جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

ويحتمل عدم لزوم الشراء إن كان بالعين ، وإن كان في الذمة احتمل اختصاص الثاني به ، والقسمة بينه وبين العامل الأول في النصف ، واختصاص المالك بالآخر إن كان الأول شرط على الثاني أنّ للمالك النصف والآخر بينهما ).

______________________________________________________

يقال : لو لم يذكره لأوهم الاستحقاق مطلقا ، فلما قيده لدفع الوهم حصل خلل آخر.

قوله : ( ويحتمل عدم لزوم الشراء إن كان بالعين ، وإن كان في الذمّة احتمل : اختصاص الثاني به ، والقسمة بينه وبين العامل الأول في النصف واختصاص المالك بالآخر إن كان الأول شرط على الثاني أنّ للمالك النصف والآخر بينهما ).

هذا الاحتمال في مقابل إطلاق قوله : ( وإن ربح فللمالك خاصة ) إذ ليس في العبارة ما يصلح أن يكون مقابلا له سواه ، ومقابلته إياه تقتضي أن يكون حكمه بأنّ الربح للمالك سابقا مطلقا ، سواء وقع الشراء بالعين أو في الذمة ، وسواء نوى بالشراء نفسه أو المالك أو العامل الأول ، وقد أطلق العبارة بكونه للمالك في التذكرة (١) كما أطلق هنا ، وذكره في التحرير احتمالا (٢) وتخريجه إنّما يستقيم على القول بأنّ ما يربحه الغاصب إذا اشترى في الذمة وسلم المغصوب يقع للمالك ، لأنّ العامل الثاني غاصب إن كان عالما ، وإلاّ فالغاصب هو الأول ، وهو القول القديم للشافعي (٣) ، أما على القول بأنّ الربح في هذه الصورة يقع للغاصب ، فلا وجه لهذا أصلا.

وإذا وقع الشراء بالعين فهو كشراء الفضولي ، ووجه هذا الاحتمال : أنّ الشراء بالعين حيث إنّه كشراء الفضولي ، وجب أن لا يكون لازما ولا نافذا ، بل يقع موقوفا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٠.

(٢) التحرير ١ : ٢٧٨.

(٣) المجموع ١٤ : ٣٧٠ ، الوجيز ١ : ٢٢٤.

٦١

______________________________________________________

على الإجازة من المالك.

وأمّا وجه الاحتمال الأول من الاحتمالين اللذين ذكرهما فيما إذا كان الشراء في الذمة ، فلأنّ الشراء إذا كان في الذمة ولم يذكر المشتري أحدا يقع له ، فيستحق الربح كله.

ووجه الثاني في كلام المصنف : أنّه اشترى للمضاربة ، فوجب أن يقع الشراء لها على حكمها ، فيكون للمالك النصف ، والنصف الآخر بين العامل الأول والثاني ، إذا شرط الأول على الثاني ذلك.

إلاّ أنّ في هذا مناقشتين :

إحداهما : أنّ المتبادر من العبارة أن الاحتمالين المذكورين متعلقهما واحد ، وليس كذلك ، لأنّ الثاني متعلقة ما إذا علم العامل الثاني بالحال وجرى الشرط عليه كذلك ، وفرض المسألة الأولى أعم.

الثانية : إنّ المصنف قد أسلف أنّ العامل الأول إذا شرط لنفسه شيئا من الربح لا يستحق شيئا أصلا ، لأنّه لا مال له ولا عمل ، وجزم بذلك. فكيف يتوجّه هذا الاحتمال؟

ويجاب عن هذا : بأنّ الجزم بالحكم لا ينافي احتمال مقابله ، أو أنّ ما ذكره سابقا بناء على أنّ الشراء بعين المال ـ لأنّ وضع المضاربة على ذلك ـ وما هنا على فرض كون الشراء في الذمة.

ولو سكت عن قوله : ( إن كان الأول شرط على الثاني أنّ للمالك النصف الى آخره ) لكان أولى ، ويكون هذا هو ما بناه الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١) ، على أنّ ربح الغاصب كلّه لربّ المال ، معللا بأنّ المالك دخل على أن له النصف ، فلا يستحق أكثر ممّا شرط لنفسه ، بخلاف الغاصب ، لأنّ ربّ المال لم يشترط لنفسه أخذ النصف فقط ،

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٨١.

٦٢

______________________________________________________

فيكون النصف الآخر بين العامل الأول والثاني نصفين ، إن كانت المضاربة بينهما بالنصف ، وإلاّ فعلى حكم ما اشترطاه ، لأنّ الشرط إنّما جرى على الربح الحاصل ، ولم يحصل إلاّ النصف ، لأنّ النصف الآخر لاستحقاق المالك إياه كأنّه لم يحصل.

لكن على هذا هل يستحق العامل الثاني على الأول نصف أجرة المثل مع جهله بالحال؟ يحتمل ذلك ، لأنّه دخل على أنّ نصف جميع الربح مثلا له ، وقد فات نصفه ، فيجب نصف أجرة المثل. ويحتمل العدم ، لأنّ النصف المصروف الى المالك بمنزلة المعدوم.

إذا تقرر هذا ، فاعلم : أنّ ما ذكره على كل من الاحتمالات لا يجري على أصولنا ، لأنّ الحكم بأنّ ربح ما اشتراه الغاصب في ذمته للمالك ليس مذهبا لنا ، واستحقاق العامل الأول مع أنّه لا مال له ولا عمل كذلك.

