الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨
وتبطل الوكالة بفعل الموكل متعلق الوكالة وما ينافيها ، مثل أن يوكله في طلاق زوجته ثم يطأها ، فإنه يدل عرفا على الرغبة واختيار الإمساك ، وكذا لو فعل ما يحرم على غير الزوج ، بخلاف التوكيل في بيع سريته.
______________________________________________________
قوله : ( وتبطل الوكالة بفعل الموكل متعلق الوكالة وما ينافيها ، مثل أن يوكله في طلاق زوجته ثم يطأها ، فإنه يدل عرفا على الرغبة واختيار الإمساك ، وكذا لو فعل ما يحرم على غير الزوج ، بخلاف التوكيل في بيع سريته ).
أما بطلان الوكالة بفعل الموكل متعلقها ، كما لو وكله في بيع العبد ثم باعه فلامتناع تحصيل الحاصل. ومثله في الحكم فعل الموكل ما ينافي الوكالة ، كما لو أعتق العبد في المثال فإنه بالإعتاق يخرج عن ملكه ويمتنع تصرفه فيه بالبيع فكذا تصرف وكيله.
أما لو وكله في طلاق زوجته ثم وطأها ففي كون ذلك منافيا للوكالة فتبطل به تردد ينشأ : من دلالة الوطء على الرغبة فيها ، واختيار إمساكها. ولأنه لو وطأها بعد الطلاق الرجعي لكان رجعة ، فلأن يقتضي رفع وكالة الطلاق أولى ، لأنها أضعف من الطلاق.
ومن أن الوكالة قد ثبتت ، ومنافاة الوطء لها غير معلومة ، ودعوى الأولوية ممنوعة. والفرق قائم ، فإن الطلاق سبب قطع علاقة النكاح فينافيه الوطء الذي هو من توابعه ، بخلاف الوكالة ، وأبعد منه فعل ما يحرم على غير الزوج.
والفرق الذي ادعاه بين الزوجة والسرية غير ظاهر ، فإن الوطء إن نافى الوكالة في الطلاق من حيث الدلالة على الرغبة نافى الوكالة في البيع. واعلم أن المصنف في التذكرة احتمل بطلان الوكالة في الطلاق بالوطء ، واستشكل الحكم في
ولو وكله في بيع عبد ثم أعتقه عتقا صحيحا ، أو باعه كذلك بطلت الوكالة ، ولا تبطل مع فساد بيعه وعتقه مع علمه ، ومع جهله إشكال.
والأقرب في التدبير الإبطال.
ولو بلغ الوكيل الوكالة فردها بطلت ، وافتقر الى تجديد عقد ، وله
______________________________________________________
غير الوطء ولم يفت بشيء (١) ، وللتوقف مجال.
قوله : ( ولو وكله في بيع عبده ثم أعتقه عتقا صحيحا ، أو باعه كذلك بطلت الوكالة ، ولا تبطل مع فساد بيعه وعتقه مع علمه ، ومع جهله إشكال ).
قد سبق ذكر هذه المسألة ، وإنما أعادها ليبني عليها قوله.
أما وجه الأول فلأنه مع العلم لم يحصل ما يقتضي العزل ، لأن فاسد البيع والعتق لا يقتضي الخروج عن الملك ، ولا يدل على ارادة العزل به بشيء من الدلالات.
وأما الإشكال فمنشؤه من بقاء الملك وسلطنة التصرف والشك في سبب العزل ، ومن أن العقد الصحيح سبب في العزل وقد قصده وحاول إيجاده.
وفيه نظر ، لأن العقد الصحيح سبب في العزل ، من حيث ترتب الخروج عن الملك عليه ، وذلك مفقود مع ظهور فساده. نعم إن قصد بالمأتي به العزل فليس ببعيد الانعزال به ، وإلاّ فلا.
قوله : ( والأقرب في التدبير الابطال ).
وجه القرب : أنه يقتضي بقاء الملك إلى حين الوفاة ثم زواله بالعتق ، فهو مناف للوكالة في بيعه أو عتقه قبلها ، وقد علم أن فعل ما ينافيها موجب للعزل. ويحتمل ضعيفا العدم ، لبقاء الملك وسلطنة التصرف ، والتدبير غير لازم ، وليس بشيء.
قوله : ( ولو بلّغ الوكيل الوكالة فردها بطلت وافتقر فيها إلى تجديد
__________________
(١) التذكرة ٢ : ١٣٤.
أن يتصرف بالاذن مع جهل الموكل ، ومع علمه إشكال.
وجحد الوكيل الوكالة مع العلم بها رد لها على اشكال ، لا مع الجهل أو غرض الإخفاء.
______________________________________________________
عقد ، وله أن يتصرف بالإذن مع جهل الموكل ).
لبقاء الإذن فإن الوكيل لا يملك إبطاله ، إذ هو استنابة من الموكل في تصرف يتعلق به ، كما لو أذن له في أكل طعام فرد الاذن ثم أراد الأكل فإنه لا يمنع لبقاء حكم الإذن.
فإن قلت : فأي معنى لبطلان الوكالة حينئذ؟
قلت : قد قيل : إن أثره يظهر في سقوط الجعل ، وهو محتمل.
