جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

مع الغرض كالخوف على الثمن وشبهه ولو اشترى نسيئة بما أمره به نقدا صح ، إلاّ مع الغرض كخوفه أن يستضر ببقاء الثمن معه.

ولو وكله في بيع عبد بمائة فباع نصفه بها ، أو أطلق فباع نصفه بثمن المثل للجميع صح وله بيع الآخر.

______________________________________________________

البيع ، إلاّ مع الغرض كالخوف على الثمن وشبهه ).

أي : لو باع العين المأمور ببيعها نسيئة نقدا بالثمن الذي يسوغ له بيعها به نسيئة : إما للتنصيص عليه ، أو بكونه متعارفا بين الناس صح البيع إن علم أن لا غرض للموكل في النسيئة ، لأنه قد زاده خيرا ، وما على المحسنين من سبيل.

وإن علم أن له في النسيئة غرضا كالخوف على الثمن في الحال ، أو احتياجه إليه في وقت الحلول ، وخوف خروجه من النفقة ، ونحو ذلك لم تجز المخالفة وكان البيع فضوليا ، ومثله ما لو جهل الوكيل الحال. فلو عبّر المصنف بما يشمل القسمين لكان أولى ، وقريب منه قوله : ( ولو اشترى نسيئة بما أمره به نقدا صح ، إلاّ مع الغرض كخوفه أن يستضر ببقاء الثمن معه ).

قوله : ( ولو وكّله في بيع عبد بمائة فباع نصفه بها ، أو أطلق فباع نصفه بثمن المثل للجميع صح وله بيع الآخر ).

أما الصحة فلأنه مأذون في ذلك من جهة العرف ، فان من رضي بمائة ثمنا للكل رضي بها ثمنا للنصف ، ولأنه حصل له المائة وأبقى له زيادة تنفعه ولا تضره ، فكان بمنزلة ما لو باعه بمائة ونصف عبد أو ثوب ، كذا قال في التذكرة (١).

ولقائل أن يقول : ربما تعلّق الغرض بما نص عليه الموكل ، لأنه ربما أراد السلامة من نفقة العبد ، أو خاف من ظالم يطلبه بسببه ، وتعذر بيع النصف الآخر فلا بد من العلم بأن لا غرض للموكل في المأمور به بخصوصه. وهذا وارد ، إلاّ أني لم أجد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٦.

٢٤١

وكذا لو امره ببيع عبدين بمائدة فباع أحدهما بها.

ولو وكّله في شراء عبد معيّن بمائة فاشتراه بخمسين صح ، إلاّ أن يمنعه من الأقل.

ولو قال : اشتره بمائة لا بخمسين فاشتراه بأقل من مائة وأزيد من خمسين أو أقل من خمسين صح.

______________________________________________________

ما يوافقه.

وأما أن له بيع النصف الآخر ، فلأنه مأذون له في بيعه والأصل بقاؤه. ويحتمل المنع لحصول غرض الموكل من الثمن ، فربما لم يؤثر بيع باقيه للاستغناء عنه. وقد ذكر هذا الاحتمال المصنف في التذكرة (١) ، وضعفه ظاهر.

قوله : ( وكذا لو أمره ببيع عبدين بمائة فباع أحدهما بها ).

وجهه معلوم مما سبق ، بل الحكم هنا أولى ، لانتفاء التشقيص ولأنه يجوز له بيع كل منهما بانفراده كما سبق ، ولو نصّ له على بيعهما صفقة لم يجز التجاوز.

قوله : ( ولو وكّله في شراء عبد معيّن بمائة فاشتراه بخمسين صح ، إلاّ أن يمنعه من الأقل ).

أما الصحة فلأنه مأذون في ذلك عرفا ، لأنه من رضي بالشراء بمائة رضي بالشراء بخمسين غالبا ، نعم إذا نهاه عن ذلك وجب عدم مخالفة النهي.

قوله : ( ولو قال : اشتراه بمائة لا بخمسين ، فاشتراه بأقل من مائة وأزيد من خمسين ، أو أقل من خمسين صح ).

لأن الإذن في الشراء بمائة دل عرفا على الشراء بما دونها بطريق أولى ، خرج منه المحصور بصريح النهي فيبقى ما فوقها على مقتضى الاذن.

وفيما دونها وجهان ، اختار المصنف هنا وفي التذكرة منهما الصحة ، لثبوت الإذن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٦.

٢٤٢

ولو قال : اشتر نصفه بمائة فاشترى أكثر منه بها صح.

ولو قال : اشتر لي عبدا بمائة فاشترى مساويها بأقل صح.

ولو قال : اشتر لي شاة بدينار ، فاشترى شاتين ثم باع إحداهما بالدينار فالوجه صحة الشراء ، ووقوف البيع على الإجازة.

______________________________________________________

عرفا فيما نقص عن المائة سوى المنهي عنه ، وهو الشراء بخمسين (١) ، وهو المختار إلاّ أن يدل دليل على أنه لا يرضى بالشراء بما دون الخمسين ، كما لو أراد نفع البائع ونحوه ، فإن المتجه عدم جواز الشراء بما دون الخمسين حينئذ.

قوله : ( ولو قال : اشتر نصفه بمائة فاشترى أكثر منه بها صح ).

لاستفادة الاذن في ذلك من العرف.

قوله : ( ولو قال : اشتر عبدا بمائة فاشترى مساويها بأقل صح ).

