جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

فإن اشترى للمضاربة فتلف الثمن قبل نقده فالشراء للمضاربة وعقدها باق ، وعلى المالك الثمن.

وهل يحسب التالف من رأس المال؟ نظر ، هذا إن كان المالك أذن في الشراء في الذمة ، وإلاّ كان الثمن لازما للعامل والشراء له إن لم يذكر‌

______________________________________________________

الشركة في الربح لا ينافي كون الشراء للمالك ، كما لو صرح باستحقاق الربح حيث لا مضاربة.

وفي بعض النسخ زيادة وهي : ( وبقاء المضاربة ) ، فيكون الاحتمال حينئذ في بقاء المضاربة وهو المطابق لما في التذكرة ، فإنّه قال فيها : فإن اشتراه بعد ذلك للمضاربة كان لازما له ، ثم قال : إلاّ أن يجيز المالك الشراء ، فإن أجاز احتمل أن يكون قراضا كما لو لم يتلف المال ، وعدمه كما لو لم يأخذ شيئا من المال (١).

هذا كلامه ، وهو كالصريح في الجزم بصحة العقد والتردد في بقاء المضاربة.

ولا شك في ضعف هذا الاحتمال ، لأنّ ذلك لا يعد استيناف عقد ، والمضاربة لا تتحقق بدونه.

قوله : ( فإن اشترى للمضاربة فتلف الثمن قبل نقده فالشراء للمضاربة وعقدها باق وعلى المالك الثمن ).

أي : إذا اشترى للمضاربة فتلف الثمن قبل نقده وبعد الشراء فالشراء للمضاربة لا محالة ، لأنّ العقود تابعة للقصود ، وحين صدور العقد كانت المضاربة متحققة فلا يبطل العقد بتلف المال لوقوع الشراء لها فيجب على المالك الثمن ، لأنّ عقد المضاربة تعلق بالمبيع وانتقل الى ملك المالك فوجب عليه ثمنه.

وهل يحسب التالف من رأس المال حيث أنّه لم يدره في التجارة؟ فيه نظر عند المصنف ، وقد سبق في كلامه في الفصل الرابع أن فيه اشكالا ، وسبق أن الأصح أنّه‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٤.

١٦١

للمالك ، وإلاّ بطل البيع ولا يلزم الثمن أحدهما.

ولو اشترى بالثمن عبدين فمات أحدهما كان تلفه من الربح ، ولو ماتا معا انفسخت المضاربة ، لزوال مالها أجمع ، فإن دفع اليه المالك شيئا آخر كان الثاني رأس المال ولم يضم إلى المضاربة الاولى.

وينفذ تصرف العامل في المضاربة الفاسدة بمجرد الإذن كالوكيل ،

______________________________________________________

يحسب.

ولا يخفى أن هذا إنّما يكون إذا أذن المالك في الشراء في الذمة في المضاربة ، فإن لم يكن أذن فاشترى في الذمة ناويا للمالك ولم يجز الشراء فالثمن لازم للعامل والشراء له ، وإن أجاز وقع الشراء له ، فلو كان قد نوى المضاربة حينئذ أمكن بقاء المضاربة لبقائها حال الشراء.

ويقوى أنّ الإجازة إن كانت قبل تلف المال يقع للمضاربة ، وإلاّ فلا ، ولو ذكر العامل المالك في العقد ولم يجز بطل البيع ولم يلزم الثمن أحدهما وكذا ينبغي أن يكون الحكم لو نوى بالشراء المالك ولم يجز وصدّقه على ذلك البائع.

ولا يخفى أنّه لو كان الشراء بعين المال فتلف قبل التسليم بطل البيع ، لأنّ الأثمان تتعين بالتعيين وتبطل المضاربة حينئذ.

قوله : ( ولو اشترى بالثمن عبدين فمات أحدهما كان تلفه من الربح ، ولو ماتا معا انفسخت المضاربة لزوال مالها أجمع ، فإن دفع اليه المالك شيئا آخر كان الثاني رأس المال ولم يضم إلى المضاربة الأولى ).

أما أن تلف العبد من الربح فظاهر ، لأنّه بعض رأس المال ، وأمّا أنّه إذا دفع المالك شيئا آخر يكون المدفوع رأس المال فلأنّه قراض مستأنف بعد انفساخ الأول فلا يضم إليه.

قوله : ( وينفذ تصرف العامل في المضاربة الفاسدة بمجرد الاذن‌

١٦٢

والربح بأجمعه للمالك ، وعليه اجرة المثل للعامل ، سواء ظهر ربح أو لا ، إلاّ انّ يرضى العامل بالسعي مجانا ، كان يقول له قارضتك والربح كله لي فلا اجرة له حينئذ.

______________________________________________________

كالوكيل ، والربح بأجمعه للمالك وعليه أجرة المثل للعامل : سواء ظهر ربح أو لا ، إلاّ أن يرضى العامل بالسعي مجانا كأن يقول له قارضتك والربح كله لي فلا اجرة له حينئذ ).

