جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٦

١
٢

٣
٤

٥
٦

كتاب الوقوف والعطايا

وفيه مقاصد :

المقصد الأول : الوقف ، وفيه فصول :

الأول في أركانه وهي ثلاثة مطالب :

المطلب الأول :

الصيغة ، الوقف : عقد يفيد تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة ولفظه الصريح : وقفت وحبّست وسبّلت على رأي

______________________________________________________

قوله : ( الوقف : عقد يفيد تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة ).

المراد بـ ( تحبيس الأصل ) : المنع من التصرّف فيه تصرّفا ناقلا ، وهذا التعريف يصدق على الحبس فإنّه عقد يفيد ذلك إلاّ أن يراد بالحبس : التأبيد ، إلاّ أنّ اللّفظ لا يدل عليه.

وعرفه في الدروس : بأنّه الصدقة الجارية (١) ، وهذا صادق على نذر الصدقة كذلك والوصية بها. والأصل فيه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حبس الأصل وسبّل الثمرة » (٢) ، وغير ذلك من الأخبار الكثيرة (٣).

قوله : ( ولفظه الصريح : وقفت وحبست وسبلت على رأي ).

أمّا وقفت ـ وقد يقال في شذوذ اللّغة لا في فصيحها : أوقفت ـ فلا خلاف في دلالتها بالصريح على معنى الوقف وربما حكي عن بعض أقوال الشافعي أنّها‌

__________________

(١) الدروس : ٢٢٨.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ١٦٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠ حديث ٢٣٩٧.

(٣) انظر : الوسائل ١٣ : ٣٠٣ باب عدم جواز بيع الوقف ، سنن البيهقي ٦ : ١٥٨ ، كتاب الوقف سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠ باب ٤ كتاب الوقف.

٧

وغيره : حرّمت ، وتصدّقت ، وأبّدت. فإن قرن أحد هذه الثلاثة بإحدى الثلاثة السابقة ، أو بما يدل على المعنى مثل : لا يباع ولا يوهب ولا يورث ، أو صدقة مؤبدة أو محرّمة ، أو بالنية صار كالصريح ،

______________________________________________________

كناية لا تدل إلاّ مع النية (١).

وأمّا حبست ـ ويقال : أحبست ـ وسبّلت فقد ذهب الشيخ في الخلاف (٢) وجماعة إلى صراحتهما كوقفت ، نظرا الى استعمالها العرفي في ذلك (٣) وذهب في المبسوط الى أنّ الصريح وقفت خاصة وما عداه يحتاج إلى النية (٤) ، وهو الأصح اعتبارا لأصل الوضع ، والأصل عدم النقل ، والأصل بقاء الملك على مالكه حتى يحصل الناقل الشرعي.

وما وقع من استعمالها في الوقف في كلام الشارع لا دلالة فيه على المراد ، لوجود القرائن المعينة للمطلوب ، [ و ] (٥) مع وجود القرينة لا دلالة على كون الاستعمال حقيقيا مثل ما وقع في كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « هذا ما تصدّق به علي بن أبي طالب وهو حي سوي صدقة لاتباع ولا توهب حتى يرثها الله الّذي يرث السموات والأرض » (٦).

قوله : ( وغيره : حرّمت وتصدّقت وأبّدت ، فإن قرن أحد هذه الثلاثة بإحدى الثلاثة السابقة ، أو بما يدل على المعنى مثل : لاتباع ولا توهب ولا تورث ، أو صدقة مؤبدة أو محرمة أو بالنية صار كالصريح ).

__________________

(١) انظر : مغني المحتاج ٢ : ٣٨٢.

(٢) الخلاف ٢ : ١٢٩ مسألة كتاب الوقف والصدقات.

(٣) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٦٩ ، والسيد ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٠.

(٤) المبسوط ٣ : ٢٩٢.

(٥) لم ترد في نسختي « ك‍ » ، « ه‍ ».

