جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٦

ولو عطف ورفع لزمه درهم ، لأنّه ذكر شيئين ثم أبدل منهما درهما فكأنّه قال : هما درهم.

ولو نصب احتمل لزوم درهم ، لأنّ كذا يحتمل أقل من درهم ، فإذا عطف مثله وفسّرهما بدرهم جاز ودرهمين ، لأنّه ذكر جملتين وفسّر بدرهم فيعود الى الجميع ، كمائة وعشرين درهما يعود التفسير الى الجميع ، وأكثر من درهم بناء على أنّ الدرهم تفسير للأخير ، ويبقى الأول على إبهامه. وقيل : يلزمه أحد وعشرون.

______________________________________________________

وقال الشيخ : إنّه إذا قال : كذا كذا درهما بالنصب يلزمه أحد عشر درهما ، لأنّ أقل عدد مركب مع غيره ينصب بعده المميز أحد عشر إلى تسعة عشر فيجب الحمل على الأقل (١) ، ويضعّف بما تقدم.

قوله : ( ولو عطف ورفع لزمه درهم ، لأنّه ذكر شيئين ثم أبدل منهما درهما ، فكأنّه قال : هما درهم. ولو نصب احتمل لزوم درهم ، لأنّ كذا يحتمل أقل من درهم ، فإذا عطف مثله وفسرهما بدرهم جاز ودرهمين ، لأنّه ذكر جملتين وفسر بدرهم فيعود الى الجميع ، كمائة وعشرين درهما يعود التفسير الى الجميع وأكثر من درهم بناء على أنّ الدرهم تفسير للأخير ويبقى الأول على إبهامه ، وقيل يلزمه أحد وعشرون ).

أي : لو عطف كذا على كذا ورفع الدرهم فقال : له عليّ كذا وكذا درهم لزمه درهم ، لأنّه ذكر شيئين ثم أبدل منهما درهما فكأنّه قال : شي‌ء وشي‌ء هما درهم. وفي وجه للشافعية أنّه يلزمه درهم وزيادة (٢) ، حملا على أنّ درهم تفسير للمعطوف ، ويبقى المعطوف‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٣.

(٢) المغني لابن قدامة ٥ : ٣١٩.

٢٦١

______________________________________________________

عليه يرجع إليه في تفسيره ، وأصالة البراءة تنفيه.

ولو نصب فقال : كذا وكذا درهما فعند المصنف فيه احتمالات ثلاثة :

الأول : لزوم درهم ، لأنّ كذا يحتمل أقل من درهم ، فإذا عطف مثله وفسرهما بدرهم على طريق التمييز كان صحيحا جاريا على القوانين ، والأصل براءة الذمّة ممّا زاد ، وهذا أقوى.

الثاني : لزوم درهمين ، لأنّه ذكر جملتين وفسر بدرهم فيكون تفسيرا للجميع على معنى أنّه مفسر للأخيرة ، ودليل على مفسر الاولى كمائة وعشرين درهما فإنّه سيأتي ان شاء الله تعالى إنّ المائة تكون أيضا دراهم.

الثالث : إنّه يلزمه أكثر من درهم ، لأنّ الدرهم تفسير للأخير فيبقى الأول على إبهامه.

وقال الشيخ في المبسوط : إنّه يلزمه أحد وعشرون ، لأنّه أقل عددين عطف أحدهما على الآخر وانتصب الدرهم بعدهما (١) وقال ابن إدريس في جميع المسائل السابقة في مقابل كلام الشيخ : الأولى الرجوع الى التفسير ، لأنّ كذا لفظ مبهم محتمل ولا يعلق على الذمم شيئا بأمر محتمل ، والأصل براءة الذمّة (٢).

قال المصنف في المختلف : والتحقيق أن يقول : إن كان القائل من أهل اللسان الزم بما قاله الشيخ ، وإلاّ رجع الى تفسيره كما اختاره ابن إدريس (٣). هذا كلامه ، ويشكل بأنّ هذه المعاني ليست مستفادة من هذه الألفاظ بالوضع ليحكم على من كان من أهل اللسان بها. وعلى تقدير الوضع فأهل اللسان إنّما يتحاورون في الأقادير والمعاملات بما يتفاهمه أهل العرف ، والأصح ما قاله ابن إدريس.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٣.

(٢) السرائر : ٢٨١.

(٣) المختلف : ٤٤٠.

٢٦٢

ولو قال : ألف ودرهم أو درهمان فالألف مبهم يقبل تفسيره بما قل وكثر.

ولو قال : ألف وثلاثة دراهم أو وخمسون درهما ، أو ألف ومائة وخمسة وعشرون درهما أو وخمسة عشر درهما ، أو ألف ومائة درهم فالجميع دراهم على إشكال.

______________________________________________________

فرع : الدرهم في نحو خمسة عشر درهما مفسر الجميع ، لأنّه مفسر هذا العدد المركب.

قوله : ( ولو قال : الف ودرهم أو درهمان فالألف مبهم يقبل تفسيره بما قلّ وكثر ).

وذلك لأن عطف جنس معيّن على مبهم الجنس لا يقتضي تفسيره ، إذ لا منافاة بين عطف بعض الأجناس على ما يغايرها ، بل هو الواجب فبأي شي‌ء فسره قبل حتى لو فسره بحبات الحنطة قبل. كذا قال في التذكرة (١) ، ويؤيده أن المفسر للشي‌ء لا يعطف عليه ، وتقدير قوله : أو درهمان أو قال ألف ودرهمان.

