعد تمامه ولزومه نعم لا يبعد أن يقال إن الموت كاشف عن نفوذ الاستيلاد من حينه عملا بظاهر النصوص من أن السبب هو الاستيلاد دون شي‌ء آخر ، لكن الحكم به موقوف على تحقق فائدته ، وهو حصول العتق بالموت ، وإنما يكون ذلك مع بقاء الولد ، إذ لو مات قبله لكان إبطال الوقف لمحض الملك لا للعتق المطلوب.

إلاّ أن الاشكال في اختصاص البطن الذي يليه لا يتجه حينئذ ، وهذا إذا كان أهل الطبقة هو الواطئ خاصة ، فلو كان معه شريك فهل يحكم بالقيمة من حين الاستيلاد أم بعد الموت؟ الظاهر الثاني ، لمثل ما قلناه ، وإن خالف في ذلك شيخنا في شرح الإرشاد.

ومما حققناه يعلم أنه لا فرق بين أن يكون ولد الموقوفة الموطوءة من أهل الوقف أو لا ، وفي أنها ينعتق عليه بدخولها أو بعضها في ملكه كسائر أمهات الأولاد ، لأن نفوذ الاستيلاد يقتضي دخولها في ملك الواطئ وقد بينا انه بالموت ينكشف نفوذه من حينه لوجود السبب كاملا ، وتحقق انتفاء المانع باستمرار بقاء الولد الى الموت ، ومتى دخلت في ملك الواطي طلقا كانت إرثا.

ومعلوم أن الملك بالوقف يمتنع معه العتق بالقرابة لنقصه ، ولأنه لم يحصل‌

٨٥

ويجوز تزويج الموقوفة ومهرها للموجودين ،

______________________________________________________

الملك إلاّ وجه اللزوم والاستمرار كما سبق. فعلى هذا ما ذكره الشارح عميد الدين ونقله شيخنا في شرح الإرشاد من أنه إنما ينعتق عليه إذا كان من أهل الوقف خيال ضعيف.

إذا عرفت ذلك فلو قلنا بنفوذ الاستيلاد فالأصح لزوم القيمة بعد الموت ، يشترى بها ما يكون وقفا ، وينعتق من نصيب ولدها على كل حال.

واعلم أن شيخنا الشهيد ذكر في شرح الإرشاد : انه يجب في نظير هذه المسألة ، وهي مسألة الجناية على العبد الموقوف انه يجب أن يشترى بقيمته ما يساويه في الصفات بحسب الممكن ، فتراعى الذكورة والأنوثة وغيرهما ، وهذا هو اللائح من قولهم : عبد أو شقص عبد. إلاّ أن حكمهم بأن الوقف على جهة إذا تعطل يصرف في وجوه البر كالمخالف لهذا ، حيث لم يعتبروا ما يكون أقرب وأشبه بجهة الوقف فيجب التنبه له.

قوله : ( ويجوز تزويج الموقوفة ومهرها للموجودين ).

أما جواز تزويجها فلأنه عقد على بعض منافعها فجرى مجرى الإجارة ، ولأن فيه تحصينا لها وهو غرض مطلوب. ومنع منه بعض الشافعية (١) ، لأنها إذا حبلت منعت من العمل وربما ماتت في الطلق.

وأما ان المهر للموجودين ، فلأنه عوض منفعتها المختصة بهم فيكون عوضها كذلك.

ويتولى تزويجها الموقوف عليه إن قلنا بانتقالها اليه ، وعلى الانتقال الى الله تعالى يزوجها الحاكم على الأصح ، لأنه المتولي لنحو ذلك. وقال الشيخ تزوّج نفسها (٢) ، وهو ضعيف ، والظاهر ان الموقوفة على جهة عامة كذلك.

__________________

(١) المجموع ١٥ : ٣٤٥ ، مغني المحتاج ٢ : ٣٩٠ ، الوجيز : ٢٤٨.

(٢) المبسوط ٣ : ٢٨٩.

٨٦

وكذا ولدها إن كان من مملوك أو زنى ، ويختص به الموجودون وقت الولادة على رأي.

ولو كان من حر بوطء صحيح فالولد حر ، إلاّ مع شرط الرقية.

