جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٦

وكل من ملك شيئا ملك الإقرار به.

والمحجور عليه سبعة :

أ : الصبي لا يقبل إقراره وإن أذن له الولي ، سواء كان مراهقا أو لا.

ولو جوزنا وصيته في المعروف جوزنا إقراره بها.

ولو ادعى أنّه بلغ بالاحتلام في وقت إمكانه صدّق من غير يمين ، وإلاّ دار. ولو ادعاه بالسن طولب بالبينة.

______________________________________________________

لا ريب ان إقرار الأخرس‌ بالإشارة مقبول لأنها في حقه بمنزلة اللفظ في حق غيره ، ولذلك يعتبر بيعه وسائر عقوده بها ، لكن يشترط فهمها. فإن فهمها الحاكم جاز له الحكم ، وإلاّ افتقر الى مترجمين عدلين يخبران بأن مقصوده منها الإقرار بكذا. وكذا في الأعجمي إذا لم يعرف الحاكم لسانه.

قوله : ( الصبي لا يقبل إقراره وإن أذن له الولي ... ).

نقل المصنف في التذكرة على ذلك الإجماع منّا (١) ، وبعض العامة حكم بصحة إقراره إذا أذن له الولي (٢).

قوله : ( ولو جوزنا وصيته في المعروف جوزنا إقراره بها ).

لأن كل من ملك شيئا ملك الإقرار به ، وقد سبق أنا لا نجوز ذلك.

قوله : ( ولو ادعى انه بلغ بالاحتلام في وقت إمكانه صدّق من غير يمين وإلاّ دار ).

وجه لزوم الدور : أن صحة اليمين مشروطة بكون الحالف بالغا لرفع القلم‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٤٥.

(٢) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني ٥ : ٢٧٢ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٢.

٢٠١

ولو أقر المراهق ، ثم اختلف هو والمقر له في البلوغ فالقول قوله من غير يمين ، إلاّ أن تقوم بيّنة ببلوغه.

______________________________________________________

عن الصبي فيتوقف على الحكم بالبلوغ ، فلو توقف الحكم بالبلوغ عليها لزم توقف كل منهما على الآخر ، وهو الدور.

وقال شيخنا الشهيد في الدروس : انه يمكن دفع الدور بأن يمينه موقوفة على إمكان بلوغه ، والموقوف على يمينه هو وقوع بلوغه ، فتغايرت الجهة (١). وضعفه ظاهر ، لأن إمكان البلوغ غير كاف في صحة أقوال الصبي وأفعاله.

والجارية كالصبي لو ادّعت البلوغ بالاحتلام ، ولو ادعته بالحيض فعند المصنف في التذكرة يقبل إن كان ذلك في وقت الإمكان (٢) ، واستشكل في الدروس بأن مرجعه الى السن (٣).

ولو ادعى أحدهما البلوغ بالإنبات وجب اعتباره ، ولو ادعاه بالسن طولب بالبينة لإمكانها. قال في التذكرة : لو كان غريبا أو خامل الذكر التحق بدعوى الاحتلام (٤). وفيه نظر ، لأن ما تعتبر فيه البينة لا يتغير حكمه بعجز المدعي عنها ، وهذا هو المناسب لإطلاق قوله : ( ولو ادعاه بالسن طولب بالبينة ).

قوله : ( ولو أقر المراهق ثم اختلف هو والمقر له في البلوغ فالقول قوله من غير يمين ، إلاّ أن تقوم بينة ببلوغه ).

وذلك لأن الأصل عدم البلوغ ، وشرط صحة اليمين كونه بالغا ولم يثبت ، ولأنه لو حلف لكان الثابت باليمين انتفاء صحتها.

وهذا إذا كان الاختلاف قبل العلم ببلوغه ، أما بعده ففي تقديم قوله تمسكا‌

__________________

(١) الدروس : ٣١٤.

(٢) التذكرة ٢ : ١٤٦.

(٣) الدروس : ٣١٤.

(٤) التذكرة ٢ : ١٤٦.

٢٠٢

ب : المجنون : وهو مسلوب القول مطلقا ، وفي حكمه النائم ، والمغمى عليه ، والمبرسم ، والسكران ، وشارب المرقد وان تعمد لغير حاجة.

______________________________________________________

بأصالة عدم البلوغ ، أو قول الآخر تمسكا بأصالة الصحة في إقراره وجهان ، ومثله بيعه وسائر عقوده. وقد مرت هذه المسألة في البيع والضمان.

قوله : ( المجنون ، وهو مسلوب القول مطلقا ، وفي حكمه النائم ، والمغمى عليه ، والمبرسم ، والسكران ، وشارب المرقد وإن تعمّد لغير حاجة ).

قال المصنف في التذكرة : لا يقبل إقرار المجنون ، لأنه مسلوب القول في الإنشاء ، والإقرار بغير استثناء (١) ، وهو في معنى قوله هنا : ( مطلقا ).

ولا فرق بين كون جنونه مطبقا أو يأخذه أدوارا ، إلاّ أن الذي يأخذه أدوارا إن أقر في حال إفاقته نفذ ، لأنه حينئذ عاقل.

وفي حكم المجنون النائم والغافل والساهي ، ولرفع القلم عن النائم حتى ينتبه ، وكذا الغافل والساهي ، ولأنه لا قصد لأحدهم. وكذا المغمى عليه ، والمبرسم : وهو اسم مفعول ، قال في القاموس : البرسام بالكسر علة يهذى فيها ، برسم بالضم فهو مبرسم (٢) ، ولا خلاف في ذلك كما ذكر المصنف في التذكرة (٣).

