جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٦

ولو وقف على من سيولد له ، ثم على المساكين أو على عبده ، ثم على المساكين فهو منقطع الأول فيحتمل الصحة كمنقطع الآخر ، والبطلان إذ لا مقر له في الحال.

______________________________________________________

أنّه لا تعليق هاهنا ، وإنّما هو حكم على تقدير ، وإنّما التعليق ما لا يتخير معه ، ولو تم ذلك لكان عدم الصحة هنا من فروع اشتراط التنجيز لا من فروع اشتراط التأبيد.

ولو علل الفساد على التقدير الأول بانتفاء التأبيد ، لإمكان انقراض الأولاد ولم يوجد لهم عقب فلا ينتقل الى الفقراء ، أجيب بأنّ التأبيد إنّما هو على تقدير كونه وقفا خاصة ، ومن تأمل كلام الشارح الفاضل لم يجد له كثير محصل فالأصح الصحة ، لعموم قول العسكري عليه‌السلام : « الوقوف على حسب ما وقفها أهلها » (١) ، ولحصول شرط الوقف وهو التأبيد على التقدير الّذي جعل به وقفا ، وهو مختار الدروس (٢).

قوله : ( ولو وقف على من سيولد له ، ثم على المساكين أو على عبده ، ثم على المساكين فهو منقطع الأول فيحتمل الصحة كمنقطع الأخير ، والبطلان إذ لا مقر له في الحال ).

اختلف كلام الأصحاب في الوقف المنقطع الأول ، فقال الشيخ في المبسوط (٣) والخلاف (٤) بالصحة ، مع إنّه قال في المبسوط الذي يقتضيه مذهبنا عدم الصحة (٥). واختار المصنف في المختلف البطلان (٦) وهو الأصح ، لأنّه لو صحّ لزم.

أما صحة الوقف مع انتفاء الموقوف عليه ، أو عدم جريان الوقف على حسب ما شرطه الواقف ، لأنّه في حال الوقف إن لم يكن ثمة موقوف عليه لزم الأول ، وإن كان‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٧ حديث ٣٤ ، الفقيه ٤ : ١٧٦ حديث ٦٢٠ ، التهذيب ٩ : ١٢٩ حديث ٥٥٥.

(٢) الدروس : ٢٢٩.

(٣) المبسوط ٣ : ٢٩٣.

(٤) الخلاف ٢ : ١٣مسألة ١٠ كتاب الوقوف.

(٥) المبسوط ٣ : ٢٩٣.

(٦) المختلف : ٤٩٥.

٢١

والقبض شرط في صحته ، فلو وقف ولم يسلّم الوقف ثم مات كان ميراثا.

ولو وقف على أولاده الأصاغر كان قبضه قبضا عنهم ، وكذا الجد والوصي.

______________________________________________________

فليس هو من ذكر أولا فيجب أن يكون غيره فيلزم الأمر الثاني ، والتالي بقسميه باطل وعلى القول بالصحة فهل يصرف الوقف في الحال الى من صحّ الوقف عليه؟ فصّل الشيخ في المبسوط فقال : إن كان الّذي بطل الوقف في حقه لا يمكن الوقف على بقائه واعتبار انقراضه ، مثل أن يقف على مجهول أو معدوم فإن منفعة الوقف تصرف الى من صح في حقهم في الحال ، ويكون أولئك بمنزلة المعدوم الذي لم يذكر في الوقف.

وإن كان الموقوف عليه أولا يمكن اعتبار انقراضه كالعبد : منهم من قال : يصرف إليهم في الحال ، لأنه لا مستحق غيرهم ، وهو الصحيح ، ومنهم من قال : يصرف الى الفقراء والمساكين مدّة بقاء الموقوف عليه أولا ، ثم إذا انقرض رجعت إليهم (١).

إذا عرفت ذلك فقول المصنف : ( إذ لا مقر له في الحال ) إشارة إلى دليل البطلان ، وتوضيحه : إنّه لو صحّ لكان الوقف بغير موقوف عليه ، والتالي باطل ، والملازمة ظاهرة.

قوله : ( والقبض شرط في صحته ، فلو وقف ولم يسلم الوقف ثم مات كان ميراثا ).

لبطلان الوقف بانتفاء شرطه ، وقد ورد التصريح به في رواية عبيد بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام (٢).

قوله : ( ولو وقف على أولاده الأصاغر كان قبضه قبضا عنهم ، وكذا

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٩٣ و ٢٩٤.

(٢) الفقيه ٤ : ١٨٢ حديث ٦٣٩ ، التهذيب ٩ : ١٣٧ حديث ٥٧٧.

٢٢

وفي اشتراط فوريته إشكال ، وإنّما يشترط القبض في البطن الأول.

ولو كان الوقف على الفقراء فلا بد من نصب قيّم يقبض الوقف ،

______________________________________________________

الجد والوصي ).

المتبادر من‌ قوله : ( كان قبضه قبضا عنهم ) أنّ مجرد كونه مقبوضا في يده كاف في حصول القبض عنهم وإن لم يقصد القبض عنهم. ويشكل بأنّ القبض إنّما يحسب لذي اليد ما لم يقصده لغيره ممن له ولاية عليه ، ونحوه.

قوله : ( وفي اشتراط فوريته إشكال ).

ينشأ : من أنّه ركن في العقد فجرى مجرى القبول ، خصوصا على القول بعدم اشتراط القبول ، ومن أصالة عدم الاشتراط وانتفاء دليل يدل عليه ، بل رواية عبيد ابن زرارة دالة على عدم الاشتراط حيث علق فيها البطلان بعدم القبض الى أن يموت فانّ مقتضاه الاكتفاء به قبل الموت متى حصل (١) ، والأصح عدم الاشتراط.

