جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

المقصد السابع : في السبق والرمي وفيه بابان.

الأول : في السبق :

مقدمة : السبق بسكون الباء : المصدر ، وبالتحريك : العوض ، وهو الخطر والندب والرهن ، يقال : سبّق بتشديد الباء إذا أخرج السبق وإذا أحرزه :

والسابق هو المتقدم بالعنق والكتد ، وقيل بالاذن

______________________________________________________

قوله : ( مقدمة : السبق بسكون الباء : المصدر ، وبالتحريك : العوض ، وهو الخطر والندب والرهن ).

الخطر والندب محركتان ، وقد يقال الندب للرشق ، وقد يقال للخطر الفرع والوجب.

قوله : ( والسابق هو المتقدم بالعنق والكتد وقيل بالاذن ).

الكتد بفتح التاء وكسرها : هو الكاهل ، وهو العالي ما بين أصل العنق والظهر ، وهو من الخيل مكان السنام من البقر ، وهو مجتمع الكتفين. وفي القاموس : الكتد محركة : مجتمع الكتفين من الإنسان والفرس كالكتد ، أو هما الكاهل ، أو ما بين الكاهل الى الظهر (١).

إذا تقرر ذلك فالقول الأول هو مختار الشيخ (٢) ، وأكثر الأصحاب (٣). وقال ابن الجنيد بالثاني (٤) ، محتجا بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بعثت والساعة كفرسي‌

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٣٤٤ « كتد ».

(٢) المبسوط ٦ : ٢٩٥.

(٣) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٢٣٥ ، وولد العلامة في الإيضاح ٢ : ٣٦٣.

(٤) نقله عنه ولد العلامة في إيضاح الفوائد.

٣٢١

______________________________________________________

رهان كاد أحدهما أن يسبق الآخر باذنه » (١).

وردّ بالحمل على المبالغة ، وأن ذلك خرج مخرج ضرب المثل على حد قوله عليه‌السلام : « من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة » (٢) ، مع امتناع بناء مسجد كذلك ، لأن أحد الفرسين قد يرفع رأسه فيقدّم اذن الآخر عليه مع كون الأول هو السابق ، والعمل على المشهور.

وان كان الرد غير قادح ، لأن المراد : التقدم بسبب العدو.

والأعضاء التي جرى ذكرها في كلام الأكثر لاعتبار السبق بها ثلاثة : الكتد ، والأقدام ، والعنق ، فيحصل السبق بالأقدام ، فأي الفرسين تقدمت يداه عند الغاية فهو السابق ، لأن السبق يحصل بهما والجري عليهما.

وكذا يحصل بالكتد ، فأي الفرسين سبق كتده فهو السابق ، سواء تساويا في الطول والقصر أو اختلفا.

وكذا يحصل بالعنق ، فأي الفرسين سبق عنقه أو بعضه مع تساويهما في الطول والقصر فهو السابق.

وكذا إن اختلفا وسبق القصير ، وإن سبق الطويل بجميع العنق أو بأزيد مما به التفاوت فقد سبق ، وإن كان بأقل فالقصير هو السابق ، لأنه يكون قد سبق بكتده ولا اعتبار بالعنق ، ولو دفع أحد الفرسين عنقه بحيث لم يمكن اعتبار السبق به فالاعتبار بالكتد والاقدام.

وأعلم أن الجمع بين الأمرين ، أعني المتقدّم بالعنق والكتد في كلام المصنف‌

__________________

(١) كنز العمال ١٤ : ١٩٥ حديث ٣٨٣٥٠ و ٥٤٧ حديث ٣٩٥٧١.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٥٢ حديث ٧٠٤.

٣٢٢

وهو المجلّي ، والمصلّي هو الثاني ، لأنه يحاذي رأسه صلوي المجلى.والصلوان : عظمان نابتان عن يمين الذنب وشماله ، والتالي هو الثالث ، والبارع هو الرابع ، والمرتاح الخامس ، والخطي السادس ، والعاطف السابع ، والمؤمل الثامن ، واللطيم التاسع ، والسكيت العاشر ، والفسكل الأخير.

______________________________________________________

نظرا الى أن العنق قد يكون في أحد الفرسين أطول ، وقد ينفرد أحدهما برفع الرأس ، فإذا اعتبر مع تقدّم العنق تقدم الكتد فقد حصل السبق قطعا.

قوله : ( وهو المجلّي ، والمصلّي هو الثاني ، لأنه يحاذي رأسه صلوي المجلّي ، والصلوان عظمان نابتان عن يمين الذنب وشماله ، والتالي هو الثالث ، والبارع هو الرابع ، والمرتاح الخامس ، والخطي السادس ، والعاطف السابع ، والمؤمل الثامن ، واللطيم التاسع ، والسكيت العاشر ، والفسكل الأخير ).

هذه أسماء خيل الحلبة ، وهي بالحاء المهملة وإسكان اللام خيل تجمع للسباق من كل أوب لا تخرج من اسطبل واحد.