(٦) الفقيه ٤ : ١٨٣ حديث ٦٤٢ ، التهذيب ٩ : ١٣ حديث ٥٦٠ ، الاستبصار ٤ : ٩٨ حديث ٣٨٠.

٨

______________________________________________________

أي : وغير الصريح ـ وهو‌ ما عدا الألفاظ الثلاثة على ما اختاره ـ ألفاظ ثلاثة أخرى وهي : حرّمت وتصدّقت وأبّدت ، وهذه كناية عن الوقف ، لاشتراكها في الاستعمال بينه وبين غيره ، فإن انضم إليها ما يخصصها بالوقف ويجعلها دليلا عليه كانت كالصّريح وإلاّ فلا.

والضميمة : إمّا لفظ أو نية ، فاللّفظ : أمّا أحد الألفاظ السابقة مثل صدقة موقوفة ، أو محبسة ـ على القول بأنّ التحبيس صريح ـ أو مثل صدقة لا تباع ولا تورث ولا توهب ، وأمّا إذا اقترن أحدها بالنية فإنّه يحكم بالوقف باطنا دون الظاهر إلاّ أن يعترف بما نواه ، ويقبل قوله في نية الوقف وعدمها.

وقال في التذكرة : انّه إذا أتى بالكناية بنية الوقف : أمّا أن يضيف اللفظ إلى جهة عامة كأن قال : تصدّقت بهذا على المساكين بنية الوقف فالأقرب إلحاقه بالصّريح في صيرورته وقفا ، أو يضيفه الى معين لم يكن وقفا على الأقوى ، نعم مع النية يصير وقفا فيما بينه وبين الله تعالى ولا يصير وقفا في الحكم ، قاله الشيخ (١) ، فإذا أقرّ أنّه نوى الوقف صار وقفا في الحكم (٢).

هذا محصّل كلامه ، وفي الفرق بين الصيغتين نظر ، ووجه الفرق غير ظاهر ، وأسند في الدروس الى ظاهر الأصحاب إن تصدّقت وحرّمت صيغة واحدة فلا تغني الثانية عن الاولى وتغني الأول مع القرينة ، ولو قال : جعلته وقفا أو صدقة مؤبدة محرّمة كفى (٣).

هذا كلامه ، والظاهر من إطلاقه : إن جعلته صدقة مؤبّدة محرّمة يكفي بدون النية كجعلته وقفا ، وكلام التذكرة يوافقه لكنه قال في آخر البحث : وأمّا حرّمت هذه البقعة أو أبدتها ، أو داري محرّمة أو مؤبدة فالأقرب أنّها كناية ، وإن انضمت إليها قرينة‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٩١.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٢٧.

(٣) الدروس : ٢٢٨.

٩

وإلاّ لم يحمل على الوقف ، ويدين بنيته لو ادعاه أو ادعى ضده ، ويحكم عليه بظاهر إقراره بقصده.

______________________________________________________

تدل على الوقف صارت كالصريح وإلاّ فلا (١) ، وهو يقتضي الفرق بين ضميمة بعض الكنايات الى بعض وإفرادها. واعلم أنّ في عبارته مناقشة ، لأنّ ( إحدى ) مؤنثة فحقه أن يقول : الثلاث بغير تاء لعدم جواز إلحاقها مع التأنيث.

قوله : ( وإلاّ لم يحمل على الوقف ويديّن بنيته لو ادعاه ، أو ادعى ضدّه ).

أي : أن لم يقترن غير الصريح بأحد الألفاظ الثلاثة ، ولا بما يدل على المعنى ، ولا بالنية لم يحمل على الوقف ولا وجه لاشتراط عدم النية في عدم الحمل على الوقف ، لأنّا إنّما نحكم بالظاهر والنية أمر قلبي لا يطلع عليه ، فإذا جرد اللفظ عن القرينة لم يحكم بالوقف إلاّ أن يعترف بأنّه نواه فيحكم عليه بإقراره ظاهرا.