اعترض المصنف في التذكرة على نفوذ تصرف العامل في الفاسدة بالإذن الواقع في العقد الفاسد : بأنه إذا باع بيعا فاسدا وتصرف المشتري لم ينفذ فما الفرق؟

ثم أجاب بالفرق بأن المشتري إنّما يتصرّف من جهة الملك ولم يحصل له ، بخلاف العامل ، حتى أنّ البائع إذا أذن للمشتري في التصرف وكان العقد فاسدا لم ينفذ ذلك الإذن أيضا ، لأنّ إذنه بناء على انتقال الملك اليه ، فإذا لم يملك لم يصحّ. وهنا أذن في التصرف في ملك نفسه فينفذ ، والشروط الفاسدة لم تكن في مقابل الإذن (١).

ولقائل أن يقول : أنّ الإذن لم يقع إلاّ على ذلك الوجه المخصوص المعين ، وقد انتفى لكونه فاسدا فينتفي ما تضمنه من الأذن ويمكن أن يتنقح المبحث بأنّ العقد الفاسد تضمن الإذن في التصرف واستحقاق الحصة على ذلك الوجه المخصوص ، فإذا انتفى أحد الأمرين يجب أن ينتفي الآخر ، إلاّ أنّ هذا لو تم لاقتضي اختصاص الفساد بالشرط الفاسد دون غيره.

ويدفعه أنّ الشرط محسوب مع الحصة أو في مقابلها ، وبطلان أحد الجزأين أو المتقابلين يقتضي بطلان الباقي ، بخلاف الإذن ، إذ ليس في مقابله شي‌ء وعلى كل حال فالظاهر أنّه لا خلاف في نفوذ التصرف.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٨.

١٦٣

والعامل أمين لا يضمن ما يتلف إلاّ بتعد أو تفريط ، سواء كان‌ العقد صحيحا أو فاسدا ،

______________________________________________________

وأمّا استحقاق اجرة المثل فلأنّ العمل الصادر لم يكن تبرعا ، ولم يقع في مقابله استحقاق عوض معيّن فتجب اجرة المثل. ولأن الفساد في العقد يوجب ردّ كل من العوضين الى صاحبه ، والعمل يتعذر ردّه لتلفه فتجب قيمته وهي أجرة المثل.

قيل : المشروط في مقابل ذلك العمل الحصة من الربح على تقدير ظهوره ، ففي صورة انتفاء الربح يجب أن لا يستحق اجرة مع الفساد ، لأنه حينئذ لا شي‌ء في مقابله.

قلنا : لا ريب أنّ العمل مع الفساد مقابل بالربح في العقد ، والربح مرجو الحصول في الجملة ، فلم يقع تبرعا في حال من الأحوال غاية ما يقال : إن عوضه يجب أن يكون منحصرا في الربح ، لكن ذلك إنّما هو على تقدير صحة العقد ، أمّا على تقدير الفساد فتجب اجرة المثل ، لأنّ كل ما وقع لا على وجه التبرع وجبت له اجرة المثل.

وقد بقي هنا شي‌ء ، وهو أن لا فرق في نفوذ التصرف واستحقاق اجرة المثل بين كون العامل عالما بالفساد أولا ، وهذا يتمشى في نفوذ التصرف نظرا الى حصول الاذن أمّا استحقاق الأجرة مع علمه بالفساد حين العمل فموضع تأمل ، وكذا في الإجارة الفاسدة ولم أذكر الآن تصريحا في كلامهم بالنص على ذلك نفيا ولا إثباتا ، لكن عباراتهم مطلقة باستحقاق الأجرة فيجب التثبت في ذلك.

إذا عرفت هذا فاعلم أن استحقاق الأجرة إنّما هو إذا لم يرض بالعمل مجانا ، فإن رضي به كذلك فلا اجرة له كما ذكره المصنف ، خلافا للشيخ في المبسوط (١) ، وقد سبق التنبيه عليه.

قوله : ( والعامل أمين لا يضمن ما يتلف إلاّ بتعد أو تفريط ، سواء كان‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٧١.

١٦٤

والقول قوله مع اليمين في قدر رأس المال ، وتلفه ، وعدم التفريط ، وحصول الخسران ، وإيقاع الشراء لنفسه أو للمضاربة ، وقدر الربح ، وعدم النهي عن شراء العبد مثلا لو ادعاه المالك.

______________________________________________________

العقد صحيحا أو فاسدا ).

أمّا أن عامل القراض أمين فلا خلاف فيه كما يظهر من قوة كلامهم ، وفي بعض الأخبار دلالة عليه وأمّا أنّه لا فرق في ذلك بين كون العقد صحيحا أو فاسدا فلما عرف غير مرة من أنّ كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

قوله : ( والقول قوله مع اليمين في قدر رأس المال ، وتلفه ، وعدم التفريط ، وحصول الخسران ، وإيقاع الشراء لنفسه أو للمضاربة ، وقدر الربح ، وعدم النهي عن شراء العبد مثلا لو ادعاه المالك ).

إطلاق المصنف الحكم بتقديم قول العامل مع اليمين في قدر رأس المال ينافيه ما سيأتي في كلام المصنف ، إلاّ أن يريد هنا تقديمه فيما عدا صورة الاشكال وهي ما إذا كان ربح ، ولا يخفى ما فيه.

وأمّا تقديم قوله في التلف ، فلأنّه أمين فيقدّم قوله فيه كغيره من الأمناء ، ولأن الحكم في الغاصب كذلك فالعامل أولى ولا فرق بين أن يدعي سببا خفيا أو ظاهرا يمكن إقامة البينة عليه ، أو لا يذكر سببا أصلا ، خلافا للشافعي.