فالمجلى : هو السابق كأنه جلي عن نفسه ، أي عبر عنها وأظهرها بسبقه ، أو جلي عن صاحبه وأظهر فروسيته ، أو جلي همه بأنه سبق. والتالي للمصلي هو الثالث ، ويليه البارع ، وسمّي بذلك لأنه برع المتأخر عنه أي فاته ، ثم المرتاح وسمي بذلك لأن الارتياح النشاط ، فكأنه نشط فلحق بالسوابق ، ويليه الخطي ، لانه خطى عند صاحبه حيث لحق بالسوابق ، أي صار ذا حظوة عنده ، أي نصيب أو في مال الرهان ، ثم العاطف ، لأنه عطف إليها أي مال إليها ، أو كر عليها فلحقها ، ثم المؤمل مؤمل سبقه أو كونه إحدى السوابق ، ثم اللطيم كأمير ، ثم السكيت مصغرا ، قال في الجمهرة في باب ما تكلم به العرب مصغرا : والسكيت آخر فرس يجي‌ء في الرهان وهو الفسكل.

٣٢٣

والمحلل : هو الذي يدخل بين المتراهنين إن سبق أخذ ، وإن سبق لم يغرم.

______________________________________________________

وعبارة المصنف هنا ، وصريح كلامه في التذكرة أن الفسكل غير العاشر (١) ، ونقل الشهيد في حاشيته عن نفطويه تصديق ما ذكرته عن الجمهرة ، وذكر أن السكيت إنما سمّي كذلك لانقطاع العدد عنده ، أو لسكوت ربه إذا قيل لمن هذا ، وأنهم كانوا يجعلون في عنقه حبلا ، وربما أركبوه فردا يركّضه.

وذكر في الصحاح والقاموس : أن القاشر والقاشور : الجائي في آخر خيل الحلبة (٢) ، فيكون هو السكيت بناء على أن خيل الحلبة التي لها أسماء عند العرب عشرة كما صرّح به بعض المعتمدين. وذكر في القاموس : أن الفسكل كقنفذ وزبرج وزنبور وبرذون : الفرس الذي يجي‌ء في الحلبة آخر الخيل (٣).

قوله : ( والمحلّل : هو الذي يدخل بين المتراهنين ان سبق أخذ وإن سبق لم يغرم ).

أي الذي يدخل على وجه يتناوله العقد بالشرط المذكور ، وإنما سمّي محللا لتحريم العقد المذكور بدونه إذا أخرج السبق كل من المتسابقين عند ابن الجنيد منّا (٤) والشافعي (٥) ، لأنه قمار.

* * *

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٥٤.

(٢) الصحاح ٢ : ٧٩٢ ، القاموس المحيط ٢ : ١١٧ « قشر ».

(٣) القاموس ٤ : ٢٩ « فسل ».

(٤) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٨٤.

(٥) انظر : المجموع ١٥ : ١٥٠.

٣٢٤

والغاية : مدى السباق.

والمناضلة : المسابقة والمراماة ،

وفي هذا الباب مطلبان :

المطلب الأول : في الشروط ، وهي تسعة :

أ : العقد ، ولا بد فيه من إيجاب وقبول ، وقيل : إنها جعالة يكفي فيها الإيجاب وهو البذل.

ب : ما يسابق عليه : وإنما يصح على ما هو عدة للقتال ، وهو من الحيوان : كل ماله خف أو حافر ويدخل تحت الأول الإبل والفيلة ، وتحت الثاني الفرس والحمار والبغل ، فلا تصح المسابقة بالطيور ، ولا على الاقدام ، ولا بالسفن ، ولا بالمصارعة ، ولا برفع الأحجار.

______________________________________________________

قوله : ( العقد : ولا بد فيه من إيجاب وقبول ، وقيل : إنها جعالة يكفي فيها الإيجاب وهو البذل ).

اختلف الأصحاب في أن المسابقة لازم كالإجارة ، أو جائز كالجعالة ، فقال الشيخ (١) وجماعة بالأول (٢) ، تمسكا بالأصل ، ولوجود بعض خواص الجعالة فيها مثل إبهام العامل وجواز البذل من الأجنبي. وقال ابن إدريس (٣) ، وجماعة بالثاني (٤) ، لعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٥) وعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند‌

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٣٠٠.

(٢) منهم ابن إدريس كما نقله عنه العلامة الحلي في المختلف ٤٨٤.

(٣) السرائر : ٣٧٦.

(٤) منهم ولد العلاّمة في إيضاح الفوائد ٢ : ٣٦٧.

(٥) المائدة : ١.

٣٢٥

وفي تحريم هذه مع الخلو عن العوض نظر.

______________________________________________________

شروطهم » (١).

واعترض المصنف في المختلف بالقول بموجب الآية ، فإن الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه على وجه اللزوم إن كان لازما ، وإلاّ فالجواز ، وبالنقض بنحو الوديعة والعارية لو أريد العموم (٢).

وجوابه : أن الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه من دون القيد الذي ذكره ، فان المفهوم لغة وعرفا من الوفاء بالقول هو العمل بمدلوله. ثم إنه لا معنى لوجوب الوفاء بالعقد على وجه الجواز ، فإن وجوب الوفاء به ينافي الجواز ، والآية مخصوصة بما عدا الجائز ، فإن العام المخصوص حجة في الباقي ، والأصح اللزوم.

