جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

ولو تساوى المالان ، وأذن أحدهما في العمل للآخر على أن يتساويا في الربح فهو بضاعة.

فروع :

أ ـ لو دفع إلى آخر دابته ليحمل عليها والحاصل لهما فالشركة باطلة ، فإن كان العامل قد آجر الدابة فالأجر لمالكها وعليه اجرة مثل‌

______________________________________________________

إلى ذكر الشريكين في المسألة السابقة ، لأن بيع غير الشريكين صفقة غير موجب للشركة.

قوله : ( ولو تساوى المالان وأذن أحدهما في العمل للآخر على أن يتساويا في الربح فهو بضاعة ).

وذلك لأن حصة الشريك مال مبعوث للتجارة في يد الوكيل ، قال في الصحاح : البضاعة : طائفة من مالك تبعثها للتجارة ، تقول : أبضعته واستبعضته ، أي : جعلته بضاعة ، وفي المثل كمستبضع تمر إلى هجر ، وذلك أن هجر معدن التمر (١).

قوله : ( لو دفع إلى آخر دابة ليحمل عليها والحاصل لهما فالشركة باطلة ).

المراد : ليحمل عليها مال غيره بالأجرة ، فالمراد مؤاجرتها ، إذ لو أريد حمل ماله لكان دفعا للدابة اليه على قصد الإجازة فلا يستحق العامل أجرا.

ولا يعقل فيه معنى الشركة ، وبطلان هذه الشركة قد علم مما سبق ، لأن ما عدا شركة العنان عندنا باطل.

قوله : ( فإن كان العامل قد آجر الدابة فالأجر لمالكها وعليه‌

__________________

(١) الصحاح ( بضع ) ٣ : ١١٨٦.

٤١

العامل ، فإن قصر الحاصل عنهما تحاصا إن كان بسؤال العامل ، وإلا فالجميع ،

______________________________________________________

أجرة مثل العامل ، فإن قصر الحاصل عنهما تحاصا إن كان بسؤال العامل وإلا فالجميع ).

حيث أن الشركة المذكورة باطلة ، فالحال لا يخلو من أن يكون العامل قد آجر عين الدابة ، أو لا.

فإن آجرها فلا ريب أن الأجرة للمالك ، لأنها عوض منفعة ماله ، وعليه للعامل أجرة المثل ، لأنه بذل عمله في مقابل الحصة من الحاصل لاعتقاد حصولها ، وقد فاتت بفساد الشركة فوجبت أجرة مثله إذ لم يتبرع بعمله. فحينئذ إن وفّى الحاصل ـ وهو ما آجر به الدابة بأجرة مثله وأجرة مثل الدابة ـ دفع اليه المالك أجرة مثله واختص بالباقي وإن زاد على أجرة مثل الدابة ، وهذا القسم لم يذكره المصنف لظهوره.

وإن قصر الحاصل عن الأجرتين ـ وهو الذي أراده المصنف بقوله : ( وإن قصر الحاصل عنهما ) وإن لم يجر لاجرة مثل الدابة ذكر استغناء ، بدلالة ذكر أجرة العامل عليها ، أو أن الضمير يعود إلى العامل والدابة. ومعلوم أن قصور الحاصل عنهما إنما يكون بعد التقسيط عليهما ، والتقسيط إنما يكون باعتبار أجرة المثل كما قد علم مرارا ـ تحاصا إن كان الدفع على هذا الوجه بسؤال العامل ، لأنه قد رضي بأن تكون له حصة من الحاصل وإن نقصت عن اجرة المثل.

وإن لم يكن ذلك بسؤال العامل ، بل بسؤال المالك فالواجب له جميع أجرة مثله وإن زادت على الحاصل. ويندرج في قوله : ( إن كان بسؤال العامل ) ما إذا كان بسؤالهما ، لأنه بسؤال العامل أيضا.

وفي الفرق نظر ، لأن الفرض حصول الرضاء بذلك ، سواء كان‌

٤٢

______________________________________________________

بسؤاله ، أو بسؤال المالك ، أو بسؤالهما فتستوي المسألتان في التحاص.

واحتمل شيخنا الشهيد في بعض حواشيه وجوب أقل الأمرين من الحصة المشروطة والحاصلة بالتحاص ، أما إذا كانت المشروطة أقل ، فلأنه قد رضي بالأقل فلا يستحق الزائد ، وأما إذا كان الحاصل بالتحاصل أقل ، فلمعاوضة حق المالك ، ولا ترجيح.

واحتمل ايضا وجوب الأقل إن كان بسؤال العامل ، لأنه ألزم نفسه بذلك بسؤاله. ووجوب الأكثر إن كان بسؤال المالك ، لأنه إن كان الأكثر المشروط فقد رضي به المالك ، وإن كان هو الحاصل بالتحاصل ، فلفساد الشرط.

والحق أن هذا كله بعيد عن التحقيق ، لأن مدار الاستحقاق إنما هو على تراضي المالك والعامل ببذل المعيّن من الحاصل في مقابل العمل ، فلم يكن العمل مبذولا مجانا ، وحيث فات المعيّن لفساد الشركة وجب الرجوع إلى أجرة المثل كائنة ما كانت. ولا أثر لسؤال العامل ولا المالك ، وهذا هو قضية كلام الأصحاب ، وبه صرح في التذكرة (١).

