جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

وإن لم يستقص في الوصف ، ولو أطلق فالأقرب الجواز.

______________________________________________________

قال : عبدا تركيا وإن لم يستقص في الوصف ).

لا خلاف في أنه لا يشترط أن يكون متعلق الوكالة معلوما من جميع الوجوه التي تتفاوت باعتبارها الرغبات ، فإن الوكالة عقد شرع للارتفاق ودفع الحاجة فتناسبه المسامحة ، ولأنّه من العقود الجائزة. ومن ثم لم يشترط فيه القبول اللفظي ولا الفورية في القبول ، لكن يجب أن يكون معلوما مبينا من بعض الوجوه حتى لا يعظم الغرر.

ولا فرق في ذلك بين الوكالة العامة والخاصة ، كذا ذكره المصنف في التذكرة (١) وغيره (٢) ، وضبط هذا لا يخلو من عسر ، ويمكن رده إلى العرف إن انضبط ذلك عرفا. فلو وكل شخص في شراء عبد ـ وهي وكالة خاصة ـ افتقر صحة توكيله إلى وصفه لينتفي عظم الغرر المذكور سابقا في كلام المصنف ، فإن ( عبدا ) متوغل في الإبهام. أما لو قال : عبدا تركيا فإنه يصح وإن لم يستقص في الوصف بحيث يستوفي جميع الأوصاف المعتبرة في السلم التي بها ترفع الجهالة.

ويشكل بكون الغرر مانعا من صحة الوكالة هاهنا ، ولا دليل على ذلك ، فإن التوكيل في شراء عبد يقتضي الاستنابة في شراء اي عبد كان شراؤه مشتملا على مصلحة الموكل.

ولو سلم فلا نسلّم انتفاء الغرر بقوله : ( تركيا ) ، للتفاوت الكثير جدا بين أفراده التركي ، بخلاف ما لو قال : وكلتك في استيفاء دين من ديوني ، أو مخاصمة غريم من غرمائي ، أو إعتاق عبد من عبيدي ، لعدم فهم المراد من ذلك.

وقول المصنف : ( ولو أطلق فالأقرب الجواز ) يقتضي الرجوع عما قدّمه من‌ قوله : ( فلو وكّل في شراء عبد افتقر الى وصفه ، لمنافاته إياه ) ولذلك كان نظم العبارة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٩.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٩١.

٢٢١

ولو قال : وكلتك على كل قليل وكثير لم يجز ، لتطرق الغرر ، وعدم الأمن من الضرر ، وقيل : يجوز وينضبط التصرف بالمصلحة.

______________________________________________________

غير حسن ، ووجه القرب يعلم مما سبق. وقال الشيخ في المبسوط : لا يصح ، لأنه غرر (١) ، وقد علمت مما ذكرنا وجه رده ، ولا ريب أن الوصف أحوط ، والجواز لا يخلو من قوة.

واحتمل شيخنا الشهيد وجها ثالثا ، وهو التفصيل بأنّ المقصود بالعبد إن كان هو التجارة لم يفتقر إلى الوصف ، لأن الغرض هو الاسترباح ، وإن كان هو الخدمة افتقر. ويرد عليه : أن الاسترباح يتفاوت تفاوتا بينا بتفاوت الأعيان.

قوله : ( ولو قال : وكلتك على كل قليل وكثير لم يجز ، لتطرق الغرر ، وعدم الأمن من الضرر ، وقيل : يجوز ، وينضبط التصرف بالمصلحة ).

القائل بالجواز هو الشيخ في النهاية (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وجماعة (٤) ، ومنع من ذلك في المبسوط والخلاف (٥) ، للغرر العظيم وعدم الأمن من تصرف يوجب ضررا على الموكل كهبة ماله ، وتطليق نسائه ، وعتق رقيقه ، وتزويجه نساء كثيرة ، وإلزامه المهور العظيمة والأثمان الجزيلة. وردّ بأن الضرر مدفوع بكون التصرف مشروطا بالمصلحة ، وأصل الغرر غير قادح في عقد الوكالة.

والمصنف فرّق في التذكرة بين ما إذا وكّله في كل قليل وكثير ـ من غير ان يضف ذلك الى نفسه ـ وبين ما إذا أضافه ، فحكم بالبطلان في الأول لشدة الإبهام والغرر دون الثاني ، وهذه عبارته : ولو ذكر الإضافة إلى نفسه فقال : وكلتك في كل أمر‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٩١.

(٢) النهاية : ٣١٧.

(٣) السرائر : ١٧٦.

(٤) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٣٧ ، وسلار في المراسم : ٢٠١ ، والمحقق الحلي في الشرائع ٢ : ١٩٦ ، والمقداد السيوري في التنقيح الرائع ٢ : ٢٩٠.

(٥) المبسوط ٢ : ٣٩١ ، الخلاف ٢ : ٨٧ مسألة ١٤ كتاب الوكالة.

٢٢٢

______________________________________________________

هو اليّ ، أو في كل أموري ، أو في كل ما يتعلق بيّ ، أو في جميع حقوقي ، أو بكل قليل وكثير من أموري ، أو فوّضت إليك جميع الأشياء التي تتعلق بيّ ، أو أنت وكيلي مطلقا فتصرّف في مالي كيف شئت ، أو فصل الأمور المتعلقة به التي تجري فيها النيابة فقال : وكلتك ببيع أملاكي وتطليق زوجاتي وإعتاق عبيدي ، أو لم يفصل على ما تقدم ، إلى أن قال : فالوجه عندي الصحة في الجميع.