وأمّا السكران الذي لا يعقل أو لا يكون كامل العقل حالة سكره فلا يقبل إقراره ، ونقل المصنف في التذكرة فيه إجماعنا (٤) وكأنّه لم يلتفت الى خلاف ابن الجنيد حيث قال : إنّ سكره إن كان من شرب محرّم إختار شربه ألزم بإقراره كما يلزم بقضاء الصلاة (٥) ، وضعفه ظاهر.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٤٦.

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٨٠.

(٣) التذكرة ٢ : ١٤٦.

(٤) التذكرة ٢ : ١٤٦.

(٥) المختلف : ٤٤١.

٢٠٣

ولو ادعى زوال العقل حال إقراره لم تقبل دعواه إلاّ بالبينة ، وإن كان له حالة جنون فالأقرب سماع قوله.

______________________________________________________

وللشافعي اختلاف في نفوذ إقراره وبيعه ، وربّما فرق بين السكران قاصدا وغيره (١) ، وشارب المرقد كالسكران فيما قلناه.

وقوله : ( وان تعمد لغير حاجة ) يعود الى كل منهما ، فإنّه لمّا لم يكن لأحدهما عقل كامل ولا قصد صحيح لم يعتد بما يقع منه ، وكونه مؤاخذا بقضاء الصلاة لعدوانه بالتسبيب الى فواتها لا يقتضي الاعتداد بأفعاله وأقواله شرعا.

قوله : ( ولو ادعى زوال العقل حال إقراره لم تقبل دعواه إلاّ بالبينة ، ولو كان له حالة جنون فالأقرب سماع قوله ).

أمّا الحكم في الأول فلأنّه يدعي فساد إقراره محكوم بصحته ظاهرا ، ولأصل عدم حدوث مانع من صحته ، كما أنّ الظاهر كذلك أيضا. ومع عدم البينة فالقول قول المقر له بيمينه.

وقال المصنف في التذكرة : ولو لم يعلم له حالة جنون البتة لم يلتفت اليه (٢) ، وظاهر هذا عدم توجه اليمين على الآخر ، وهو بعيد ، لأنّه مدعى عليه ، غاية ما في الباب كون الدعوى بعيدة وذلك لا ينفي توجه اليمين.

وأما الحكم في الثاني فوجه القرب أنّه لما توارد عليه كل من الحالتين لم تكن له حالة معهودة ليحكم بوقوع الإقرار فيها ، والإقرار وإن كان الأصل فيه الصحة إلاّ أنّه مشروط بصدوره في حال العقل لعموم قوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٣) ، واحتمال كل من حالتي العقل والجنون قد علم أنّه مكافئ لاحتمال الأخرى ، والجهل بالشرط موجب للجهل بصحة المشروط ، هذا مع أنّ الأصل براءة‌

__________________

(١) الوجيز : ١٩٥ ، المغني لابن قدامة ٥ : ٢٧٢.

(٢) التذكرة ٢ : ١٤٦.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧ حديث ٥.

٢٠٤

ولو شهد الشهود بإقراره لم يفتقر الى أن يقولوا طوعا في صحة من عقله.

ج : المكره ، ولا ينفذ إقراره فيما اكره على الإقرار به ،

______________________________________________________

الذمة فيقدّم قوله بيمينه.

فإن قيل : لو كان العلم بوقوع الإقرار في حال العقل شرطا للصحة لما حكم بصحة شي‌ء من تصرفات من يعتوره الجنون ، إلاّ إذا قطع بكونه عاقلا في وقت إيقاعها ، ولما وجب على وارثه دفع ما أقرّ به مع جهل حال الإقرار.

قلنا : هو كذلك ، وإنّما أوجبنا اليمين هاهنا لدعوى المقرّ له صدور الإقرار حال العقل.

وأمّا الوارث ، فإن ادّعى صدور الإقرار حالة الجنون فهي كدعوى المورث ، وإن صرّح بعدم العلم ففيه نظر. ويحتمل عدم سماع قوله إلاّ بالبينة لسبق الحكم بالصحة ، ولأنّ دعوى السقوط بعد الثبوت تتوقف على البينة. ويضعّف بعدم سبق. الحكم بالصحة والثبوت فرعها ، وما قرّبه المصنف أقرب.

وينبغي أن يكون موضع المسألة ما إذا لم يعلم حاله قبيل الإقرار ، فإن علم وكان عاقلا فعلى مدعي تجدد الجنون البينة ، وينعكس الحكم لو انعكس الفرض.

قوله : ( ولو شهد الشهود بإقراره لم يفتقر الى أن يقولوا طوعا في صحة من عقله ).

لأنّ إطلاق الإقرار إنّما يحمل على الإقرار الشرعي ، ولا يكون شرعيا إلاّ إذا صدر طوعا في حال صحة العقل.

قوله : ( المكره ، ولا ينفذ إقراره في ما اكره على الإقرار به ).

٢٠٥

ولو أقر بغير ما اكره عليه صحّ.

ولو اكره على أداء مال فباع شيئا من ماله ليؤديه صحّ البيع مع‌

______________________________________________________

إجماعا منا نقله‌ في التذكرة (١) ، وحكى القول بذلك عن الشافعي (٢) ، واحمد (٣) والأصل فيه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ـ وما استكرهوا عليه » (٤).