قوله : ( وإنّما يشترط القبض في البطن الأول ).

لتحقق اللزوم بقبضه قطعا ، فلو شرط قبض البطن الثاني لا نقلب جائزا وهو معلوم البطلان.

قوله : ( ولو كان الوقف على الفقراء فلا بد من نصب قيّم يقبض الوقف ).

المراد : نصب القيّم من قبل الحاكم ، ولو قبض الحاكم جاز قطعا ، لأنّه نائب عن الموقوف عليه.

ومقتضى قوله : ( فلا بد ) انحصار القبض في الحاكم ، فلو قبض أحد الفقراء لم يصحّ ، ويدلّ عليه أنّ الوقف هنا إنّما هو على وجهة ، لأن الواقف ينظر إلى جهة الفقر‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٨٢ حديث ٦٣٩ ، التهذيب ٩ : ١٣٧ حديث ٥٧٧.

٢٣

ولو كان على مصلحة تولّى القبض الناظر فيها.

ولو وقف مسجدا أو مقبرة لزم إذا صلى فيه واحد أو دفن صلاة صحيحة ، للإقباض ،

______________________________________________________

والمسكنة ، ويقصد سد خلة موصوف بهذه الصفة ولا يقصد شخصا بعينه ، ومن ثم ينتقل الوقف في نحو ذلك الى الله تعالى.

قوله : ( ولو كان على مصلحة تولّى القبض الناظر فيها ).

أي : على مصلحة من مصالح المسلمين كقنطرة ، وإنّما يتولى الناظر فيها القبض لأنّه مقدّم على الحاكم ، نعم لو لم يكن لها ناظر خاص كان القبض الى الحاكم.

قوله : ( ولو وقف مسجدا أو مقبرة لزم إذا صلى فيه واحد أو دفن صلاة صحيحة للإقباض ).

الجار والمجرور. قد ينازعه كل من : ( صلى ) و ( دفن ) ، والمراد : إنّه يحصل لزوم وقف البقعة مسجدا أو مقبرة بصلاة واحد صلاة صحيحة للإقباض ، أو دفن ميت كذلك ، فلو صلى قبل العلم بالوقف ، أو بعده قبل الاذن في الصلاة ، أو بعدهما لا قصدا للإقباض إمّا لذهوله أو غير ذلك لم يلزم ، وكذا القول في الدفن.

فان قيل : على ما ذكرت يلزم اشتراط النية في القبض. قلنا : لا يلزم ذلك في مطلق القبض وإنما يشترط هنا ، لأنّ مطلق قبض المصلي غير كاف ، لأنّه إذا تجرّد عن القصد المقتضى عن تعيين كون القبض لجهة الوقف لم ينصرف إليها ، لأنّ القبض مع

عدم القصد الصارف إنّما يحسب بالإضافة إلى القابض لا لغيره ، والمطلق هنا صرفه إلى الجهة فاحتيج الى القصد.

ولا كذلك لو وقف واقف على زيد والعين مقبوضة في يده ، أو وهب منه كذلك ، أو رهن عنده كذلك أيضا ، لأنّ القبض محسوب له فلا حاجة الى قصد تعيينه ، نعم لو كان القابض وكيلا في قبول الوقف أو الرهن أو الهبة مثلا فلا بدّ من قصد القبض عن الغير.

٢٤

والأقرب أن قبض الحاكم كذلك.

ولو وقف على نفسه بطل ، ولو وقف على نفسه ثم على غيره فهو منقطع الأول ،

______________________________________________________

لكن يردّ عليه : إنّ الإقباض فعل الواقف لا فعل المصلي ، ويمكن الحمل على ذلك ، والمعنى صحيح ، لأنّ المراد حينئذ : إذا صلى واحد لإقباض الواقف إياه ، أي : إذا أوقع الصلاة لأنّ الواقف قد أذن له في القبض فكان إقباضه هو اذنه فيه وحمله عليه. وحينئذ فتكون الصلاة مقصودا بها لقبض ، ومأذونا فيها لأجله من الواقف فيتحقق ما به اللزوم ، لأنّك قد عرفت أنّه لا بد من القبض بعد الإقباض فلا يعتد به من دونه.

وهذا الذي ذكره المصنف يدل على أنّ المقبوض بيد الولي إذا وقفه مالكه على الطفل ولم يعلم الولي ، أو علم وذهل عن قصد كون القبض للطفل لا يعتد به. وكذا لو وقف الولي ما بيده وذهل عن القبض للطفل ، لانّ القبض محسوب للواقف فما لم يحصل قصد يقتضي صرّفه الى الطفل لم ينصرف اليه ، وكذا القول في الوكيل.

قوله : ( والأقرب أنّ قبض الحاكم كذلك ).

أي : الأقرب أنّ قبض الحاكم للمسجد والمقبرة بالتخلية المعتبرة في نظائرها مثل الصلاة والدفن للإقباض ، ووجه القرب : أنّه نائب للمسلمين وهو في الحقيقة وقف عليهم ، ولأنّ الوالي للمصالح العامة هو فيعتبر قبضه. ويحتمل العدم ، لعدم النص ، ولم يذكر إلاّ الأول ، وضعفه ظاهر ، والأصحّ الاكتفاء به.

قوله : ( ولو وقف على نفسه بطل ).