والتحقيق أن نقول : إما أن يكون الشراء بالعين أو في الذمة ، فإن كان بالعين وقف على إجازة المالك ، فإن أجاز فالربح كلّه له ، لوقوع البيع حينئذ له ، وللعامل الثاني على الأول أجرة المثل مع جهله.

وإن كان في الذمة ، فإن لم ينو أحدا ، وقع الشراء له وضمان المال عليه ، لتعديه لمخالفة مقتضى المضاربة وإن صرّح بالمالك وقف على إجازته كالعين ، وكذا لو نواه على احتمال قريب ، لأنّ العقود تابعة للقصود ، وإن صرّح بالعامل الأول ، وقع له بالإذن سابقا ، أو بالإجازة مع عدمه ، وكذا لو نواه على الاحتمال ، فيقع الربح له (١) وعليه (٢) الأجرة للثاني مع جهله ، إن لم يتعدّ مقتضى المضاربة ، لا أن تعدّى ، ويكون‌

__________________

(١) أي : للأول.

(٢) اي : على الأول.

٦٣

ولو شرط المريض للعامل ما يزيد عن اجرة المثل لم يحتسب الزائد من الثلث ، إذ المقيّد بالثلث التفويت وليس حاصلا ، لانتفاء الربح حينئذ.

وهل المساقاة [ كذلك ]؟ إشكال ، ينشأ : من كون النخلة تثمر بنفسها فهي كالحاصل.

______________________________________________________

المال حينئذ (١) مضمونا عليه (٢) ، فيكون القرار مع التلف عليه.

قوله : ( ولو شرط المريض للعامل ما يزيد على أجرة المثل ، لم يحتسب الزائد من الثلث ، إذ المقيد بالثلث التفويت ، وليس حاصلا هنا ، لانتفاء الربح حينئذ ).

المراد : أنّ المريض في مرض الموت لو عامل على شي‌ء من ماله مضاربة ، وشرط للعامل ما يكون حاصله أزيد من أجرة المثل لعمله صحت المضاربة والشرط ، ولم يحتسب الزائد من المشروط عن أجرة المثل من الثلث المستثنى للمريض التصرف فيه ، بل يكون ذلك ماضيا بكل حال.

وذلك لأنّ المحسوب من الثلث من المتبرعات ، والمقيّد جوازه بكونه ثلثا فما دون من التصرفات إنّما هو التصرف المتضمن لتفويت شي‌ء من مال المريض ، وذلك منتف هنا ، لأنّ الربح أمر معدوم متوهم الحصول وليس مالا للمريض ، وإذا حصل بسعي العامل بعد المعاملة ، حدث القدر المشروط منه على ملكه ، فلم يكن للمريض ولا للورثة في ذلك استحقاق ليعتبر كونه من الثلث.

قوله : ( وهل المساقاة كذلك؟ إشكال ، ينشأ من كون النخلة تثمر بنفسها فهي كالحاصل ).

بخلاف الدراهم فإنّها لا تربح بنفسها من دون استرباح.

__________________

(١) اي : حين التعدي.

(٢) اي : على الثاني.

٦٤

وإذا فسد القراض بفوات شرط نفذت التصرفات وكان الربح بأجمعه للمالك ، وعليه للعامل اجرة المثل إلاّ إذا فسد ، بإن شرط جميع الربح للمالك ففي استحقاق الأجرة إشكال ينشأ : من رضاه بالسعي مجانا.

______________________________________________________

ومن أنّه لم يتلف من تركته شيئا ، لأنّ الثمرة ليست مالا حال المعاملة ، وإذا حدثت ، حدثت على ملك العامل والمريض ، فلم يكن المشروط مالا للمريض ، وهذا أقوى.

والفرق بين هذا والذي قبله ـ بأنّ النخلة تثمر بنفسها ـ ضعيف.

أمّا أولا : فلأنّ لسعي العامل أثرا بينا في ذلك ، بل ربما لا يحصل شي‌ء يعتد به بدون العمل.

وأمّا ثانيا : فلأنّ المتوقع حصوله لا يعدّ مالا ، ولا يحسب تفويته على أحد من غاصب ومريض وغيرهما ، فان المريض لو وهب نخلة أو أتلفه لم يحسب عليه الثمرة قطعا ، وإن كان قد قرب زمان ظهورها جدا ، مع أنّه لو تركها لأثمرت عادة ، وكذا الغاصب. وليس المتنازع فيه بزائد على ذلك ، فإنه أحدث ما منع من حدوث الثمرة بتمامها على ملكه.

قوله : ( وإذا فسد القراض بفوات شرط ، نفذت التصرفات ، وكان الربح بأجمعه للمالك ، وعليه للعامل أجرة المثل ).

إنّما نفذت التصرفات لإذن المالك فيها ، وهذا يقتضي اعتبار الإذن الواقع في العقد الفاسد.

قوله : ( إلاّ إذا فسد : بأن شرط جميع الربح للمالك ، ففي استحقاق الأجرة إشكال ، ينشأ من رضاه بالسعي مجانا ).

ومن حيث إطلاقهم أنّه إذا فسد القراض كان الربح للمالك وللعامل أجرة المثل.