______________________________________________________

ولو قلنا بأن الوقف على ملك الواقف أمكن القول بأنه يزوجها ، ونقل في التذكرة اعتبار اذن الموقوف عليه كما يعتبر اذن الواقف على القول بأن الملك للموقوف عليه (١).

قوله : ( وكذا ولدها ان كان من مملوك أو زنى ، ويختص به الموجودون وقت الولادة على رأي ).

المتبادر من قوله : ( وكذا ولدها ... ) انه للموجودين ، فيكون قوله : ( ويختص به الموجودون ) مستدركا ويمكن أن يقال : إنه لا يتبادر من قوله : ( للموجودين ) الموجودون وقت الولادة فأعاد المسألة لبيان ذلك.

والرأي هو مختار المصنف ، ووجهه ان الولد نماؤها فأشبه كسبها وثمرة البستان وولد الدابة ، وقال ابن الجنيد إنه يكون وقفا كأمه (٢) ، وقواه الشيخ (٣) ، لأن كل ولد ذات رحم حكمه حكم امه كالمدبّرة والمرهونة على قول ، وفي الكلية منع ، والأول لا يخلو من قوة.

قوله : ( ولو كان من حر بوطء صحيح فالولد حر إلاّ مع شرط الرقية ).

لا ريب أن الولد يتبع حرية أبيه إذا كان من وطء صحيح. ولو شرط عليه رقيته ففي صحة الشرط قولان سيأتيان إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٤١.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٩٥.

(٣) المبسوط ٣ : ٢٩٠.

٨٧

ولو كان بشبهة فالولد حر وعليه قيمته للموقوف عليهم ، ولو وطأها الواقف فكالأجنبي.

الفصل الثالث : في اللواحق : لو وقف مسجدا على قوم بأعيانهم كالفقهاء فالأقرب عدم التخصيص ، بخلاف المدرسة والرباط والمقبرة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان بشبهة فالولد حر وعليه قيمته للموقوف عليهم ).

أما انه حر ، فلأن ولد الشبهة نسب وتابع لحال أبيه ، وأما لزوم القيمة فظاهر ، لأنه فوّت على الموقوف عليهم ولد أمة بغير استحقاق.

وفي ما ذا يصنع بالقيمة القولان في الولد الرقيق : أحدهما : انه تدفع الى الموجودين وقت الولادة لاختصاصهم بها ، والثاني : انه يشتري بها ما يكون وقفا.

قوله : ( ولو وطأها الواقف فكالأجنبي ).

لأن الأصح انتقال الملك عن الواقف فيترتب على وطئه ما يترتب على وطء الأجنبي ، وعلى القول بأنه مالك فلا حدّ للشبهة ، وفي نفوذ الاستيلاد الخلاف في استيلاد الراهن ، لتعلق حق الموقوف عليه بها ، وهذا أولى بالمنع.

قوله : ( لو وقف مسجدا على قوم بأعيانهم كالفقهاء فالأقرب عدم التخصيص بخلاف المدرسة والرباط والمقبرة ).

الظاهر ان المراد : انه إذا شرط في الوقف اختصاص قوم بأعيانهم بالمسجد ، فأما إذا وقف مسجدا على قوم بأعيانهم ولم يشترط اختصاصهم فإنه لا مانع من نفوذ الوقف ويكون عاما ، فينبغي الحكم بصحته حينئذ.

وإنما قلنا إنه يكون عاما ، لأن المسجدية تقتضي العموم ، لأن وضع المسجد شرعا على أنه المكان الموقوف للعبادة من حيث هي عبادة من غير نظر الى متعبد ، وذكر قوم بأعيانهم لا يدل على الاختصاص إلاّ بالمفهوم المخالف ، وهو لا يعارض ما دل عليه اللفظ بمنطوقه.