وأما الحاصل بإجارة الدابة فقد أطلقوا أنه لمالكها ، اعتمادا على أن إجارتها بإذن المالك. وفيه نظر ، لأن الاذن إن كان هو الذي تضمنه عقد الشركة فيشكل بأن العقد الفاسد كيف يعتبر ما تضمنه من الاذن. وإن أريد غيره فليس في الكلام الذي تضمنه ما يشعر به.

فعلى هذا حقه أن يكون عقد الإجارة فضوليا يتوقف على الإجازة ، فإن أجاز فلا بحث ، وإن فسخ فهل يستحق أجرة؟ يحتمل العدم ، لأن ذلك العقد غير مأذون فيه ، وإلا لم يتوقف على الإجازة. ويتطرق ذلك إلى ما إذا أجاز. وليس بشي‌ء ، لأن الاذن في العمل إذا تضمنه العقد الفاسد أوجب أجرة المثل.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٣.

٤٣

وإن تقبل حمل شي‌ء فحمله عليها أو حمل عليها شيئا مباحا فباعه فالأجرة والثمن له ، وعليه أجر مثل الدابة لمالكها.

______________________________________________________

ومقتضى كلامهم في هذه المسائل كلها الاكتفاء بالاذن السابق ، وسيأتي مثله في القراض ، حيث أن القراض الفاسد يملك المالك فيه الربح كله إذا كان الشراء بالعين ، وللعامل اجرة المثل.

قوله : ( وإن تقبّل حمل شي‌ء فحمل عليها ، أو حمل عليها شيئا مباحا فباعه فالأجرة والثمن له ، وعليه أجرة مثل الدابة ).

هذا هو القسم الثاني ، وهو أن لا يكون العامل قد آجر عين الدابة ، بل يكون قد تقبّل حمل شي‌ء في ذمته ، بأن آجر نفسه لحمل شي‌ء في ذمته ، ولم يعيّن لحمله دابة مخصوصة فحمله عليها فإن الأجرة المسماة له ، لأنها في مقابل عمل في ذمته ، وعليه لمالك الدابة أجرة مثلها بالغة ما بلغت.

وكذا لو حمل عليها شيئا مباح الأصل كالحطب إذا حازه بنية أنه له ـ وقلنا إن المباحات تملك بالحيازة ولا تحتاج إلى النية ـ فإن ثمن هذا له إن باعه ، لأن العين ملكه ، وعليه لمالك الدابة أجرة المثل ، لاستيفاء ، منفعتها التي لم يبذلها المالك مجانا ، ولم يتعين لها عوض فوجبت أجرة المثل.

واعلم أن قوله : ( فالأجرة والثمن له ) أراد بها : الأجرة فيما إذا تقبّل حمل شي‌ء في ذمته ، وأراد بالثمن : ما أخذه في مقابل المباح الذي باعه. ولو حمل عليها ما لا أجر له ، أو لغيره مجانا ، أو بعوض فاسد فعليه أجرة المثل أيضا.

وإنما ذكر المصنف حمل المباح ليبيّن أنه يختص به دون الشريك ، ولا يستقيم على إطلاقه ، لأنه لو نوى بحيازته نفسه وشريكه ـ وقلنا بأن تملك المباح يتوقف على النية ـ كان المباح لهما ، وعلى العامل نصف أجرة مثل‌

٤٤

ب : لو دفع دابة إلى سقّاه ، وآخر رواية على الشركة في الحاصل لم تنعقد ، وكان الحاصل للسقاء وعليه اجرة الدابة والرواية.

ولو كان من واحد دكان ، ومن الآخر رحى ، ومن ثالث بغل ، ومن رابع عمل فلا شركة. ثم إن كان عقد اجرة الطحن من واحد منهم ، ولم يذكر أصحابه ولا نواهم فله الأجر أجمع ، وعليه لأصحابه‌ أجرة المثل.

______________________________________________________

الدابة لذلك العمل. وكذا للعامل على المالك نصف أجرة مثله لذلك العمل ، فعلم أن إطلاق المصنف هنا ، مع تردده في أن المباح يفتقر تملكه إلى نية لا يحسن.

على أن في أصل هذا البناء كلاما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى ، وهو ان التوكيل في تملك المباحات لا تتوقف صحته على اشتراط النية في تملكه مع الحيازة.

قوله : ( لو دفع دابة إلى سقّاء ، وآخر رواية على الشركة في الحاصل لم تنعقد ، وكان الحاصل للسقّاء وعليه أجرة الدابة والراوية ).

تعرف هذه المسألة من المقرر فيما إذا حمل على الدابة شيئا مباحا وباعه ، فإن ما ذكرناه هناك آت هنا. وفساد هذه الشركة قد علم غير مرة. والسقاء ممدود ، والرواية هنا المزادة فيها الماء ، ذكر ذلك في القاموس (١).