٦٥

الثالث : رأس المال ، وشروطه أربعة :

الأول : أن يكون نقدا ، فلا يصح القراض بالعروض ، ولا بالنقرة ، ولا بالفلوس ، ولا بالدراهم المغشوشة.

ولو مات المالك وبالمال متاع فأقره الوارث‌ لم يصح.

______________________________________________________

ويضعّف : بأنّ ذلك على تقدير أن لا يدخل بشرط أن لا عوض لعمله ، فإذا دخل على ذلك كان متبرعا وإنّما قلنا : أنّه دخل على ذلك ، لأنّ عوض القراض الصحيح منحصر في الحصة من الربح قطعا ، فإذا دخل على أنّه صحيح ولا حصة له ، فقد دخل على أنّه لا عوض لعمله ، فكيف يستحق أجرة؟ وهو الأصح.

قوله : ( أن يكون نقدا ، فلا يصح القراض بالعروض ولا بالنقرة ، ولا بالفلوس ، ولا بالدراهم المغشوشة ).

العروض بضم العين جمع عرض بفتحها ساكن الوسط ويحرك ، وهو : المتاع وكلّ شي‌ء سوى النقدين ، ذكر ذلك في القاموس. (١)

والنقرة بضم أوله : القطعة المذابة من الذهب والفضة.

والمراد بالنقد : الدراهم والدنانير المضروبة المسكوكة ، وإنّما لا يصح بالدراهم المغشوشة إذا لم تكن معلومة الصرف بين الناس ، فان علم صرفها وجرت في المعاملة ، جازت المضاربة عليها ، سواء كان الغش أقل أو أكثر ، خلافا لأبي حنيفة (٢) ، وما عدا ذلك لا تصح المضاربة عليه بإجماعنا واتفاق أكثر العامة (٣).

قوله : ( ولو مات المالك وبالمال متاع ، فأقرّه الوارث‌ لم يصح ).

__________________

(١) القاموس ٢ : ٣٣٤.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٨٢ ، الوجيز ١ : ٢٢١.

(٣) المجموع ١٤ : ٣٦١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٨٢.

٦٦

ولو دفع شبكة للصائد بحصة فالصيد للصائد وعليه أجرة الشبكة.

الثاني : أن يكون معيّنا فلا يجوز على دين في الذمة.

ولو قال له : اعزل المال الذي لي عليك وقد قارضتك عليه ففعل‌

______________________________________________________

لالمراد : أنّ الوارث أقرّه على كونه عاملا بعقد مستأنف [ لا ] (١) بالعقد الأول ، لامتناع اعتباره ، لأنّ المالك الآن غير العاقد ، وقد انفسخ العقد بموته ، لأنّه جائز من الطرفين.

وإنّما لم يصح إقراره بعقد مستأنف ، لفقد شرط رأس المال ، فإنّ الفرض أنّه ليس نقدا (٢).

قوله : ( ولو دفع شبكة للصائد بحصة ، فالصيد للصائد وعليه أجرة الشبكة ).

هذا بناء على أنّ التوكيل في تملك المباح لا يتصور ، أو أنّ العامل لم ينو بالتملك إلاّ نفسه. فلو نوى بالحيازة الملك له ولصاحب الشبكة ، وقلنا بحصول الملك بذلك ، كان لكلّ منهما الحصة المنوية له ، وعلى كل منهما للآخر من اجرة مثل الصائد والشبكة بحسب ما أصابه من الملك.

قوله : ( الثاني : ان يكون معينا ، فلا يجوز على دين في الذمة )

قال في التذكرة : لا نعلم فيه خلافا (٣).

قوله : ( ولو قال له : اعزل المال الذي لي عليك وقد قارضتك عليه ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « ك‍ » و « ه‍ » ، وأثبتاه من الحجرية لاختلال المعنى بدونه.

(٢) في « ه‍ » : فإن العرض ليس نقدا.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ٢٣١.

٦٧

واشترى بعين المال للمضاربة فالشراء له ، وكذا إن اشترى في الذمة.

ولو أقرضه ألفا شهرا ثم [ هو ] بعده مضاربة لم يصح ، ولو قال : ضارب به شهرا ثم هو قرض صح.

______________________________________________________

ففعل واشترى بعين المال للمضاربة فالشراء له ، وكذا إن اشترى في الذمة ).

لا يخفى بطلان القراض ، لوقوعه على الدين لأنّه وقع قبل العزل.

ثم إنّ الأمر بالعزل لا يقتضي تعيين الدين ، فيكون باقيا في ذمة المديون والمعزول له ، فإذا اشترى للمضاربة بعين المال ، كان الشراء له ، لأن المال ملكه ، ونية القراض لا أثر لها في الشراء بملكه ، وكذا إن اشترى للقراض في الذمة ودفع المال ، لأنّ المأذون فيه هو الشراء للقراض لينقد فيه مال القراض ، وقد تقرّر أنّ المال الذي في يده له ، فإذا اشترى وقع الشراء له ، كذا قرّر في التذكرة (١).

ولقائل أن يقول : لم لا يكون الشراء فضوليا يتوقف على الإجازة؟ لأنّه قد نواه ، والعقود بالقصود.

قوله : ( ولو أقرضه ألفا شهرا ثم هو بعده مضاربة لم يصح ، ولو قال : ضارب به شهرا ثم هو قرض صح ).

