جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٦

أمّا المنحصرة فتجب التسوية والاستيعاب فيهم.

ولو أمكن في ابتداء الوقف استيعابهم ثم انتشروا فالأقرب وجوب التعميم فيمن يمكن والتسوية ، لأن الواقف أراد التسوية والتعميم لإمكانه ، فإذا تعذر بعد ذلك وجب العمل بما أمكن بخلاف المنتشرين ابتداء.

______________________________________________________

وهذا الاحتمال يلوح من عبارة الشارح الفاضل ولد المصنف (١) ، واعتبار الثلاثة طريق البراءة ، فلو لم يكن في البلد ثلاثة اكملوا من خارجه ، وهذا الحكم عام في كل قبيلة منتشرين.

قوله : ( أما المنحصرة فتجب التسوية والاستيعاب فيهم ).

أما الاستيعاب ، فلأن الوقف على اشخاص معينين فينتقل إليهم الموقوف ، فلا بد من صرف النماء الى الجميع لثبوت الاستحقاق لكل واحد. وأما التسوية ، فلأن الأصل مع الاشتراك واستواء نسبة الجميع الى سبب الاستحقاق عدم التفاضل ، وهذا يشعر بأن المنتشرين لا تجب التسوية فيهم ، ووجهه : انهم مصرف لنماء الوقف فكانوا كالفقراء في الزكاة.

قوله : ( ولو أمكن في ابتداء الوقف استيعابهم ثم انتشروا فالأقرب وجوب التعميم فيمن يمكن التسوية ، لأن الواقف أراد التسوية والتعميم لإمكانه ، فإذا تعذر بعد ذلك وجب العمل بما أمكن ، بخلاف المنتشرين ابتداء ).

قد بين المصنف وجه القرب بأن الواقف أراد التسوية والتعميم لإمكانه ـ أي : لإمكان كل واحد منهما ـ ، وتعذره بعد ذلك لا يسقط العمل بالممكن إذ « لا يسقط الميسور بالمعسور » ، وإنما أراد الواقف ذلك ، لأنه وقف عليهم بحسب حالهم في الابتداء وفيه نظر ، لأن حكم الوقف مختلف بالنسبة إلى المحصورين والمنتشرين في نظر الشارع ، فإذا جمع الواقف بين القبيلتين اعطي كل حكمه ، علم بالحال أو لم يعلم ، ولأن‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٠٢.

١٠١

ولو وقف على مستحقي الزكاة فرّق في الثمانية وأعطوا كما يعطون هناك ، فيعطى الفقير والمسكين ما يتم به غناه والغارم قدر الدين ، والمكاتب ما يؤدي به الكتابة ، وابن السبيل ما يبلغه ، والغازي ما يحتاج اليه لغزوه وإن كان غنيا.

______________________________________________________

المنتشرين لا يقع الوقف على أشخاصهم ، ولأصالة براءة الذمة من وجوب التسوية والتعميم بحسب الإمكان ، ولأن ترك الاستفصال في رواية علي بن سليمان النوفلي (١) عن كون الموقوف عليهم منتشرين ابتداء أم لا ، مع أن حكاية الحال فيها محتملة للأمرين دليل ، وعدم وجوب التعميم والتسوية في المنتشرين مطلقا أقوى ، وما قربه المصنف أحوط.

قوله : ( ولو وقف على مستحقي الزكاة فرّق في الثمانية وأعطوا كما يعطون هناك ، فيعطى الفقير والمسكين ما يتم به غناه ، والغارم قدر الدين ، والمكاتب ما يؤدي به الكتابة ، وابن السبيل ما يبلغه ، والغازي ما يحتاج اليه لغزوه وإن كان غنيا ).

لا ريب أنه إذا وقف على مستحق الزكاة استحقه الأصناف الثمانية عملا بمقتضى الوقف ، لكن هل يجب تفريقه في الأصناف الثمانية أم يكفي صرف الجميع الى بعض الأصناف؟

ذكر شيخنا في الدروس فيه قولين يلتفتان الى أن عدد الأصناف محصور وإن تعدد الأشخاص فيجب الاستيعاب في المحصور عملا بشرط الواقف ، وان انحصار عدد الأصناف لا يؤثر ، لأن الموقوف عليهم منتشرون فلا يجب التعميم ، وكل منهما محتمل (٢).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨ حديث ٣٧ ، الفقيه ٤ : ١٨٧ حديث ٦٢٧ ، التهذيب ٩ : ١٣٣ حديث ٥٦٣.

(٢) الدروس : ٢٣٤.

١٠٢

ولو وقف على من يجوز الوقف عليه ، ثم على من لا يجوز فهو منقطع الانتهاء ، يرجع الى ورثته ميراثا بعد انقراض من يجوز الوقف عليه.

ولو انعكس فهو منقطع الابتداء وفيه قولان ، فإن قلنا بالصحة : فإن كان ممن لا يمكن اعتبار انقراضه كالميت والمجهول والكنائس‌

______________________________________________________

ثم انّه ما الذي يعطى الفقير والمسكين ، أيعطيان غناهما أم مؤنة سنتهما؟ قولان أيضا ذكرهما في الدروس (١) ، وعبارة المصنف محتملة للأمرين وان كانت أقرب الى الأول ، وفيه قوة ، لأن ذلك حكم الزكاة ، ولأصالة الجواز لوجود الاستحقاق وانتفاء دليل التقدير.