لأنّه لا بد من إخراج الوقف عن ملكه ، فلا يعقل وقفه على نفسه.

قوله : ( ولو وقف على نفسه ثم على غيره فهو منقطع الأول ).

حيث أنّ العطف بـ ( ثم ) المقتضية للترتيب ، وقد سبق في كلام المصنف التردد فيه ، واخترنا نحن البطلان.

٢٥

ولو عطف بالواو فالأقرب اختصاص الغير بالنصف وبطلان النصف في حقه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو عطف بالواو فالأقرب اختصاص الغير بالنصف وبطلان النصف في حقه ).

وجه القرب : أنّ العطف يقتضي التساوي والتشريك بين المعطوف والمعطوف عليه فيكون قد وقف على كل منهما النصف ، وحيث بطل الوقف في أحدهما كان ذلك النصف باقيا على ملك المالك ، لعدم صحته فيما عيّن له فيبقى على ملك المالك.

ويحتمل ان يكون الكل للغير ، لأنّ الموقوف بالنسبة الى كل من المعطوف والمعطوف عليه هو المجموع من حيث هو مجموع ، والحكم بالتنصيف إنّما نشأ من امتناع كون المجموع وقفا على كل منهما ، فإذا امتنع الوقف على أحدهما انصرف وقف المجموع الى الآخر ، وفيه نظر ، لأنّه إنّما وقف عليهما وإن كان وقف المجموع على كل منهما ، لأن مقتضى هذه الصيغة التنصيف ، لأنّ مقتضاها أن يكون لكل منهما حصة في الوقف ، فإذا بطل بالنسبة إلى أحدهما لم يجز صرّف الموقوف كله الى الآخر ، لأنّه خلاف مدلول الصيغة وخلاف مراد الواقف ، والعقود تابعة للقصود.

فان قيل : هذا الوقف منقطع الأول ، لأنّ الموقوف عليه هو المجموع وقد بطل الوقف بالنسبة إلى البعض فيبطل بالنسبة إلى المجموع ، لأنّ انتفاء الجزء يقتضي انتفاء الكل.

قلنا : ليس كذلك ، لأنّ المراد بمنقطع الأول : من ليس في الطبقة الاولى من يصحّ الوقف عليه كما لو وقف على نفسه ثم على الفقراء ، وهنا ليس كذلك ، لأنّ الطبقة الاولى هو نفسه والغير فإذا بطل في البعض بقي بعض الطبقة. نعم يرد عليه انتفاء الموقوف عليه بانتفاء بعضه ، ويجاب :

أولا : بأنّا لا نسلّم أنّ الموقوف عليه المجموع من حيث المجموعية بل كل منهما.

وثانيا : بأنّ الوقف تحبيس وليس معاوضة ، فإذا أخرج الواقف عن نفسه‌

٢٦

ولو شرط قضاء ديونه ، أو إدرار مؤنة ، أو الانتفاع به بطل الوقف بخلاف ما لو وقف على الفقهاء وهو منهم ، أو على الفقراء فصار فقيرا فإنّه يشارك.

______________________________________________________

أمرين فبطل إخراج أحدهما لا يجب بطلان الآخر ، بل يجب أن يصحّ بطريق أولى ، لأنّ من رضي بإخراج قدر من ماله بغير عوض فهو راض بإخراج ما دونه بطريق أولى ، بخلاف المعاوضات فإن الأغراض تتعلق بمقابلة المجموع بالمجموع لأنّها مبنية على ذلك ، فلا يلزم من الرضى بالمعاوضة على المجموع الرضى بالمعاوضة على البعض. ومثله ما لو أقر بأمرين أو لشخصين فبطل في أحدهما ، أو أعتق عبدين فبطل في أحدهما فإنّه في الآخر نافذ ، والأصح ما قرّبه المصنف.

قوله : ( ولو شرط قضاء ديونه ، أو إدرار مؤنته ، أو الانتفاع به بطل الوقف ).

لأنّ الشرط مناف لمقتضاه ، فإنّه لا بدّ من إخراجه عن نفسه بحيث لا يبقى له استحقاق فيه ، لأنّ الوقف يقتضي نقل الملك والمنافع عن نفسه ، فإذا شرط قضاء ديونه ، أو إدرار مؤنته ، أو نحو ذلك فقد شرط ما ينافي مقتضاه فيبطل الشرط والوقف معا.

قوله : ( بخلاف ما لو وقف على الفقهاء وهو منهم ، أو على الفقراء فصار فقيرا فإنّه يشارك ).

والفرق أنّ ذلك ليس وقفا على نفسه ولا على جماعة منهم ، فانّ الوقف على الفقهاء ليس وقفا على الأشخاص المتصفين بهذا الوصف ، بل على هذه الجهة المخصوصة ، ولهذا لا يشترط قولهم ولا قبول بعضهم وإن أمكن ، بل ولا يعتد به ، وكذا القبض ولا ينتقل الملك إليهم ، ولا يجب صرّف نماء الوقف الى جميعهم ، وإنّما ينتقل الملك في مثل ذلك الى الله سبحانه ، ويكون الوقف على الجهة مرجعه الى تعيين المصرّف.

٢٧

ولو شرط عوده اليه عند الحاجة صحّ الشرط وصار حبسا وبطل وقفا ، بل يرجع اليه مع الحاجة ويورّث.

______________________________________________________

وكذا القول في جميع الوقوف العامة ، كما لو وقف مسجدا فانّ له أن يصلّي فيه ، أو بئرا فإنّ له أن يشرب منها ، ونحو ذلك.

