جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٦

ويصحّ لو قال : له من هذه الدار ، بخلاف من داري ، أو في مالي ألف.

ولو قال في ذلك كله : بحق واجب ، أو سبب صحيح ، وما جرى مجراه صحّ.

وإذا قال : له في هذه الدار مائة صحّ وطولب بالبيان ، فإن أنكر المقر له تفسيره صدّق المقر مع اليمين.

______________________________________________________

قوله : ( ويصح لو قال : له من هذه الدار ، بخلاف : من داري ، أو مالي ألف ).

وجهه ما سبق من لزوم التناقض في الثاني دون الأول ، وقد قدمنا ما يدل على عدم الفرق في الحكم.

قوله : ( ولو قال : في ذلك كله بحق واجب ، أو سبب صحيح ، وما جرى مجراه صحّ ).

أشار بـ ( ذلك ) الى جميع المسائل التي حكم بعدم صحة الإقرار فيها للتناقض ، وقد عرفت أن هذا القول لا يدفع التناقض في ما قدمناه بل يؤكده فإن جعل دليلا في العدول عن الظاهر في قوله : ( داري ، وملكي ) فصحة الإقرار صالحة للدلالة على ذلك أيضا وإن كانت مع هذا القول آكد.

قوله : ( وإذا قال : له في هذه الدار مائة صحّ وطولب بالبيان ، فإن أنكر المقر له تفسيره صدّق مع اليمين ).

لما كانت المائة من غير جنس الدار كان استحقاق مائة في الدار يحتمل وجوها ، فهو إقرار بمجهول فيطالب المقر بتفسيره فإذا فسره بشي‌ء كجزء قيمته مائة على سبيل الشركة ، أو استحقاق مائة في قيمتها لتعلق الدين بها ونحو ذلك قبل تفسيره ، لأنّه أعلم بما أراد ، ولأصالة براءة ذمته ممّا سوى ذلك. فإن أنكر المقر له‌

٢٤١

ولو أقر بحرية عبد في يد غيره لم يقبل ، فان اشتراه صحّ تعويلا على قول صاحب اليد. والأقرب أنّه فداء في طرفه ، بيع في طرف البائع ، فلا يثبت فيه خيار المجلس والشرط والحيوان بالنسبة إلى المشتري ، كما لا يثبت في بيع من يعتق على المشتري ولا يثبت للبائع ولاء ولا للمشتري ، فإذا مات العبد أخذ المشتري من تركته الثمن ، والفاضل يكون موقوفا.

______________________________________________________

التفسير فالقول قول المقر بيمينه لما قلناه.

قوله : ( ولو أقر بحرية عبد في يد غيره لم يقبل ، فإن اشتراه صحّ تعويلا على قول صاحب اليد ، والأقرب أنّه فداء في طرفه بيع في طرف البائع ، فلا يثبت خيار المجلس والشرط والحيوان بالنسبة إلى المشتري ، كما لا يثبت في بيع من يعتق على المشتري ، ولا يثبت للبائع ولاء ولا للمشتري ، فإذا مات العبد أخذ المشتري من تركته الثمن والفاضل يكون موقوفا ).

لما بيّن أنّه يشترط لصحة الإقرار أن يكون المقر به تحت يد المقر أراد بيان أنّه إذا لم يكن تحت يده لا يصح الإقرار ، وبيّن أنّ المراد عدم نفوذ أثره في الحال.

وتنقيح كلامه : أنّه لو أقر من لا يدله على عبد وإنّما هو في يد غيره بحريته لم يقبل ، والمراد : إنّه لا يقبل الآن بالنسبة الى من بيده العبد ، أمّا بالنسبة إلى المقر فإنّه مقبول حتى لو انتقل اليه ظاهرا بسبب ملك كالبيع والإرث فإنّه يؤاخذ بإقراره وينفذ في حقه ، ولا يصح له استخدام العبد بمجرد إذن من هو في يده بنحو عارية وإجارة ما لم يكن ذلك برضى العبد ، ولا يبرأ بدفع منافعه وكسبه الى صاحب اليد.

ولو عقد على أمة للمقر برضاه وإن لم يأذن صاحب اليد لم يكن له إنكاحها لغيره ، وليس له أن يعقد على امرأة عقد هذا العبد عليها بغير إذن صاحب اليد ، الى غير ذلك من الأحكام الكثيرة ، والسبب فيه عموم مؤاخذة المقر بإقراره بالنسبة إلى‌

٢٤٢

______________________________________________________

نفسه ، ثم هنا أحكام :

الأول : إنّه إذا اشترى المقر هذا العبد صحّ الشراء تعويلا على قول صاحب اليد أنّه ملكه ، والظاهر يساعده حيث أن الملك له شرعا والإقرار السابق لم ينفذ. وقيل : أنّه افتداء لا شراء صحيح ، لأنّ صحة العقد لا يكون إلا بالإيجاب والقبول الصحيحين ، ومعلوم أنّ القبول غير صحيح لاعتراف المشتري بالحرية. والأقرب عند المصنف أنّه فداء من طرف المشتري واستنقاذ معاملة له بإقراره ، وبيع من طرف البائع عملا بظاهر الحال من كونه مالكا ، وعدم نفوذ الإقرار بالنسبة اليه.