قوله : ( ومع علمه إشكال ).
أي : مع علم الموكل برد الوكيل الوكالة ، ومنشأ الإشكال : من الشك في بقاء الاذن ، لاحتمال اكتفاء الموكل في عزل الوكيل بعزل نفسه ، بل سكوته يشعر برضاه به.
ومن أن الأصل بقاء الاذن حتى يحصل المزيل ، ومع الشك فالاستصحاب يقتضي البقاء. والمتجه أنه إن وجد قرينة تدل على الرضى بالرد وعدمه عوّل عليها ، وإلاّ فالأحوط عدم التصرف.
قوله : ( وجحد الوكيل الوكالة مع العلم بها ردّ لها على اشكال ، لا مع الجهل أو غرض الإخفاء ).
منشأ الإشكال : من أن الرد والجحود متنافيان ، لأن الرد يستدعي الاعتراف بصدورها والجحود إنكار لها ، وأحد المتنافيين لا يستلزم الآخر.
ومن أن الأصل في جحود المسلم الصدق ، وهو يستدعي حصول الرد.
ويقوي الأول أن سبب التوكيل قد تحقق ، لأنه المفروض ، وسبب العزل غير
وصورة العزل أن يقول : فسخت الوكالة ، أو نقضتها ، أو أبطلتها ، أو عزلتك ، أو صرفتك عنها ، أو أزلتك عنها ، أو ينهاه عن فعل ما أمره به ، وفي كون إنكار الموكل الوكالة فسخا نظر.
______________________________________________________
متحقق ، والجحود بنفسه لا يكون عزلا ، لأن العزل إنشاء ، وهذا خبر ولا مستلزما له ، لأن كونه صدقا لا يتوقف على الرد لاحتمال إرادة معني آخر ، ومجرد تطرق الاحتمال مع الشك في حصول سبب العزل كاف في التمسك بعدمه.
على أن كونه صدقا غير مقطوع به ، وإنما الأصل يقتضي حمل إخبارات المسلم على الصدق ، فإذا دل الدليل على كونه كذبا للعلم بعدم مطابقتها الواقع لم يجب أن يحكم بوجود سبب آخر شرعي لم يدل دليل على وجوده ليكون مخرجا عن الكذب ، والأصح أنه لا يكون ردا.
قوله : ( وصورة العزل أن يقول الموكل : فسخت الوكالة ، أو نقضتها ، أو أبطلتها ، أو عزلتك ، أو صرفتك ، أو أزلتك عنها ، أو نهاه عن فعل ما أمره به ).
أي : وصورة العزل بالقول ، لأنه قد يحصل بأمور أخرى تقدمت. وفي نسخة : أو أرسلتك عنها ، والظاهر أنه غلط.
قوله : ( وفي كون إنكار الموكل الوكالة فسخا نظر ).
منشأ النظر هنا يظهر مما سبق في جحود الوكيل ، والأصح عدم كونه فسخا كما في جحد الوكيل.
* * *
الفصل الثالث : في النزاع ، وفيه بحثان :
الأول : فيما تثبت به الوكالة : وهو شيئان : تصديق الموكل ، وشهادة عدلين ذكرين ولا تثبت بتصديق الغريم ، ولا بشهادة النساء ، ولا بشاهد وامرأتين ، ولا بشاهد ويمين.
ولا بد من اتفاقهما ، فلو شهد أحدهما انه وكله يوم الجمعة أو انه
______________________________________________________
قوله : ( الفصل الثالث : في النزاع : وفيه بحثان :
الأول : فيما تثبت به الوكالة : وهو شيئان : تصديق الموكل وشهادة عدلين ذكرين ، ولا تثبت بتصديق الغريم ، ولا بشهادة النساء ، ولا بشاهد وامرأتين ، ولا بشاهد ويمين ).
لا خلاف عندنا في عدم ثبوت الوكالة بما يثبت به المال ، لأن الغرض من الوكالة الولاية على التصرف ، وترتب المال عليها أمر مترتب عليها ، وليس هو المقصود الأصلي بخلاف الوصية بالمال. وقال بعض العامة : إنه يقبل في الوكالة بالمال شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين (١).
فإن قلت : لو ادعى شخص أنه يستحق على آخر كذا جعل وكالة تثبت بشاهد ويمين.
قلت : لا يحضرني الآن به تصريح ، ووجه الثبوت ظاهر إذ لا غرض في الولاية حينئذ ، ولو كان ذلك قبل العمل فضاهر إطلاقهم عدم الثبوت ، وأما الثبوت بتصديق الغريم وعدمه فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
قوله : ( فلو شهد أحدهما أنه وكّله يوم الجمعة ، أو أنه وكّله بلفظ
__________________
(١) انظر المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٥.
وكله بلفظ عربي ، والآخر يوم السبت أو بالعجمية لم تثبت ما لم ينضم إلى شهادة أحدهما ثالث.