المراد : أنّ المضاربة لا تصح في الأول ، بل لا بدّ من تجديد عقد بعد الشهر وقبضه من يد المقترض ، لأن القراض على عوض هذا القرض وقت حصوله ، فلا تصح هذه الصيغة ، إذ ليس يحق الآن ، وإنّما هو آئل الى أن يصير حقا ودينا. بخلاف ما لو قال : ضارب به شهرا ثم هو قرض ، والمراد أن يقول : خذه مضاربة شهرا كما لا يخفى ، فإن المضاربة تصح هنا ، لصدور العقد من أهله في محله مستوفيا لشروطه ، لأنّه المفروض.

هذا حال المضاربة ، وأمّا حال القرض ، فالظاهر صحته في الصورتين :

أمّا في الأولى ، فلأنّه لا مانع منه إلاّ ما يتخيل من ضميمة المضاربة الفاسدة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٢.

٦٨

ولو قال : خذ المال الذي على فلان وأعمل به مضاربة لم يصح ما لم يجدّد العقد ، وكذا لو قال : بع هذه السلعة فإذا نضّ ثمنها فهو قراض.

ولو كان وديعة أو غصبا عند فلان صح.

ولو كان قد تلف‌ لم يصح،

______________________________________________________

اليه ، ولا أثر لها في ذلك ، لأنّها لم تقع على وجه الشرط ، وإذا بطلت إحدى المعاملتين لم يجب أن تبطل الأخرى.

وأمّا في الثانية ، فكما لو آجره مدة غير متصلة بزمان العقد ، وفيه تردد. والمصنف لم يتعرض لحكم القرض في التذكرة ، وإنّما ذكر حكم المضاربة في الصورتين.

قوله : ( ولو قال : خذ المال الذي على فلان واعمل به مضاربة ، لم يصحّ ما لم يجدّد العقد ).

لفقد صحة القراض عند إيقاع العقد.

قوله : ( ولو كان وديعة أو غصبا عند فلان صحّ ).

أي : لو كان المال الذي قارض عليه عند فلان وديعة أو غصبا صحّ القراض إذا كان المال نقدا ، لأنّ كونه في يد الغير لا يمنع الصحة ، وثبوت الضمان في الغصب لا ينافي صحة القراض وإن كان في الأصل أمانة ، خلافا لبعض العامة (١) ، لأنّ الضمان قد يجامع القراض ، كما إذا تعدّى العامل في مال المضاربة. وكونه في الأصل أمانة لا يمنع ثبوت الضمان بسبب آخر.

وهل يمنع صحة القراض كون المال المغصوب غير مقدور على تسليمه وقت العقد ، بحيث إذا تجدّدت القدرة على التسليم يحتاج الى تجديد العقد؟

إطلاق المصنّف الصحة هنا وفي التذكرة (٢) يقتضي العدم ، وهو محتمل.

قوله : ( ولو كان قد تلف‌ لم يصح ).

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٣٦٣ ، المغني لابن قدامة ٥ : ١٩١.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٢٣١.

٦٩

وكذا يصح لو كان في يده وديعة أو غصب لم يتلف عينه فضاربه المالك به ، والأقرب زوال الضمان بالعقد ، ويحتمل بقاؤه إلى الأداء ثمنا عما يشتريه.

______________________________________________________

أي : لو كان المال الذي عند فلان وديعة أو غصبا قد تلف وقت العقد ، لم يصحّ العقد وإن كان تلف الوديعة على وجه مضمون لفقد الشرط.

ولو تلف بعد العقد ، فهل يبقى القراض ، فيأخذ البدل حيث يجب على حكمه؟ يحتمل ذلك ، فإنّ ذهاب العين بعد صحة العقد لا يقتضي البطلان ، لأنّ بناء عقد المضاربة على إذهاب العين. ولو غصب المال غاصب فأتلفه ، فالحكم ما ذكرناه.

قوله : ( وكذا يصحّ لو كان في يده وديعة أو غصب لم تتلف عينه فضاربه المالك به ، والأقرب زوال الضمان بالعقد ، ويحتمل بقاؤه إلى الأداء ثمنا عمّا يشتريه ).

أي : لو ضارب الغاصب بالمال الذي في يده ، فلا كلام في الصحة.

وهل يزول الضمان؟ الأقرب عند المصنف ذلك ، لزوال العدوان بالإذن في إثبات اليد عليه ، وهو يقتضي زوال الضمان.

وفيه نظر ، لأنّ علّة الثبوت لا يجب أن يكون انتفاؤها علّة لزوال الحكم ، فإنّ علل الشرع معرّفات.

ولأنّ مال القراض أمانة ، فيجب زوال الضمان ، لامتناع ثبوته مع وجود المقتضي لكونه أمانة.

وفيه نظر ، لأنّ كونه أمانة إنّما هو بمقتضى القراض من حيث هو هو ، ولا يمتنع ثبوت الضمان بسبب آخر ، لأصالة عدم المنافاة ، ولأنّ الضمان قد يجامعه ، وذلك إذا تعدّى العامل.

لا يقال : العامل وكيل للمالك في التصرّف ، فيده يده ، والمال المضمون يسقط ضمانه بوصوله الى يد المالك.