قوله : ( ولو أقرّ بغير ما اكره عليه صحّ ).

مثل أن يكره على الإقرار لرجل فيقرّ لغيره ، أو يكره على أن يقرّ بنوع من المال فيقر بغيره ، أو يكره على الإقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق أخرى ، أو يكره على الإقرار بعتق عبد فيقر بعتق غيره ، لأنّ المقر به غير مكره عليه فيتناوله عموم الحديث.

ولو اكره على الإقرار بمائة فأقر بمائتين فالظاهر نفوذه ، لأنّ عدوله الى أكثر ممّا وقع الإكراه عليه دليل صدوره باختياره ـ وهو مقرب التذكرة (٥) ـ ، بخلاف ما لو أقر بأقل كخمسين ، لأنّ الإكراه على الإقرار بعدد يقتضي شمول الإكراه لما دونه ، لأن الظاهر أنّه أراد به دفع عادية المكره ، ومعلوم أنّه متى أمكنه دفعه بالأقل لم يقر بما فوقه.

فرع : لو اكره على بيع أحد المالين من غير تعيين فباع واحدا معيّنا ففي كون البيع مكرها عليه تردد ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق إنّه لو اكره على طلاق إحدى زوجتيه لا بعينها فطلق معيّنة وقع.

قوله : ( ولو اكره على أداء مال فباع شيئا من ماله ليؤديه صحّ البيع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٤٦.

(٢) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٧١.

(٣) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٧٠.

(٤) الخصال ٢ : ٤١٧ حديث ٩ ، التوحيد : ٣٥٣ حديث ٢٤ ، سنن ابن ماجة : ٦٥٩ حديث ٢٠٤٣ ، مستدرك الحاكم ٢ : ١٩٨ ، كنز العمال ٤ : ٢٣٦ حديث ١٠٣٢١.

(٥) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٤٦.

٢٠٦

عدم حصر السبب.

______________________________________________________

مع عدم حصر السبب ).

أي : مع عدم حصر سبب الأداء في مال بعينه ، فيمكن أن يكون المراد به : أنّه يصح حيث لا يكون المكره قد حصر الأداء في مال بعينه ، وهذا صحيح ، لأنّه حينئذ مكره على بيع ذلك المال فلا يصحّ. ويمكن أن يكون المراد به : صحته حيث لا يكون سبب الأداء بحسب الواقع منحصرا في مال بعينه ، بأن لا يكون عنده ما يؤدي المال من ثمنه ، إلاّ شي‌ء واحد فإنّه حينئذ يكون مكرها على البيع ، وهذا هو الّذي حكى شيخنا الشهيد في حواشيه أنّ العلاّمة قطب الدين نقله عن المصنف.

وفيه نظر ، لأنّ البيع المذكور مقصود إليه ، واقع بالاختيار ليدفع به أذى المكره ، كما لو دعته ضرورة أخرى إلى بيع مال لا يريد بيعه وإنّما حمله عليه محض الضرورة. لأن انحصار سبب الأداء في بيع المال الواحد من الأمور النادرة ، ولأنه لو عدّ ذلك إكراها لأدى الى أن لا يرغب أحد في الشراء من المكره على أداء مال فينسد عليه باب الخلاص وذلك ضرر عظيم.

ثم أنّه لو كان ذلك اكراها على البيع مع انحصار السبب لكان لتوقف أداء المال عليه ، فيلزم الإكراه مع عدم انحصار السبب أيضا ، لأنّ التوقف قائم هنا أيضا. غاية ما في الباب أنّ التوقف في الأول على أمر بخصوصه ، وفي الثاني على واحد من متعدد ، فكلّ ما اتى به كان هو المكره عليه.

والّذي يقتضيه النظر إنّ الإكراه على الأمر الكلّي لا يعد اكراها على شي‌ء من الجزئيات ، سواء تعددت بحسب الواقع أو لم يوجد منها إلاّ واحد ، إذ لا يدل الإكراه على الكلّي على الإكراه على الجزئيات بشي‌ء من الدلالات ، وإن توقف حصول المكره عليه بحسب الواقع على حصول شي‌ء منها.

٢٠٧

ولو ادعى الإكراه حال الإقرار لم يقبل إلاّ بالبينة وإن أقر عند السلطان ، إلاّ مع قرينة عليه كالقيد ، أو الحبس ، أو التوكيل به فيصدّق مع اليمين.

د : المفلّس.

هـ : المبذّر وقد مضى حكمهما.

و : المريض ، ويقبل إقراره إن برأ مطلقا ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو ادعى الإكراه حالة الإقرار لم يقبل إلاّ بالبينة ).

لأنّ الأصل في الإقرار الصحة للحكم بلزومه من حين صدوره ، فبطلانه يحتاج الى دليل. ومع عدم البينة يحلف المدعى عليه ، سواء أقر عند السلطان أم لا ، لأنّ مجرد الوقوع عند السلطان لا يقتضي حصول الإكراه إذ قد يخلو منه ، والأصل عدمه.

نعم لو وجدت قرينة دالة عليه كالقيد ، أو الحبس ، أو التوكيل بالمقر لمن يحفظه ويمنعه من الانصراف قوى جانبه بمساعدة الظاهر فيصدق مع اليمين. والى هذا أشار المصنف بقوله : « وإن أقر عند السلطان ، إلاّ مع قرينة عليه كالقيد أو الحبس أو التوكيل فيصدّق مع اليمين ».