ويتفرع على ذلك عدم ثبوت خيار المجلس للمشتري ، وكذا خيار الشرط من طرفه ، بل لا يعقل اشتراطه الخيار ، وكذا خيار الحيوان والرد بالعيب والغبن والرؤية ، ولا تصح منه الإقالة ، ولا تقبل منه دعوى فساد العقد ما لم تثبت بحجة شرعية ، لأنّه من حين الحكم بثبوت الملك للمشتري ظاهرا نحكم بعتقه بالإقرار السابق ، فلا يعقل تسلطه على الرد والفسخ مؤاخذة له بإقراره ، لكن تصح مطالبته بالأرش لو ظهر معيبا ، لأنّه بزعمه يستحق جميع الثمن ، وبزعم البائع أنّه يستحق قدر الأرش فلا يسقط حقه من المطالبة به.

أمّا البائع فيثبت بالنسبة إليه كل ما كان من توابع البيع كخيار المجلس ، والشرط ، والحيوان إن عممناه هنا ، وخيار الغبن والرؤية ، وعيب الثمن المعيّن ، وكونه من غير الجنس ، وتلفه قبل القبض قضاء لحق الملك الثابت ظاهرا. ولا استبعاد في أن يخلو البيع من خيار المجلس والحيوان بالنسبة إلى المشتري ، إذ قد يخلو منهما بالنسبة الى كل من المتبايعين فيما لو اشترى من ينعتق عليه.

الثاني : لا ولاء على هذا العتيق لأحد ظاهرا : أمّا المشتري ، فلأنّه غير المباشر للعتق ، وأمّا البائع ، فلأنّه ينفي العتق من رأس. نعم إن كان المشتري أخبر أنّ البائع أعتقه نفذ ذلك بالنسبة إليه ، فعلى هذا يكون عاقلته الامام ، وينبغي أن يكون‌

٢٤٣

الفصل الثاني : في الأقارير المجهولة ، وهي أحد عشر بحثا :

أ : إذا قال له عليّ شي‌ء ألزم البيان ، ويقبل تفسيره وإن قل.

______________________________________________________

إرثه له. وقول المصنف والفاضل : يكون موقوفا (١) قد ينافي ذلك ، ولعله أراد أنّ البائع لو رجع الى التصديق استحقه ، وهو محتمل.

الثالث : لا ريب أنّ الثمن المدفوع إلى البائع لا يملكه في نفس الأمر إن كان المشتري صادقا ، فإن قدر على أخذه بسرقة ونحوها كان له ذلك ومع تلف العين فبدلها ، لأنّه لم يسلطه على إتلافه ، وإنّما بذله توصلا الى رفع منكر فلا يعد تبرعا.

فلو لم يظفر بالثمن الى أن مات العبد نظر : فإن كان العتق الذي أقرّ به المشتري يقتضي ولاء للبائع أخذ المشتري قدر الثمن من تركة العبد ، لأنّه إن كان صادقا فهو مستحق لقدر الثمن على البائع ، وإن كان كاذبا فالجميع له ، فقدر الثمن مستحق له على كل تقدير.

وإن لم يكن العتق المقرّ به مقتضيا ولاء للبائع فحال التركة ما سبق ، ويتوقع المشتري الفرصة في أخذ عوضه وممّا قررناه يعلم أنّ إطلاق العبارة : ( أخذ المشتري من تركته الثمن ) غير جيد.

الرابع : لو مات العبد قبل القبض لم تكن للبائع المطالبة بالثمن قطعا إن لم يكن قبضه ، وللمشتري المطالبة به مع القبض قطعا (٢).

قوله : ( إذا قال : له عليّ شي‌ء ألزم البيان ويقبل تفسيره وإن قلّ ).

إذا فسره بما يتمول في العادة قليلا كان أو كثيرا بدليل ما بعده ، ووجه‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٣٨.

(٢) في « ك‍ » : مطلقا.

٢٤٤

ولو فسر بما لم يجز في العادة تملكه كقشر جوزة ، أو حبة حنطة أو بما لا يتملك في شرع الإسلام مع إسلامه كالخمر والخنزير وجلد الميتة ، أو بالكلب العقور والسرجين النجس وان انتفع بهما ، أو برد السلام أو بالعيادة لم يقبل.

______________________________________________________

القبول : أصالة براءة الذمّة ممّا زاد.

قوله : ( ولو فسره بما لم يجر في العادة تملكه كقشر جوزة أو حبة حنطة ، أو بما لا يملك في شرع الإسلام مع إسلامه كالخمر والخنزير وجلد الميتة ، أو بالكلب العقور والسرجين النجس وإن انتفع بهما ، أو برد السلام أو بالعيادة لم يقبل ).

إذا فسر المبهم في قوله : له عليّ شي‌ء بما لم تجر العادة بتملكه وهو ما لا يعد ملكا في العادة ولا ما لا لقلته ، مع كونه من جنس ما يتموّل كحبة حنطة وقشر جوزة ونحو ذلك ففي قبوله وجهان : أحدهما ـ واختاره في التذكرة ـ (١) القبول ، لأنّه شي‌ء يحرم أخذه وعلى من أخذه رده ، والملازمة ممنوعة. وأصحهما ـ واختاره هنا ـ عدم القبول ، لأنّ اللام تفيد الملك ، والمفسر به لا يعد ملكا في العادة بحيث يحمل عليه إطلاق اللفظ.

