جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٦

ولو قال : له عليّ عشرة إلاّ اثنين وإلاّ واحدا ، فهو إقرار بسبعة ، ولو قال : له عشرة إلاّ اثنين إلاّ اثنين لزمه ستة.

______________________________________________________

من الثاني والثالث ومجموعهما خمسة ، وإذا تعذر الاستثناء من الاستثناء السابق بلا فصل قدر الاستثناء منه ومما قبله ، وحينئذ فتكون الأربعة المستثناة مثبتة وقد بقي من العشرة أربعة وذلك ثمانية ، وبالاستثناء الخامس يبقى ثلاثة وبالسادس يصير تسعة على ما قررناه ، وبالسابع يبقى اثنان وبالثامن عشرة وبالتاسع واحد ، ولو عدّ الى الواحد ثم الى التاسع يبقى واحد.

وطريق ذلك معلوم ممّا ذكر ، لأنّ كل استثناء لا يستوعب ما قبله فهو منه ومتى استوعب فهو منه ، وممّا قبله أيضا بمرتبة فصاعدا فالاثنان استثناء من الواحد وما قبله ، وكذا البواقي.

وقد أشار المصنف الى ضابط ذلك بقوله : ( والضابط إسقاط جملة المنفي من جملة المثبت بعد جمعهما فالمقر به الباقي ) ، وهذا الضابط يتناول ما ذكره المصنف وما ذكرناه وغير ذلك من الصور وجملة المثبت في الصورة التي ذكرها ثلاثون وجملة المنفي خمسة وعشرون وفي الصورة الأولى التي ذكرناها جملة المثبت ثمانية وعشرون وجملة المنفي سبعة وعشرون وفي الصورة الثانية جملة المثبت خمسون وجملة المنفي تسعة وأربعون ، لأنّك تضم الاثنين الى الثلاثين ثم الأربعة ثم الستة ثم الثمانية في المثبت ، وتضم الثلاثة إلى الخمسة والعشرين ثم الخمسة ثم السبعة ثم التسعة وذلك ما ذكره وهو بحمد الله واضح.

قوله : ( ولو قال : له عليّ عشرة إلاّ اثنين وإلاّ واحدا فهو إقرار بسبعة ).

لما عرفت من أنّ الاستثناء مع حرف العطف يعود الى المستثنى منه.

قوله : ( ولو قال : له عشرة إلاّ اثنين إلاّ اثنين لزمه ستة ).

لأن الاستثناء المستغرق للاستثناء الّذي قبله يعود الى المستثنى منه كما تقدّم.

٣٠١

ولو قال : له ألف إلاّ درهما ، فإن سوغنا المنفصل طولب بتفسير الألف وقيل إذا بقي بعد الاستثناء شي‌ء ، ولو لم يبق احتمل بطلان التفسير أو الاستثناء ، وإلاّ فالجميع دراهم.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : له ألف إلاّ درهما ، فإنّ سوغنا المنفصل طولب بتفسير الألف ، وقيل : إذا بقي بعد الاستثناء شي‌ء ، ولو لم يبق احتمل بطلان التفسير أو الاستثناء وإلا فالجميع دراهم ).

أي : لو قال : له عندي ألف إلاّ درهما بني على ما تقدم ، إن سوغنا الاستثناء المنفصل لم يلزم من الاستثناء الدرهم كون الألف دراهم فيطالب بتفسير الألف.

فإن فسرها بشي‌ء يبقى بعد إخراج الدرهم منه بقية قبل تفسيره ، ولو لم يبق ففيه احتمالان :

أحدهما : بطلان التفسير خاصة لسبق الحكم بصحة الاستثناء ، ولأنّ الخلل إنّما هو في التفسير خاصة فلا يبطل الاستثناء ببطلانه.

والثاني : بطلان الاستثناء ويلزمه الألف ، لأنّه بين ما أراد باللفظ فجرى مجرى ما لو تلفظ به من أول الأمر ، وهذا أقوى ، لانحصار مراده بالاستثناء فيما بينه ، وهو مختار ابن الجنيد (١). وإن لم نسوغ الاستثناء المنفصل ـ أي : لم نقل بكونه حقيقة ـ فجميع الألف دراهم ، لأنّ المجاز على خلاف الأصل ، والحقيقة هنا ممكنة فلا وجه للعدول الى المجاز :

وأعلم أنّ قول المصنف : ( فإن سوغنا المنفصل طولب بتفسير الالف ... ) فيه إشكال ، وذلك لأنّ تسويغ المنفصل إمّا أن يراد به جواز استعماله في الجملة ، أو كونه حقيقة كما قدمناه ، وعلى كل واحد من التقديرين لا يستقيم ما ذكره.

أمّا على الأول ، فلأنّ تسويغ المنفصل في الجملة لا يستلزم كون الألف مجهولة‌

__________________

(١) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٤٢.

٣٠٢

ولو قال : له ألف درهم إلاّ ثوبا ، فإن منعنا المنقطع وجبت الألف ، وإلاّ طولب بذكر قيمة الثوب ، فإن استوعبت بطل التفسير فيطالب بغيره أو الاستثناء على الاحتمال.

______________________________________________________

ليطالب بتفسيرها ، لأنّه إنّما يعدل الى المجاز عند تعذر الحقيقة ، والمتصل ممكن هنا. وعلى فرض استلزامه ذلك لا يستقيم قوله : ( وقيل إذا بقي بعد الاستثناء شي‌ء ... ) وذلك لأنّ الاستثناء المنفصل لا إخراج فيه أصلا ، لأنّ ما بعد إلا غير داخل فيما قبلها ، فمتى جوزناه كان ما قبل إلا بحاله.

وأمّا على التقدير الثاني فإنّه إذا كان حقيقة وجب الحمل عليه ، ولم يجز التقدير ليصير الاستثناء متصلا ، وحينئذ فلا معنى لقوله : ( وقيل إذا بقي بعد الاستثناء شي‌ء ... ) بل هو ساقط كما لا يخفى فليتأمل.