واستشكل المصنف هذا الحكم في التذكرة (١) ، وإنّما يكون القيد ونحوه دليلا على الإكراه إذا لم يعلم كونه لأمر آخر ، فلو علم أنّه لا تعلق له بالإكراه انتفى هذا الحكم.

قوله : ( المريض يقبل إقراره إن برأ مطلقا ).

على إشكال ، أي : يقبل إقرار المريض إذا برأ ، بمعنى إنّه ينفذ كإقرار الصحيح مطلقا ، أي : سواء كان متهما في إقراره على ورثته وباقي غرمائه بأنّه يريد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٤٦.

٢٠٨

وإن مات في مرض الإقرار فكذلك إن لم يكن متهما ، وإلاّ فمن الثلث.

ولو أقر بدين مستغرق ولا تهمة ، وثبت بالبينة آخر مستغرق ، أو‌

______________________________________________________

دخول النقص عليهم بمزاحمة المقر له إياهم أم لا ، بدليل قوله فيما بعد : ( إن لم يكن متهما ) ، وفي ذلك إيماء إلى ( قول جمع من الأصحاب بناء على ) (١) أن إقرار المريض إذا مات ( في مرضه ) (٢) من الثلث إمّا مطلقا أو مع التهمة.

وذلك على إشكال ينشأ : من أنّه لما صدر حال المرض مع التهمة كان كالوصية وهي غير لازمة ، ومن عموم قوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٣) ، ولأنّ المانع من النفوذ المرض وقد زال ، ولإطلاق الأصحاب اللزوم إذا برأ ، وهو الأصح.

قوله : ( وإن مات في مرض الإقرار فكذلك ان لم يكن متهما وإلاّ فمن الثلث ).

أي : وإن مات المريض المقر في مرضه الّذي أقر فيه فكذلك ـ أي : يقبل ـ ويكون نافذا من الأصل مع عدم التهمة ، ومعها من الثلث ، وهذا هو أصح الأقوال للأصحاب ، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيانه في الوصايا.

وهذا إنّما هو في الإقرار بما لا يكون من الثلث ، كأن يقر بهبة قبل المرض ، أو بدين من ثمن مبيع لا محاباة فيه ، أو يسنده الى ما قبل المرض ، فلو أطلق وتعذّر الاستفسار فليس ببعيد جعله من الثلث وإن لم يكن تهمة ، لأنّ الإقرار إنّما يقتضي اللزوم قبل زمان الإقرار بمقدار ما يمكن إنشاء السبب.

قوله : ( ولو أقر بدين مستغرق ولا تهمة وثبت بالبينة آخر مستغرق ،

__________________

(١) لم ترد في « ك‍ ».

(٢) لم ترد في « ك‍ ».

(٣) عوالي اللئالي ٢ : ٢٥٧ حديث ٥.

٢٠٩

أقر الوارث به على إشكال ثبت التحاص.

ولا فرق بين الإقرار للوارث وغيره على رأي.

______________________________________________________

أو أقر الوارث به على اشكال ثبت التحاصّ ).

أي : لو أقر المريض بدين مستغرق للتركة ولا تهمة نفّذ إقراره على المختار ، ولو ثبت دين آخر بالبينة وهو مستغرق أيضا ، سواء كان قبل الإقرار أو بعده ثبت التحاصّ ، لأنّ الإقرار مع انتفاء التهمة حجة ، وكذا البينة ، ولا أولوية لإحداهما على الأخرى.

وكلام الشارح الفاضل ولد المصنف يقتضي إن فرض المسألة تأخر الإقرار عن الثبوت بالبينة ، وإن في ثبوت التحاصّ حينئذ اشكالا ، نظرا الى سبق تعلّق حق الغرماء بالتركة على الإقرار (١) وليس بشي‌ء ، أمّا أولا فلأنّ العبارة أعم ، وأما ثانيا فلأن الإقرار مع عدم التهمة حجة يجب العمل به ، فجرى مجرى ما لو ثبت دينان ببينتين.

أما إذا أقر الوارث بدين آخر على مورثه مضافا الى ما أقر به المورث ففي ثبوت التحاصّ هنا الإشكال الذي ذكره المصنف ، ومنشؤه : من أنّ الوارث خليفته ، ونائب منابه ، ولا تهمة عليه فينفذ إقراره كإقرار المورث.

ومن أنّه إقرار في حق الغير ، فإنّ مالك الدين المستغرق الثابت بالحجة الشرعية ـ وهي إقرار المريض العاري عن التهمة ـ أو البينة يستحق أخذ جميع التركة أو قيمتها بدينه فلا يكون نافذا.

وفرق بين إقراره وإقرار مورثه ، لأنّه إقرار على نفسه ، وقد قام الدليل على نفوذه مع عدم التهمة بخلاف الوارث ، والأصح عدم ثبوت التحاصّ هنا.

قوله : ( ولا فرق بين الإقرار للوارث وغيره على رأي ).

أي : لا فرق بين كون المقر له وارثا أو لا عند أكثر الأصحاب كالشيخين (٢) ،

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٢٩.

(٢) الشيخ المفيد في المقنعة : ١٠٠ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٦١٧.

٢١٠

ولو أقر لزوجته بمهر مثلها أو دونه صحّ ، ولو أقر بزائد أو بغيره نفذ من الثلث مع التهمة ، ومن الأصل بدونها.