ولو فسره بما لا يملك في شرع الإسلام ـ مع إسلام المقر له ، سواء كان المقر مسلما أم لا ـ كالخمر ، والخنزير ، وجلد الميتة ، والكلب العقور ـ وهو ما عدا الكلاب التي يصح بيعها ـ والسرجين النجس لم يقبل تفسيره ، لاقتضاء الصيغة الملك ، وهو منتف في جميع ذلك ، ولا أثر للانتفاع بالكلب العقور والسرجين النجس فإنّ أحدهما لا يعد ملكا.

ويفهم من قوله : ( مع إسلامه ) أنّه لو كان المقر له كافرا صحّ التفسير بما‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥١.

٢٤٥

ولو قال : غصبته شيئا ففسره بالخمر والخنزير قبل مع كفر المقر له ، ومع الإسلام إشكال.

______________________________________________________

يملكه الكافر كالخمر والخنزير ، وصرح في التحرير بأنّه يقبل ذلك من الكافر لمثله (١).

وكذا يفهم من قوله : ( أو بالكلب العقور والسرجين النجس ) قبول التفسير بالكلب المعلّم والسرجين الطاهر ، ووجهه : أنّ كلا منهما مال ، لأنّه يصح بيعه ومقابلته بالمال ، وسيأتي في كلامه التصريح بقبول التفسير بالكلب المعلم إن شاء الله تعالى. ولو فسره برد السلام ، أو العيادة ، أو جواب الكتاب ، أو تسميت عطسته ، ونحو ذلك لم يقبل لبعده عن الفهم في معرض الإقرار ، ولأن أمثال ذلك تسقط بالفوات ولا تثبت في الذمّة ، والإقرار يقتضي ثبوت المقر به في الذمّة.

واحتمل في التذكرة القبول إذا أراد أن حقا عليّ ردّ السلام إذا سلّم ، وتسميته إذا عطس لما روي في الخبر : « للمسلم على المسلم ثلاثون حقا : يرد سلامه ، ويسمت عطسته ، ويجيب دعوته » (٢) ، وفيه نظر ، لأنّ إطلاق قوله : له عليّ شي‌ء يقتضي الملك ولا يعد شي‌ء من ذلك ملكا في العادة ليصحّ التفسير به.

وصرّح فيها : بأنّها لو قال : له عليّ حق قبل التفسير بالعيادة ونحوها ، ويشكل بأنّ الحق أخص فكيف يفسر بما لا يفسر به الأعم؟

قوله : ( ولو قال : غصبته شيئا ففسره بالخمر والخنزير قبل مع كفر المقر له ، ومع الإسلام إشكال ).

أمّا مع كفر المقر له فإنّ ذلك يعد ما لا بالنسبة اليه ، وأمّا مع إسلامه فإشكال ، ومنشؤه الاختلاف في تفسير الغصب ، فقيل : إنه الاستيلاء على مال الغير عدوانا ، فعلى هذا لا يصح التفسير بما ذكر ، لأنّ المفسر به لا يعد مالا فلا يغصب. وقيل : إنّه‌

__________________

(١) تحرير الأحكام ٢ : ١١٥.

(٢) التذكرة ٢ : ١٥٢.

٢٤٦

ولو قال : أردت نفسه لم يقبل ، لأنّه جعل له مفعولين ، الثاني منهما شيئا فيجب مغايرته للأول.

______________________________________________________

استيلاء محرّم على ما في يد محترمة يستحق الإبقاء عليه ظاهرا ، فعلى هذا يصح كذا نقل الشارح الفاضل ولد المصنف الاختلاف في تعريف الغصب (١) ، والمعروف في المذهب هو الأول فلا يقبل وعلى هذا فلا يخفى أنّ الاشكال إنّما هو في التفسير بالخمر المحترمة ، أمّا الخنزير فلا إشكال في عدم قبول التفسير به.

وفي التذكرة : إنّه لو قال : غصبته شيئا ثم فسره بالخمر والخنزير ممّا لا يعد ما لا قبل ، لأنّ الغصب لا يقتضي إلا الأخذ قهرا ، وليس في لفظه ما يشعر بالتزام وتفويت حق ، بخلاف قوله له عليّ ، وبه قال الشافعي (٢) ، قال : ويحتمل قبوله إن كان المقر له ذميا ، وإن كان مسلما فإشكال (٣) ، وهذا مخالف لما ذكره الشارح الفاضل. وكيف كان فالظاهر عدم القبول بالنسبة إلى المسلم.

قوله : ( ولو قال : أردت نفسه لم يقبل ، لأنّه جعل له مفعولين الثاني منهما شيئا فيجب مغايرته للأول ).

قيل : لم لا يجوز أن يكون شيئا بدلا من الضمير؟

وجوابه : إن شرط إبدال النكرة من المعرفة أن تكون منعوتة وهو منتف هنا ، ولأنّ الأصل في السابق أن يكون مقصودا بالنسبة.

وعلل في الدروس عدم صحة التفسير بنفسه بأنّ الغصب حقيقة في أخذ المال قال : ولو كان عبدا لم يقبل ، لاقتضاء مفعولي الفعل هنا المغايرة (٤).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٣٩.

(٢) الوجيز : ١٧٩.

(٣) التذكرة ٢ : ١٥٢.

(٤) الدروس : ٣١٨.

٢٤٧

أمّا لو قال : غصبته ، ثم قال : أردت نفسه قبل. وكذا لو قال : غبنته ، لأنّه قد يغصب ويغبن في غير المال.

ولو قال : له عندي شي‌ء لم يقبل بهما ، لإفادة اللام الملك.