قوله : ( ولو قال : له ألف درهم إلاّ ثوبا ، فإن منعنا المنقطع وجب الألف ، وإلاّ طولب بذكر قيمة الثوب ، فإن استوعب بطل التفسير فيطالب بغيره أو الاستثناء على الاحتمال ).

أي : لو قال : له عليّ ألف درهم إلاّ ثوبا ، فإن منعنا الاستثناء المنقطع الغى استثناؤه ووجب الألف ، وإن سوغناه طولب بذكر قيمة الثوب ، فإن استوعب بطل التفسير خاصة على أحد الاحتمالين ، وبطل الاستثناء على الاحتمال الآخر ، وقد سبق أنّه أقوى.

لكن على ما نبهنا عليه في تحقيق كون الاستثناء من غير الجنس سائغا أو لا لا يستقيم هذا البناء ، لأنّ منع المنقطع لا يقتضي إلغاء الاستثناء هاهنا ، لإمكان أن يضمر في الاستثناء لفظة قيمة فيصير متصلا ، وهو المحكي سابقا عن علماء الأمصار.

وتسويغه إن كان على وجه المجاز فالإضمار هنا أولى من جعله منقطعا ، لأنّه لا مخالفة للأصل هنا إلا في تقدير كلمة قيمة.

٣٠٣

ولو قال : ألف إلاّ شيئا كلّف بتفسيرهما.

______________________________________________________

وأمّا إذا فرض منقطعا فإنّ إلاّ وما في حيزها منقطع عما قبله وأجنبي منه ، مع أنّ إلاّ مستعملة في غير موضعها. وبتقدير كونه أولى فلا معنى لكون التفسير مستوعبا وعدمه ، إذ لا إخراج هنا ، وكذا لو جوزناه حقيقة فلا يستقيم ما ذكره بحال.

وقد قال في التذكرة : مسألة : الاستثناء حقيقة في الجنس مجاز في غيره لتبادر الأول إلى الفهم دون الثاني ، ولأنّ الاستثناء إخراج ، وإنّما يتحقق في الجنس ، وفي غيره يحتاج الى تقدير ، ومع هذا إذا استثنى من غير الجنس سمع منه وقبل وكان عليه ما بعد الاستثناء. فإذا قال : له عليّ ألف درهم إلاّ ثوبا أو إلاّ عبدا صحّ عند علمائنا ، وبه قال الشافعي ومالك (١) ، ثم حكى عن أبي حنيفة منعه في غير المكيل والموزون والمعدود (٢) كما قدمناه ، وعن احمد المنع مطلقا (٣).

ثم إنّه في المسألة التي تلي هذه قال : إنّه إذا ثبت صحة الاستثناء من غير الجنس وجب في المثال المذكور أن تتبين قيمة الثوب وقيمة العبد ، وساق الكلام الى آخره ، وحكى مثل الاحتمالين مع استيعاب التفسير عن الشافعية.

ولا يخفى إنّ هذا مخالف لما قدمناه من كلام الأصوليين وما قدمناه من صحة الاستثناء ، وإضمار ما يقتضي إلحاقه بالمتصل هو المختار ، ويرجع إليه في تفسير قيمة الثوب ، فإن استوعب بطل الاستثناء.

قوله : ( ولو قال : له ألف إلاّ شيئا كلف تفسيرهما ).

لأنهما مجهولان ، ولا يبطل الاستثناء ، لانتفاء المقتضي ، فإن فسر بالمستوعب ففي بطلان التفسير ، أو الاستثناء الوجهان.

__________________

(١) المجموع ٢٠ : ٣١٩ ، المغني لابن قدامة ٥ : ٢٧٧.

(٢) بدائع الصنائع ٧ : ٢١٠.

(٣) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٧٧ ، التذكرة ٢ : ١٦٤.

٣٠٤

ولو قال : له ثلاثة إلاّ ثلاثة بطل الاستثناء ، وكذا له درهم إلاّ درهما.

ولو قال : درهم ودرهم إلاّ درهما ، قيل : إن حكم بعوده إلى الأخيرة بطل ، وإلاّ صحّ ، وليس بمعتمد.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : له ثلاثة إلاّ ثلاثة بطل الاستثناء ).

هذا إذا أراد ثلاثة دراهم إلاّ ثلاثة دراهم مثلا ، أمّا إذا أطلق الثلاثة فإنّ أقوى الوجهين إنّ الاستثناء لا يبطل ، أنّ الاستغراق وعدمه إنّما يتحقق بعد تعيين الثلاثة في كل من المستثنى والمستثنى منه ، فإن فسر بالمستوعب أطرد الوجهان.

قوله : ( وكذا له درهم إلاّ درهما ).

أي : يبطل الاستثناء ، وهو ظاهر لاستغراقه.

قوله : ( ولو قال : له درهم ودرهم إلاّ درهما ، قيل : إن حكم بعوده إلى الأخيرة بطل وإلاّ صح ، وليس بمعتمد ).

القول المحكي قول الشيخ (١) وابن إدريس (٢) ، ووجهه : انه على القول بعود الاستثناء بعد الجمل إلى الأخيرة يكون مستوعبا ، بخلاف ما إذا قلنا بعوده الى الجميع فإنه في قوة : له درهمان إلاّ درهما.

وقول المصنف : ( وليس بمعتمد ) يحتمل أمرين : أحدهما بطلان الاستثناء على كل تقدير من التقديرين ، والثاني صحته على كلا التقديرين.

والذي صرح به في المختلف هو الأول ، محتجا بأن صحة الاستثناء هنا يستلزم النقض والرجوع عن الاعتراف ، ولهذا لو قال جاءني زيد وعمرو وخالد إلاّ زيدا لم يصح لاشتماله على النقض ، ويصح لو قال : له عندي درهمان إلاّ درهما ، لأنه‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٠٠.

(٢) السرائر : ٢٨٢.

٣٠٥

أمّا لو قال : له ثلاثة ودرهمان إلاّ درهمين فإنّه يصحّ.

