جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

شرط جاز ، كان يقول : وكلتك الآن ولا تتصرف إلاّ بعد شهر.

وإذا فسد العقد لتعلقها على الشرط احتمل تسويغ التصرف عند حصوله بحكم الإذن ، وفائدة الفساد سقوط الجعل المسمى والرجوع الى الأجرة.

______________________________________________________

أو حصول شرط جاز ، كأن يقول : وكلتك الآن ولا تتصرف إلاّ بعد شهر ).

وأعلم أنّ قوله ( فلو جعلها مشروطة بشرط ) لا يريد به إلاّ التعليق ، أمّا مطلق الاشتراط فلا ، فلو قال : وكلتك في كذا وشرطت عليك كذا ممّا لا مانع منه صحّ واعلم أيضا أنّ توقيت الوكالة لا يلزم ، لكن لا يجوز التصرف بعده.

قوله : ( فإذا فسد العقد لتعلقها على الشرط احتمل تسويغ التصرّف عند حصوله بحكم الإذن ، وفائدة الفساد سقوط الجعل المسمى والرجوع الى الأجرة ).

هذا فرع على التوكيل معلقا على شرط.

وتحقيقه : أنّه إذا أوقع الوكالة معلقة كانت فاسدة على ما سبق ، فعلى الفساد هل يسوغ التصرّف عند حصول المعلق عليه؟ احتمل المصنف ذلك ، ووجه الاحتمال ما أشار إليه بقوله : ( بحكم الإذن ) وتوضيحه : أنّ الإذن في التصرّف على التقدير المخصوص حاصل ، والفرض حصول المعلق عليه ، فيكون التصرّف مأذونا فيه فيقع صحيحا.

ويحتمل العدم ، لأنّ العقد فاسد إذ هو المفروض ، ولا معنى للفاسد إلاّ ما لا يترتب عليه أثره. ولأنّ الإذن الواقع في العقد المعلق المحكوم بفساده لا اعتداد به ، لامتناع بقاء الضمني مع ارتفاع المتضمن له ، والإذن إنّما وقع على ذلك الوجه المعيّن المخصوص.

واعلم أنّ قول المصنف : ( وفائدة الفساد سقوط الجعل المسمى والرجوع الى‌

١٨١

______________________________________________________

الأجرة ) جواب سؤال يردّ على احتمال الصحة تقريره : إذا كان جواز التصرّف ـ الذي هو فائدة عقد الوكالة وأثره ـ ثابت على كل من تقديري الصحة والفساد ، فأي فارق بين الصحيح والفاسد هنا؟

وجوابه : أنّ أثر الفساد لا يظهر في الاستنابة والإذن ، بل إنّما يظهر في الجعل إذا كانت الوكالة يجعل ، فإنّه يبطل ويستحق الوكيل أجرة المثل ، كما في المضاربة الفاسدة حيث حكمنا بفساد استحقاق الحصة ونفذنا التصرّف وأوجبنا للعامل الأجرة.

وتنقيح المبحث : أنّ الوكالة تسليط على التصرّف ولا يمتنع فيه التعليق ، فإنّ القائل لو قال لغيره : إذا حضر الطعام فكل لم يكن هذا التعليق مخلا بجواز الأكل عند حضور الطعام ، وإنّما يمتنع التعليق فيما يكون معاوضة أو كالمعاوضة.

ومن ثم حكمنا بفساد الصداق بالشرط الفاسد في عقد النكاح دون العقد ، وحكمنا بفساد اشتراط الحصة في المضاربة الفاسدة دون الإذن في التصرف ، لأنّ شبه المعاوضة فيهما بكون الصداق في مقابل استحقاق الانتفاع بالبضع ، والحصة في مقابل العمل المخصوص ، فاختص ذلك بالبطلان ووجب مهر المثل واجرة المثل.

وكذا الوكالة المشتملة على الجعل ، فإنّه لكون في مقابل العمل يحصل به شبه المعاوضة ، فيجب أن يتوجه الفساد بالتعليق اليه ، بل مطلق الفساد بأي سبب كان ، ويبقى معنى الوكالة الذي هو عبارة عن الإذن في التصرّف.

لكن على هذا إطلاق الفساد على عقد الوكالة غير واضح ، لأنّ الجعل خارج عن مفهوم الوكالة ، ولهذا لا نعتبره في صحة العقد ، بخلاف عقد المضاربة ، لأنّ اشتراط الحصة من أركان العقد ، فيكون عقد الوكالة غير محكوم بفساده ، وإن حكم بفساد ما اشتمل عليه.

كما إنّا لا نحكم بفساد النكاح بفساد الصداق ، فيسقط اعتبار ما ذكره‌

١٨٢

الثاني : الموكل : ويشترط فيه أن يملك مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية ، فلا يصح توكيل الصبي وإن كان مميزا أو بلغ‌ عشرا مطلقا على رأي.

______________________________________________________

المصنف من الجواب ، لانتفاء السؤال أصلا ورأسا ، بل يكون حكمه بفساد الوكالة بالتعليق أولا واحتمال تجويز التصرّف معه ، وكون فائدة الفساد سقوط جعل المسمى آخرا كالمتدافعين.