______________________________________________________

قوله : ( أمّا لو قال : غصبته ، ثم قال : أردت نفسه قبل ، وكذا لو قال : غبنته ، لأنّ الإنسان قد يغصب ويغبن في غير المال ).

قيل : هذا التعليل مناف لما سبق من الاشكال الناشئ من الاختلاف في تفسير الغصب.

ويجاب : بأنّ الّذي حكيناه عن التذكرة في توجيه الإشكال يقتضي عدم المنافاة ، لأنّ منشأ الاشكال حينئذ ليس هو الاختلاف في تعريف الغصب.

فإن قيل : هذا وإن لم يناف الاشكال المذكور على ما ذكرت فإنّه مناف لتفسير الغصب.

قلنا : إنّما يجب حمل الغصب على المال إذا اقتضاه الكلام ولم يحتج الى تقدير شي‌ء ، وليس كذلك هنا فإن : ( غصبته ) إنّما يكون محمولا على المال إذا كان فيه محذوف فوجب حمل الغصب على مجازه ، لأنّه أولى من الإضمار ، فإنّهما وإن كانا متساويين إلا أنّ الأصل براءة الذمّة ، والغبن ليس من لوازم المال ، روي : « إن من استوى يوماه فهو مغبون » (١) ، وقول المصنف : ( وكذا لو قال : غبنته ) معناه : قال ذلك وفسره بغبنه إياه في نفسه.

قوله : ( ولو قال : له عندي شي‌ء لم يقبل بهما لإفادة اللام الملك ).

المراد : لم يقبل بالخمر والخنزير ، ويمكن أن يراد : لم يقبل بغصب نفسه أو‌

__________________

(١) معاني الاخبار : ٣٤٢.

٢٤٨

ولو امتنع من التفسير حبس حتى يعيّن ، وقيل : يجعل ناكلا فيحلف المدعي.

ولو فسّره بكلب يجوز اقتناؤه قبل ، وكذا لو فسّره بحد قذف أو حق شفعة.

______________________________________________________

غبنه في مال ليس بمال ، إلاّ أنّ الأول أربط وإن كان مرجعا بعيدا.

وأعلم أنّ المصنف في التذكرة قال : لو قال : له عندي شي‌ء قبل تفسيره بالخمر والخنزير على اشكال (١) ، لأنّه شي‌ء ممّا عنده ومن اقتضاء اللام الملك ، والأصح اختياره هنا.

قوله : ( ولو امتنع من التفسير حبس حتى يبيّن ، وقيل : يجعل ناكلا فيحلف المدعي ).

القول للشيخ رحمه‌الله (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وتنقيحه أنّه إذا أقر بالمجهول وامتنع من تفسيره نظر ، فإن كان ذلك في جواب الدعوى جعل ذلك إنكارا منه ويعرض اليمين عليه ، فإن أصرّ جعل ناكلا وحلف المدعي. وإن أقر ابتداء قلنا للمقر له : ادع عليه حقك ، فإن أصرّ جعلناه ناكلا.

ووجهه أنّه إذا أمكن تحصيل الغرض من غير حبس لا يحبس ، ويشكل بأنّ الرد إنّما يكون مع عدم الإقرار ، والأصح إنّه يحبس ، لأن البيان واجب عليه ، فإذا امتنع منه حبس كما يحبس على الامتناع من أداء الحق.

قوله : ( ولو فسره بكلب يجوز اقتناؤه قبل ).

لأنّه مال يقابل بمال كما سبق.

قوله : ( وكذا لو فسره بحد قذف أو شفعة ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٢.

(٢) المبسوط ٣ : ٤.

(٣) السرائر : ٢٨١.

٢٤٩

ولو فسّره بدرهم فقال المدعي : بل أردت بقولك عشرة لم تقبل دعوى الإرادة ، بل عليه أن يدّعي نفس العشرة ، والقول قول المقر في عدم الإرادة وعدم اللزوم.

______________________________________________________

أي : يقبل تفسيره ، لأنّ‌ كلا منهما حق مملوك ، وبهذا الحكم صرّح في التذكرة (١) ، والتحرير (٢) ، ويشكل بأنّ اللام تقتضي الملك ، وذلك لا يعد ملكا في العادة وإن كان حق الشفعة أقرب ، لأنّه لكونه وسيلة قريبة الى الملك في حكم الملك ، ومثله حق التحجير. ولو فسره بحق السكنى في بيت في المدرسة ونحو ذلك ففي القبول نظر.

قوله : ( ولو فسره بدرهم فقال المدعي : بل أردت بقولك عشرة لم تقبل دعوى الإرادة ، بل عليه أن يدعي نفس العشرة ، والقول قول المقرّ في عدم الإرادة وعدم اللزوم ).

المتبادر من قوله : ( لم تقبل دعوى الإرادة ... ) أنّ هذه الدعوى لا تسمع ، وقوله : ( والقول قول المقرّ في عدم الإرادة ) يشعر بكونها مسموعة ويترتب عليها اليمين ، وبه صرّح في التذكرة قال فيها : وإن قال ـ يعني المقر له ـ : أراد به المائتين حلف المقر على أنه ما أراد مائتين وإنه ليس عليه إلا مائة ، ويجمع بينهما في يمين واحدة ، فإن نكل المقر حلف المقر له على استحقاق المائتين ولا يحلف على الإرادة ، لعدم إمكان الاطلاع عليها ، بخلاف ما إذا مات المقر وفسر الوارث فادعى المقر له زيادة فإنّ الوارث يحلف على إرادة المورث ، لأنّه قد يطلع من حال مورثه على ما لا يطلع عليه غيره (٣) ، هذا كلامه.