ولو شهد أحدهما أنه أقر بالوكالة يوم الجمعة أو بالعربية ، والآخر يوم السبت أو بالعجمية ثبت ، وكذا لو شهد أحدهما بلفظ وكلتك ، والآخر
______________________________________________________
عربي ، والآخر يوم السبت أو بالعجمية لم يثبت ما لم ينضم إلى شهادة أحدهما ثالث ).
وذلك لأن العقد المشهود به متعدد ، فان الواقع يوم الجمعة غير الواقع يوم السبت ، ولم يكمل النصاب بالنسبة إلى كل واحد من العقدين.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن قوله : ( فلو شهد أحدهما ... ) تفريع على ما دل عليه قوله : ( وشهادة عدلين ذكرين ) بعد قوله : ( فيما تثبت به الوكالة ) فإنه يدل على كون ما شهد به العدلان شيئا واحدا ليتحقق تعدد الشهادة بالنسبة إليه ، بخلاف ما لو اختلف المشهود به. وهذا المدلول وإن كان خفيا إلاّ أنه مراد ، وهو صحيح في نفسه فصح التفريع.
قوله : ( ولو شهد أحدهما أنه أقر بالوكالة يوم الجمعة أو بالعربية ، والآخر يوم السبت أو بالعجمية يثبت ).
لاتفاق الشاهدين على حصول التوكيل ، والأصل عدم التعدد في العقد ، فالمقتضي للثبوت موجود ـ وهو شهادة الشاهدين ـ والمانع ـ وهو التعدد ـ مشكوك فيه فيجب التمسك بالمقتضي.
ولا يلزم من تعدد الإقرار تعدد الوكالة ، إذ لا يلزم من تعدد الخبر تعدد المخبر عنه ، فإنه يخبر عن الشيء الواحد بعبارات متعددة وبألفاظ مختلفة.
قوله : ( وكذا لو شهد أحدهما بلفظ : وكلتك ، والآخر : استنبتك ، أو
استنبتك أو جعلتك وكيلا أو جريا ، فإن كانت الشهادة على العقد لم تثبت ، وإن كانت على الإقرار تثبت.
ولو قال أحدهما : أشهد أنه وكله ، وقال الآخر : أشهد أنه أذن له في التصرف تثبت ، لأنهما لم يحكيا لفظ الموكل.
ولو شهد أحدهما أنه وكله في البيع ، والآخر أنه وكله وزيدا ، أو أنه لا يبيعه حتى يستأمر زيدا لم تتم الشهادة.
______________________________________________________
جعلتك وكيلا أو جريا ، فان كانت الشهادة على العقد لم تثبت ، وإن كانت على الإقرار تثبت ).
أي : وكذا الحكم لو شهد أحدهما بلفظ : وكلتك ، والأخر : استنبتك إلى آخره ، فإن الشهادة إن كانت على العقد كان كما لو شهد أحدهما بأنه وكله يوم الجمعة والآخر يوم السبت فلا تثبت لتعدد العقد.
وإن كانت على الإقرار فهي كما لو شهد أحدهما أنه أقر يوم الجمعة والآخر يوم السبت فيثبت. فعلى هذا لا يحكم الحاكم بالثبوت وعدمه إلاّ بعد الاستفصال ، لأن اللفظ محتمل لأن يكون المحكي إنشاء أو اخبارا.
واعلم أن الجري ـ بالراء المهملة كغني ـ : الوكيل للواحد والجمع والمؤنث ، ذكره في القاموس (١) ، وكأنه سمّي بذلك لأنه جرى مجرى الموكل.
قوله : ( ولو قال أحدهما : أشهد أنه وكله ، وقال الآخر : إنه أذن له في التصرف تثبت ).
لأنهما لم يحكيا لفظ الموكل ، فالاختلاف إنما هو في عبارتهما وذلك غير قادح.
قوله : ( ولو شهد أحدهما أنه وكله في البيع ، والآخر أنه وكله وزيدا ، أو أنه لا يبيعه حتى يستأمر زيدا لم تتم الشهادة ).
__________________
(١) القاموس المحيط ٤ : ٣١٢.
ولو شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده ، والآخر أنه وكله في بيع عبده وجاريته تثبت وكالة العبد ، فإن شهد باتحاد الصفقة فإشكال.
وكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه لزيد ، والآخر في بيعه لزيد وان شاء لعمرو.
______________________________________________________
لأن مقتضى الشهادة الأولى استقلاله بالبيع والثانية عدمه ، لأن كونه وكيلا مع آخر يقتضي منع الانفراد بالتصرف ، وذلك يقتضي تعدد العقد المشهود به.
قوله : ( ولو شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده ، والآخر أنه وكله في بيع عبده وجاريته تثبت وكالة العبد ).
لاتفاقهما على وكالة العبد ، وزيادة الثاني لا يقدح ، لعدم استلزام تعدد العقد ، لأن من وكل في بيع عبد وجارية فقد وكل في بيع العبد ، إذ لا يتعين لجواز بيعه بيع الجارية معه كما سبق في مقتضيات التوكيل.
قوله : ( فإن شهد باتحاد الصفقة فإشكال ).