وهذا الذي ذكرناه كلام جيد منقح ، إلاّ أنّه يرد عليه أنّ التصرّف في مال الغير بالبيع والشراء ، وأنواع التصرفات من الأمور المبنية على التضييق ، وليس هو كأكل الطعام المبني على التسامح في العادة ، ولهذا يكتفى فيه بقرائن الأحوال.

ولا يشترط فيه اللفظ ، بل يعتبر مجرد وضع الطعام بين يدي الغير إذا دلت القرينة على إرادة أكله. والأمر فيه أسهل من إخراج الملك عن الغير ، وتجديد ملك آخر له ، ونحو ذلك ، فلا بدّ فيه من الاحتياط التام.

والنكاح له حكم برأسه متفق عليه ، والمضاربة إن كان الحكم فيها متفقا عليه فلا بحث فيه ، وإلاّ توجه إليها الكلام ، فالذي ينبغي التوقف عن الحكم بجواز التصرّف كما في غيره من العقود.

وأعلم أن قول المصنف : ( لتعلقها على الشرط ) لا يخلو من مناقشة ، والمناسب أن يقول : ( لتعليقها ).

قوله : ( ويشترط فيه أن يملك مباشرة ذلك التصرّف بملك أو ولاية ).

أي يملك مباشرة ذلك التصرّف إمّا بحق الملك لنفسه ، أو بحق الولاية عن غيره كالأب والجدّ له.

قوله : ( فلا يصح توكيل الصبي وإن كان مميزا أو بلغ‌ عشرا مطلقا على رأي ).

١٨٣

ولا المجنون ، ولو عرض بعد التوكيل بطلت الوكالة.

______________________________________________________

لمّا كان تصرّف الوكيل بالوكالة محسوبا من تصرّف الموكل اشترط لصحة التوكيل أن يملك الموكل مباشرة الفعل الموكل فيه بملك أو ولاية ، وإن منعه من إنشاء الفعل الجهل بالشي‌ء ـ لكون العلم به شرطا لصحة ذلك الفعل كالبيع المشروط بالعلم بالمبيع ـ فان الجهل به لا يخل بصحة التوكيل.

فعلى هذا لا يصح توكيل الصبي على حال في شي‌ء من التصرّفات ، لأنّه لا يملك مباشرة التصرّف في شي‌ء ، سواء كان مميزا أم لا ، وسواء بلغ عشرا أم لا ، وسواء كانت الوكالة في المعروف أم لا.

ويجي‌ء على قول الشيخ (١) وجماعة (٢) بجواز تصرّفه بالعتق والصدقة والوصية في المعروف استنادا إلى الرواية الدالة على جواز ذلك منه إذا بلغ عشرا أو بلغ خمسة أشبار (٣) جواز توكيله في ذلك ، لصحة مباشرته للتصرف. وهذا صحيح على القول به ، إلاّ أن القول به ـ وإن كان مشهورا مستندا الى النصوص (٤) ـ غير واضح فيمتنع توكيله مطلقا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ المراد بقول المصنف : ( مطلقا ) تعميم منع الصبي من التوكيل في جميع التصرفات ، لأنّه لا يملك شيئا منها. وأشار بالرأي إلى قول المخالف بالجواز في المواضع المذكورة.

قوله : ( ولا المجنون ، ولو عرض بعد التوكيل بطلت الوكالة ).

لما قلناه من أنّ تصرف الوكيل تصرّف الموكل ، وأنّه لا بدّ أن يملك أهلية المباشرة ـ وكذا تبطل بتجدد كل ما يخرج عن أهلية المباشرة.

__________________

(١) النهاية : ٦١١.

(٢) منهم الشيخ المفيد في المقنعة : ١٠١ ، وسلار في المراسم : ٢٠٣ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ١١٩.

(٣) التهذيب ٩ : ١٨١ حديث ٧٢٦ و ٧٢٩.

(٤) التهذيب ٩ : ١٨١ و ١٨٢ حديث ٧٢٦ و ٧٢٩ و ٧٣٠.

١٨٤

ولا توكيل القن إلاّ بإذن المولى ، إلاّ فيما لا يتوقف على الإذن كالطلاق والخلع.

ولا التوكيل إلاّ بإذن موكله صريحا أو فحوى مثل : اصنع ما شئت.

______________________________________________________

قوله : ( ولا توكيل القن ، إلاّ بإذن المولى ، إلاّ فيما لا يتوقف على الإذن كالطلاق والخلع ).

إن أريد بالقن هنا الرقيق الذي لم تنقطع عنه سلطنة المولى اندرج فيه المدبر وأم الولد ، وهو أولى ، لأنّ حجر الرقية عليهما باق بحاله ، بخلاف المكاتب.

وانما لم يصح توكيل القن ، لأنه لا يملك المباشرة ، لكن ما يملك المباشرة فيه ـ وهو الطلاق والخلع ، ونحوهما مما يدخله النيابة ـ يصح توكيله ، ولو أذن له المولى صح مطلقا ، لزوال المانع.

قوله : ( ولا الوكيل إلاّ بإذن موكله صريحا ، أو فحوى مثل : اصنع ما شئت ).

