جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٦

ولا تكفي المعاطاة ، والأفعال الدالة على الإيجاب ، نعم يباح التصرف. والهدية كالهبة في الإيجاب والقبول والقبض.

______________________________________________________

عدم تجدد ما يكون مانعا.

ولا يخفى أن قول المصنف : ( حذرا من وجوب الإنفاق ) مشعر بهذا القيد ، لأن الابن إذا كان فقيرا لأنفقه عليه.

الثاني : أن يكون الصبي لدون عشر ، ولا حاجة الى هذا القيد ، لأن المصنف لا يجوز صدقة ذي العشر بحال.

قيل وينبغي تقييد الأب بالنسبي ، لأن الأب من الرضاع لا نفقة له ، ولا يخفى أن المتبادر من الأب هو الأول.

فرع : لو نذر الإنفاق على كل قرابة ثم جن فهل لوليه قبول هبة من ينعتق عليه؟ المتجه العدم إذا كان العتيق فقيرا ، لتوقع المحذور وهو إتلاف المال بسبب القبول.

قوله : ( ولا تكفي المعاطاة والأفعال الدالة على الإيجاب ، نعم يباح التصرف ).

أي : لا يكفي في حصول الملك المعاطاة ، اعني إعطاء الواهب وأخذ المتهب ، أو إعطاء أحدهما الهبة والآخر الثواب ، وكذا الأفعال الدالة على الإيجاب اقتصارا على الأسباب الشرعية التي ثبت نقلها للملك ، وهي العقود دون الأفعال ، نعم يباح التصرف بذلك ، كما يباح أكل الضيف الطعام بوضعه بين يديه ، وأخذ نثار العرس.

قوله : ( والهدية كالهبة في الإيجاب والقبول والقبض ).

الهدية : ضرب من الهبة مقرونة بما يشعر بإعظام المهدى اليه وتوقيره ، ولا يشترط لتحققها كونها على يد رسول خلافا لبعض الشافعية (١) ، لانتظام أن يقول‌

__________________

(١) انظر : المجموع ١٥ : ٣٧٩ ، مغني المحتاج ٢ : ٣٩٨.

١٤١

ولا يصحّ تعليق العقد ، ولا توقيته ، ولا تأخير القبول عن الإيجاب‌

______________________________________________________

المهدي لمن حضر : هذه هديتي إليك.

وهل يشترط فيها الإيجاب والقبول والقبض؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، فاختار المصنف هنا الاشتراط ، لأنها نوع من الهبة فيشترط فيها ما يشترط في الهبة ، ويلوح من كلامه في التذكرة عدم اشتراط الإيجاب والقبول ـ وان لم يصرح به ـ محتجا بأن الهدايا كانت تحمل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كسرى وقيصر وسائر المملوك فيقبلها عليه‌السلام ولا لفظ هناك (١) ، واستمر الحال على هذا من عهده الى هذا الوقت في سائر الأصقاع ، ولهذا كانوا يبعثونها على أيدي الصبيان الذين لا يعتد بعبارتهم. لا يقال إن ذلك كان إباحة لا تمليكا.

لأنا نقول : لو كان كذلك لما تصرفوا فيه تصرف الملاّك ، ومعلوم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتصرف فيه ويملكه غيره من زوجاته وغيرهن (٢) ، وقد اهدي له حلة فأهداها لعلي عليه‌السلام (٣) ، وروي ان مارية القبطية أم ولده كانت من الهدايا (٤) ، (٥).

وهذا قوي متين ، ويؤيده أن الهدية مبنية على الحشمة والإعظام ، وذلك يفوت مع اعتبار الإيجاب والقبول وينقص موضعها من النفس ، ومطالبة المهدى اليه بالتمليك وسؤال الرسول هل هو وكيل فيه أم على تقدير اعتبار عبارته ، ونحو ذلك خروج عن مقصودها.

قوله : ( ولا يصح تعليق العقد ، ولا توقيته ، ولا تأخير القبول عن‌

__________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٩٦ حديث ١٦٢٤ ، مسند احمد بن حنبل : ٩٦.

(٢) طبقات ابن سعد ٨ : ١٨٨.

(٣) نيل الأوطار ٦ : ١٠٥.

(٤) طبقات ابن سعد : ١٣٤.

(٥) التذكرة ٢ : ٤١٥.

١٤٢

بحيث يخرج عن كونه جوابا.

الثاني : الموهوب : كل ما صحّ بيعه جاز هبته ، مشاعا كان أو مقسوما من الشريك وغيره.

ولا تصحّ هبة المجهول كأحد العبدين لا بعينه ، والحمل ، واللبن في‌

______________________________________________________

الإيجاب بحيث يخرج عن كونه جوابا ).

لأنه مع التعليق لا جزم بإنشاء التمليك وتأقيت الملك بحيث ينتفي من دون سبب ناقل لا يعقل ، وقد سبق مثل هذا في السكنى وهو قوله : « ولو قرن الهبة بمدة بطلت ».

قوله : ( وكل ما صح بيعه جاز هبته ، مشاعا كان أو مقسوما بين الشريك وغيره ).