أي : فإن شهد الشاهد بالوكالة في بيع العبد والجارية بأنه وكله في بيعهما صفقة واحدة ففي ثبوت الوكالة في بيع العبد إشكال ينشأ : من اتفاق الشاهدين على الوكالة في بيع العبد.
ومن أن الوكالة في بيع العبد مطلقا مغايرة للوكالة في بيعه منضما إلى الجارية لا غير ، بل منافية لها ، فشهادة كل من الشاهدين على توكيل مغاير للآخر فلا يثبت واحد منهما ، وهو الأصح ، وضعف الاحتمال الأول ظاهر.
ولا فرق بين هذه وبين شهادة شاهد بتوكيله في البيع وآخر بتوكيله وزيدا ، بل الحكم بعدم الثبوت هنا أقوى ، للنص على اتحاد الصفقة هنا ، واستفادة الاجتماع على البيع من ظاهر اللفظ هناك.
قوله : ( وكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه لزيد ، والآخر في بيعه
ولو شهدا بوكالته ثم قال أحدهما : قد عزله لم تثبت الوكالة ولو كان الشاهد بالعزل ثالثا تثبت الوكالة دونه.
وكذا لو شهدا بالوكالة وحكم بها الحاكم ، ثم شهد أحدهما بالعزل تثبت الوكالة دون العزل ،
______________________________________________________
لزيد وإن شاء لعمرو ).
أي : وكذا تثبت الوكالة ، والمشبّه به هو الحكم فيما لو شهد أحدهما انه وكله في بيع عبده ، والآخر أنه وكله في بيع عبده وجاريته.
ووجه الثبوت : كمال النصاب في الوكالة بالبيع لزيد ، والزيادة لا تستلزم التعدد ، وسكوت الآخر عنها أما لهدم سماعه إياها ، أو عروض نسيان ، أو لاقتصاره على الشهادة بأحد متعلقي الوكالة باختياره. واستشكل المصنف الحكم في التذكرة (١) ، و
لا وجه للإشكال.
قوله : ( ولو شهدا بوكالته ثم قال أحدهما : قد عزله لم تثبت الوكالة ).
لرجوع أحد الشاهدين عن الشهادة قبل الحكم ، خلافا لبعض الشافعية (٢).
قوله : ( ولو كان الشاهد بالعزل ثالثا تثبت الوكالة دونه ).
أي : دون العزل : لتمام النصاب بالنسبة إلى الوكالة دون العزل ، بخلاف المسألة السابقة : لأن الشهادة بالعزل لما كانت من أحد شاهدي الوكالة كان رجوعا من أحد الشاهدين فلم يتم النصاب.
قوله : ( وكذا لو شهدا بالوكالة وحكم بها الحاكم ، ثم شهد أحدهما بالعزل ، تثبت الوكالة دون العزل ).
__________________
(١) التذكرة ٢ : ١٤٣.
(٢) انظر المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٥ و ٢٦٧.
والأقرب الضمان ، ولو شهدا معا بالعزل تثبت.
ولا تثبت الوكالة بخبر الواحد ، ولا العزل.
______________________________________________________
لنفوذ الحكم قبل رجوع الشاهد فلا يؤثر فيه رجوعه ، وكذا لو رجع الشاهدان.
قوله : ( والأقرب الضمان ).
وجه القرب : أنه سلّط الغير على التصرف في مال غيره بغير حق بشهادة يعلم بطلانها ، فكان ضامنا لما يترتب عليها من تلف مال الغير أو نقصانه. ويحتمل ضعيفا العدم ، فإنه أخبر بالصدق في كل من الوكالة والعزل ، ولا ضمان على من أخبر بالصدق ، ولا يعد ذلك رجوعا.
وليس بشيء ، لأن شهادته بالوكالة وسكوته عن العزل قبل الحكم يقتضي الاستناد في بقاء التوكيل إلى زمان الحكم إلى شهادته ، وشهادته بالعزل قبل ذلك تقتضي الرجوع عن تلك الشهادة فيضمن ما تلف بشهادته ، وهو الأصح. وسيأتي إن شاء الله تعالى في الشهادات بيان مقدار ما يضمنه الشاهد برجوعه.
قوله : ( ولو شهدا معا بالعزل ثبت ).
أي : لو شهد الشاهدان بالوكالة معا بالعزل لا على طريق الرجوع ثبت العزل أيضا كما ثبتت الوكالة ، لا لتمام النصاب في الموضعين.
قوله : ( ولا تثبت الوكالة بخبر الواحد ولا العزل ).
بإجماعنا وفاقا لأكثر العامة (١) ، وقال أبو حنيفة : تثبت الوكالة بخبر الواحد وإن لم يكن ثقة ، ويجوز التصرف للمخبر بذلك إذا غلب على ظنه صدق المخبر بشرط الضمان إن أنكر الموكل ، ويثبت العزل بخبر الواحد إذا كان رسولا (٢) ، وليس بشيء.
__________________
(١) انظر : المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٧ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٦.
(٢) المصدرين السابقين.
ويصح سماع البينة بالوكالة على الغائب ، وتقبل شهادته على موكله ، ولو فيما لا ولاية له فيه.