لا يصح توكيل الوكيل ، لأنه لا يملك المباشرة بحق الملك لنفسه ، ولا بالولاية عن غيره ، وإنما ملك المباشرة بإذن المالك فيجب الاقتصار على مقتضاه ، فإنّ أذن له في التوكيل صريحا فلا بحث في الجواز ، وان دل توكيله بفحواه على الإذن له في التوكيل جاز أيضا.

والمراد بالفحوى في العبارة : ما عدا الصريح كما يدل عليه السياق ، ومثّل له بقوله : ( اصنع ما شئت ) ، لأنه ليس إذنا في التوكيل صريحا ، لأنه إنما يدل عليه بعمومه.

والمتبادر من الصريح : هو ما نص عليه في اللفظ ، ولأن المحتاج الى التمثيل في العبارة هو الدال بالفحوى ، لأنه الذي قد يخفى. والمعروف عند الأصوليين أن فحوى الخطاب هو ما لا يدل عليه اللفظ بمنطوقه ، وإنما هو مسكوت عنه ، لكن يستفاد من اللفظ بكون الحكم فيه أولى منه في المنطوق ، كتحريم الضرب المستفاد من تحريم‌

١٨٥

والأقرب أن ارتفاع الوكيل عن المباشرة واتساعه وكثرته بحيث يعجز عن المباشرة إذن في التوكيل معنى ،

______________________________________________________

التأفيف بطريق أولى (١).

إلاّ أن مثل هذا في الوكالة عزيز الوجود ، ويتصور فيما لو وكّله في أمرين قد جرت العادة بالتسامح في أحدهما. والاذن للوكيل أن يوكّل فيه غيره. والآخر مما يطلب الاهتمام به عادة ولا يراد إلاّ مباشرة الوكيل له بنفسه وأذن له في التوكيل في الأخير وسكت عن الأول على وجه يشهد الحال والقرائن بأنه لم يسكت عنه إلاّ لظهور انه يرضى بالتوكيل فيه حيث رضي بالتوكيل في الأهم : إما لكون الوكيل ممن يترفع عن مباشرة نحو ذلك بنفسه ، أو غير ذلك من الأسباب. وفي معنى : ( اصنع ما شئت ) توكيله مفوضا ، ونحوه.

واعلم أن المصنف منع في التذكرة جواز التوكيل بقوله : ( اصنع ما شئت ) ، محتجا بان هذا القسم إنما هو في تصرفه بنفسه ، وهو غير واضح ، لأن عموم ( ما ) يتناول المدعى (٢).

قوله : ( والأقرب أن ارتفاع الوكيل عن المباشرة واتساعه وكثرته بحيث يعجز عن المباشرة اذن في التوكيل معنى ).

قد سبق في أن توكيل الوكيل مع حصول الإذن له فيه صريحا أو فحوى جائز قطعا ، والأقرب عند المصنف الجواز إذا استفيد الاذن معنى بملاحظة حال الوكيل ، باعتبار ترفعه عن مباشرة ما وكّل فيه عادة ، أو كونه لا يتأتى منه ما وكّل فيه ، أو حال الموكّل فيه باعتبار كثرته بحيث لا يقوم به الوكيل وحده عادة. والمراد من كون ذلك إذنا معنى : انه مستفاد من ملاحظة معنى اللفظ ، لا من نفس اللفظ ، فهو في الحقيقة‌

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الإسراء : ٢٣.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٦.

١٨٦

فحينئذ الأقرب أنه يوكل فيما زاد على ما‌

______________________________________________________

دلالة التزامية.

ووجه القرب : أن ذلك وإن لم يكن مستفادا من اللفظ لكن شاهد الحال دال عليه وقاض به ، فإنّ توكيل الشريف الذي لا يليق بمثله دخول السوق أصلا في بيع ما لا يقع بيعه غالبا إلاّ في السوق لا يكاد يستفاد منه إلاّ توكيل غيره في ذلك.

وكذا القول في توكيل الشخص الواحد في مثل الزراعة في أماكن متعددة لا يقوم بجميعها إلاّ بمساعد ، ومثله ما لو حلف السلطان ليضربنّ زيدا ، أو حلف من لا يحسن البناء أن يبني الجدار فإنه لا يعقل من ذلك إلاّ أمره به.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأنه خلاف مدلول اللفظ الوضعي ، والتصرف في مال الغير تابع لإذنه ، وليس بشي‌ء ، لأن ذلك مدلول اللفظ ايضا ، ولا يضر كونه غير وضعي مع قيام الدال عليه ، والأول هو المختار ، لكن في عبارة المصنف مناقشتان :

الاولى : انه أسند في التذكرة القول بجواز التوكيل في هذين الموضعين إلى جميع علمائنا فقال في الأول : وهو قول علمائنا أجمع ، وفي الثاني : فعندنا يجوز التوكيل ولا نعلم فيه مخالفا (١). وما هذا شانه لا ينبغي ان يقال فيه : الأقرب ، خصوصا مع قوة دليله.

الثانية : أن الضمير في قوله : ( واتساعه وكثرته ) لا مرجع له في العبارة ، لأنه يجب أن يعود إلى الموكل فيه وليس مذكورا ، وكأنه اعتمد على ظهوره كما في قوله تعالى ( حَتّى تَوارَتْ ) (٢).

قوله : ( فحينئذ الأقرب أنه يوكل فيما زاد على ما‌ يتمكن منه لا الجميع.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٥.