لا خلاف بين أصحابنا في صحة هبة كل ما يصح بيعه من الأعيان ، سواء كان مشاعا أو مقسوما بين الشريك وغيره ، لأن ذلك قابل لنقل الملك والإقباض فصحت هبته ، إذ لا مائز إلاّ اعتبار العوض في البيع دون الهبة. ولما روي أن وفد هوازن لما جاؤا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطلبون أن يرد عليهم ما غنمه منهم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم » (١) وهذا هبة المشاع.

وقال أبو حنيفة : إن هبة المشاع الذي يمكن قسمته لا يجوز لغير الشريك ، بخلاف ما لا يمكن قسمته فإنه يجوز (٢). وكذا تجوز هبة المنقسم للشريك ، وبالغ فقال : إن هبة المنقسم من اثنين لا تجوز ، محتجا بأن القبض شرط في الهبة ، ووجوب القسمة يمنع من صحته وتمامه ، وليس بشي‌ء.

قوله : ( ولا تصح هبة المجهول كأحد العبدين لا بعينه ، والحمل‌

__________________

(١) سنن النسائي ٦ : ٢٦٢.

(٢) اللباب ٢ : ١٧٢ ، مغني المحتاج ٦ : ٢٨٥ ، الميزان ٢ : ١٠٧.

١٤٣

الضرع. وتصح في الصوف على الظهر ، وكل معلوم العين وإن جهل قدره.

ولا تصح هبة دهن السمسم قبل عصره ،

______________________________________________________

واللبن في الضرع ، وتصح في الصوف على الظهر ، وكل معلوم العين وإن جهل قدره ).

ذهب المصنف في التذكرة إلى انه تصح هبة المجهول ، لأنها تبرع فصحت في المجهول كالنذر والوصية ، بخلاف البيع وغيره من المعاوضات المبنية على المكايسة ، ولأصالة الصحة ولانتفاء الغرر (١). ومنع بعض العامة من هبة المجهول (٢) ـ كما اختاره المصنف هنا ـ ، وفصل بعضهم بأن الجهل إن كان من طرف الواهب لم تصح الهبة ، لأنه غرر في حقه ، وإن كان من المتهب صحت لانتفاء الغرر (٣).

فعلى مختار التذكرة يجوز أن يهبه شاة من غنمه ، وعبدا من خدمه ، وقطعة من هذا الثوب أو من هذه الأرض ثم يعيّن ما شاء ، وقد صرّح بذلك ومنعه هنا. وفي التحرير وفي الصحة بعد ، لأن الموهوب هو ما ليس بمعيّن وغير المعين يمتنع إقباضه (٤).

والمتجه أن يقال : إن لم تكن الجهالة مفضية إلى كون الموهوب غير معيّن صحت الهبة ، ولا تضر جهالة النوع والوصف والقدر ، لأن الغرر غير قادح هنا.

والفرق بين الهبة والنذر : ان النذر يتعلق بشي‌ء في الذمة وكذا الوصية بخلاف الهبة ، فعلى هذا تصح هبة الحمل في البطن ، واللبن في الضرع ويكون التسليم بتسليم الام ، وبه صرح في التذكرة (٥) ، وكذا حكم الصوف على الظهر.

قوله : ( ولا تصح هبة دهن السمسم قبل عصره ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤١٦.

(٢) مغني المحتاج ٦ : ٢٨٨ ، الوجيز : ٤٢٩.

(٣) المغني لابن قدامة ٦ : ٢٨٨.

(٤) التحرير : ٢٨٢.

(٥) التذكرة ٢ : ٤١٦.

١٤٤

ولا هبة المعدوم كالثمرة المتجددة وما تحمله الدابة.

وتصح هبة المغصوب من الغاصب وغيره ، والمستأجر من غير المستأجر ، والآبق ، والضال ، والكلب المملوك.

ولو وهب المرهون فان بيع ظهر البطلان ، وإن انفك فللراهن الخيار في الإقباض.

______________________________________________________

وكذا ما جرى‌ مجراه ، لأنه في حكم المعدوم.

قوله : ( ولا هبة المعدوم كالثمرة المتجددة ، وما تحمله الدابة ).

لامتناع تمليك ما ليس بمملوك.

قوله : ( وتصح هبة المغصوب من الغاصب وغيره ، والمستأجر من غير المستأجر ، والآبق ، والضال ، والكلب المملوك ).

صرح المصنف في التذكرة بمنع هبة المغصوب لغير الغاصب لامتناع إقباضه ، وكذا هبة الضال والآبق (١) وهو ضعيف ، لأن إقباضه ممكن وإن كان غير مقدور على تسليمه الآن فيصح العقد ويتم بالإقباض ، وكذا هبة المستأجر من غير المستأجر ، وأما الهبة من الغاصب والمستأجر فلا بحث في جوازها.

وتجوز هبة المستعار من المستعير وغيره قولا واحد ، لانتفاء المانع ، والكلب المملوك كغيره من الأموال تصح هبته كبيعه خلافا لبعض الشافعية (٢) ، أما غيره فلا.

ولا يخفى أن المصنف لو قال : والمستأجر من المستأجر وغيره لكان أحسن وأشمل وأبعد من الوهم.

قوله : ( ولو وهب المرهون فإن بيع ظهر البطلان ، وإن انفك فللراهن ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤١٦.

(٢) الوجيز : ٢٤٩.

١٤٥

وفي صحة الإقباض حالة الرهن من دون إذن المرتهن إشكال ، فإن سوغناه لم يحصل به الملك ، فإن فك صحت الهبة.