أي : لو قال : اشتر عبدا ولم يعيّنه بشخصه بمائة مثلا ، فاشترى عبدا مساويا لها بأقل من المعيّن صح لمثل ما سبق ، وفي بعض النسخ مساويه ، ومعناه : مساوي العبد المطلوب شراؤه ، والنسخة الأولى أولى ، لأن المطلوب شراؤه كلي ، فكل ما تناوله ذلك الوصف مثلا فهو المطلوب شراؤه.

قوله : ( ولو قال : اشتر لي شاة بدينار فاشترى شاتين ، ثم باع إحداهما بالدينار فالوجه صحة الشراء ووقوف البيع على الإجازة ).

أي : فاشترى شاتين بدينار ، ولا بد من التقييد بكون كل واحدة منهما تساوي دينارا أو إحداهما ، أما إذا نقصت كل واحدة منهما عن دينار فإن الشراء لا يلزم ويكون فضوليا وإن كان مجموعهما يساوي أكثر من دينار ، لأن المطلوب شراء شاة تساوي دينارا.

إذا تقرر ذلك فلا ريب أن البيع في مسألة الكتاب فضولي ، لأنه لا يستفاد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٦.

٢٤٣

ولو أمره بشراء سلعة معينة فاشتراها فظهر فيها عيب فالأقرب أن للوكيل‌ الرد بالعيب.

______________________________________________________

الاذن فيه من الأمر بالشراء بحال.

وأما الشراء ففيه وجهان أصحهما ـ وهو مختار الشيخ (١) والأصحاب (٢) ـ صحة شرائهما معا للموكل ، لدلالة الاذن في شراء شاة بدينار على الاذن بشراء شاتين بدينار بطريق أولى ، وشهادة العرف المطرد به.

وقد ورد ذلك في حديث عروة البارقي : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاه دينارا وقال له : « اشتر لنا شاة » ، قال : فأتيت الجلب فاشتريت به شاتين بدينار ، فجئت أسوقهما أو أقودهما فلقيني رجل بالطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار وأتيت النبي بالدينار وبالشاة فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم ، قال : « وكيف صنعت؟ » فحدثته فقال : « اللهم بارك له في صفقة يمينه » (٣).

وفي وجه للشافعية أن شراءهما معا لا يقع للموكل ، لكن ينظر إن اشتراهما في الذمة فللموكل واحدة بنصف دينار والأخرى للوكيل ، ويرد على الموكل نصف دينار ، وإن أراد أن يقرر عقد الثانية كان له ذلك ، وإن اشتراهما بالعين فواحدة باذنه واخرى بدون اذنه فيبني على حكم العقد الفضولي (٤). والمذهب ما قدّمناه ، وقد ذكره المصنف في التذكرة بقوله : وهو مذهبنا ، نص عليه الشيخ في الخلاف جازما به (٥) وعبارته هنا غير وافية بذلك.

قوله : ( ولو أمره بشراء سلعة معينة فاشتراها فظهر فيها عيب‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٩٧.

(٢) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٢ : ٣٤٥.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٥٥٩ حديث ١٢٥٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠ حديث ٢٩ ، مسند احمد ٤ : ٣٧٦.

(٤) المجموع ١٤ : ١٤٢.

(٥) التذكرة ٢ : ١٢٦ ، الخلاف ٢ : ٨٨ مسألة ٢٢ كتاب الوكالة.

٢٤٤

ولو قال : بع بألف درهم فباع بألف دينار وقف على الإجازة.

وليس التوكيل بالخصومة إذنا في الإقرار ، ولا الصلح ، و‌

______________________________________________________

فالأقرب أن للوكيل الرد بالعيب ).

هذا رجوع عن الإشكال إلى الفتوى ، وقد قدّمنا تحقيق هذه المسألة وبيان المختار.

قوله : ( ولو قال : بع بألف درهم فباع بألف دينار وقف على الإجازة ).

لأن المأتي به غير المأمور بتحصيله ، ولا هو مشتمل على تحصيل ما أمر بتحصيله ، وتصرّف الوكيل إنما هو بالإذن فإذا عدل عنه كان فضوليا.

وأحتمل قويا المصنف في التذكرة جواز البيع بذلك ونحوه ، إلاّ أن يكون له غرض صحيح في التخصيص بالدراهم لاستفادة الاذن في ذلك عرفا ، فإن من رضي بدرهم رضي مكانه بدينار ، فجرى مجرى ما إذا باعه بمائة درهم ودينار ، ومنع بيعه بالثياب لأنها من غير الجنس ، ثم احتمل مع الزيادة الجواز (١).

ويشكل بأن القرائن العرفية وإن دلت على حصول الرضى بذلك التصرف ، إلاّ أن ذلك لا يعد إذنا ، ولأنه لا يكفي حصول الرضى بعد ، بل لا بد من حصوله قبل التصرف أما بصريح الاذن أو لدلالته عليه بطريق أولى.

وإنما يكون ذلك حيث يكون المسكوت عنه من جنس المذكور لفظا ولأن فتح هذا الباب يفضي إلى الحكم على الغير بمجرد التخمين ، ومال الغير يجب أن تكون صيانته وحرمته أزيد من ذلك ، نعم لو احتف التوكيل بقرائن قوية تشهد بشي‌ء معيّن لم استبعد التعويل عليها.

قوله : ( وليس التوكيل بالخصومة إذنا في الإقرار ، ولا الصلح ، ولا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٥.

٢٤٥

لا الإبراء. ولو وكله على الصلح عن الدم على خمر ففعل حصل العفو كما لو فعله الموكل ،

______________________________________________________

الإبراء ).