وكذا يقدم قوله في عدم التفريط ، لأنّه منكر.

وكذا يقدم قوله في حصول الخسران ، لأنّه في الحقيقة في معنى التلف. هذا إذا كان دعوى الخسران في موضع يحتمل بأن عرض في الأسواق كساد ، ولو لم يحتمل لم يقبل ، ذكر ذلك في التذكرة (١) ، وهو حسن.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٥.

١٦٥

والأقرب تقديم قول المالك في الرد ، وفي عدم إذن النسيئة ، وعدم الإذن في الشراء بعشرة ، وفي قدر نصيب العامل من الربح.

______________________________________________________

وكذا يقدم قوله في إيقاع الشراء لنفسه أو للمضاربة ، لأن الاختلاف في نيته وهو أبصر بها ، ولا تعلم إلاّ من قبله وتقع دعواه الشراء لنفسه في صورة حصول الربح ، ودعواه الشراء للمضاربة في صورة حصول الخسران ، ونحو ذلك.

وكذا يقدم قوله في قدر الربح لو اختلفا في زيادته ونقصانه ، لأنّه منكر للزائد وكذا القول فيما لو تصادفا على الإذن في شراء شي‌ء كعبد مثلا ، ثم ادعى المالك النهي عنه بعد ذلك ، فانّ القول قول العامل بيمينه ، لأنّه منكر.

واعلم أنّ الضمير في قوله : ( لو ادعاه ) يعود إلى النهي.

قوله : ( والأقرب تقديم قول المالك في الرد ـ الى قوله ـ من الربح ).

إذا اختلف المالك والعامل في رد مال المضاربة على المالك فادعاه العامل وأنكره المالك فللأصحاب في تقديم قول أيهما قولان :

أقربهما عند المصنف ـ وهو الأصح ـ تقديم قول المالك بيمينه ، لأنّه منكر والعامل مدع فيندرجان في عموم قوله عليه‌السلام : « البينة على من ادعى واليمين على من أنكر » (١) ، وثبوت التخصيص في بعض الصور كدعوى التلف لا يقتضي ثبوته مطلقا وقوفا مع الدليل.

وقال الشيخ في المبسوط : يقدّم قول العامل ، لأنّه أمين كالمستودع ، ولما في عدم تقديم قوله من الضرر.

ويضعف قوله بالفرق بينه وبين المستودع ، فإنّه قبض لنفع نفسه والمستودع إنّما قبض لمحض نفع المالك ، فلا يناسب مؤاخذته بعدم تقديم قوله لما فيه من الضرر.

إذا عرفت ذلك فهنا سؤال ، وهو إنّا إذا قدمنا قول المالك في عدم الرد يلزم‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ سنن البيهقي ٨ : ٨٢٣ ، سنن الدار قطني ٤ : ٢١٨ حديث ٥١ و ٥٢.

١٦٦

ولو قال العامل : ما ربحت شيئا ، أو ربحت ألفا ثم خسرت ، أو تلف الربح قبل ، بخلاف ما لو قال : غلطت ، أو نسيت.

______________________________________________________

تخليد حبس العامل ، لأنّه بدعواه الرد إن كان في الواقع صادقا امتنع أخذ المال منه مرة أخرى لأنّه ليس عنده ، وإن كان كاذبا فظاهر حاله أنّه لا يظهر تكذيب نفسه فيلزم تخليد حبسه في كثير من الصور ، إلاّ أن يحمل كلامهم على أنّ الواجب حبسه الى أن يحصل اليأس من ظهو العين ثم يأخذ منه البدل للحيلولة. ولم أظفر في كلامهم بشي‌ء في تنقيح ذلك.

ولو اختلفا في الإذن بالبيع أو الشراء نسيئة ، فادعاه العامل وأنكره المالك قدّم قول المالك ، لأنّه منكر ، وكذا لو اختلفا فقال العامل : أذنت لي في شراء هذا بعشرة مثلا ، فقال المالك : ما أذنت لك فيقدّم قول المالك ، لأنّه منكر للإذن.

وكذا لو اختلفا في قدر نصيب العامل من الربح فادعى الزائد والمالك دونه ، فان المقدم قول المالك بيمينه. أسنده في التذكرة إلى علمائنا ، لأنّ المالك منكر للزائد ، لأنّ الأصل في الربح أن يكون له ، لأنّه تابع لرأس المال (١).

وهذا واضح إن كان الاختلاف قبل حصول الربح ، لأنّ المالك متمكن من منع الربح كله بفسخ العقد. وأمّا بعد حصوله فإنّ كلا منهما مدع ومدعى عليه ، فإنّ المالك يدعي استحقاق العمل الصادر بالحصة الدنيا والعامل ينكر ذلك ، فيجي‌ء القول بالتحالف إن كانت اجرة المثل أزيد ممّا يدعيه المالك.

ولا أعلم الآن لأصحابنا قولا بالتحالف ، وإنّما القول بالتحالف مع الاختلاف في الربح مطلقا قول الشافعي واعلم أنّ قول المصنف : ( والأقرب تقديم قول المالك في الردّ ) تقديره : في دعوى الردّ.

قوله : ( ولو قال العامل : ما ربحت شيئا ، أو ربحت ألفا ثم خسرت‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٥.