ولا تصحّ هبة الدين لغير من عليه ، لامتناع قبضه.

______________________________________________________

تصح هبة المرهون‌ من المرتهن ، فإن كان في يده لم يفتقر الى تجديد قبض على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وإلا فلا بد من إقباضه.

ولو وهبه من غير المرتهن صح على الأقوى ، لأن حق الرهانة لا يصلح للمانعية ، نعم يقع العقد موقوفا على اجازة المرتهن ، فإن أجاز بطلت الرهانة ، فإن رجع الراهن لم يعد الرهن. وإن لم يجز لم يحكم بالبطلان حينئذ على الأصح ، بل ينظر فإن بيع الرهن فقد ظهر بطلان الهبة ، وإن انفك فللواهب الخيار في الإقباض ، فإن أقبض لزمت ، ووجهه : ان في ذلك صيانة لتصرف المالك عن البطلان مهما أمكن ، ولأن فيه جمعا بين الحقوق كلها.

قوله : ( وفي صحة الإقباض حالة الرهن من دون اذن المرتهن إشكال ).

ينشأ من صدق حصول القبض ، فإن النهي في غير العبادات لا يدل على الفساد ، ومن أن إقباضه منهي عنه. والنهي إذا توجه الى بعض أركان العقد كان غير معتبر في نظر الشارع ، فلا يكون العقد معتدا به كالنهي عن بيع المجهول ، بخلاف البيع وقت النداء ، والأقرب عدم الصحة.

قوله : ( فإن سوغناه لم يحصل به الملك فإن فك صحت الهبة ).

أي : فإن حكمنا بصحة القبض حالة الرهن بدون اذن المرتهن لم يحصل به الملك حينئذ لتعلق حق المرتهن ، لكن إذا فك الرهن ظهر اثر القبض حينئذ وصحت الهبة.

قوله : ( ولا تصح هبة الدين لغير من عليه لامتناع قبضه ).

١٤٦

وهبة الحامل لا تقضي هبة الحمل ، وتصح البراءة من المجهول ، ولو علمه المديون وخشي من عدم الإبراء لو أظهره لم يصح الإبراء.

ولو أبرأه من مائة معتقدا أنّه لا حق له وكان له مائة ففي صحة الإبراء إشكال.

______________________________________________________

قد سبقت هذه المسألة‌ في كلام المصنف وكان غفل عما مضى فكررها هنا.

قوله : ( وهبة الحامل لا تقتضي هبة الحمل ).

لأنه ليس جزءا منهم فلا يدخل في مسماها.

قوله : ( وتصح البراءة من المجهول ).

لأن البراءة إسقاط فلا تنافيها الجهالة ، خلافا للشافعي (١) واعتبر في صحته أن يقول : أبرأتك من درهم الى ألف. ولا فرق بين أن يكون لهما سبيل الى معرفته وعدمه إذا رضي بإسقاطه كائنا ما كان ، خلافا لأحمد (٢).

قوله : ( ولو علمه المديون وخشي من عدم الإبراء لو أظهره لم يصح الإبراء ).

لعدم العلم بالقصد إلى إسقاط ما في الذمة ، والأصل البقاء.

قوله : ( ولو أبرأه من مائة معتقدا انه لا حق له وكان له مائة ففي صحة الإبراء إشكال ).

ينشأ من أنه إبراء صدر من أهله ، لأنه الغرض في محله لثبوت الحق في الذمة ، ومن عدم القصد الى إبراء ما يستحقه لاعتقاده انه لا شي‌ء له ، وحقق شيخنا الشهيد أن هنا أحكاما أربعة.

الأول : الحكم ظاهرا بالنسبة إلى الموهوب ، والأولى فيه القطع بالصحة.

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٦ : ٢٩١.

(٢) المغني لابن قدامة ٦ : ٢٩١.

١٤٧

الثالث : القبض ، وهو شرط في صحة الهبة ، وشرطه إذن الواهب وإيقاع القبض للهبة ، فلو قبض من دون إذنه لم ينتقل الملك اليه وان كانا في المجلس ،

______________________________________________________

الثاني : الحكم باطنا بالنسبة إليه ، فمع علمه بعدم القصد لا تبرأ ذمته ومع عدمه تبرأ.

الثالث : الحكم ظاهرا بالنسبة إلى الواهب ، وهو اللزوم مؤاخذة له بصيغة الإبراء. وينبغي أن يقيّد بما إذا لم يعلم بالبينة العادلة انه لم يكن معتقدا لاستحقاق شي‌ء ، كما لو أخبر حين إيقاع الصيغة عن نفسه بذلك.

الرابع : الحكم باطنا بالنسبة اليه وهو موضع الاشكال ، والأصح عدم الصحة بلا اشكال. وتظهر الفائدة في جواز المقاصّة وعدمها ، فعلى الصحة لا تجوز ، وعلى العدم تجوز.

قوله : ( وهو شرط في صحة الهبة ).

لا ينافي عد القبض شرطا للصحة على ما سبق من أنه ركن لها ، وإذ لا امتناع في أن يكون جزءا لسبب وشرطا لترتب أثره عليه ، واعلم أن هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب.