(٢) ص : ٣٢.

١٨٧

ولا المحجور عليه ، إلاّ فيما لا يمنع الحجر تصرفه فيه كالطلاق والخلع واستيفاء القصاص.

ولا يوكّل المحرم في عقد النكاح محرما ولا محلا ، ولا في‌ ابتياع الصيد.

______________________________________________________

هذا فرع على القول بجواز التوكيل في المسألة الثانية ، أي : فحينئذ كان الأقرب جواز التوكيل للوكيل فيما يعجز عن مباشرته.

الأقرب انه إنما يوكل فيما زاد على ما يتمكن منه لا الجميع ، لأن توكيل الوكيل خلاف الأصل. وإنما ثبت هنا للحاجة إلى المساعد ، فيقتصر فيه على موضع الحاجة استصحابا لما كان ، وهو الأصح.

ويحتمل جواز التوكيل في الجميع ، إذ لا أولوية لبعض على آخر ، ولا يستفاده الإذن فيه معنى فيكون كما لو أذن صريحا.

ويضعف بأنه يتخيّر في التوكيل في قدر ما تندفع به الحاجة ، فأي بعض أراد واقتضت المصلحة التوكيل فيه ، أو يتساوى الجميع في المصلحة وعدمها وكلّ فيه وباشر الباقي. وأما الإذن فإنما استفيد من دعاء الحاجة فيقتصر على موضعه ، بخلاف الإذن لفظا.

قوله : ( ولا المحجور عليه إلاّ فيما لا يمنع الحجر تصرفه فيه : كالطلاق والخلع واستيفاء القصاص ).

أي : لا يجوز توكيل المحجور عليه بسفه أو فلس بغير إذن من له الإذن ، إلاّ فيما لا يمنع الحجر تصرفه فيه كالطلاق والخلع واستيفاء القصاص بالنسبة الى كل منهما ، والشراء في الذمة ونحوه بالنسبة إلى المفلس. وكذا اجارة نفسه ، إذ لا حق للغرماء في ذلك ، بل هو جلب مال بالنسبة إليهم.

قوله : ( ولا يوكّل المحرم في عقد النكاح محرما ولا محلا ، ولا في‌ ابتياع الصيد ).

١٨٨

وللمكاتب أن يوكّل ، وللمأذون له في التجارة فيما جرت العادة بالتوكيل فيه ، وللأب والجد أن يوكّلا عن الصغير والمجنون ،

______________________________________________________

اي : محرما ولا محلا ايضا ، لامتناع مباشرته ذلك التصرف شرعا. ولو وكّل في شرائه بعد الإحلال فظاهرهم عدم الجواز فلا يعتد بهذا التوكيل ، لعدم كونه مالكا لمباشرة هذا التصرف الآن. وهو شرط عندنا فكان كما لو وكل في طلاق امرأة سينكحها.

قال في التذكرة في توكيل المحجور عليه ما صورته : ومن جوّز التوكيل بطلاق امرأة سينكحها ، وبيع عبد سيملكه فقياسه تجويز توكيل المحجور عليه بما سيأذن له فيه الولي ، وكل هذا عندنا باطل (١).

قوله : ( وللمكاتب أن يوكّل ).

لانقطاع سلطنة المولى عنه وتمكنه من التصرف.

قوله : ( وللمأذون له في التجارة فيما جرت العادة بالتوكيل فيه ).

أي : للعبد المأذون له في التجارة التوكيل فيما جرت العادة بالتوكيل فيه ـ وان لم يصرح السيد بالإذن في التوكيل ـ لاستفادة ذلك من اللفظ بضميمة العادة المطردة.

قوله : ( وللأب والجد أن يوكّلا عن الصغير والمجنون ).

أي : الجد للأب ، وتوكيلهما عن المجنون الذي اتصل جنونه بصغره ، أما من بلغ رشيدا ثم جن فإن ظاهر كلامهم أن الولاية عليه لهما أيضا ، ويحتمل قويا كونهما للحاكم كالمتجدد سفهه.

وكيف كان ، فكل من ثبتت له الولاية على غيره ملك مباشرة التصرف عنه فله أن يوكل.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٥.

١٨٩

وللحاضر أن يوكّل في الطلاق على رأي.

وللحاكم أن يوكل عن السفهاء من يباشر الحكومة عنهم.

______________________________________________________

قوله : ( وللحاضر ان يوكل في الطلاق على رأي ).

هذا قول ابن إدريس (١) وأكثر المتأخرين ، لأن الطلاق قابل للنيابة وإلاّ لما صح التوكيل فيه من الغائب ، ولعموم صحيح الأعرج عن الصادق عليه‌السلام : في رجل يجعل أمر امرأته إلى رجل فقال : اشهدوا اني قد جعلت أمر فلانة إلى فلان فيطلقها ، أيجوز ذلك للرجل؟ قال : « نعم » (٢) المستفاد من ترك الاستفصال عن محتملات المسؤول عنه ، ولنقل ابن إدريس الإجماع في الشقاق على جواز توكيل الزوج للحكم في الطلاق ، وصحة طلاقه لو أوقعه.