٨٨

ولو وقف في سبيل الله انصرف الى ما يتقرب به الى الله تعالى كالجهاد ، والحج والعمرة ، وبناء القناطر وعمارة المساجد ،

______________________________________________________

أما مع الاشتراط ففي صحة الشرط وجهان :

أحدهما : يصح ـ عملا بعمومات الكتاب والسنة ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، « المسلمون عند شروطهم » (٢) ـ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

والثاني : لا ، لأن ذلك مناف لمقتضى العقد ، فان وضع المسجد شرعا على أن يكون للعبادة عاما من غير أن يمنع منه أحد ، وهذا أصح. فإذا شرط فهل يصح العقد ويبطل الشرط أم يبطلان معا؟ الظاهر من العبارة الأول ، لأن الوقف تبرع على كل حال فلا يفوت الرضى به بفوات الشرط ، وفيه منع ظاهر ، لأن الأغراض تختلف ، والأصح الثاني.

وهذا بخلاف المدرسة ، والرباط ، والمقبرة إذ لم يكن وضع شي‌ء من ذلك شرعا على العموم ، فيجوز اشتراط الاختصاص في كل منها ، وقد نقل الشارح الفاضل الإجماع على ذلك في المدرسة والرباط (٣).

قوله : ( ولو وقف في سبيل الله انصرف الى ما يتقرب به الى الله تعالى كالجهاد ، والحج ، والعمرة ، وبناء القناطر ، وعمارة المساجد ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، لأن المفهوم من سبيل الله كل ما يتقرب به الى الله تعالى ، نص عليه الشيخ (٤) وغيره (٥).

وقال ابن حمزة : إن سبيل الله المجاهدون (٦) ، وقال الشيخ في الخلاف : إنّ‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٠٣ حديث ١٣٦٣.

(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٩٩.

(٤) المبسوط ٣ : ٢٩٤.

(٥) انظر : المختصر النافع : ١٥٨ ، التنقيح الرائع ٢ : ٣٢٤.

(٦) الوسيلة : ٣٣٥.

٨٩

وكذا لو قال : في سبيل الله وسبيل الخير وسبيل الثواب ، ولا تجب القسمة أثلاثا.

وإذا وقف على أولاده اشترك البنون والبنات والخناثى.

ولا تدخل الحفدة على رأي ، إلاّ مع قرينة الإرادة مثل أن يقول :

______________________________________________________

الموقوف في سبيل الله يجعل بعضه للغزاة المطوعة دون العسكر العامل على باب السلطان ، وبعضه في الحج والعمرة ، لأنهما من سبيل الله (١) ، والعمل على المشهور ، واستعمال سبيل الله في الجهاد كثيرا لا يمنع من وقوعه على غيره حقيقة.

قوله : ( وكذا لو قال في سبيل الله ، وسبيل الخير ، وسبيل الثواب ولا تجب القسمة أثلاثا ).

أي : وكذا تنصرف الوقوف في سبيل الله ، وسبيل الخير ، وسبيل الثواب الى كل قربة يتقرب بها الى الله تعالى. وقيل يصرف ثلثه إلى الغزاة والحج والعمرة ، وثلثه الى الفقراء والمساكين ويبدأ بأقاربه وهو سبيل الثواب ، وثلثه إلى خمسة أصناف من الذين ذكرهم الله تعالى في آية الصدقة (٢) وهم الفقراء ، والمساكين ، وابن السبيل ، والغارمون الذين استدانوا لمصلحة أنفسهم ، ( وَفِي الرِّقابِ ) وهم المكاتبون.

قال الشيخ في المبسوط بعد ذكر هذا : ولو قيل : إن هذه الثلاثة أصناف متداخلة لكان قويا ، لأن سبيل الله وسبيل الثواب وسبيل الخير يشترك الجميع فيه (٣) ، وهو الأصح ، وقد أشار المصنف بقوله : ( ولا تجب القسمة أثلاثا ) إلى رد هذا القول.

قوله : ( وإذا وقف على أولاده اشترك البنون والبنات والخناثى ).

لصدق الأولاد على كل منهم ، فان كلا من البنت والخنثى ولد قطعا.

قوله : ( ولا يدخل الحفدة على رأي ، إلاّ مع قرينة الإرادة مثل أن‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٣مسألة ١٢ كتاب الوقف.

(٢) التوبة : ٦٠.

(٣) المبسوط ٣ : ٢٩٤.

٩٠

والأعلى يفضل على الأسفل ، أو قال : الأعلى فالأعلى ، أو قال : وقفت على أولاد فلان وليس له ولد الصلب كما لو قال : وقفت على أولاد هاشم.