وحكى الشيخ في المبسوط خلافا ان الملك هل يحصل من حين القبض أو من حين العقد ، فيكون القبض كاشفا؟ (١) وصحح الأول ، ولا ريب في ضعف الثاني لأصالة بقاء الملك على مالكه الى أن يحصل السبب الناقل ، وتظهر الفائدة في النماء.

قوله : ( وشرطه اذن الواهب وإيقاع القبض للهبة ، فلو قبض من دون اذنه لم ينتقل الملك اليه وإن كانا في المجلس ، وكذا لو أقبضه الواهب لا للهبة ).

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٠٤.

١٤٨

ويقبل قوله في القصد.

______________________________________________________

يشترط لصحة القبض أمران :

أحدهما : إذن الواهب ، فلا يعتد به من دون إذنه ، لأن التسليم غير مستحق عليه ، فجرى مجرى ما لو قبض المشتري المبيع قبل تسليم الثمن بغير اذن البائع ، ولا فرق في ذلك بين كونهما في المجلس وعدمه ، خلافا لأبي حنيفة حيث لم يشترط الاذن إذا كانا في المجلس (١).

الثاني : إيقاع القبض للهبة ، والمراد به على ما يرشد اليه كلام المصنف آخرا اذن الواهب في قبضه للهبة حيث فرّع على هذا الشرط.

قوله : ( وكذا لو أقبضه الواهب لا للهبة ).

إلاّ أن ذلك خلاف المتبادر من العبارة ، والحاصل أن إقباض الواهب للمتهب يشترط أن لا يكون لغير الهبة ، فلو أقبضه للإيداع أو للعارية لم يعتد بقبضه للهبة.

وهل يعتبر اذنه في القبض مطلقا من غير قصد شي‌ء فيصح قبض المتهب حينئذ عن الهبة؟ يلوح من عبارة المختلف عدم الاعتداد به ، وكذا يلوح منها عدم الاعتداد بالقبض المطلق من المتهب (٢) ، وهو المتبادر من أول كلام المصنف هنا. ويحتمل الاكتفاء بالقبض المطلق والاذن فيه لصدق اسم القبض عليه وصلاحيته للهبة ، لانتفاء الصارف وهو قصد شي‌ء آخر.

قوله : ( ويقبل قوله في القصد ).

أي يقبل قول الواهب في قصده في الاذن بالقبض باعتبار كونه للهبة أو لغيرها ، فلو خالفه المتهب قدّم قوله بيمينه. ويمكن أن يكون المراد : انه يقبل قول كل من الواهب والمتهب في قصده بالإذن في القبض أو بقبض الهبة لا غيرها. فلو‌

__________________

(١) اللباب ٢ : ١٧، المغني لابن قدامة ٦ : ٢٧٧.

(٢) المختلف : ٤٨٦.

١٤٩

ولو أقر بالهبة والإقباض حكم عليه وان كان في يد الواهب ، وله الإحلاف لو ادعى المواطاة ، ولا يقبل إنكاره.

ولو مات الواهب قبله بطلت الهبة وإن كان بعد الإذن في القبض.

______________________________________________________

خالفه الآخر قدّم قوله بيمينه ، ووجهه : انه اعرف بقصده.

قوله : ( ولو أقر بالهبة والإقباض حكم عليه وإن كان في يد الواهب ).

لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) إلاّ أن يعلم كذبه فلا يعتد به.

قوله : ( وله الإحلاف لو ادعى المواطاة ولا يقبل إنكاره ).

أي : لو أنكر الواهب المقر بالإقباض حصول القبض بعد إقراره به ، وادعى أن الإقرار إنما كان بمواطأته للمتهب وموافقته إياه ، ولم يكن مخبره واقعا كما قد يتفق كثيرا لم يقبل إنكاره ، لأن الإنكار بعد الإقرار لا يلتفت إليه إذ الأصل فيه الصحة ، لكن له إحلافه على وقوع القبض.

قال في الدروس : وليس له الإحلاف على نفي المواطاة (٢) ، وكأنه مبني على أن الدعوى بالإقرار وما جرى مجراه ( غير ) (٣) مسموعة ، وإنما أحلف على حصول القبض ، لأن الواهب يدعي فساد الإقرار بعدم وقوع القبض ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في القضاء ان الأصح سماعها فله الإحلاف على نفي المواطاة هنا ، وقد صرح بذلك شيخنا الشهيد في بعض حواشيه على الكتاب.

قوله : ( ولو مات الواهب قبله بطلت الهبة وإن كان بعد الاذن في القبض ).

__________________

(١) عوالي اللآلئ : ٢٢٣ حديث ١٠٤.

(٢) الدروس : ٢٣٨.

(٣) لم ترد في « ك‍ ».

١٥٠

ولو وهب ما في يد المتهب صحت ، ولم يفتقر الى تجديد قبض ، ولا إذن ، ولا مضي زمان يمكن فيه القبض.

______________________________________________________

قال الشيخ في المبسوط : إذا مات الواهب قبل الإقباض لا تبطل الهبة وقام الوارث مقامه ، كالبيع في مدة الخيار ، من حيث أن الهبة عقد يؤول إلى اللزوم فلا ينفسخ بالموت كبيع الخيار (١) ، وتبعه ابن البراج (٢) ، مع أنه قال في هبة ذي الرحم : إذا مات قبل قبضها كانت ميراثا.