ولا ريب في جواز إعطاء المؤلفة ، وليس ذلك وقفا على الكافر بل هو في الحقيقة من مصالح الإسلام والمسلمين ، وإنما يفرض الى الغارمين ومن بعدهم ، لأن حكم غيرهم ظاهر ، لأنّ العاملين عليها إنّما يعطون أجرتهم ، والعبيد تحت الشدة إنما يشترون بثمن المثل ، وحكم المؤلفة منوط بنظر الإمام أو نائبه.

قوله : ( ولو وقف على من يجوز الوقف عليه ، ثم على من لا يجوز فهو منقطع الانتهاء يرجع الى ورثته ميراثا بعد انقراض من يجوز الوقف عليه ).

قد حققنا في ما مضى ان الوقف يشترط فيه التأبيد ، فإذا وقف على من يجوز الوقف عليه ، ثم على من لا يجوز فهو وقف منقطع الانتهاء. وقد بينا حكم الصحة والفساد بالنسبة إليه فيما تقدم واختلاف الفقهاء في حكمه على تقدير الصحة إذا انقرض من يجوز الوقف عليه ، وحققنا انه يصح حبسا ، فإذا انقرض من يجوز الوقف عليه فهو للواقف أو وارثه.

قوله : ( ولو انعكس فهو منقطع الابتداء وفيه قولان ، فان قلنا بالصحة فإن كان الأول ممّن لا يمكن اعتبار انقراضه كالميت والمجهول‌

__________________

(١) الدروس : ٢٣٤.

١٠٣

صرف في الحال الى من يجوز الوقف عليه. وإن أمكن اعتبار انقراضه كالعبد والحربي ففي الانتقال في الحال أو بعد الانقراض احتمال.

وكذا البحث إذا كان صحيح الطرفين منقطع الوسط ، أو بالعكس

______________________________________________________

والكنائس صرف في الحال الى من يجوز الوقف عليه ، وإن أمكن اعتبار انقراضه كالعبد والحربي ففي الانتقال في الحال أو بعد الانقراض احتمال ، وكذا البحث إذا كان صحيح الطرفين منقطع الوسط أو بالعكس ).

قد سبق أن في منقطع الابتداء باعتبار الصحة والفساد للأصحاب قولين أصحّهما البطلان ، وعلى الصحة فهل يصرف حاصل الوقف في الحال الى من يصح الوقف عليه أم يعتبر فيه انقراض من لا يصح الوقف عليه إن كان ممّن يمكن اعتبار انقراضه؟ فيه احتمالان ، وبالأول قال الشيخ في المبسوط (١) ، وهو الأصح تفريعا على القول بالصحة ، لأن الوقف الصحيح يقتضي النقل الى الموقوف عليه ، والمبدوء به يمتنع فيه ذلك فوجب أن ينتقل الى من بعده ، وإلاّ لم يكن صحيحا ، ولامتناع بقائه على ملك الواقف على ذلك التقدير وإلاّ لم ينتقل بعد ذلك وامتناع أن يكون الملك بغير مالك ، ولأنّه لمّا لم يكن المبدوء به أهلا للوقف كان ذكره لغوا.

وحكى الشيخ الاحتمال الثاني قولا لقوم (٢) ، ووجهه ان الواقف لم يجعل لمن يصح الوقف عليه شيئا إلاّ بعد انقراض من قبله فيصرف الى الفقراء والمساكين مدة بقاء الموقوف عليه أولا والشرط متبع.

ويضعّف : بأن ذلك مقتضى الوقف عليه ، ولمّا لم يصح لم يثبت مقتضاه ، لأنّه تابع ، أما ما لا يمكن اعتبار انقراضه فلا أثر لذكره ، وينتقل الوقف في الحال الى من يصح الوقف عليه قولا واحدا ، ومثل هذا آت في صحيح الطرفين منقطع الوسط‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٩٤.

(٢) المبسوط ٣ : ٢٩٤.

١٠٤

ولو وقف المريض على ابنه وبنته ـ ولا وارث غيرهما ـ دفعة دارا هي تركته ، فإن أجازا لزم ، وإلاّ صحّ الثلث وقفا بينهما بالسوية على ما شرط والباقي طلقا.

وكذا لو وقف على وارثه الواحد جميع تركته كان لازما من الأصل مع الإجازة ، ومن الثلث مع عدمها.

ويصحّ من ثمانية عشر : للابن ثلاثة وقفا وثمانية ملكا ، وللبنت ثلاثة وقفا وأربعة ملكا.

______________________________________________________

وعكسه.

قوله : ( ولو وقف المريض على ابنه وبنته ـ ولا وارث غيرهما ـ دفعة دارا هي تركته فإن أجازا لزم ، وإلاّ صح الثلث وقفا بينهما بالسوية على ما شرط والباقي طلقا ، وكذا لو وقف على وارثه الواحد جميع تركته كان لازما من الأصل مع الإجازة ، ومع عدمها من الثلث ، ويصح من ثمانية عشر للابن ثلاثة وقفا وثمانية ملكا ، وللبنت ثلاثة وقفا وأربعة ملكا ).

أي : لو وقف المريض في مرض موته على ابنه وبنته ولا وارث غيرهما دفعة ـ وقيّد بكون الوقف دفعة للاحتراز عما لو وقف على التعاقب فإن السابق ينفذ من الثلث ـ دارا هي تركته ، فلو ملك غيرها لم يتحقق ما ذكره ، لأن الثلث يزيد حينئذ فأما أن يجيزا معا ، أو يردا ، أو يجيز الابن دون البنت ، أو بالعكس ، فإن أجازا فلا بحث وإن ردا معا فهو المراد بقوله : ( والأصح الثلث وقفا بينهما بالسوية ... ).