______________________________________________________

وابن البراج (١) ، وابن إدريس (٢). فعلى ما تقرر ينفذ إقرار المريض من الأصل مع عدم التهمة ، ومن الثلث معها ، لصحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام : إنّه سأله عن رجل أوصى لبعض ورثته بأنّ له عليه دينا فقال : « إن كان الميت مرضيا فأعطه الّذي اوصى له » (٣).

وأطلق ابن بابويه أنّه يمضي في الوارث من الثلث (٤) ، وذهب ابن حمزة إلى نفوذه في الأجنبي من الأصل مطلقا ، وفي الوارث من الثلث مع التهمة (٥) ، ورواية إسماعيل بن جابر الصحيحة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه سأله عن رجل أقرّ لوارث له وهو مريض بدين عليه فقال : « يجوز إذا كان الذي أقر به دون الثلث » (٦). والأصح الأول ، والرواية منزلة على التهمة مع أنّ دلالتها بمفهوم الشرط.

قوله : ( ولو أقر لزوجته بمهر مثلها أو دونه صحّ ).

إذ لا مانع من صحة الإقرار ، ولا فرق بين كون الإقرار قبل الدخول بها أو بعده ، ولا بين كونه أزيد من مهر السنة أو لا. وفي حواشي شيخنا الشهيد أنّه يشكل مع الزيادة.

قوله : ( ولو أقر بزائد أو بغيره نفذ من الثلث مع التهمة ، ومن الأصل بدونها ).

__________________

(١) المهذب : ٢١٩.

(٢) السرائر : ٢٨٠.

(٣) الفقيه ٤ : ١٧٠ حديث ٥٩٤ ، التهذيب ٩ : ١٥٩ حديث ٦٥٦ ، الاستبصار ٤ : ١١ حديث ٤٢٦.

(٤) المقنع : ١٦٥.

(٥) الوسيلة : ٣٣٢.

(٦) من لا يحضره الفقيه ٤ : ١٧٠ حديث ٥٩٢ ، التهذيب ٩ : ١٦٠ حديث ٦٥٩ ، الاستبصار ٤ : ١١٢ حديث ٤٢٩.

٢١١

ولو أقر لاثنين متهم في حق أحدهما اختص بالتشقيص.

ولو أقر بعين ماله وبدين في الذّمة لآخر ولا تهمة فلا شي‌ء للثاني ، وكذا لو قدّم الثاني.

______________________________________________________

أمّا إذا أقر بمهر‌ زائد عن مهر المثل فإنّ الزيادة بمنزلة المحاباة في المعاوضات ، فإنّ النكاح فيه شائبة المعاوضة ، فجرى ذلك مجرى إقراره بثمن مبيع معلوم اشتراه في حال صحته بزيادة عن ثمن مثله ، فتكون الزيادة من الثلث مع التهمة ، وإلاّ فمن الأصل. ولو أقر للزوجة بغير المهر فكما قلناه ينفذ من الأصل مع عدم التهمة.

فرع : إذا أعرض الوارث عن التركة ولم يتسلمها ولم (١) يطالب بشي‌ء ، هل (٢) يجوز له ذلك؟ ينبغي العدم.

قوله : ( ولو أقر لاثنين متهم في حق أحدهما اختص بالتشقيص ).

إعطاء لكل واحد منهما حقه ، ويجوز في ( متهم ) الرفع لكونه فاعل ( أقر ) أو خبرا عن مبتدأ محذوف ، والجر صفة سببية لاثنين.

قوله : ( ولو أقر بعين ماله وبدين في الذمّة لآخر ولا تهمة فلا شي‌ء للثاني ).

أي : لو أقر بعين ماله كله لواحد ، ووجه ما ذكره من أنّه لا شي‌ء للثاني : أنّه لما نفذ إقراره في أعيان التركة صار بغير تركة ، فلم يكن ثمّ شي‌ء يتعلق به الدين ، فلم يكن للثاني شي‌ء ، لأنّ استحقاقه فرع وجود التركة.

قوله : ( وكذا لو قدّم الثاني ).

مقتضى العبارة أنّه في المسألة السابقة آخر الثاني ، ولا دلالة للعبارة على ذلك ،

__________________

(١) في « ك‍ » : لم.

(٢) في « ك‍ » : وهل.

٢١٢

ولو أقر بوارث فالأقرب اعتبار التهمة وعدمها ، وكذا إقراره بإحبال الأمة ، أو إعتاق أخيه المملوك له وله عم.

______________________________________________________

لأن الواو لا تدلّ على ترتيب ولا ضده ، إلاّ أنّه لمّا كان إطلاق العبارة صالحا للأمرين حاول المصنف التصريح باستوائهما في الحكم.

ووجهه : إنّ الإقرار بجميع ( أعيان ) (١) ما يعد تركة ظاهرا متى كان نافذا فلا فرق بين تقدّمه وتأخره ، لامتناع تعلق دين المريض بعين مال غيره.

قوله : ( ولو أقر بوارث فالأقرب اعتبار التهمة وعدمها ).

وجه القرب : أنّ المقتضي لكون الإقرار بالمال من الثلث هو التهمة ، وهو موجود في محل النزاع ، فإنّ الإقرار بالوارث يتضمن الإقرار باستحقاق الإرث فيثبت الحكم.

ويحتمل النفوذ مطلقا ، لأنّه إقرار بالنسب واستحقاق المال تابع ، وهو ضعيف ، لأنّ المقصود الأصلي من النسب ثبوت أحكامه ومن جملتها استحقاق المال ، وما قرّبه أقرب.