وقال الشيخ (٣) ، وجماعة بعدم جواز التوكيل فيه من الحاضر (٤) ، تنزيلا لرواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا تجوز الوكالة في الطلاق على الحاضر » (٥) ، جمعا بينها وبين الرواية السابقة. والأصح الأول ، ورواية زرارة ضعيفة ، ومع ذلك فلا تدل على مدعى الشيخ صريحا ، ثم ان الفعل إذا قبل النيابة فأي تفاوت بين الحاضر والغائب.

قوله : ( وللحاكم أن يوكّل عن السفهاء من يباشر الحكومة عنهم ).

وكذا يوكّل من يباشر عنهم جميع ما يقتضيه الحال من التصرف لهم من بيع‌

__________________

(١) السرائر : ١٧٤.

(٢) الكافي ٦ : ١٢٩ حديث ١.

(٣) النهاية : ٥١١.

(٤) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣١٩ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٩٦ ، والشهيد الأول في اللمعة ٢ : ٣٧١ ، وغيرهم.

ولمزيد الاطلاع انظر مفتاح الكرامة ٧ : ٥٣٤.

(٥) الكافي ٦ : ١٣٠ حديث ٦.

١٩٠

ويكره لذوي المروآت مباشرة الخصومة ، ويستحب لهم التوكيل.

وللمرأة أن توكّل في النكاح ، وللفاسق في تزويج ابنته وولده إيجابا وقبولا ، وليس سكوت السيد عن النهي عن تجارة عبده‌

______________________________________________________

وشراء وغيرهما ، وكذا غير السفهاء من الصبيان والمجانين إذا كان الحاكم وليا لهم ، وكذا الحكم في الوصي بغير خلاف في ذلك ، ولو منع الموصي الوصي من التوكيل لم يكن له ذلك.

قوله : ( ويكره لذوي المروآت مباشرة الخصومة ويستحب لهم التوكيل ).

المراد بهم : أهل الشرف والمناصب الجليلة الذين لا يليق بهم الامتهان ، روى العامة أن عليا عليه‌السلام وكّل في الخصومة عقيلا ، ووكّل أيضا عبد الرحمن بن جعفر ، وقال : « إن للخصومة قحما ، وان الشيطان ليحضرها واني اكره ان أحضرها » (١) والقحم : المهالك.

قوله : ( وللمرأة أن توكّل في النكاح ، وللفاسق في تزويج ابنته وولده إيجابا وقبولا ).

أما المرأة فلأن لها أن تباشر النكاح عندنا فلها أن توكّل فيه ، خلافا للشافعية (٢). وولاية الفاسق على ولده في التزويج ثابتة فله التوكيل ، خلافا لبعض الشافعية (٣) ، ولا فرق في ذلك بين كونه أنثى فيوكل عنها إيجابا ، أو ذكرا فيوكّل عنه قبولا.

قوله : ( وليس سكوت السيد عن النهي عن تجارة عبده إذنا له‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٠٥ ، المجموع ١٤ : ٩٨ ، نهج البلاغة : ٥١٧.

(٢) المجموع ١٤ : ١٠٣.

(٣) المجموع ١٤ : ١٠٣.

١٩١

إذنا له فيها ، والأقرب بطلان الإذن بالإباق.

وكل موضع للوكيل أن يوكل فيه فليس له أن يوكّل إلاّ أمينا ، إلاّ أن يعين الموكل غيره.

______________________________________________________

فيها ).

لأن السكوت أعم من الرضى وهذه مسألة ذكرت استطرادا ، لمشابهتها الباب.

قوله : ( والأقرب بطلان الإذن بالإباق ).

وجه القرب : العمل بشاهد الحال ، فإن حال السيد في غضبه على الآبق وإرادته عوده يشهد بأنه يريد التضييق عليه مهما أمكن.

ولأن فيه مقابلة له بضد مقصوده ، لأن هربه للخلاص من سلطنة مولاه ، فيقابل بمنعه من كل تصرف ، كما قوبل القاتل بحرمانه الإرث. ويحتمل العدم ، استصحابا لما كان إلى ان يحصل المزيل ، وللتوقف هنا مجال.

قوله : ( وكل موضع للوكيل أن يوكل فيه فليس له ان يوكّل الاّ أمينا ، إلاّ أن يعيّن الموكّل غيره ).

المراد بالأمين : العدل ، وإنما وجب كونه أمينا ، لأن الواجب على الوكيل مراعاة الغبطة للموكّل ولا غبطة في توكيل الفاسق ، فيتقيد جواز التوكيل بذلك ، كما يتقيد البيع بعدم تسليم المبيع قبل تسلم الثمن ، وكونه من نقد البلد حالا.

ولو كان وكيل الوكيل بحيث يأتي بمتعلق الوكالة بحضور الوكيل فهل يشترط كونه أمينا؟ الظاهر نعم ، كما يشترط تسلم الثمن أولا ، وإن كان قد أحضره المشتري وأبرزه وعده محافظة على الاحتياط للموكل.

ولو عيّن الموكّل شخصا للتوكيل لم يتجاوزه وإن لم يكن أمينا ، وكذا لو نصّ له على توكيل العدل وغيره.

١٩٢

ولو تجددت الخيانة وجب العزل ، وكذا الوصي والحاكم إذا ولي القضاء في ناحية.

______________________________________________________

قوله : ( ولو تجددت الخيانة وجب العزل ).