والأصل الذي ادعاه الشيخ مدفوع بوجود الناقل وهذا عقد برأسه فلا يمتنع اختصاصه ببعض الخواص ، وقول المصنف يكفي فيه الإيجاب وهو البذل المراد به : بذل العوض من مخرجه كائنا من كان من غير احتياج الى قبول.

قوله : ( وفي تحريم هذه مع الخلو عن العوض نظر ).

ينشأ : من أن الأصل الجواز ، ولأنها قد تراد لغرض صحيح ، ومن أنها ليست مما يقصد للحرب ، ولقوله عليه‌السلام : « لا سبق إلاّ في نصل أو خف أو حافر » (٣) وهو بإسكان الباء يقتضي نفي المشروعية فيما عدا الثلاثة ، وعلى رواية الفتح فلا دلالة فيه إلاّ على تحريم العوض فيما عداها.

وكيف كان فظاهر المذهب التحريم ، إلاّ أن وجهه غير ظاهر ، لأن هذه قد تراد لغرض صحيح ينفع في معالجة العدو ، ولم يثبت في الشرع تحريم شي‌ء من هذه‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٣٢ حديث ٨٣٥.

(٢) المختلف : ٤٨٤.

(٣) قرب الاسناد : ٤٢ ، الكافي ٥ : ٤٨ و ٥٠ حديث ٦ و ١٤.

٣٢٦

ج : تقدير المسافة ابتداء وانتهاء ، فلو شرط للسابق حيث يسبق من غير تعيين غاية لم يجز ، لأن أحدهما قد يكون سريعا في أول عدوه مقصّرا في انتهائه ، وبالعكس.

______________________________________________________

الأفعال ، ولا تعد بنفسها لهوا ولعبا. ومن نظر في أن الإنسان لو أراد أن يعتاد شدة العدو ، ليكون عند لقاء العدو قادرا على النكوص عنه ، والانتقال من جانب الى آخر ذا قدرة على المصابرة في حال المشي والعدو ، متمكنا من الفرار حيث يجوز له لم نجد الى القول بتحريم ذلك سبيلا.

ولا ريب أنه إن انضم الى آخر فتعاديا كان أدخل في مطلوبه ، وليس للضميمة أثر في التحريم. والمشهور عندنا أنه يجوز اتخاذ الحمام للأنس وإنفاذ الكتب ، ويكره للتفرج والتطير. أما الرهان عليها فحرام قطعا ، وهذا قريب مما قلناه.

قوله : ( الثالث : تقدير المسافة ابتداء وانتهاء ، فلو شرط للسابق حيث يسبق من غير تعيين غاية لم يجز ، لأن أحدهما قد يكون سريعا في أول عدوه مقصّرا في انتهائه وبالعكس ).

تنقيح ما ذكره من الدليل : أنه لو لم يقدّر المسافة لأدى ذلك الى التنازع والتجاذب ، فإن الأغراض تختلف بذلك اختلافا ظاهرا ، لأن من الخيل ما يكون سريعا في أول عدوه خاصة فصاحبه يطلب قصر المسافة ، ومنها ما يكون سيره في الابتداء ضعيفا ثم يقوى فصاحبه يطلب طول المسافة ، فلا بد من التنصيص على ما يقطع النزاع.

فإن قيل : هذا لا يدل على تمام المدعى ، بل إنما يدل على وجوب تعيين الغاية.

قلنا : بل يدل لأن طول المسافة وقصرها إنما يتحقق مع تعيين الغاية وأيضا فإنه لولا تعيين المسافة لأمكن ادامة السير على وجه يترتب عليه الضرر ، ويفوت به مطلوب المسابقة. وهذا على القول بجواز العقد ، أما على اللزوم فاشتراط التعيين.

٣٢٧

ولو شرط المال لمن سبق في وسط الميدان فإشكال ، ولو استبقا بغير غاية لينظر أيهما يقف أولا لم يجز.

د : تقدير الخطر ، ويصح أن يكون دينا أو عينا ، حالا ومؤجلا ،

______________________________________________________

ظاهر ، لأنه في معني الإجارة.

قوله : ( ولو شرط المال لمن سبق في وسط الميدان فإشكال ، ولو استبقا بغير غاية لينظر أيهما يقف أولا لم يجز ).

أي : لو شرط المال لمن سبق في وسط الميدان مع قطع النظر عن السبق عند الغاية ، وذلك من غير تعيين للوسط على ما ترشد إليه عبارة التذكرة ، وهي هذه : ولو عيّنا غاية وشرطا أن السبق إن اتفق في وسط الميدان كفى وكان السابق فائزا فالأقرب المنع (١).

لأنّا لو اعتبرنا السبق خلال الميدان لاعتبرنا السبق بلا غاية معيّنة ، فعلى هذا يكون منشأ الاشكال مما ذكر ، ومن أصالة الجواز ، وعموم النصوص المتناولة لذلك.

ويمكن أن يكون المراد مع تعيين الوسط الذي يراد عنده السبق ، ومنشأ الإشكال حينئذ : من انه خلاف المنقول من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولأن ذلك يقتضي خروج الغاية عن كونها غاية ، ومن أصالة الجواز. والأصح العدم ، لأن شرعية ذلك على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النص.