لعدم دلالته على شي‌ء من ذلك بإحدى الدلالات الثلاث : أما الحكم في الصلح والإبراء فقد قال المصنف في التذكرة : لا نعلم فيه خلافا (١) ، وأما الإقرار فقد قال أبو حنيفة ومحمد : يقبل إقرار الوكيل إذا كان في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص (٢). وقال أبو يوسف : يقبل في مجلس الحكم وغيره ، لأن الإقرار أحد جوابي الدعوى فصح من الوكيل في الخصومة كالإنكار (٣) ، وبطلانه معلوم.

قوله : ( ولو وكّله على الصلح عن الدم على خمر ففعل حصل العفو كما لو فعله الموكل ).

أي : حصل العفو كما يحصل لو فعل ذلك الموكل ، وقد سبق في كتاب الصلح التردد في حصول العفو لو صالحه عن القصاص بخمر ، وهنا جزم المصنف بحصوله.

ووجه صحة الوكالة هنا : أن الصلح على الخمر وإن كان فاسدا فيما يتعلق بالعوض إلاّ أنه صحيح فيما يتعلق بالقصاص ، لأن الغرض العفو فيصح التوكيل فيما لو فعله الموكل بنفسه لصح ، لأنا نصحح التوكيل في العقد الفاسد. ووجه حصول العفو في المسألتين أن حقن الدماء أمر مطلوب ، والعفو لذلك مبني على التغليب ، فيكفي للتمسك به أدنى سبب. وفي كل من المقامين نظر :

أما الأول فلأن العقد الفاسد لما لم يكن مأذونا فيه شرعا لم يكن التوكيل توكيلا شرعيا ، لأن الموكل فيه حينئذ أمر غير مشروع فلا يترتب على هذا التوكيل أثره ، وكونه بحيث لو فعله الموكل يحصل العفو لا يقتضي حصوله بفعل من ليس‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٩.

(٢) المجموع ١٤ : ١١٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤.

(٣) المجموع ١٤ : ١١٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤.

٢٤٦

ولو صالح على خنزير أو أبرأ فإشكال. وليس للوكيل بالخصومة أن يشهد لموكله فيها ، إلاّ إذا عزل قبل الخصومة.

______________________________________________________

بوكيل شرعا ، ولهذا لو وكله في شراء فاسد وقبض المبيع لا يتعلق الضمان بالموكل وإن كان لو فعله الموكل لتعلق الضمان ، لأن يده ليست يد الموكل حينئذ.

وأما الثاني فلأن العفو وإن كان مبنيا على التغليب ، إلاّ أنه لا دليل على حصوله بالعقد الفاسد المشتمل على العوض الفاسد ، لأن الفاسد لا يترتب عليه أثره ، والرضى الواقع في ضمنه غير معتبر شرعا ، لعدم اعتبار ما تضمنه ، والأصح بقاء القصاص إلى أن يحصل السبب الشرعي المقتضي للعفو.

قوله : ( ولو صالح على خنزير أو أبرأ فإشكال ).

أي : لو صالح الوكيل في الصلح على الدم على خمر على خنزير أو أبرأه فإشكال ينشأ : من أن صاحب القصاص قد رضي بإسقاطه لا في مقابلة عوض ، لأن الخمر لا يملكها المسلم ، فهو بمنزلة التوكيل في الإسقاط والإبراء بأي طريق كان. ومن المخالفة لمقتضى الوكالة فكان كالعفو من الفضولي ، وضعف الأول ظاهر.

قوله : ( وليس للوكيل بالخصومة أن يشهد لموكله فيها إلاّ إذا عزل قبل الخصومة ).

لا ريب أنه إذ كان عدلا تقبل شهادته على موكله ، وله في غير ما هو وكيل فيه ، أما ما هو وكيل فيه فان شهد له فيه قبل العزل لم يقبل ، لأنه متهم حيث يجر إلى نفسه نفعا ، وهو ثبوت ولاية التصرف لنفسه.

وإن كان بعد العزل : فإن كان قد خاصم الغريم فيه حال وكالته لم يقبل أيضا ، لأنه متهم أيضا حيث يريد تمشية قوله وإظهار الصدق فيما ادعاه أولا. وإن لم يخاصم سمعت شهادته عندنا وعند جمع من العامة (١) ، وللشافعية خلاف هذا إذا جرى‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٨.

٢٤٧

ولو وكل اثنين بالخصومة ففي انفراد كل منهما إشكال.

ولو وكله في الخصومة لم يقبل إقراره على موكله بقبض الحق ، ولا غيره في مجلس الحكم وغيره.

ولو أذن في تثبيت حق لم يملك قبضه ، وبالعكس.

______________________________________________________

الأمر على تواصل (١) ، اما إذا طال الفصل فظاهر كلام المصنف في التذكرة التردد في القبول (٢) ، وكل من الأمرين محتمل.

قوله : ( ولو وكّل اثنين بالخصومة ففي انفراد كل منهما إشكال ).

ينشأ : من حصول الغرض بكل منهما ، فان المطلوب ذكر الدعوى أو الجواب عند الحاكم. ولا يتفاوت الحال في ذلك بالاجتماع والانفراد ، بخلاف المعاملات المفتقرة إلى تعاضد الآراء لتحصيل المصلحة ، ولعسر الاجتماع في الخصومة.

ومن أن توكيله لاثنين يؤذن بعدم اكتفائه بكل منهما منفردا ، والتعاضد مطلوب في إظهار الحجة ولا عسر في الاجتماع كما في المعاملات ، والأصح عدم جواز الانفراد.