ولا فرق في الصحة بين أن يكون في وقت الوقف متصفا بالصفة التي هي مناط الوقف ـ كما لو كان فقيها حين الوقف على الفقهاء ـ أو لا ، كما لو وقف على الفقراء ثم افتقر. ومنع ابن إدريس من انتفاع الواقف بالوقف في مثل ذلك ، لخروجه عنه فلا يعود اليه ، وامتناع وقفه على نفسه (١) ، وهو ضعيف ، لما بيناه.

ويوجد في حواشي شيخنا الشهيد : أنّه يشارك ما لم يقصد منع نفسه أو إدخالها ، وهو حسن. فإذا قصد إدخال نفسه فقد وقف على نفسه ، فلا يصحّ الوقف من رأس ، وإذا قصد منع نفسه فانّ تخصيص العام بالنية جائز ، وكذا تقييد المطلق فيجب اتباع ما شرطه لحديث العسكري عليه‌السلام (٢).

قوله : ( ولو شرط عوده اليه عند الحاجة صحّ الشرط وصار حبسا وبطل وقفا ، بل يرجع اليه مع الحاجة ويورث ).

إذا شرط في الوقف عوده اليه عند الحاجة طلقا ففي صحة الشرط والعقد وبطلانهما ، وصحة الشرط على أن يكون حبسا ويبطل كونه وقفا ثلاثة أقوال للأصحاب :

الأول : صحتهما ، فإن حصلت الحاجة ورجع صحّ الرجوع وعاد ملكا. وإن لم يرجع حتى مات كان وقفا نافذا ، وهو مختار السيد المرتضى في ظاهر كلامه (٣) ،

__________________

(١) السرائر : ٣٧٧.

(٢) الكافي ٧ : ٣٧ حديث ٣٤ ، التهذيب ٩ : ١٢٩ حديث ٥٥٥.

(٣) الانتصار : ٢٢٦.

٢٨

______________________________________________________

وصريح كلام المصنف في المختلف عملا بمقتضى العقل (١).

الثاني : بطلانهما ، وهو مختار الشيخ (٢) وابن إدريس (٣) ، لأنّ هذا الشرط خلاف مقتضى الوقف ، لأنّ الوقف إذا تمّ لم يعد الى المالك على حال فيكون فاسدا ويفسد به العقد.

الثالث : صحة الشرط على أن يكون حبسا لا وقفا ، واختاره المصنف هنا وفي التذكرة (٤) والتحرير (٥) ، لما بينهما من الاشتراك ، ولما رواه إسماعيل بن الفضل عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يتصدق ببعض ماله في حياته في كل وجه من وجوه الخير ، قال : إن احتجت إلى شي‌ء من المال فأنا أحق به ترى ذلك له وقد جعله الله يكون له في حياته فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو يمضي صدقة؟ قال : « يرجع ميراثا على أهله » (٦).

والمراد بالصدقة في الرواية : الوقف ، بدليل باقيها ، فيكون دليلا على الصحة ، وحيث علم أنّ الوقف لا بد فيه من التأبيد فلا يكون ذلك إلاّ حبسا ، فلا يخرج عن ملك المالك بل يورث عنه بعد موته.

نعم هنا إشكال وهو : إنّه قد جعل نهاية الحبس حصول الحاجة ، فإذا مات قبل حصولها ورجوعه وجب أن يبقى الحبس على ما كان.

وجوابه : أنّ الحاجة تتحقق بالموت فانّ الميت فقير ، وأيضا فإنّ الحبس لا بد أن يكون له نهاية ، وحيث لم تكن له نهاية في هذه الصورة جعل موته النهاية ، لأنّه محل‌

__________________

(١) المختلف : ٤٩٠.

(٢) المبسوط ٣ : ٣٠٠.

(٣) السرائر : ٣٧٧.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٣٤.

(٥) التحرير : ٢٨٥.

(٦) التهذيب ٩ : ١٣٥ حديث ٥٦٨.

٢٩

ولو شرط الخيار في الرجوع عنه بطل الشرط والوقف ، ويجب اتّباع كل شرط لا ينافي مقتضى العقد.

______________________________________________________

انتقال الملك الى الوارث ، ولا دليل على بقاء الحبس بعد الموت ، والرواية نصّ في ذلك. ولا يخفى أنّ القول الأول مبني على أنّ الوقف لا يشترط فيه التأبيد ، والأصحّ هو الثالث.

وأعلم أنّ قول المصنف : ( ويورث ) المراد به : إنّه يورث بموته وإن لم يرجع فيه قبل الموت ، لأنّه باق على ملكه على القول بأنّه حبس وأعلم أيضا أن المراد بالحاجة هو الفقر ، نظرا الى المتعارف بين أهل الشرع ، إذ لا شك في أنّ مستحق الزكاة محتاج شرعا وعرفا.

قوله : ( ولو شرط الخيار في الرجوع عنه بطل الشرط والوقف ).

لأن ثبوت الخيار مناف لمقتضى الوقف المبني على اللزوم التام الذي لا يقبل الفسخ بحال.

فان قيل : اشتراط عوده عند الحاجة أيضا مناف فلم جوزتموه.

قلنا : هو مناف للوقف لا للحبس ، ولهذا حكمنا بصحته حبسا فان قيل : فلم لا يصحّ هذا حبسا.

قلنا : لأنّ الحبس لازم إلى أمد ، ومشروط الخيار ليس كذلك فلا يكون وقفا ولا حبسا.

قوله : ( ويجب اتباع كل شرط لا ينافي مقتضى العقد ).

لعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، وعموم قوله : ( المسلمون عند شروطهم ) (٢).

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٧ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥ ، صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٠٣ حديث ١٣٦٣.

٣٠

ولو شرط إخراج من يريد بطل.

ولو شرط إدخال من يولد ، أو من يريد مع الموقوف عليهم جاز ، سواء كان الوقف على أولاده أو غيرهم.

______________________________________________________

قوله : ( ولو شرط إخراج من يريد بطل ).

وذلك ، لأنّ بناء الوقف على اللزوم ، فإذا شرط إخراج من يريد من الموقوف عليهم كان منافيا لمقتضى الوقف ، إذ هو بمنزلة اشتراط الخيار.

قوله : ( ولو شرط إدخال من يولد ، أو من يريد مع الموقوف عليهم جاز سواء كان الوقف على أولاده أو غيرهم ).

لا ريب أنّه لو وقف وشرط إدخال من سيولد من أولاده وغيرهم في الوقف صحّ تبعا للموجودين.

أمّا لو شرط إدخال من يولد ، أو من يريد مع الموقوف عليهم فإنّه يصحّ عند المصنف ، لأنّه شرط لا ينافي مقتضى الوقف ، لأنّه يصحّ اشتراط دخولهم فيصحّ اشتراط إدخاله إياهم ، سواء كان الوقف على أولاده الأصاغر أو غيرهم ، بخلاف ما إذا أطلق ولم يشترط ذلك ، إلاّ على قول من جوز ذلك إذا كان الوقف على أولاده الأصاغر على ما سيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى.

ويظهر من عبارة الدروس : أنّ اشتراط ذلك في العقد يقتضي البطلان (١) ، وهو بعيد ، لعدم المنافاة ، ولعموم قوله عليه‌السلام : « الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها » (٢) ، والأصحّ الصحة.

فإن قيل : هذا مناف للوقف من حيث أنّ إدخال من سيوجد يقتضي نقصان حصة الموقوف عليهم ، فيكون إبطالا للوقف في ذلك البعض بالنسبة إليهم.

__________________

(١) الدروس : ٢٣٢.

(٢) الكافي ٧ : ٣٧ حديث ٣٤ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ١٧٦ حديث ٦٢٠ ، التهذيب ٩ : ١٢٩ حديث ٥٥٥.

٣١

ولو شرط نقله عن الموقوف عليهم الى من سيوجد بطل على إشكال

______________________________________________________

قلنا : أولا : إنّ العقد لما تضمن هذا الشرط لم يكن لهم حق إلاّ معه ، فلم يستحقوا شيئا إلاّ بالشرط.

وثانيا : إنّ الوقف يجب لزومه في حق الموقوف عليهم في الجملة ، أما في قدر النصيب فلا قطعا ، لأنّه لو وقف عليهم وعلى عقبهم لكان نصيب الموقوف عليهم بعد حصول العقب أنقص قطعا.

قوله : ( ولو شرط نقله عن الموقوف عليهم الى من سيوجد بطل على إشكال ).

ينشأ : من أنّ وضع الوقف على اللزوم ، فإذا شرط نقله فقد شرط خلاف مقتضاه فيبطل الشرط والعقد ، ومن عموم الرواية عن العسكري عليه‌السلام (١) ، وإنّه يجوز الوقف على أولاده سنة ثم على المساكين.

وادعى المصنف في التذكرة على صحته الإجماع (٢) ، وذلك يقتضي منع منافاة الشرط لمقتضى الوقف ، ولأنّه يصحّ الوقف باعتبار صفة للموقوف عليهم ، كما لو وقف على أولاده الفقراء فإذا زالت انتقل الوقف الى من بعدهم قطعا. وذهب الشيخ الى البطلان بذلك مدعيا الإجماع (٣) ، وهو الأصحّ. ويمكن الفرق بين ما هنا وبين إناطة الوقف بصفة في الموقوف عليهم ، مثل فقراء أولاده أو فقهائهم : بأنّ الوقف في الثاني لم يكن على الأولاد بل على الفقراء منهم ، فإذا زال الفقر انتفى الموقوف عليهم ، فكان ذلك جاريا مجرى موتهم وعدمهم ، بخلاف ما إذا ثبت الوقف لهم وشرط نقله عنهم باختياره فانّ ذلك إبطال للوقف باختياره.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٧ حديث ٣٤ ، الفقيه ٤ : ١٧٦ حديث ٦٢٠ ، التهذيب ٩ : ١٢٩ حديث ٥٥٥.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٣٤.

(٣) المبسوط ٣ : ٢٩٣.

٣٢

وكذا الإشكال لو قال : على أولادي سنة ثم على الفقراء.

ولو وقف على أصاغر أولاده لم يجز له أن يشارك غيرهم مع الإطلاق على رأي ،

______________________________________________________

قوله : ( وكذا الاشكال لو قال : على أصاغر أولادي سنة ثم على الفقراء ).

منشأ الاشكال هنا قريب من الذي قبله ، فانّ ثبوت الملك للأولاد بالوقف يقتضي أن لا ينتقل عنهم إلاّ بسبب ناقل شرعا ، فهذا الشرط مناف لمقتضى الوقف فيبطل. ومن أنّه وقف مؤبد متصل الابتداء والانتهاء والوسط.

وادعى المصنف في التذكرة على صحة هذا الوقف الإجماع (١) ، وأفتي بذلك في كتبه (٢) ، فلا سبيل الى القول بالبطلان ، لأنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة. قال : وكذا لو قال : هذا وقف على ولدي مدة حياتي ، ثمّ هو بعد موتي للمساكين صحّ إجماعا (٣).