١٦٧

ولو اختلفا في قدر رأس المال فالقول قول العامل مطلقا على إشكال.

______________________________________________________

أو تلف الربح قبل ، بخلاف ما لو قال : غلطت أو نسيت ).

قد سبق بعض هذه المسائل ، وإنّما أعادها لبيان الأحكام الزائدة.

ولا ريب أنّه إذا قال العامل : ما ربحت شيئا يقدّم قوله بيمينه ، لأنّه منكر ، وكذا القول في دعوى تلف الربح وعروض الخسارة ، بخلاف ما لو قال العامل : ربحت ، ثم قال : لم أربح شيئا وإنّما غلطت أو نسيت فأخبرت بخلاف الواقع ، أو نفى الزيادة من الربح الذي أخبر به واعتذر بالغلط أو النسيان فان قوله لا يقبل حينئذ ، لأنّ ذلك تكذيب لإقراره السابق ورجوع عنه فلا يكون مسموعا ويلزم بما أقرّ به.

قوله : ( ولو اختلفا في قدر رأس المال فالقول قول العامل مطلقا على إشكال ).

المراد بقوله : ( مطلقا ) عدم الفرق بين أن يكون هناك ربح أو لا ، وعدم الفرق مع الربح بين أن يكون التلف بتفريط أو لا ، فالإشكال في إطلاق الحكم في الصور كلها ، فإنّه إذا لم يكن هناك ربح لا إشكال في أنّ القول قول العامل ، لأنّه ينكر الزائد ، سواء كان المال بعينه باقيا أو تلف بتفريط.

أمّا مع الربح إذا كان باقيا أو تلف بتفريط ففي تقديم قول أيّهما إشكال ينشأ : من أنّ العامل منكر للزيادة خصوصا إذا كان المال قد تلف بتفريطه فإنّه غارم حينئذ ، فيقدّم قوله في عدم وجوب الزيادة.

ومن أنّ إنكاره لزيادة رأس المال يقتضي توفير الزيادة على الربح فتزيد حصة العامل ، فيكون ذلك في قوة الاختلاف في قدر حصة العامل من الربح ، والقول قول المالك فيه بيمينه على ما سبق.

والذي يقتضيه النظر تقديم قول المالك مع الربح ، أمّا مع بقاء العين فلأنّ الاختلاف في الحقيقة راجع الى الاختلاف في قدر نصيب العامل ، والأصل عدم الزائد ،

١٦٨

ولو ادعى المالك أن رأس المال ثلثا الحاصل فصدّقه أحد العاملين بالنصف ، وادعى الآخر الثلث قدم قول المنكر مع يمينه ، فيأخذ خمسمائة من ثلاثة آلاف ، ويأخذ المالك ألفين رأس ماله بتصديق الآخر ، وللآخر ثلث‌

______________________________________________________

لأنّ الأصل كون جميع المال للمالك الى أن يدل دليل على استحقاق الزائد.

وأمّا مع التلف بالتفريط ، فلأنّ المضمون هو قدر مال المالك ، وقد بينا أنّ الأصل استحقاق المالك الجميع ، لأنّ الربح تابع لرأس المال إلاّ القدر الذي خرج بدليل ولم يثبت في الزائد ، ولا يضر كونه غارما ، لأنّ الأصل وإن كان عدم وجوب الزائد لكن قد تحقق الناقل عنه ، وهو استحقاق المالك الجميع قبل التلف ، إلاّ ما أقر باستحقاق العامل إياه بالشرط ، والضمان تابع للاستحقاق فما ذهب اليه الشارح الفاضل من تقديم قول المالك إلاّ مع التلف بتفريطه ، فالقول قول العامل ضعيف ، بل فاسد فإنّه مع عدم الربح لا وجه لتقديم قول المالك أصلا ، والأصحّ تقديم قول العامل إلاّ مع الربح.

فإن قيل : الربح متفرع على تحقيق قدر رأس المال ، فإذا اختلفا في المدفوع مع اتفاقهما على قدر المشروط كان القول قول العامل ، لأنّه منكر للزائد ، ولأنّ النزاع يتعلق بزمان لم يكن الربح موجودا ، لأنّه يتعلق بوقت تسلم المال.

قلنا : لمّا كان النزاع بعد وجود الربح كان قول العامل : إنّ هذا المقدار هو الذي قبضه رأس المال والزائد ربح متضمنا إخراج حصة من الزائد عن المالك ، مع أنّ الأصل ثبوتها له متوقفا على البينة ، فلا يكون هناك حكم للربح منفصلا عن حكم الأصل ليتفرع عليه بعد تحقيقه.

قوله : ( ولو ادعى المالك أنّ رأس المال ثلثا الحاصل ، فصدقه أحد العاملين بالنصف وادعى الآخر الثلث قدّم قول المنكر مع يمينه ، فيأخذ خمسمائة من ثلاثة آلاف ، ويأخذ المالك ألفين رأس ماله بتصديق الآخر ،

١٦٩

المتخلف وهو خمسمائة وللمالك ثلثاه ؛ لأن نصيب المالك النصف ونصيب العامل الربع فيقسم الباقي على النسبة ، وما أخذه الحالف زائدا على قدر نصيبه كالتالف منهما ، والتالف من المضاربة يحسب من الربح.