وكذا لو ادعى عدم نية الوقف فإنّه يحكم عليه ظاهرا بعدم الوقف ، ويجب عليه فيما بينه وبين الله تعالى مراعاة الواقع ، فان لم يكن نوى الوقف وادعى النية فهو باق على ملكه ، فيجب عليه العمل بما يقتضيه بقاؤه على ملكه بحسب مقدوره بالنسبة إلى دين قد طولب به وهو عاجز عن أدائه إلاّ من هذا الملك ، ووصول حق الورثة إليهم منه.

وينعكس الحكم لو ادعى عدم نية الوقف والحال إنّه قد نواه. وقوله : ( يديّن ) ـ بضم الياء الاولى ، وتشديد الثانية مفتوحة ـ اسم مفعول معناه : يوكّل الى دينه ليعمل بنيته لو ادعى الوقف في قصده أو ضدّه ، لعدم العلم بما قصده إلاّ من قبله.

وقوله : ( ويحكم عليه بظاهر إقراره بقصده ).

معناه : إنّه إذا أقر بقصد الوقف حكم عليه ظاهرا بإقراره لا باطنا.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٧٢.

١٠

أمّا الموقوف عليه فيشترط قبضه في صحة الوقف ، ولو رده بطل ، ولو سكت ففي اشتراط قبوله إشكال أقربه ذلك ،

______________________________________________________

قوله : ( أمّا الموقوف عليه فيشترط قبضه في صحة الوقف ولو ردّه بطل ).

قد تقدم ما يعتبر من قبل الواقف من النطق بالصيغة صريحا ، أو كناية مع القرينة أو النية ، وهذا بيان ما يعتبر من قبل الموقوف عليه وهو اشتراط قبضه في الصحة ، ولا خلاف في ذلك وكذا اشتراط عدم ردّه ، فلو ردّ بطل كما في الوصية ، سواء قلنا باشتراط القبول أم لا ، خلافا لبعض الشافعية (١) محتجا بأنّه دخل في ملكه بمجرد الإيقاع ولزومه لمن لا يشترط القبول ظاهر لكن ينبغي أن يكون ذلك مع تحقق القبض.

وأمّا اشتراط القبول فقد أشار إليه المصنف بقوله : ( ولو سكت ففي اشتراط قبوله إشكال أقربه ذلك ) ولا يخفى إنّه لو سكت عن قوله : ( لو سكت ) لكان أولى ، لأنّ اشتراط القبول وعدمه لا يختلف بسكوته وعدمه.

وتحقيق المسألة : إنّه هل يشترط لصحة الوقف القبول أم لا فيه إشكال ينشأ : من إطلاقهم صحة الوقف وانعقاده عند وجود لفظ الوقف والإقباض من غير تقييد بالقبول ، ولأنّه إزالة ملك فكفى فيه صيغة الإيجاب كالعتق ، واستحقاق الموقوف عليه للمنفعة كاستحقاق العتيق منفعة نفسه.

ومن اطباقهم على أنّه عقد فيعتبر فيه الإيجاب والقبول كسائر العقود ، ولأن إدخال شي‌ء في ملك الغير موقوف على رضاه ، لأن الأصل عدم الانتقال بدونه ، وحصول الملك على وجه قهري كالإرث يتوقف على نصّ الشارع ، وهو منتف هنا ، ولا دلالة في النصوص الواردة في هذا الباب على عدم حصول القبول ، وللشك في تمامية السبب بدونه فيستصحب ثبات الملك على المالك ، ورجحان هذا الوجه هو وجه القرب‌

__________________

(١) انظر : الوجيز : ٢٤٧ ، مغني المحتاج ٢ : ٣٨٣ ، المجموع ١٥ : ٣٤٠.

١١

وكذا الولي.

______________________________________________________

الذي ذكره المصنف.

والأصح اشتراط القبول فيعتبر فيه وفي الإيجاب ما يعتبر في سائر العقود اللازمة : من وقوعهما بالعربية ، وفورية القبول وغير ذلك.

وفي التذكرة اشترط القبول إلاّ أن يكون الوقف على جهة عامة كالفقراء أو المسجد فلا يشترط (١) وهو مطابق لما سيأتي هنا إن شاء الله تعالى.