ولو شهد المالكان بأن زوج أمتهما وكلّ في طلاقها لم تقبل ، وكذا لو
______________________________________________________
فإن قلت : قد سبق أن الوكيل إذا بلغه العزل من ثقة انعزل ، وهذا يقتضي ثبوت العزل بخبر الواحد.
قلنا : انعزاله في هذه الحالة مشروط بثبوت العزل بعد ذلك ، وفائدة الاخبار حينئذ كون العزل الواقع غير نافذ لولاه ، لجهل الوكيل به لا ثبوت العزل في الواقع به.
قوله : ( ويصح سماع البينة بالوكالة على الغائب ).
ومعناه على ما ذكره في التذكرة : أن يدعي أن فلانا الغائب وكّلني في كذا ، ويقيم البينة على ذلك إجماعا منا (١) ، وبه قال الشافعي (٢) ، لأنه لا يعتبر رضاه في سماع البينة فلا يعتبر حضوره خلافا لأبي حنيفة (٣).
قوله : ( وتقبل شهادته على موكله ، وله فيما لا ولاية له فيه ).
أي : تقبل شهادته عليه مطلقا ، سواء شهد عليه فيما هو وكيل فيه أم لا لانتفاء المحذور.
أما له فإنما تقبل فيما لا ولاية له فيه ، لأنه يثبت لنفسه حقا ، إلاّ أن يعزله قبل الخصومة كما سبق ، خلافا لبعض العامة (٤).
قوله : ( ولو شهد المالكان بأن زوج أمتهما وكلّ في طلاقها لم يقبل ، وكذا لو شهدا بالعزل ).
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٤٣.
(٢) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٧.
(٣) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٧ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٧.
(٤) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٧.
شهدا بالعزل ، ويحكم الحاكم بعلمه فيها.
البحث الثاني : في صور النزاع وهي ست مباحث :
أ : لو اختلفا في أصل الوكالة قدّم قول المنكر مع يمينه وعدم البينة ، سواء كان المدعي هو الوكيل أو الموكل ، فلو ادعى المشتري النيابة وأنكر الموكل قضى على المشتري بالثمن ، سواء اشترى بعين أو في الذمة ،
______________________________________________________
لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا في الصورتين.
أما الأولى فلاقتضاء الشهادة زوال حق الزوج من البضع الذي هو ملكهما ، وأما الثانية فلاقتضائها إبقاء النفقة على الزوج.
قوله : ( ويحكم الحاكم بعلمه فيها ).
أي : في الوكالة ، فإذا علم وكالة شخص لم يحتج في الثبوت إلى إقامة البينة كغيرها من الحقوق.
قوله : ( البحث الثاني : في صور النزاع : وهي ستة مباحث :
الأول : لو اختلفا في أصل الوكالة قدم قول المنكر مع يمينه وعدم البينة ، سواء كان المدعي هو الوكيل أو الموكل ).
المراد باختلافهما في أصل الوكالة : اختلافهما في صدور التوكيل ، وهو مقابل ما سيأتي إن شاء الله تعالى في البحث الثاني من الاختلاف في صفة التوكيل ، وكون الوكيل مدعيا ظاهر كثير.
أمّا كون الموكل مدعيا ففي نحو ما لو كان التوكيل في بيع شيء مشروطا في عقد لازم ، فادعى الموكل حصوله ليخرج من العهدة ويصير العقد لازما وأنكره الوكيل ، ونحو ذلك.
قوله : ( فلو ادعى المشتري النيابة وأنكر الموكل قضي على المشتري بالثمن ، سواء اشترى بعين أو في الذمة ، إلا أن يذكر في العقد
إلاّ أن يذكر في العقد الابتياع له فيبطل.
ولو زوّجه امرأة فأنكر الوكالة ولا بينة حلف المنكر والزم الوكيل المهر ، وقيل : النصف ، وقيل : يبطل العقد ظاهرا ،
______________________________________________________
الابتياع له فيبطل ).
أي : لو ادعى المشتري لشيء أنه وكيل لزيد في ذلك الشراء وأنكر زيد ـ المدعى عليه ـ الوكالة حلف واندفع الشراء عنه ظاهرا ، سواء اشترى بعين من نقد وغيره أو في الذمة.
لكن يستثني من ذلك ما إذا ذكر في العقد الابتياع لزيد فإنه يبطل ظاهرا ، لانتفاء الوكالة بيمينه. ويجب أن يستثني أيضا ما إذا عرف البائع ، أو قامت البينة على أن العين التي وقع الشراء بها ملك لزيد فإنه يبطل هنا أيضا ، وسيأتي في كلام المصنف إن شاء الله تعالى في البحث الثاني في شراء الجارية مثل ذلك.
قوله : ( ولو زوجه امرأة فأنكر الوكالة ولا بينة حلف المنكر والزم الوكيل المهر ، وقيل : النصف ، وقيل : ببطلان العقد ظاهرا ).
الأول قول الشيخ في النهاية (١) ، وابن البراج (٢) ، وحجته أن المهر يجب جميعا بالعقد ، وإنما ينتصف بالطلاق ، وقد فات بتقصير الوكيل بترك الإشهاد فيضمنه كما دلت عليه الرواية (٣).