______________________________________________________

وللآخر ثلث المتخلف وهو خمسمائة ، وللمالك ثلثاه ، لأنّ نصيب المالك النصف ونصيب العامل الربح فيقسم الباقي على النسبة ، وما أخذه الحالف زائدا على قدر نصيبه كالتالف منهما ، والتالف من المضاربة يحسب من الربح ).

أي : لو عامل المالك اثنين على ماله أنّ النصف لهما ، ثمّ حصل الاختلاف في قدر رأس المال ، فقال المالك : إنّه ثلثا الموجود كله وهو ثلاثة آلاف ، فيكون رأس المال ألفين والربح ألف ، وصدقه أحد العاملين على ذلك ، وقال الآخر إنّه الثلث ، وهو ألف ، فتصديق المصدق ماض على نفسه ، وهو بالنسبة إلى الآخر شاهد ولا مانع من قبول شهادته ، فمع عدم البيّنة يقدم قول العامل الآخر بيمينه ، بناء على تقديم قول العامل إذا وقع الاختلاف في قدر رأس المال مطلقا.

وقد استشكله المصنف آنفا ، فيكون رجوعا عن الإشكال إلى الجزم ، أو تنزيلا على الطرف المذكور في العبارة صريحا فيحلف ويأخذ خمسمائة ـ هي ربع الألفين اللتين بزعمه أنّهما الربح ـ فيبقى الباقي حقا للمالك والعامل الآخر ، فيكون رأس المال ألفين بتصديق هذا العامل ، فيأخذهما المالك وتبقى خمسمائة يقتسمانها على حكم الشرط ، فيكون للمالك ثلثاها وللعامل الآخر ثلثها ، لأنّ للمالك النصف وللعامل الآخر الربع ، فإذا جمعتهما كان للمالك الثلثان.

والذي أخذه العامل الأول ـ وهو الحالف ـ زائدا على نصيبه باتفاقهما كالتالف منهما ، فما أصاب رأس مال المضاربة من التالف يجبر من الربح ، ولو قدّمنا قول المالك بيمينه فالحكم ظاهر.

١٧٠

ولو ادّعى المالك القراض والعامل القرض فالقول قول المالك ، فيثبت له مع اليمين ما ادعاه من الحصة ، ويحتمل التحالف ، فللعامل أكثر الأمرين من الأجرة والمشترط.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ادعى المالك القراض والعامل القرض فالقول قول المالك ، فيثبت له مع اليمين مدعاه من الحصة ، ويحتمل التحالف ، فللعامل أكثر الأمرين من الأجرة والمشترط ).

يجب أن تفرض المسألة فيما إذا عمل من بيده المال وحصل ربح ، إذ لو كان الاختلاف قبل حصول الربح لكان القول قول المالك بيمينه قطعا ، لأن الأصل بقاء الملك له ولا معارض هنا.

فأمّا مع الربح ففيه قولان :

أحدهما : أنّ القول قول المالك ـ إختاره المصنف هنا وفي التذكرة (١) ـ لأنّ المال ملكه والأصل تبعية الربح له فمدّعي خلافه يحتاج إلى البينة والثاني : ـ وهو الذي احتمله المصنف هنا ، واختاره في التحرير (٢) ـ أنّهما يتحالفان ، لأنّ كل واحد منهما مدّع ومنكر ، فإنّ العامل يدّعي خروج المال عن ملك المالك بالقرض والمالك ينكره ، والمالك يدّعي استحقاق عمل العامل في مقابلة الحصة بالقراض والعامل ينكره فإذا حلف كل منهما لنفي ما يدّعيه الآخر وجب أكثر الأمرين من اجرة المثل والحصة التي يدّعيها المالك.

ووجّهه المصنف في التذكرة بأنّه إن كان الأكثر نصيبه من الربح فرب المال يعترف له به ، وهو يدعي كله وإن كان اجرة مثله أكثر فالقول قوله بيمينه في عمله ، كما أنّ القول قول ربّ المال في ماله ، فإذا حلف ثبت أنّه ما عمل بهذا الشرط ولمّا لم‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٥.

(٢) التحرير ١ : ٢٨١.

١٧١

ولو أقاما بينة فعلى الأول تقدّم بينة العامل.

ولو ادّعى العامل القراض والمالك الإبضاع قدّم قول العامل ، لأن عمله له فيكون قوله مقدّما فيه ، ويحتمل التحالف ، فللعامل أقل‌ الأمرين من الأجر والمدّعى.

______________________________________________________

يكن عمله مجانا باتفاقهما استحق اجرة المثل ، لانتفاء عوض في مقابلته.

ولقائل أن يقول : إذا كانت الحصة بقدر اجرة المثل أو أدون فلا فائدة ليمين العامل أصلا ، لاستحقاقه ذلك بدونها ، ولأنّ أقصى غاية اليمين أن يقرّ أو ينكل ، ولا يجب معهما سوى ذلك ولا ريب أنّ القول بالتحالف هو المعتمد ، لكن ينبغي البينة لما قلناه.

قوله : ( ولو أقاما بينة ، فعلى الأول تقدم بينة العامل ).

لأنّ قول الأول هو تقديم قول المالك بيمينه ، فتكون البينة على العامل لأنّه المدعي.

أمّا على الثاني فإنهما متعارضان ويقسم الربح بينهما نصفين ، ذكره في التذكرة (١) حكاية عن أحمد (٢).