قوله : ( ولو كان من واحد دكان ، ومن الآخر رحى ، ومن ثالث بغل ، ومن رابع عمل فلا شركة. ثم إن كان عقد أجرة الطحن من واحد منهم ولم يذكر أصحابه ولا نواهم فله الأجر أجمع ، وعليه لأصحابه‌ أجرة المثل ).

__________________

(١) القاموس المحيط ( روى ) ٤ : ٣٣٧.

٤٥

وإن نوى أصحابه أو ذكرهم كان كما لو عقد مع كل واحد منهم منفردا.

______________________________________________________

إذا كان من واحد دكان ، ومن الآخر رحى ، ومن ثالث بغل ، ومن رابع عمل واشتركوا على أن الحاصل بينهم على نهج مخصوص فقد علم غير مرة فساد الشركة.

ثم انه إما أن يكون عقد الإجارة على الطحن صادرا من واحد من الأربعة مع صاحب الطعام ، أو يكون من الأربعة. فإن كان من واحد منهم ، فإما أن يكون قد ذكر أصحابه في عقد الإجارة ، أو قصدهم بقلبه ، أو لم يذكرهم ولم يقصدهم. وإن صدر العقد من الأربعة فلا يخلو : إما أن يكون صاحب الطعام قد استأجرهم بطحن الطعام المعلوم ، أو يكون قد استأجر الدكان والبغل والرحى والعامل ، فهنا صور :

الاولى : أن يقع العقد من الواحد ، ولم يذكر أصحابه ولا نواهم ، بل الزم ذمته طحن الطعام المعلوم بكذا فإن له الأجر المسمى أجمع ، لأنه عوض العمل الذي ألزم ذمته ، وعليه أجرة المثل للذي استوفى منفعته من الأعيان المذكورة في طحن الطعام المذكور ، وهذا واضح.

قوله : ( وإن نوى أصحابه ، أو ذكرهم كان كما لو عقد مع كل واحد منهم منفردا ).

الصورة الثانية : أن يقع العقد من واحد ، ولكنه ذكر أصحابه لفظا أو نواهم ، فهذا لا يخلو من أن يكون قد ألزم ذمتهم طحن الطعام بحيث يلزمهم طحنه أرباعا ، أو يكون قد آجره الأعيان المذكورة بطحنه ، وحكم ذلك يعلم من الصورتين اللتين يأتي ذكرهما قريبا إن شاء الله تعالى.

ولعل المصنف إنما لم يتعرض لبيان حكم هذه اعتمادا على ظهوره مما سيأتي ، وليس هنا شي‌ء ، إلا أنّ مجرد عقد الإجارة هل يقتضي لزوم العقد‌

٤٦

ولو استأجر من الجميع فقال : استأجرتكم لطحن هذا الطعام بكذا فالأجر بينهم أرباعا ، لأن كل واحد منهم لزمه طحن ربعه بربع الأجر ، ويرجع كل واحد منهم على كل واحد من أصحابه بربع أجر مثله.

______________________________________________________

لو كان هو العامل اكتفاء بالإذن الصادر في عقد الشركة؟ أم لا بد من إجازتهم بعد ذلك؟ أو سبق توكيلهم إياه خارجا عما تضمنه عقد الشركة؟ فيه كلام سبق.

قوله : ( ولو استأجر من الجميع ، فقال : استأجرتكم لطحن هذا الطعام بكذا فالأجر بينهم أرباعا ، لأن كل واحد منهم لزمه طحن ربعه بربع الأجر ، ويرجع كل واحد منهم على كل واحد من أصحابه بربع أجر مثله ).

الصورة الثالثة : أن يقع عقد الإجارة من الجميع ، بأن يستأجرهم صاحب الطعام المعيّن لطحنه بأجرة معينة ، وليس المراد من قول المصنف : ( فقال : استأجرتكم ) ان هذا صيغة عقد الإجارة ليكون تجويزا لتقديم القبول على الإيجاب ، وإنما هو تصوير للمسألة ، وحينئذ فيكون الأجر بينهم أرباعا ، لأن كل واحد منهم لزمه طحن ربع الطعام بربع الأجر.

فإذا طحن الطعام بالآلات المذكورة ، وتولى العامل من غير تبرع ـ ويكفي فيه الاعتماد على عقد الشركة المتضمن لارصادها للعمل بالحصة ـ كان لكل واحد منهم أن يرجع على كل واحد من أصحابه بربع أجر مثل العمل الصادر إما عنه أو عن دابته ، أو الانتفاع بملكه من الرحى والدكان ، فيرجع العامل بثلاثة أرباع أجرة مثل عمله في طحن ذلك الطعام ، لأن ربع عمله صرف في طحن الربع الذي لزمه طحنه ، وثلاثة أرباعه في طحن ثلاثة الأرباع الباقية التي لزم طحنها أصحابه ، ولم يسم لعمله ذلك شي‌ء معيّن ، فوجبت أجرة المثل على ما ذكره.

٤٧

ولو قال قد استأجرت هذا الدكان والبغل والرحى والرجل بكذا لطحن كذا فالأجر بينهم على قدر أجر مثلهم ، لكل واحد من المسمى بقدر حصته.