والمشهور البطلان وهو الأصح ، لأن الهبة عقد جائز ( قبل القبض ) (٣) كالوكالة والشركة فتبطل بالموت ونحوه ، ولرواية داود بن الحصين ، عن الصادق عليه‌السلام : في الهبة والنحلة ما لم يقبض حتى يموت صاحبها ، قال : « هو ميراث » (٤) وكذا تبطل لو مات المتهب.

قوله : ( ولو وهب ما في يد المتهب صحت ، ولم يفتقر الى تجديد قبض ، ولا اذن ، ولا مضي زمان يمكن فيه القبض ).

إطلاق العبارة يتناول ما إذا كان في يد المتهب بإيداع أو عارية أو غصب أو غير ذلك ، وقد صرح بذلك في المختلف (٥) والتذكرة (٦).

ووجهه : ان القبض المشترط حاصل حين إيقاع العقد فأغني عن قبض آخر ، وعن مضي زمان يسعه ، إذ لا مدخل له في التأثير ، وإنما كان اعتباره مع عدم القبض لضرورة امتناع حصوله ، ولم يعتبر الشيخ في المبسوط الاذن في القبض هنا ،

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٠٥.

(٢) المهذب ٢ : ٩٥.

(٣) لم ترد في « ك‍ ».

(٤) التهذيب ٩ : ١٥٧ حديث ٦٤٨ ، الاستبصار ٤ : ١٠٧ حديث ٤٠٩.

(٥) المختلف : ٤٨٨.

(٦) التذكرة ٢ : ٤١٨.

١٥١

وكذا لو وهب ولي الطفل ماله الذي في يده ، ولو كان مغصوبا أو مستأجرا أو مستعارا على اشكال افتقر الى القبض ، بخلاف ما في يد وكيله.

______________________________________________________

لكن شرط مضي زمان يمكن فيه القبض (١) ، وهو ضعيف.

فإن قيل : يجب اعتبار الاذن في القبض ، لأن القبض السابق كان بغير الهبة ، وقد سبق أنه لا بد أن يكون الإقباض للهبة.

قلنا : ظاهر الحال أن رضاه بإقرار يده عليه بعد العقد دليل على رضاه بقبضه للهبة ، بخلاف الإقباض بعد العقد للإيداع ، فإن هذا الظاهر هنا منتف فحصل الفرق.

فرع : لو كان الموهوب في يد وكيل المتهب وديعة ونحوها فهل يحتاج الى اقباض مجدد؟ فيه تردد.

قوله : ( وكذا لو وهب ولي الطفل ماله الذي في يده ).

أي : لا يحتاج الى تجديد قبض ، ولا مضي زمان يسعه لحصول القبض ، نعم يعتبر قصد القبض عن الطفل ، لأن المال مقبوض في يد الولي له فلا ينصرف الى الطفل إلاّ بصارف وهو القصد ، ولم أجد بذلك تصريحا لكن لا بد منه ، وما سبق في أول بحث القبض ، وفي قبض المسجد في الوقف ينبه على ما قلناه ، ومثله ما لو وكل المتهب الواهب القابض في الهبة والإقباض.

قوله : ( ولو كان مغصوبا ، أو مستأجرا ، أو مستعارا على اشكال افتقر الى القبض ، بخلاف ما في يد وكيله ).

أي : لو كان مال الولي الذي وهبه من الطفل مغصوبا افتقر في صحة الهبة إلى قبض جديد ، لأنه ليس في يده ، وكذا لو كان مستأجرا.

أما لو كان مستعارا فإشكال ينشأ : من أن قبض المستعير لما لم يكن بحق‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٠٥.

١٥٢

ولو وهبه غيره افتقر الى قبض الولي أو الحاكم.

وقبض المشاع هنا كقبضه في البيع ، ولو وهب اثنين فقبلا وقبضا صحت لهما ، ولو قبل أحدهما وقبض صحت في نصيبه خاصة.

ولا يشترط فورية الإقباض على إشكال.

______________________________________________________

لازم ، وللمعير إبطاله متى شاء كان كقبض الوكيل الذي يده يد الموكل. ومن أنه إنما قبضه لنفسه لينتفع به فكانت اليد له لا للمعير ، وتمكنه من الابطال متى شاء لا يقتضي كونه في يده ـ وهو الأصح ـ فيفتقر الى تجديد القبض ، بخلاف ما لو كان المال في يد وكيل الولي فإن يده لكونها يد الموكل لا يحتاج معها الى تجديد قبض.

قوله : ( ولو وهبه غيره افتقر الى قبض الولي أو الحاكم ).

أي : لو وهب الطفل غير الولي افتقر ذلك الى قبض الولي إن كان موجودا ، ومع عدمه فلا بد من قبض الحاكم عن الطفل ، وهو ظاهر.

قوله : ( وقبض المشاع هنا كقبضه في البيع ).

لأن المحكم في مسمى القبض هو العرف ، ولا يختلف في ذلك البيع والهبة. وقال بعض الشافعية : ان القول بالاكتفاء بالتخلية مطلقا في القبض في البيع غير آت هنا ، بل لا بد من النقل في المنقول في الهبة قولا واحدا (١) ، وليس بشي‌ء ، وستأتي ان شاء الله تعالى حكاية كلام المصنف في المختلف بخلاف هذا.

قوله : ( ولو وهب اثنين فقبلا وقبضا صحت لهما ، ولو قبل أحدهما وقبض صحت في نصيبه خاصة ).