قوله : ( ولو قال : ألف وثلاثة دراهم أو وخمسون درهما ، أو ألف ومائة وخمسة وعشرون درهما أو وخمسة عشر درهما ، أو ألف ومائة درهم فالجميع دراهم على إشكال ).

ينشأ : من أنّ الاستعمال لغة وعرفا جار على الاكتفاء بمفسر الأخير في كونه تفسيرا لما قبله ، قال الله تعالى ( إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ) (٢). وفي الحديث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة (٣) ، وقال‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٤.

(٢) ص : ٢٣.

(٣) الكافي : ٣٦٥.

٢٦٣

ولو قال : عليّ ثلاثة دراهم وألف ، أو عشرون درهما وألف ، فالألف مجهولة.

ولو قال : درهم ونصف فالأقرب حمل النصف على السابق.

______________________________________________________

الشاعر : ولها اثنتان وأربعون حلوبة ، وغير ذلك من الاستعمالات في الأخبار وكلام العرب التي لا تنحصر.

وأما الاستعمالات العرفية فظهورها مغن عن التعرض لبيانها ، وكأنّهم لما كرهوا الإتيان بالمفسرات المختلفة في الكلام الواحد اكتفوا بأحدها ، وأثروا مفسر المبهم الأخير على غيره ، لأنّ المفسر إنّما يفسر به ما قبله.

ومن أنّ المقطوع به هو تفسير ما اتصل به فيكون ما سواه على الإبهام ، ولأنّ الأصل براءة الذمّة ، ولأنّ الاستثناء المتعقب جملا يختص بالأخيرة.

ويضعف بأن الاستعمال لما كان جاريا على ذلك بحيث لا يفهم عند الإطلاق سواه ، ولا يتوقف أحد في فهم المراد من نحو ذلك على قرينة اندفع الإبهام ، فإنّ المحذوف لدليل بمنزلة المذكور ، وحينئذ فلا يبقى الأصل هنا متمسكا لوجود الناقل.

والاستثناء بعد جمل إنما يعود إلى الأخيرة على القول به ، مع انتفاء ما يدل على عوده الى الجميع ، والأول أقوى. وعلى الثاني فلو باع بمائة وعشرين درهما مثلا لم يصح البيع حتى يذكر مفسر المائة.

قوله : ( ولو قال : عليّ ثلاثة دراهم وألف أو عشرون درهما وألف فالألف مجهولة ).

لأنّ السابق في مثل ذلك لم يثبت كونه مفسرا لما بعده ، والأصل البراءة.

قوله : ( ولو قال : درهم ونصف فالأقرب حمل النصف على السابق ).

وجه القرب : أنّه المتفاهم في المحاورات العرفية حتى لو قال : له عليّ درهم ونصف درهم عدّ مطولا تطويلا زائدا على قدر الحاجة. ويحتمل عدمه ، للأصل ، ولأنّه‌

٢٦٤

د : إطلاق الإقرار بالموزون أو المكيل ينصرف الى ميزان البلد وكيله ، وكذا الذهب والفضة ينصرف الى نقده الغالب ، سواء كان نقدهم مغشوشا أو لا ، وسواء كان الوزن ناقصا أو لا ، فإنّ تعدد الوزن أو النقد متساويا رجع إليه في التعيين.

______________________________________________________

معطوف على الدرهم فلا يفسر به ، والأول أقوى. قال في التذكرة : أمّا لو قال : نصف ودرهم فالنصف مبهم (١).

قوله : ( إطلاق الإقرار بالموزون أو المكيل ينصرف الى ميزان البلد وكيله ).

لأنّه المتفاهم عرفا ، ولهذا يحمل الإطلاق في البيع عليهما.

قوله : ( وكذا الذهب والفضة ينصرف الى نقده الغالب ، سواء كان نقدهم مغشوشا أولا ، وسواء كان الوزن ناقصا أولا ).

الظاهر أنّ المراد بـ ( الذهب والفضة ) في هذا الكلام : الإقرار بالدراهم والدنانير ، فلو أقر بذهب أو فضة من غير أن يذكر الدينار أو الدرهم كأنّ قال : خمسة مثاقيل من فضة فالظاهر إنّ ذلك إنّما ينصرف إلى الفضة الخالصة الغالبة في البلد.

ولمّا كان الإطلاق محمولا على المتعارف لم يتفاوت الحال في حمل الدراهم والدنانير على المغشوشة إذا كان نقد البلد مغشوشا ، كما يحمل النقد على الخالص إذا كان غالبا في البلد بغير تفاوت.

وفي وجه للشافعية : إنّه لو فسر الدرهم بالناقص منفصلا عن الإقرار لم يقبل وإن كان عرف البلد ، بل يحمل على دراهم الإسلام (٢) ، وليس بشي‌ء.

قوله : ( فإن تعدد الوزن أو النقد متساويا رجع إليه في التعيين ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٤.

(٢) المجموع ٢٠ : ٣١، السراج الوهاج : ٢٥٨.

٢٦٥

ولو فسّره بالناقص النادر قبل مع اتصاله ، وكذا لو فسّر بالمغشوشة مع اشتمالها على الفضة لا بالفلوس.

ولو قال : عليّ دريهمات أو دراهم صغار ، وفسّره بالناقص لم يقبل إلاّ مع الاتصال.