ولقائل أن يقول : إذا لم يمكن اطلاعه على الإرادة فكيف تجوز الدعوى بها‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥١.

(٢) التحرير ٢ : ١١٥.

(٣) التذكرة ٢ : ١٥٢.

٢٥٠

ولو مات قبل التفسير طولب الورثة ان خلّف تركة.

ولو ادعى المقر له جنسا غير ما فسّره ، أو لم يدع شيئا بطل الإقرار.

______________________________________________________

على وجه الجزم؟ نعم إن أريد أنّ له أن يستحلفه على أنّه ما أراد ذلك وان لم يأت بالدعوى على صورة الجزم أما لعدم اشتراط الجزم فيها مطلقا أو فيما يخفى غالبا أمكن ، ثم جواز حلف الوارث على إرادة المورث التي لا يمكن الاطلاع عليها مشكل ، فإنّ خفاء الإرادة على غير المريد أمر لا يختص بغير الوارث.

قوله : ( ولو مات قبل التفسير طولب الورثة إن خلف تركة ).

أي : طولبوا بالتفسير إن علموه بشرط وجود التركة ، إذ لا يجب القضاء بدونها ، فإن أنكروا العلم بالإرادة حلفوا على عدمه. ويحتمل حلفهم على عدم العلم بالاستحقاق ، لأنّه أخص ، فإن من علم إرادة المدعى به بلفظ الإقرار فقد علم الاستحقاق.

وفرق في التذكرة بين أن يدعي الموصي له بمجمل ارادة الموصى أكثر ممّا فسر به الوارث ، وبين أن يدعي المقر له بمجمل ارادة المقر أكثر مما فسر به الوارث ، فأوجب اليمين على الوارث على نفي العلم باستحقاق الزيادة ولا يتعرض للإرادة في الأول ، وأوجب حلفه على إرادة المورث في الثاني محتجا للفرق بأنّ الإقرار إخبار عن حق سابقا (١).

وقد يفرض فيه الاطلاع ، والوصية إنشاء أمر عن الجهالة ، وبيانه إذا مات الموصي إلى الوارث ، وهذا الفرق ضعيف ، فإنّ هذا مع انتفاء الإرادة لا معها.

قوله : ( ولو ادعى المقر له جنسا غير ما فسره ، أو لم يدع شيئا بطل الإقرار ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٢.

٢٥١

ب : لو قال : له عليّ مال قبل تفسيره بقليله وكثيره ، ولا يقبل بغيره كحد القذف والشفعة والكلب العقور ، ويقبل بالمستولدة.

______________________________________________________

الحكم ببطلان الإقرار‌ مشكل ، فإنّه لو رجع المقر له الى التصديق نفذ فكيف يحكم ببطلانه؟ وبدون الرجوع قد بينا أنّه يجب على الحاكم انتزاع المقر به إن لم ير المصلحة في استئمان المقر عليه ، فلا يستقيم إطلاق الحكم بالبطلان.

قوله : ( لو قال : له عليّ مال قبل تفسيره بقليله وكثيره ، ولا يقبل بغيره كحد القذف والشفعة والكلب العقور ).

إذ لا يعد شيئا من ذلك مالا ، واحترز بالعقور عن غيره من الكلاب التي يجوز بيعها.

وهل يعتبر في التفسير بالقليل أن لا يبلغ في القلة إلى حدّ لا يعد مالا في العادة كحبة حنطة؟ صرّح في التذكرة بعدم اعتباره ، لأنّ كل متموّل مال ولا ينعكس (١) ، وهو مشكل. واعتبر أبو حنيفة تفسيره بالمال الزكاتي (٢).

قوله : ( ويقبل بالمستولدة ).

أي : ويقبل تفسير المال من المقر به بالمستولدة له ، تنزيلا على سبق الملك على الولادة ، أو على انتقالها إليه في موضع يجوز فيه الانتقال. ووجه القبول عموم قوله عليه‌السلام « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٣) ، ولكون المستولدة مالا ، ولهذا يجوز بيعها لو مات ولدها وينتفع بها وتستأجر وإن كانت لاتباع.

ويشكل بأنّ الاستيلاء حق مشترك بينهما وبين الله تعالى ، وقبول التفسير بها يقتضي إبطاله. وأحتمل في الدروس اعتبار تصديقها أو الاستفسار (٤) ، وفيه قوة.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٢.

(٢) المغني لابن قدامة ٥ : ٣١٥.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧ حديث ٥.

(٤) الدروس : ٣١٦.

٢٥٢

ولو قال : مال جزيل ، أو جليل ، أو عظيم ، أو نفيس ، أو خطير ، أو عظيم جدا ، أو عظيم عظيم قبل تفسيره بالقليل أيضا. ولو قال : كثير ، قيل : يكون ثمانين ، والأقرب المساواة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : مال جزيل ، أو جليل ، أو عظيم ، أو نفيس ، أو خطير ، أو عظيم جدا ، أو عظيم عظيم قبل تفسيره بالقليل أيضا ، ولو قال : كثير ، قيل يكون ثمانين ، والأقرب المساواة ).

إنّما قبل تفسير العظيم والجزيل ونحو ذلك بالقليل ، لأنّه يحتمل ان يريد : عظيم خطره بكفر مستحله ووزر غاصبه والخائن فيه ، لأنّ أصل ما يبنى عليه الإقرار الأخذ بالمتيقن وترك ما سواه ، فإنّ الأصل براءة الذمّة.