قوله : ( ولو وكّله في الخصومة لم يقبل إقراره على موكله بقبض الحق ولا غيره ، في مجلس الحكم وغيره ).

قد سبق حكاية خلاف في ذلك لأبي حنيفة وصاحبيه (٣).

قوله : ( ولو أذن في تثبيت حق لم يملك قبضه ، وبالعكس ).

اي : لو وكله في إثبات حق له على غيره لم يملك قبض ذلك الحق ، ولو وكله في القبض فجحة من عليه الحق لم يملك الإثبات ، لأن أحدهما غير الآخر فلا يكون التوكيل في أحدهما توكيلا في الآخر. وللشافعية وغيرهم من العامة اختلاف في‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٨.

(٢) التذكرة ٢ : ١٢٩.

(٣) المجموع ١٤ : ١١٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤.

٢٤٨

ولو وكله في بيع شي‌ء ، أو طلب شفعة ، أو قسمة لم يملك تثبيته.

ولو قال : اقبض حقي من فلان فله القبض من وكيله لا من وارثه لو مات ، ولو قال : اقبض حقي الذي على فلان كان له مطالبة الوارث.

ولو أذن لعبده في عتق عبيده ، أو لغريمه في إبراء غرمائه أو حبسهم ، أو لزوجته في طلاق نسائه فالأقرب‌ دخول المأذون.

______________________________________________________

ذلك (١).

قوله : ( ولو وكّله في بيع شي‌ء ، أو طلب شفعة أو قسمة لم يملك تثبيته ).

لأن أحدهما غير الآخر ، وكونه طريقا اليه عند الجحود لا يستلزم تعلق التوكيل به ، لانتفاء الدليل.

قوله : ( ولو قال : اقبض حقي من فلان فله القبض من وكيله لا من وارثه لو مات ، ولو قال : اقبض حقي الذي على فلان كان له مطالبة الوارث ).

أي : لو وكل في قبض حقه الذي على زيد ، اختلف الحكم باختلاف صيغة التوكيل ، ففي الأول إنما يقبض منه أو من وكيله لا من وارثه ، لأن لفظة من للابتداء ، فيقتضي أن يكون مبدأ القبض ومنشؤه المديون فله القبض منه ومن وكيله ، لأن يد الوكيل يد الموكل وقبضه قبضه ، وليس له القبض من وارثه إذ ليست يد الوارث يد المورث.

وفي الثاني له أن يقبض مطلقا ، لأن الموكل فيه هو قبض الحق من غير تعيين للمقبوض منه ، فلا يختلف الحال باختلاف من بيده الحق.

قوله : ( ولو أذن لعبده في عتق عبيده ، أو لغريمه في إبراء غرمائه أو‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١١٥ و ١١٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١.

٢٤٩

المطلب الثالث : في حكم المخالفة :

إذا خالفه في الشراء : فإن اشترى في الذمة ثم نقد الثمن صح إن أطلق ، ويقع له إن لم يجز الموكل ،

______________________________________________________

حبسهم ، أو لزوجته في طلاق نسائه فالأقرب دخول المأذون ).

وجه القرب صلاحية اللفظ لشموله ، لأنه عام فيجب التمسك بعمومه ، لانتفاء المخصص ، بناء على أن المخاطب يدخل في عموم الخطاب ، ويدخل عليه وجود المقتضي ، وهو العموم وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ كونه مخاطبا وهو غير صالح للمانعية.

ويحتمل العدم ، بناء على عدم دخوله ، فان ذلك هو المتبادر إلى الفهم عرفا ، فانّ كون الشخص معتَقا ومعتِقا ومبرأ ومبرئ لا ينتقل الذهن إليه عند إطلاق اللفظ ولا يتفاهمه أهل العرف ، ولهذا لا يجوز له البيع من نفسه إلاّ بالاذن. والأصل بقاء الملك والزوجية ، وهو مختار الشيخ في المبسوط (١) ، وفيه قوة ، ولو دلت قرينة على إرادة دخوله عمل بها.

قوله : ( المطلب الثالث : في حكم المخالفة : إذا خالفه في الشراء ثم نقد الثمن صح إن أطلق ، ويقع له ان لم يجز الموكل ).

المراد بالإطلاق : عدم إضافة الشراء إلى الموكل لفظا لكن مع قصده نية ، لأنه لو لم ينوه لم يكن لإجازته تأثير ولا فائدة لقوله : ( ثم نقد الثمن ) ، لأن الحكم ثابت مع المخالفة المذكورة ، سواء نقد الثمن أم لا. وانما يقع له حينئذ ، لأن الخطاب معه وقد أضاف الشراء إلى نفسه فتلغو النية ويشكل بما ذكره الشارح الفاضل من أنه أضافه إلى غيره في النية ونفاه عن نفسه ، والعقود تابعة للقصود فلا يقع له في نفس الأمر. لكن يؤاخذ به ظاهرا نظرا الى أن البائع إنما يكلّف بالأمور الظاهرة ، لامتناع تكليفه‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٤٠٣.

٢٥٠

وإن أجاز فالأقرب وقوعه له وإن أضاف الشراء للموكل وقف على الإجازة ، وإن اشترى بالعين وقف على الإجازة ، فإن فسخ الموكل بطل.

______________________________________________________

بما خفي عليه من الأمور الباطنة ، فيكون وقوعه للوكيل على تقدير عدم إجازة الموكل ظاهرا لا في نفس الأمر.