______________________________________________________

أي : فإن تعدد الوزن‌ في البلد أو النقد بأن كان الرطل واقعا على كبير وصغير ، والنقد على صحيح وغيره ، وتساوى الجميع في المعاملة بحيث لم يكن لبعض على بعض أرجحية رجع إليه في التعيين لحصول الإبهام ، والأصل براءة الذمّة.

واحترز بقوله : ( متساويا ) عما لو كان بعض الوزن أو النقد المتعدد غالبا في المعاملة فإن الإطلاق يحمل عليه.

قوله : ( ولو فسره بالناقص النادر قبل مع اتصاله ).

أي : لو فسر الوزن أو النقد بالناقص النادر في البلد قبل مع اتصال التفسير بالإقرار لا بدونه ، أمّا مع الاتصال فلأنّه بمنزلة الاستثناء ، ولأنّه لو لا ذلك لأدى إلى تعذر الإقرار ممن عليه دراهم ناقصة ، ولأنّ الكلام لا يعتبر معناه إلاّ بعد تمامه ، بخلاف ما إذا انفصل فإنّه يقتضي رفع بعض ما قد حكم بثبوته فلا يسمع.

قوله : ( وكذا لو فسر بالمغشوشة مع اشتمالها على الفضة لا بالفلوس ).

أي : وكذا يقبل تفسيره مع الاتصال لو فسر الدراهم بالمغشوشة ، لكن حيث يكون الغالب غيرها ، وإلاّ لم يشترط الاتصال. وهذا إنّما هو مع اشتمالها على الفضة لا بالفلوس ، لأنّ اسم الدراهم لا يقع عليها.

قوله : ( ولو قال : عليّ دريهمات أو دراهم صغار وفسره بالناقص لم يقبل إلاّ مع الاتصال ).

لأنّ إطلاق الدراهم يقتضي حملها على الغالب في العرف ، ووصفها بالصغر‌

٢٦٦

هـ : الجمع يحمل على أقله وهو ثلاثة ، سواء كان جمع قلة أو كثرة ، وسواء كان معرّفا بلام الجنس أو منكرا ، وسواء وصفه بالكثرة أو القلة أو لا. فلو قال : له عليّ دراهم لزمه ثلاثة ، وكذا لو قال : الدراهم ، أو دراهم كثيرة ، أو وافرة ، أو قليلة.

______________________________________________________

المستفاد من الصيغة أو من صريح اللفظ لا ينفي حملها على الغالب ، لأنّ الدراهم الغالبة قد تكون صغيرة في شكلها ، نعم لو كان في الدراهم ما يعد صغيرا وكان ناقصا وفسره به قبل منه.

وفي التذكرة : إنّه لو قال : له عليّ دريهم ، أو دريهمات ، أو درهم صغير ، أو دراهم صغار فالوجه قبول تفسيره بما أراد ممّا ينطلق على هذا الاسم (١) ، وهذا لا يخالف ما ذكرناه. مع إنّه قال بعد هذا في المسألة التي تلي هذه : لو قال : له عليّ دريهم فهو كما لو قال : درهم ، لأنّ التصغير قد يكون لصغر في ذاته ، أو لقلة قدره عنده ، وقد يكون لمحبته.

ولو قال : له عليّ درهم كبير ، ففي التذكرة : إنّه يلزمه درهم من دراهم الإسلام ، لأنّه كبير في العرف ، قال : ولو كان هناك ما هو أكثر وزنا منه فالأقرب المساواة (٢).

قوله : ( الجمع يحتمل على أقله وهو ثلاثة ، سواء كان جمع قلة أو كثرة ، وسواء كان معرفا بلام الجنس أو منكرا ، وسواء وصفه بالقلة ، والكثرة ، أو لا ، فلو قال : له عليّ دراهم لزمه ثلاثة ، وكذا لو قال : الدراهم أو دراهم كثيرة أو وافرة أو قليلة ).

لما كان أقل الجمع ثلاثة باعتبار الوضع لم تحمل صيغة الجمع على ما فوقها ، ولا تفاوت بكونه جمع كثرة أو قلة ، لأنّ الفرق بينهما استعمال خاص فلا يعارض أصالة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٥.

(٢) التذكرة ٢ : ١٥٥.

٢٦٧

ولو قال : ثلاثة آلاف واقتصر الزم بتفسير الجنس بما يصحّ تملكه ممّا يصدق عليه ذلك العدد.

و : لو قال : عليّ ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية ،

______________________________________________________

البراءة ، والمعرّف باللام وإن اقتضى العموم إلاّ إنّه ممتنع هنا وليس هناك حد يرجع إليه فألغي التعريف ، وكذا لو وصف الجمع بالقلة أو الكثرة كما لو وصف المفرد.

وأحتمل المصنف في التذكرة قبول تفسير الجمع باثنين محتجا بالاستعمالات في الكتاب والسنّة مثل قوله تعالى ( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) (١) والمراد : اخوان ، وقوله عليه‌السلام : « الاثنان فما فوقهما جماعة » (٢) وبأنّ حقيقة الجمع موجودة في الاثنين.

قال : ولو سلم أنه مجاز فلا تستحيل إرادته ، فإذا فسر به قبل لأنّه أعرف بقصده (٣). ويضعّف بأنّ المجاز خلاف الأصل ، فالتفسير به منفصلا عن الإقرار رجوع عنه ، ويلزمه قبول التفسير بالواحد بعين ما ذكره فإنّه يستعمل فيه مجازا.