______________________________________________________

ويرجع صاحب البغل بثلاثة أرباع أجرة مثل طحن الطعام المذكور بالنسبة إلى عمل البغل ، وتقريبه ما ذكر ، وكذا القول في الدكان والرحى.

ولا فرق بين أن تكون أجرة المثل لكل من هذه الأشياء بقدر ربع المسمى ، أو زائدا أو ناقصا ، فلو كان المسمى عشرين مثلا كان لكل واحد خمسة. ثم ان أجرة مثل العامل لو كانت أربعة رجع بثلاثة دراهم على كل واحد بدرهم ، وكذا القول في أجرة مثل البغل ، فلو كانت ستة رجع على كل واحد بدرهم ونصف ، وعلى هذا.

قوله : ( ولو كان قال : استأجرت هذا الدكان والبغل والرحى والرجل بكذا لطحن كذا فالأجر بينهم على قدر أجر مثلهم ، لكل واحد من المسمى بقدر حصته ).

هذه هي الصورة الرابعة ، والفرق بينها وبين الثالثة : إنه في الثالثة قد يقبل كل واحد من الشركاء بطحن ربع الطعام في ذمته بربع المسمى ، واستعان على طحنه بالمنافع المملوكة لأصحابه ، فلذلك كان له المسمى وعليه أجرة المثل لأصحابه بالنسبة إلى ما استوفى من المنافع المملوكة لهم.

وهنا جرى عقد الإجارة على الأعيان المذكورة لطحن الطعام المعيّن ، فقد جمع بين اجارة عدة أشياء في عقد واحد ، بعوض واحد ، لعمل معين. فطريق تعيين كل واحد من تلك الأشياء من المسمى تقسيط المسمى على أجرة المثل لتلك الأشياء باعتبار ذلك العمل ، كما لو جمع في عقد البيع بين بيع ملكه وملك غيره بثمن واحد مع رضاء المالك ، فإنّا نقسّط الثمن على قيمة المالين.

٤٨

ج : لو صاد ، أو احتطب ، أو احتش ، أو أحاز بنية أنه له ولغيره لم تؤثر تلك النية ، وكان بأجمعه له.

______________________________________________________

ومعلوم أن قيمة العمل أجرة مثله ، فحينئذ لو كانت أجرة مثل عمل ذلك العامل الربع من أجرة مثل الجميع باعتبار ذلك العمل كان له ربع المسمى.

ولو كانت أجرة مثل البغل ثلث أجرة مثل الجميع كان لمالكه ثلث المسمى ، وكذا أجرة مثل الرحى لو كانت ثلاثة أرباع سدس كان لمالكها ثلاثة أرباع سدس المسمى ، ولمالك الدكان الباقي لا محالة ، وهو سدس وثلاثة أرباع سدس ، لأن أجرة مثله من مجموع أجرة المثل للجميع هو ذلك ، والمخرج الجامع أربعة وعشرون ، فلو كان هو أجرة مثل الجميع والمسمى ثمانية عشر مثلا لكان للعامل أربعة ونصف ، ولمالك البغل ستة ، ولمالك الرحى اثنان وربع ، ولمالك الدكان خمسة وربع ، ومجموع ذلك ثمانية عشر.

واعلم أن المصنف في التذكرة قال في هذه المسألة : فيوزّع المسمى عليهم ويكون التراجع بينهم على ما سبق (١). ولا شك أن الحكم بالتراجع هنا غلط ، لأن الإجارة إذا وقعت على أعيان هذه الأشياء لم يعقل التراجع.

قوله : ( لو صاد ، أو احتطب ، أو احتش ، أو أحاز بنية أنه له ولغيره لم تؤثر تلك النية ، وكان بأجمعه له ).

ينبغي أن ينزّل ذلك على ما إذا لم يكن وكيلا للغير ، فإنه على ما ذكره من الإشكال في توقف تملك المباح على النية يجب أن يكون تملكه فقط مع قصد التملك بالحيازة له ، ولغيره إذا كان وكيلا للغير في تملك المباح على الاشكال ، فلا يستقيم الجزم بعدم تملك الغير إلا إذا لم يكن وكيلا.

ثم جزمه بكون المجموع له مع النية المذكورة لا يستقيم ، إلا على‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٤.

٤٩

وهل يفتقر المحيز في تملك المباح إلى نية التملك؟ إشكال.

______________________________________________________

القول بأن المباح يملك بمجرد الحيازة ، ولا عبرة بالنية. واعلم ان : ( أحاز ) الواقع في العبارة بمعنى حاز ، إلا أن أحاز بمعنى جاز لم أجده في كلام أئمة اللغة.

قوله : ( وهل يفتقر المحيز في تملك المباح إلى نية التملك؟ إشكال ).

ينشأ : من أن اليد والسلطنة سبب في الملك ، ولهذا تجوز الشهادة بمجرد اليد من دون توقف على أمر آخر ، ولأن الحيازة سبب لحصول الملك في المباح في الجملة قطعا بالاتفاق ، لأن أقصى ما يقول المشترطون للنية : إنها سبب ناقص ، فحصول الملك بها في الجملة أمر محقق ، واشتراط النية لا دليل عليه ، فينتفي بالأصل.