والثاني قوله في المبسوط (٤) ، وحجته ما رواه عمر بن حنظلة عن الصادق عليهالسلام : في رجل قال لآخر : اخطب لي فلانة ، فما فعلت من شيء مما قاولت من صداق ،
__________________
(١) النهاية : ٣١٩.
(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٣٧.
(٣) التهذيب ٦ : ٢١٣ حديث ٥٠٤.
(٤) المبسوط ٢ : ٣٨٦.
ويجب على الموكل الطلاق أو الدخول مع صدق الوكيل.
نعم لو ضمن الوكيل المهر فالوجه وجوبه أجمع عليه ، ويحتمل
______________________________________________________
أو ضمنت من شيء ، أو شرطت فذلك رضاء لي وهو لازم لي ، ولم يشهد على ذلك ، فذهب فخطب وبذل عنه الصداق وغير ذلك مما طالبوه به وسألوه ، فلما رجع إليه أنكر؟ قال : « يغرم لها نصف الصداق ، وذلك أنه هو الذي ضيّع حقها ، فأما إذا لم يشهد لها عليه بذلك الذي قال : حل لها أن تتزوج ، ولا تحل للأول فيما بينه وبين الله تعالى إلاّ أن يطلّقها ، لأن الله تعالى قال( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (١) ، فإن لم يفعل فهو مأثوم فيما بينه وبين الله تعالى ، وكان الحكم الظاهر ـ حكم الإسلام ـ قد أباح لها أن تتزوج » (٢) ، ولأنه فسخ قبل الدخول فيجب معه نصف المهر.
والثالث نقله المحقق نجم الدين وقواه (٣) ، وكذا المصنف في المختلف ، فإنه قال بعد أن حكاه عن بعض علمائنا : وفيه قوة وهو المختار ، لأنه إذا حلف على نفي الوكالة انتفى النكاح ظاهرا ، ومن ثم ساغ لها أن تتزوج فينتفي المهر أيضا ، فلا وجه لغرم الوكيل لجميعه أو نصفه ، نعم لو كان الوكيل قد ضمنه اتجه ذلك ، والرواية لا تأبى الحمل عليه (٤).
قوله : ( ويجب على الموكل الطلاق ، أو الدخول مع صدق الوكيل ).
لا ريب في وجوب ذلك عليه على تقدير صدق الوكيل ، وقد نطق الكتاب والسنة بذلك.
قوله : ( نعم لو ضمن الوكيل المهر فالوجه وجوبه أجمع عليه ،
__________________
(١) البقرة : ٢٢٩.
(٢) الفقيه ٣ : ٤٩ حديث ١٦٩ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ حديث ٥٠٤.
(٣) شرائع الإسلام ٢ : ٢٠٦.
(٤) المختلف : ٤٣٧.
نصفه. ثم المرأة إن ادعت صدق الوكيل لم يجز أن تتزوج قبل الطلاق ،
______________________________________________________
ويحتمل نصفه ).
هذا استدراك مما دل عليه القول الثالث ـ وهو بطلان العقد ظاهرا ـ فإنه يدل على عدم وجوب شيء من المهر ، لأن وجوب المهر أو بعضه فرع صحة العقد ، فإذا انتفى الأصل انتفى الفرع.
إلاّ أنّ هذا إنما هو حيث لا يضمن الوكيل للزوجة المهر ، فإن ضمنه فالوجه عند المصنف وجوب جميعه ، لأنه يثبت بالعقد باعتراف الوكيل ، ولم يحصل ما يقتضي سقوط نصفه ـ وهو الطلاق. ويحتمل على هذا التقدير وجوب النصف خاصة ، لأن انتفاء النكاح ظاهرا باليمين بمنزلة الفسخ فينتصف به المهر.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن قول المصنف : ( نعم لو ضمن الوكيل المهر فالوجه وجوبه اجمع ) بناء على القول بالبطلان ، لأن مختار المصنف في هذا الكتاب الوجوب على الوكيل بمجرد العقد وترك الاشهاد ، لكنه في أحكام المخالفة لم يجزم بالجميع أو النصف ، وهنا جزم بالجميع في أول كلامه حيث قال : ( ولو زوّجه امرأة فأنكر الوكالة ولا بينة حلف المنكر والزم الوكيل المهر ) فكيف يستقيم أن يكون ما ذكره آخرا هو مختاره في المسألة كما يظهر من كلام الشارحين (١)؟ على أنه لا معنى للاستدراك المستفاد من لفظة ( نعم ) حينئذ ، ولا ريب أن تأمل أول الكلام وآخره يأبى ما فهماه.
قوله : ( ثم المرأة إن ادعت صدق الوكيل لم يجز أن تتزوج قبل الطلاق ).
لأنها باعترافها زوجة ، بخلاف ما إذا لم تكن عالمة بالحال ولم تعترف بصدقه ،
__________________
(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٥٧.
ولا يجبر الموكل على الطلاق ، فيحتمل تسلط المرأة على الفسخ ، أو الحاكم على الطلاق.