لأن الحكم بصحة الهبة دائر مع العقد والقبض ، فمتى حصلا حكم بالصحة ، وإلاّ فلا.

قوله : ( ولا يشترط فورية القبض على اشكال ).

__________________

(١) مغني المحتاج ٢ : ٤٠٠ ، كفاية الأخيار : ٢٠١.

١٥٣

ويحكم بالملك من حين القبض لا من حين العقد.

______________________________________________________

ينشأ : من أن الأصل‌ عدم الاشتراط وانتفاء دليل يدل عليه ، ومن أنه لما كان جزء السبب أشبه القول فاعتبر فيه الفورية.

ويضعّف بأن الجزئية لا تقتضي الفورية ، إذ لا امتناع في تراخي وجود بعض الأجزاء عن بعض ، واعتبار الفورية في القبول من حيث انه جواب للإيجاب فيعتبر فيه ما يعد معه جوابا ، والتسامح في العقود الجائزة لقبوله التأخير من حيث أن الأمر فيها سهل ، ومن ثم اكتفى بالقبول فعلا ، على أن ثبوت الفورية في القبول بالإجماع لا يقتضي مساواة القبض له ، وهو الأصح.

قال الشارح الفاضل ولد المصنف : إن الاشكال في اعتبار الفورية انما هو على القول بأن القبض شرط لصحة الهبة ، لا على القول بأنه شرط في لزومها دون صحتها (١) ، وهو حسن ، لأنه على هذا التقدير ليس جزءا لسبب فجرى مجرى القبض في البيع بالنسبة إلى تلف المبيع.

قوله : ( ويحكم بالملك من حين القبض لا من حين العقد ).

هذا أشهر القولين للأصحاب وأصحهما ، تمسكا بأصالة بقاء الملك على مالكه الى أن يحصل القبض ، ولرواية داود بن الحصين السالفة (٢).

وقال الشيخ في الخلاف : انه شرط اللزوم لا الصحة والانعقاد (٣) واختاره جماعة (٤) ، وهو مختار المصنف في المختلف (٥) ، لصحيحة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : « الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض ، قسّمت أو لم تقسم » (٦) ، ولا دلالة فيها ، لأن‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤١٤.

(٢) التهذيب ٩ : ١٥٧ حديث ٦٤٨ ، الاستبصار ٤ : ١٠٧ حديث ٤٠٩.

(٣) الخلاف ٢ : ١٣٣ مسألة ٢٧ كتاب زكاة الفطرة.

(٤) منهم ابن البراج في المهذب ٢ : ٩٥.

(٥) المختلف : ٤٨٦.

(٦) معاني الأخبار : ٣٩٢ حديث ٣٨ ، التهذيب ٩ : ١٥٦ حديث ٦٤١.

١٥٤

ولا فرق في اشتراط القبض بين المكيل والموزون وغيرهما.

والقبض فيما لا ينقل التخلية ، والنقل فيما ينقل ، وفي المشاع بتسليم الكل إليه ، فإن امتنع الشريك قيل للمتهب : وكلّ الشريك في القبض لك ونقله ، فإن امتنع نصب الحاكم من يكون في يده لهما فينقله ليحصل القبض.

______________________________________________________

الجواز أعم من حصول الملك مع معارضتها برواية أبي بصير أيضا عنه عليه‌السلام ، قال : « الهبة لا تكون هبة حتى تقبض » (١) ، وأقرب المجازات الى نفي الماهية نفي الصحة.

قوله : ( ولا فرق في اشتراط القبض بين المكيل والموزون وغيرهما ).

لإطلاق دلائل اشتراط القبض ، وعن أحمد : ان القبض شرط في المكيل والموزون دون غيرهما (٢).

قوله : ( والقبض في ما لا ينقل التخلية ، والنقل في ما ينقل ).

وفي المكيل والموزون الكيل والموزون كما في البيع سواء لما تقدم.

قوله : ( وفي المشاع بتسليم الكل إليه ، فإن امتنع الشريك قيل للمتهب : وكّل الشريك في القبض لك ونقله ، فإن امتنع نصب الحاكم من يبكون في يده لهما فينقله لتحصيل القبض ).

لا ريب أن المشاع إذا كان مما ينقل فاقباضه إنما يكون بتسليم الكل الى المتهب ، فإن رضي شريك الواهب بالتسليم اليه فلا بحث ، وإن امتنع لم يجز له إثبات يده على مال الشريك ، بل يقال : للمتهب وكّل الشريك ليقبض لك إن شئت ، فإن تعاسرا رفع الأمر إلى الحاكم لينصب أمينا يقبض الكل ، نصفه للهبة ونصفه قبض أمانة للشريك حتى يتم عقد الهبة.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٥٩ حديث ٦٥٤ ، الاستبصار ٤ : ١٠٧ حديث ٤٠٧.

(٢) المغني لابن قدامة ٦ : ٢٧٤ ، المجموع ١٥ : ٣٨١.

١٥٥

ولو قبضه من دون إذن الشريك ففي اعتباره نظر ، وكذا في كل قبض منهي عنه.