______________________________________________________

يكون قد تجوز في الدرهمين فلا يكون نقضا (١).

وحاصل استدلاله : إنّ الدرهم يدل على معناه نصا كما يدل زيد على معناه نصا ، فإذا قال : له درهم ودرهم كان كما لو قال : زيد وزيد فيمتنع استثناء درهم وزيد ، إذ لا يكون إلاّ مستغرقا.

وفيه نظر ، لأنّ دلالة لفظ الدرهم على مسماه ليست كدلالة زيد على مسماه ، لأنّه علم فلا يمكن أن يراد بالاسم بعض مسماه وأمّا الدرهم فإنّ إطلاقه على بعض مسماه من باب إطلاق اسم الكل على الجزء ولا مانع منه ، فتكون دلالته على مسماه ظاهرا لا نصا فلا يلزم نقض ، وإنّما يلزم استعمال كلّ من الدرهمين في غير مسماه.

ثم بنى الشيخ الصحة على عود الاستثناء الى جميع الجمل (٢) ، والبطلان على عدمه غير ظاهر ، لأنّ الاستثناء إنّما يختص بالأخيرة إذا لم يستغرق ، أمّا معه فيجب عوده الى الجميع كما يجب عوده الى جميع المستثنى منه لو كان مستغرقا للاستثناء.

ووجهه : أن قرينة المقام تقتضي عوده الى الجميع ، والاختصاص بالأخيرة إنّما هو مع عدم القرينة ، وليس عود الاستثناء إلى الأخيرة خاصة ـ على القول به ـ لكونه حقيقة في ذلك ، ليمتنع حمله على المجاز بدون قرينة سوى امتناع الحمل على الحقيقة ، فإنّ ذلك لا يكفي في التجوز ، بل لأنّ مخالفته للأصل أقل من مخالفة عوده الى الجميع له ، فإذا لزم إلغاء قوله كان أشد مخالفة للأصل ، فوجب أن يصان عن الهذرية لما قلناه.

( واعلم أن مقتضي كلامهم : أنّ له درهم ودرهم جملتان ، وكأنّه بالنظر الى أنّ واو العطف تنوب عن العامل ) (٣).

قوله : ( ولو قال : له ثلاثة ودرهمان إلا درهمين فإنّه يصح ).

__________________

(١) المختلف : ٤٤٠.

(٢) المبسوط ٣ : ١٠.

(٣) ما بين القوسين ورد في نسخة « ص » قبل جملة : ثم بنا الشيخ الصحة على.

٣٠٦

والأقرب صحة : له درهمان ودرهمان إلاّ درهمين ، لأنّ الاستثناء إنّما يرجع الى الأخير لو لم توجد قرينة الرجوع الى الجميع.

ولو قال : له ثلاثة إلاّ درهما ودرهما ودرهما احتمل قويا بطلان الأخير ، وضعيفا الجميع.

______________________________________________________

لا إشكال في ذلك ، لأنّ‌ امتناع عود الاستثناء إلى الأخيرة يوجب عوده إلى الأولى أو الى الجميع ، ويلزم الشيخ بناء الصحة هنا وعدمها على القولين بعود الاستثناء الى الجميع أو الى الأخيرة.

قوله : ( والأقرب صحة : له درهمان ودرهمان إلاّ درهمين ، لأنّ الاستثناء إنّما يرجع الى الأخير إذا لم توجد قرينة الرجوع الى الجميع ).

فإن قيل : لا قرينة هنا فإن تعذر الحمل على الأخير لا يعد قرينة ، لأنّ تعذر الحقيقة لا يكفي في الحمل على المجاز ، ولا يكون ذلك قرينة إرادته بل لا بدّ من أمر آخر يدل على إرادة المجاز لتجوز ارتكابه لجواز الغفلة عن تعذر الحقيقة وعدم إرادة المجاز.

قلنا : قد بيّنا أنّ الحمل على عود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة ليس من باب الحقيقة ، بل لأنّ مخالفة الأصل معه أقل ، فإذا عارض ذلك أمر مخالفته للأصل أكثر وهو إلغاء الاستثناء وجعله هذرا تعيّن ارتكاب العود الى الجميع ، وليس ببعيد إطلاق القرينة على هذا توسعا.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأنه لما امتنع عوده إلى الأخيرة وجب إلغاؤه ، فإنّ ارتباطه إنّما هو بالأخيرة دون ما عداها ، وضعفه معلوم ممّا سبق ، وما قرّبه المصنف هو المختار.

قوله : ( ولو قال : له ثلاثة إلاّ درهما ودرهما ودرهما احتمل قويا بطلان الأخير وضعيفا الجميع ).

٣٠٧

ولو قال : له ثلاثة إلاّ ثلاثة إلاّ درهمين احتمل بطلان الأول المستوعب ، والثاني المتفرع عليه ، وبطلان الأول خاصة ، فيعود الثاني إلى المستثنى منه ، لبطلان ما بينهما فيلزمه درهم ، وصحتهما فيلزمه درهمان ، لأنّ ثلاثة إلاّ درهمين في مقام درهم هو المستثنى من الإقرار.

______________________________________________________

وجه الأول : أن الاستثناء‌ الأول والثاني لا مانع من صحتهما لأنّهما غير مستغرقين وإنّما يلزم الاستغراق بالاستثناء الثالث فوجب أن يختص بالبطلان ، وهو الأصح.

ووجه الثاني : أنّ كل واحد واحد غير مستغرق وإنّما المستغرق الجميع ، وضعفه ظاهر ، لأنّ الأول والثاني قد نفذا فكان الثالث مستغرقا فاختص بالبطلان.

قوله : ( ولو قال : ثلاثة إلاّ ثلاثة إلاّ درهمين احتمل بطلان الأول المستوعب والثاني المتفرع عليه ، وبطلان الأول خاصة فيعود الثاني إلى المستثنى منه لبطلان ما بينهما فيلزمه درهم وصحتهما فيلزمه درهمان ، لأنّ ثلاثة إلاّ درهمين في مقام درهم هو المستثنى من الإقرار ).