فإن قيل : ذلك لا يطابق الاستعمال العرفي.

قلنا : ليس للعرف في ذلك معنى محقق يرجع اليه ، وعظم الشي‌ء ونفاسته يتفاوت بتفاوت أحوال الناس واختلاف طبقاتهم تفاوتا لا ينضبط ، فربّما عد القليل نفيسا في حال وباعتبار شخص ، وحقيرا في حال آخر وباعتبار شخص آخر ، فلا مرجع في ذلك إلاّ قبول تفسيره تمسكا بيقين البراءة.

وقال بعض العامة : لا يقبل أقل من عشرة دراهم (١) ، وبعض لا يقبل أقل من مائتي درهم نصاب الزكاة (٢) ، وقيل غير ذلك ، وكله رجوع الى غير معلوم الدلالة.

والقول بأنّ الكثير ثمانون قول الشيخ رحمه‌الله (٣) ، وجماعة (٤) ، ووجهه : أنّه قد ثبت في عرف الشرع هذا المقدار في النذر فكذا في غيره ، وإلاّ لزم الاشتراك‌

__________________

(١) انظر المغني لابن قدامة ٥ : ٣١٦.

(٢) انظر المغني لابن قدامة ٥ : ٣١٦.

(٣) المبسوط ٣ : ٦.

(٤) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٧ ، وابن البراج في المهذب : ٤٠٥.

٢٥٣

ولو قال : أكثر ممّا لفلان ، وفسّره بأكثر عددا أو قدرا الزم بمثله ، ويرجع في الزيادة اليه.

ولو قال : كنت أظن ماله عشرة فثبت بالبينة مائة قبل تفسيره ، لخفاء المال.

______________________________________________________

والأصل عدمه ، ولأنّ المقتضي قوله تعالى ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) (١) وهو متحقق هنا.

وجوابه : إنّه تقدير لا تساعد عليه اللغة ولا العرف فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، فحينئذ يرجع في التفسير اليه كما سبق وهو الأصح ، واختاره ابن إدريس (٢) والمتأخرون.

قوله : ( ولو قال : أكثر ممّا لفلان وفسره بأكثر عددا أو قدرا الزم بمثله ورجع في الزيادة إليه ).

أي : لو قال له عندي أكثر ممّا لفلان وفسر ذلك بأنّه أكثر منه عددا إن كان ممّا يعدّ كالدراهم ، أو قدرا إن كان لا يعد كدار وبستان. ويمكن أن يكون المعنى : أنّه فسره بكونه أكثر عددا أو أكثر قدرا مع الاستواء في العدد الزم بمثل ذلك ورجع في الزيادة إليه لأنّها مجهولة ، ومقتضى ما سبق أنّه لا بدّ من تفسيرها بما يتموّل في العادة.

وفي التذكرة : أنّه يقبل تفسير الزيادة بحبة وأقل (٣) ، وهو على أصله السابق.

قوله : ( ولو قال : كنت أظن ماله عشرة فثبت بالبينة مائة قبل تفسيره ).

لخفاء المال ، والأصل براءة الذمّة فلا يحكم بشغلها بمجرد الاحتمال. ولو‌

__________________

(١) التوبة : ٨٩.

(٢) السرائر : ٢٨١.

(٣) التذكرة ٢ : ١٥٢.

٢٥٤

أمّا لو شهد بالقدر ، ثم أقر بالأكثرية لم يسمع.

ولو فسّره بالبقاء ، أو المنفعة ، أو البركة وكان أقل في القدر والعدد ، بأن يقول : الدين أكثر بقاء من العين ، أو الحلال أكثر من الحرام أو أنفع ففي السماع نظر.

______________________________________________________

قال : اعلم ما لفلان مع إقراره ، ثم قال : إني كنت أعتقده قليلا فبان كثيرا فالظاهر أنّه لا يختلف الحكم.

قوله : ( أمّا لو شهد بالقدر ثم أقرّ بالأكثرية لم يسمع ، ولو فسر بالبقاء أو المنفعة أو البركة وكان أقل في القدر والعدد بأن يقول : الدين أكثر بقاء من العين ، أو الحلال أكثر من الحرام وأنفع ففي السماع نظر ).

أي : أمّا لو شهد المقر بقدر ما لفلان ثم أقرّ بالأكثرية السابقة لم تسمع دعواه ظن القلة ، وينبغي أن يكون ذلك حيث لا يطول الزمان بحيث يمكن تجدد الاشتباه عليه.

ولو فسّر الأكثرية بالبقاء أو المنفعة أو البركة الى آخره ففي السماع نظر ، ينشأ : من أنّ الأكثر إنّما يطلق حقيقة على الأكثر عددا أو قدرا ، واللفظ إنّما يحمل عند الإطلاق على الحقيقة ، ومن أنّ المجاز يصار اليه مع وجود الصارف عن الحقيقة ، وهو أخبر بقصده ونيته ، واختاره في التذكرة (١).

ويشكل بأنّ الحمل على المجاز خلاف الظاهر ، فإذا تراخى تفسيره عن الإقرار فسماعه محل تأمل. نعم إن اتصل به أمكن السماع ، لأنّ المجموع كلام واحد. وأعلم أنّ التقييد بقوله : ( وكان أقل في القدر والعدد ) يفهم منه أنّ المساوي ليس مثله في الحكم ، وليس كذلك بل هما سواء ، لانتفاء الأكثرية بالمعنى الحقيقي في كل منهما.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٢. وفي « ص » : واختار في التذكرة الأول.