قوله : ( وكذا إقراره بإحبال الأمة ، أو إعتاق أخيه المملوك له وله عم ).

أي : ينفذ مع التهمة من الثلث وبدونها من الأصل ، فإنّ الإحبال سبب في العتق والإرث معا ، فهو في معنى الإقرار بالمال.

وكذا إعتاق الأخ ، فإنّ الإعتاق تصرّف في المال على وجه التبرع ومتضمن لاستحقاق الأخ الإرث ، لاقتضائه زوال المانع من الإرث المقتضي لحجب العم. وكذا لو كان له أخ آخر حر ، فإنّ الإقرار بالعتق يقتضي نقصان حظه.

__________________

(١) لم ترد في « ك‍ ».

٢١٣

ولو أقر الوارث بدين على الميت ولا تركة لم يلزمه ، ولو خلّف تركة تخير في التسليم من التركة ، وغيرها فيلزمه أقل الأمرين من الدين والتركة.

ولو تعدد الوارث أدى كل واحد بقدر ميراثه ،

______________________________________________________

وينبغي أن يكون موضع (١) المسألة ما إذا أسند الإعتاق الى حال الصحة ، إذ لو أسنده إلى المرض أو أطلق كان تبرعا واقعا في المرض ، فيكون من الثلث مع التهمة وبدونها لما سيأتي إن شاء الله تعالى إنّ منجزات المريض من الثلث.

قوله : ( ولو أقر الوارث بدين على الميت ولا تركة لم يلزم ).

لأن القضاء إنّما يجب من مال الميت لا من مال الوارث ، وهل يكفي ذلك في جواز قضائه من الزكاة ( من غير الوارث ) (٢) أو من بيت المال؟ فيه نظر ينشأ : من قيام الوارث مقام الميت ، ومن أنّه إقرار في حق المستحقين.

قوله : ( ولو خلف تركة تخيّر في التسليم من التركة وغيرها فيلزمه أقل الأمرين من الدين والتركة ).

أمّا تخيّره في التسليم من التركة وغيرها ، فلأن له الاختصاص بأعيان التركة ، وأمّا لزوم أقل الأمرين ، فلأن الدين إن كان أقل فهو الواجب ، وإن كانت التركة أقل فالواجب صرفها أو صرف قيمتها ففي الدين دون ما زاد عليها ، إذ لا يجب الأداء من ماله.

فرع : لو وجد من يشتري أعيان التركة بزائد عن قيمتها السوقية ، أو رضي بها ربّ الدين وقيمتها لا يبلغه فهل يجب على الوارث أداء جميع الدين أم القيمة السوقية فقط؟ كلّ منهما محتمل.

قوله : ( ولو تعدد الوارث أدى كلّ واحد بقدر ميراثه ).

__________________

(١) في « ص » : من صيغ.

(٢) لم ترد في « ص ».

٢١٤

ولو أقر أحدهم لزمه من الدين بقدر ميراثه.

فلو كانا اثنين لزمه أقل الأمرين من نصف التركة ونصف الدين.

ز : العبد ، ولا يقبل إقراره بمال ، ولا حد ، ولا جناية توجب أرشا أو قصاصا ، إلاّ أن يصدّقه السيد ويتبع به بعد العتق بالمال.

ولو قيل : يقبل ويتبع به وإن لم يصدّقه السيد كان وجها.

______________________________________________________

لأنّ الواجب عليه‌ أقل الأمرين ممّا وصل إليه من التركة ومن الدين.

قوله : ( ولو أقر أحدهم لزمه من الدين بقدر ميراثه ).

أي : بقدر ما وصل إليه من الإرث بالاستحقاق أي بنسبته إذ لا ينفذ إقراره على باقي الورثة.

قوله : ( فلو كانا اثنين لزمه أقل الأمرين من نصف التركة ونصف الدين ).

هذا إذا تسلّم جميع نصف التركة ، وإلاّ فأقل الأمرين ممّا يسلّمه ونصف الدين.

قوله : ( العبد : ولا يقبل إقراره بمال ، ولا حدّ ، ولا جناية توجب أرشا أو قصاصا ، إلاّ أن يصدّقه السيد ويتبع بعد العتق بالمال ، ولو قيل : يقبل ويتبع به وإن لم يصدّقه السيد كان وجها ).

أجمع أصحابنا على أنّه لا يقبل إقرار العبد على نفسه بمال ، ولا حدّ ، ولا جناية مطلقا ، ويؤيده أنّه لا يملك نفسه ولا التصرف ، في نفسه ، وهو مال لغيره فإقراره على نفسه إقرار على مولاه ، والإقرار على الغير غير مسموع ، فإن صدّقه السيد نفذ ، لأنّ المنع من نفوذ إقراره إنّما كان لحق السيد وقد انتفى ففي الحدّ والجناية الحكم ظاهر.

وأما المال فلا يؤديه المولى ولا العبد ، لأنّ جميع ما يكسبه حق للسيد ، بل يتبع‌

٢١٥

______________________________________________________

به بعد العتق ، لأنّ الفرض أنّ المال المقر به ليس ممّا يلزم السيد.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ إقرار العبد لا ينفذ في الحال إلاّ بتصديق السيد لما قلناه ، وهل ينفذ بحيث يتبع به بعد العتق وزوال سلطنة السيد عنه؟ فيه وجهان.