واحتج بأنه لفظ عام فصح في ما تناوله ، كما لو قال : بع مالي كله ، ولأنه لو فصّل وذكر جميع الجزئيات المندرجة تحت اللفظ العام صح التوكيل فيكون الإجمال صحيحا ، ثم ذكر احتجاج المانع بالغرر ودفعه بأن الانضباط باعتبار المصلحة (١).

والبحث في كلامه هذا يقع في شيئين :

أحدهما : الفرق الذي ذكره وليس بذلك الواضح ، لأن التوكيل إنما يكون فيما يملكه الموكل ، إذ لا يعقل توكيل شخص آخر فيما لا يملكه الموكل ، فظاهر اللفظ وإن كان مطلقا إلاّ أن التوكيل وقرينة المقام يقيّده.

الثاني : إن كون التصرف مقيدا بالمصلحة بدفع الغرر غير مانع ، لأن الجهالة في متعلق الوكالة باقية ، ومع ذلك فإن المصلحة في الأمور المنتشرة أمر خفي جدا ، فلا بد من التزام أحد أمرين : إما كون الغرر غير مانع من صحة هذا العقد ، أو القول ببطلان الوكالة في هذه المسألة ونظائرها.

لكن يلزم القول بالبطلان فيما إذا وكّله في جميع أموره مفصلة ، لأن تفصيلها لا يدفع الغرر ، والذي يقتضيه النظر القول بالصحة كقول ابن إدريس (٢) وإن كان اعتبار التعيين أحوط.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٩.

(٢) السرائر : ١٧٥.

٢٢٣

ولو قال : وكلتك بما اليّ من تطليق زوجاتي ، وعتق عبيدي ، وبيع أملاكي جاز.

ولو قال : بما اليّ من كل قليل وكثير فإشكال.

ولو قال : بع مالي كله واقض ديوني كلها جاز ، وكذا بع ما شئت من مالي واقبض ما شئت من ديوني.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : وكلتك بما اليّ من تطليق زوجاتي ، وعتق عبيدي ، وبيع أملاكي جاز ).

لاندفاع الغرر بالتفصيل.

قوله : ( ولو قال : بما إليّ من كل قليل وكثير فإشكال ).

منشأ الاشكال معلوم مما سبق وهو الغرر ، واندفاعه بالتقييد بالمصلحة ، والفرق بين هذه وبين ما تقدم من قوله : ( وكلتك على كل قليل وكثير ) لم يجز إضافته هنا ـ القليل والكثير ـ إلى نفسه وإطلاقه هناك ، وفي الفرق تردد.

قوله : ( ولو قال : بع مالي كله واقض ديوني كلها جاز ، وكذا : بع ما شئت من مالي واقبض ما شئت من ديوني ).

لا فرق في الجواز بين أن يكون ماله ، وديونه معلومة في وقت التوكيل أو لا ، للتقييد بالمصلحة ، ومنع بعض الشافعية صحة التوكيل في بيع ماله ، للجهالة (١) ، ويجي‌ء على قول الشيخ في المبسوط عدم الصحة (٢).

ولو قال : وكلتك في بيع شي‌ء من مالي ، أو في بيع طائفة منه ، أو قطعة منه ، أو في قبض شي‌ء من ديوني ولم يعيّن فالظاهر عدم الصحة وفاقا للتذكرة (٣) ، لجهالة متعلق‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٠٧.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٩١.

(٣) التذكرة ٢ : ١١٩.

٢٢٤

ولو قال : اشتر عبدا بمائة ، أو اشتر عبدا تركيا فالأقرب الجواز.

والتوكيل بالإبراء يستدعي علم الموكل بالمبلغ المبرئ عنه ولو قال : أبرئه من كل قليل وكثير جاز ولا يشترط علم الوكيل ولا علم من عليه الحق.

______________________________________________________

الوكالة من الجملة بخلاف المقيّد بالمشيئة.

قوله : ( ولو قال اشتر عبدا بمائة ، أو اشتر عبدا تركيا فالأقرب الجواز ).

وجه القرب معلوم مما سبق ، وهو المفتي به ، واحتاط الشيخ في المبسوط بعدم جواز التوكيل في شراء عبد تركي أو زنجي مطلقا من دون أن يسمي ثمنا (١).

وقد كان اللائق بنظم الكتاب أن يقدّم هذه المسألة على قوله : ( ويكفي لو قال : عبدا تركيا ) ، لأنه إذا جزم بالجواز من دون تعيين الثمن لم يكن لقوله : ( فالأقرب الجواز ) بالنسبة الى هذه المسألة وجه.

قوله : ( والتوكيل بالإبراء يستدعي علم الموكل بالمبلغ المبرئ عنه ، ولو قال : أبرئه من كل قليل وكثير جاز ، ولا يشترط علم الوكيل ولا علم من عليه الحق ).

صرح المصنف في التذكرة بأنه لو وكّله في أن يبرئه من الدين الذي عليه صح وإن لم يعلم الموكل قدره ولا الوكيل عندنا ، وهو الذي يقتضيه النظر (٢).

وينزّل كلامه هنا على أن الموكل لم يقصد إبراءه من كل ما في ذمته قليلا كان أو كثيرا ، فيشترط حينئذ علمه بالقدر ليصح الإبراء لا علم الوكيل ، أما إذا قصد أبرأه مطلقا فهو بمنزلة ما لو وكله في إبرائه من كل قليل وكثير.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٩٢.