وأعلم أنّ بين هذه المسألة والتي قبلها فرقا : من حيث أنّه في تلك شرط نقله على الموقوف عليهم الى من سيوجد ، وفي هذه وقفه على أولاده سنة ، ثم بعد مضيها هو وقف على المساكين فينتقل إليهم من غير أن ينقله هو.

قوله : ( ولو وقف على أصاغر أولاده لم يجز له أن يشارك غيرهم مع الإطلاق على رأي ).

ذهب الشيخ في النهاية إلى جواز ذلك (٤) ، وكذا ابن البراج (٥) ، لكنه منع من‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٣٤.

(٢) تحرير الأحكام : ٢٨٦.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٣٤.

(٤) النهاية : ٥٩٦.

(٥) المهذب ٢ : ٨٩.

٣٣

ويجوز أن يشترط النظر لنفسه ، وللموقوف عليه ، ولأجنبي ، فان لم يعيّن كان الى الموقوف عليه إن قلنا بالانتقال اليه.

______________________________________________________

ذلك إذا كان قد شرط قصره على الموجودين ، محتجين برواية عبد الله بن الحجاج عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يجعل لولده شيئا وهم صغار ، ثم يبدو له يجعل معهم غيرهم من ولده ، قال : « لا بأس » (١) وقريب منها رواية محمد بن سهل ، عن أبيه عن أبي الحسن عليه‌السلام : عن الرجل يصدّق على بعض ولده الحديث (٢).

ولا دلالة فيهما على أنّ ذلك وقع على سبيل الوقف ، لأنّ الجعل والصدقة أعمّ منه ، بل ربما لم يكن السبب مقتضيا للزوم ، والأصح عدم الجواز وفاقا لباقي الأصحاب ووقوفا مع ظاهر النص.

قوله : ( ويجوز أن يشترط النظر لنفسه ، وللموقوف عليه ، ولأجنبي ).

لا ريب أنّ كل شرط لا ينافي مقتضى الوقت يجوز اشتراطه في العقد ، ويجب الوفاء به حينئذ.

ولا شبهة في أن اشتراط النظر للواقف لا ينافي الوقف ، بل ربما كان أدخل في جريانه على جهة الوقف وكذا غيره ، وعموم الكتاب والسنة يقتضي وجوب العمل بهذا الشرط. نعم لو لم يكن الاشتراط في متن العقد لم يعتد به ، ومنع ابن إدريس من جواز اشتراط الواقف النظر لنفسه (٣) ، وهو ضعيف.

قوله : ( فان لم يعين كان الى الموقوف عليه إن قلنا بالانتقال إليه ).

سيأتي إن شاء الله تعالى بيان انتقال الوقف الى ملك الموقوف عليه إن كان معينا ، والى الله سبحانه إن كان غير معيّن ، فحينئذ إن لم يعيّن الواقف من اليه النظر‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣ حديث ٩ ، التهذيب ٩ : ١٣٦ حديث ٥٧٢ ، الاستبصار ٤ : ١٠٠ حديث ٣٨٥. وفيها عن عبد الرحمن بن الحجاج.

(٢) التهذيب ٩ : ١٣٦ حديث ٥٧٤ ، الاستبصار ٤ : ١٠ حديث ٣٨٨.

(٣) السرائر : ٣٧٧.

٣٤

ولو شرط بيعه متى شاء ، أو هبته ، أو الرجوع عنه بطل الوقف ولو شرط أكل أهله منه صحّ الشرط.

______________________________________________________

كان النظر الى الموقوف عليه ، لأنّه المالك حقيقة.

وإن قلنا بانتقال الملك الى الله سبحانه فالنظر الى الحاكم.

وإن قلنا ببقاء الملك للواقف فالنظر له واحتمل بعضهم كون النظر له مع عدم اشتراطه لغيره.

وإن قلنا بانتقال الملك عنه ، نظرا الى أنّ الملك والنظر كانا له فإذا زال أحدهما بقي الآخر.

قوله : ( ولو شرط بيعه متى شاء ، أو هبته ، أو الرجوع فيه بطل الوقف ).

لمنافاة ذلك كله مقتضى الوقف ، وفي الفرق بين هذه وبين اشتراط الخيار فالرجوع عنه تأمل ، فيكون تكرارا.

قوله : ( ولو شرط أكل أهله منه صحّ الشرط ).

لأنّه شرط لا ينافي مقتضى الوقف فلا يبطل به ، ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرطه (١) ، وشرطته فاطمة عليها‌السلام (٢). ولا فرق بين كون الأهل واجبي النفقة وعدمه ، فتسقط نفقتهم بذلك إن استغنوا ، إلاّ الزوجة فانّ نفقتها كالدين ، بخلاف نفقة القريب فإنّها لدفع حاجته.

وتوقف في الدروس في جواز اشتراط أكل الزوجة (٣) ، ويظهر منه التردد في بقاء نفقتها معه ، وليس بجيد ، لأنّ نفقتها ليست تابعة لفقرها ، حتى لو شرط نفقتها الواجبة عليه من الوقف بطل قطعا ، كما لو شرط نفقة نفسه فلا وجه لما ذكره ، ولم‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٧ باب صدقات النبي ( ص ).

(٢) الكافي ٧ : ٤٨ حديث ٥ ، الفقيه ٤ : ١٨٠ حديث ٦٣٢ ، التهذيب ٩ : ١٤٤ حديث ٦٠٣.