٧٠

ولو دفع اليه كيسين فقال : قارضتك على أحدهما والآخر وديعة ولم يعيّن ، أو قارضتك على أيهما شئت لم يصح.

الثالث : أن يكون معلوما ، فلا يصح على المجهول قدره ،

______________________________________________________

لأنّا نقول : في القراض معنى الوكالة وليس وكالة ، ويد العامل غير متمحّضة للمالك ، وإنّما هي يد مصلحتها عائدة إلى نفسه ، وهي الغرض الأصلي (١) له ، وإن تضمنّت مصلحة للمالك.

والأقرب بقاء الضمان ، للاستصحاب ـ حتى يحصل الناقل ـ ، ولقوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » (٢) ، حكم باستمرار الضمان الى زمان الأداء ، أداء المال إلى البائع ثمنا ، لأنّ الضمان متعلق بالمدفوع وقد خرج عن الملك ، والمبيع مال تجدد على حكم الأمانة ، ولا خلاف في هذا.

قوله : ( ولو دفع اليه كيسين ، فقال : قارضتك على أحدهما والآخر وديعة ولم يعيّن ، أو قال : قارضتك على أيّهما شئت ، لم يصحّ ).

لانتفاء التعيين الذي هو شرط في القراض ، ولا فرق بين أن يكون كلّ من المالين اللذين في الكيسين مساويا للآخر جنسا وقدرا أولا ، خلافا لبعض الشافعية ، حيث حكم بالصحة مع التساوي (٣).

أمّا المشاع فيصح القراض به ، لأنّه معيّن ، وكذا الغائب عنهما وقت العقد ، وقد سبق مثله في المغصوب.

ولو أفرط البعد ، فظاهر إطلاقهم عدم منافاته الصحة.

قوله : ( الثالث : أن يكون معلوما ، فلا يصحّ على المجهول قدره ).

لأنّ جهالته تقتضي جهالة الربح ، ولأنّ المسامحة في الربح لامتناع العلم‌

__________________

(١) في « ه‍ » : الأعلى.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ٩٥ ، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٤٧ ، مستدرك الوسائل ٣ : ١٤٥.

(٣) الوجيز ١ : ٢٢١ ، المجموع ١٤ : ٣٥٨.

٧١

وفي المشاهدة إشكال ، فإن جوزناه فالقول قول العامل مع يمينه في قدره.

الرابع : أن يكون مسلّما في يد العامل ، فلو شرط المالك أن تكون يده عليه لم يصح.

______________________________________________________

بقدره قبل حصوله واغتفار هذا النوع من الغرر للضرورة لا يقتضي المسامحة بكل جهالة ، فالعقود إنّما تستفاد بتوقيت الشارع. ولا فرق بين إمكان استعلامها بعد العقد وعدمه ، لأنّ ذلك لا يدفع الجهالة حال العقد ، ولأنّه ربّما طرأ ما يمنع العلم بقدرها.

قوله : ( وفي المشاهدة إشكال ، فإن جوّزناه فالقول قول العامل مع يمينه في قدره ).

ينشأ الإشكال : من زوال معظم الغرر بالمشاهدة ، ومن بقاء الجهالة معها. واكتفى الشيخ رحمه‌الله في المبسوط بالمشاهدة (١) ونفاه في الخلاف (٢) ، وهو الأصح ، اقتصارا على محلّ الدليل.

ولا يخفى أنّ القول قول العامل مع يمينه لو اختلف هو وربّ المال في قدره ، لأنّه منكسر ، سواء قلنا بالجواز مع المشاهدة أم لا ، فقول المصنف : ( فان جوّزناه الى آخره ) لا يخلو من شي‌ء.

قوله : ( الرابع (٣) : أن يكون مسلّما في يد العامل ، فلو شرط المالك أن تكون يده عليه لم يصحّ ).

لأنّ ذلك خلاف وضع المضاربة ، ويظهر من عبارة المصنف في التذكرة جواز جعل مال القراض في يد المالك ، فإنّه قال : الأقرب عندي أنّه لا يشترط في القراض إن يكون مسلّما إلى العامل ، بحيث تستقل يده عليه وينفرد بالتصرف فيه عن المالك‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٩٤.

(٢) الخلاف ٢ : ١١٦ مسألة ١٧ كتاب القراض.

(٣) أي : الشرط الرابع من الركن الثالث.

٧٢

أما لو شرط أن يكون مشاركا في اليد ، أو يراجعه في التصرف ، أو يراجع مشرفه فالأقرب الجواز.

______________________________________________________

وغيره ، فلو شرط المالك أن يكون الكيس في يده يوفي الثمن منه إذا اشترى العامل شيئا جاز (١). وهذا مخالف لما هنا ، لأنّه منع الاستقلال باليد وجوز المشاركة ، وما ذكره في التذكرة يقتضي جواز استقلال المالك باليد من دون العامل إذا عرفت ذلك فاعلم : أنّ الاحتجاج على عدم جواز استقلال المالك باليد : بأنّه خلاف وضع المضاربة ، موضع تأمّل.

لأنّه إن أريد بوضع المضاربة مقتضى العقد ، فلا نسلّم أنّ العقد يقتضي ذلك ، لأنّه معاملة على المال بحصة من ربحه ، وهذا يتحقق مع كون المال في يد المالك ، والعامل يتردّد في الشراء والبيع وتوابعهما.