أي : لو تجددت خيانة وكيل الوكيل بعد أن كان أمينا وجب على الوكيل عزله ، لأن تركه يتصرف في المال مع خيانته تضييع على المالك. وللشافعية وجه : أنه لا يجوز عزله ، لأنه لم يتحقق كونه وكيلا في العزل (١).

ولقائل أن يقول : إذا كان جواز التوكيل مشروطا بالأمانة وجب اعتبار بقائها ، لأن الغرض مراعاة الغبطة للمالك ، والوكالة من العقود الجائزة ، فمتى زالت الأمانة التي هي الشرط انتفت الوكالة قضية للشرطية فلا يحتاج الى العزل.

نعم ، إن أريد بالعزل : منعه من التصرف لكونه قد انعزل من الوكالة صح ، لكنه خلاف ظاهر العبارة هنا وفي التذكرة (٢) ، وكلام التذكرة أصرح حيث حكم بوجوب العزل ، وحكى عن الشافعية وجهين في جوازه (٣).

قوله : ( وكذا الوصي والحاكم إذا وليّ القضاء في ناحية ).

أي : وكذا الوصي إذا أراد أن يوكّل لا يوكل ، إلاّ أمينا ، فإن تجددت خيانته عزله على ما سبق.

وكذا الحاكم إذا وليّ القضاء شخصا في ناحية وجب أن يكون أمينا ، فإذا تجددت الخيانة عزله. ووجهه وما يأتي عليه مستفاد مما سبق ، هذا هو الذي يستفاد من سياق العبارة.

والمراد بالحاكم : إما الإمام عليه‌السلام ، أو منصوبة إذا فوّض إليه تولية غيره القضاء ، ولا يراد به الحاكم في زمان الغيبة ، لأن توليته غيره القضاء غير متصور ، لأن‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١١٠.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٦.

(٣) المجموع ١٤ : ١١٠.

١٩٣

وإذا أذن الموكل في التوكيل فوكّل الوكيل آخر كان الثاني وكيلا للموكل ، لا ينعزل بموت الأول ولا بعزله ولا يملك الأول عزله ، وإن أذن له أن يوكل لنفسه جاز ، وكان الثاني وكيلا للوكيل ينعزل بموته وعزله وموت الموكّل ، وللأول عزله.

______________________________________________________

ذلك الغير إن كان بصفات الحكم فهو منصوب الإمام ، وإلا فلا يتصور كونه قاضيا.

نعم ، لو نصب الحاكم قيّما للأطفال ، أو وكيلا للغائب ونحوه اعتبر فيه العدالة كما يعتبر في وكيل الوكيل ، بل أولى ، لأن ذلك بالاحتياط أحرى ، وعلى ما نزلنا عليه العبارة فقوله : ( وليّ ) يجب قراءته بالتشديد.

قوله : ( وإذا أذن الموكل في التوكيل فوكل الوكيل آخر كان الثاني وكيلا للموكل لا ينعزل بموت الأول ولا بعزله ، ولا يملك الأول عزله ، وإن أذن له أن يوكل لنفسه جاز وكان الثاني وكيلا للوكيل ينعزل بموته وعزله وموت الموكل وللأول عزله ).

إذا أذن الموكل للوكيل في التوكيل فلا يخلو إما أن يأذن له في التوكيل عن الموكل ، أو عن الوكيل ، أو يطلق فالأقسام ثلاثة :

الأول : أن يأذن له في التوكيل عن الموكل ، فالثاني وكيل للموكل كما أن الأول وكيله فليس لأحدهما عزل الآخر.

ولا ينعزل أحدهما بموت الآخر ولا جنونه ، وإنما ينعزل أحدهما بعزل الموكل أو خروجه عن أهلية التوكيل.

الثاني : أن يأذن له في التوكيل عن نفس الوكيل فإن الثاني وكيل للوكيل ينعزل بعزل الأول إياه ، وبموته ، وجنونه ، وبانعزال الأول ، لأنه وكيله ونائبه كما اقتضاه أصل الإذن ، وهو أحد قولي الشافعية ، والآخر العدم ، لأن التوكيل فيما يتعلق بحق‌

١٩٤

الثالث : الوكيل : ويشترط فيه البلوغ والعقل ، فلا تصح وكالة الصبي ولا المجنون.

والأقرب جواز‌ توكيل عبده ،

______________________________________________________

الموكل حق الموكل فيتوقف رفعه على الإذن من الموكل (١).

ويضعّف بأنه وإن كان حقا للموكل بالتبعية لأصل التوكيل ، لكن لكونه فرعا عن الوكيل يجب أن يكون رفعه منوطا به. ولا يخفى أن للموكل عزله ، لأن له رفع الأصل فالفرع أولى.

الثالث : أن يطلق بأن يأذن له في التوكيل ، وفيه وجهان : أحدهما أنه وكيل عن الوكيل ، لأن الغرض من ذلك تسهيل الأمر عليه ، وأصحهما ـ وهو ظاهر اختياره في الكتاب ـ أنه وكيل عن الموكل ، لان التوكيل تصرف يتولاه بإذن الموكل فيقع عن الموكل.