ولا يخفى انه أعم من ذلك ، لأن عدم إجازتهما يتضمن صورتين ، لكن المراد ظاهر فإذا ردا لم يصح تصرفه فيما زاد على الثلث ، لأن الوقف وإن كان تمليكا لهما لكنه تمليك على وجه ناقص ، متضمن للحجر والمنع من التصرف فيصح الثلث وقفا بينهما بالسوية على مقتضى الشرط ويبقى الباقي طلقا.

١٠٥

ولو اختار الابن إبطال التسوية دون إبطال الوقف بطل الوقف في التسع ورجع اليه ملكا ، فيصير له النصف وقفا والتسع ملكا ، وللبنت السدس والتسعان وقفا ، إن أجازت الوقف أيضا ، لأنّ للابن إبطال الوقف فيما له دون ما لغيره.

______________________________________________________

وتصح المسألة حينئذ من ثمانية عشر ، وذلك لأنه لا بد من عدد له ثلث ولثلثه نصف فيكون الثلث وقفا بينهما بالسوية ، وما يبقى منه وهو الثلثان لا بد أن يقسم أثلاثا ، فيضرب مخرج الثلث في مخرج النصف لتباينهما ، والمرتفع في الأصل وهو ثلاثة فيبلغ ما ذكر ستة بينهما وقفا بالسوية ، وثمانية للابن ملكا ، وأربعة للبنت كذلك.

وكذا لو وقف على وارثه الواحد جميع تركته فإنه مع الإجازة لا يصح إلاّ الثلث ، لما قلناه من أن الوقف ملك ناقص ، ومما ذكرناه يعلم أن قوله : ( ويصح من ثمانية عشر ) حكم مسألة الابن والبنت إذا ردا ، وما بينهما معترض.

وفي قوله : ( ومع عدمها من الثلث ) توسع ، لأنه حينئذ لا يصح الوقف إلاّ في الثلث ولا يصح من الثلث ، ولو أجازت البنت ورد الابن فللبنت سبعة وقفا ، وللابن ثلاثة وقفا ، وثمانية طلقا ، ولو انعكس فللبنت أربعة طلقا وخمسة وقفا ، وللابن الباقي وقفا ، ولم يذكرهما المصنف.

قوله : ( ولو اختار الابن إبطال التسوية دون إبطال الوقف بطل الوقف في التسع ورجع اليه ملكا فيصير له النصف وقفا والتسع ملكا وللبنت السدس والتسعان وقفا إن أجازت الوقف أيضا لأن للابن إبطال الوقف فيما له دون ما لغيره ).

أي : لو اختار الابن ـ والصورة بحالها ـ إبطال التسوية دون إبطال الوقف وجب إبطال الوقف في التسع وإمضاؤه فيما عدا ذلك بالنسبة اليه ، وذلك لأن الوقف ماض في الثلث من غير اعتبار رضى الوارث ، فالباقي على تقدير نفوذ الوقف فيه‌

١٠٦

ولو قال : وقفت على زيد والمساكين فلزيد النصف ، ولو قال : على زيد وعمرو والمساكين فلزيد وعمر وثلثان.

ولو وقف على مواليه صرف الى الموجودين من الأعلى أو الأدون ، فإن اجتماعا فإلى من يعيّن منهما ، فإن أطلق فالأقرب البطلان ، وقيل بالتشريك.

______________________________________________________

للابن نصفه. وعلى تقدير عدم التسوية له ثلثاه ، فيكون إبطال التسوية مقتضيا لإبطال الوقف فيما به التفاوت وهو تسع الأصل ، فيكون للابن النصف وقفا والتسع ملكا ، والباقي للبنت وقفا إن أجازت ، وإلاّ فلها السدس وقفا والتسعان ملكا ، لأن الابن إنما يملك إبطال الوقف في ماله دون ما لغيره.

وفي وجه : ان للابن حينئذ إبطال الوقف في السدس ، فيكون له النصف وقفا والتسع ملكا ، وللبنت الثلث وقفا ونصف التسع ملكا لئلا تزداد البنت على الابن في الوقف ، وليس بشي‌ء ، والمسألة من ثمانية عشر أيضا.

واعلم أن قوله : ( لأن للابن ... ) تعليل لقوله : ( وللبنت السدس والتسعان وقفا إن أجازت ).

قوله : ( ولو قال : وقفت على زيد والمساكين فلزيد النصف ، ولو قال على زيد وعمرو والمساكين فلزيد وعمرو الثلثان ).

وجهه : ان العطف بالواو اقتضى الاشتراك في الوقف بين الأمور المتعاطفة ، والأصل عدم التفاضل ، ولاستواء نسبة الجميع إلى العقد فلا أولوية.

قوله : ( ولو وقف على مواليه صرف إلى الموجودين من الأعلى أو الأدون ، فإن اجتمعا فالى من تعيّن منهما ، فإن أطلق فالأقرب البطلان ، وقيل بالتشريك ).

اسم المولى يقع على السيد الذي أعتق عبده ، ويقال له بالنسبة إلى العتيق‌

١٠٧

______________________________________________________

المولى من أعلى ، وعلى العبد الذي أعتقه سيده ويقال له المولى من أسفل بالاشتراك.

فإذا وقف على مولاه أو مواليه وليس له إلاّ أحدهما فالوقف على الموجود ، لوجود ما يحمل عليه اللفظ حقيقة. ولو اجتمع الصنفان فوقف كذلك ، فإن كان هناك قرينة تدل على إرادة أحدهما أو كليهما عمل بها ، وإن انتفت القرائن رجع الى تفسيره ، لأنه اعلم بما أراد.