ثم قال ـ بعد أن حكى ذلك عن الشافعية (٢) ـ : ولم يجعلوا الحاكم نائبا في القبول كما جعل نائبا عن المسلمين في استيفاء القصاص والأموال ، ولو صاروا إليه كان وجها (٣) ، وهذا يشعر بالميل الى اشتراط القبول هنا ، ولا ريب أنّه أولى قال : ثم ما ذكرناه مفروض في الوقف ، أمّا إذا قال : جعلت هذا للمسجد فهو تمليك لا وقف ، فيشترط قبول القيم وقبضه كما لو وهب شيئا من صبي (٤) هذا كلامه ، ونحن لا نجد فرقا بين الهبة والوقف في ذلك نعم قد بنى بعضهم القول باشتراط القبول وعدمه ، على أنّ الملك ينتقل الى الموقوف عليه أو الى الله سبحانه؟ فعلى الأول يشترط ، لا على الثاني إلحاقا له بالإعتاق ولا ريب أنّ هذا البناء أقرب من طرد القولين مع القول بانتقال الملك الى الموقوف عليه ، وإن كان إطلاقهم على الوقف إنّه عقد ينافي عدم اشتراط القبول على كل حال ، لأنّ العقد ما يركب من الإيجاب والقبول.

قوله : ( وكذا الولي ).

أي : القول في اشتراط قبضه وقبوله بالولاية ـ لو كان الوقف على صبي مثلا ـ كالموقوف عليه سواء.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٢٧.

(٢) انظر : الوجيز ٢ : ٣٨٣.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٢٧.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

١٢

أمّا البطن الثاني فلا يشترط قبوله ، ولا يرتد عنه برده بل برد الأول.

ولو كان الوقف على المصالح لم يشترط القبول ، نعم يشترط القبض ، ويشترط أهلية الواقف للتصرف.

ولا يحصل الوقف بالفعل كبناء مسجد وإن أذن في الصلاة فيه أو صلى فيه ما لم يقل : جعلته مسجدا.

______________________________________________________

قوله : ( أمّا البطن الثاني فلا يشترط قبوله ولا يرتد عنه برده بل برد الأول ).

لأنّ استحقاقه لا يتصل بالإيجاب وقد تم الوقف ولزم بقبول الأول ، وقطعه يحتاج الى دليل. وفي وجه للشافعية : أنّه يرتد برد البطون المتجددة (١) أمّا ردّ الأول فلا شك في تأثيره.

قوله : ( ولو كان الوقف على المصالح لم يشترط القبول ، نعم يشترط القبض ).

هذا كالتقييد لإطلاق كلامه السابق ، وقد حققنا ذلك فيما مضى وبيّنا أنّ اشتراط القبول مطلقا أولى.

قوله : ( ولا يحصل الوقف بالفعل كبناء مسجد وإن أذن في الصلاة أو صلى فيه ما لم يقل جعلته مسجدا ).

لا يحصل الوقف بالفعل عندما وإن حف بالقرائن ، مثل أن يبني مسجدا سواء أذن في الصلاة فيه أم لا ، وسواء صلى فيه أم لا ، وكذا إذا اتخذ مغيرة وأذن للناس فيها أو سقاية ويأذن في دخولها ، خلافا لأبي حنيفة (٢) واحمد (٣) ، لأنّ الوقف عقد يفتقر‌

__________________

(١) مغني المحتاج ٢ : ٣٨٣.

(٢) المغني لابن قدامة ٦ : ٢١٣ ، اللباب ٢ : ١٨٦.

(٣) المغني لابن قدامة ٦ : ٢١٣.

١٣

وإذا تم الوقف بالإقباض كان لازما لا يقبل الفسخ وإن تراضيا.

ويشترط : تنجيزه ، ودوامه وإقباضه ، وإخراجه عن نفسه ، ونية التقرب.