______________________________________________________

يقول : والأعلى يفضّل على الأسفل ، أو قال الأعلى فالأعلى ، أو قال : وقفت على أولاد فلان وليس له ولد الصلب ، كما لو قال : وقفت على أولاد هاشم ).

لا يخفى أن الحفدة أولاد الأولاد ، وقد اختلف الأصحاب في تناول لفظ الأولاد لهم ، فمنعه الشيخ (١) ، لأن الولد حقيقة في ولد للصلب المتكون من النطفة المتولدة منها ومجاز في ولد الولد ، بدليل انه يصح سلبه عنه ، فيقال انه ليس بولدي به ولد ولدي ، وصحة النفي دليل المجاز ، ولظاهر قوله تعالى ، ( وَوَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ) (٢) في قراءة النصب ، ولا يرد انه من عطف الخاص على العام ، لأن الحال إذا دار بين التأسيس والتأكيد فالتأسيس خير.

وقال المفيد (٣) ، وابن البراج (٤) ، وأبو الصلاح (٥) ، وابن إدريس (٦) : ويتناولهم ، لشمول اسم الولد لولد الصلب وولد الولد بدليل قوله تعالى ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (٧) ، فإن أولاد الأولاد داخلون قطعا ، وكذا قوله : ( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ) (٨) ، وكذا قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) (٩) ، وغير ذلك من الاستعمالات الكثيرة.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٩٦.

(٢) البقرة : ١٣٢.

(٣) المقنعة : ١٠١.

(٤) المهذب ٢ : ٨٩.

(٥) الكافي في الفقه : ٣٢٦.

(٦) السرائر : ٣٧٧.

(٧) النساء : ١١.

(٨) النساء : ١١.

(٩) النساء : ٢٣.

٩١

ولو قال : على أولادي وأولاد أولادي اختص بالبطنين الأولين على رأي ولو قال : على أولاد أولادي اشترك أولاد البنين وأولاد البنات بالسوية.

______________________________________________________

ويضعّف بأنهم إن ادعوا شمول هذه لولد الولد بطريق الحقيقة فهو مردود بعد ما بيناه من صحة السلب ، ولأنه لو كان حقيقة في هذا المعنى أيضا لزم الاشتراك ، والمجاز خير منه ، وإن أريد أنه بطريق المجاز لم يثبت مدعاهم.

وفصّل المصنف هنا وفي المختلف بأنه إن وجد قرينة دخل ولد الولد ، وإلاّ فلا (١) ، وهو الأصح ، وهذا في الحقيقة اختيار لقول الشيخ للقطع بوجوب الحمل على المجاز مع القرينة ، وذكر المصنف لوجود القرينة ثلاث صور : منها أن يقول بعد وقفت على أولادي والأعلى يفضل الأسفل ، فإن ذلك دليل على دخول الأسفل ، لامتناع التفضيل من دون الاشتراك. ومثله : الأعلى فالأعلى ، ومثله أن يقف على أولاد فلان وهو يعلم انه ليس له ولد لصلبه ، فان الظاهر انه إنما يريد حفدته ، ونحو ذلك.

قوله : ( ولو قال : وقفت على أولادي وأولاد أولادي اختص بالبطنين الأولين على رأي ).

هذا رأي الشيخ (٢) بناء على عدم شمول الولد لولد الولد حقيقة ، وعلى القول الآخر فهو شامل لجميع البطون ، لاندراجه في كل من لفظتي أولادي وأولاد أولادي ، والأصح الاختصاص.

قوله : ( ولو قال على أولاد أولادي اشترك أولاد البنين وأولاد البنات بالسوية ).

أما الاشتراك فلصدق أولاد الأولاد على كل من الصنفين ، وأما كونه بالسوية ، فلأن الأصل لعدم التفاضل مع اشتراكهم في سبب الاستحقاق واستواء‌

__________________

(١) المختلف : ٤٩٣.

(٢) المبسوط ٣ : ٢٩٦.

٩٢

ولو قال : على من انتسب اليّ لم يدخل أولاد البنات على رأي. ولا يدخل تحت الولد الجنين ، إلاّ بعد انفصاله حيا. ولا تدخل الخناثى تحت البنين والبنات ، إلاّ مع الجمع.