فإن تعذر الرجوع اليه ، أو قال : أطلقت اللفظ ولم أرد غير مدلوله من غير قصد واحد منهما فللأصحاب قولان :

أحدهما البطلان ـ وهو مقرب المصنف هنا وفي التذكرة (١) ـ ، لأن المشترك لا يستعمل في معنييه إلاّ بطريق المجاز كما حقق في الأصول ، فإنه إنما وضع لكل منهما على سبيل البدل ، والاستعمال المجازي موقوف على صرف اللفظ الى المعنى المجازي ، ولا ينصرف اليه عند الإطلاق.

وقال الشيخ في المبسوط (٢) ، وابن إدريس : ينصرف إليهما كالإخوة (٣) ، وهو الذي اراده المصنف بقوله : ( وقيل بالتشريك ) وهو ضعيف ، لأن لفظ الإخوة بالنسبة موضوع لمعنى يقع على المتقرب بالأبوين وبأحدهما على سبيل التواطؤ ، بخلاف المولى فإنه مشترك. نعم يتخرج ذلك على القول بأن المشترك إذا تجرد عن القرائن حمل على معنييه حقيقة ، وضعف هذا القول مبيّن في الأصول.

وقال ابن حمزة : إن المولى يختص بمولى نفسه دون مولى أبيه ، وبمولاة الذي أعتقه دون مولى نعمته ، إلاّ إذا لم يكن له مولى عتيق وكان له مولى نعمة ، وإن كان‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٣٩.

(٢) المبسوط ٣ : ٢٩٥.

(٣) السرائر : ٣٨٠.

١٠٨

ولو وقف على أولاده ، فإذا انقرضوا وانقرض أولاد أولاده فعلى الفقراء ، قيل : يصرف بعد أولاده إلى أولاد أولاده ، وليس بمعتمد ، بل يكون منقطع الوسط ، فإذا انقرض أولاد أولاده عاد الى الفقراء ، والنماء قبل‌

______________________________________________________

الوقف على مواليه بلفظ الجمع دخل فيه مولى العتاقة ومولى النعمة (١). ووافقه المصنف في المختلف على ما ذكره في الوقف بلفظ الجمع (٢) ، لأن الجمع المضاف للعموم فيستغرق كلما يصلح له ، وبعض من منع استعمال المشترك في كلا معنييه جوّزه في الجمع لذلك.

ويشكل بأن تعريف العموم منزّل على مذاهب القوم في جواز استعمال المشترك في معنييه بطريق الحقيقة ، فمن جوّز اكتفى في تعريف العام بأنه اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له ، ومن منع زاد فيه بوضع واحد ليخرج المشترك ، وحينئذ فلا فرق بين المفرد والجمع ، والأصح البطلان مطلقا.

قوله : ( ولو وقف على أولاده ، فإذا انقرضوا وانقرض أولاد أولاده فعلى الفقراء : قيل يصرف بعد أولاده إلى أولاد أولاده وليس بمعتمد ، بل يكون منقطع الوسط ).

أي : لو وقف على أولاده ولم يذكر أولاد أولاده ، لكن اعتبر انقراضهم في الوقف على الفقراء فقد قيل : بأن الوقف بعد أولاده يصرف إلى أولاد أولاده ، والقائل بذلك هو الشيخ في المبسوط ، محتجا بأن الواقف شرط انقراضهم ، وذلك بظاهره يقتضي انه وقف عليهم ، فهو كما لو صرح به فيصرف إليهم بعد الأولاد (٣).

ورده في المختلف بانتفاء دلالة اللفظ على ذلك بشي‌ء من الدلالات ، أما المطابقة والتضمن فظاهر ، وأما الالتزام فلأن اللفظ صالح لتقييده بالصرف إليهم‌

__________________

(١) الوسيلة : ٤٤٣.

(٢) المختلف : ٤٩٦.

(٣) المبسوط ٣ : ٢٩٦.

١٠٩

انقراض أولاد أولاده لورثة الواقف على إشكال.

______________________________________________________

وعدمه ، ولا دلالة للعام على الخاص (١). ولا يلزم من اشتراط انقراضهم كونه وقفا عليهم ، لانتفاء وجه التلازم ، على أنه لو دل ذلك على الوقف عليهم لوجب التشريك بينهم وبين الأولاد ، لانتفاء ما يقتضي الترتيب وهو لا يقول به.

لا يقال : إن اشتراط انقراض أولاد الأولاد دليل على تناول الأولاد لولد الصلب حقيقة ولولد الولد مجازا ، واستعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه معا بالقرينة جائز ، وإنما قلنا : إن الاشتراط دليل على ذلك ، لأنه لولاه لكان ذكره لغوا ، ولأنه يقتضي خروج الوقف عن الدوام والاتصال ، والواجب صيانة لفظ المسلم عن اللغو والفساد ما أمكن.

لأنا نقول : نمنع لزوم كونه لغوا على ذلك التقدير ، وفائدته عدم استحقاق الفقراء إلاّ بعد انقراضهم ، ولزوم عدم دوام الوقف ، واتصاله غير كاف في الحمل على المجاز.