(٢) التذكرة ٢ : ١٢٠.

٢٢٥

ولو قال : بع بما باع به فلان سلعته استدعى علم الوكيل بالمبلغ أو الموكل.

ولو وكله بمخاصمة غرمائه جاز وان لم يعينهم.

______________________________________________________

وأما علم من عليه الحق فليس بشرط أصلا ، وربما قيل باشتراطه بناء على ان الإبراء تمليك لا إسقاط ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو قال : بع بما باع به فلان سلعته استدعى علم الوكيل بالمبلغ أو الموكل ).

اشترط في التذكرة لصحة البيع علم الوكيل بما باع به فلان ، لأن العهدة تتعلق به فلا بد أن يكون على بصيرة من الأمر ـ وهو صحيح في موضعه ـ فاما ما هنا فان ظاهره اشتراط ذلك لصحة التوكيل (١).

ويرد عليه أنه لا دليل على ذلك ، لأن علم الوكيل من دون إعلام الموكل لا يندفع به الغرر ، فإن كان مانعا اشترط علم الموكل. ثم لا يجوز للوكيل البيع إلاّ إذا علم القدر ، وإن لم يكن مانعا لم يشترط علم واحد منهما ، لكن يجب على الوكيل الاستعلام قبل البيع واعتماد المصلحة ثم بما ذا يثبت العلم بقدر ما باع به؟ لا أعلم فيه تصريحا ، وفي الاكتفاء بقول نحو البائع أو المشتري أو الدلال توقف.

ولو نزّلت عبارة الكتاب على أن المستدعي لذلك هو صحة البيع لا الوكالة ـ على انه خلاف الظاهر ـ لم يستقم ، لأن علم الموكل لا يكفي لذلك من دون علم الوكيل ، لأنه المتولي للبيع وعهدته عليه ، فلا بد أن يكون على بصيرة منه.

قوله : ( ولو وكّله في مخاصمة غرمائه جاز وإن لم يعينهم ).

عملا بمقتضى العموم ، وفي قول للشافعية انه لا يجوز حتى يعيّن من يخاصمه ، لاختلاف العقوبة (٢).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٠.

(٢) المجموع ١٤ : ١٠٦.

٢٢٦

الفصل الثاني : في أحكامها ، ومطالبه خمسة :

الأول : في مقتضيات التوكيل : إطلاق الاذن في البيع يقتضي البيع بثمن المثل حالا بنقد البلد ، إلاّ ما يتغابن الناس بمثله ، وليس له أن يبيع بدونه أو بدون ما قدّره إن عيّن.

ولو حضر من يزيد على ثمن المثل فالأقرب أنه لا يجوز بيعه بثمن المثل ،

______________________________________________________

قوله : ( إطلاق الإذن في البيع يقتضي البيع بثمن المثل حالا بنقد البلد ، إلاّ ما يتغابن الناس بمثله ).

لا خلاف في هذا الحكم ، والأصل فيه وجوب حمل إطلاق اللفظ على المعهود المتعارف ، فإنّ البيع بدون ثمن المثل تخسير وهو خلاف الغالب ، إلاّ القدر اليسير الذي جرت العادة بالمسامحة به ولا يعتد بنقصانه ، كدرهم في ألف فإن الناس يتغابنون بذلك ولا يناقشون به فلا يؤاخذ به الوكيل.

وكذا القول في الحلول والنقد الغالب في البلد ، ومن ثم يحمل إطلاق عقد البيع على الحلول والنقد الغالب.

قوله : ( وليس له أن يبيع بدونه أو بدون ما قدّره إن عيّن ).

إذ لا يجوز التصرف في ماله إلاّ بمقتضى الإذن ، فإن فعل فهو فضولي ، وإن سلّم العين مع ذلك فهو عاد.

قوله : ( ولو حضر من يزيد على ثمن المثل فالأقرب انه لا يجوز بيعه بثمن المثل ).

وجه القرب انه تصرف يخالف الغبطة والمصلحة ، والوكيل مأخوذ عليه أن يكون تصرفه مشتملا على الغبطة.

٢٢٧

ولو حضر في مدة الخيار ففي وجوب الفسخ إشكال.

وله أن يبيع على ولده وإن كان صغيرا على رأي ،

______________________________________________________

ويحتمل الجواز ، لأن إطلاق الوكالة منزل على البيع بثمن المثل ، فيجوز البيع به على كل حال. ويضعّف بأن البيع بثمن المثل في العادة الغالبة إنما هو حيث لا يوجد من يشتري بالزائد ، فيحمل إطلاق الوكالة على ذلك ، وهو الأصح.

قوله : ( ولو حضر في مدة الخيار ففي وجوب الفسخ اشكال ).

بناء على ما قرّبه من عدم جواز البيع بثمن المثل مع وجود من يشتري بزيادة عنه ، لو لم يحضر باذل الزيادة إلاّ بعد وقوع البيع على الوجه المعتبر ، لكن كان ذلك في مدة خيار الموكل فهل يجب على الوكيل الفسخ بالخيار ليبيع بالزيادة؟ فيه إشكال ينشأ : من وقوع البيع على الوجه المعتبر ، والفسخ لطلب حصول الزيادة تكسّب ، وهو غير واجب على الوكيل. ومن أن تصرّف الوكيل مشروط بالغبطة ، ولا غبطة في إبقاء هذا البيع مع وجود بذل الزيادة ، ولأن البيع بالزيادة مع تحقق بذلها واجب ، ولا يتم إلاّ بالفسخ فيجب.