ولو قال : على ذريتي أو عقبي أو نسلي دخل الأحفاد من أولاد‌

______________________________________________________

نسبتهم اليه.

قوله : ( ولو قال على من انتسب الي لم يدخل أولاد البنات على رأي ).

الخلاف مع المرتضى (١) ، وابن إدريس (٢) ، والأصح عدم الدخول.

قوله : ( ولا يدخل تحت الولد الجنين إلاّ بعد انفصاله حيا ).

لأن الأحكام إنما تجري بالنسبة بعد الانفصال.

قوله : ( ولا تدخل الخناثى تحت البنين والبنات إلاّ مع الجمع ).

لو وقف على البنين لم يدخل الخناثى ، لعدم العلم بكون الخنثى ابنا ، وكذا لو وقف على البنات.

ولو جمع بينهما بأن وقف عليهما ففي دخول الخناثي قولان : أحدهما ـ واختاره المصنف في التحرير (٣) ـ لا ، لأن الخنثى لا يعد من واحد من الصنفين ، وأصحهما ـ وهو مختاره هنا ـ الدخول ، لأنه لا يخرج عنهما فإنه بحسب الواقع إما ذكر أو أنثى ، ولهذا تستخرج ذكوريته وأنوثيته بالعلامات ، وبدونها يورّث نصف النصيبين ، ولو كان صنفا برأسه لكان له حكم برأسه أصلا.

قوله : ( ولو قال على ذريتي ، أو عقبي ، أو نسلي دخل الأحفاد من‌

__________________

(١) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٩٨.

(٢) السرائر : ٣٧٧.

(٣) التحرير : ٢٨٩.

٩٣

البنين والبنات.

ولو قال : على أولادي وأولاد أولادي فهو للتشريك ، ولا يختص الأقرب إلاّ بالشرط.

ولو عطف بثم أو بالفاء اقتضى الترتيب ، وكذا لو قال : الأعلى فالأعلى.

ولا يستحق البطن الثاني شيئا حتى ينقرض البطن الأول أجمع ، فلو بقي ولو واحد كان الجميع له.

ولو قال : وقفت على أولادي وأولادهم ما تعاقبوا ، على أن من مات‌

______________________________________________________

أولاد البنين والبنات ).

لصدق اسم الذرية والعقب والنسل على الجميع.

قوله : ( ولو قال : على أولادي وأولاد أولادي فهو للتشريك ولا يختص الأقرب إلاّ بالشرط ).

وذلك لأن واو العطف إنما تدل على الجمع المطلق ، فحيث كان الوقف على الجميع وجب القول بالتشريك ، لانتفاء دليل الترتيب.

قوله : ( ولو عطف بثم أو الفاء اقتضى الترتيب ، وكذا لو قال الأعلى فالأعلى ، ولا يستحق البطن الثاني شيئا حتى ينقرض الأول أجمع ، فلو بقي واحد كان الجميع له ).

أما ثم والفاء فإنهما دالتان بالوضع على الترتيب ، وكذا الأعلى فالأعلى ، لأن المراد : الأعلى مطلقا وبعده الأعلى من الباقين ، وهكذا. ومقتضى ذلك عدم استحقاق الأسفل شيئا ما لم ينقرض الأعلى أجمع ، فإن المفهوم من هذا اللفظ في الاستعمال الشائع هو ذلك.

قوله : ( ولو قال وقفت على أولادي وأولادهم ما تعاقبوا ، على أنّ من‌

٩٤

منهم عن ولد فلولده نصيبه اقتضى الترتيب بين الأدنى ووالده ، والتشريك بين الولد وعمه.

ولو رتب البعض وشرك البعض ، شرك فيمن شرك بينهم ورتب فيمن رتب كقوله : وقفت على أولادي ، ثم على أولاد أولادي ، وأولادهم ما تعاقبوا وتناسلوا أو وقفت على أولادي وأولاد أولادي ، ثم على أولادهم ما تعاقبوا الأعلى فالأعلى.

______________________________________________________

مات منهم عن ولد فلولده نصيبه اقتضى الترتيب بين الأدنى ووالده والتشريك بين الولد وعمه ).