وفي الدروس : إنّه لو فسر باثنين متأولا معنى الاجتماع ، أو أخبر بأنّه من القائلين بأن أقل الجمع اثنان فالأقرب القبول (٤) ويشكل بأنّ اللفظ يجب حمله عند الإطلاق على الشائع في الاستعمال ، فإذا فسر بخلاف ذلك تفسيرا متراخيا عن الإقرار كان رجوعا عن بعض ما أقر به.

قوله : ( ولو قال : ثلاثة آلاف ... ).

أي : لو قال : له عندي ثلاثة آلاف.

قوله : ( ولو قال : له عليّ ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية ).

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) الفقيه : ٢٤٦ حديث ١٠٩٤ ، عيون اخبار الرضا ٢ : ٦ حديث ٢٤٨.

(٣) التذكرة ٢ : ١٥٥.

(٤) الدروس : ٣١٨.

٢٦٨

ولو قال : من درهم الى عشرة احتمل دخول الطرفين وخروجهما وخروج الغاية.

ولو قال : أردت المجموع لزمه خمسة وخمسون ، لأنّك تزيد أول‌

______________________________________________________

لأنّ ذلك ما بينهما ، وظاهر‌ إطلاقهم أنّ الثمانية دراهم ، واللفظ غير صريح في ذلك.

قوله : ( ولو قال : من درهم الى عشرة احتمل دخول الطرفين ، وخروجهما ، وخروج الغاية ).

وجه الأول : إنّ ذلك جار في الاستعمال ، تقول : قرأت القرآن من أوله الى آخره وأكلت الطعام من أوله الى آخره ، وفيه نظر ، لأنّ ذلك مستفاد من قوله : قرأت القرآن ، وأكلت الطعام.

ووجه الثاني : أنّ الأول والعاشر حدّان لا يدخلان في المحدود ، كما لو قال : بعتك من هذا الجدار الى هذا الجدار لا يدخل الجدران في المبيع. ونقل الشارح فيه الإجماع (١) ، ولقوله تعالى ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٢) ، ولأن الأصل البراءة فلا يجب سوى المتيقن ، وهو الأصح واختاره ابن إدريس (٣).

ووجه الثالث : أنّ الأول ابتداء الغاية والعاشر هو الحد فدخل الابتداء دون الحد ، ولأنّ الملتزم زائدا على الواحد والواحد مبدأ العدد والالتزام فيبعد خروجه ، واختاره الشيخ (٤) ، والمصنف في الإرشاد. ويضعّف بأنّ شغل الذمّة لا يكون بمجرد الاستبعاد.

قوله : ( ولو قال : أردت المجموع لزمه خمسة وخمسون ، لأنّك تزيد‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٤٦.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) السرائر : ٢٨٣.

(٤) المبسوط ٣ : ٢٧.

٢٦٩

العدد وهو الواحد على آخره وهو العشرة ، ثم تضرب المجموع في نصف العشرة.

ولو قال : له درهم في عشرة ولم يرد الحساب لزمه واحد ،

______________________________________________________

أول العدد وهو الواحد على آخره وهو العشرة ، ثم تضرب المجموع في نصف العشرة ).

أي : لو قال المقر : أردت بقولي : له من واحد إلى عشرة استحقاقه مجموع الاعداد المشمولة بهذا اللفظ لزمه خمسة وخمسون.

وطريق معرفة قدر مجموع الأعداد المذكورة : أن تزيد على آخر العدد وهو العشرة أولها وهو الواحد ، وتضرب ذلك في نصف العشرة ، وكذا كل ما جرى مجراه مثل من واحد الى عشرين فما خرج فهو الجواب. ولا يخفى أنّ قوله : ( لأنّك تزيد ... ) هو ضابط معرفة قدر المجموع وليس (١) دليل لزوم هذا القدر كما لا يخفى. وأعلم أنّ المصنف أطلق الحكم هنا وفي غير هذا الكتاب (٢) ، وكذا غيره (٣) ، وإنّما يستقيم ذلك على القول بدخول الطرفين.

أمّا على القول بخروجهما أو بخروج واحد فلا يبلغ المقر به خمسة خمسين كما لا يخفى إلاّ ان يريد بقوله الإقرار بجميع الأعداد التي اشتمل عليها هذا اللفظ فلا بحث في اللزوم حينئذ.

قوله : ( ولو قال : له درهم في عشرة ولم يرد الحساب لزمه واحد ).

وذلك لأنّ المقر به الدرهم والعشرة ظرف له.

__________________

(١) في « ص » : وهو.

(٢) التذكرة ٢ : ١٥٥.

(٣) منهم الشهيد في الدروس : ٣١٨.

٢٧٠

ولو قال : درهمان في عشرة وأراد الحساب لزمه عشرون ، ولو أراد درهمين مع عشرة قبل ولزمه اثنا عشر ، ويقبل منه هذا التفسير وإن كان من أهل الحساب على إشكال ، لأنّ كثيرا من العامة يريدون هذا المعنى.

ولو قال : أردت درهمين في عشرة لي قبل ولزمه درهمان.

ولو قال : درهمان في دينار لم يحتمل الحساب وسئل فإن فسر‌

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : درهمان في عشرة وأراد الحساب لزمه عشرون ولو أراد درهمين مع عشرة قبل ولزمه اثنا عشر ).