وقال الفاضل الشارح : إنّهما يتساقطان ويتحالفان (٣) ويكون الحكم كما ذكره المصنف فيما تقدم. والمعروف في التعارض بين البينتين هو ما سيأتي ذكره في باب القضاء ان شاء الله تعالى ، وهو الترجيح للأعدل ، ثم للأكثر عددا ، ثم يقرع ويقضى للخارج بيمينه.

قوله : ( ولو ادعى العامل القراض والمالك الإبضاع قدّم قول العامل ، لأنّ عمله له فيكون مقدما فيه. ويحتمل التحالف ، فللعامل أقل‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٦.

(٢) المغني لابن قدامة ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ١٧٧.

(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٣٢.

١٧٢

ولو ادعى العامل القرض والمالك الإبضاع تحالفا وللعامل الأجرة ،

______________________________________________________

الأمرين من الأجر والمدعى ).

لا يخفى أنّ ذلك إنّما هو بعد العمل وحصول الربح وإلاّ لم يتجه القول بالتحالف فلو كان قبل الشروع في العمل كفى الإنكار في اندفاع كل من الدعويين.

ولو كان بعد الشروع في العمل وقبل ظهور الربح فالذي يختلج بخاطري إنّا إذا قلنا بأنّ المالك إذا فسخ المضاربة قبل ظهور الربح تجب عليه أجرة المثل للعامل يقدّم قول العامل بيمينه ، لأنّ المالك يدعي كون عمله في ماله مجانا ، والأصل عدمه ، لأنّ العمل حق للعامل وقد صدر بالإذن. وإن قلنا بالعدم فلا شي‌ء أصلا.

إذا عرفت ذلك فوجه القول بالتحالف أنّ كلاّ من المالك والعامل مدّع ومدعى عليه ، لأنّ المالك يدعي كون عمل العامل له مجانا ، والعامل يدعي استحقاق الحصة من الربح. والأصل أنّها للمالك فيتحالفان ويثبت للعامل أقل الأمرين من اجرة المثل وما يدعيه ، لأنّه إن كان ما يدعيه أقل فواضح عدم استحقاق الزائد ، وإن كانت الأجرة أقل فلأنّ الزيادة على الأجرة قد اندفعت بيمين المالك.

لكن يردّ عليه أنّ يمين المالك لا فائدة فيها إذا كانت الأجرة بقدر الحصة ، لأنّه لو أقرّ أو ردّ اليمين على العامل فحلف لم يجب شي‌ء زائد على الأجرة وكذا لو كانت الحصة أقل ، وفيما عدا ذلك فالقول بالتحالف هو الوجه ، ولو أقاما بينة بنى على القولين كما سبق.

قوله : ( ولو ادعى العامل القرض والمالك الإبضاع تحالفا وللعامل الأجرة ).

وجه التحالف : انّ كلاّ منهما يدعي على الآخر استحقاق ما الأصل كونه له مجانا ، فالمالك يدعي استحقاق العمل بلا عوض ، والعامل يدعي استحقاق ربح المال‌

١٧٣

ولو تلف المال أو خسر فادعى المالك القرض والعامل القراض أو الإبضاع قدّم قول المالك مع اليمين.

ولو شرط العامل النفقة أو أوجبناها وادعى أنه أنفق من ماله وأراد الرجوع فله ذلك ، سواء كان المال في يده أو رده الى المالك.

______________________________________________________

لانتقاله اليه بالقرض ، فيحلف كلّ منهما لرد دعوى الآخر ، ويكون الربح للمالك وعليه أجرة المثل للعامل.

ولا يتصور هنا الاكتفاء بيمين أحدهما ، أمّا العامل فلأنّه يدعي على المالك استحقاق جميع الربح ، فلا بدّ من يمين المالك له ، وأمّا المالك فلأنّه يدعي على العامل أنّ عمله الذي صدر منه له بلا عوض فلا بدّ من يمينه.

قوله : ( ولو تلف المال أو خسر فادعى المالك القرض ، والعامل القراض أو الإبضاع قدّم قول المالك مع اليمين ).

وذلك لأنّ الأصل في وضع اليد على مال الغير ترتب وجوب الرد عليه ، لعموم قوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » ، ولأنّ العامل يدعي على المالك كون ماله في يده على وجه لو تلف لم يجب بدله ، والمالك ينكره.

فان قيل : المالك أيضا يدعي على العامل شغل ذمته بماله والأصل البراءة.

قلنا : زال هذا الأصل بتحقق إثبات يده على مال المالك المقتضي لكونه في العهدة ، والأمر الزائد المقتضي لانتفاء العهدة لم يتحقق ، والأصل عدمه ، فيحلف المالك لنفي دعواه ويطالبه بالعوض.

قوله : ( ولو شرط العامل النفقة أو أوجبناها وادعى أنّه أنفق من ماله وأراد الرجوع فله ذلك ، سواء كان المال في يده أو ردّه الى المالك ).

وذلك لأنّ المقتضي للاستحقاق معلوم ولم يعلم الاستيفاء به فيستصحب‌

١٧٤

ولو شرطا لأحدهما جزءا معلوما واختلفا لمن هو فهو للعامل.

ولو أنكر القراض ثم ادّعى التلف لم يقبل قوله ، وكذا الوديعة‌

______________________________________________________

ما كان ، ولأنه منكر للأخذ من المال.