قوله : ( الرابع : تقدير الخطر ، ويصح أن يكون عينا أو دينا ، حالا ومؤجلا ).

لا ريب أن المال غير شرط في عقد المسابقة ، لكن لو شرط وجب تعيينه ، حذرا من تطرق الجهالة المفضية إلى التنازع.

ولا فرق بين كونه عينا أو دينا ، ولا بين كون الدين حالا أو مؤجلا لكن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٥.

٣٢٨

وأن يبذله المتسابقان أو أحدهما أو غيرهما ، ويجوز من بيت المال.

هـ : تعيين ما يسابق عليه بالمشاهدة ، ولا يكفي العقد على فرسين بالوصف ، ومع التعيين لا يجوز إبداله.

______________________________________________________

يشترط تعيين الأجل بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، واشتراط تقدير الخطر على القول بجواز العقد ولزومه من غير تفاوت ، إلاّ أنه يلزم القائلين بالجواز اغتفار الجهالة كالجعالة.

قوله : ( وأن يبذله المتسابقان ، أو أحدهما ، أو غيرهما ، ويجوز من بيت المال ).

أن يبذل المتسابقان المال فلا بحث في الجواز ، وإن بذله أحدهما دون الآخر على أن الباذل إن سبق أحرز ماله وإن سبق أحرزه الآخر صح عندنا وعند الشافعي (١) ، لأن غير المخرج منهما يكون محللا ، خلافا لمالك (٢).

ولو أخرج المال غيرهما : فإن كان المخرج الإمام عليه‌السلام جاز إجماعا ، وإن كان غيره جاز عندنا وعند الشافعي ، خلافا لمالك (٣) ، لأن ذلك قربة ومصلحة للمسلمين ، وكذا يجوز من بيت مال المسلمين ، لأنه من المصالح.

قوله : ( الخامس : تعيين ما يسابق عليه بالمشاهدة ولا يكفي العقد على فرسين بالوصف ومع التعيين لا يجوز إبداله ).

لما كان الغرض الأقصى من المسابقة امتحان الفرسين لتعرف شدة عدو كل منهما والتمرين على ذلك وجب تعيينهما في العقد ، فلا يكفي العقد على فرسين بالوصف ، لما قلناه من تعلق الغرض هنا بالشخص ، وظاهر أنه مع التعيين لا يجوز‌

__________________

(١) المجموع ١٥ : ١٣٣.

(٢) المجموع ١٥ : ١٣٣ ، المغني لابن قدامة ١١ : ١٣١.

(٣) المصدرين السابقين.

٣٢٩

و : تساوي ما به السباق في احتمال السبق ، فلو كان أحدهما ضعيفا يعلم قصوره عن الآخر لم يجز.

ز : تساوي الدابتين في الجنس ، فلا يجوز المسابقة بين الخيل والبغال ، ولا بين الإبل والفيلة ، ولا بين الإبل والخيل.

ولو تساويا جنسا لا صنفا فالأقرب الجواز كالعربي والبرذون والبختي والعرابي.

______________________________________________________

الأبدال وإن قلنا بجواز العقد.

قوله : ( السادس : تساوي ما به السباق في احتمال السبق ... ).

لأن الغرض الاستعلام ، وإنما يتحقق ذلك مع احتمال سبق كل منهما ، لأنه إذا علم سبق واحدة لم يكن للاستعلام معنى.

والمراد من التساوي في احتمال السبق : ثبوت الاحتمال في حق كل منهما ، فلا يمنع من السباق ، إلاّ إذا قطع بسبق واحدة كما هو صريح عبارة التذكرة (١) ، ومقتضى ذلك أن رجحان احتمال السبق بالنسبة إلى واحدة غير قادح في الجواز ما لم يبلغ حد القطع ، وعبارة الكتاب قد تشعر بخلافه.

قوله : ( ولو تساويا جنسا لا صنفا فالأقرب الجواز كالعربي والبرذون والبختي والعرابي ).

وجه القرب حصول الشرط وهو احتمال سبق كل منهما ، لأن الكلام على تقديره ، ولتناول اسم الجنس للصنفين.

ويحتمل العدم ، للبعد بين العربي والبرذون فصارا كالجنسين ، والأصح الأول ، وأعلم أن العربي من الخيل ، خلاف البرذون والبختي من الإبل ، خلاف العرابي.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٦.

٣٣٠

ح : إرسال الدابتين دفعة ، فلو أرسل أحدهما قبل الآخر ليعلم هل يدركه الآخر أو لا لم يجز.

ط : جعل العوض للسابق منهما أو منهما ومن المحلل ، ولو جعل لغيرهما لم يجز ، ولا يجوز لو جعله للمسبوق ، ولا جعل القسط والأوفر للمصلي والأدون للسابق ، ويجوز العكس

______________________________________________________

قوله : ( الثامن : إرسال الدابتين دفعة ، فلو أرسل أحدهما قبل الآخر ليعلم هل يدركه الآخر أو لا لم يجز ).