إذا قال : له عندي ثلاثة إلاّ ثلاثة إلاّ درهمين ففيه احتمالات.

الأول : بطلان كل من الاستثناءين : الأول لاستيعابه ، والثاني لتفرعه عليه فإنه استثناء منه فيلزمه الثلاثة. وقد أشار المصنف بقوله : ( المستوعب والمتفرع ) الى دليل البطلان في كل منهما.

الثاني : بطلان الأول خاصة فيعود الثاني إلى المستثنى منه ، لأن الأول هو المستغرق فيختص بالبطلان ، والثاني إنما يتفرع عليه لو كان صحيحا. أما مع البطلان فلا يتصور الاستثناء منه بل يعود الثاني إلى المستثنى منه فيلزمه درهم.

الثالث : صحتهما فيلزمه درهمان ، ووجهه : أنّ المستثنى بالأول هو ما يبقى بعد الاستثناء الثاني ـ وهو درهم ـ فإنّ ثلاثة إلاّ درهمين في قوة درهم فكأنّه قال : له ثلاثة‌

٣٠٨

والاستثناء من العين صحيح كقوله : هذه الدار لزيد إلاّ هذا البيت ، وهذا الخاتم له إلاّ فصه.

ولو قال : له هذه العبيد إلاّ واحدا فله التعيين ، فلو ماتوا إلاّ واحدا فقال : هو المستثنى قبل.

______________________________________________________

إلاّ ما يبقى من ثلاثة مستثناة بعد استثناء درهمين منها ولا استغراق هنا.

وتنقيحه : أنّ المستثنى والمستثنى منه كلام واحد لا يتم أوله إلاّ بآخره ، فلا يعتبر المستثنى الأول من دون اعتبار الثاني ، كما يقول في قوله : له عليّ عشرة إلاّ درهما إنّ المحكوم بثبوته هو العشرة المخرج منها درهم ، لا أنّه حكم بثبوت مجموع العشرة ثم حكم بإخراج درهم منها ، لأنّ ذلك يقتضي كون الدرهم محكوما بثبوته وبعدمه وهو تناقض ، والثالث أقوى.

قوله : ( والاستثناء من العين صحيح كقوله : هذه الدار لزيد إلاّ هذا البيت ، وهذا الخاتم له إلاّ فصّه ).

كما يصح الاستثناء من الأعداد المطلقة يصح من الأعيان ، فإذا قال : هذه الدار لزيد إلاّ هذا البيت ، وهذا الخاتم له إلا هذا الفص ، وهذه العبيد إلا واحدا أو إلا هذا الواحد صح عندنا وعند أكثر الشافعية (١) ، لأنّه بمنزلة الاستثناء من الأعداد المطلقة من غير تفاوت.

ومنع بعضهم صحة الاستثناء هنا ، لأنه غير معتاد ولا معهود ، ولأنّه إذا أقر بالعين كان ناصا على ثبوت الملك فيها فيكون الاستثناء رجوعا (٢) ، ويضعّف بأنّ الإقرار إنّما هو بعد الاستثناء فلا يلزم الرجوع.

قوله : ( ولو قال له هذه العبيد إلاّ واحدا فله التعيين ، فلو ماتوا إلاّ

__________________

(١) المجموع ٢٠ : ٣١٨ ، السراج الوهاج : ٢٦٠.

(٢) السراج الوهاج : ٢٦٠.

٣٠٩

ولو قال : له عليّ عشرة إلاّ درهم بالرفع لزمه العشرة

ولو قال : ما له عندي عشرة إلاّ درهم فهو إقرار بدرهم ، ولو نصب لم يكن إقرارا بشي‌ء.

______________________________________________________

واحدا فقال : هو المستثنى قبل ).

وذلك لأنّ المقر به‌ مبهم لا يعلم إلاّ بتفسيره ، ونسبة الإقرار الى كلّ منهما على السواء ، فإذا فسره قبل ، لأصالة براءة الذمّة ممّا سوى ما فسر به ، فإن لم يصدّقه المقر له لم يكن سوى إحلافه.

قوله : ( ولو قال : له عليّ عشرة إلاّ درهم بالرفع لزمه العشرة ).

وذلك لأنّ إلاّ هنا صفة بمعنى غير ، وقد حقق ابن هشام في المغني : إنّه لا يشترط وقوعها بعد جمع ، وحكى عن سيبويه : لو كان معنا رجل إلاّ زيد لغلبنا وحكى عن النحاة إنّه إذا قال : له عندي عشرة إلاّ درهما فقد أقر له بتسعة ، فإن قال : إلاّ درهم فقد أقر له بعشرة. قال : وسره إنّ المعنى حينئذ عشرة موصوفة بأنّها غير درهم (١).

قوله : ( ولو قال : ما له عندي عشرة إلاّ درهم فهو إقرار بدرهم ).

وذلك : لأنّ رفع المستثنى مع كون المستثنى منه مذكورا إنّما يكون في الاستثناء عن غير الموجب ، فرفع المستثنى دليل على كون العشرة منفية فيكون الدرهم مثبتا ، لأنّ الاستثناء من النفي إثبات.

قوله : ( ولو نصب لم يكن إقرارا بشي‌ء ).

وذلك لأنّ نصبه دليل على كون المستثنى منه موجبا ، وإنّما يكون كذلك إذا كان حرف النفي ـ وهو ما ـ داخلا على الجملة كلها ـ أعني : مجموع المستثنى والمستثنى منه ـ فكأنّه قال : المقدار الذي هو عشرة إلاّ درهما ليس له عليّ ، لأن عشرة‌

__________________

(١) مغني اللبيب : ٧١.

٣١٠

ولو قال : هذه الدار لزيد وهذا البيت لي فهو كالاستثناء.

ولا فرق بين أدوات الاستثناء مثل : له عشرة سوى درهم ، أو ليس ، أو خلا ، أو عدا ، أو ما خلا ، أو ما عدا ، أو لا يكون ، أو غير درهم بالنصب.