أي : لو وقف كذلك اقتضى أن لا يستحق الولد شيئا في حياة أبيه وإنما يستحق مع عمه.

ووجهه ان المتبادر من اللفظ ان على وما في حيزه لبيان استحقاقه الذي اقتضاه أصل الوقف وليس استحقاقا آخر غير الأول ، فإن المفهوم من ذلك : ان الوقف على أولاد الأولاد وجعلهم ذوي استحقاق إنما هو على هذا الوجه المعيّن ، على انه لو لم يتبادر من اللفظ لكان اللفظ محتملا للأمرين فينتفي الاستحقاق الآخر بالأصل ، ولأن إثبات استحقاقين لأولاد الأولاد وواحد للأولاد خلاف الظاهر من مراد الواقف ، فحينئذ إذا مات الأب شارك ولده عمه بنصيب والده.

قوله : ( ولو رتب البعض وشرك البعض شرك فيمن شرك بينهم ورتب فيمن رتب كقوله : وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي وأولادهم ما تعاقبوا وتناسلوا ، أو وقفت على أولادي وأولاد أولادي ثم على أولادهم ما تعاقبوا الأعلى فالأعلى ).

إذا جمع الواقف بين الترتيب والتشريك في الوقف اتبع ما فعل فإذا بدأ بالترتيب ثم شرك أو عكس كان ما فعله ماضيا لعموم « الوقوف على حسب ما يوقفها‌

٩٥

ولو قال : وقفت على أولادي الثلاثة ومن مات منهم عن ولد فنصيبه لولده ، وعن غير ولد فنصيبه لأهل الوقف فلو خلّف أحدهم ولدين فنصيبه لهما ، فلو مات الثاني عن غير ولد فنصيبه بين الثالث والولدين أثلاثا.

ثم إن مات أحد الولدين عن غير ولد فنصيبه لأخيه وعمه.

ولو مات أحد الثلاثة عن غير ولد وخلّف أخويه وابني أخ له فنصيبه لأخويه خاصة ، فإن مات أبوهما صار نصيبه لهما ، وصار ما خلّفه‌

______________________________________________________

أهلها » (١).

قوله : ( ولو قال وقفت على أولادي الثلاثة ومن مات منهم عن ولد فنصيبه لولده ، وعن غير ولد فنصيبه لأهل الوقف ، فلو خلّف أحدهم ولدين فنصيبه لهما ، ولو مات الثاني عن غير ولد فنصيبه بين الثالث والولدين أثلاثا ، ثم ان مات أحد الولدين عن غير ولد فنصيبه لأخيه وعمه ).

إذا كان له أولاد ثلاثة فوقف عليهم على أن من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده ، ومن مات عن غير ولد فنصيبه لأهل الوقف صح ، ووجب اتباع الشرط لعدم المنافاة.

فلو مات أحدهم عن ولدين فنصيبه لهما بمقتضى الشرط ، ولو مات الثاني عن غير ولد فنصيبه لأهل الوقف كما شرط الواقف وهم الولد الثالث للصلب وولد الميت الأول فيقتسمونه أثلاثا ، لانتفاء المقتضي للتفضيل. ثم انه إذا بلغ الأمر ذلك لو مات أحد الولدين من غير ولد كان نصيبه للموجودين اعني أخاه وعمه لانحصار أهل الوقف فيهما.

قوله : ( ولو مات أحد الثلاثة عن غير ولد وخلّف أخويه وابني أخ له فنصيبه لأخويه خاصة ، فان مات أبوهما صار نصيبه لهما وصار ما خلفه‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٧ حديث ٣٤ ، الفقيه ٤ : ١٧٦ حديث ٦٢٠ ، التهذيب ٩ : ١٢٩ حديث ٥٥٥.

٩٦

الأول أثلاثا.

ولو قال : وقفت على أولادي على أن يكون للبنات ألف ، والباقي‌

______________________________________________________

الأول أثلاثا ).

أي : لو وقف على أولاده الثلاثة على الصورة المفروضة سابقا ، ومات أحدهم عن غير ولد ـ بخلاف ما ذكر في الفرض الأول ـ وخلّف أخويه ، ولأحد الأخوين ابنان فنصيبه لأخويه خاصة ، لمقتضى شرط الواقف ، لانحصار أهل الوقف فيهما ، وليس لابني الأخ شي‌ء ، لأنهما ليسا من أهل الوقف.