فإن قيل : الأصل عدم حصول الملك إلا بالنية ، لأن الأصل في المباح عدم الملك فيستصحب إلى أن يحصل الناقل.

قلنا : أصلان تعارضا فتساقطا ، وتبقى سببية اليد بغير معارض.

ومن أنه قد تكرر في فتوى الأصحاب ، أن ما يوجد في جوف السمكة مما يكون في البحر يملكه المشتري ، ولا يجب دفعه إلى الصائد ، ولا تعريفه إياه ، ولو كانت الحيازة كافية في التملك لوجب دفعه اليه.

وفيه نظر ، لأنّا لا نسلم أن ما في بطن السمكة مما لا يعد جزء لها ، ولا كالجزء مثل غذائها يعد محوزا لحيازتها ، ولو سلّم فأقصى ما يلزم اشتراطه إما القصد إلى المحوز بالحيازة ، أو الشعور به ولو تبعا ، أما نية التملك فلا.

ويؤيد الأول : أنه لو اشترطت النية في حصول الملك لم يصح البيع قبلها ، لانتفاء الملك ، والتالي معلوم البطلان ، لإطباق الناس على فعله في‌

٥٠

______________________________________________________

كل عصر من غير توقف على العلم بحصول النية ، حتى لو تنازعا في كون العقد الواقع بينهما أهو بيع أم استنقاذ لعدم نية التملك؟ لا يلتفت إلى قول من يدعي الاستنقاذ.

قال الشارح الفاضل : إنه أورد ذلك على والده المصنف فأجاب عنه : بأن إرادة البيع تستلزم نية التملك (١). وهذا الجواب إنما يتم في من حاز وتولى البيع ، فلو تولاه وارثه الذي لا يعلم بالحال ، أو وكيله المفوّض في جميع أموره بحيث يتصرف في بيع ما حازه من المباحات بالوكالة العامة لم يدفع السؤال.

ويرد عليه أيضا : أنّ حيازة الصبي والمجنون على ما ذكروه يجب أن لا تثمر الملك جزما ، لعدم العلم بالنية ، وعدم الاعتداد بأخبارهما خصوصا المجنون. ولو خلّف ميت تركة فيها ما علم سبق كونه مباح الأصل ، ولم يعلم نية تملكه لا يجب على الوارث تسليمه في الدين والوصية ، والأصح عدم اشتراطها.

واعلم أن البحث عن هذه المسألة في كتاب الشركة ، إنما ساق اليه الكلام في مسألة السقاء إذا حاز الماء بقصد الشركة.

وكذا الكلام فيما لو صاد ، أو احتطب بنية أنه له ولغيره ، فإنه إذا سبق التوكيل من الغير صح ، وثبتت الشركة في المحوز ، على القول بأن تملك المباحات حينئذ يحتاج مع الحيازة إلى النية ، وعلى القول بالعدم فلا شركة ، والملك لمن اختص بالحيازة. وستأتي هذه المسألة إن شاء الله تعالى في الوكالة.

وفي هذا البناء نظر ، لأنا وإن لم نشترط النية ، فلا يلزم ثبوت الملك مطلقا بالحيازة ، إذ لا دليل على أن المباحات تملك بالحيازة على طريق‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٠٣.

٥١

______________________________________________________

القهر ، بحيث لو نوى ما يقتضي عدم الملك ثبت ملكه بغير اختياره قهرا كالإرث. ولم لا يجوز أنه يقال : إنه يملك بالحيازة إن نوى التملك ، أو لم ينو شيئا ، وإن نوى الضد انتفى الملك؟ وهذا أصح ، فإن من حوّل ترابا أو حجرا من طريق ونحوه مريدا التمكن من عبوره ، أو قطع غصن شجرة مباحة وحوله عن ممره الذي يطلب سلوكه لا يدخل ذلك في ملكه ، ولا يمنع من أخذه آخذ ، ولا يخرج عن أصل الإباحة ، لعدم الناقل.

ومثله من حفر بئرا في المباح لمجرد الارتفاق ، فإن ذلك كله دليل على إرادة عدم التملك ، فلا يخرج المباح بذلك عن أصل الإباحة. فحينئذ إذا نوى نفسه وموكله فقد حصل المانع من تملكه بالحيازة في النصف ، وحيث أن يد الوكيل يد الموكل يثبت الملك للموكل ، ولا يتوقف ذلك على الحكم بتوقف تملك المباحات على النية.

* * *

٥٢

المقصد الخامس : في القراض ، وفصوله ثلاثة :

الأول : في أركانه ، هي خمسة :

الأول : العقد ، فالإيجاب : قارضتك ، أو ضاربتك ، أو عاملتك على أن الربح بيننا نصفين أو متفاوتا.

والقبول : قبلت ، وشبهه من الألفاظ الدالة على الرضي.

______________________________________________________

قوله : ( فالإيجاب : قارضتك ، أو ضاربتك ، أو عاملتك ).

قال في التذكرة : لا يختص الإيجاب لفظا ، فلو قال : خذه واتجر به على أنّ الربح بيننا متساويا أو متفاوتا جاز (١).