وهذا كلام صحيح ، إلاّ أن عبارة المصنف لا تأباه ، لإمكان أن يريد بقوله : ( ويقع له ) إلزامه به ظاهرا ، لأنه المبحوث عنه ، فإن البحث عن الأحكام الشرعية إنما هو باعتبار الظاهر.

قوله : ( وإن أجاز فالأقرب وقوعه له ).

وجه القرب : أنه عقد فضولي موقوف على الإجازة فيصح معها ، ويحتمل البطلان بناء على أن الفضولي يقع باطلا.

كذا حقق الشارح الفاضل (١) ، واحتمل الفاضل عميد الدين ألا يقع للموكل ، لأنه لما اشتراه على خلاف ما أمره ولم يذكره في العقد ولم يشتر بعين المال بل في ذمته وجب أن يقع للوكيل ، فلا ينتقل بالإجازة إلى الموكل ، لأن الإجازة لا تنقل ما هو مملوك للغير ملكا مستقرا الى غيره.

والصواب ما ذكره الأول ، لأن العقود تابعة للقصود ، وتحريره : أن هذا العقد يقع موقوفا في نفس الأمر لازما ظاهرا ، فإذا أجاز الموكل ثبت له ظاهرا وباطنا بالنسبة إلى الوكيل عملا بإقراره ، وان لم يجز وقع للوكيل ظاهرا ويبطل بحسب الواقع.

هذا إن قلنا : إن الفضولي يقع موقوفا على الإجازة ، ولو قلنا : بأنه يقع باطلا لحكمنا بأنه للوكيل ظاهرا دون نفس الأمر. لكن لا يخفى أن قول المصنف : ( الأقرب. ) ملتفت في ذلك إلى حال العقد الفضولي لا يخلو من إبهام ، هذا تحقيق ما هنا.

قوله : ( وإن أضاف الشراء للموكل وقف على الإجازة ، وإن اشترى‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٤٧.

٢٥١

ثم إن صدّقه البائع أو ثبت بالبينة وجب عليه رد ما أخذه ، وإلاّ حلف وضمن الوكيل الثمن المدفوع.

______________________________________________________

بالعين وقف على الإجازة ، فإن فسخ الموكل بطل ، ثم إن صدقه البائع أو ثبت بالبينة وجب عليه رد ما أخذه ، وإلاّ حلف وضمن الوكيل الثمن المدفوع ).

أي : وإن أضاف الشراء للموكل لفظا في العقد في صورة المخالفة وقف على الإجازة.

ولا يخفى أن المصنف لو عطف ( وإن اشترى بالعين ) على ما قبله بلفظ كذا لكان أفصح ، ولا غنى عن قوله : ( وقف على الإجازة ). ولا بد من فرض أنه بعد الثمن يستقيم كلامه الى آخر المسألة ، فإن أجاز الموكل الشراء فلا بحث ، ولظهوره تركه المصنف وإن فسخ بطل.

لكن على هذا التقدير هل يبطل البيع باطنا وظاهرا فيجب على البائع رد الثمن المدفوع ، أم باطنا خاصة فلا يجب؟ ينظر في حال البائع : فإما أن يصدّق الوكيل على مخالفته للموكل ، أو لا. وعلى التقدير الثاني : فاما أن تقوم البينة بالمخالفة ، أو لا ، فان صدّقه أو قامت البينة بذلك وجب عليه رد ما أخذه ثمنا ، لظهور بطلان البيع ، وإن انتفى الأمران حلف لنفي العلم بالمخالفة إن ادعي عليه العلم بها ، ثم يحكم بالبيع ظاهرا للوكيل ، ويجب عليه للموكل عوض الثمن المدفوع ، لاعترافه بأنه عاد بدفعه.

وأعلم أن قوله : ( وقف على الإجازة ) ـ فيما إذا أضاف الشراء للموكل ، وإذا اشترى بالعين من غير اشعار بالقول بالبطلان يؤذن بأن المراد بالاحتمال المقابل للأقرب في المسألة السابقة غير القول بالبطلان لانه ـ آت هنا ، ولم يشعر كلامه به ، إلاّ أنه ليس للعبارة محمل صحيح سواه.

٢٥٢

ولو خالفه في البيع وقف على الإجازة.

ولو أذن له في الشراء بالعين فاشترى في الذمة كان له الفسخ ، ولو انعكس احتمل اللزوم ، لأن إذنه في عقد يوجب الثمن مع تلفه يستلزم الاذن في عقد لا يوجب الثمن إلاّ مع بقائه ، والبطلان ، للمخالفة ، وتعلق الغرض وهو تطرق الشبهة في الثمن ، أو كراهة الفسخ بتلف العين.

______________________________________________________

قوله : ( ولو خالفه في البيع وقف على الإجازة ).

أي : في كل صور المخالفة بخلاف مسألة الشراء ، لانه قد يشتري في الذمة ولا يضيف فيقع له مع عدم الإجازة.

قوله : ( ولو اذن له في الشراء بالعين فاشترى في الذمة كان له الفسخ ، ولو انعكس احتمل اللزوم ، لأن اذنه في عقد يوجب الثمن مع تلفه يستلزم الاذن في عقد لا يوجب الثمن إلاّ مع بقائه ، والبطلان للمخالفة ، وتعلق الغرض وهو تطرق الشبهة في الثمن أو كراهة الفسخ بتلف العين ).

إذا أذن الموكل للوكيل في الشراء بالعين فاشترى في الذمة فهو فضولي وجها واحدا ، لأن إيجاب الثمن عليه على تقدير تلف المدفوع ضرر بيّن ، فلا يلزم من الإذن في الشراء بالعين الإذن في الشراء بالذمة.