أمّا إذا أراد الحساب فلا بحث ، وأمّا إذا أراد درهمين مع عشرة فلأنّ هذا المعنى شائع بين أهل العرف ، يقولون إذا أرادوا جمع المتفرق عشرة في خمسة في سبعة الى غير ذلك فلا يمتنع الحمل عليه ، وقد جاءت في بمعنى المصاحبة في نحو قوله تعالى : ( ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ ) (١).

قوله : ( ويقبل منه هذا التفسير وإن كان من أهل الحساب على إشكال لأن كثيرا من العامة (٢) يريدون هذا المعنى ).

ويحتمل عدم القبول ، لأنّ الظاهر من أهل الحساب استعمال ألفاظه في معانيها المصلح عليها بينهم. ويضعف بأنّ المحاورات العرفية غالبا لا تكون بمصطلحات أهل العرف الخاص ، مع أن الأصل براءة الذّمة ، فالأصح القبول.

قوله : ( ولو قال : أردت درهمين في عشرة لي قبل ولزمه درهمان ).

لاحتمال اللفظ ذلك ، فأنّ في للظرفية والأصل البراءة.

قوله : ( ولو قال : درهمان في دينار لم يحتمل الحساب وسئل ، فإن فسر‌

__________________

(١) الأعراف : ٣٨.

(٢) انظر : المجموع ٢٠ : ٣١٧ ، السراج الوهاج : ٢٥٨ ، المغني لابن قدامة ٥ : ٣٠٠.

٢٧١

بالعطف لزمه درهمان ودينار ، وإن قال : أسلمتهما في دينار فصدّقه المقر له بطل إقرار ، لأنّ السلم لا يصحّ في الصرف ، وإن كذّبه صدّق المقر له مع اليمين.

ولو قال : له عندي زيت في جرة ، أو سيف في غمد ، أو كيس في صندوق ، أو فص في خاتم ، أو غصبت منه ثوبا في منديل لم يدخل الظرف.

______________________________________________________

بالعطف لزمه درهمان ودينار ).

إنّما لم يحتمل ذلك الحساب ، لأنّ المضروب لا بد أن يكون من جنس المضروب فيه فيبقى المراد مبهما.

وإنّما قبل تفسيره بالعطف وإن لم يعطف بـ ( في ) لأنّه إقرار على نفسه بمجموع الأمرين. ولعل المصنف لا يريد العطف الحقيقي ، بل لازمه وهو المصاحبة والاشتراك في الحكم ، وقد سبق أنّ في تستعمل بمعنى مع.

قوله : ( وإن قال : اسلمتها في دينار فصدّقه المقر له بطل إقراره ، لأن السلم لا يصح في الصرف ، وإن كذبه صدق المقر له مع اليمين ).

أي : وإن قال في تفسير قوله : له درهمان في دينار : أسلمتهما فيه ، بمعنى أنّه جعلهما عوض سلم الدينار وبقيا في ذمته لم يسلمهما الى زمان الإقرار والدينار (١) في ذمّة المقر له بالسلم ، فيجب أن يسأل المقر له عن هذا التفسير ، لأنّه يقتضي إبطال الإقرار فإنّ السلم في النقدين لا يصح.

فإنّ صدّقه فلا شي‌ء ، وإن كذبه ألزمه المقر بالدرهمين ولم يقبل منه ما ينافي الإقرار ، نعم له إحلاف المقر له على نفي ما ادعاه.

قوله : ( ولو قال : له عندي زيت في جرة ، أو سيف في غمد ، أو كيس في صندوق ، أو فص في خاتم ، أو غصبت منه ثوبا في منديل لم يدخل

__________________

(١) في « ص » : والدينار في الذمة أي : في ذمة المقر له.

٢٧٢

ولو قال له عندي غمد فيه سيف أو جرة فيها زيت لم يدخل المظروف وكذا : له خاتم فيه فص ، أو عمامة في رأس عبد.

ولو قال : له عندي خاتم وأطلق ، أو ثوب مطرز لزمه الخاتم بفصه على إشكال والطراز.

______________________________________________________

الظرف ).

لاحتمال أن‌ يريد في جرة لي ، أو في غمد لي ، وكذا البواقي.

وليس في اللفظ ما يقتضي كون هذه الأشياء للمقر له ، وإلاّ لكان إذا ضمّ اليه لفظة لي يفهم المنافاة ، لظاهر الإقرار ، ويحتاج الى العدول عن الظاهر مع أنّ الأصل براءة الذمة. ومثله ما لو قال : غصبته زيتا في جرة ، أو ثوبا في منديل لم يكن مقرا إلاّ بغصب الزيت والثوب خاصة خلافا لأبي حنيفة (١).

قوله : ( ولو قال : له عندي غمد فيه سيف ، أو جرة فيها زيت لم يدخل المظروف. وكذا : له خاتم فيه فص ، أو عمامة في رأس عبد ).

تقريبه ما تقدم.

قوله : ( ولو قال : له عندي خاتم وأطلق ، أو ثوب مطرّز لزمه الخاتم بفصّه على إشكال والطراز ).

المتبادر من العبارة : إنّ دخول الطراز في الإقرار بالثوب لا إشكال فيه ، وهو واضح ، لأنّ الطراز جزء أو كالجزء في العادة المستمرة.