______________________________________________________

وهذا إذا كان منقولا كما يدل عليه قوله : ( فينقله ) ، أما لو كان غير منقول فالظاهر أن التخلية كافية في قبضه ، كما في البيع إذا لم يكن الشريك غاصبا مستقلا باليد ، وبه صرح الشيخ في المبسوط (١) ، وهو قضية قول المصنف سابقا ، وقبض المشاع هنا كقبضه في البيع.

واعتبر شيخنا في الدروس اذن الشريك في قبض المشاع وإن كان غير منقول (٢) ، وهو غير واضح. واكتفى المصنف في المختلف في المنقول بالتخلية مع عدم اذن الشريك ، لعدم الفرق بين القدرة الحسية وعدم القدرة الشرعية (٣). وفيه نظر ، لأن مسمى القبض في المنقول لا يتحقق بدون النقل ، ومختار المصنف هنا أقوى.

قوله : ( ولو قبضه من دون اذن الشريك ففي اعتباره نظر ، وكذا في كل قبض منهي عنه.

ينشأ النظر : من صدق حصول القبض ، فإن النهي إنما يقتضي الفساد في العبادات خاصة ومن أن القبض ركن من أركان العقد ، فإذا وقع منهيا عنه لم يعتد به شرعا فتختل بعض أركان العقد والحاصل ان النهي في غير العبادات لا يقتضي فساد المنهي إذا كملت أركانه وشروطه ، أما إذا كان بعضها غير معتد به شرعا اختل العقد ، لا للنهي بل لانتفاء الركن أو الشرط.

فإن قيل : قبض المشاع بالنسبة إلى الشقص الموهوب معتبر شرعا ، وإنما المنهي عنه قبض حصة الشريك.

قلنا : هو قبض واحد فلا يتصور فيه اجتماع الأمرين ، والأصح عدم اعتباره.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٠٦.

(٢) الدروس : ٢٣٧.

(٣) المختلف : ٤٨٨.

١٥٦

المطلب الثاني : في الأحكام : المتهب إن كان ذا رحم لم يجز الرجوع بعد الإقباض ، وكذا إن كان أجنبيا وعوض ، وان كان ببعضها

______________________________________________________

قوله : ( المتهب إن كان رحما لم يجز الرجوع بعد الإقباض ).

لا خلاف عندنا في أن المتهب إذا كان أحد الوالدين واقبض الهبة لا يجوز الرجوع في هبته ، وكذا الولد صغيرا كان أو كبيرا. نقل المصنف الإجماع على ذلك في التذكرة (١) ، وفي التحرير نقل الإجماع في الوالدين (٢) ، وفي المختلف نقله في الأولاد (٣).

أما غير الوالدين والأولاد من ذوي الأرحام فقد اختلف كلام الأصحاب في حكمهم ، فقال المرتضى (٤) وجماعة (٥) بجواز الرجوع في هبتهم بعد الإقباض. والمشهور العدم ، للروايات الصحيحة الصريحة (٦) ، ورواية داود بن الحصين الدالة على الرجوع في هبة ذي القرابة (٧) ، قال المصنف في المختلف : إن في طريقها قولا ، والعمل على المشهور (٨).

قوله : ( وكذا إن كان أجنبيا وعوض وإن كان ببعضها ).

أي : لا يجوز الرجوع بعد الإقباض لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا عوض‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤١٨.

(٢) التحرير : ٢٨٣.

(٣) المختلف : ٤٨٤.

(٤) الانتصار : ٢٢١.

(٥) منهم الشيخ في المبسوط ٣ : ٣٠٩ ، والشهيد في اللمعة : ١٠٧.

(٦) التهذيب ٩ : ١٥٦ حديث ٦٤٣ ـ ٦٥٠ ، الاستبصار ٤ : ١٠٨ حديث ٤١٠ ـ ٤١٣.

(٧) التهذيب ٩ : ١٥٧ حديث ٦٤٥ ، الاستبصار ٤ : ١٠٦ حديث ٤٠٤.

(٨) المختلف : ٤٨٥.

١٥٧

أو قصد الأجر أو تلفت العين أو تصرّف على رأي وإن لم يكن لازما ،

______________________________________________________

صاحب الهبة فليس له أن يرجع » (١). ولا فرق بين كون العوض قليلا أو كثيرا حتى لو كان بعض الهبة ، لأن إطلاق العوض صادق عليه فإنه مملوك له ، ولأنه بالتعويض به امتنع الرجوع فيه لإخراجه عن ملكه وفي الباقي للتعويض.

قوله : ( أو قصد الأجر ).

وذلك بأن يتقرب بها الى الله تعالى ، لأنها صدقة حينئذ كما صرح به في أول الهبة في التذكرة (٢) ، ولصدق التعويض ، لأن الثواب خير عوض ، ولقول الصادق عليه‌السلام : « ولا ينبغي لمن اعطى لله عز وجل شيئا أن يرجع فيه » (٣) ، الحديث ، وغيره من الأحاديث.

قوله : ( أو تلفت العين ).

وكذا لو أتلفها هو ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع وإلاّ فليس له » (٤) ، وهذه كما تدل على المدعى تدل على أن تلف بعض العين مانع من الرجوع.

قوله : ( أو تصرف على رأي وان لم يكن لازما ).

اختلف كلام الأصحاب في جواز الرجوع في الهبة مع التصرف ، فذهب إليه (٥)

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٣ حديث ١٩ ، التهذيب ٩ : ١٥٤ حديث ٦٣٢.