ولو رفع الغير فهو وصف إن كان عارفا وإلاّ لزمه تسعة.

______________________________________________________

إلا درهما في قوة تسعة فقد نفى ثبوت التسعة.

قوله : ( ولو قال : هذه الدار لزيد وهذا البيت لي فهو كالاستثناء ).

أي : في كون المقر به هو الدار سوى البيت ، ووجهه : أنّ أول الكلام إنّما يتم بآخره ، وليس في قوله : هذا البيت إنكار لما أقر به ولا رجوع ، لأنّ المقر به هو ما بعد البيت.

قوله : ( ولا فرق بين أدوات الاستثناء مثل : له عشرة سوى درهم ، أو ليس ، أو خلا ، أو عدا ، أو ما عدا ، أو ما خلا ، أو لا يكون ، أو غير درهم بالنصب ، ولو رفع فهو وصف إن كان عارفا وإلاّ لزمه تسعة ).

أمّا أنّه لا فرق بين أدوات الاستثناء فظاهر ، لإفادة كل منها ما تفيده إلاّ ، وقد عرفت أنّ الاستثناء غير مناف للإقرار فلا يختلف الحال باختلاف أدواته ، فلو قال : له عشرة سوى درهم ، أو خلا ، أو عدا درهم ، أو ما خلا ، أو ما عدا درهما أو لا يكون درهما ، وكذا غير درهم بالنصب.

ولو رفع فهو وصف ، وذلك لأنّ إعراب غير إذا كانت للاستثناء كإعراب ما بعد إلاّ ، فإذا قال : عشرة غير درهم بالنصب كانت للاستثناء ، إذ لو استثنى بإلاّ فقال : إلاّ درهما لوجوب النصب ، فلو رفع في مثل ذلك امتنع أن يكون للاستثناء بل يكون وصفا فتجب العشرة.

هذا إذا كان عارفا بالقانون العربي وإلاّ لزمه تسعة ، لأنّ مثل ذلك يراد به‌

٣١١

ويشترط في الاستثناء كله الاتصال.

ولو قال : لزيد ستة إلاّ نصف ما لبكر ، ولبكر ستة إلاّ نصف ما لزيد فلزيد شي‌ء ولبكر ستة إلاّ نصف شي‌ء ، فلزيد ستة إلاّ ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شي‌ء ، لأنّك تسقط الربع في مقابلة الربع المستثنى ، فإذا جبرت وقابلت صار ستة تعدل ثلاثة وثلاثة أرباع شي‌ء ، فإذا أسقطت ثلاثة بمثلها بقي ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شي‌ء ، فالشي‌ء أربعة فلكل منهما أربعة.

______________________________________________________

الاستثناء عرفا ولا ينظر الى حال الاعراب ، وعلى هذا فينبغي أن يقال في مثل له عشرة إلا درهم بالرفع هذا التفصيل ، وكذا كل ما جرى هذا المجرى.

قوله : ( ويشترط في الاستثناء كله الاتصال ).

أي : الاتصال عادة ، فلا يضر التنفس ، والسعال ، والسكوت لطول الكلام ، ونحو ذلك وعن ابن عباس أنّه يجوز التأخير شهرا.

قوله : ( ولو قال : لزيد ستة إلاّ نصف ما لبكر ، ولبكر ستة إلاّ نصف ما لزيد فلزيد شي‌ء ، ولبكر ستة إلاّ نصف شي‌ء فلزيد ستة إلاّ ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شي‌ء ، لأنّك تسقط الربع في مقابلة الربع المستثنى ، فإذا جبرت وقابلت صارت تعدل ثلاثة وثلاثة أرباع شي‌ء ، فإذا أسقطت ثلاثة بمثلها بقي ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شي‌ء ، فالشي‌ء أربعة فلكل منهما أربعة ).

هذا من قبيل الإقرار بالمجهول إلاّ أنّ فيه استثناء ، وقد ذكر المصنف صورا : اتفاق المالين والاستثناء ، اتفاقهما دون الاستثناء ، اختلافهما وختم بالعطف في أحد الشخصين المقر لهما والاستثناء في الآخر.

أما الأولى : فإذا قال : لزيد ستة إلاّ نصف ما لبكر ، ولبكر ستة إلاّ نصف ما لزيد ، فلزيد شي‌ء ولبكر ستة إلاّ نصف شي‌ء نصفها ثلاثة إلاّ ربع ، فلزيد ستة إلاّ ثلاثة إلاّ ربع شي‌ء ، فله ستة وربع شي‌ء إلاّ ثلاثة يعدل شيئا كاملا ، يسقط ربع شي‌ء‌

٣١٢

ولو قال : لزيد عشرة إلاّ نصف ما لبكر ، ولبكر عشرة إلاّ ثلث ما لزيد فلزيد شي‌ء ولبكر عشرة إلاّ ثلث شي‌ء ، فلزيد عشرة إلاّ خمسة تعدل خمسة أسداس شي‌ء ، فإذا جبرت وقابلت صار عشرة تعدل خمسة وخمسة‌

______________________________________________________

بمثله من الشي‌ء يبقى ستة إلا ثلاثة يعدل ثلاثة أرباع شي‌ء ، وهي ما ذكره المصنف.

وعلله بأنّك تسقط الربع في مقابلة الربع المستثنى ، فإذا جبرت المستثنى منه وهو ستة بالاستثناء وهو ثلاثة صارت ستة كاملة ، وقابلت بأن زدت على ثلاثة أرباع شي‌ء ثلاثة صارت ستة تعدل ثلاثة وثلاثة أرباع شي‌ء ، فإذا أسقطت المشترك وهو ثلاثة من الجانبين بقي ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شي‌ء فالشي‌ء أربعة.

وإن شئت أن تقول : ستة إلاّ ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شي‌ء فثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شي‌ء ، لأنّ ستة ثالثة ثلاثة لا محالة.