ولو انعكس الفرض ففيه وجهان : أحدهما اللزوم ، لاستفادة الإذن بطريق أولى ، وذلك لأن الاذن في العقد الذي يتطرق اليه الضرر المذكور يقتضي الإذن فيما خلا عنه بطريق أولى ، فيستفاد الاستلزام الذي ادعاه المصنف في العبارة من باب مفهوم الموافقة إن تم ، وهو الذي ترشد إليه عبارة التذكرة (١).

وربما وجّه بأن الاذن في الشراء بالذمة يوجب الثمن على كل حال من حالتي التلف وعدم اذن في مجموع ، والاذن في الشراء على وجه يوجب الثمن مع بقائه جزؤه ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٧.

٢٥٣

ولو باع بدون ثمن المثل وقف على الإجازة ، وكذا لو اشترى بأكثر منه.

ولو أذن له في تزويج امرأة فزوّجه غيرها ، أو زوجه بغير إذنه فالأقرب الوقوف على الإجازة ، فإن أجاز صح العقد ، وإلاّ فلا ،

______________________________________________________

والاذن في الكل اذن في اجزائه. وليس بشي‌ء ، لأن الشراء بالعين ليس جزءا للشراء بالذمة بل هو مناف له ، فلا يتعدى الإذن إليه من هذه الجهة. وأصحهما العدم ، لأن المذكور ضرر باعتبار ونفع باعتبار آخر ، فان الغرض قد يتعلق بتملك المبيع على كل حال.

وربما عرض للبائع على تقدير تلف الثمن المعين ما يصرفه عن البيع ، وربما كره كون المدفوع ثمنا ، لتطرق الشبهة عنده اليه ونحو ذلك من المقاصد ، والأصح أنه فضولي.

واعلم أن المراد من قوله : ( والبطلان للمخالفة ) عدم اللزوم مجازا بقرينة اللزوم المذكور في الاحتمال الأول ، ولأن الفضولي عنده موقوف ، وكذا المراد بقوله : ( وكراهة الفسخ ) الانفساخ وهو ظاهر.

قوله : ( ولو باع بدون ثمن المثل وقف على الإجازة ، وكذا لو اشترى بأكثر منه ).

للمخالفة ، سواء عيّن له ذلك الثمن أو أطلق فإن الإطلاق محمول عليه.

قوله : ( ولو اذن له في تزويج امرأة فزوجه غيرها أو زوجه بغير إذنه فالأقرب الوقوف على الإجازة ، فإن أجاز صح العقد ، وإلاّ فلا ).

أي : لو أذن له في تزويج امرأة معيّنة فزوجه غيرها ، أو زوجه فضوليا ابتداء من غير سبق توكيل له الى آخره.

ووجه القرب في المسألتين ما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح من‌

٢٥٤

والأقرب إلزام الوكيل بالمهر أو نصفه مع ادعاء الوكالة.

أما لو عرفت الزوجة أنه فضولي فالوجه سقوط المهر مع عدم الرضى.

ولو وكله في بيع عبد بمائة فباعه بمائة وثوب صح ،

______________________________________________________

أن عقد النكاح الفضولي موقوف على الإجازة ولا يقع باطلا من رأس ، وكل من العقدين فضولي ، أما الثاني فظاهر ، إذ ليس هو من مسائل هذا الباب ، وأما الأول فلأنه خلاف الموكل فيه ، والبطلان قول آخر وهو المقابل للأقرب.

قوله : ( والأقرب إلزام الوكيل بالمهر أو نصفه مع ادعاء الوكالة ).

أي : والأقرب في مسألتي التزويج السابقتين إلزام الوكيل بالمهر ، أو نصفه على اختلاف القولين للأصحاب كما سيأتي بيانه ، وبيان أن الأصح عدم لزوم شي‌ء بمجرد ذلك إن شاء الله تعالى.

لكن هذا إنما هو على تقدير ادعائه الوكالة في النكاح على الوجه المأتي به وجهالة المرأة ، لأنه حينئذ يكون غارّا. أما إذا عرفت الزوجة أنه فضولي سواء كان بقوله ، أو بوجه آخر ، أو لأنه لم يدع الوكالة فإن ظاهره أنه فضولي ، ولأنه لا غرور من قبله حينئذ ، فالوجه عند المصنف سقوط المهر مع عدم الرضى ، والى هذا أشار بقوله : ( أما لو عرفت الزوجة ... ).

وهذا التفصيل الذي اختاره المصنف لم يذكره القائلون بوجوب المهر أو نصفه ، بل أطلقوا القول بالوجوب ، وظاهر أنه لا وجه لضمان الوكيل شيئا من المهر أو نصفه مع علمها بالحال ، لاقدامها على ذلك عالمة.

واعلم أن موضع هذه المسألة هو أحكام النزاع ، وذكرها هنا من حيث حصول المخالفة من الوكيل واستيفاء أحكامها يأتي هناك إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو وكله في بيع عبد بمائة فباعه بمائة وثوب صح ).

٢٥٥

وكل تصرف خالف الوكيل فيه الموكل فحكمه حكم تصرف الأجنبي.

وإذا وكله في الشراء فامتثل وقع الشراء عن الموكل ، وينتقل الملك‌

______________________________________________________

أسند المصنف القول بالصحة فيما إذا باع الوكيل بالثمن المعيّن وزيادة من غير الجنس إلى علمائنا ، سواء كانت الزيادة قليلة أو كثيرة ، وسواء كانت من الأثمان أو لا.