ولأن المتبادر من الاذن في التوكيل كونه عن الموكل ، حيث أن الحق بالأصالة له فالنيابة عنه ، ويجي‌ء وجه ثالث وهو التردد بين الأمرين ، لانتفاء المرجح ، ولا يخفى أن الثاني أقرب.

قوله : ( ويشترط فيه البلوغ والعقل ، فلا تصح وكالة الصبي ).

لأنه لا يملك التصرف ، سواء كان مميزا أم لا ، بلغ عشرا أم لا وإن كان التصرف نحو الصدقة والوصية في المعروف.

ويجي‌ء على القول بتسويغ تصرفات ابن العشر ونحوه ، في الصدقة ونحوها احتمال صحة كونه وكيلا عن غيره في ذلك ، لصحة مباشرته له ، نبه عليه في التذكرة (٢).

قوله : ( والأقرب جواز‌ توكيل عبده ).

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٥٤.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٦.

١٩٥

ويستحب أن يكون الوكيل تام البصيرة ، عارفا باللغة التي يحاور بها.

______________________________________________________

اي : جواز توكيل الشخص عبده ، لقبوله النيابة ، لصحة كونه وكيلا عن غير السيد إذا أذن السيد. وكونه عبدا للموكل لم تثبت مانعيته للنيابة عنه ، فيجب الحكم بالصحة.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأن الوكالة تقبل الجعل ويلزمها الضمان مع التعدي ، وكل منهما ممتنع هنا ، لأن ثبوت مال للعبد على سيده أو بالعكس ممتنع فيمتنع توكيله إياه ، لأن انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم. وضعفه لمنع كون ذلك لازما لكل وكالة ، ولا دليل عليه ، وكونه أكثريا غير قادح ، والأصح الجواز.

واعلم أنه لا نزاع في أن المولى إذا استناب عبده في التصرف يصح تصرفه ، إنما النزاع في كونه وكالة أو إذنا ، وتظهر الفائدة في بطلان الاستنابة ببيعه أو إعتاقه ، وعدمه.

ويمكن أن يقال : إن الاستنابة ان كانت بلفظ التوكيل لم تصح إلا على القول بجواز توكيله ، وإلا كان إذنا ، لعدم الدليل الدال على التوكيل. ويجي‌ء على احتمال تسويغ التصرف مع تعليق الوكالة تسويغ التصرف هاهنا ـ وإن لم تصحح الوكالة ـ لكن على هذا تنتفي هذه الفائدة أصلا.

قوله : ( ويستحب أن يكون تام البصيرة عارفا باللغة التي يحاور بها ).

المراد كونه تام البصيرة فيما وكّل فيه ، عارفا باللغة التي يحتاج ذلك النوع من التصرف إلى المحاورة بها ليكون مليا بتحقيق مراد الموكل.

وقال ابن البراج : بالوجوب (١) ، وهو ظاهر عبارة أبي الصلاح (٢) ، وهو ضعيف.

__________________

(١) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٣٦.

(٢) الكافي في الفقه : ٣٣٧.

١٩٦

ويصح أن يكون الوكيل فاسقا ولو في إيجاب النكاح ، أو كافرا أو عبدا بإذن مولاه وإن كان في شراء نفسه من مولاه أو في إعتاق نفسه ،

______________________________________________________

قوله : ( ويصح أن يكون الوكيل فاسقا ولو في إيجاب النكاح ، أو كافرا ).

كل ما لا يكون الفسق أو الكفر مانعا من مباشرته يجوز أن يكون الفاسق والكافر وكيلا فيه ، خلافا لأبي الصلاح (١) وابن البراج (٢) ، حتى أن الفاسق يجوز أن يكون وكيلا في إيجاب النكاح عند القائلين بسلب ولايته بالفسق ، لأن سلب ولايته لا يقتضي سلب صحة عبارته.

نعم ، لا يجوز أن يكون الكافر وكيلا في تزويج المسلمة ، لأنه لا يملك مباشرة ذلك لنفسه ـ أي بالولاية ـ لامتناع كونه وليا على المسلمة ، فيمتنع أن يملكه بالنيابة عن غيره. ولأن الوكالة في تزويجها نوع من السبيل عليها. وجوزه ابن إدريس تمسكا بالأصل (٣) ، وهو ضعيف ، لوجود المعارض وهو قوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ ) الآية. (٤)

قوله : ( أو عبدا بإذن مولاه وإن كان في شراء نفسه من مولاه أو في إعتاق نفسه ).

أي : يجوز توكيل العبد لكن باذن السيد ، لأن الغرض صحة عبارته وأهليته للتصرف ، والمانع انما هو كون منافعه مملوكة لمولاه فمع إذنه يزول المانع ، ولا فرق في اشتراط إذن المولى بين توكيله فيما يمنع شيئا من حقوقه وعدمه ، لان جميع منافعه ملك‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٣٣٧.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٣٦.

(٣) السرائر : ١٧٥.

(٤) النساء : ١٤١.

١٩٧

وان يكون امرأة في عقد النكاح وطلاق نفسها وغيرها ،

______________________________________________________

لمولاه.