وإن شئت من أول الأمر قلت : فلزيد ستة إلاّ ثلاثة إلاّ ربع شي‌ء يعدل شيئا كاملا ، فإذا أسقطت المستثنى وهو ثلاثة من ستة بقي ثلاثة ، فيكون ثلاثة وربع شي‌ء يعدل شيئا كاملا ، فإذا أسقطت ربع شي‌ء بمثله من الشي‌ء بقي ثلاثة يعدل ثلاثة أرباع شي‌ء فالشي‌ء أربعة هي ما لزيد ، ولبكر ستة إلاّ نصف الأربعة وهو أربعة.

ولك طريق آخر ، وهو أن تفرض لزيد شيئين لاستثناء النصف منه ، وتسقط نصفهما من الستة المضافة إلى بكر فتكون له ستة ناقصة شيئا تأخذ نصف ذلك ـ وهو ثلاثة ناقصة نصف شي‌ء ـ وتزيده على ما فرضناه لزيد ـ وهو شيئان ـ تكون ثلاثة وشيئا ونصفا يعدل ستة يسقط ثلاثة بثلاثة يبقى ثلاثة في مقابل شي‌ء ونصف ، فالشي‌ء اثنان فلزيد أربعة ولبكر ستة إلاّ نصفها.

قوله : ( ولو قال : لزيد عشرة ، إلاّ نصف ما لبكر ولبكر عشرة إلاّ ثلث ما لزيد ، فلزيد شي‌ء ، ولبكر عشرة إلاّ ثلث شي‌ء ، فلزيد عشرة إلا خمسة تعدل خمسة أسداس شي‌ء فإذا جبرت وقابلت صار عشرة تعدل خمسة وخمسة أسداس شي‌ء فإذا أسقطت خمسة بمثلها بقي خمسة تعدل خمسة‌

٣١٣

أسداس شي‌ء ، فإذا أسقطت خمسة بمثلها بقي خمسة تعدل خمسة أسداس شي‌ء ، فالشي‌ء يعدل ستة فهي لزيد ولبكر ثمانية.

ولو قال : لزيد عشرة إلاّ ثلث ما لبكر ، ولبكر خمسة عشر إلاّ نصف ما لزيد فلزيد شي‌ء ولبكر خمسة عشر إلاّ نصف شي‌ء ، فلزيد عشرة وسدس‌

______________________________________________________

أسداس ، فالشي‌ء يعدل ستة فهي لزيد ولبكر ثمانية ).

قد علم هذا الطريق وما حذف منه وهو سدس شي‌ء ممّا مضى وهنا طريق آخر ، وهو أن يفرض لزيد ثلاثة أشياء لاستثناء الثلث منه ويسقط ثلثها من العشرة المضافة إلى بكر فيكون له عشرة ناقصة شيئا ، تأخذ نصفها ـ وهو خمسة ناقصة نصف شي‌ء ـ وتزيده على ما فرضناه لزيد ـ وهو ثلاثة أشياء ـ يكون خمسة وشيئين ونصفا يعدل عشرة ، يسقط خمسة بخمسة يبقى خمسة في مقابل شيئين ونصف فالشي‌ء اثنان ، فلزيد ستة ولبكر عشرة إلاّ ثلثها.

وطريق آخر ، وهو أن نقول : استثني من أحد الإقرارين النصف ومن الآخر الثلث ، فتضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخر يكون ستة ثم تنظر في الجزء المستثنى من الإقرارين ـ وكلاهما واحدا ـ فتضرب واحدا في واحد فيكون واحدا تنقصه من الستة يبقى خمسة فتحفظها وتسميها المقسوم عليه ، ثم تضرب ما يبقى من مخرج كل من الجزأين بعد إسقاطه في مخرج الآخر ، بأن تضرب ما يبقى من مخرج النصف بعد النصف وهو واحد في مخرج الثلث يحصل ثلاثة ، تضربها في العشرة المذكورة في الإقرار يكون ثلثين ، تقسمها على العدد المقسوم عليه وهو خمسة يخرج نصيب الواحد ستة فهي ما لزيد ، وتضرب ما يبقى من مخرج الثلث بعد الثلث وهو اثنان في مخرج النصف وهو اثنان يكون أربعة ، تضربها في العشرة يكون أربعين ، تقسمها على الخمسة يخرج ثمانية وهي ما لبكر.

قوله : ( ولو قال : لزيد عشرة إلاّ ثلث ما لبكر ولبكر خمسة عشر إلاّ نصف ما لزيد فلزيد شي‌ء ولبكر خمسة عشر إلاّ نصف شي‌ء ، فلزيد عشرة‌

٣١٤

شي‌ء إلاّ خمسة تعدل شيئا فسقط السدس بمثله تبقى خمسة تعدل خمسة أسداس شي‌ء ، فالشي‌ء ستة لزيد ولبكر اثنان عشر.

ولو أقر لأحدهما بمثل الآخر وعطف في أحدهما بالنصف واستثناه من الآخر فلذي العطف ثلاثة أمثال ما للآخر.

______________________________________________________

وسدس شي‌ء إلاّ خمسة تعدل شيئا ، يسقط السدس بمثله يبقى خمسة تعدل خمسة أسداس شي‌ء ، فالشي‌ء ستة لزيد ولبكر اثنا عشر ).

قد صرّح المصنف هنا فيما يصير لزيد بجزء الشي‌ء على خلاف ما فعل في الصورتين السابقتين ، والأمر ظاهر.

وبالطريق الثاني نفرض لبكر ثلاثة أشياء لاستثناء الثلث منه نسقط ثلثها من العشرة المضافة الى زيد تكون له عشرة ناقصة شيئا ، نأخذ نصف ذلك ـ وهو خمسة إلاّ نصف شي‌ء ـ ونزيده على ما فرضناه لبكر ـ وهو ثلاثة أشياء ـ يكون خمسة وشيئين ونصفا ويعدل خمسة عشر ، نسقط خمسة بمثلها يبقى عشرة في مقابل شيئين ونصف فالشي‌ء أربعة ، فلزيد ستة ولبكر خمسة عشر إلاّ نصفها وهو اثنا عشر.