فإن قيل : قد امتثل ما يجب عليه ، والأصل براءة الذمة من وجوب غيره.

قلنا : لا نسلم فان الواجب عليه هو البيع بالزيادة حيث أمكن عادة ، وهو ممكن هنا فيتعين المصير اليه. والأصح أن وكالته إن كانت شاملة للفسخ بالخيار وجب الفسخ هنا والبيع بالزيادة.

قوله : ( وله أن يبيع على ولده وإن كان صغيرا على رأي ).

منع الشيخ من بيع الوكيل على ولده الصغير ، لأنه يكون موجبا قابلا ، ولتطرق التهمة ببيعه على نفسه (١). وهو ضعيف لما سبق من جواز كون الواحد موجبا‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٨١.

٢٢٨

لا على نفسه ، إلاّ أن يأذن الموكل فله أن يتولى الطرفين.

وإطلاق الإذن في الشراء يقتضي ابتياع الصحيح دون المعيب ، بثمن المثل ، بنقد البلد ، حالا ، لا من نفسه والتوكيل في البيع يقتضي تسليم‌

______________________________________________________

قابلا باعتبارين ، والتهمة مدفوعة بمراعاة المصلحة ، والأصح الجواز. واعلم أن ولده الكبير كالأجنبي فيصح بيعه عليه عندنا ـ خلافا لبعض الشافعية (١) ـ كما يصح بيعه على صديقه.

قوله : ( لا على نفسه إلاّ بإذن الموكل فله ان يتولى الطرفين ).

أطلق الشيخ المنع من بيع مال غيره بولاية ، أو وكالة من بيعه على نفسه إلا الجد والأب (٢) ، وقد سبق في الركن الثالث حكاية قول بأن الواحد لا يتولى طرفي العقد.

والأصح أن الوكيل يجوز أن يبيع لنفسه إذا أذن له الموكل في ذلك لا بدونه ، سواء منع أو أطلق ، لأن المفهوم من استنابته في البيع البيع على غيره فلا يتناوله الإطلاق ، وليس ببعيد استفادة الاذن من القرينة القوية ، كما لو قال : بعه بمائة ولا غرض لي متعلّق بخصوص المشتري ، ونحو ذلك.

قوله : ( وإطلاق الاذن في الشراء يقتضي ابتياع الصحيح دون المعيب ، بثمن المثل ، بنقد البلد ، حالا ، لا من نفسه ).

لأن الغالب في المعاملة هو ذلك فيحمل الإطلاق عليه ، ولا أثر للزيادة اليسيرة التي يتغابن الناس بمثلها ، ولا يجوز أن يشتري من نفسه ، كما لا يجوز أن يبيع من نفسه إلاّ بالإذن كما سبق.

قوله : ( والتوكيل في البيع يقتضي تسليم المبيع إلى المشتري ،

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٢٢.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٨١.

٢٢٩

المبيع إلى المشتري.

ولا يملك الإبراء من الثمن ولا قبضه ، لكن هل له أن يسلّم المبيع من دون إحضار الثمن؟ إشكال ، الأقرب المنع ، فيضمن لو تعذّر قبض الثمن من المشتري.

______________________________________________________

ولا يملك الإبراء من الثمن ولا قبضه ).

أما الحكم الأول فلأن البيع يقتضي إزالة ملك البائع عن المبيع ودخوله في ملك المشتري ، فيجب التسليم إليه ، لأنه من حقوقه ، وجعله بعض الشافعية كقبض الثمن في أن فيه وجهين (١).

وأما الحكم الثاني فلعدم تناول الوكالة لواحد من الأمرين ، فإن مفهوم الوكالة غير مفهوم الإبراء من الثمن وقبضه ، ولا يدل على واحد منهما بشي‌ء من الدلالات. وقال أبو حنيفة : إنه يملك الإبراء من الثمن ويضمنه (٢) ، ولا فرق بين الصرف وغيره من أقسام البيع خلافا للشافعية (٣).

قوله : ( لكن هل له أن يسلّم المبيع من دون إحضار الثمن؟ إشكال ، الأقرب المنع ، فيضمن لو تعذر قبض الثمن من المشتري ).

لما ذكر من أن التوكيل في البيع يقتضي تسليم المبيع لا قبض الثمن أو هم جواز تسليم المبيع قبل قبض الثمن فأراد بيان حكمه.

ومنشأ الإشكال : من أن التوكيل في البيع حيث اقتضى الاذن في تسليم المبيع دون قبض الثمن وجب أن يثبت بدونه ، عملا بمقتضى التوكيل ، إذ لو تخلف عنه لم يكن مقتضى له. ومن إطلاقهم منع الوكيل من تسليم المبيع أولا.

ووجه القرب فيما اختاره أن التوكيل في البيع لم يقتض تسليم المبيع مطلقا ،

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١١٦.

(٢) المجموع ١٤ : ١١٦.

(٣) المجموع ١٤ : ١١٦ ـ ١١٧.

٢٣٠

ولو دلّت قرينة على القبض ملكه ، بأن يأمره ببيع ثوب في سوق غائب عن الموكل ، أو في موضع تضييع الثمن بترك قبض الوكيل.

وليس له بيع بعضه ببعض الثمن إلاّ مع القرينة ، كما لو امره ببيع عبدين.