وأمّا الفص ففي دخوله في الإقرار إشكال ينشأ : من أنّ اسم الخاتم يتناوله عرفا ، ومن مغايرته إياه وانفصاله عنه ، ولهذا يخلو الخاتم عنه كثيرا. والظاهر الأول ، لأنّ الكلام في شمول اسم الخاتم للفص إنّما هو مع وجوده فهو كالطراز ، وليس كل‌

__________________

(١) بدائع الصنائع ٧ : ٢١١.

٢٧٣

ولو قال : له عندي جارية فجاء بها وهي حامل احتمل صحة استثناء الحمل ، بخلاف ما لو قال : له خاتم وجاء به وفيه فص واستثناه فإنّ الظاهر عدم قبوله.

ولو قال : له دار مفروشة ، أو دابة مسرّجة ، أو عبد عليه عمامة احتمل الأمرين.

______________________________________________________

ما يقع جزءا لشي‌ء يمتنع خلوّه عنه ، وإختار في التذكرة الثاني (١).

قوله : ( ولو قال : له عندي جارية فجاء بها وهي حامل احتمل صحة استثناء الحمل ، بخلاف ما لو قال : له خاتم وجاء به وفيه فص واستثناه فإنّ الظاهر عدم قبوله ).

وجه الاحتمال : ان الحمل ليس جزءا من الجارية لغة ولا عرفا ، ولهذا لا يندرج في بيعها على الأصح فلا يتناوله الإقرار بها ، وكل منهما تحت يده فإذا أقر بأحدهما لم يكن إقرارا بالآخر. ومنه يظهر وجه الفرق بينهما وبين الخاتم والفص فإنه جزء عرفا.

ويحتمل العدم ، لأنّه تابع للام ونماء لها ، ونمنع تبعيته لها في الإقرار. والنماء إنما يتبع الأصل إذا تجدد في الملك ولم يكن هناك ما ينافي ملكيته ، والإقرار لا يقتضي تقدم ملك الام على تجدد في الملك ولم يكن هناك ما ينافي ملكيته ، والإقرار لا يقتضي تقدم ملكه الام على تجدد الحمل ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في أحكام القضاء انه لا يسمع دعوى : هذه ابنة أمتي ، لجواز تجددها في غير ملكه ، وصحة الاستثناء لا تخلو من قوة. واعلم أن قول المصنف : ( فإن الظاهر عدم قبوله ) رجوع عن الإشكال إلى الفتوى.

قوله : ( ولو قال : له دار مفروشة ، أو دابة مسرّجة ، أو عبد عليه عمامة احتمل الأمرين ).

أي : صحة استثناء الفرش والسرج والعمامة وعدمه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٧.

٢٧٤

ولو قال : دابة بسرجها ، أو دار بفرشها ، أو سفينة بطعامها ، أو عبد بعمامته لزمه الجميع.

______________________________________________________

وجه الأول : إنّ الإقرار يحمل التقييد بفرش لي ، وسرج وعمامة لي ، ومع الاحتمال لا يكون مقرا فإنّ الأصل البراءة.

ووجه الثاني : إنّ المتبادر الى الفهم دخول الفرش والسرج والعمامة ، ولأنّه وصف الدار بكونها مفروشة ، فإذا سلّم غير مفروشة لم يكن المقر بها.

ويضعّف بأنّ وصفها بذلك حين الإقرار لا يقتضي استحقاقها على هذا الوصف ، واللفظ محتمل ، ويده على الأمرين ، معا فلا يزول حكمها بمجرد الاحتمال. وإختار ابن الجنيد دخول السرج في الإقرار (١) ، ومنعه الشيخ في المبسوط (٢) ، والأصح عدم الدخول.

نعم ، قد يقال في الإقرار بالعبد : تدخل العمامة وما جرى مجراها ، والفرق : أنّ له يدا على ملبوسه ، وما في يد العبد فهو في يد سيده ، فدخول العمامة لا من جهة الإقرار بل من جهة اليد ، وإختاره المصنف في التذكرة (٣).

ويضعّف بأنّه لا يد للسيد على العبد هنا بل اليد للمقر عليه ، وعلى سائر ما عليه من عمامة وغيرها ، لأنّه وإن كان ذا يد إلاّ أنّه من حيث أنّه مال عليه يد فكذا ما عليه ، فإذا أقر بالعبد لم يسر الإقرار الى ما عليه ولا تزول يد المقر عنه ، كما لا يسري الى البيت الّذي هو ساكنه والطعام الّذي بين يديه.

قوله : ( ولو قال : دابة بسرجها ، أو دار بفرشها ، أو سفينة بطعامها ، أو عبد بعمامته لزمه الجميع ).

__________________

(١) المختلف : ٤٤٢.

(٢) المبسوط ٣ : ١٢.

(٣) التذكرة ٢ : ١٥٧.

٢٧٥

ولو قال : له ألف في هذا الكيس ولم يكن فيه شي‌ء لزمه الألف ، ولو كان الألف ناقصا احتمل إلزامه الإتمام.

ولو قال : الألف الذي في الكيس لم يلزمه الإتمام ،

______________________________________________________

فإنّ الباء تعلّق‌ الثاني على الأول ، لاقتضائها المصاحبة إذ لا يفهم منها سوى ذلك.

قوله : ( ولو قال : له ألف في هذا الكيس ولم يكن فيه شي‌ء لزمه الألف ).