وهذا الحق لتأكده ـ باعتبار وجوبه في مقابلة سفره أو بالشرط ـ لا يسقط بترك الأخذ ، ولا يعد متبرعا بالإنفاق على نفسه وإنّما لم يفرّق بين كون المال في يده أو في يد المالك ، لأنّ المقتضي للاستحقاق قائم على التقديرين ، والمسقط غير معلوم.

قوله : ( ولو شرطا لأحدهما جزءا معلوما واختلفا لمن هو فهو للعامل ).

كذا ذكر في التذكرة ، وعلله بأنّ الشرط إذا أطلق انصرف الى نصيب العامل ، لأنّ ربّ المال يستحق الربح بالمال ولا يحتاج الى شرط ، كما لا يحتاج في شركة العنان الى شرط الربح ، فإذا شرط كان الظاهر أنّه شرط ذلك للعامل (١).

وفيه نظر ، لأنّه مع كونه مستحقا بالمال فاشتراطه في العقد أكثري الوقوع ، ولو لم يكن كذلك فالمذكور من غير تعيين يحتمل صرفه الى كلّ منهما. وتوقف صحة العقد على الاشتراط للعامل لا يكفي في صرف الإطلاق اليه.

ودعوى الظاهر الذي ذكره إن أراد كون الغالب في العادات الاقتصار على ذكر نصيب العامل فليس بمعلوم ، وإن أراد أنّ توقف صحة العقد عليه يقتضي كون الظاهر إرادته من الإطلاق فهو محل تأمل أيضا.

وقد سبق أنّ التنازع في شي‌ء من أركان العقد لا يقدم فيه قول مدعي الصحة وإن كان هذا القدر من الظاهر المدعى معه ، وقد سبق مثل هذه المسألة في القراض والمساقاة ، وللتوقف مجال.

قوله : ( ولو أنكر القراض ثم ادعى التلف لم يقبل قوله ، وكذا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٨.

١٧٥

وشبهها.

أما لو كان الجواب : لا تستحق عندي شيئا وشبهه لم يضمن.

______________________________________________________

الوديعة وشبهها ).

لأنّه بإنكار أصل القراض مكذّب لدعواه التلف ، فلا تكون مسموعة لتضمّن إنكاره الاعتراف بكونها كذبا.

ومثله القول في الوديعة والعارية ، إلاّ أنّ الذي يلزمه في ذلك ليس إلاّ الحبس فيلزم تخليد حبسه أو قبول البدل ، وفيه رجوع الى قوله ، إلاّ أن يقال فائدة عدم قبوله في التلف تطويل حبسه لرجاء أن يقرّ إذا كانت العين باقية ، أو وجوب البدل عليه وإن ادعى التلف بغير تفريط.

قوله : ( أمّا لو كان الجواب : لا يستحق عندي شيئا وشبهه لم يضمّن ).

لعدم المنافاة بينهما ، لأنّه مع التلف بغير تفريط لا يستحق عنده شيئا.

* * *

١٧٦

المقصد السادس : في الوكالة وفصوله ثلاثة :

الأول : في أركانها ، وهي أربعة :

الأول : العقد : وهو ما يدل على استنابة في التصرف.

ولا بد فيه من إيجاب دال على القصد كقوله : وكلتك ، أو استنبتّك ، أو فوضت إليك ، أو بع ، أو اشتر ، أو أعتق.

______________________________________________________

قوله : ( وهو ما يدل على استنابة في التصرف ).

يندرج في هذا التعريف القراض والشركة والمزارعة والمساقاة بل الوصية ويمكن الاعتناء به بحمل دلالته على الاستنابة على كون المطلوب منه هو الاستنابة ، ومعلوم أنّ هذه كعقود الاستنابة فيها أمر ضمني ، وليست الوصية استنابة وإنّما هي نقل ولاية.

قوله : ( ولا بد فيه من إيجاب دال على القصد كقوله : وكلتك ، أو استنبتك ، أو فوّضت إليك ، أو بع ، أو اشتر ، أو أعتق ).

قال في التذكرة : ولو قال بع وأعتق ونحوهما حصل الاذن ـ وهذا لا يكاد يسمى إيجابا بل هو أمر واذن ، وإنّما الإيجاب قوله : وكلتك. الى آخره.

ثم قال : وقوله : أذنت لك في فعله ليس صريحا في الإيجاب ، بل هو اذن في الفعل (١). ثم احتج لصحة التوكيل بذلك بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعروة البارقي : « اشتر لنا شاة » (٢) ، وقوله تعالى مخبرا عن أهل الكهف( فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ) (٣).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٤.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٥٥٩ حديث ١٢٥٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠ حديث ٢٩ ، مسند احمد ٤ : ٣٧٦.

(٣) الكهف : ١٩.

١٧٧

ولو قال : وكلتني؟ فقال : نعم ، أو أشار بما يدل على التصديق كفى في الإيجاب.

ومن قبول : إما لفظا كقبلت أو رضيت وشبهه ، أو فعلا كما لو قال : وكلتك في البيع فباع ،

______________________________________________________

والحاصل أنّ التوكيل لما لم يكن من العقود اللازمة صحّ باللفظ الدال على المراد ، وإن لم يكن على نهج الألفاظ الواقعة إيجابا في غيره من العقود حيث أنّه بلفظ الماضي.