لأن الغرض من العقد استعلام حال الدابتين ، وإنما يعلم بإرسالهما دفعة ، لأن السبق هنا ربما كان مستندا إلى إرسال أحدهما أولا ، وأيضا فإن استعلام ادراك الآخر للأول غير استعلام السبق فلا يجوز العقد عليه.

قوله : ( التاسع : جعل العوض للسابق منهما ، أو منهما ومن المحلل ، ولو جعل لغيرهما لم يجز ، ولا يجوز لو جعله للمسبوق ، ولا جعل القسط الأوفر للمصلّي والأدون للسابق ، ويجوز العكس ).

لمّا كان الغرض الأقصى من شرعية بذل العوض في المسابقة الحث على السبق والتمرن على ذلك وجب أن يكون اشتراطه للسابق من المتسابقين إن لم يكن بينهما محلل ، أو منهما ومن المحلل إذا كان بينهما ، فلو جعل لغيرهما لم يجز ، لأنه مفوت للغرض.

وكذا لو جعل للمسبوق ، لأن كلا منهما يحرص على كونه مسبوقا لتحصيل العوض فيفوت الغرض ، ومن ثم لم يجز جعل القسط الأوفر للمصلّي والأدون للسابق.

أما العكس ، وهو أن يجعل الأوفر للسابق والأدون للآخر فإنه جائز ، وذكر المصنف في التذكرة تفصيلا حاصله : أن المال إن كان من ثالث لم يجز ذلك ، لأن المسبوق إذا كان يتحصل على شي‌ء كان مظنة التكاسل فيفوت مقصود العقد ، أما إذا‌

٣٣١

وهل يجوز جعله للمصلي لو كانوا ثلاثة؟ نظر ، وكذا الإشكال في جعل قسط للفسكل.

ولو جعلا العوض للمحلل خاصة جاز ، وكذا لو قالا : من سبق منّا‌ فله السبق ،

______________________________________________________

كان منهما فلا مانع ، لأنه في الحقيقة راجع الى جعل التفاوت بين القسطين هو الخطر (١).

وهذا التفصيل لا بأس به ، لكن سيأتي أنهم إذا كانوا ثلاثة جاز ان يجعل الأدون للمصلّي ، وهو بظاهره مناف لهذا ، إلاّ أن يقال : للمصلّي في هذه الصورة سبق في الجملة بالنسبة الى الثالث فلا يمتنع اشتراط شي‌ء قليل له ، بخلاف ما هنا.

قوله : ( وهل يجوز جعله للمصلّي لو كانوا ثلاثة؟ نظر ، وكذا الإشكال في جعل قسط للفسكل ).

منشأ النظر : من أن المصلى سابق بالنسبة الى الثالث فهو سابق في الجملة ، فإذا جعل العوض له كان ذلك باعثا لكل منهم على عدم التأخر. وليس بشي‌ء ، لأن الغرض من شرعية هذا العقد السبق ، وهذا الاشتراط يقتضي التحريض على عدمه.

ومنشأ الإشكال : أصالة الجواز ، واشتراط الأكثر للسابق كاف في التحريض على سبق كل منهم فيحصل به مقصود العقد. ومن أن المسبوق إذا علم أنه يحصل على شي‌ء قل جدّه ونشاطه في الحرص على كونه سابقا ، ومال الى عدم اجهاد نفسه وفرسه فيفوت الغرض ، والأصح عدم الجواز. وأعلم أن المصنف حكى في المختلف قولا بجواز جعل العوض بحزب (٢) السابق وقواه (٣) ، وهو محتمل.

قوله : ( ولو جعلا العوض للمحلل خاصة جاز ، وكذا لو قالا : من‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ٢ : ٣٥٧.

(٢) هكذا ورد رسم الكلمة في الخطبتين والحجرية ، ولا وجود لها في المختلف ، بل الموجود الكتد والهادي.

(٣) المختلف : ٤٨٤.

٣٣٢

ولا يشترط المحلل ، والأقرب عدم اشتراط التساوي في الموقف.

______________________________________________________

سبق فله السبق ).

المراد : جعله للمحلل على تقدير سبقه ، ولا شبهة في جوازه ، وفي معناه قولهما : ( من سبق منّا فله السبق ) بالفتح.

قوله : ( ولا يشترط المحلل ).

خلافا لابن الجنيد (١) منّا ، وللشافعي (٢) ، حيث شرطاه إذا كان العوض منهما ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس ، ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو يأمن أن يسبق فإنّ ذلك هو القمار » (٣).

وجه الاحتجاج به : أنه إذا علم أن الثالث لا يسبق فهو قمار ، فمع عدمه أولى ، ولأنه بدونه شبيه بالقمار. ويضعّف بمنع الأولوية ، فإن القطع بعدم سبق من تضمنه عقد السباق مناف للصحة مطلقا ، لمنافاته لمقصود المسابقة واستثناء الشارع جواز هذا العقد أخرجه عن كونه قمارا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه يشترط في المحلل ما يشترط في غيره ، من مكافأة دابته لدابتي المتسابقين ، وتعيين فرسه في العقد كما في المستبقين.

قوله : ( والأقرب عدم اشتراط التساوي في الموقف ).