أي : لو قال : له عليّ الف في هذا الكيس ولم يكن فيه شي‌ء لزمه الألف ، لأنّ قوله : له عليّ يقتضي اللزوم ، ولا أثر لقوله في هذا الكيس إذا لم يكن فيه شي‌ء ، لأنّ اعتباره يقتضي رفع الإقرار فلا ينظر اليه.

قوله : ( ولو كان الألف ناقصا احتمل إلزامه بالإتمام ).

لأنّه قد وجب عليه الألف بإقراره ، وكون البعض ليس في الكيس لا يقتضي سقوطه عنه ، لاحتمال أن يريد أنّه وضعها في الكيس ليؤديها إليه عن حقه فإذا ظهر نقصها وجب الإكمال ، وهو قوي.

ويحتمل العدم ، لحصر المقر به في الكيس ، وفيه نظر ، لأنّ الاخبار عن كونها في الكيس لا يقتضي حصر الواجب فيما فيه.

قوله : ( ولو قال : الألف الذي في الكيس لم يلزمه الإتمام ).

لأنّه جمع بين التعريف والإضافة إلى الكيس ، وقال بعض الشافعية : يلزمه الإتمام هنا أيضا (١) ، قال المصنف في التذكرة : وهو مبني على أنّ الإشارة إذا عارضت اللفظ أيهما يقدم؟ ثم قوّى اللزوم (٢).

__________________

(١) الوجيز : ١٩٩ ، الفتح العزيز المطبوع مع المجموع ١: ١٣٨.

(٢) التذكرة ٢ : ١٥٧.

٢٧٦

ولو لم يكن فيه شي‌ء ففي لزوم الألف وجهان.

ولو قال : له في هذا العبد الف قبل تفسيره بأرش الجناية ، وبكونه مرهونا ، وبأنّه وزن في شراء عشرة ألفا واشتريت أنا جميع الباقي بألف ، ولم يلزمه إلاّ عشر العبد.

ولو قال : نقد عني في ثمنه ألفا كان قرضا ، ولو قال : نقد ألفا في ثمنه وأنا ألفا بإيجاب واحد فقد أقر بالنصف.

ولو قال : وزنت أنا ألفين فقد أقر بالثلث ، ولو قال : اوصي له بألف من ثمنه بيع وصرف إليه ألف ، ولو أراد إعطاء ألف من ماله من غير الثمن‌

______________________________________________________

قوله : ( ولو لم يكن فيه شي‌ء ففي لزوم الألف وجهان ).

وجه اللزوم : أنه قد أقر بأنّ عليه ألفا ، والتعريف جاز استناده الى تعيينه الدين الّذي في ذمته فيما في الكيس.

ووجه العدم : أنّه حصر ما عليه في الكيس المعيّن ، فإذا لم يكن موجودا لم يلزمه شي‌ء آخر لم يتناوله إقراره.

وبنى بعض الشافعية الخلاف هنا على الخلاف فيما إذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز ولا ماء فيه هل ينعقد يمينه ويحنث أم لا؟ واختار لزوم الألف وعدم انعقاد اليمين حيث لا متعلق لها (١) ، وفي هذه والتي قبلها عندي توقف.

قوله : ( ولو قال : له في هذا العبد الف قبل تفسيره بأرش الجناية ، وبكونه مرهونا ، وبأنه وزن في شراء عشرة ألفا واشتريت أنا جميع الباقي بألف فلم يلزمه إلاّ عشر العبد. ولو قال : نقد عني في ثمنه ألفا كان قرضا ، ولو قال : نقد ألفا في ثمنه وأنا ألفا بإيجاب واحد فقد أقر بالنصف ، ولو قال : وزنت أنا ألفين فقد أقر بالثلث ، ولو قال : أوصى له بألف من ثمنه بيع وصرف‌

__________________

(١) الوجيز : ١٩٨ ، الفتح العزيز المطبوع مع المجموع ١: ١٣٩.

٢٧٧

لم يجب القبول.

______________________________________________________

اليه ، ولو أراد إعطاء ألف من ماله من غير الثمن لم يجب القبول ).

لا ريب أنّ قول المقر : لزيد في هذا العبد ألف مجمل ، لأنّ العبد لا يكون ظرفا للألف إلاّ بتأويل ، فيرجع الى تفسيره.

فإذا فسر بأرش جناية صدرت من العبد على المقر له أو على عبده قبل ، لأنّه تفسير صحيح ، وتعلق الألف برقبته. وإن فسر بكون العبد مرهونا بألف في ذمته قبل أيضا ، وقوّاه في التذكرة ، لأن الدين وإن كان محله الذمّة فله تعلق ظاهر بالمرهون فصار كالتفسير بأرش الجناية. وفي وجه أنّه لا يقبل ، لأنّ الإقرار يقتضي كون العبد محلا للألف ، ومحل الدين الذمّة لا المرهون ، وإنّما المرهون وثيقة له.

قال في التذكرة : وعلى هذا فإذا نازعه المقر له أخذناه بالألف الّذي ذكره في التفسير ، وطالبناه للإقرار المجمل بتفسير صالح (١) ثم اختار الأول وفيه قوة ، لأنّ محل الدين وإن كان الذمة إلاّ أنّ العبد محل أيضا إذا كان رهنا باعتبار استحقاق أخذه من قيمته ، وليس العبد بالنسبة إلى أرش الجناية محلا للأرش حقيقة ، لأنّه بكماله باق على ملك المالك مع تعلق الأرش به.