ولو زوج الغائب بامرأة لادعائه الوكالة فمات الغائب لم ترثه ، إلاّ أن يصدقها الورثة أو تثبت الوكالة.
______________________________________________________
لانتفاء الزوجية ظاهرا بيمينه ، وقد سبق في الرواية (١) التصريح بذلك.
قوله : ( ولا يجبر الموكل على الطلاق فيحتمل تسلط المرأة على الفسخ أو الحاكم على الطلاق ).
لا ريب أنه لا يتصور إجبار الموكل على الطلاق ، فإنه لا نكاح ظاهرا فكيف يتصور مطالبته بالطلاق؟
وبقاء المرأة ممنوعة عن النكاح والنفقة ضرر عظيم ، فيحتمل تسلطها على الفسخ دفعا للضرر ، ويحتمل تسلط الحاكم على الطلاق ، لأن له ولاية على الممتنع ، ولا ريب أن المنكر ممتنع على تقدير وقوع التوكيل ، إذ الواجب عليه القيام بحقوق الزوجية أو الطلاق.
فرع : لو قال : إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق صح ، ولا يعد ذلك تعليقا قادحا ، لأن الطلاق إنما يقع على هذا التقدير ، حتى لو طلّق بدون هذا الشرط لم يقع الطلاق بحسب الواقع إلاّ على تقدير تحققه.
قوله : ( ولو زوّج الغائب بامرأة لا دعائه الوكالة فمات الغائب لم ترثه ، إلاّ أن يصدقها الورثة أو تثبت الوكالة ).
بالبينة ، ومع انتفاء الأمرين فلها إحلاف الورثة على نفي العلم إن ادعت عليهم العلم ، فان حلفوا فلا ميراث ، وإلاّ حلفت مع علمها وورثت.
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٤٩ حديث ١٦٩ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ حديث ٥٠٦.
ولو ادعى وكالة الغائب في قبض ماله من غريم فأنكر الغريم الوكالة فلا يمين عليه ، ولو صدقه وكانت عينا لم يؤمر بالتسليم. ولو دفع اليه كان للمالك مطالبة من شاء بإعادتها ، فإن تلفت الزم من شاء مع إنكار الوكالة ، ولا يرجع أحدهما على الآخر.
وكذا لو كان الحق دينا على إشكال ،
______________________________________________________
قوله : ( ولو ادعى وكالة الغائب في قبض ماله من غريم فأنكر الغريم الوكالة فلا يمين عليه ).
أي : وإن ادعى عليه العلم ، لأن اليمين إنما تتوجه حيث يكون المنكر بحيث لو أقر لنفذ إقراره ، وليس كذلك هنا ، لكن سيأتي أن في نفوذ الإقرار لو كان الحق دينا اشكالا.
قوله : ( ولو صدّقه وكانت عينا لم يؤمر بالتسليم ).
لأن ذلك إقرار في حق المالك فلا ينفذ ، لكن لو دفع العين لم يمنع منه أيضا.
قوله : ( ولو دفع اليه كان للمالك مطالبة من شاء بإعادتها ، فإن تلفت الزم من شاء مع إنكار الوكالة ، ولا يرجع أحدهما على الأخر ).
أي : لو دفع من بيده عين مال الغير مع تصديقه إياه على دعواه إلى مدعي الوكالة في قبضها ، وأنكر المالك التوكيل حلف وانتفت الوكالة ظاهرا ، ويتخير في مطالبة من شاء منهما بإعادة العين ، لأن من بيده العين عاد بدفعها ، والقابض عاد بإثبات اليد عليها.
فإن تلفت في يد القابض بغير تفريط الزم من شاء منهما بعوضها ، لما قلناه ، ولا يرجع أحدهما على الآخر ، لاتفاقهما على أن المالك كاذب في إنكار الوكالة وظالم في المطالبة بالعوض ، والمظلوم لا يرجع على غير ظالمة.
قوله : ( وكذا لو كان الحق دينا على إشكال ).
______________________________________________________
أي : وكذا لا يؤمر بالتسليم لو كان الحق دينا ، ومنشأ الاشكال : من أن التسليم المأمور به على تقدير ثبوت الأمر به إنما يكون عن الموكل. ولا ينفذ إقرار من عليه الدين على المدين ، لأنه إقرار على الغير ، فامتنع كونه عن الموكل المقتضي لامتناع الأمر به ، وهو قول الشيخ في المبسوط (١).
ومن حيث أن هذا التصديق اقتضى وجوب تسليم هذا القدر من مال نفسه فيجب نفوذه ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، وهو قول ابن إدريس (٢).
واعترض بأمرين :
أحدهما : إنّ هذا التسليم لا يبرئ الذمة ظاهرا فلا يؤمر به ، لأن لمن عليه الحق الامتناع من الأداء إلى أن يحصل الإشهاد المقتضي لحصول البراءة ظاهرا.
الثاني : إنّ التسليم لو أمر به لكان إما على جهة كون المدفوع مال الغائب ، أو مال الدافع ، والقسمان باطلان ، لأن الغائب لم يثبت توكيله فيكون التسليم لماله ، والدافع إنما يجب عليه تسليم مال الغائب ، والملازمة ظاهرة.