(٢) التذكرة ٢ : ٤١٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٠ حديث ٣ ، التهذيب ٩ : ١٥٢ حديث ٦٢٤ ، الاستبصار ٤ : ١١٠ حديث ٤٢٣.

(٤) الكافي ٧ : ٣٢ حديث ١، التهذيب ٩ : ١٥٣ حديث ٦٢٧ ، الاستبصار ٤ : ١٠٨ حديث ٤١٢.

(٥) في نسخة « ه‍ » : « فذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس وجمع من المتأخرين إلى الرجوع ». وهذا غير صحيح ، لان الشيخ وابن البراج وابن إدريس قائلون بعدم جواز الرجوع ، وما أثبتناه هو من نسخة « ك‍ » وهو الصواب.

والضمير في قول الكركي : ( اليه ) يعود الى عدم جواز الرجوع المذكور في قول العلامة في القواعد حيث قال : ( المتهب ان كان ذا رحم لم يجز الرجوع بعد الإقباض ، وكذا ... ).

١٥٨

______________________________________________________

الشيخ في النهاية (١) ، وابن البراج (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وجمع من المتأخرين (٤) ، وذهب المفيد الى اللزوم باستهلاك العين أو إحداث المشتري فيها حدثا (٥) ، وذهب ابن حمزة إلى اللزوم بخروجها عن ملك الموهوب وإن عادت ، وبتصرف يغير العين كالخشب يصيّره سريرا (٦) ، وذهب سلار (٧) ، وأبو الصلاح الى جواز الرجوع مع بقاء العين إلاّ مع التعويض (٨).

والمشهور الأول ، يدل عليه عموم قوله تعالى ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٩) ، وليس الرجوع تجارة ولا عن تراض ، ولعموم( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١٠) خرج من العموم ما دل الدليل عليه فيبقى الباقي على أصله ، ولرواية إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « أنت بالخيار في الهبة ما دامت في يدك ، فإذا خرجت الى صاحبها فليس لك أن ترجع فيها » ، وقال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من رجع في هبته فهو كالراجع في قيئه » (١١) خرج من ذلك ما أخرجه الدليل فيبقى الباقي على أصله.

ولا يضر ضعف السند مع الاعتضاد بالشهرة ، وبغيره من الدلائل ، ولأن‌

__________________

(١) النهاية : ٦٠٣.

(٢) المهذب ٢ : ٩٥.

(٣) السرائر : ٣٨١.

(٤) منهم الشهيد في الدروس : ٢٣٧ ، وفخر المحققين في الإيضاح ٢ : ٤١٥.

(٥) المقنعة : ١٠٠.

(٦) الوسيلة : ٧٣٦.

(٧) المراسم : ١٩٩.

(٨) الكافي في الفقه : ٣٢٨.

(٩) البقرة : ١٨٨.

(١٠) المائدة : ١.

(١١) التهذيب ٩ : ١٥٨ حديث ٦٥٣ ، الاستبصار ٤ : ١٠٧ حديث ٤٠٨.

١٥٩

وإلاّ فللواهب الرجوع.

ويكره لأحد الزوجين الرجوع على رأي.

______________________________________________________

جواز الرجوع يقتضي تسلّط الواهب على ملك المتهب ، وهو على خلاف الأصل ، لقوله عليه‌السلام : « الناس مسلطون على أموالهم » (١) فيقتصر فيه على موضع الدليل ، ولقول الشيخ في المبسوط : روى الأصحاب ان المتهب متى تصرف في الهبة فلا رجوع فيها (٢).

فإن قيل صحيحة الحلبي (٣) السابقة تدل على جواز الرجوع مع بقاء العين ، وهو أعم من حصول التصرف الذي لا يغيّر العين وعدمه ـ وذلك مذهب ابن حمزة (٤) ، فهي معارضة لما سبق من الدلائل ، وكذا صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء أم لا؟ فقال : « تجوز الهبة لذوي القربى ، والذي يثاب من هبته ، ويرجع في غير ذلك ان شاء » (٥).

قلنا لا عموم للروايتين مع إمكان تقييدهما بما قبل التصرف ، فإن تقييد الثانية لا بد منه. وعلى كل حال فالمسألة لا تخلو من شي‌ء ، والمذهب هو المشهور ، إلاّ أن قول ابن حمزة ليس بذلك البعيد.

إذا عرفت هذا فظاهر كلام المصنف عد نحو علف الدابة تصرفا ، كما يدل عليه قوله الآتي وإن كان بفعله إن سوغنا الرجوع مع التصرف.

قوله : ( وإلاّ فللواهب الرجوع ).

أي : وإن لم يكن واحد من الأمور السالفة فللواهب الرجوع.

قوله : ( ويكره لأحد الزوجين الرجوع على رأي ).

__________________

(١) عوالي اللئالي ٢ : ١٣٨ حديث ٣٨٣.

(٢) المبسوط ٣ : ٣١٢.

(٣) التهذيب ٩ : ١٥٣ حديث ٦٢٧ ، الاستبصار ٤ : ١٠٨ حديث ٤١٢.

(٤) الوسيلة : ٤٥٣.

(٥) التهذيب ٩ : ١٥٨ حديث ٦٥٠ ، الاستبصار ٤ : ١٠٨ حديث ٤١٤.

١٦٠