ثم انه لو أريد بالأولاد : أولاد الصلب وغيرهم لكان قوله : ( وانقرض أولاد الأولاد ) بعد قوله : ( فإذا انقرضوا ) تكرارا ، لأن الضمير في ( انقرضوا ) يعود الى الجميع ، فاستئناف قوله : ( وانقرض أولاد الأولاد ) مشعر بأن ما قبله لم يتناولهم ، بل هذا آت على القول بصدق الأولاد على أولاد الأولاد حقيقة كالمفيد (٢) ، ومن تابعه ، فلا يكون الحمل على أولاد الأولاد هنا على قوله خاليا من البحث ، وإن كان المتبادر من كلام الشارح الفاضل (٣) ، وشيخنا الشهيد في شرح الإرشاد خلاف ذلك.

إذا تقرر ذلك ، فالمختار عند المصنف ـ وهو الأصح ـ عدم اندراج أولاد‌

__________________

(١) المختلف : ٤٩٧.

(٢) المقنعة : ١٠٠.

(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٠٠.

١١٠

______________________________________________________

الأولاد في الوقف وعدم استحقاقهم ، فيكون الوقف منقطع الوسط فيجري فيه احتمالا الصحة والبطلان على ما يقتضيه كلام المصنف السابق ، فعلى الصحة ففي مصرفه بعد انقراض الأولاد تردد أشار إليه المصنف بقوله : ( فإذا انقرض أولاد أولاده عاد الى الفقراء والنماء قبل انقراض أولاد أولاده لورثة الواقف على اشكال ).

ولا يخفى انه على القول بعدم انتقال الوقف عن الواقف يكون لورثة الواقف ، وعلى القول بانتقاله الى الله تعالى يكون في وجوه البر ، وعلى القول بانتقاله الى الموقوف عليه يتجه الاشكال ، ومنشؤه : من انتقال الوقف عن الواقف ، فلا يعود اليه ، فلا يستحق ورثته فيه شيئا فيكون لورثة البطن الأول ، لانتقاله اليه وعدم انتقاله عنه الى الفقراء.

ومن أن الوقف في حكم ملك الواقف ، لأن البطن الثاني إنما يتلقى منه ، وبموت البطن الأول زال ملكه وليس ثمة موقوف عليه غيره ، ويمتنع بقاء الملك بغير مالك فيكون لورثة الواقف ، وفي كل من الوجهين نظر :

أما الأول ، فلأن ورثة البطن الأول يمتنع استحقاقهم بالوقف ، لانتفاء المقتضي ، وبالإرث ، لأن الوقف لا يورث ، ولانقطاع ملك مورثهم من الوقف بموته فكيف يورث عنه بما ليس بملكه.

وأما الثاني ، فلخروج الملك عن الواقف فكيف يورث عنه ، وتلقي البطن منه بمقتضى العقد من حيث انه أخرجه عنه على هذا الوجه حين إيقاعه لا يقتضي كونه مالكا وقت تجدده ، فإذا أريد بكونه في حكم ملكه هذا المعنى لم يستحق وارثه شيئا ، وإن أريد عود الملك اليه ثم انتقاله فهو باطل.

والذي يقتضيه صحيح النظر بطلان هذا الوقف ، لمنافاة الشرط المذكور لما يقتضيه الوقف من الدوام ، فيتجه ان يصح في المرتبة الأولى حبسا كما سبق في المنقطع الآخر.

١١١

وليس له غرس شجرة في المسجد لنفسه ، وهل له ذلك للوقف؟ الأقرب المنع مع التضرر بها ، وإلاّ فلا.

والفاضل من حصر المسجد وآلاته يصرف في مسجد آخر ، بخلاف المشاهد.

______________________________________________________

قوله : ( وليس له غرس شجرة في المسجد لنفسه ، وهل له ذلك للوقف؟ الأقرب المنع مع التضرر بها ، وإلاّ فلا ).

أما الحكم الأول فلأن في الغرس كذلك تغييرا للوقف وتصرفا فيه على نهج التصرف في الملك ، وأما وجه القرب مع الضرر في الشق الثاني فظاهر ، ويحتمل ضعيفا الجواز ، لأن فيه مصلحة للوقف وأما وجه الجواز مع عدم التضرر ، فلأنه مصلحة ، والفرض خلوه عن التضرر فلا وجه للمنع.

والأصح عدم الجواز على حال من الأحوال ، لأن المسجد للعبادة ، وشغل المغرس بالغرس مانع من الغرض المطلوب من الصلاة وسائر العبادات ، وفيه إيذاء للمصلين بسقوط ورق الشجرة في المسجد ، ورمي ثمرها ، وتعريض لسقوط الطيور عليها وبولها في المسجد ، وربما اجتمع الصبيان من أجلها ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها قال في التذكرة وقد روي في أخبارنا : انه من غرس في المسجد شجرة فكأنما ربط فيه خنزيرا (١).

ولو نبتت الشجرة بنفسها ففي قلعها وجوبا أو جوازا ، أو عدمه اشكال ، ولو جعل أرضا فيها شجرة مسجدا أقرت فيه لسبق حق الملك ، ولا يدخل في الوقت إلاّ مع الاشتراط ، ولا يكلف تفريغ الأرض ، لأن الوقف إنما وقع كذلك.

قوله : ( والفاضل من حصر المسجد وآلاته يصرف في مسجد آخر ، بخلاف المشاهد ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٤٦.

١١٢

وتصحّ قسمة الوقف من الطلق إلاّ أن تتضمن ردا الى الطلق منه.