______________________________________________________

الى الإيجاب والقبول ، وله شرائط لا تكفي فيها القرائن ما لم يكن هناك لفظ يدل عليه.

والفرق بينه وبين تقديم الطعام للضيف ، ووضع ماء في حب على قارعة الطريق ، ونثار شي‌ء على الناس ونحو ذلك : إنّ هذه إنّما تستفاد منها الإباحة بخلاف الوقف فإنّه يقتضي نقل الملك.

وأعلم أنّ قوله : ( ما لم يقل جعلته مسجدا ) ليس المراد منه إنّه بهذا تتحقق مسجديته ، بل الغرض إنّ له دخلا في حصولها ، إلاّ أنّ هذا اللفظ كاف في الصيغة ، واختار المصنف في التذكرة عدم الاكتفاء بها ما لم يضم إليها ما يدل على إنشاء الوقف مثل : جعلته مسجدا لله ، لأنّه وصفه بما هو موصوف به ، فقد قال عليه‌السلام : « جعلت لي الأرض مسجدا » (١) ، وما ذكره متجه.

قوله : ( وإذا تم الوقف بالإقباض كان لازما لا يقبل الفسخ وإن تراضيا ).

لأنّ الوقف قربة فيه حق لله تعالى ، وإن قلنا بانتقاله الى الموقوف عليه فلا يملكان إبطال ذلك الحق بتراضيهما.

قوله : ( ويشترط : تنجيزه ، ودوامه ، وإقباضه ، وإخراجه عن نفسه ونية التقرب ).

يشترط في الوقف أيضا أمور اخرى :

أحدها : تنجيزه ، فلو علّق بشرط أو صفة مثل أن يقول : إذا جاء زيد فقد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٢٧ ، وانظر : صحيح البخاري : ٩، سنن النسائي ٢ : ٥٦ ، سنن ابن ماجة : ٨٨ حديث ٥٦٧ ، مسند احمد ٥ : ١٤٥ و ١٤٨ و ١٦، سنن الدارمي ٢ : ٢٢٤.

١٤

فلو علّقه بصفة ، أو بشرط ، أو قرنه بمدة لم يقع.

ولو وقفه على من ينقرض غالبا ولم يذكر المصرف ، كما لو وقف على أولاده واقتصر ، أو ساقه الى بطون تنقرض غالبا فالأقرب أنّه حبس يرجع اليه أو الى ورثته بعد انقراضهم.

______________________________________________________

وقفت داري ، أو إذا جاء رأس الشهر وقفت عبدي لم يصحّ ، لعدم الجزم به ، كما لا يصحّ تعليق البيع والهبة واستثنى في الدروس ما إذا كان المعلق عليه واقعا والواقف علم بوقوعه كقوله : وقفت إن كان اليوم الجمعة (١) وقد سبق في الوكالة مثل ذلك والمراد بالشرط : ما جاز وقوعه وعدمه بالنسبة إلى العادة ، والصفة : ما كان محقق الوقوع عادة.

الثاني : دوامه ، لأنّ الوقف لا بد من تأبيده على ما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

الثالث : الإقباض ، وهو غير القبض الذي تقدم اشتراطه ، لأنّ القبض لا يعتد به من دون اقباض الواقف وتسليطه عليه.

الرابع : إخراجه عن نفسه ، لأنّه لا يعقل وقف الإنسان على نفسه.

الخامس : نية التقرب : وظاهر العبارة اشتراطها لصحة الوقف ويشكل بانتفاء دليل الاشتراط ، ولعل الشرط هو كون الوقف قربة في نفسه. قال في الدروس : وفي اشتراطها وجه فيترتب وقف الكافر ، والأقرب صحته (٢).

قوله : ( فلو علقه بصفة أو بشرط أو قرنه بمدة لم يقع ، ولو وقف على من ينقرض غالبا ولم يذكر المصرّف ، كما لو وقف على الولادة واقتصر ، أو ساقه الى بطون تنقرض غالبا فالأقرب أنّه حبس يرجع اليه أو الى ورثته بعد انقراضهم ).