(٣) الدروس : ٢٣٠.

٣٥

المطلب الثاني : في المتعاقدين :

أمّا الواقف فيشترط فيه : البلوغ ، والعقل ، وجواز التصرف فلا يصحّ وقف الصبي وإن بلغ عشرا ، ولا المجنون ، ولا المحجور عليه لسفه أو فلس ، ولا المكره ، ولا الفضولي.

______________________________________________________

يتعرضوا لتفسير الأهل هاهنا.

قوله : ( فلا يصحّ وقف الصبي وإن بلغ عشرا ).

قد ورد في عدة أخبار جواز صدقته إذا بلغ عشرا (١) ، وذلك يؤذن بجواز وقفه إذ الوقف صدقة ، والأصح عدم الجواز ، لأنّ عبارته لا يعتد بها ، لرفع القلم عنه ، والحجر عليه في التصرّف المالي ثابت ، ومثل هذه الأخبار لا تنهض معارضا للمتواتر.

قوله : ( ولا المحجور عليه لسفه أو فلس ).

ذكر الشهيد أنّه إذا أجاز الغرماء يصحّ ، وعلى هذا فإذا أجاز الولي وقف السفيه صح مع المصلحة لصحة عبارته.

قوله : ( ولا المكره ).

لا شك في عدم وقوعه من المكره ، لعدم القصد ، لكن لو رضي بعد فهل ينفذ؟ لم يصرحوا بشي‌ء هنا ، وإنّما ذكر في البيع ، ويجي‌ء على اشتراط القربة عدم النفوذ ، لانتفاء الشرط ، وقصدها بعد قد يتخيل كونه غير مؤثر ، ويتحقق الإكراه بالخوف على النفس أو المال وإن قلّ ، أو العرض إن كان من أهل الاحتشام.

قوله : ( ولا الفضولي ).

سيأتي في كلامه إنّ الأقرب لزومه مع الإجازة فيكون رجوعا عن هذا ، إلاّ أن يحمل على أنّ المراد : عدم صحته بنفسه من دون الإجازة.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٨ باب وصية الغلام ، الفقيه ٤ : ١٤٥ حديث ٥٠ـ ٥٠٣ ، التهذيب ٩ : ١٨ حديث ٧٢٦ وما بعده.

٣٦

ويصحّ وقوعه من المالك ووكيله.

ولو وقف في مرض الموت خرج من الثلث مع عدم الإجازة ، وكذا لو جمع بينه وبين غيره ويبدأ بالأول فالأول.

ولو قال : هو وقف بعد موتي احتمل البطلان ، لأنّه تعليق ، والحكم بصرفه إلى الوصية بالوقف.

______________________________________________________

قوله : ( ويصح وقوعه من المالك ووكيله ).

إنّما يصح التوكيل فيه ، لأنّه فعل لم يتعلق غرض الشارع بإيقاعه من مباشر معيّن.

قوله : ( ولو وقف في مرض الموت خرج من الثلث مع عدم الإجازة ).

لأنّ الوقف من التبرعات ، اللهم إلاّ أن ينذره في حال الصحة.

قوله : ( وكذا لو جمع بينه وبين غيره ).

أي : يخرج مع ذلك الغير من الثلث إذا كان تبرعا بأن لم يكن واجبا ماليا.

قوله : ( ويبدأ بالأول فالأول ).

أي : لو ضاق الثلث عن التبرعات ورتب بينها بدئ بالأول ثم الذي بعده فيختص البطلان بما ضاق عنه الثالث مما وقع آخرا ، ولو نسي الأول احتمل التوزيع والقرعة ، والثاني قريب.

قوله : ( ولو قال : هو وقف بعد موتي احتمل البطلان لأنّه تعليق ، والحكم بصرفه إلى الوصية بالوقف ).

لا ريب أنّه لا يراد بهذه الصيغة الخبر قطعا ، فبقي أن يراد بها الإنشاء ، وهي بنفسها إنّما يدل مطابقه على إنشاء الوقف بعد الموت بهذه الصيغة المأتي بها الآن وذلك يقتضي البطلان ، لإخلاله بكون الصيغة سببا تاما في حصول الوقف ، بل يكون لحصول الموت دخل في ذلك ، وذلك معنى التعليق فيكون باطلا ، لأنّ العقود إنّما تصح‌

٣٧

وأمّا الموقوف عليه فيشترط فيه أمور أربعة : الوجود ، والتعيين ، وصحة التملك ، وتسويغ الوقف عليه. فلو وقف على المعدوم ابتداء ، أو على الحمل كذلك لم يصحّ ،

______________________________________________________

إذا كانت سببا تاما في إنشاء ما يطلب بها ، وإلاّ لم يترتب عليها أثرها وذلك هو معنى البطلان.

ولا دلالة لها على الوصية إلاّ بتكلف تقدير ما لا يدل عليه اللفظ ، ولا يدل عليه دليل بإن ينزل على أنّ المراد أريد جعله وقفا بعد الموت ، وارتكاب مثل ذلك تعسف محض.

وإجراء الأحكام الشرعية على أمثال هذه الألفاظ التي لا دلالة لها على المراد من الأمور المستبعدة جدا ، فقد سبق إنّه لو قال قائل لآخر : اقبض ديني الذي على فلان لك لم يصح وإن كان المأمور ذا دين على الآمر.