وهل يجوز قسمة الوقف على نفرين؟ الأقرب المنع مع اتحاد الواقف والموقوف عليه ،

______________________________________________________

ربما فرّق بين المساجد‌ والمشاهد بأن الغرض من المساجد ما يجعل فيها إقامة شعائر الدين وفعل العبادات فيها ، وهذا الغرض لا تختلف فيه المساجد. وأما المشاهد المقدسة فإن الغرض من كل واحد منها غير الغرض مما سواه ، فإن المقصود تعظيم القبر الشريف ببناء مشهده ومعونة سدنته وزواره ، فيكون الوقف على كل واحد منها وقفا على قبيل خاص ، فلا يتجاوز به شرط الواقف.

وللنظر في هذا الفرق مجال ، إلاّ أن الأصحاب ذكروا جواز صرف الفاضل من آلات مسجد في مسجد آخر ، ولا وجه لإلحاق المشاهد بها في ذلك.

قوله : ( وتصح قسمة الوقف من الطلق إلاّ أن يتضمن ردا الى الطلق منه ).

لأن ذلك يتسدعي خروج بعض الوقف عن حكمه ، ومقتضى العبارة الجواز إذا اقتضت القسمة ردا من جانب أصحاب الوقف ، لأنه يكون شراء لشي‌ء من الطلق ولا مانع منه ، وقد صرح به في التذكرة (١) ، وهو حق ، وعبارة التذكرة قد توهم في عكسه الجواز ، وليس بجيد.

قوله : ( وهل تجوز قسمة الوقف على نفرين؟ الأقرب المنع مع اتحاد الواقف والموقوف عليه ).

وجه القرب : انه يتضمن تغيير الوقف ، فإنه إنما وقع على هذا الوجه لأن الحق ليس منحصرا في المقتسمين ، فإن لمن بعدهم من البطون حقا يأخذونه من الواقف لا على جهة الإرث من البطن الأول.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٤٦.

١١٣

أمّا لو تعدد الواقف والموقوف عليه فإشكال.

______________________________________________________

ويحتمل ضعيفا الجواز ، لأن القسمة إفراز حق وتمييزه عن غيره فجاز فعلها بين أهل كل بطن ، وينتقض بانتهاء حقهم ، والأصح الأول ، لأن استحقاقهم إنما هو على وجه الإشاعة ، وذلك غير قابل للتمييز لما فيه من تغيير الوقف ، نعم تجوز المهاياة توصلا الى استيفاء المنافع.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن البحث عن جواز القسمة وعدمه إنما هو مع اتحاد الواقف وتعدد الموقوف عليه ليعقل معنى القسمة بينهم ، سواء كان في الأصل متحدا ثم تجدد تعدده أو كان متعددا من أول الأمر.

ومفهوم قول المصنف : ( مع اتحاد الواقف والموقوف عليه ) انتفاء الحكم لو تعدد أحدهما ، والمراد باتحاد الموقوف عليه : اتحاده في الأصل ، إذ لا تعقل القسمة. والصواب عدم الفرق بين اتحاده في الأصل ثم صيرورته متعددا ، أو تعدده من أول الأمر في عدم جواز القسمة ، وبه صرح في التذكرة (١).

قوله : ( أما لو تعدد الواقف والموقوف عليه فإشكال ).

المراد به : ما إذا وقف كل من الشريكين حصته مع الإشاعة ، وكان الموقوف عليه متعددا ، سواء اختلف ـ كأن وقف أحدهما على زيد والآخر على عمرو ـ أو وقف كل من الشريكين عليهما.

ومنشأ الاشكال من حيث كونهما وقفين متغايرين لا تعلق لأحدهما بالآخر فجاز تمييز أحدهما من الآخر ، ولأن جواز القسمة من حقوقهما قبل الوقف ، والأصل بقاؤه ، ولأن تميز الشقص الموقوف عن الطلق جائز عندنا ، ولو اقتضت القسمة في محل النزاع تغييرا في الوقف لاقتضته هنا.

ومن إطلاق الأصحاب منع قسمة الوقف الشامل لمحل النزاع ، وفي الجواز‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٤٥.

١١٤

ولو اندرس شرط الواقف قسّم بالسوية ، فإن لم يعرف الأرباب صرف في البر.

ولو آجر المتولي بأجرة المثل في الحال وظهر من يزيد لم ينفسخ.

______________________________________________________

قوة. والظاهر عدم الفرق بين صدور الوقف مع تعدد الواقف صفقة وعدمه ، لأن تعدد الواقف يقتضي تعدد الوقف ، كما أن تعدد البائع يقتضي تعدد البيع.

قوله : ( ولو اندرس شرط الواقف قسّم بالسوية ).

مع علم أصل الاستحقاق وجهل مقادير السهام ، أو جهل الترتيب بين الطبقة الاولى والثانية عملا بالأصل وهو التسوية ، إذ ليس بعضهم أولى بالتقدم والتفضل من بعض ، وقال بعض الشافعية بالتوقف حتى يصطلحوا. وكذا الحكم لو اختلفوا في شرط الواقف ولا بينة ، ولو علم تفضيل بعض ولم يعرف المفضل المحتمل احتمل التوقف حتى يصطلحوا والقرعة.

والظاهر انه لا يرجع الى قول الواقف لو كان حيا إذا قلنا بانتقال الملك عنه ، كما لا يرجع الى قول البائع عند اختلاف المشتريين في كيفية الشراء ويلوح من التذكرة الميل الى قبول قوله ، لأنه المبتدئ بالصدقة وقوله متبع (١).

قوله : ( فإن لم يعرف الأرباب صرف في البر ).

لتعذر الجهة الموقوف عليها ، فجرى مجرى ما لو وقف على مصلحة فبطل رسمها ولم يمكن الصرف إليها.