وبالطريق الثالث نضرب ما يبقى من مخرج النصف بعد إسقاطه في مخرج الثلث ، ثم نضرب الحاصل ـ وهو ثلاثة ـ في عشرة ثم نقسمها على خمسة يخرج ستة هي ما لزيد ، ثم نضرب الباقي من مخرج الثلث بعد إسقاطه ـ وهو اثنان ـ في مخرج النصف يكون أربعة ، نضربها في خمسة عشر يحصل ستون ، نقسمها على خمسة يخرج اثنا عشر هي ما لبكر.

قوله : ( ولو أقر لأحدهما بمثل الآخر ، وعطف في أحدهما بالنصف واستثناه من الآخر فلذي العطف ثلاثة أمثال ما للآخر ).

مثاله : لزيد عشرة ونصف ما لعمرو ولعمرو عشرة إلاّ نصف ما لزيد ، ونفرض ما لزيد شيئا فلعمرو عشرة إلاّ نصف شي‌ء ، فلزيد خمسة عشر إلاّ ربع شي‌ء تعدل‌

٣١٥

المطلب الثاني : فيما عدا الاستثناء وهو سبعة :

أ : إذا عطف ببل فإن كانا معينين أو مختلفين لم يقبل أضرابه ، ولزمه الأمران ،

______________________________________________________

الشي‌ء المفروض أولا ، فإذا جبرت المستثنى منه بالمستثنى صار خمسة عشر ، فنزيد على الشي‌ء ربع شي‌ء فيكون خمسة عشر تعدل شيئا وربعا ، فالشي‌ء اثنا عشر لزيد والعمرو أربعة.

قوله : ( المطلب الثاني : فيما عدا الاستثناء وهو سبعة :

أو : إذ عطف ببل ، فإن كانا معيّنين أو مختلفين لم يقبل أضرابه ولزمه الأمران ).

وجهه : أنّ الإضراب إنكار للإقرار ، فإن بل إذا تقدمها إيجاب يجعل ما قبلها كالمسكوت عنه فلا يحكم عليه بشي‌ء ، وإثبات الحكم لما بعدها والإنكار بعد الإقرار لا يسمع.

مثال المعيّنين ما سيأتي في قوله : ( فلو قال : له هذا الدرهم بل هذه فيلزمه كلاهما ) لأنّ الإنكار بعد الإقرار لا يقبل ، واحد الشخصين غير الآخر قطعا وغير داخل فيه.

ومثال المختلفين ما سيأتي في قوله : ( أو قفيز حنطة بل قفيز شعير ... ).

ووجه (١) لزومهما معا مثل ما سبق من أنّ أحد المختلفين غير الآخر وغير داخل فيه ، وأوجب ابن الجنيد ما بعد بل في المختلفين دون ما قبلها (٢) ، وليس بشي‌ء.

__________________

(١) في « ص » : ووجهه.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٤٢.

٣١٦

ولو كانا مطلقين أو أحدهما لزمه واحد أو الأكثر ، فلو قال : له هذا الدرهم بل هذا ، أو قفيز حنطة بل قفيز شعير لزمه الدرهمان والقفيزان.

ولو قال : له هذا الدرهم بل درهم ، أو درهم بل هذا الدرهم لزمه المعيّن ، ويحتمل لزوم الدرهمين.

ولو قال : له درهم بل درهم لزمه واحد ، ويحتمل اثنين ، لاستدعاء الإضراب المغايرة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كانا مطلقين أو أحدهما لزمه واحد أو الأكثر ).

يريد لزمه واحد إن استوى ما قبل بل وما بعدها ، وإن اختلفا لزمه الأكثر.

وقد أعاد بعض صور المسألة بقوله : ( ولو قال : له هذا الدرهم بل درهم أو درهم بل هذا الدرهم لزمه المعيّن ، ويحتمل لزوم الدرهمين ، ولو قال له درهم بل درهم لزمه واحد ) ويحتمل اثنين لاستدعاء الإضراب المغايرة.

أمّا وجه لزوم واحد مع استواء ما قبل بل وما بعدها ، فلأنّهما مطلقا فلا يمتنع أن يكون ما قبلها هو ما بعدها أو داخلا فيه ، والأصل براءة الذمة ، ولا دليل على أن أحدهما منفصل عن الأخر.

وأمّا وجه احتمال لزوم اثنين في هذه الصورة ، فلأنّ الإضراب يقتضي المغايرة ، لامتناع كون الشي‌ء الواحد محكوما عليه ومسكوتا عنه. ورد بأنّه يجوز أن يقصد الاستدراك لزيادة ، فيذكر أنّه لا حاجة اليه ولا زيادة عليه فلم يستدرك بل أعاد الأول وفيه نظر ، لأنّ ذلك يقتضي كون بل ليست في موضعها.

ولقائل أن يقول : إن شرط صحة استعمال بل مغايرة ما قبلها لما بعدها ، فكما لا يصح ان يقال : جاء رجل بل رجل بتأويل أنّ أحد الرجلين غير الآخر ، إذ الغرض منها إفهام السامع الحكم على الثاني وعدمه على الأول ومع الإطلاق لا يحصل الغرض ، فكذا لا يصح له درهم بل درهم ، فيكون الإضراب لاغيا لانتفاء شرطه ، وارتكاب‌

٣١٧

ولو قال : له درهم بل درهمان لزمه درهمان.

ولو قال : له هذا الدرهم بل هذان لزمه الثلاثة ،

______________________________________________________

التأويل مع أنه غير مصحح للإضراب فيه شغل لذمة بريئة بارتكاب التأويل.

هذا مع الاستواء ، فأما إذا كان أحدهما أكثر أو معيّنا دون الآخر فانّ المغايرة بالأكثرية والتعيين كافية في صحة الإضراب ولا يلزم وجوب الأقل أو الأكثر معا ولا المعيّن وغيره ، وذلك لأنّ الأقل يحتمل دخوله في الأكثر ، لصحة أن يقال : له عشرة بل بعضها أوله خمسة بل زائدا عليها ، ومع احتمال كل من الأمرين وعدم استدعاء كل واحد منهما فالتمسك بأصالة براءة الذمّة ينفي وجوب الزائد ومثله المطلق والمعيّن ، لأنّ المطلق من محتملاته المعيّن فكيف يتحتم وجوبهما؟.