ويجاب عن الأول : بأن الإشهاد الذي يجوز الامتناع من الأداء إلى حصوله إنما يراد به إشهاد المدفوع إليه ، لأنه على تقدير إنكار التوكيل يرجع إلى ماله الذي دفعه بالبينة ، واحتمال تلفه بغير تفريط أو عدم الظفر بالمدفوع اليه لا يقدح ، وإلاّ لقدح في الدفع إلى المدين وإن أشهد ، لاحتمال موت الشاهدين ، أو ظهور فسقهما ، أو مطالبته في بلد لا يتمكن من الوصول إليها.
وعن الثاني : بأن تسليم ذلك القدر من مال المديون على أنه مال الغائب له اعتباران : أحدهما : كونه مال الغائب في حق المديون ، والآخر : كونه مال الغائب في حق الغائب نفسه ، وإقرار المديون نافذ بالنسبة إلى الاعتبار الأول ، لأنه في حقه
__________________
(١) المبسوط ٢ : ٣٨٧.
(٢) السرائر : ١٧٨.
إلاّ أنه لو دفعه هنا لم يكن للمالك مطالبة الوكيل ، لأنه لم ينتزع عين ماله ، إذ لا يتعين إلاّ بقبضه أو قبض وكيله. وللغريم العود على الوكيل مع بقاء العين أو تلفها بتفريط ،
______________________________________________________
خاصة ، وهو كاف في وجوب التسليم ، كما أنه إذا ادعى شخص زوجية امرأة فأنكرت وحلفت فانّا نعتبر دعواه إقرارا بزوجيتها في حق نفسه ، وإن انتفت الزوجية بالنسبة إليها فلزوجيتها اعتباران بالنسبة إليه وبالنسبة إليها ، كما قلناه في أنّ لكون المدفوع من مال الغائب اعتبارين : أحدهما بالنسبة إلى المديون ، والآخر بالنسبة إلى الغائب.
ويؤيده عموم قوله عليهالسلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) ولم يثبت المخصص في محل النزاع ، والأصح مختار ابن إدريس (٢) ، فعلى هذا لو لم يعترف المديون بالوكالة فادعى عليه العلم حلف على نفيه.
قوله : ( إلاّ أنه لو دفعه هنا لم يكن للمالك مطالبة الوكيل ، لأنه لم ينتزع عين ماله ، إذ لا يتعين إلاّ بقبضه أو قبض وكيله ).
لما قاله المصنف ، وكذا لو كان الحق دينا أو هم استواء الدين والعين في الأحكام المذكورة في العين ، فاستدرك لدفع هذا الوهم بقوله : ( إلاّ أنه لو دفعه هنا لم يكن للمالك مطالبة الوكيل ) ، يعني على تقدير إنكار الوكالة وحلفه ، لأن الوكيل لم ينتزع عين ماله ، لانتفاء الوكالة ظاهرا فلا يتعين المقبوض له.
قوله : ( وللغريم العود على الوكيل مع بقاء العين أو تلفها بتفريط ).
أما الأول فظاهر ، لبقاء عين ما دفعه والوكيل لا يدعي استحقاقه ، وكذا المدين وقد استوفى دينه فيجب ردها إلى الدافع ، ومنه يظهر تقريب ما إذا تلفت العين
__________________
(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧.
(٢) السرائر : ١٧٨.
ولا درك لو تلفت بغير تفريط.
وكل موضع يجب على الغريم الدفع لو أقر تلزمه اليمين لو أنكر.
ولو ادعى أنه وارث صاحب الحق فكذّبه حلف على نفي العلم ، فإن صدّقه على أن لا وارث سواه لزمه الدفع.
______________________________________________________
بتفريط ، لأن التالف في ذمة الوكيل.
قوله : ( ولا درك لو تلفت بغير تفريط ).
لاتفاق الدافع والقابض على براءة ذمة القابض من عهدتها ، لأنه بزعمهما وكيل ، والمدين ظالم بمطالبته وأخذه.
قوله : ( وكل موضع يجب على الغريم الدفع لو أقر يلزمه اليمين لو أنكر ).
لأن فائدة اليمين إقراره ، أو رده فيحلف المدعي ، فيكون كما لو أقر المنكر فحيث لا ينفذ إقراره لا يتوجه عليه اليمين.
فإن قيل : إنّ المردودة قد قيل انها كالبينة ، فيجب توجه اليمين هنا وإن لم يجب الدفع بإقراره.
قلنا : هي كالبينة بالنسبة إلى المتخاصمين دون الغائب فلا يزيد على الإقرار هنا.
قوله : ( ولو ادعى أنه وارث صاحب الحق فكذّبه حلف على نفي العلم ).
المراد : أنه لو ادعى شخص على من عنده مال زيد أنه وارثه وأن لا وارث غيره ، فأنكر المدعى عليه ولا بينة ، فادعى عليه العلم بالحال وأنكر حلف على نفي العلم ، لأنه لو أقر لنفذ إقراره.
وينبغي أن يكون ذلك بعد ثبوت الموت ، ومقتضى كلامه في التذكرة : أن إقرار