ويدل عليه أن الاذن بالبيع بمائة يقتضي الإذن بالبيع بها مع زيادة بطريق أولى ، والعرف قاض بذلك. وفي وجه للشافعية أنه لا يجوز للمخالفة (١) ، وفيه منع.

وفي بعض حواشي شيخنا الشهيد ما حاصله : أن الزيادة ليست من جنس الثمن المعيّن ، وهي في مقابل بعض العبد ، فهي في قوة بيع بعضه بثوب ، ومعلوم مخالفته ، فاحتمل أن يصح البيع فيما قابل المائة ، ويقف فيما قابل الثوب على الإجازة ، كما لو أذن له ببيعه بمائة فباع بعضه بها. ونقل عن التحرير إشكالا في المسألة (٢) ، ولم أظفر به.

ولقائل أن يقول : ما ذكره مدفوع باستفادة الاذن في ذلك بطريق أولى ، ومقابلة مجموع الثمن بمجموع المبيع وإن تضمن مقابلة الأجزاء بالأجزاء ، إلاّ أنه لا يلزم أن يكون بعض العبد مبيعا بثوب ، والمخالفة الممنوع منها تتحقّق بذلك لا بالبيع بالمائة والزيادة ، فظهر الفرق بين هذه وبين ما إذا باع البعض بالثمن المعيّن ، فإن البعض الآخر لا يجوز بيعه بثوب مثلا.

قوله : ( وكل تصرف خالف الوكيل فيه الموكل فحكمه حكم تصرف الأجنبي ).

يقع موقوفا على الإجازة لأن الوكيل أجنبي بالنسبة إلى ذلك التصرف.

قوله : ( وإذا وكله في الشراء فامتثل وقع الشراء عن الموكل وينتقل‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٤٠.

(٢) التحرير ١ : ٣٣٨.

٢٥٦

إليه لا إلى الوكيل ، فلو اشترى أبا نفسه لم ينعتق عليه.

______________________________________________________

الملك إليه لا الى الوكيل ).

لا خلاف في ذلك عندنا على ما ذكره في التذكرة (١) ، وهو أصح القولين للشافعي (٢) ، لأن الوكيل قبل عقدا لغيره فوجب أن ينتقل الملك الى ذلك الغير دونه.

وقال أبو حنيفة : إنه يقع للوكيل أولا ثم ينتقل إلى الموكل ، لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل ، بدليل انه لو اشترى بأكثر من ثمنه دخل في ملكه ولم ينتقل الى الموكل ، ولأن الخطاب إنما جرى مع الوكيل وأحكام العقد تتعلق به (٣).

وجوابه : أن تعلق أحكام العقد بالوكيل ممنوع ، ودخوله في ملكه لو اشترى للموكل بأزيد من ثمنه إنما هو ظاهرا حيث لا يضيف الشراء ، والخطاب إنما جرى على سبيل النيابة فيكون أثره للمنوب. وينتقض بشراء الأب للطفل ، وكذا الوصي فإنه ينتقل الى الطفل ابتداء.

ويلزم على قوله؟ أنه لو اشترى الوكيل أبا نفسه وجب أن ينعتق عليه ، واللازم البطلان اتفاقا. ومن هذا يعلم أن تفريع المصنف قوله : ( فلو اشترى أبا نفسه لم ينعتق عليه ). على عدم انتقال الملك الى الوكيل غير حسن ، لأن ذلك لا يخالف فيه أحد.

مسألة : إذا وكله في عقد كبيع وشراء تعلقت أحكام العقد من رؤية المبيع أو المشتري بالوكيل دون الموكل ، حتى تعتبر رؤية الوكيل للمبيع دون الموكل ، ويلزم العقد بمفارقة الوكيل مجلس العقد ، ولا يلزم بمفارقة الموكل إن كان حاضرا. وتسليم رأس المال في السلم ، والتقابض حيث يشترط التقابض يعتبران قبل مفارقة الوكيل والفسخ بخيار المجلس ، والرؤية تثبت للوكيل ، والأقرب انه يثبت للموكل. وقال‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٠.

(٢) المجموع ١٤ : ١٤٦.

(٣) بدائع الصنائع ٦ : ٣٣ ، المجموع ١٤ : ١٤٧.

٢٥٧

وإذا باع بثمن معين ملك الموكل الثمن ، وإن كان في الذمة فللوكيل والموكل المطالبة ،

______________________________________________________

بعض الشافعية : تثبت للوكيل دون الموكل (١) (٢).

قوله : ( وإذا باع بثمن معيّن ملك الموكل الثمن ، وإن كان في الذمة فللوكيل والموكل المطالبة ).

لا ريب أن ملك الثمن ينتقل إلى الموكل في الصورتين ، لكن أنكر أبو حنيفة جواز مطالبة الموكل بالثمن محتجا ، بأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل (٣).

فإن قيل : إطلاق ثبوت المطالبة بالثمن للوكيل ينافي ما سبق من أنه لا يملك قبض الثمن إلاّ بالإذن.

فالجواب عنه من وجهين :

الأول : إن المنع من القبض لا يقتضي المنع من المطالبة ، إذ ليس من لوازم المطالبة القبض فيطالب به ، وعند الإقباض يقبض الموكل. وفيه نظر ، لأنه لا سلطنة للوكيل على الثمن بدون الإذن لعدم تناول التوكيل فلا يملك المطالبة به أيضا.