٢٥٥

ولو قال : لي عليك ألف دينار ، فقال : لك عليّ أكثر من ذلك لزمه الألف وزيادة.

ولو فسّر بأكثر فلوسا ، أو حب حنطة ، أو دخن فالأقرب عدم القبول.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : لي عليك ألف دينار ، فقال : لك عليّ أكثر من ذلك لزمه الألف وزيادة ، ولو فسر بأكثر فلوسا أو حب حنطة أو دخن فالأقرب عدم القبول ).

أي : ولو قال : لي عليك ألف دينار فقال : لك عليّ أكثر من ذلك لزمه الألف وزيادة.

وقال في التذكرة : لا يلزمه أكثر من الألف ، بل ولا الألف ، لأنّ لفظة أكثر مبهمة لاحتمالها الأكثرية في القدر أو العدد ، فيحتمل أنّه أراد أكثر منه فلوسا ، أو حب حنطة ، أو حب شعير ، أو غير ذلك فيرجع فيه الى تفسيره (١).

ووجه الأول : أنّ الأكثر إنّما يستعمل حقيقة في العدد أو في القدر فيصرف الى جنس ما أضيف اليه ، [ و ] لا يفهم في الطلاق غير ذلك. قال الله تعالى ( كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ ) (٢) وقال تعالى ( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً ) (٣) ، ( وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً ) (٤) ، وقد اعتبرنا حمل اللفظ على الظاهر في أقل الجمع وهو ثلاثة عند الأكثر مع احتمال غيره ، واعتبرنا الوزن الغالب والنقد الغالب والسلامة من العيب والحلول مع تطرق الاحتمال وإمكان إرادة المرجوح فيجب الحمل على الظاهر هنا ، ولا يعتد بتطرق الاحتمال وحقق في التذكرة : أنّه إن قرن أكثر بمن لم تجب مشاركته في الجنس‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٣.

(٢) غافر : ٨٢.

(٣) الكهف : ٣٤.

(٤) سبأ : ٣٥.

٢٥٦

ج : إذا قال : له عليّ كذا فهو كالشي‌ء ، ولو قال : كذا كذا فهو تكرار.

ولو فسّر المفرد بدرهم نصبا لزمه درهم ونصب على التمييز ، وقيل يلزمه عشرون.

______________________________________________________

وإلاّ وجب ، لأنّ أفعل بعض لما تضاف اليه (١). وفيه نظر ، لصحة قولنا : يوسف أحسن إخوته ، مع أنّ أفعل ليس بعضا لما يضاف اليه.

والّذي يقتضيه انظر : إنّه إن لم يذكر المميز في التفصيل فالإبهام قائم والمرجع في التفسير اليه ، ولا دليل على وجوب اتحاد الجنس ، وما ذكر من الآيات فأكثرها معه المميز ، والّذي لم يذكر فيه حذف منه اعتمادا على دلالة المقام عليه. ولا يمكن الحكم بشغل الذمّة بمجرد الاستناد إلى قرائن الأحوال من غير أن يكون في اللفظ دلالة صريحة.

قوله : ( إذا قال : له عليّ كذا فهو كالشي‌ء ).

لأنّ كذا لإبهامه وعدم دلالته على شي‌ء بخصوصه كالشي‌ء فيرجع إليه في تفسيره.

قوله : ( ولو قال : كذا كذا فهو تكرار ).

أي : تكرار للتأكيد لا للتجديد ، فهو بمنزلة ما لو قال : له عليّ شي‌ء شي‌ء فيقبل في تفسيرهما ما يقبل في تفسير له كذا وله شي‌ء ، فإنّ التأكيد محتمل وسائغ شائع ، والأصل براءة الذمة.

قوله : ( ولو فسر المفرد بدرهم نصبا لزمه درهم ونصب على التمييز ، وقيل يلزمه عشرون ).

أي : لو أتى بكذا مفردا من غير أن يقول كذا ثانية وعقبه بدرهم بالنصب‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٣.

٢٥٧

ولو رفعه فكذلك ، وتقديره ، شي‌ء هو درهم ، فجعل الدرهم بدلا من كذا.

ولو جره لزمه جزء درهم ، ويرجع إليه في تفسيره ، والتقدير : جزء درهم ، وكذا كناية عنه ، وقيل : يلزمه مائة.

______________________________________________________

بأن قال : كذا درهما لزمه درهم ، ونصبه على التمييز كما لو قال : شي‌ء درهما. وحكى في التذكرة عن بعض الكوفيين أنّه منصوب على القطع ، فكأنه قطع ما ابتداء به وأقر بدرهم (١).

والقول بلزوم عشرين قول الشيخ رحمه‌الله (٢) ، لأن أقل عدد مفرد ينصب مميزه عشرون ، إذ فوقه ثلاثون فصاعدا فيحمل على الأقل. ويشكل بأن شغل الذمة بعشرين مع إمكان أن يراد بكذا واحدا يقتضي التمسك بمجرد الاحتمال ، ولا أثر لموازنة المبهمات المبينات باعتبار القوانين النحوية : أما أولا فلعدم العلم بكون ذلك مستفادا من اللفظ بوضعه له ، وأما ثانيا فلأن العرف الخاص لا ينظر اليه ، وإنما ينظر الى ما يتفاهمه أهل العرف العام ويجري في محاوراتهم ، فالأصح هو الأول.