وإنّما لم يكن : أذنت لك في الفعل إيجابا صريحا في الوكالة وان كان بلفظ الماضي ، لأنّ الإذن في أصله أعم من الاستنابة. ولو قال : أوكلك بلفظ المضارع على قصد الإنشاء ففي افادته جواز التصرف نظر ، لأنّه شبيه بالوعد لاحتمال الاستقبال.

قوله : ( ولو قال : وكلتني ، فقال : نعم ، أو أشار بما يدل على التصديق كفى في الإيجاب ).

إنّما يكفي إذا وقع ذلك على قصد الإنشاء دون الاخبار ، وإنّما قلنا إنّه يكفي ، لأنّ نعم كلمة جواب تحذف الجملة معها فهي نائبة منابها ، لأنّ قوله نعم في قوة : نعم وكلتك.

وكذا الإشارة الواقعة جوابا الدالة على المراد ، وهذا وإن لم يعد إيجابا صريحا ـ إذ لم يحصل النطق به ـ إلاّ أنّه بمنزلته فيكفي فيه لما ذكرناه سابقا.

واعلم أنّ قول القائل : وكّلتني استفهام حذفت أداته ، والغرض به استدعاء الإنشاء على نهج الاستفهام التقريري.

قوله : ( ومن قبول : إمّا لفظا كقبلت أو رضيت وشبهه ، أو فعلا كما لو قال : وكلتك في البيع فباع ).

قال في التذكرة : أنّ القبول يطلق على معنيين : أحدهما : الرضى والرغبة فيما‌

١٧٨

ولا يشترط مقارنة القبول بل يكفي وإن تأخر.

نعم يشترط عدم الرد منه فلو رد انفسخ العقد ، ويفتقر في التصرف الى تجديد الإيجاب مع‌ علم الموكل.

______________________________________________________

فوّض اليه ونقيضه الرد ، والثاني : اللفظ الدال عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر المعاملات (١).

ويعتبر في الوكالة القبول بالمعنى الأول دون الثاني ، فيكفي إيجاد التصرف المستناب فيه والأصل في ذلك أنّ الذين وكلهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينقل عنهم سوى امتثال أمره ، ولحصول الغرض المطلوب من الاستنابة بذلك ، لأن المقصود الأصلي من الاستنابة هو الإذن في التصرف ، فلا يتوقف على القبول لفظا كأكل الطعام.

قوله : ( ولا يشترط مقارنة القبول بل يكفي وان تأخر ).

لأنّ الوكالة من العقود الجائزة ، ولأنّ وكلاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينقل عنهم قبول لفظي ، وكان فعلهم متراخيا عن توكيله إياهم.

ولا يقدح تراخي القبول وإن طالت مدته كسنة ، نص عليه في التذكرة ، وأسند جواز التراخي إلى أصحابنا (٢) ، وظاهره أنّ ذلك اتفاقي.

قوله : ( نعم يشترط عدم الرد منه ).

لما قلناه من أنّ القبول هنا هو الرضى والرغبة في الفعل ، ومع الرد لا رضى ولا رغبة.

قوله : ( فلو رد انفسخ العقد ويفتقر في التصرف الى تجديد الاذن مع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٤.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٤.

١٧٩

ويجب أن تكون منجّزة ، فلو جعلها مشروطة بشرط متوقع أو وقت مترقب بطلت.

نعم لو نجز الوكالة وشرط تأخير التصرف الى وقت أو حصول‌

______________________________________________________

في قوله : ( انفسخ العقد ) تسامح ، إذ ليس هناك إلاّ الإيجاب ولا يسمى عقدا.

ولعله حاول التنبيه بذلك على أنّ الرد بعد العقد يقتضي فسخ العقد ، ومنع التصرف كالرد بعد الإيجاب.

ولا خفاء في أنّ جواز التصرف موقوف على تجديد الإذن ، لكن كون ذلك مشروطا بعلم الموكل حتى لو لم يعلم كان له أن يجدد القبول ويتصرف محل خفاء ومستنده قول الصادق عليه‌السلام : « من وكّل رجلا على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتى يعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها » (١) ، فإنّ ذلك نص في الباب.

قوله : ( ويجب أن تكون منجّزة ، فلو جعلها مشروطة بشرط متوقع ، أو وقت مترقب بطلت ).

يجب أن تكون الوكالة منجّزة عند جميع علمائنا ، فلو علقها بشرط وهو ممّا جاز وقوعه كدخول الدار ، أو صفة وهي ما كان وجوده محققا كطلوع الشمس لم يصح.

وذهب جمع من العامة إلى جوازها معلّقة ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في غزاة موتة : « أميركم جعفر ، فإن قتل فزيد بن حارثة » (٢) الحديث.

والتأمير في معنى التوكيل ، ولأنّه لو قال : أنت وكيلي في بيع عبدي إذا قدم الحاج صحّ إجماعا ، وفي كون التأمير توكيلا نظر والفرق بين محل النزاع والمفروض ظاهر ، لأنّ المعلّق فيه هو التصرف لا التوكيل ، ولا بحث في جوازه.

والى هذا أشار بقوله : ( نعم لو نجز الوكالة وشرط تأخير التصرف الى وقت‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢١٣ حديث ٥٠٢.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٦٥.

١٨٠