وقد سبق في الوكالة أنّه لو قال : اشتر لي بمالك كذا لم يصحّ ، مع أنّ المراد معلوم والتقدير ممكن ، والاحتجاج بأنّ ذلك مستعمل في الوصية كثيرا ، وبأنّ الأصل الصحة ، ولا يتحقق إلاّ بالحمل ضعيف ، لمنع الاستعمال المدعى ، والتزام عدم تأثيره ما لم يصرّ معنى اللفظ حقيقة أو مجازا ، وأصالة الصحة في الصيغة المذكورة لا يقتضي جعلها وصية ما لم ينضم إليها ما يدل على ذلك.

وفي حواشي شيخنا الشهيد : أنّ هذا إذا لم يعلم القصد فإن علم فلا بحث وفيه نظر ، لأنّ مجرد القصد لا تأثير له ما لم يوجد اللفظ الدّال عليه حقيقة أو مجازا ، والذي يقتضيه النظر وسبق الحكم به في نظائره البطلان. نعم لو شاع استعمال ذلك في الوصية واشتهر لم يبعد القول بصحة وصيته.

قوله : ( فلو وقف على المعدوم ابتداء ، أو على الحمل كذلك لم يصحّ ).

المراد بقوله : ( كذلك ) : كونه ابتداء ، والمراد بكونه ابتداء : أن يكون هو الطبقة الأولى. فأمّا المعدوم فظاهر ، وأمّا الحمل ، فلأنّه لم يثبت تملكه إلاّ في الوصية ،

٣٨

ولو وقف عليهما تبعا للموجود صحّ.

ولو وقف على أحد الشخصين ، أو إحدى القبيلتين ، أو على رجل غير معيّن ، أو امرأة بطل.

ولو وقف على قبيلة عظيمة كقريش وبني تميم صحّ.

______________________________________________________

ولعدم القطع بحياته. والفرق بين الوصية والوقف : إنّ الوصية تتعلق بالمستقبل ، والوقف تسليط في الحال.

واحترز بقوله : ( ابتداء ) عمّا لو وقف على المعدوم ، أو الحمل تبعا لغيره فإنّه يصحّ ، كما لو وقف على أولاده ومن سيولد له لوجود من يصحّ الوقف به. وقد صرّح بهذا المحترز بقوله : ( ولو وقف عليهما تبعا للموجود صحّ ).

قوله : ( ولو وقف على أحد الشخصين ، أو إحدى القبيلتين ، أو على رجل غير معيّن أو امرأة بطل ).

أي : امرأة غير معيّنة ، ووجه البطلان انتفاء الموقوف عليه ، لأنّ ما ليس بمعيّن في نفسه ليس بموجود ، ولأنّ الوقف يقتضي التمليك ولا يعقل تمليك من ليس معيّنا.

قوله : ( ولو وقف على قبيلة عظيمة كقريش وبني تميم صحّ ).

أسند القول بالصحة في التذكرة إلى علمائنا (١) ، وظاهره الإجماع على ذلك ، ووجه الصحة ظاهر ، فإنّ انتشار القبيلة لا يمنع صحة الوقف كالوقف على الفقراء والمساكين فإنّه يصحّ اتفاقا.

وقال ابن حمزة من أصحابنا (٢) ، والشافعي : لا يصح الوقف على من لا يمكن استيعابهم وحصرهم (٣) ، وهو منقوض بالوقف على الفقراء ، ولو وقف على أهل بلد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٣٠.

(٢) الوسيلة : ٤٤١.

(٣) المغني لابن قدامة ٦ : ٢٦١.

٣٩

ولو قال : وقفت أو هذه صدقة موقوفة ولم يذكر المصرف بطل.

ولو وقف على المسلمين فهو لمن صلى إلى القبلة ،

______________________________________________________

كبغداد ، أو أهل قطر كالعراق ، أو على كافة بني آدم صحّ عندنا.

قوله : ( ولو قال : وقفت أو هذه صدقة موقوفة ولم يذكر المصرف بطل ).

لأنّ الموقوف عليه أحد أركان العقد وقد أخل به ، ولا يحمل ذلك على ارادة عموم الوقف ، لانتفاء ما يدل على ذلك. وقال ابن الجنيد : إذا قال صدقة لله ولم يسمّ صرف في مستحقي الزكاة (١) ، وهو ضعيف.

قوله : ( ولو وقف على المسلمين فهو لمن صلى إلى القبلة ).

أي : لمن دان بذلك وكان شأنه باعتبار معتقده أن يفعله ، وهذا هو مذهب أكثر الأصحاب ، نظرا الى عموم اللّفظ. ويندرج في المسلمين من كان بحكمهم من أطفالهم ومجانينهم ، صرّح به ابن حمزة (٢) ، والمصنف في المختلف (٣) ، لاندراجهم فيهم باعتبار الاستعمال الشائع ودخولهم تبعا كما يدخل الإناث في صيغة الذكور.

وقال ابن إدريس : إنّه إذا وقف المسلم المحق شيئا على المسلمين كان ذلك للمحقين من المسلمين ، لدلالة فحوى الخطاب وشاهد الحال عليه ، كما لو وقف الكافر وقفا على الفقراء كان ذلك ماضيا في فقراء أهل نحلته خاصة بشهادة دلالة الحال عليه (٤).

ويضعّف بأنّ تخصيص عام لا يقتضي تخصيص عام آخر ، وما ادعاه من دلالة فحوى الخطاب وشاهد الحال على ذلك ممنوع ، والفرق بين المسلمين والفقراء قائم ،

__________________

(١) المختلف : ٤٩٦.

(٢) الوسيلة : ٤٤٢.

(٣) المختلف : ٤٩٣.

(٤) السرائر : ٣٧٨.

٤٠