______________________________________________________

بل مع مراعاة الاحتياط للموكل في حفظ الثمن ، إذ لا دليل يدل على سقوط هذا الحق فيجب الجمع بينهما ، فإن تسلم الموكل الثمن أو إبراء المشتري منه ، أو حصلت مقاصة به من دينه لم يتوقف تسليم المبيع إلى المشتري حينئذ على إذنه ، وهذا هو الأصح.

فعلى هذا لو سلّم الوكيل المبيع قبل قبض الثمن فتعذر أخذه من المشتري ضمنه الوكيل ، لتضييعه إياه بالتسليم قبل قبضه. وقال بعض العامة لا يضمنه ، بناء على اقتضاء البيع تسليم المبيع لا قبض الثمن (١) ، وليس بشي‌ء.

قوله : ( ولو دلت قرينة على القبض ملكه بأن يأمره ببيع ثوب في سوق غائب عن الموكل ، أو في موضع تضييع الثمن بترك قبض الوكيل له ).

الظاهر أن الوكيل إذا أخل بالقبض هنا فتعذر الوصول الى الثمن يضمنه ، لأنه المضيّع له ، ومثله ما لو أذن له في البيع على متغلب والموكل غائب أو عاجز عن الأخذ منه ، وقد شهدت القرينة بأنه لولا رجاؤه قبض الوكيل منه لم يأمره بالبيع.

قوله : ( وليس له بيع بعضه ببعض الثمن إلاّ مع القرينة ، كما لو أمره ببيع عبدين ).

أي : ليس للوكيل في بيع شي‌ء بيع بعضه ببعض الثمن ، لأن التوكيل انما هو في بيع المجموع وهو مغاير للأجزاء ، ولأن في التبعيض إضرارا بالموكل فلو فعل كان فضوليا.

ولو دلت القرينة المستفادة من الحالات العرفية على التبعيض جاز فعله ، كما‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١١٧.

٢٣١

ولو نص على وحدة الصفقة لم يجز له التجاوز ، وله حينئذ ان يشتري من المالكين صفقة.

ولو وكله في الشراء ملك تسليم ثمنه ، وقبض المبيع كقبض الثمن.

______________________________________________________

لو أمره ببيع عبدين أو عبيد فإنه يملك العقد عليهم جملة وفرادى ، للعرف المستمر في ذلك ، وانتفاء الضرر ، ولندور اتفاق من يشتري الجميع جملة واحدة ، بخلاف العبد الواحد ونحوه من الأعيان ، والأقمشة وغيرها كذلك.

وينبغي الرجوع في ذلك إلى العرف ، فإذا اطرد بشي‌ء وجب المصير اليه ، وإلاّ فالعين الواحدة لا يجوز تبعيضها ، والأعيان المتعددة يجوز فيها الأمران.

ولو نص الموكل على شي‌ء لم يجز تجاوزه ، فإن فعل فهو فضولي ، لانتفاء الإذن فيه ، وإلى هذا أشار بقوله : ( ولو نص على وحدة الصفقة لم يجز التجاوز ) سواء تعددت الأعيان أم لا.

قوله : ( وله حينئذ أن يشتري من المالكين صفقة ).

أي : للوكيل حينئذ ـ نص له الموكل على وحدة الصفقة في البيع أو الشراء ـ أن يشتري من المالكين صفقة ، فيشتري العبدين مثلا في عقد واحد وإن تعدد المالك ، لتحقق اتحاد الصفقة باتحاد القبول. وقال الشافعي : لا يصح ، لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان (١) ، ويرده انه ليس عقدين وإنما هو واحد في قوة اثنين.

قوله : ( ولو وكّله في الشراء ملك تسليم الثمن ، وقبض المبيع كقبض الثمن ).

وجهه مستفاد مما سبق ، لكن قال المصنف في التذكرة : إن الموكل إذا منع الوكيل من تسليم المبيع لم يكن له تسليمه ، محتجا بأنه من توابع البيع وتمام العقد. وكون التسليم مستحقا للمشتري لا يقتضي كون المستحق هو تسليم الوكيل ،

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٢٩.

٢٣٢

ولو وكله في التزويج كان له أن يزوجه ابنته ، وله أن يرد بالعيب مع الإطلاق ، ومع التعيين اشكال ،

______________________________________________________

فالممنوع منه غير المستحق (١). وليس بواضح ، لأنه إذا سلّم المشتري الثمن الى الموكل انقطعت سلطنة الموكل عن المبيع ، ووجب على من كان بيده تسليمه إلى مالكه. وكذا القول في الثمن في جانب الشراء فليتأمل ذلك.

قوله : ( ولو وكل في التزويج كان له أن يزوجه ابنته ).

كما إذا وكله في البيع كان له أن يبيع من ابنه ، ومنع بعض العامة من ذلك (٢) ، وينبغي أن يجي‌ء هنا على قول الشيخ المنع إذا كانت صغيرة (٣).

ولو وكلته المرأة في تزويجها لم يكن له أن يزوجها من نفسه ، لرواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٤) ، واحتمل في التذكرة مع إطلاق الإذن الجواز (٥). نعم له أن يزوجها من ابنه ووالده ، ولبعض العامة وجهان (٦).

قوله : ( وله الرد بالعيب مع الإطلاق ، ومع التعيين اشكال ).

المراد بـ ( الإطلاق ) : أمره بشراء شي‌ء من غير أن يعين شخصه ، ووجه ثبوت الرد هنا : أن التوكيل إنما ينزّل على الشراء الصحيح ، فإذا ظهر العيب كان له الرد وشراء ما وكل فيه وهو الصحيح ، لكن مقتضى هذا التعليل أن لا يصح الشراء أصلا.