أحدهما : العدم ، لانتفاء أهليته للإقرار ، لأنّه لا يقدر على شي‌ء كما دلّت عليه الآية (١) ، ولأنّ في نفوذه بعد العتق نقصا على المولى لقلّة الرغبة فيه ، لأنّ ضمان شي‌ء في الحرية يزاحم الإرث بالولاء.

والثاني : النفوذ ، لانتفاء الدليل الدال على سلب الأهلية ، وإنّما منع من النفوذ في الحال حق المولى ، ولهذا ينفذ في الحال لو صدّقه ، فالنفوذ في وقت لا حق للمولى فيه لا مانع منه ، ولمّا كانت قدرته على إنشاء الإقرار معلوما لم يكن عموم الآية متناولا لهذا (٢) الفرد.

ولو سلّم فهو معارض بعموم قوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٣). فينزّل نفي قدرته على إنشاء الإقرار على كون ذلك بالنسبة إلى المولى جمعا بين الدليلين وتخيل النقص على المولى بقلة الرغبة غير معتد به ، لأنّ ذلك لا ينظر اليه ، ومجرد حصول الحرية مظنة التصرفات المانعة من الإرث بالولاء أو المنقصة (٤) له ، والأصحّ الثاني وهو مختار الشيخ في المبسوط (٥).

وهل يتبع في الجناية أيضا كالمال؟ حكاه في الدروس قولا ولم يفت بشي‌ء (٦) ،

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) في « ص » : البقاء.

(٣) عوالي اللئالي : ٢٢٣ حديث ١٠٤.

(٤) في « ص » : المنفعة.

(٥) المبسوط ٣ : ١٨.

(٦) الدروس : ٣١٤.

٢١٦

ولو كان مأذونا في التجارة فأقر بما يتعلق بها قبل ، ويؤخذ ما أقر به ممّا في يده ، وإن كان أكثر لم يضمنه المولى بل يتبع بعد العتق ، ولا يصحّ إقرار المولى عليه بحد ولا غيره.

______________________________________________________

ومقتضى إطلاق عبارة المصنف هنا إنّه يتبع بالجميع ، ولا أرى مانعا إلاّ في الحدّ من حيث ابتنائه على التخفيف ودرئه بالشبهة.

قوله : ( ولو كان مأذونا في التجارة فأقر بما يتعلق بها قبل ، ويؤخذ ما أقر به ممّا في يده ، وإن كان أكثر لم يضمنه المولى بل يتبع به بعد العتق ).

إنّما قبل إقرار المأذون لأنّه لولاه لزم الإضرار بالمدين بوجوب الصبر الى أن يعتق ، مع أنّ الإذن في التجارة يقتضي جواز الاستدانة ، وذلك يفضي الى انصراف الرغبات عن مداينة العبيد فيؤدي إلى اختلال حال التجارة.

واستشكل المصنف القبول في التذكرة (١) ، وهو إشكال في موضعه ولا ريب أنّ القبول إنّما هو بقدر ما في يده ، لأنّ الإذن في التصرّف إنّما يتناوله فالزائد لا يضمنه المولى بل يتبع به. واحترز بقوله : ( فأقر بما يتعلق بها ) عمّا إذا أقر بإتلاف ونحوه مما لا مدخل له في التجارة فإنّه لا ينفذ في حقّ المولى.

ولو أطلق فهل ينزّل على دين المعاملة أو الإتلاف؟ وجهان ، وينبغي الحكم بالاستفسار مع إمكانه ، ولو حجر عليه المولى فأقر حينئذ بدين المعاملة ففي النفوذ تردد.

قوله : ( ولا يصح إقرار المولى عليه بحد ولا غيره ).

أي : من العقوبات كالتعزير ، وضرب اليد في الاستمناء ، ونحو ذلك ، وهذا حيث لا يصدقه العبد ، ولا خلاف في هذا الحكم ، ويؤيده أنّ إيلام العبد متعلق به وبالمولى ، فلا يكفي إقرار المولى في ثبوته كما لا يكفي إقرار العبد.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٤٧.

٢١٧

ولو أقر عليه بالجناية فالأقرب قبول قوله ، ويجب المال ، ويتعلق برقبته لا في حق العبد كفك الإرث فيعتق وإن قصرت على القولين.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أقر عليه بالجناية فالأقرب قبول قوله ، ويجب المال ويتعلق برقبته لا في حق العبد كفك الإرث فيعتق بالقيمة وإن قصرت على القولين ).

أي : لو أقر المولى على العبد بالجناية فالأقرب قبول قول المولى في حق نفسه فيجب المال عن الجناية ، سواء كانت عمدا أو خطأ ، ويتعلق برقبة العبد لا في حق العبد ، كما لو اتفق موت مورثه وله تركة ولا وارث سواه وهو ممن يفك فإنّه يفك بالقيمة لا غير ، وإن أوجبت الجناية أزيد على القولين ، أعني : القول بأنّ للمولى فك الجاني خطأ بأقل الأمرين من القيمة وأرش الجناية ، والقول بأنّه إنّما يفكه بأرش الجناية وإن زاد عن القيمة.

وتنقيح المبحث : إنّ الإقرار بالجناية خطأ وعمدا يتعلق بحق السيد والعبد معا ، أمّا الجناية خطأ فلأنّها توجب المال خاصة ، وتتعلق برقبة العبد الّذي هو ملك السيد ، فيتعلق الإقرار بها بحق السيد من هذه الجهة.