وجه القرب التمسك بالأصل ، لعدم الدليل الدال على الاشتراط فإن الأخبار مطلقة. ويحتمل العدم ، لانتفاء معرفة جودة عدو الفرس وفروسية الفارس مع عدم التساوي ، لأن عدم السبق قد يكون مستندا اليه فيخل بمقصود العقد ، وما أشبه هذه بمسألة إرسال احدى الدابتين قبل الأخرى ، والذي يقتضيه النظر اشتراط التساوي في الموقف.

__________________

(١) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٨٤.

(٢) المجموع ١٥ : ١٣١.

(٣) سنن ابي داود ٣ : ٣٠ حديث ٢٥٧٩ ، جامع الأصول ٥ : ٣٩ حديث ٣٠٣٦.

٣٣٣

المطلب الثاني : في الأحكام : عقد المسابقة والرماية لازم كالإجارة ، وقيل جائز كالجعالة ، وهو الأقرب ، فلكل منهما فسخه قبل الشروع.

ويبطل بموت الرامي والفرس ، ولو مات الفارس فللوارث الإتمام على إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( المطلب الثاني : في الأحكام : عقد المسابقة والرماية لازم كالإجارة ، وقيل : جائز كالجعالة ، وهو الأقرب ، فلكل منهما فسخه قبل الشروع ).

قد سبق ان الأصح اللزوم ، وقوله : ( فلكل منهما فسخه قبل الشروع ) تفريع على القول بالجواز.

لا يقال : إذا كان العقد جائزا لم يتفاوت جواز الفسخ قبل الشروع وبعده.

لأنّا نقول : حكم ما بعد الشروع وظهور الفضل مخالف لما قبله ، لأنه جهة العقد ، بل بسبب آخر كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى.

قوله : ( ويبطل بموت الرامي والفرس ).

قطعا ، لأن الرامي بخصوصه مقصود في عقد الرمي ، كالفرس في عقد المسابقة.

قوله : ( ولو مات الفارس فللوارث الإتمام على اشكال ).

ينشأ : من أن الفارس غير مقصود في المسابقة ، إنما المقصود امتحان الفرس ، وحقوق الميت تنتقل الى الوارث ، والإتمام حق له ، ومن أن العقد لم يتناول من عدا الميت ، وامتحان الفرس وإن كان هو المقصود ، إلاّ أن الفارس مقصود تبعا ، والأصح العدم.

فإن قيل : أي وجه للإشكال على القول بجواز العقد ، فان المتبادر من كون الوارث له الإتمام أنه حق له ، ومع الجواز فلا حق لأحد المتعاقدين في العقد على الأخر.

٣٣٤

ولو أراد أحدهما الزيادة أو النقصان لم تجب إجابته وإن كان بعد الشروع وظهور الفضل ، مثل أن يسبق بفرسه في بعض المسافة ، أو يصيب بسهام أكثر فللفاضل الفسخ لا المفضول على اشكال.

______________________________________________________

قلنا : المراد أن له الإتمام بذلك العقد من غير احتياج الى عقد جديد أعم من أن يكون ذلك على وجه اللزوم أو الجواز.

قوله : ( ولو أراد أحدهما الزيادة أو النقصان لم تجب اجابته ).

سواء قلنا بجواز العقد أم بلزومه ، أما إذا قلنا باللزوم فظاهر ، لوجوب الوفاء به ، فإن أرادا ذلك فسخا العقد ثم عقدا غيره.

وأما على الجواز فلأن الزيادة والنقصان في العمل أو المال منوط برضى الآخر ، بل أصل العمل منوط به.

قوله : ( وإن كان بعد الشروع وظهور الفضل ، مثل أن يسبق بفرسه في بعض المسافة ، أو يصيب بسهام أكثر فللفاضل الفسخ لا المفضول على إشكال ).

أي : وإن كان الفسخ ـ بناء على جواز العقد ـ بعد الشروع : فإن لم يظهر لأحدهما على الآخر فضل فكما لو فسخ قبل الشروع ، وإن ظهر لأحدهما فضل على الآخر وحصلت علامات السبق فللفاضل الفسخ ، لأنه يترك بعض حقه.

وأما المفضول ففي جواز فسخه إشكال ينشأ : من أنه لو جاز لأدى إلى سد باب المسابقة ، فإنه متى أحس أحد المتسابقين بغلبة صاحبه له عدل الى الفسخ. ومن أن الغرض جواز العقد ، وقضية الجواز التسلط على الفسخ في كل وقت. ويضعّف بان هذا مقتضى العقد ، واللزوم هنا حصل لعارض فلا منافاة ، والأصح عدم اللزوم ، وهو مقرب التذكرة (١).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٦.

٣٣٥

وعلى القول باللزوم يجب البدأة بالعمل لا بتسليم السبق ، ويجوز ضمانه والرهن به ،

______________________________________________________

وأعلم أن المصنف ذكر في التذكرة تفريعا على لزوم العقد : أن الفاضل يجوز له ترك العمل إذا لم يحتمل الحال ان يدركه الآخر ويسبقه ، معللا بأنه يترك حق نفسه. ويشكل بان لزوم العقد يقتضي وجوب إتمام العمل ، وليس الإتمام نفس حقه وإنما هو مستلزم له.