فإن مات أبوهما صار نصيبه الذي استحقه قبل موت أخيه الأول لهما خاصة بمقتضى شرط الواقف ، وأما نصيب الأول فإنه يصير من الآن بينهما وبين عمهما ، الباقي أثلاثا ، لأنهم أهل الوقف ، وقد شرط الواقف أنّ من مات عن غير ولد يكون نصيبه لأهل الوقف ولم يقيّد أهل الوقف بكونهم الموجودين وقت موته ، فلا فرق حينئذ بين كونهم أهل الوقف حين موته أولا في اشتراكهم في حصة الميت عن غير ولد.

وكذا القول (١) في المرتبة الثانية : من مات عن غير ولد فللباقين من أهل الوقف حصته دون ولد من كان ذا ولد منهم ، فإذا مات أبو الولد استحق حصته التي كانت له قبل موت الأول خاصه وشارك الباقين في حصة الأول.

لا يقال : قول الواقف من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده شامل لما استحقه الميت الثاني بموت أخيه الأول من نصيبه ، لصدق النصيب على جميع استحقاقه وذلك من جملته.

لأنّا نقول : قوله من مات منهم عن غير ولد فنصيبه لأهل الوقف يدافعه ، فلا بد أن يحمل نصيب كل منهما على ما استحقه من دون موت غيره حذرا من التدافع.

قوله : ( ولو قال وقفت على أولادي على أن يكون للبنات ألف‌

__________________

(١) في « ك‍ » : نقول.

٩٧

للذكور لم يستحق الذكور شيئا حتى تستوفي البنات. ولو شرط إخراج بعضهم بصفة أو ردّه بها جاز ، كقوله : من تزوج منهن فلا نصيب له ، فلو تزوجت سقط نصيبها ، فإن طلقت عاد

______________________________________________________

والباقي للذكور لم يستحق الذكور شيئا حتى تستوفي البنات ).

عملا بالشرط الصحيح الذي لا يخالف الكتاب ولا السنّة.

قوله : ( ولو شرط إخراج بعضهم بصفة أورده بها جاز ، كقوله : من تزوّج منهن فلا نصيب له فلو تزوجت سقط نصيبها فإن طلّقت عاد ).

أي : لو شرط إخراج بعض الموقوف عليهم بصفة كالغنى والتزويج ، أو شرط رده بصفة جاز ، لوجوب اتباع الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد.

فلو وقف على بناته على أن من تزوّج منهن فلا نصيب له ، فتزوجت إحداهن سقط نصيبها ، فان طلّقت بائنا استحقت ، لأن الوقف عليها يتناول جميع الأحوال والأزمان ، فإذا خرج منه زمان الزوجية بقي الباقي على شموله. وإطلاق عبارته يقتضي عدم الفرق بين كون الموقوف عليهنّ بناته أو أمّهات أولاده حيث يصح الوقف عليهن بأن أعتقهن ثم وقف كذلك ، أو أوصى بالوقف كذلك بعد موته.

وفرّق في التذكرة بين ما إذا وقف على بناته الأرامل وأمهات أولاده إلاّ من تزوج منهن ، فحكم بأن من تزوجت من أمهات الأولاد خرجت عن الاستحقاق ولا يعود استحقاقها إذا طلّقت ، بخلاف البنات ، ووجّه الفرق بأمرين :

أحدهما : من جهة اللفظ ، حيث اثبت الاستحقاق لبناته الأرامل ، فإن من طلّقت منهن حصلت الصفة فيها ، وفي أمهات الأولاد أثبت الاستحقاق إلاّ أن تتزوج ، وهذه وإن طلقت صدق عليها انها تزوجت.

الثاني : من جهة المعنى ، فإن غرض الواقف هنا أن تفي له أمهات الأولاد‌

٩٨

وإن كان رجعيا على إشكال.

______________________________________________________

ولا يخلفه عليهن غيره ، فمن تزوجت منهن لم تكن وافية طلقت أو لم تطلق (١).