وعلل في التذكرة صحة الشراء بأنه إنما يلزمه شراء الصحيح في الظاهر ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٣.

(٢) المجموع ١٤ : ١٢٢.

(٣) المبسوط ٢ : ٣٨١.

(٤) الكافي ٥ : ٣٩٧ حديث ١.

(٥) التذكرة ٢ : ١٤٠.

(٦) المجموع ١٤ : ١٢٥.

٢٣٣

فإن رضي المالك لم يكن له مخالفته.

______________________________________________________

وليس مكلفا بالسلامة في الباطن ، لأن ذلك لا يمكن الوقوف عليه فلا يجوز تكليفه به ، ويعجز عن التحرز عن شراء معيب لا يظهر عيبه فيقع الشراء للموكل ـ وهو قول أكثر الشافعية (١) ـ كما لو اشتراه بنفسه جاهلا بعيبه ، وحكى عن بعضهم عدم وقوعه عن الموكل (٢) (٣).

لكن يلزم على تعليله هذا عدم جواز الرد للوكيل هنا ، لأن التوكيل في الشراء لا في الرد ، وقد صرح به بعد هذا فقال : وهل يملك الوكيل الرد بالعيب؟ أما عندنا فلا ، لأنه إنما وكّله في الشراء لا في الرد ، وصرح به في الزرع أيضا (٤).

والحاصل أن القول بصحة الشراء للموكل ينافي جواز الرد من دون اذنه ، والاحتجاج بأنه أقامه مقام نفسه في هذا العقد ولو احقه ، وأنه ربما تعذّر الرد فيحصل الضرر ضعيف ، لأنه إنما أقامه مقام نفسه في الشراء خاصة. وكما يحتمل رضاه بالرد يحتمل عدمه ، فمختار التذكرة لا يخلو من قوة.

أما مع التعيين ـ وهو التوكيل في شراء شي‌ء بعينه ـ فيه إشكال ينشأ : من أن التوكيل في الشراء لا يندرج فيه التوكيل في الرد كما سبق ، ولأن المالك قد قطع نظر الوكيل واجتهاده بالتعيين ، وربما كان قد اطّلع على عيبه.

ومن أن الظاهر والغالب انه لا يرضى بالمعيب ، وقد أقامه مقام نفسه فكان له الرد ، وهو ضعيف ، والأصح عدم الجواز إلاّ بالإذن.

قوله : ( فإن رضي المالك لم يكن له مخالفته ).

أي : إن رضي بالعيب ، وينبغي أن يكون هذا إذا قلنا بأن للوكيل الرد‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٢٦.

(٢) المجموع ١٤ : ١٢٦ و ١٢٧.

(٣) التذكرة ٢ : ١٢٣.

(٤) التذكرة ٢ : ١٢٣.

٢٣٤

ولو استمهله البائع حتى يحضر الموكل لم تلزم إجابته ، فإن ادعى رضى الموكل استحلف الوكيل إن ادعى علمه على نفي العلم.

ولو ردّه فحضر الموكل وادعى الرضى وصدّقه البائع بطل الرد إن‌

______________________________________________________

فرضي المالك قبله. ولا خفاء في أن هذا مستغنى عنه ، لأن ثبوت الرد للوكيل إنما هو لشمول وكالته إياه ، فإذا ملك الموكل منعه مما دل عليه صريح التوكيل فغيره أولى.

ولا سبيل إلى أن يراد رضى المالك بعد فسخ الوكيل ، لان فعله ماض عليه إذا لم يخالف المصلحة ، وكأنه أراد التنبيه على الفرق في هذا الحكم بين الوكيل وعامل المضاربة ، فإن رضى المالك بالمعيب لا يمنع العامل من الرد ، لأن له حقا في العين فلا يسقط برضى غيره.

قوله : ( ولو استمهله البائع حتى يحضر الموكل لم تلزم إجابته ).

حيث ثبت للوكيل الرد بالعيب لو استمهله البائع في الرد حتى يحضر الموكل فربما رضي بالعيب لم تلزم اجابته ، لثبوت حق الرد ولا دليل على سقوطه ، ولأنه لا يأمن فوات الرد بهرب البائع ، وفوات الثمن بتلفه.

ويشكل بما إذا اقتضت المصلحة ذلك ، أو كانت غبطة الموكل في عدم رد ذلك المعيب ، فان جواز الاقدام على الرد محل بحث ، وبدون المصلحة يبعد القول بالجواز وإن كان ظاهر قوله : ( لم يلزم ) مشعرا به.

قوله : ( فإن ادعى رضى الموكل استحلف الوكيل إن ادعى علمه على نفي العلم ).

أي : إن ادعى البائع رضي الموكل بالمعيب لم يسقط الرد بذلك ، وإن ادعى علم الوكيل بالرضى أحلفه على نفي العلم ، لأنه فعل الغير.

قوله : ( ولو ردّه فحضر الموكل وادعى الرضى وصدّقه البائع بطل‌

٢٣٥

قلنا بالعزل وإن لم يعلم الوكيل ، لأن رضاه به عزل للوكيل عن الرد.

ولو رضى الوكيل بالعيب فحضر الموكل وأراد الرد فله ذلك إن صدّقه البائع على الوكالة ، أو قامت البينة ، وإلاّ ثبت الثمن على الوكيل.