هذا تفريع على الشروط المتقدمة وقد ساقه على الترتيب ، فعدم الوقوع لو‌

__________________

(١) الدروس : ٢٢٩.

(٢) الدروس : ٢٢٩.

١٥

______________________________________________________

علّقه بصفة أو شرط فرع اشتراط التنجيز ، وعدم وقوعه لو قرنه بمدة فرع اشتراط الدوام.

وفقه المسألة : أنّه لو وقف ملكه مدة ـ كسنة ـ فهل يبطل أصلا ، أم يبطل كونه وقفا ويصحّ حبسا؟ قولان.

أحدهما : البطلان ، وهو ظاهر عبارة الكتاب حيث حكم في هذه المسألة بعدم الوقوع ، وفي التي بعدها بصحته حبسا.

والثاني : صحته حبسا ، واختاره المصنف في التحرير (١) ، وشيخنا الشهيد في الدروس (٢) ، لوجود المقتضي وهو الصيغة الصالحة للحبس ، لأنّ بين الوقف والحبس اشتراكا في المعنى ، فإذا اقترن الوقف بما يقتضي عدم التأبيد كان كما لو اقترن الحبس بما يقتضي التأبيد ، فيكون وقفا.

ويشكل : بأنّ الوقف حقيقة في المعنى المتضمن لإخراج الملك عن مالكه فيكون مجازا في الحبس.

ويمكن الجواب : بأنّ هذا المجاز شائع الاستعمال في هذا الباب ، وإلاّ لم يصحّ في المسائل الآتية ، وفيه قوة ، وتردد المصنف في التذكرة (٣).

وينبغي الجزم بالبطلان لو قصد بالوقف هنا معناه الحقيقي ، لامتناعه.

ويتفرع على اشتراط الدوام أيضا ما لو وقف على من ينقرض غالبا ولم يذكر المصرف بعده ، كما لو وقف على أولاده واقتصر أو ساقه الى بطون تنقرض غالبا ففي صحته وقفا أو حبسا وبطلانه من رأس أقوال ، ثم على القول بصحته وقفا فهل يرجع الى ورثة الواقف أم الى ورثة الموقوف عليه أم يصرّف في وجوه البر؟ أقوال أيضا.

__________________

(١) التحرير : ٢٨٥.

(٢) الدروس : ٢٣٠.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٣٣.

١٦

______________________________________________________

فأمّا القول بالصحة فهو مختار الشيخين (١) وأكثر الأصحاب (٢) والمصنف في المختلف (٣) والتذكرة (٤) ، لأنّه نوع تمليك وصدقة فيستتبع اختيار المالك في التخصيص وغيره ولأصالة الصحة وعموم( أَوْفُوا ) (٥) ولأنّ تمليك الأخير ليس شرطا في تمليك الأول وإلاّ لزم تقدم المعلول على العلة ، ولرواية أبي بصير عن الباقر عليه‌السلام : « إنّ فاطمة عليها‌السلام أوصت بحوائطها السبعة الى علي عليه‌السلام ثم الى الحسن عليه‌السلام ثم الى الحسين عليه‌السلام ثم إلى الأكبر من ولدها صلوات الله عليهم » (٦) ، ولعموم ما روي من توقيع العسكري عليه‌السلام : « الوقوف على حسب ما يقفها أهلها إن شاء الله تعالى » (٧).

ويردّ على الاولى : إنّ التمليك لا يعقل موقتا وكذا الصدقة ، ولا أصل يرجع إليه في المدعى ، لأنّ كون الوقف مؤبدا أو مؤقتا إنّما يستفاد من الشرع.

والجواب عن الآية : لا دلالة فيها بالقول بالموجب ، فانّ الوفاء بعقد الوقف لازم حيث يعقل معنى الوقف ، ولا يلزم من القول بعدم صحة الوقف كون تمليك الأخير شرطا في تمليك الأول وإنّما الشرط بيان المصرف الأخير ليتحقق معنى الوقف.