قوله : ( ولو آجر المتولي بأجرة المثل في الحال فظهر من يزيد لم ينفسخ ).

لصدور العقد على الوجه المعتبر حين وقوعه ، والإجارة لازمة فلا يصح الفسخ.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٤٢.

١١٥

ولو آجر زيادة على المدة المشترطة فالأقرب البطلان في الزائد خاصة.

ولو خلق حصير المسجد وخرج عن الانتفاع به فيه ، أو تكسّر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الإحراق فالأقرب بيعه وصرف ثمنه في مصالح المسجد.

______________________________________________________

قوله : ( ولو آجر زيادة على المدة المشترطة فالأقرب البطلان في الزائد خاصة ).

وجه القرب : انه ضم ما يجوز له فعله الى ما لا يجوز ، فجرى مجرى بيع ما يملك وما لا يملك ، واجارة ما يملك وما لا يملك في صحة العقد فيما يجوز دون الآخر ، وتفريق الصفقة غير موجب للبطلان عندنا.

ويحتمل البطلان في الجميع ، لأنه عقد مخالف لشرط الواقف فيكون باطلا ، ولأن العقد إنما تناول المجموع والأبعاض تابعة ، فإذا بطل في المجموع بطل في التابع ، لامتناع بقاء التابع من حيث هو تابع مع انتفاء المتبوع ، والأول قريب اعتبارا لمذهب الأصحاب في نظائره ، والبطلان أحوط.

قوله : ( ولو خلق حصير المسجد وخرج عن الانتفاع به فيه ، أو تكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الإحراق فالأقرب بيعه وصرف ثمنه في مصالح المسجد ).

يستفاد من قوله : ( وخرج عن الانتفاع به فيه ) أي في المسجد ، وقوله : ( أو تكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الإحراق ) انه لو بقي في واحد منهما جهة انتفاع به في المسجد لم يجز بيعه ، وهو كذلك ، للمنع من بيع الوقف ، فلو أمكن أن يتخذ من الجذع أبواب وألواح وجب ولم يجز البيع. ووجه القرب انه إذا خرج عن الانتفاع به في الوقف خرج عن مقصود الواقف ، لأن مقصوده الانتفاع به ، فلو لم يجز بيعه كان تضييعا محضا.

١١٦

المقصد الثاني : في السكنى والصدقة والهبة ، وفيه فصول :

الأول : في السكنى ، ولا بد فيه من إيجاب ، وقبول ، وقبض ، ونية التقرب.

______________________________________________________

ويحتمل ضعيفا المنع ، لعموم المنع من بيع الوقف ، والأصح الأول. فإذا بيع وجب أن يشتري بثمنه بدله ، لأنه أقرب الى مراد الواقف ، فإن تعذر صرف ثمنه في مصالح المسجد وفاقا للتذكرة (١) ، وأطلق صرف ثمنه في مصالح المسجد هنا.

وهل يفرّق بين ما كان من ذلك وقفا ، وبين ما اشترى من الوقف أو قبل المتولي بيعه حتى يجوز بيع الثاني عند الحاجة؟ فيه احتمال ، وذكر في التذكرة انه لا خلاف بين العامة في جواز بيع هذا القسم ، لأنه ملك ولم يفت هو بشي‌ء ، وجواز البيع في هذا القسم لا يخلو من قوة ، فإذا بيع لم يتعيّن شراء مثله ، بل يصرف في مصالح المسجد من غير تعيين.

قوله : ( الأول : في السكنى ).

المراد : في عقد السكنى لينتظم معه قوله : ( ولا بد فيه من إيجاب ... ) وفي التذكرة السكنى عقد يفتقر إلى الإيجاب والقبول قطعا والقبض (٢).

قوله : ( ولا بد فيه من إيجاب ، وقبول ، وقبض ، ونية التقرب ).

لا بد في عقد السكنى من الإيجاب والقبول قطعا ، وكذا لا بد من القبض ، لكن ينبغي أن يكون اشتراطه على القول بلزوم العقد ، أما على عدم اللزوم فإنه بمنزلة العارية ، وصرح المصنف هنا باشتراط نية التقرب ، وظاهره أنها شرط الصحة ، وفي‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٤٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٤٨.

١١٧

وليست ناقلة للملك ، بل فائدتها تسلّط الساكن على استيفاء المنفعة المدة المشترطة ، فإن قرنت بالعمر سمّيت عمري مدة معيّنة ، وإن قرنت بالإسكان قيل سكنى ، وبالمدة يقال رقبى إمّا من الارتقاب أو من رقبة الملك.

______________________________________________________

اشتراطها نظر.

وصرح في الدروس بعدم الاشتراط (١) ، وهو الأوجه. نعم ينبغي اشتراط كون ذلك في نفسه قربة كالوقف ، أما نية التقرب فهي شرط في حصول الثواب خاصة.

وحمل شيخنا الشهيد في بعض الحواشي اشتراط المصنف نية التقرب على ذلك ، وهو خلاف ظاهرها.

قوله : ( وليست ناقلة للملك ، بل فائدتها تسلط الساكن على استيفاء المنفعة المدة المشترطة ).

لا خلاف عندنا في أن السكنى لا ينتقل الملك بها الى الساكن بحال من الأحوال ، بل فائدتها استحقاق استيفاء المنفعة المدة المشترطة.

قوله : ( فإن قرنت بالعمر سميت عمري ، وإن قرنت بالإسكان قيل سكنى ، وبالمدة يقال رقبى أما من الارتقاب أو من رقبة الملك ).