______________________________________________________

الرد ـ إن قلنا بالعزل ـ وإن لم يعلم الوكيل ، لأن رضاه به عزل للوكيل عن الرد ).

أي : لو رد الوكيل المعيب فحضر الموكل وادعى انه رضي بالمعيب قبل أن يرده الوكيل وصدّقه البائع على ذلك بطل الرد ـ أي : تبين بطلانه من حين وقوعه ـ تفريعا على القول بأن الموكل إذا عزل الوكيل ولم يعلم بالعزل ينعزل من حين عزله إياه.

وإنما قلنا إنه يتبين بطلان الرد بناء على هذا القول ، لأن رضي الموكل بالمعيب يقتضي عزل الوكيل عن الرد ، لأنه يقتضي سقوط حق الرد فتنتفي الوكالة المتعلقة به ، فقول المصنف : ( لأن رضاه ... ) تعليل لقوله : ( بطل الرد ) على القول بانعزال الوكيل وإن لم يعلم بالعزل.

أما على القول بأنه لا ينعزل ما لم يعلم بالعزل ـ وهو الأصح على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ فإنّ الرد ماض ولا أثر لرضى الموكل. وإنما اعتبر المصنف تصديق البائع الموكل على دعوى الرضى ، لأنه لو كذّبه لم يقبل قوله بدون البينة ، لثبوت انفساخ العقد ظاهرا برد الوكيل فلا تقبل دعوى الموكل ما ينافيه.

قوله : ( ولو رضي الوكيل بالعيب فحضر الموكل وأراد الرد فله ذلك إن صدّقه البائع على الوكالة ، أو قامت البينة ، وإلاّ ثبت الثمن على الوكيل ).

أي : لو رضي الوكيل بالعيب فحضر الموكل وأراد الرد : فإما أن يصدّق البائع الوكيل على الوكالة ، أو يكذبه. وعلى التكذيب : فاما أن تقوّم البينة ، أو لا.

فإن صدّقه على الوكالة أو قامت البينة بها نفذ رد الموكل ، وإن انتفى كل من‌

٢٣٦

الثاني : في تنصيص الموكل : لا يملك الوكيل من التصرف إلاّ ما يقتضيه إذن الموكل صريحا أو عرفا ، فلو وكله في التصرف في وقت معيّن لم يكن له التصرف قبله ولا بعده ولو عيّن له المكان تعيّن مع الغرض ، كأن يكون السوق معروفا بجودة النقد ، أو كثرة الثمن ، أو حله ، أو صلاح أهله ، أو مودة بين الموكل وبينهم ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

الأمرين حلف البائع على نفي العلم بأن الشراء بالوكالة ـ إن ادّعى عليه العلم ـ ويلزم الوكيل بالبيع ظاهرا ، فيجب عليه أداء الثمن كما في سائر النظائر ، ولأن الظاهر أن من اشترى شيئا فهو له ، ولامتناع حلف الوكيل إذ لو حلف لامتنع رد الموكل المبيع بيمينه ، لامتناع ثبوت حق شخص بيمين غيره ، وإحلاف الموكل ممتنع ، لانه لا طريق له الى العلم بنية الوكيل.

لكن هنا اشكال : وهو أن رضى الوكيل بالعيب إن كان حيث يصح منه شراء المعيب ويكون وكيلا في الرد وعدمه ، وكان رضاه على وفق المصلحة فلا وجه لرد الموكل على كل حال ، لأن فعل وكيله لازم له ، وإن كان حيث لا يثبت له الرد ، أو كان الرضى بالعيب على خلاف المصلحة فلا بد من شي‌ء يدل على ذلك في العبارة.

قوله : ( الثاني : في تنصيص الموكل : لا يملك الوكيل من التصرف إلاّ ما يقتضيه إذن الموكل صريحا أو عرفا ، فلو وكله في التصرف في زمن معيّن لم يكن له التصرف قبله ولا بعده ، ولو عيّن له المكان تعيّن مع الغرض ، كأن يكون السوق معروفا بجودة النقد ، أو كثرة الثمن ، أو حله ، أو صلاح أهله ، أو مودة بين الموكل وبينهم ، وإلاّ فلا ).

كان الأولى في العبارة أن يقول : ولو عيّن له المكان تعيّن مع احتمال تعلق الغرض به ، فإن الأحوال ثلاثة : أن يعلم تعلق الغرض ، وأن يعلم نفيه ، وأن يجهل‌

٢٣٧

ولو عيّن المشتري تعيّن ، ولو أمره بالبيع بأجل معيّن تعين.

ولو أطلق البطلان احتمل للجهالة ، والصحة لتقييده بالمصلحة.

______________________________________________________

الأمران. ففي الأول والثالث لا تجوز المخالفة كما صرح به في التذكرة (١) ، ويجوز في الثاني ، وفي وجه للشافعية لا يجوز أيضا (٢).

والفرق بين الزمان والمكان : إن تعلق الغرض بالزمان أكثري ، فيجب اتباع تنصيص الموكل فيه. أما المكان فإن تعيينه غالبا يقع اتفاقا من غير باعث عليه ، وإنما الغرض والمقصود حصول الثمن.

ولا يخفى ما في هذا الفرق ، فإنه ما لم يعلم انتفاء تعلق الغرض لا تجوز المخالفة وينبغي أن يستوي في ذلك الزمان والمكان ، ولا يضر كون تعلّق الغرض في أحدهما أكثريا.