والرواية لا حجة فيها ، لأنّ فاطمة عليها‌السلام علمت تأبيد ولدها للنص على الأئمة عليهم‌السلام ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حبلان متصلان لن يفترقا‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ١٠٢ ، والطوسي في المبسوط ٣ : ٢٩٢ والخلاف ٢ : ١٣مسألة ٩ كتاب الوقف.

(٢) منهم ابن الجنيد كما نقله العلامة عنه في المختلف : ٤٩٢ وسلار في المراسم : ١٩٨ ، وابن إدريس في السرائر : ٣٧٩ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٢١٦.

(٣) المختلف : ٤٩٢.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٣٣.

(٥) المائدة : ١.

(٦) الكافي ٧ : ٤٨ حديث ٥ ، الفقيه ٤ : ١٨٠ حديث ٦٣٢.

(٧) الكافي ٧ : ٣٧ حديث ٣٤ ، الفقيه ٤ : ١٧٦ حديث ٦٢٠ ، التهذيب ٩ : ١٢٩ حديث ٥٥٥.

١٧

______________________________________________________

حتى يردا عليّ الحوض » (١) وغير ذلك ممّا لا يتناهى ، ولأنّه لا تصريح في كلامها عليها‌السلام بالوقف ، والوصية لا بحث فيها ، ونقول بموجب توقيع العسكري عليه‌السلام مع عدم الدلالة ، فإنّ معنى الوقف لا يتحقق إلاّ مع انتقال الملك.

وأمّا القول بالبطلان فنقله الشيخ عن بعض الأصحاب ، وحجته إنّ الوقف شرطه التأبيد فإذا لم يردّه الى ما يدوم كان كما لو وقف سنة ، ولأنّه يكون منقطعا فيصير على مجهول (٢).

وأجيب : بأنّ اشتراط التأبيد محل النزاع ، وصيرورته وقفا على مجهول ممنوع ، فانّ المصرف ممنوع.

ولقائل أنّ يقول : ان الوقف يقتضي انتقال الملك عن الواقف قطعا ، وإلاّ فهو الحبس ، وحينئذ فيجب ألاّ يعود أصلا إلاّ بسبب شرعي ، فظهر أنّه يقتضي التأبيد ما لم يحصل السبب ، ومعلومية المصرف غير واضحة ، فإنّ الفرض أنّه ليس في كلام الواقف ما يدل عليه ، والعود بعد انقراض الموقوف عليه الى ورثته ، أو الى وجوه البر فرع صحة الوقف فيمتنع كونه مصححا.

وقول العسكري عليه‌السلام ينافي ذلك ، لأنّ صرف الوقف الى غير من عيّنه الواقف يقتضي أنّ لا يكون على حسب ما وقفه الواقف فيتحصل هنا قياس صورته : لو صح الوقف غير المؤبد لم يكن الوقوف على حسب ما وقفها أهلها ، والتالي باطل بالرواية ، وبيان الملازمة : إنّه لا بدّ من مصرف له يعيّنه المالك ولم يدل كلامه عليه.

وأما القول بالحبس فهو قول ابن حمزة (٣) ، ومقرب المصنف هنا ، وشيخنا‌

__________________

(١) الخصال : ٦٥ حديث ٩٧.

(٢) المبسوط ٣ : ٢٩٢.

(٣) الوسيلة : ٤٤٠.

١٨

______________________________________________________

الشهيد في الدروس (١) ، وجمع (٢) ووجهه مستفاد ممّا قدمناه في المسألة السابقة ، ولأنّه إذا شاع استعمال الكناية في الوقف ففي الحبس أولى ـ فعلى هذا لا يخرج عن ملك الواقف وينتقل الملك عنه بعد موته الى ورثته.

وأمّا على القول بصحة الوقف فقال المفيد (٣) ، وابن إدريس يرجع الى ورثة الموقوف عليهم ، لانتقال الملك الى الموقوف عليهم (٤) ، وقال ابن زهرة : يرجع الى وجوه البرّ ، لخروج الملك عن الواقف فلا يعود اليه ، وأقرب شي‌ء إلى مقصوده وجوه البرّ (٥) ، وضعفهما ظاهر.