وذهب في التذكرة إلى جواز التوكيل بدون إذنه إذا لم يمنع شيئا من حقوقه (١). وفيه نظر ، لأن المنافي إن كان هو : أن منافعه بجميعها ملك للمولى فلا يجوز الانتفاع بها بدون اذنه ، ولا يعتد بها في نظر الشرع بدون الإذن لم يفرّق فيها بين المانع من حقوق المولى وعدمه لا محصل لذلك ، لأن جميع منافعه حقوق للمولى.

وإن كان المانع هو منافاة التوكيل ، لانتفاع المولى وجب أن لا يفرق بين قليل المنافع وكثيرها ، فيجوز أن يستغزله ويستنسجه حيث لا يمنع انتفاع المولى ، كأن يغزل وهو يتردد في حوائج المولى ، ولا يخفى بطلان ذلك.

ولا يقال : يلزم أن لا يجوز مخاطبة العبد ومحاورته بما يستدعي تكلّمه.

لأنّا نقول : إن تم بطلان اللازم فقد خرج ذلك بإطباق الناس عليه وجريان العادة المطردة به ، فجرى مجرى الشرب من ساقية الغير بغير اذنه.

ويصح توكيله في كل شي‌ء حتى في شراء نفسه من مولاه على أصح القولين كما سبق في البيع ، ويكفي في مغايرة الوكيل للمبيع المغايرة الاعتبارية ، وكذا القول في توكيله في إعتاق نفسه.

قوله : ( وأن تكون امرأة في عقد النكاح ).

خلافا للشافعي (٢) ، وقد أسلفنا إن عبارتها في النكاح معتبرة لنفسها ولغيرها.

قوله : ( وطلاق نفسها وغيرها ).

أما توكيلها في طلاق غيرها سواء كانت زوجة لزوجها أو لأجنبي فواضح ، لأن الطلاق فعل يقبل النيابة كما أسلفنا ، وعبارتها فيه معتبرة ، وهو أصح وجهي‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٧.

(٢) المجموع ١٤ : ١٠٢.

١٩٨

وإن يكون محجورا عليه لسفه أو فلس.

ولا يصح أن يكون محرما في عقد النكاح ، وشراء الصيد وبيعه ، وحفظه ولا معتكفا في عقد البيع.

ولو ارتد المسلم لم تبطل وكالته ،

______________________________________________________

الشافعية (١).

وأما طلاق نفسها فلأن المغايرة بين الوكيل والمطلقة يكفي فيها الاعتبار ، وقد بينا أن الطلاق تدخله النيابة. ومنع الشيخ في المبسوط من توكيل المرأة في طلاق نفسها (٢) ، وتبعه ابن إدريس (٣) ، وهو ضعيف.

قوله : ( وأن يكون محجورا عليه لسفه أو فلس ).

لأنه صحيح العبارة وإن منع من التصرف في مال نفسه.

قوله : ( ولا يصح أن يكون محرما في عقد النكاح ، وشراء الصيد وبيعه وحفظه ).

لامتناع إثبات المحرم يده على الصيد وتصرفه فيه ببيع وغيره ، وكذا النكاح والإنكاح.

قوله : ( ولا معتكفا في عقد البيع ).

حيث لا يجوز له ذلك ، فإن توقف دفع ضرورة محقون الدم على فعله جازت الوكالة.

قوله : ( ولو ارتد المسلم لم تبطل وكالته ).

ظاهرهم انه لا فرق بين كون الردة عن فطرة أو لا ، وعلله في التذكرة : بأن‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٠٣.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٦٥.

(٣) السرائر : ١٧٥.

١٩٩

ولا يصح أن يتوكل الذمي على المسلم لذمي ولا لمسلم ، ويكره أن يتوكل المسلم للذمي على المسلم.

وللمكاتب أن يتوكل بجعل مطلقا وبغيره باذن السيد.

______________________________________________________

التردد في تصرفه لنفسه لا لغيره (١).

قوله : ( ولا يصح أن يتوكّل الذمي على المسلم للذمي ولا لمسلم ، ويكره أن يتوكل المسلم للذمي على المسلم ).

الوكالة بالنسبة إلى الإسلام والكفر ثمانية مسائل ، وذلك لأن الوكيل : إما مسلم أو ذمي ، وعلى التقديرين فالموكل : إما مسلم أو ذمي ، وعلى التقديرات الأربعة فالموكل عليه : إما مسلم أو ذمي ، منها مسألتان لا تصح الوكالة منها في صورتين : وكالة الذمي على المسلم لذمي أو لمسلم بإجماعنا ، لقوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٢).

ويكره أن يتوكّل المسلم للذمي على المسلم على المشهور ، لانتفاء المانع ، وعبارة الشيخ في النهاية تؤذن بعدم الجواز (٣) ، وهو ضعيف ، وما عدا هذه الصور الثلاث فلا مانع في صحة التوكيل فيها.

قوله : ( وللمكاتب أن يتوكل بجعل مطلقا وبغيره باذن السيد ).

أما الأول فلان سلطنة السيد قد انقطعت عنه ، ولا حجر عليه في التصرفات التي لا تضييع فيها.

وأما الثاني فلأنه محجور عليه في إتلاف أمواله ومنافعه لأجل أداء عوض الكتابة ، فإذا أذن السيد فلا مانع ، وذهب المصنف في التذكرة إلى الجواز إذا لم يمنع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٧.

(٢) النساء : ١٤١.

(٣) النهاية : ٣١٧.

٢٠٠