وعلى القول بأنّ الجاني إنّما يفتدي بأرش الجناية وإن كان أكثر من القيمة ، فيتعلق الإقرار بها بحق العبد فيما لو اتفق موت مورث العبد في الصورة المذكورة ، فإنّ حقه أن يفك بالقيمة والباقي من التركة له ، ولو نفذ الإقرار بالجناية على العبد فيتعلق برقبته المال لوجب على القول الثاني فكه بالأرش وإن زاد على القيمة.

الاشكال : إنّ الفك من التركة عبارة عن الشراء بالقيمة ، فإن كان العبد للمولى دفع اليه ذلك ، فيلزمه تخليصه من المجني عليه بالأرش على القول الآخر ، أو دفعه إليه ليؤخذ منه بالقيمة ، وإن كان المجني عليه لم يكن له أزيد من القيمة على كلّ حال ، حتى لو ثبتت جنايته عمدا بالبينة واسترقه المجني عليه لم يزد الأمر على ذلك.

٢١٨

______________________________________________________

وجوابه : إنّ الواجب على المولى إنّما هو التخلية بين العبد والمجني عليه ، أو بذل الأرش على القول به ، فإذا خلّى بينهما لم يجب عليه شي‌ء ، وإلزامه بأن يدفع الى المجني عليه الأرش ويأخذ هو القيمة خاصة ممّا لا يدل عليه دليل.

فإن قيل : فأين يثبت وجوب الأرش من التركة وإن زاد عن القيمة.

قلنا : إذا ثبت بالحجة الجناية (١) وتعلق حق المجني عليه بالعبد ولم يسترقه ، واتفق موت المورث فحينئذ يدفع الى المجني عليه جميع الأرش من التركة على القول به ويعتق العبد فإذا كان نفوذها إنّما هو بإقرار المولى لم يكن للمجني عليه هنا أزيد من القيمة ، لأنّ ذلك لا يثبت في حق العبد بإقرار المولى.

وأمّا الجناية عمدا فلأنّها تقتضي تخيير المجني عليه بين الاقتصاص والاسترقاق على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الجنايات ، ولأنّ مطلق الجناية عمدا يجب بها عند الأكثر أحد الأمرين من القصاص والدية.

لكن إنّما تجب الدية عند تعذر القصاص فتعلق الإقرار بها بحق المولى ظاهر ، وتعلقه بحق العبد من حيث أنّ في الاقتصاص إيلام العبد وسلب حياته ، وافتداؤه موقوف على رضاء ، ولي المجني عليه ، فحيث نفذ إقرار السيد بالجناية في حق نفسه لا في حق العبد.

فإن كانت الجناية المقر بها خطأ وجب ( المال فيتعلق برقبته ) (٢) أرش الجناية إن كان بقدر القيمة فما دون ، وإلاّ فالقيمة ، حتى إنّه في الصورة المذكورة لا يجب سواها ولو على القول الثاني ، وإن كانت عمدا لم يجب الاقتصاص ولم يعتبر رضى ولي المجني عليه في الفك بالقيمة لو اتفق موت المورث.

ووجه القرب ، أمّا بالنسبة إلى نفوذ الإقرار في حق المولى فعموم قوله عليه‌

__________________

(١) لم ترد في « ك‍ ».

(٢) لم ترد في « ك‍ ».

٢١٩

______________________________________________________

السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) فينفذ إقراره خاصة في حقه من المالية ، سواء كانت الجناية خطأ أو عمدا ، ويتسلط عليه ولي المجني عليه.

فإن أراد المولى افتداءه في الخطأ فداه بأقل الأمرين من الأرش والقيمة على القول به ، وعلى الآخر بالأرش كائنا ما كان. وإن أراد افتداءه في العمد توقف على رضى ولي المجني عليه.

وأمّا بالنسبة الى العبد ، فلأنّ العبد غير بالنسبة إلى المولى فلا يكون إقراره نافذا في حقه ، فلا يجب في الخطأ لو مات مورثه سوى القيمة على القولين. ولا يثبت القصاص في العمد ، ولا يتوقف افتكاكه في صورة موت مورثه على رضي المجني عليه ، ولا يجب ما زاد على القيمة على القولين أيضا. وفي حواشي شيخنا الشهيد : إنّ هذا من خصوصيات المصنف ، وكيف كان فهو في غاية التحقيق.

لكن لو كانت الجناية المقر بها عمدا تسلط ولي المجني عليه على استرقاقه ، لنفوذ الإقرار فيه ، إذ هو حق للسيد فيستحق حينئذ القيمة وإن نقص عنها أرش الجناية ، بخلاف ما لو كانت خطأ فإنّ الزائد من القيمة على الأرش للمولى.

وقال شيخنا الشهيد في الدروس : لو اتفق موت مورثه بعد إقرار مولاه عليه بالجناية فك بقيمته ، ويتعلق بها المجني عليه مع الإيعاب ، ولا يتوجه هنا الفك بأقل الأمرين ، لأنّ ذلك وظيفة المولى (٢) ، فإن أراد إنّ ذلك في الجناية خطأ فهو صحيح ، لأنّ القيمة لا بدّ منها ، فإن كانت أزيد من الأرش فالفاضل للمولى ، فلا يتصور الفك بأقل الأمرين إلاّ من المولى.

لكن لا بد أن تحمل عبارته على أصل الفك لا على فكه من المجني عليه ، لأن فكه منه إنّما يكون بأقل الأمرين ويكون الفاضل للمولى ، إلاّ أنّ أصل الفك بالقيمة‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧ حديث ٥.

(٢) الدروس : ٣١٤.

٢٢٠