قوله : ( ولو رفعه فكذلك ، وتقديره : شي‌ء هو درهم ، فجعل الدرهم بدلا من كذا ، ولو جره لزمه جزء درهم ويرجع إليه في تفسيره ، والتقدير : جزء درهم وكذا كناية عنه ، وقيل : يلزمه مائة ).

أي : لو رفع الدرهم المفسر به كذا فكذلك ، أي : لزمه درهم ، نقل المصنف على ذلك الإجماع في التذكرة (٣).

لكن قوله : ( وتقديره شي‌ء هو درهم ) فجعل الدرهم بدلا من كذا لعله يريد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥٣.

(٢) المبسوط ٣ : ١٣.

(٣) التذكرة ٢ : ١٥٣.

٢٥٨

ولو وقف قبل تفسيره بجزء درهم ،

______________________________________________________

به التقدير باعتبار المعنى ، لأن البدل إن كان بدلا صناعيا لم يستقم كون التقدير لفظا هكذا أو يراد البدل معنى.

وأما إذا جره فوجه لزوم ما ذكره المصنف أصالة البراءة مما سوى ذلك ، وأن هذا تفسيره بجزء درهم يحتمله قوله احتمالا لا ينافي قوانين اللسان وهو الأصح ، فيرجع إليه في تفسير الجزء لكونه مبهما.

والقول بلزوم مائة قول الشيخ رحمه‌الله في المبسوط ، ووجهه : أن كذا كناية عن العدد ، ودرهم بالجر تمييز له ، وأقل عدد مفرد يكون مميزه مجرورا مائة (١) ، وضعفه معلوم مما سبق.

قال في التذكرة : ولا فرق بين أن يقول : عليّ كذا درهم صحيح أو لا يقول لفظة صحيح ، وبعضهم فرّق بأنّه إذا قال : له عليّ كذا درهم صحيح بالجر لم يجز حمله على بعض درهم فتتعين المائة ، والحق أنه يلزمه درهم واحد (٢) هذا كلامه وهو صحيح ، لاحتمال أن يراد جزء درهم صحيح ونحوه ، فإن وصف الدرهم بكونه صحيحا يقتضي ثبوت الصحيح في الذمة.

ولقائل أن يقول : هذا وإن كان محتملا إلا أنه لا يلزم وجوب درهم كامل ، لأن وصف الدرهم بالصحيح لا يقتضي كون ما في الذمة درهما كاملا ، لجواز أن تكون كذا كناية عن بعض الدرهم ، فإنّ بعض الدرهم الصحيح قد يكون مستحقا لغير من يستحق باقيه ، وكذا كل صحيح من وسيف وحيوان ونحوها.

قوله : ( ولو وقف قبل تفسيره بجزء درهم ).

لأنه دائر بين الرفع والجر فيلزمه أقل الأمرين ، وأوجب بعضهم درهما ،

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٣.

(٢) التذكرة ٢ : ١٥٣.

٢٥٩

وكذا لو كرر بغير عطف ، ولا يقتضي الزيادة كأنّه قال : شي‌ء شي‌ء.

وفي الجر يحتمل أنّه أضاف جزء الى جزء ، ثم أضاف الآخر الى الدرهم كنصف تسع درهم.

وكذا لو قال : كذا كذا كذا ، وقيل : يلزمه مع النصب أحد عشر.

______________________________________________________

ويستقيم ذلك على القول بوجوب مائة مع الجر لأنه الأقل.

قوله : ( وكذا لو كرر بغير عطف ولا يقتضي الزيادة ، كأنّه قال : شي‌ء شي‌ء ، وفي الجر يحتمل أنه أضاف جزءا الى جزء ثم أضاف الآخر الى الدرهم كنصف تسع درهم ، وكذا لو قال : كذا كذا كذا ، وقيل : يلزمه مع النصب أحد عشر ).

أي : لو قال : له عليّ كذا كذا درهما بالنصب أو بالرفع أو بالجر مكررا كذا كذا من غير ان يعطف أحدهما على الآخر إنّما يلزمه ما سبق إذا قال : كذا درهما بالنصب أو بالرفع أو بالجر من غير زيادة.

ووجه : أنّ كذا كذا يمكن أن يكون تكراره للتأكيد ، فكأنّه قال : شي‌ء شي‌ء درهما ، ويكون درهما مميزا للمؤكد ، ودرهم بالرفع مفسر له ، وفي الجر كأنّه قال : جزء جزء درهم.

ويحتمل في الجر أنّه أضاف جزءا الى جزء المضاف الى درهم فيلزمه بعض بعض درهم وتفسيره اليه ، وهو الّذي أراده المصنف بقوله على جهة الكشف له والبيان : ( كنصف تسع درهم ). وهذا الاحتمال صحيح ، لأنّ اللفظ لا يأباه ، والأصل براءة الذّمة فيقبل التفسير به ، ولو وقف لزمه أقل المحتملات لو فسره به.

ولو قال : كذا كذا كذا ثلاثا ، ثم أتى بالدرهم بعده منصوبا أو مرفوعا فكما سبق في أنّه يلزمه درهم ، لإمكان التأكيد كما لو كرر الشي‌ء ثلاثا. ولو جر فجزء درهم ، وعلى الاحتمال جزء جزء جزء درهم كنصف تسع عشر درهم ، ولو وقف فكما سبق.

٢٦٠