حاصله : ان العقد المسمى بالسكنى فائدته ما ذكر ، وأسماؤه مختلفة بحسب اختلاف الإضافة.

فإن اقترن التسليط على المنفعة بعمر أحدهما قيل عمري ، وبالإسكان : قيل سكنى ، وبالمدة قيل : رقبى واشتقاقها اما من الارتقاب أو من رقبة الملك. وكانت العرب في الجاهلية تستعمل لفظين وهما العمرى والرقبى ، فالعمرى مأخوذة من العمر ، والرقبى مأخوذة من الرقوب ، كأن كل واحد منهما يرتقب موت صاحبه.

__________________

(١) الدروس : ٢٣٦.

١١٨

والإيجاب أن يقول : أسكنتك ، أو أعمرتك ، أو أرقبتك ، أو شبه ذلك هذه الدار ، أو الأرض مدة عمرك أو عمري أو سنة ، وتلزم بالقبض على رأي.

______________________________________________________

قوله : ( والإيجاب أن يقول : أسكنتك ، أو أعمرتك ، أو أرقبتك أو شبه ذلك هذه الدار أو الأرض مدة عمرك ، أو عمري ، أو سنة ).

في التذكرة : أو يطلق ، أو يقول : أرقبتك هذه الدار ، أو هي لك مدة حياتك ، أو وهبت منك هذه الدار عمرك على أنك إن متّ قبلي عادت إليّ ، وإن متّ قبلك استقرت عليك (١).

ثم حكى عن بعض العامة للرقبى تفسيرين : أحدهما هذا المذكور أخيرا فيكون غير الكنى والعمرى (٢) ، وحكى عن مالك (٣) وأبي حنيفة (٤) بطلان الرقبى محتجين بنص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بطلانها (٥) ، وبأن معناها انها لآخرنا موتا وهذا تمليك معلوم بحظر ولا يجوز تعليق التمليك بالحظر. وذهب بعض أصحابنا الى أن الرقبى هي قول الإنسان لغيره جعلت لك خدمة هذا العبد مدّة حياتك أو مدة حياتي ، وذلك مأخوذ من رقبة العبد ، وظاهر المذهب هو ما ذكره المصنف.

قوله : ( ويلزم بالقبض على رأي ).

في هذه المسألة للأصحاب على ما نقله جمع ثلاثة أقوال :

الأول : اللزوم بالقبض ، لعموم( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٦) ، ولقول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي الصباح عن السكنى والعمرى : « إن كان جعل السكنى في حياته‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٤٨.

(٢) المجموع ١٥ : ٣٩٢ ، المغني لابن قدامة ٦ : ٣٤٠ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني ٦ : ٢٩١.

(٣) المجموع ١٥ : ٣٩٥ ، المغني لابن قدامة ٦ : ٣٤، الشرح الكبير المطبوع مع المغني ٦ : ٢٩١.

(٤) المجموع ١٥ : ٣٩٥ ، المغني لابن قدامة ٦ : ٣٤، الشرح الكبير المطبوع مع المغني ٦ : ٢٩١.

(٥) سنن النسائي ٦ : ٢٧٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٩٦ حديث ٢٣٨٢.

(٦) المائدة : ١.

١١٩

ولو قال : لك سكنى هذه الدار ما بقيت أو حييت صحّ ، ويرجع الى المسكن بعد موت الساكن.

ولو قال : أعمرتك هذه الدار ولعقبك رجعت اليه بعد العقوب ، ولا‌

______________________________________________________

فهو كما شرط ، وإن جعلها له ولعقبه من بعده حتى يفنى عقبه فليس لهم أن يبيعوا ولا يرثوا » (١).

وفي معناها حسنة الحلبي عنه عليه‌السلام وفيها : قلت : فرجل اسكن داره ولم يوقت ، قال : « جائز ويخرجه إذا شاء » (٢) ، وهاتان لم يصرح فيهما باعتبار القبض إلاّ انه لا شك في اعتباره ، والقائل باللزوم إنما يقول به مع القبض وهو الأشهر والأصح.

الثاني : الجواز ، للأصل ، وضعفه ظاهر.

الثالث : التفصيل ، وهو اللزوم إن قصد القربة ، لأنها في معنى الهبة المعوضة ، قال شيخنا الشهيد في بعض الحواشي : فيه دقيقة هي : انه يعلم من هذا التفصيل جواز عراء السكنى عن نية القربة ، قال : وقد اشترطها المصنف ، فحينئذ ينحصر الخلاف في قولين اللزوم وعدمه ، ثم حمل كلام المصنف على أن المراد اشتراطها في استحقاق الثواب لا في لزوم العقد ، ولم يصرّحوا باشتراط القبض عند القائل بهذا التفصيل ، لكن تشبيهها بالهبة في بعض العبارات يشعر بذلك.

قوله : ( ولو قال لك سكنى هذه الدار ما بقيت أو حييت صح ، ويرجع الى المسكن بعد موت الساكن ).

المراد : رجوع السكنى ، لأن الدار باقية على الملك ، فإذا نقل المنفعة زمانا اتبع الشرط.

قوله : ( ولو قال أعمرتك هذه الدار ولعقبك رجعت اليه بعد العقب ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٣ حديث ٢٢ ، الفقيه ٣٤ : ١٨٧ حديث ٦٥٣ ، التهذيب ٩ : ١٤٠ حديث ٥٨٨.

(٢) الكافي ٧ : ٣٤ حديث ٢٤ ، الفقيه ٤ : ١٨٦ حديث ٦٥، التهذيب ٩ : ١٤٠ حديث ٥٩٠.

١٢٠