قوله : ( وعلى القول باللزوم يجب البدأة بالعمل لا بتسليم السبق ).

الظاهر أنه لا خلاف في ذلك ، وهذا بخلاف الإجارة ، فإن الأجر يسلم إلى المؤجر بالعقد ، والفرق أن الأمر في المسابقة مبني على الخطر والاحتمال فيقيّد بالعمل.

قوله : ( ويجوز ضمانه والرهن به ).

لا يخفى أن ضمان السبق على القول بجواز عقد السبق كضمان مال الجعالة قبل العمل ، وكذا الرهن به ، فمتى لم نجوزهما في الجعالة لم نجوزهما هنا. وأما على اللزوم فإنه يجوز كل منهما.

وقد صرح المصنف هنا بجواز الضمان والرهن ، والظاهر أنه يريد بذلك البناء على اللزوم ، لأنه في سياقه ، وبه صرح في التذكرة (١) ، ووجه الجواز ثبوت العوض بالعقد اللازم.

وحكى المصنف في التذكرة عن بعض الفقهاء اشكالا حاصله : أن وجوب البداية بالعمل لا بتسليم العوض يدل على أن المال لا يستحق إلاّ بالعمل ، وحينئذ فيكون ضمانه ضمان ما لم يجب ، وإنما جرى سبب وجوبه. قال : وضمان هذا أبعد من ضمان نفقة العبد ، فان الظاهر استمرار النكاح والطاعة ، وسبق من شرط له السبق أمر ضعيف ، ويؤيده أن السبق ليس امرا مستندا الى اختيار المتسابقين.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٦.

٣٣٦

فإن فسدت المعاملة بكون العوض ظهر خمرا رجع إلى أجر مثله في جميع ركضه لا في قدر السبق ، وقيل : يسقط المسمى لا إلى بدل.

ولو فسد لاستحقاق العوض وجب على الباذل مثله أو قيمته ، ويحتمل اجرة المثل ،

______________________________________________________

وقد يتفق سبب أحدهما وقد لا يتفق فلا يكون العوض معلوم الثبوت ، لعدم ثبوت ما هو مجعول في مقابله فكيف يصح ضمانه بخلاف الأجرة التي هي في مقابل المنفعة الموجودة تبعا للعين ومن ثمّ تعد مالا؟ وهذا الإشكال واضح متين.

قوله : ( فان فسدت المعاملة بكون العوض ظهر خمرا رجع الى أجر مثله في جميع ركضه لا في قدر السبق. وقيل يسقط المسمى لا الى بدل. ولو فسد لاستحقاق العوض وجب على الباذل مثله أو قيمته ، ويحتمل اجرة المثل ).

إذا فسدت المعاملة بعد المسابقة من جهة العوض فللفساد طريقان : أحدهما أن يظهر كون العوض المعقود عليه مما لا يملك في شرع الإسلام ، كما لو ظهر خمرا ففي استحقاق السابق على الباذل شيئا قولان : أحدهما : لا يستحق شيئا ـ اختاره الشيخ نجم الدين بن سعيد ـ (١) لأنه لم يعمل شيئا وفائدة عمله راجعة إليه ، بخلاف ما إذا عمل في الإجارة أو الجعالة الفاسدتين فإنه يرجع الى أجرة مثل عمله ، لأن فائدة العمل للمستأجر والجاعل.

وأصحهما ـ واختاره المصنف هنا ، وفي التذكرة (٢) ـ وجوب اجرة المثل ، لأن كل عقد استحق المسمى في صحيحة فإذا وجد المعقود عليه في الفاسد وجب عوض المثل ، والعمل في القراض قد لا ينتفع به المالك ومع ذلك يكون مضمونا ، فيرجع الى‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ٢٤٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٥٧.

٣٣٧

وليس لأحدهما أن يجنب الى فرسه فرسا يحرضه على العدو ، ولا‌ يصيح به في وقت سباقه.

______________________________________________________

اجرة المثل بجميع ركضه لا الى القدر الذي سبق به لترتبه على جميع ركضه.

الثاني : أن يكون سبب الفساد استحقاق العوض ، ومقتضى عبارة المصنف أن القول بسقوط المسمّى لا الى بدل غير آت هنا ، وهو ظاهر عبارة الشرائع (١) ، ويلوح من عبارة التذكرة عدم الفرق ، وهو الصواب ، فان الدليل في الموضعين واحد وكذا الفتوى.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه مع ظهور العوض مستحقا هل يجب مثله إن كان مثليا وإلاّ فقيمته ، نظرا إلى أنهما أقرب شي‌ء الى ما وقع التراضي عليه كالصداق إذا ظهر فساده عند بعضهم؟ أم تجب اجرة المثل ، لأن العوض المسمّى إذا فات وجب قيمة العوض الآخر وهي أجرة مثله كما في سائر المعاوضات؟ وجهان أصحهما الثاني؟

وكيف تجب قيمة ما حكم ببطلان كونه عوضا؟ ثم كيف اعتبار اجرة المثل؟ ذكر فيه وجهان :

أحدهما : أن ينظر الى الزمان الذي وقعت المسابقة فيه ، وأنه كم قدره فيعطى اجرة المثل ، بناء على أن الحر إذا غصب على نفسه استحق اجرة مثل تلك المدة.