وإن أريد بالوضع أنّ الغالب في العادات ذلك ، لم يقدح ذلك في جواز المخالفة ، لأنّ جريان العادة بذلك لكون الغالب أمانة العامل ، فإذا اتفق كونه خائنا ، لم يمنع المالك من التوثق لماله.

ومع هذا فأول عبارة التذكرة يلوح من مفهومه أنّ العامل لا بد له من يد في الجملة ، ولا ريب أنّ مراعاة كونه ذا يد على المال ، أولى وأبعد من الريب.

قوله : ( أمّا لو شرط أن يكون مشاركا في اليد ، أو يراجعه في التصرف ، أو يراجع مشرفه ، فالأقرب الجواز ).

وجه القرب : أنّ هذه شروط سائغة لا تخالف الكتاب والسنّة ، فإن توثّق الإنسان على ماله بحفظه في يده أو يد من يثق به أمر مطلوب ، وقد تدعو الضرورة إلى الاستعانة بالخائن في المعاملات لحذقه ، ولو لم يشرع هذا الشرط لزم تضرر المالك : إمّا بتسليم ماله الى من لا يوثق به ، وإمّا بترك التجارة ، وكلاهما ضرر.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٢.

٧٣

ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك جاز.

الرابع : العمل ، وهو عوض الربح ، وشروطه : أن يكون تجارة ، فلا يصح على الطبخ والخبز والحرف.

______________________________________________________

ويحتمل العدم ، لأنّه ربّما لم يجده عند الحاجة ، أو لم يساعده على رأيه ، فيفوّت عليه التصرف الرابح ، والقراض موضوع تمهيدا أو توسيعا لطريق التجارة ، ولذلك احتمل فيه ضروب من الجهالة ، فيصان عمّا يخل بمقصوده ، وينتقض ذلك بما إذا عيّن المالك له نوعا من التصرف ، فإنّه يجوز مع وجود المحذور فيه.

قوله : ( ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك جاز ).

لعموم : ( المؤمنون عند شروطهم ) (١) والمراد بالغلام هنا المملوك ، سواء شرط له حصة من الربح أم لا ، لأنّ المشروط حينئذ للمالك. أمّا الغلام الحر فإنّه عامل ، فيشترط فيه ما يشترط في العامل. ولو شرط أن يعمل معه المالك ، ففي صحته نظر.

قوله : ( الرابع : العمل ، وهو : عوض الربح ، وشرطه أن يكون تجارة ، فلا يصح على الطبخ والخبز والحرف ).

أي : شرط صحة عقد القراض أنّ يكون العمل المشروط على العامل الذي يقع عليه الحصة من الربح من جملة التجارة وتوابعها.

فلو قارضه على أن يشتري الحنطة ويطحنها ويخبزها ، والطعام ليطبخه ، والغزل لينسجه ، والثوب ليقصره أو يصبغه ، ونحو ذلك من الحرف والصنائع التي ليست تجارة ولا هي من توابعها ، لم يصحّ ، لأنّ وضع القراض على الاسترباح بالتجارة لا بالصنعة والحرفة.

ولو فعل العامل هذه الأعمال من غير شرط صحّ. ولا يخرج الدقيق ولا الخبز ولا المطبوخ ولا الثوب المنسوج أو المقصور أو المصبوغ عن كونه رأس مال القراض ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

٧٤

أما النقل والكيل والوزن ولواحق التجارة فإنها تبع للتجارة ، والتجارة : هي الاسترباح بالبيع والشراء لا بالحرف والصنائع.

وإذا أذن في التصرف وأطلق اقتضى الإطلاق ما يتولاه المالك من عرض القماش ، ونشره وطيه ، وإحرازه ، وبيعه ، وقبض ثمنه ، وإيداعه الصندوق ، واستئجار ما يعتاد الاستئجار له كالدلال والوزّان والحمّال.

ولو استأجر لما تجب عليه مباشرته فالأجرة عليه خاصة.

ولو عمل بنفسه ما يستأجر له عادة لم يستحق اجرة.

______________________________________________________

والقراض بحاله ، كما لو سمن عبد القراض أو تعلّم صنعة.

قوله : ( أمّا النقل والكيل والوزن ولواحق التجارة ، فإنّها تبع للتجارة ، والتجارة هي : الاسترباح بالبيع والشراء ، لا بالحرف والصنائع ).

فلو عقد القراض على ذلك وقع الموقع.

قوله : ( وإذا أذن في التصرّف وأطلق ، اقتضى الإطلاق ما يتولاه المالك : من عرض القماش ، ونشره ، وطيّه ، وإحرازه ، وبيعه ، وقبض ثمنه وإيداعه الصندوق ، واستئجار ما يعتاد الاستئجار له كالدلاّل والوزّان والحمّال. ولو استأجر لما يجب عليه مباشرته فالأجرة عليه خاصة. ولو عمل بنفسه ما يستأجر له عادة لم يستحق أجرة ).

لمّا كان القراض معاملة على المال للاسترباح به بالتجارة ، كان إطلاق العقد مقتضيا لفعل ما يتولاّه المالك في التجارة : من عرض القماش على المشترين والراغبين ، ونشره ، وطيّه ، وإحرازه ، وبيعه وقبض ثمنه ، وإيداعه الصندوق ، ووزن ما يخفّ كالذهب والمسك والعود ونحو ذلك.