وإن فسر بأنّ المقر له وزن في عشر العبد ألفا وقال المقر : اشتريت أنا الباقي وهو تسعة أعشاره بألف قبل ، لأنّه محتمل. وقيد في التذكرة بكونه مع يمينه ، ولا اختصاص لذلك بهذه الصورة ، بل باقي الصور المحتملة لو لم يصدّقه المقر له على التفسير يتوجه عليه فيها اليمين ، لإنكاره لما سوى ذلك.

ولا فرق في القبول بين أن يكون ما عينه للمقر له يساوي الألف أو يزيد أو ينقص ، ولا بين أن يكون ما عيّنه لنفسه زائدا أو لا ، لأنّ الإقرار محتمل لذلك التفسير ، ولا مرجع في التفسير إلاّ اليه ، والأصل براءة الذمة.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٧.

٢٧٨

ولو قال : له في هذا المال ، أو ميراث أبي ألف لزمه. بخلاف : له في‌

______________________________________________________

ولو فسر بأنّ المقر له نقد عنه في ثمن العبد ألفا كان الألف قرضا في ذمته ، لأنّ قوله : عني يقتضي كون الشراء له.

وإن فسر بأنّه نقد ألفا في ثمنه على أنّه لنفسه ـ وإنّما لم يقيده في العبارة بذلك لدلالة ما قبله على القيد ـ سئل هل نقد هو شيئا في ثمنه أيضا أم لا؟ فإن قال : نقدت ، سئل هل كان الشراء بإيجاب واحد أم بإيجابين؟ فإن قال : بإيجابين احتيج الى تفسير ما نقد فيه الألف ، وهي المسألة السابقة في قوله : وزن في عشره ألفا واشتريت أنا الباقي بألف.

وإن قال : بإيجاب واحد سئل عن قدر ما نقد هو ، فإن قال : ألفا فهما شريكان في العبد بالنصف ، لأنّ لكل بنسبة ما نقد الى مجموع الثمن ، وإن قال : ألفين فللمقر له الثلث.

وإن فسر بأنّه اوصى له بألف من ثمنه أو نذر له قبل أيضا ، وصرف اليه من ثمنه الف فيباع منه ما يفي بالألف.

ولو أراد المقر حينئذ دفع الألف من ماله لم يجب القبول لتعيين جهة الاستحقاق في ثمن العبد.

وإنّما قبل كلّ من هذه التفسيرات ، لأنّ الإقرار يحتمل كلا منها ، كما يحتمل الباقي باعتبار أصل الوضع ، فلو لم يصدّقه فهو منكر لما عداه فيحلف لنفيه ، ولا يستحق المقر له ما أقر به لتكذيبه.

وأعلم أنّ قوله : ( واشتريت أنا جميع الباقي بألف ) من كلام المقر ذكره على سبيل حكاية لفظه ، وليس من ضرورات التفصيل بعد قوله : ( اشترى عشرة بألف ) أن يقول : ( إنّه اشترى الباقي بألف ) ، ولكنه ذكره لئلا يتوهم عدم القبول ، لاستبعاد كون عشر شي‌ء بألف وتسعة أعشاره بألف.

قوله : ( ولو قال : له في هذا المال ، أو ميراث أبي ألف لزمه ، بخلاف :

٢٧٩

مالي أو في ميراثي من أبي.

ز : لو قال له عليّ درهم درهم درهم لزمه واحد ، ولو قال : درهم ودرهم ، أو ثم درهم لزمه اثنان ، ولو قال : فدرهم لزمه واحد وتقديره فدرهم لازم.

______________________________________________________

له في مالي أو في ميراثي من أبي ).

الفرق بين حال الإضافة وعدمها لزوم التناقض الّذي ادعاه سابقا منها ، فلا يسمع الإقرار ، بخلاف ما إذا لم يضف ، وقد عرفت الصحة في كل من الصورتين. وقد سبقت هذه المسائل ، ولا يظهر لإعادتها وجه فلعله أعادها سهوا.

قوله : ( لو قال : له عليّ درهم درهم درهم لزمه واحد ).

لاحتمال إرادة التأكيد بالتكرير ، والأصل البراءة ، وكذا لو كرره مائة مرة فما زاد.

قوله : ( ولو قال : درهم ودرهم أو ثم درهم لزمه اثنان ).

لأنّ العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، ولا يصح عطف الشي‌ء على نفسه.

قوله : ( ولو قال : فدرهم لزمه واحد ، وتقديره فدرهم لازم ).

أي : لو قال : درهم فدرهم لزمه درهم واحد ، لاحتمال الفاء العطف وغيره ، وإنّما يلزم درهمان على تقدير العطف ، فإذا فسر بعدمه بأن قال : أردت فدرهم لازم ، أو فدرهم أجود منه قبل ، لأنّ الأصل براءة الذمة.

ويشكل بأنّ المتبادر هو العطف وغيره يحتاج الى تقدير ، وارتكابه يقتضي الخروج عن ظاهر اللفظ إلى الإضمار الذي لا يصار اليه إلاّ بدليل. على أنّ قوله : له درهم ودرهم ، أو ثم درهم لا يمتنع فيه مثل هذا التقدير ، مع أنّه لا يقبل فيه التفسير بغير العطف ، ولزوم درهمين لا يخلو من قوّة.

٢٨٠