والثاني : أنه يجب ما تجري المسابقة بمثله في مثل تلك المسافة في عرف الناس غالبا ، قال في التذكرة : وهذا وان كان أقرب لكن يشكل بانتفاء العرف فيه بين الناس (٢). وما ذكره صحيح ، لكن انتفاء العرف لا يوجب العدول الى الطرف الآخر الضعيف ، فإن أمكن الوقوف عليه وإلاّ اصطلحا.

قوله : ( وليس لأحدهما أن يجنب الى فرسه فرسا يحرضه على العدو ، ولا‌ يصيح به في وقت سباقه ).

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ٢٤٠.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٥٧.

٣٣٨

ولو قال : آخر من سبق فله عشرة فأيهم سبق استحقها ، ولو جاؤوا جميعا فلا شي‌ء لأحدهم ، ولو سبق اثنان أو أربعة تساووا ، ويحتمل أن يكون لكل واحد عشرة.

______________________________________________________

في الحديث : « لا جلب ولا جنب » (١) فالجلب : هو ان يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ويصيح حثا له على الجري. والجنب بالتحريك : ان يجنب فرسا الى فرسه الذي يسابق عليه ، فإذا فتر المركوب تحول الى المجنوب فمنهي عنهما ، ذكره ابن الأثير في النهاية (٢) وغيره (٣).

قوله : ( ولو قال : آخر من سبق فله عشرة ، فأيهم سبق استحقها ، ولو جاؤوا جميعا فلا شي‌ء لأحدهم ، ولو سبق اثنان أو أربعة تساووا ، ويحتمل أن يكون لكل واحد عشرة ).

أي : لو قال آخر غير المتسابقين : من سبق فله عشرة ، فإن سبق واحد فلا بحث في استحقاقه إياها ، وإن جاؤوا جميعا فليس فيهم سابق فلا شي‌ء لهم. ولو سبق ما فوق واحد ففي قدر الاستحقاق وجهان :

أحدهما : ـ واختاره الشيخ (٤) والمصنف ـ توزيع العشرة على السابقين ، لأن من يحتمل ارادة كل فرد فرد من المتسابقين ، ومجموع من سبق أعم من أن يكون واحدا أو متعددا ، ومع الاحتمال فالأصل براءة الذمة من وجوب ما زاد على عشرة فيقتسمها السابقون.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٦١ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٥٥ حديث ١٤٤٥ ، سنن النسائي ٦ : ١١١ ، الجامع الصغير ٢ : ٧٤٦ حديث ٩٨٧٤.

(٢) النهاية ١ : ٣٠٣.

(٣) الصحاح ١ : ١٠٣ « جنب ».

(٤) المبسوط ٦ : ٢٩٤.

٣٣٩

ولو قال : من سبق فله عشرة ، ومن صلى فله خمسة ، فسبق خمسة وصلى خمسة فللخمسة عشرة أو لكل واحد على الاحتمال ،

______________________________________________________

والثاني : استحقاق كل واحد منهم عشرة ، لأن من للعموم فهي بمعنى كل فرد فرد ، ولأن الحكم في جميع القضايا الكلية إنما هو على كل فرد فرد ، ولأن من مفرد ولهذا يعود إليها الضمير مفردا فهي بمعنى أي ، ولأن العوض في مقابل السبق وقد وقع من كل واحد منهم فيستحق كل منهم كمال العوض. وقد صرّح المصنف في كتاب الجعالة بأنه لو قال قائل : من دخل داري فله دينار ، فدخلها جماعة استحق كل منهم دينارا ، لأن كل واحد منهم قد صدر منه دخول كامل (١) ، وهذا أقوى.

لا يقال : فعلى هذا لا يكون العوض معلوما حال العقد ، إذ لا يعرف قدر السابقين حينئذ ، فيلزم عدم صحته على القول باللزوم.

لأنا نقول : هذا القدر غير قادح ، وإلاّ لم يصح : من سبق فله كذا ، ومن صلى فله كذا على قول الشيخ أيضا ، لإمكان انتفاء المصلي (٢).

فإن قيل : السبق هنا لكل منهم أمر إضافي ، لأنه إنما يتحقق بالنسبة إلى المتخلف خاصة ، فلا يكون تمام السبق إلاّ لمجموع السابقين.

قلنا : لما كان البذل لمن ثبت له السبق وجب استحقاق كل منهم العوض ، لثبوت ذلك المعنى له ، وإلاّ لوجب أن لا يستحق شيئا.

قوله : ( ولو قال : من سبق فله عشرة ، ومن صلى فله خمسة فسبق خمسة وصلى خمسة فللخمسة عشرة أو لكل واحد على الاحتمال ).

أي : فللخمسة السابقين عشرة على ما اختاره سابقا ، وعلى الاحتمال الذي ذكره يكون لكل واحد عشرة وهو الأقوى.

__________________

(١) قواعد الأحكام : ٢٠١.

(٢) المبسوط ٦ : ٢٩٢.

٣٤٠