وما ذكره حق ، لأنّ هذا عقد جائز ، فيكفي فيه كلّ لفظ دلّ على المعاملة المطلوبة. نعم لا بدّ من اللفظ ، لأنّ الأفعال لا دلالة لها ، والرضى بالوجه المخصوص المعتبر في المعاملات من الأمور الباطنة التي لا يطّلع عليها إلاّ الله سبحانه وتعالى.

قوله : ( والقبول : قبلت ، وشبهه من الألفاظ الدالّة على الرضى ).

قال في التذكرة : وهل يعتبر اللفظ؟ الأقرب العدم ، فلو قال : خذ هذه الدراهم فاتّجر بها على أنّ الربح بيننا على كذا ، فأخذها واتّجر ، فالأقرب الاكتفاء به في صحة العقد كالوكالة (٢).

وما قرّبه المصنف هو المختار ، لأن العقد الجائز من الطرفين يكفي في قبوله ما دلّ على الرضى بالإيجاب ، والأخذ عقيبه دالّ على ذلك ، وليس هو كالعقد اللازم لأنّ الحكم بلزومه متوقف على حصول السبب المعتبر شرعا ، وهو اللفظ المعين.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٢٩.

٥٣

وهو عقد قابل للشروط الصحيحة مثل أن لا يسافر بالمال ، أو لا يشتري إلاّ من رجل بعينه ، أو قماشا معيّنا وإن عز وجوده كالياقوت الأحمر ، أو لا يبيع إلاّ على رجل معيّن.

ولو شرط ما ينافيه فالوجه بطلان العقد مثل أن يشترط ضمان المال ، أو سهما من الخسران ، أو لزوم المضاربة ، أو ألاّ يبيع إلاّ‌ برأس المال أو أقل ).

______________________________________________________

نعم قال في التذكرة : لا بدّ من القبول على التواصل المعتبر في سائر العقود.

وفيه نظر ، لأنّ ذلك معتبر في العقود اللازمة خاصة دون الجائزة من الطرفين ، وسيأتي التصريح بذلك في الوكالة ان شاء الله تعالى.

واعلم : أنّه يشترط لصحة العقد التنجيز ، فلو علّقه بشرط كدخول الدار ، أو صفة كطلوع الشمس لم يصح ، وبه صرّح في التذكرة (١) ، لانتفاء الجزم المعتبر في العقود.

قوله : ( وهو : عقد قابل للشروط الصحيحة ).

لا مزية لهذا العقد في ذلك ، بل كل عقد قابل لذلك.

قوله : ( وإن عزّ وجوده كالياقوت الأحمر ، أو لا يبيع إلاّ على رجل معين ).

خلافا للشافعي (٢) ومالك (٣) ، ووجه الصحة : عموم الدلائل ، والتضييق غير مانع كالوكالة.

قوله : ( ولو شرط ما ينافيه فالوجه بطلان العقد ، مثل : أن يشترط ضمان المال ، أو سهما من الخسران ، أو لزوم المضاربة ، أو ألاّ يبيع إلاّ‌ برأس المال أو أقل.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٩.

(٢) المجموع ١٤ : ٣٧٩.

(٣) المدونة الكبرى ٥ : ١٢٠.

٥٤

ولو شرط توقيت المضاربة لم يلزم الشرط والعقد صحيح ، لكن ليس للعامل التصرف بعده.

ولو شرط على العامل المضاربة في مال آخر ، أو يأخذ منه بضاعة ، أو قرضا ، أو يخدمه في شي‌ء بعينه فالوجه صحة الشروط.

______________________________________________________

وجه البطلان : أنّ هذه شروط باطلة ، لمنافاتها مقتضى العقد شرعا ، فيبطل العقد بها ، لأن التراضي المعتبر فيه حينئذ لم يقع إلاّ على وجه فاسد ، فيكون باطلا.

ويحتمل ضعيفا صحة العقد وبطلان الشرط ، لأن بطلان أحد المتقارنين لا يقتضي بطلان الآخر.

وجوابه : أنّ التراضي في العقد شرط ، ولم يحصل إلاّ على الوجه الفاسد ، فيكون غير معتبر ، فيفوت شرط الصحة.

قوله : ( ولو شرط توقيت المضاربة لم يلزم الشرط والعقد صحيح ، لكن ليس للعامل التصرّف بعده ).

قد سبق تحقيقه في الشركة وإنّما كان العقد صحيحا مع الشرط المذكور ، لأنه لم يناف مقتضاه ، إذ ليس مقتضاه الإطلاق ، بخلاف عدم الضمان بدون التفريط.

قوله : ( ولو شرط على العامل المضاربة في مال آخر ، أو يأخذ منه بضاعة أو قرضا ، أو يخدمه في شي‌ء بعينه ، فالوجه صحة الشرط ).

وجه الصحة : عموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وقوله عليه‌السلام ( المؤمنون عند شروطهم ) (٢) وليس الشرط محرما ولا منافيا لمقتضى العقد.