وقال الشيخ : يرجع الى ورثة الواقف (٦) ، واختاره جماعة (٧) ، لما روي عن الصادق عليه‌السلام : رجل وقف عليه وعلى قرابته واوصى لرجل ليس بينه وبينه قرابة من تلك الغلة بثلاثمائة درهم كل سنة ، وساق الحديث الى أن قال : « فان انقطع ورثته ولم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت » (٨) ، والظاهر أنّ الوصية بالوقف وإلاّ لم يكن لورثة الموصى شي‌ء ، كذا قيل ولا حجة فيه على صحته وقفا ، ولم لا يجوز أن يكون حبسا بلفظ الوقف.

فان قيل : الأصل في الاستعمال الحقيقة.

قلنا : قد تعذرت ها هنا ، لأنّه لو انتقل عن الملك لم يرجع الى الوارث أصلا ، والأصح مختار المصنف هنا. ( قال في التذكرة : نمنع كون مطلق الوقف ناقلا ، بل الناقل‌

__________________

(١) الدروس : ٢٢٩.

(٢) منهم الشيخ في المبسوط ٣ : ٢٩، وابن البراج في المهذب ٢ : ٨٧ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٦٩.

(٣) المقنعة : ١٠٠.

(٤) السرائر : ٣٧٩.

(٥) الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٤١.

(٦) المبسوط ٣ : ٢٩٣.

(٧) منهم ابن فهد في المهذب البارع ٢ : ٩٣ ، والسيوري في التنقيح ٢ : ٣٠٤.

(٨) الكافي ٧ : ٣٥ حديث ٢٩ ، الفقيه ٤ : ١٧٩ حديث ٦٣٠ ، التهذيب ٩ : ١٢٣ حديث ٥٦٥.

١٩

ولو أبّد على أحد تقديرين دون الآخر ، مثل أن يقف على أولاده وعقبهم ما تعاقبوا ، فان انقرض العقب ولا عقب له فعلى الفقراء ولو انقرض الأولاد ولا عقب لهم فعلى إخوته واقتصر كان حبسا على التقدير الثاني ، وفي الأول إشكال.

______________________________________________________

منه المؤبد خاصة (١).

قلنا : فعلى هذا تكون بعض أقسام الوقف حبسا ، وحينئذ فالنزاع راجع الى التسمية فقط ) (٢).

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ قوله : ( فالأقرب أنّه حبس يرجع اليه أو الى ورثته بعد انقراضهم ) لا يخلو من تسامح ، لأنّه لم يخرج عن ملكه فكيف يتصور رجوعه اليه؟.

قوله : « ولو أبّد على أحد تقديرين دون الآخر ، مثل أن يقف على أولاده وعقبهم ما تعاقبوا ، فإذا انقرض العقب ولا عقب له فعلى الفقراء ، ولو انقرض الأولاد ولا عقب لهم فعلى إخوته واقتصر كان حبسا على التقدير الثاني ، وفي الأول إشكال ).

المتبادر من سياق العبارة أنّ الاشكال في أنّه على التقدير الأول هل هو حبس أو وقف؟ إلا أنّه لا محصل له ، إذ لا ريب في كونه وقفا على ذلك التقدير ، لأنّه بلفظ الوقف وقد حصل فيه التأبيد فلا يعقل كونه حبسا.

أمّا على التقدير الثاني فإنّه وإن كان بلفظ الوقف إلا أنّه في معنى الحبس فينبغي أن يكون الإشكال في الصحة والفساد ، إلا أنّه إن تطرق احتمال الفساد على التقدير الأول وجب أن يتطرق على التقدير الثاني ، لأنّ المانع من الصحة إن كان تعليقه على شرط ـ كما ذكره الشارح الفاضل (٣) ـ فهو مشترك بين التقديرين على‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٣٣.

(٢) لم ترد في « ك‍ ».

(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٨٠.

٢٠