ولا ريب أن عدم مخالفة تنصيص الموكل بحال أولى ، ولو أراد النقل عن البلد الذي عيّن له فيه البيع ، أو عن بلد التوكيل لم يجز إلاّ بالإذن قطعا ، فإن فعل كان ضامنا ، وعلى ما سبق فيصح البيع ان لم يتعلق بمكان التوكيل غرض.

قوله : ( ولو عيّن المشتري تعيّن ، ولو أمره بالبيع بأجل معيّن تعيّن ، ولو أطلق احتمل البطلان للجهالة ، والصحة لتقييده بالمصلحة ).

يجب على الوكيل تتبع تخصيصات الموكل ، ولا يجوز له العدول عنها ، ولا التجاوز عنها إلاّ في صورة السوق ونحوها عملا بمقتضى الإذن ، وبه صرح المصنف في التذكرة (٣).

ويراعى في تقييدات الموكل المفهوم منها بحسب العرف ، فإذا عيّن له‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٥.

(٢) المجموع ١٤ : ١١٨.

(٣) التذكرة ٢ : ١٢٥.

٢٣٨

ولو وكله في عقد فاسد لم يملكه ، ولا الصحيح.

______________________________________________________

المشتري أو الأجل لم يجز التجاوز ، وإن وكّله في البيع نسيئة وأطلق فلم يعيّن الأجل ففيه وجهان : البطلان للجهالة والغرر ، والصحة لأن هذا المقدار من الغرر غير قادح.

واحتمال الضرر مدفوع بتقييد التصرف بالمصلحة ، فيحمل الإطلاق على المتعارف بين الناس ، وهذا أقوى وإن كان اعتبار التعيين أحوط. وتعبير المصنف في التذكرة يشعر بسقوط الوجه الأول ، فإنه قال : إذا وكّله في البيع نسيئة ولم يعيّن الأجل صح عندنا (١).

قوله : ( ولو وكّله في عقد فاسد لم يملكه ولا الصحيح ).

مثل أن يقول : اشتر لي شيئا إلى مقدم الحاج ، أو مجي‌ء الغلة ، ونحو ذلك.

وإنما لم يملك الفاسد ، لأن الله تعالى لم يأذن فيه ، ولأن الموكل لا يملكه فالوكيل أولى.

فعلى هذا لو اشترى كذلك وقبض المبيع كان ضمانه على الوكيل لا على الموكل ، لانتفاء الوكالة شرعا ، وانتفاء كون يده يده. ولا فرق في ذلك بين كون الوكيل والموكل عالمين بالفساد وعدمه. وعبارة المصنف في التذكرة قبل المطلب الثالث في نسبة الوكالة إلى الجواز يتناول إطلاقها تضمين الموكل باذنه للوكيل في العقد الفاسد وقبض الوكيل إياه (٢).

والحكم غير ظاهر ، لأن الاذن في العقد الفاسد والقبض الفاسد لا اعتبار به شرعا.

وإنما لم يملك الصحيح ، لأنه لم يأذن فيه فيقع فضوليا عندنا وعند أكثر العامة (٣). وقال أبو حنيفة : يملك بذلك الصحيح ، لأن الشراء الفاسد يملك عقده ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٦.

(٢) التذكرة ٢ : ١٣٠.

(٣) المجموع ١٤ : ١٢١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٩ ، المغني لابن قدامة ٥ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ٢٤٠.

٢٣٩

ولو امره بالشراء بالعين أو في الذمة تعيّن ، ولو أطلق أو خيّره تخير ، ولو عيّن النقد أو النسيئة تعيّن.

ولو أطلق حمل على الحلول بنقد البلد ، فإن تعدّد فالأغلب ، فإن تساويا تخيّر.

ولو باعها نقدا بماله بيعها نسيئة مع تعيين النسيئة صح البيع ، إلاّ‌

______________________________________________________

فإذا عقد له عقدا صحيحا فقد ملكه بما هو أولى (١) ، وهو واضح البطلان.

قوله : ( ولو أمره بالشراء بالعين أو في الذمة تعيّن ، ولو أطلق أو خيّره تخيّر ، ولو عيّن النقد أو النسيئة تعيّن ).

وجهه معلوم مما قدمناه من وجوب تتبع تخصيصات الموكل.

والمراد من أمره بالشراء بالعين أو في الذمة : أن ينص له على ذلك ، فلو سلّم إليه ألفا وقال : اشتر كذا بألف ولم يقل : بعينه ، ولا قال : في الذمة ، بل قال : اصرف هذا في الثمن تخير الوكيل بين الشراء بالعين والذمة ، لشمول اللفظ لكل منهما ، وهو مقرب التذكرة (٢) ، وأحد وجهي الشافعية (٣). ولو دفع إليه ألفا وقال : اشتر بها كذا فالظاهر أنه أمر بالشراء بالعين ، لدلالة الباء على المقابلة.

قوله : ( ولو أطلق حمل على الحلول بنقد البلد ، فإن تعدد فالأغلب ، فإن تساويا تخيّر ).

لوجوب الحمل على الراجح الغالب مع وجوده ، ومع انتفائه فلا أولوية.

قوله : ( ولو باعها نقدا بماله بيعها نسيئة مع تعيين النسيئة صح‌

__________________

(١) بدائع الصنائع ٥ : ٢٩ ، المغني لابن قدامة ٥ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ٢٤٠.

(٢) التذكرة ٢ : ١٢٧.

(٣) المجموع ١٤ : ١٣٢.

٢٤٠