الثاني : إن هذا الكلام مسوق للرد على أبي حنيفة ، حيث أنكر ثبوت المطالبة بالثمن للموكل فأطلق الحكم في الوكيل ، اعتمادا على ما سبق من أنه لا يملك القبض إلاّ بالإذن (٤).

وعلى ظاهر العبارة مؤاخذة ، وهي أن حكمه بملك الموكل الثمن في الأولى يوهم عدمه في الثانية ، كما أن حكمه بثبوت المطالبة لكل من الوكيل والموكل في الثانية يوهم خلافه في الاولى ، مع أن تعيين الثمن لا يدفع الاحتياج إلى المطالبة ، والظاهر أن خلاف أبي‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٣٥.

(٢) هذه المسألة بأكملها لم ترد في نسخة ( ك‍ ).

(٣) بدائع الصنائع ٦ : ٣٣.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ٣٣.

٢٥٨

وثمن ما اشتراه في الذمة يثبت في ذمة الموكل وللبائع مطالبة الوكيل إن جهل الوكالة ، وحينئذ لو أبرأه لم يبرأ الموكل.

وإذا اشترى معيبا بثمن مثله وجهل العيب وقع عن الموكل ، وإن علم وقف على الإجازة مع النسبة ، وإلاّ قضى على الوكيل ،

______________________________________________________

حنيفة في الصورتين معا.

قوله : ( وثمن ما اشتراه في الذمة يثبت في ذمة الموكل ، وللبائع مطالبة الوكيل إن جهل الوكالة ، وحينئذ لو أبرأه لم يبرأ الموكل ).

لا خلاف في هذه الأحكام عندنا ، لكن نقل في التذكرة (١) عن بعض العامة : أن الثمن يثبت في ذمة الوكيل تبعا ، فللبائع مطالبة من شاء منهما ، فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكل ، وإن أبرأ الموكل برأ الوكيل أيضا (٢). وهذا إذا علم الوكالة ، فإن جهلها فان ما يطالب به الوكيل. ومتى ثبتت المطالبة للوكيل ، فإذا أبرأه البائع من الثمن لم يبرأ الموكل ، لأن الثمن في ذمته في نفس الأمر ولا شي‌ء في ذمة الوكيل.

واعلم أنه إذا كان الثمن في يد الوكيل فللبائع مطالبته به ايضا ، سواء كان ما بيده معيّنا في العقد أم لا ، بأن دفعه إليه الموكل ليصرفه ثمنا فاشترى في الذمة ، وعبارة المصنف لا تنافي هذا ، وسيأتي تحقيق ذلك في كلامه قريبا إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وإذا اشترى معيبا بثمن مثله وجهل العيب وقع عن الموكل ).

لأن التوكيل محمول على شراء صحيح ظاهرا ، لا في نفس الأمر ، لأن العيب قد يخفى على أهل المعرفة ، فالتكليف بالسلامة في نفس الأمر تكليف بما لا يطاق.

قوله : ( فإن علم وقف على الإجازة مع علم النسبة ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٨.

(٢) المجموع ١٤ : ١٣٤.

٢٥٩

وإن كان بغبن وعلم لم يقع عن الموكل إلاّ مع الإجازة ، وإن جهل فكذلك.

______________________________________________________

أي : فان علم بالعيب وقت الشراء فهو فضولي ، لعدم تناول التوكيل إياه‌ فيقف على الإجازة. لكن هذا إنما هو مع النسبة ، والمراد بها نسبة الشراء إلى الموكل في العقد ، أما إذا خلا العقد من النسبة لفظا فإنه يقضى على الوكيل بالشراء ظاهرا إن لم يصدّقه البائع على إرادة الموكل ، فيطالبه بالثمن حينئذ ، وهذا هو المراد بقوله : ( وإلاّ قضي على الوكيل ).

قوله : ( وان كان بغبن وعلم لم يقع عن الموكل إلاّ مع الإجازة ).

لأن إطلاق الأمر بالشراء محمول على ثمن المثل ، فإذا اشترى بزيادة عالما بالحال كان فضوليا ، فيقف على الإجازة مع النسبة ، وبدونها يقضى على الوكيل. وإنما سكت عن ذلك ، لاستفادته من المسألة السابقة.

قوله : ( وإن جهل فكذلك ).

أي : وإن جهل الغبن وقت الشراء فالحكم كما إذا كان عالما ، والفرق بين الغبن والعيب : أن العيب قد يخفى فلا يمكن التكليف بشراء الصحيح ، بخلاف الغبن فإنه يمكن الوقوف عليه بأدنى ملاحظة ، لاشتهار القيمة عند أهل المعرفة.

وفي حواشي شيخنا الشهيد : أن هذا من الفروق المنسوبة إلى المصنف ، قال : وفيه اعتراف بأن العيب إن كان مثله لا يخفى على مثله كان كالغبن ، وإن الغبن إذا كان مثله يخفى على مثله كان كالعيب.

وفيه مناقشة ، لأن الخفاء على مثله إذا لم يكن من أهل المعرفة لا أثر له ، لأنه يجب عليه التفحص من أهل المعرفة. نعم يمكن أن يقال : إن بعض الغبن قد يخفى جدا كما في قيم الجواهر وما جرى مجراها ، وبعض العيوب قد يسهل الوقوف عليها ويطلع عليها من أهل الخبرة بسهولة ، فيكون مقتضى الفرق المذكور اللزوم فيما يخفى غالبا من العيب والغبن دون ما لا يخفى منهما.

٢٦٠