وهذا النوع لو استأجر عليه كانت الأجرة عليه خاصة ، لأنّ ذلك عليه ، فعليه تحصيله بأيّ وجه كان.

٧٥

ولو شرط عليه ما تتضيق التجارة بسببه لزم ، فان تعدّى ضمن ، كما لو شرط أن لا يشتري إلاّ ثوبا معيّنا ، أو ثمرة بستان معيّن ، أو لا يشتري إلاّ من زيد ، أو لا يبيع إلاّ عليه ، وسواء كان وجود ما عيّنه‌ عاما أو نادرا.

______________________________________________________

أمّا ما جرت العادة بالاستئجار عليه ـ كوزن الأمتعة الثقيلة وحملها ، ونقل المتاع الثقيل الى الحانوت والنداء عليه ـ فإنّ له أن يستأجر عليه ، حملا للإطلاق على المعتاد.

ولو عمل هذا النوع بنفسه لم يستحق أجرة ، لأنّه متبرع في ذلك ولو عمل على قصد الأجرة ففي الاستحقاق نظر.

وينبغي إن قلنا : إنّ الوكيل في البيع يجوز أن يبيع لنفسه ، والوكيل في الشراء يشتري من نفسه ، أن نقول بجواز استئجاره نفسه لذلك العمل هنا ، ولو أذن له المالك في ذلك فلا بحث.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم إنّ قول المصنف : ( وإذا أذن في التصرّف وأطلق ) يتبادر منه أنّه لا بد من إذن المالك للعامل في التصرّف.

وليس كذلك ، بل الإذن الذي تضمنه عقد القراض ، كاف ، وكأنّه أراد به ذلك ، وإن كان ظاهر العبارة قد يوهم خلافه ولو قال : ولو كان الإذن الذي تضمّنه العقد مطلقا الى آخره ، لانتفى هذا الإيهام.

وكذا قوله : ( واستئجار ما يعتاد الاستئجار له ) فيه تسامح ، وكان الأولى أن يقول : والاستئجار لما يعتاد الاستئجار له.

قوله : ( ولو شرط عليه ما تتضيّق التجارة بسببه لزم ، فإن تعدى ضمن ، كما لو شرط أن لا يشتري إلاّ ثوبا معينا أو ثمرة بستان معين ، أو لا يشتري إلاّ من زيد أو لا يبيع إلاّ عليه ، وسواء كان وجود ما عيّنه‌ عاما أو نادرا ).

٧٦

ولو شرط الأجل لم يلزم ، ولو قال : إن مضت سنة فلا تشتر بعدها وبع صح ، وكذا العكس.

ولو قال : على أني لا أملك فيها منعك لم يصح.

ولو شرط أن يشتري أصلا يشتركان في نمائه كالشجر والغنم فالأقرب الفساد ، لأن مقتضى القراض التصرف في‌ رأس المال.

______________________________________________________

لا خلاف في جواز هذه الشروط ولزومها عندنا ، وإطلاق الأخبار الصحيحة يقتضي ذلك ، مثل صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (١) وغيرها ، وخالف في ذلك الشافعي (٢) ومالك (٣).

قوله : ( ولو شرط الأجل لم يلزم ).

قد سبقت هذه المسألة ، وإنّما أعادها ليبني عليها.

قوله : ( ولو قال : إن مضت سنة فلا تشتر بعدها. وبع صحّ ، وكذا العكس ).

وجه الصحة : إنّه إذا كان له المنع من البيع والشراء بعد السّنة ، فله المنع من أحدهما خاصة بطريق أولى.

قوله : ( ولو قال : على أنّي لا أملك فيها منعك لم يصحّ ).

لأنّ القراض من العقود الجائزة من الطرفين ، لكلّ من المتعاقدين فسخه ، فإذا شرط عدم التمكن من المنع ، فقد شرط ما ينافي مقتضى العقد ، فكان فاسدا.

قوله : ( ولو شرط أن يشتري أصلا يشتركان في نمائه ، كالشجر أو الغنم ، فالأقرب الفساد ، لأنّ مقتضى القراض التصرف في‌ رأس المال ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٠ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ حديث ٨٣٨.

(٢) المجموع ١٤ : ٣٧٩ ، الوجيز : ٢٢٢.

(٣) المدونة الكبرى ٥ : ١١٩.

٧٧

الخامس : الربح ، وشروطه أربعة :

الأول : أن يكون مخصوصا بالمتعاقدين ، فلو شرط جزء منه لأجنبي : فإن كان عاملا صح ، وإلاّ بطل.

ولو شرط لغلامه حصة معهما صح ، سواء عمل الغلام أو لا.

______________________________________________________

أي : لتحصيل الربح بالتصرف ، وفوائد ما ذكر تحصل من عين المال لا من تصرف العامل ، ولأنّ مقتضى القراض الاسترباح بالتجارة ، وليس موضع النزاع كذلك ، فلا يصحّ القراض عليه ، وهو الأصح.

ويحتمل ضعيفا الصحة ، لأنّ ذلك حصل بسعي العامل ، وهو شراؤه الشجر والغنم ، وذلك من جملة الاسترباح بالتجارة.