ولا يخفى ان الوجه الثاني من وجهي الفرق يقتضي الفرق بين البنات وأمهات الأولاد في ذلك وإن وقف عليهن واستثنى من تزوجت.

ولقائل أن يقول : إن علم من قصد الواقف ما يقتضي الاستحقاق ، أو عدمه بزوال الصفة أو عودها فلا بحث في وجوب اتباعه ، وإن لم يعلم ذلك : فإن عمم الأحوال في صيغة الوقف كأن وقف عليهن أجمع في جميع الأحوال إلاّ حال الزوجية فوجه العود وجيه ، وإن استثنى المزوجة وأطلق فعدم الاستحقاق بالطلاق بعيد.

وقريب منه ما لو شرط في الاستحقاق عدم التزوج ، لأن من خرجت عن الاستحقاق بانتفاء الشرط لا دليل على عودها ، فإن عموم الأحوال منتف هاهنا وتردد في الدروس في ذلك ، وحكى قولا بالفرق بين اشتراط عدم التزويج واستثناء المزوجة وإن المستثناة يسقط حقها بالكلية (٢).

قوله : ( وإن كان رجعيا على اشكال ).

أي : عاد استحقاقها وإن كان الطلاق رجعيا ، ومنشأ الاشكال : من انها بحكم الزوجة ولهذا تجب نفقتها وترث ، ومن أنها مطلّقة والطلاق يقتضي رفع النكاح ، ولصدق انها ليست بزوجة بل مطلقة ، وصحة السلب دليل المجاز. وفيه نظر ، لأنه ليس كل طلاق يقتضي رفع النكاح ، ولهذا لا تجوز الخامسة ولا أخت المطلقة ، ونمنع صحة السلب ، ولأن استصحاب الحال يقتضي استمرار منع الاستحقاق إلى البينونة.

والتحقيق : ان الطلاق الرجعي يعدّ النكاح للزوال بانقضاء العدة ، وليس مزيلا له في الحال ، فعدم الاستحقاق بمجرد الطلاق أقوى.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٣٨.

(٢) الدروس : ٢٣٣.

٩٩

وإذا وقف على الفقراء انصرف الى فقراء البلد ومن يحضره.

ولو غاب أحدهم لم يجب التربص بسهمه ، بل تجوز قسمته على غيره ، والأقرب أنه لا يجوز الدفع إلى أقل من ثلاثة ، وكذا على كل قبيلة منتشرة ،

______________________________________________________

قوله : ( وإذا وقف على الفقراء انصرف الى فقراء البلد ومن يحضره ، ولو غاب أحدهم لم يجب التربص بسهمه ، بل تجوز قسمته على غيره ).

قد حققنا فيما مضى أن الوقف على الفقراء ليس وقفا على الأشخاص ، بل هو وقف على جهة مخصوصة مصرفها من كان فقيرا ، وذكرنا انّه يجب صرفه الى من حضر البلد الذي فيه الوقف ، ولا يتبع من كان غائبا عنه لرواية النوفلي (١).

والسابق الى الفهم من قول المصنف : ( انصرف الى فقراء البلد ومن يحضره ) خلاف ذلك ، من حيث انّه يؤذن بأنّ أصل الوقف ينصرف إليهم ، وليس مرادا ، فقد حقق المصنف ذلك في التذكرة ، وإنّما المراد انصراف نماء الوقف الى من حضر البلد من الفقراء (٢).

قوله : ( والأقرب انّه لا يجوز الدفع إلى أقل من ثلاثة وكذا على كل قبيلة منتشرة ).

وجه القرب : ان أقل الجمع ثلاثة عند المحققين ، ويلوح من كلامهم ان مقابل الأقرب هو جواز الاكتفاء باثنين بناء على انهما أقل الجمع.

وأقول : إنه يحتمل الاكتفاء بواحد ، لأن الوقف إنما هو على الجهة ، والمذكورون من المنتشرين مصرف له كما حققنا ، على انه لو أريد ظاهر اللفظ لوجب أن لا يكتفى بثلاثة ، لأن المذكور جمع معرّف باللام ، وهو للعموم فيجب التتبع ما أمكن.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨ حديث ٣٧ ، الفقيه ٤ : ١٧٨ حديث ٦٢٧.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٤٥.

١٠٠