وقال الشيخ في المبسوط : إذا دفع إليه ألفا قراضا على أن يدفع إليه ألفا بضاعة بطل الشرط ، لأنّ العامل في المضاربة لا يعمل عملا بغير جعل ولا قسط من‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

٥٥

______________________________________________________

الربح ، وإذا بطل الشرط بطل القراض ، لأنّ قسط العامل يكون مجهولا ، لأنّ المالك إنّما جعل له النصف بشرط أن يعمل له عملا مجانا ، فينتقص من حصة العامل قدر ما يزيد فيه لأجل البضاعة ، وهو مجهول (١).

ثم قال : ولو قلنا القراض صحيح والشرط جائز ـ لكنه لا يلزم الوفاء به ، لأنّ البضاعة لا يلزم القيام بها ـ كان قويا (٢). وجزم ابن البرّاج بفساد القراض والشرط (٣).

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن المصنف (٤) وجماعة (٥) قد صرّحوا بصحة القراض والشرط ، وصرّح في التحرير بأنّه لا يلزمه الوفاء به (٦) ، وهو حق ، فأن العقد جائز من الطرفين ، لكن لم يذكروا حكم ما إذا عمل العامل ولم يف بالشرط وظهر ربح ، والذي يقتضيه النظر أنّ للمالك الفسخ ، لفوات ما جرى عليه التراضي ، فيكون للعامل أجرة المثل وللمالك الربح كله.

وقول المصنف : ( ولو شرط على العامل المضاربة في مال آخر ) المراد به : مضاربة المالك العامل بحيث يدفع اليه المالك مالا آخر للمضاربة ، وكذا قوله : ( أو يأخذ منه بضاعة ) وقوله ( أو يخدمه في شي‌ء بعينه ) ، وعبارة المبسوط صريحة في ذلك (٧) ، الا انه لو شرط ذلك من طرف العامل على المالك فالحكم كما هنا بغير تفاوت ، إلاّ أنّ‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٩٧.

(٢) المبسوط ٣ : ١٩٧.

(٣) المهذب ١ : ٤٦٦.

(٤) المختلف : ٤٨٣.

(٥) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣١٨ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٤٥ ، وولد العلامة فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ٣٢٠.

(٦) تحرير الأحكام ١ : ٢٧٩.

(٧) المبسوط ٣ : ١٩٧.

٥٦

الثاني : المتعاقدان ، ويشترط فيهما : البلوغ ، والعقل ، وجواز التصرف.

ويجوز تعددهما ، واتحادهما ، وتعدد أحدهما خاصة ، وأن يكون الدافع رب المال أو من أذن له ،

______________________________________________________

الفسخ هنا بعد العمل ـ إذا لم يحصل الوفاء بالشرط ـ يكون للعامل ، لأنّه إنّما رضي بالحصة القليلة مع هذا الشرط.

قوله : ( الثاني : المتعاقدان ، ويشترط فيهما : البلوغ ، والعقل ، وجواز التصرف ).

احترز به عن السفيه والمفلس والعبد.

قوله : ( ويجوز تعدّدهما ، واتحادهما ، وتعدّد أحدهما خاصة ).

المراد : تعدّد المالك والعامل ، ف ( تعدّد أحدهما ) هو : تعدّد المالك أو العامل.

فإذا تعدّد العامل اشتراط تعيين الحصة لكل منهما ، ولا يجب تفصيلها ، بل يجوز أن يجعل النصف لهما ، فيحكم بالنصف لهما معا بالسوية ، لاقتضاء الإطلاق ذلك ، وأصالة عدم التفصيل ، وبه صرّح في التذكرة (١) ، وان فاوت بينهما صحّ عندنا ، واشترط التعيين قطعا.

وإن تعدّد المالك ، فإن استويا في الحصة للعامل ، صحّ ولم يشترط قدر ما لكلّ منهما. وإن تفاوتا ، وجب تعيين الحصة من كلّ منهما ، ومعرفة قدر ما لكلّ واحد منهما ، للجهالة بدونه.

قوله : ( وأن يكون الدافع ربّ المال أو من أذن له ).

لأنّ غيرهما ممنوع من التصرف ، وهذا العقد قابل للاستنابة ، فجاز التوكيل فيه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٠.

٥٧

فلو ضارب العامل غيره بإذن المالك ( أو وكيله خ ) صح وكان الأول وكيلا ، فإن شرط لنفسه شيئا من الربح لم يجز ، لأنه لا مال له ولا عمل.

وإن ضارب بغير إذنه بطل الثاني ، فإن لم يربح ولا تلف منه شي‌ء ردّه على المالك ولا شي‌ء له ولا عليه.

وإن تلف في يده طالب المالك من شاء منهما ، فإن طالب الأول رجع على الثاني مع علمه ، لاستقرار‌ التلف في يده ،

______________________________________________________

قوله : ( فلو ضارب العامل غيره بإذن المالك صحّ وكان وكيلا ، فان شرط لنفسه شيئا من الربح لم يصح ، لأنّه لا مال له ولا عمل ).

إن قيل : مضاربة آخر بأقل من الحصة المشروطة له عمل ، فيستحق الزائد.