وضعفه ظاهر ، لأنّ الحاصل بالتجارة هو زيادة القيمة لما وقع عليه العقد ، لا نماؤه الحاصل مع بقاء عين المال. فعلى الفساد يصح الشراء بالإذن ويكون النماء بأجمعه للمالك ، لأنّه نماء ملكه ، وعليه أجرة المثل للعامل.

قوله : ( الخامس : الربح ، وشروطه أربعة :

الأول : ان يكون مخصوصا بالمتعاقدين ، فلو شرط جزءا منه لأجنبيّ ، فإن كان عاملا صحّ ، وإلاّ بطل ).

المراد بالأجنبي : من عدا المتعاقدين ، وإنّما لم يصحّ إذا لم يكن عاملا ، لأنّه خلاف وضع القراض ، لأنّ وضعه على أنّ الربح للمالك بماله وللعامل بعمله.

والمراد بكونه عاملا : اشتراط شي‌ء من العمل عليه في مقابل الربح المشروط له ، ولا بدّ من تعيين العمل المشترط عليه ، وكونه من أعمال التجارة.

قوله : ( ولو شرط لغلامه حصة معهما صحّ سواء عمل الغلام أو لا ).

المراد بالغلام هنا : العبد ، فإنّ المشروط له مشروط لسيّده في الحقيقة ، ومن ثمّ‌

٧٨

الثاني : أن يكون مشتركا ، فلو قال : خذه قراضا على ان الربح لك أو لي بطل. أما لو قال : خذه فاتجر به على أن الربح لك كان قرضا ، ولو قال : على أن الربح‌ لي كان بضاعة.

______________________________________________________

لم يشترط أن يعمل ، بخلاف الحرّ ، فإنّه لكون المشروط يقع له ، يشترط أن يكون عاملا. ولا فرق في ذلك بين كون الحصة المشروطة لغلام المالك أو لغلام العامل ، لما قدّمناه ، وعبارة الكتاب تحتمل الأمرين.

قوله : ( الثاني : أن يكون مشتركا ، فلو قال : خذه قراضا على أنّ الربح لك أو لي ، بطل ).

لأنّ مقتضى القراض الاشتراك في الربح ، فإذا شرط خلاف مقتضاه بطل العقد ، فيكون قراضا فاسدا تجري عليه أحكامه.

وفي وجه للشافعية (١) أنّه يصحّ قرضا في الصورة الاولى وبضاعة في الثانية ، نظرا إلى المعنى : فعلى الأول الربح كلّه للمالك ، وعليه اجرة المثل للعامل في الصورة الأولى إجماعا دون الثانية على الأصح كما تقدم ، والمال أمانة في يده.

وعلى الثاني يكون الربح للعامل والمال مضمون عليه في الصورة الأولى خاصة.

وينبغي أن يكون هذا إذا لم يقصد القرض ، فإن قصده فقبل العامل صحّ ، لأنّ صحة القرض يكفي فيها اللفظ الدالّ على تمليك المال بعوض فيترتب عليه حكمه. ولو حكمنا بالفساد ، لكان المال مضمونا ولم يملك الربح.

قوله : ( أمّا لو قال : خذه فاتّجر به على أنّ الربح لك ، كان قرضا ، ولو قال : على انّ الربح‌ لي كان بضاعة ).

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٣٦٦.

٧٩

الثالث : أن يكون معلوما ، فلو قال : على أن لك مثل ما شرطه فلان لعامله ولم يعلمه أحدهما بطل.

ولو قال : على أن الربح بيننا فهو تنصيف ، وكذا : خذه على‌

______________________________________________________

بخلاف ما سبق ، والفرق : التصريح بكونه قراضا في الأول دون ما هنا.

وينبغي أن يكون هذا الحكم إذا أطلق المال ولم يقصد شيئا غير مقتضى اللفظ ، فإن قصد القراض فكما سبق. ولو وقع النزاع بينه وبين العامل ، احتمل ترجيح جانب العامل ، عملا بظاهر اللفظ.

قوله : ( الثالث : أن يكون معلوما ، فلو قال : على ان لك مثل ما شرطه فلان لعامله ولم يعلمه أحدهما ، بطل ).

المراد : وجهله أحدهما ، سواء أمكن استعلامه بعد ذلك أم لا ، لفقد الشرط حال العقد.

فإن قيل : سيأتي إن شاء الله تعالى : أنّ جهلهما بالحساب في المسائل الآتية لا يضرّ ، فما الفرق؟

قلنا : لعلّه تخيّل أنّ شرط فلان لا يوثق باستعلامه ، لإمكان تعذّر الوصول إليهما بموت أو غيبة أو نسيانهما ، بخلاف جهلهما بالحساب ، للقطع بإمكان الاستعلام.

قوله : ( ولو قال : على أنّ الربح بيننا ، فهو تنصيف ).

لأصالة عدم التفاضل ، مع استواء نسبتهما إلى السبب المقتضي للاستحقاق ، وقد سبق مثله غير مرة.

وللشافعية (١) وجه بالبطلان ، لأنّ البينيّة تصدق مع التفاوت.

وفيه نظر ، لأنّ الكلام في حال الإطلاق ، ولا يخفى أنّ الذي يقتضيه الدليل ذلك ، كما لو أقرّ مقرّ بأنّ المال بين هذين.

قوله : ( وكذا : خذه على‌ النصف ).

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٣٦٥.

٨٠