ويكفي لصحة العطف ببل تغايرهما بالإطلاق والتعيين ، إذ يصح أن يقال : له درهم يمكن أن يكون هذا وغيره بل هذا الدرهم ، فعلى هذا الاحتمال في المسألتين ضعف. وقول المصنف ( لاستدعاء الإضراب ) بيان لوجه الاحتمال في الموضعين.

قوله : ( ولو قال : له درهم بل درهمان لزمه درهمان ).

قد اندرجت هذه المسألة في قوله : ( ولو كانا مطلقين أو أحدهما لزمه واحد أو الأكثر ) ، وقد ذكرنا ما فيها مستوفى.

لكن سوق العبارة يشعر بعدم تطرق احتمال لزوم الثلاثة هاهنا ، وليس كذلك ، بل المغايرة التي ادّعاها إن تم الاستدلال بها على لزوم كل من المعيّن والمطلق اقتضتا لزوم ثلاثة هنا بغير تفاوت ، وقد حكى في التذكرة القول بوجوب الثلاثة هنا عن زفر وداود (١).

قوله : ( ولو قال له هذا الدرهم بل هذان لزمه الثلاثة ).

ووجهه معلوم ممّا سبق.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٩ ، المغني لابن قدامة ٥ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني ٥ : ٣٥١.

٣١٨

وكذا لو قال : له قفيز شعير بل قفيزان حنطة.

ولو قال : له عشرة لا بل تسعة لزمه عشرة ، بخلاف الاستثناء.

ولو عطف بـ ( لكن ) لزمه ما بعدها ، إذ لا يعطف بها إلا بعد النفي. فلو قال : ماله عندي عشرة لكن خمسة لزمه خمسة.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لو قال : قفيز شعير بل قفيزان حنطة ).

أي : يلزمه ثلاثة أقفزة للاختلاف في الجنس.

قوله : ( ولو قال : له عشرة لا بل تسعة لزمه عشرة بخلاف الاستثناء ).

الفرق بين الاستثناء والإضراب سواء كان مع حرف السلب أو بدونه : أنّ الاستثناء من متممات الكلام ، وذلك لأنّ المحكوم بثبوته هو المستثنى منه المخرج منه المستثنى ، فلا يعقل تعلق الحكم بثبوته إلاّ بعد تمامه بإخراج المستثنى منه.

وأمّا الإضراب ببل بعد الإيجاب فإنّه يجعل ما قبلها كالمسكوت عنه ، فهو رجوع عن الحكم السابق وإنكار الإقرار المتقدم ، فإن كان معه حرف السلب فهو نقيض ما تقدم ، ولا ريب أنّ إنكار الإقرار والرجوع عنه غير مسموع. وأعلم أن ما ذكر من الاحتمال في المسألتين السابقتين آت هنا ، وقد حكى نظير ذلك في التذكرة قولا عن زفر وداود (١).

قوله : ( ولو عطف بـ « لكن » لزمه ما بعدها ، إذ لا يعطف بها إلاّ بعد النفي ، فلو قال : ماله عشرة لكن خمسة لزمه خمسة ).

لا ريب أنّ لكن يعطف بها بعد النفي وبعد النهي ، وأجاز بعض النحاة العطف بها بعد الإيجاب. فقول المصنف : ( إذ لا يعطف بها إلاّ بعد النفي ) مراده به : أنّه لا يعطف‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٩ ، المغني لابن قدامة ٥ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني ٥ : ٣٥١.

٣١٩

ب : إذا كان في يده شي‌ء على ظاهر التملك فقال : هذا الشي‌ء لزيد بل لعمرو قضي به للأول وغرم قيمته للثاني ، وكذا : غصبته من زيد بل من عمرو على إشكال ،

______________________________________________________

بها في الإقرار حيث يكون ما بعدها إقرارا إلاّ بعد النفي ، وذلك حق لوجوب مغايرة ما قبلها لما بعدها نفيا وإثباتا.

قوله : ( ب : إذا كان في يده شي‌ء على ظاهر التملك فقال : هذا الشي‌ء لزيد بل لعمرو قضي به للأول وغرم قيمته للثاني ).

أما الحكم الأول فلعموم قوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) ، وأمّا الثاني فلأنّه قد أحال بين عمرو المقر له وبين الشي‌ء المقر به بإقراره لزيد ، فيجب أن يغرم القيمة له للحيلولة الموجبة للغرم.

وعن ابن الجنيد فيما إذا قال : هذه الدار لزيد لا بل لعمرو إنّه إن كان المقر حيا سئل عن مراده وإلاّ كان زيد وعمرو بمنزلة متداعيين لشي‌ء هو في يدهما فيأخذه ذو البينة ، ومع عدمها فالحالف ، فإن حلفا اقتسماه (٢) ، والأصح الأول.

قوله : ( وكذا غصبته من زيد بل من عمرو على اشكال ).

أي : وكذا يقضى بالشي‌ء الّذي في يده على ظاهر التملك إذا قال : غصبته من زيد بل من عمرو ، لزيد ويغرم لعمرو قيمته على إشكال ينشأ : من عدم التنافي بين الإقرارين ، وصدق الغصب من ذي اليد وإن لم يكن مالكا فربّما كان أحدهما صاحب يد بإجارة ونحوها فلا يكون مالكا ، فيحكم به للأول لسبق الإقرار باليد له ، ولا يغرم للثاني لانتفاء ما يدل على كونه مالكا فإنّ الغصب منه لا يستدعي ذلك.

ومن أن الغصب موجب للرد والضمان فيقتضي الإقرار استحقاق كل منهما‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧ حديث ٥.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٤٢.

٣٢٠