قلنا : ليس هو من اعمال المضاربة ، لأنّ أعمالها التجارة بالمال لا المعاملة عليه.

قوله : ( وإن ضارب بغير إذنه بطل الثاني ).

لم أجد التصريح بكون العقد هنا فضوليا يقف على الإجازة فيصحّ معها ، إلاّ أنّه متجه ، لأنّ العقد اللازم إذا لم يقع باطلا لكونه فضوليا ، فالجائز أولى.

قوله : ( فإن لم يربح ولا تلف منه شي‌ء ، ردّه على المالك ولا شي‌ء له ولا عليه ).

كما يجب الردّ على العامل الثاني ، كذا يجب على العامل الأول ، لعدوانه بالتسليم ، ولأنّ ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) (١) والمالك بالخيار في مطالبة كل منهما بالرد.

قوله : ( وان تلف في يده ، طالب المالك من شاء منهما ، فان طالب الأول رجع على الثاني مع علمه ، لاستقرار‌ التلف في يده ).

__________________

(١) سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مستدرك الحاكم النيسابوري ٢ : ٤٧.

٥٨

وكذا مع عدم علمه على إشكال ينشأ من الغرور.

وإن طالب الثاني رجع على الأول مع جهله على اشكال لا مع علمه

______________________________________________________

وكونه غاصبا ، حيث إنّه استقل بإثبات اليد على مال الغير عدوانا مع علمه بالحال.

قوله : ( وكذا مع عدم علمه على اشكال ، ينشأ من الغرور ).

أي : وكذا يرجع الأول على الثاني مع عدم علمه بالحال على إشكال ، ينشأ : من استقرار التلف في يده ، ومن أنّه مغرور ، حيث دخل على أنّه غير ضامن بالتلف ، بناء على أنّ المال للعامل الأول ، فيكون قرار الضمان عليه ، لأنه غارّ ، وقد دخل معه على عدم الضمان بالتلف ، وهو الأصح ، والاشكال ضعيف جدا.

وقد سبق في الغصب جزم المصنف بأنّ من ترتّبت يده على يد الغاصب ، ولم يكن في الصورة يد ضمان كالمرتهن ، يكون قرار الضمان مع التلف على الأول ، وهو الغاصب.

لا يقال : العامل الأول ليس بغاصب ولا يده يد عدوان ، وإنّما تعدّى بالتسليم بدون إذن المالك.

لأنّا نقول : الحكم في الموضعين واحد ، وكذا دليلهما ، بل لو ظهر استحقاق مال المضاربة وقد تلف في يد العامل بغير تعدّ ، فقرار الضمان على الدافع ، لأنّه دخل معه على أنّ التلف بغير تفريط يكون منه ، لأن ذلك حكم المضاربة ، فيجب الوفاء به ، ولا ريب أنّ الجاهل بالغصب أولى بعدم استقرار الضمان من المقدم على العدوان.

قوله : ( وإن طالب الثاني رجع على الأول مع جهله على إشكال ).

ينشأ ممّا ذكرناه ، والأصح الرجوع ، لما بيناه.

قوله : ( لا مع علمه ).

لأنه حينئذ غاصب ، وقد استقر التلف في يده ، فيكون قرار الضمان عليه.

٥٩

وان ربح فللمالك خاصة.

وفي رجوع الثاني على الأول بأجرة المثل احتمال. ولو قيل : إن كان الثاني عالما بالحال لم يستحق شيئا ، وإن جهل فله اجرة المثل على الأول كان وجها.

______________________________________________________

قوله : ( وإن ربح فللمالك خاصة ، وفي رجوع الثاني على الأول بأجرة المثل احتمال ).

وجه الاحتمال : أنّه لم يتبرع بالعمل ، لأنّه إنّما عمل في مقابل الحصة ، فحيث لم تسلم له وجبت اجرة المثل ، والعامل الأول هو الذي عامله ، فكان له مطالبته بها.

قوله : ( ولو قيل : إن كان الثاني عالما بالحال لم يستحق شيئا وإن جهل فله اجرة المثل على الأول ، كان وجها ).

سوق العبارة يفهم منه أنّ الاحتمال الذي ذكره سابقا آت على كلّ من تقديري : علمه بالحال وجهله ، حيث أطلق أولا وفصّل ثانيا ، ولا شك في أنّه إذا كان عالما لا يستحق اجرة ، وقد صرّح بذلك في التذكرة (١).

ويمكن أن لا يريد الإطلاق في الأول ، وإن كان ظاهر اللفظ ، بل يكون مراده مجي‌ء الاحتمال في صورة الجهل.

ووجه الاستحقاق ما سبق ، ووجه العدم : أنّ العامل إنّما يستحق الحصة من الربح ، وعلى تقدير عدم حصولها لا يستحق شيئا ، وهذا الربح في حكم المعدوم ، كذا قال الشارح الفاضل (٢).

وفيه نظر : لأنّ ذلك مع عدم حصول ربح أصلا ، لا مع استحقاق شخص آخر له ، على أنّ هذا لو تم لكان حق العبارة أن لا يذكر العالم في قوله : ( ولو قيل ) إلاّ أن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٠.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٠٥.

٦٠