جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

فإن نض الأول جاز ضم الثاني اليه ، وإن لم يأذن في الضم فالأقرب أنه‌ ليس له ضمه.

______________________________________________________

تعليل عدم الجواز في الفرض الثاني ـ أعني : ( قوله لاستقرار حكم الأول ) ، أي : لثبوت حكم كونه قراضا مستقلا على وجه الاستقرار بالتصرف الذي هو مقتضاه ـ هو وجه الفرق بين الفرضين.

وليس بتام ، لانتقاضه بما ذكره بقوله : ( فإن نضّ الأول جاز ضم الثاني إليه ) ، لأن مقتضى التعليل أن لا يجوز هنا نظرا الى استقرار الحكم الأول بالتصرف ، وكذا صنع في التذكرة (١). وتحقيق المبحث أن هنا أمرين :

أحدهما : جواز الضم مع الاذن قبل التصرف ، ووجهه أن كلاّ من العقدين وإن اقتضى اختصاصه بحكمه كالبيعين ، إلاّ أن القراض لكونه جائزا يقبل رفع بعض الخصوصيات ، لأن ذلك منوط بالتراضي ، فإذا تراضيا على العقدين من حيث أنهما عقدان ، ثم تراضيا على رفع تلك الخصوصية كان لهما ذلك ، لأن لهما رفع العقد كله فالخصوصية أولى.

الثاني : الفرق بين ما إذا كان الاذن في الضم قبل التصرف أو بعده ، وتحقيقه أن شرط رفع الخصوصية للعقدين كون المال بحيث يصلح لإنشاء عقد القراض عليه ، فإذا كان عروضا كان مانع الصحة موجودا ، فلا يعتد بالاذن الصادر حينئذ في تصيير العقدين عقدا واحدا ، لوجود المانع ، ومن ثم لو نضّ فأذن جاز. وهل يعتد بالاذن السابق على الانضاض؟ يلوح من العبارة الاعتداد به وهو مشكل ، كما لو عقد قبل صيرورة المال نقدا فإنه لا بد من إعادة العقد بعد ذلك. وفي التذكرة قال : ولو كان المال الأول قد نضّ ، وقال له المالك : ضم الثانية إليه جاز وكان قراضا واحدا (٢) ، ولم يتعرض الى ما سوى ذلك نفيا ولا إثباتا.

قوله : ( وإن لم يأذن في الضم فالأقرب أنه‌ ليس له ضمه ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٤٩.

١٤١

ولو خسر العامل فدفع الباقي ناضا ثم أعاده المالك اليه بعقد مستأنف لم يجبر ربح الثاني خسران الأول ، لاختلاف العقدين.

وهل يقوم الحساب مقام القبض؟ الأقرب أنه ليس كذلك.

______________________________________________________

وجه القرب أن ذلك تصرف غير مأذون فيه ، لأن كلاّ من المالين تعلّق به عقد بخصوصه ، فاقتضيا أن يكون كل منهما قراضا مستقلا ، وربما تعلّق غرض المالك بعدم خلط أحد المالين بالآخر فلا يجوز الخلط.

ويحتمل ضعيفا الجواز ، لاتحاد المالك ، وجوّزه بعض العامة مع عدم التصرف في الأول (١) ، وليس بشي‌ء ، بل الأصح المنع فيضمن بالخلط.

واعلم أنه ليس المراد بالضم هنا اشتراكهما في الحكم ، بحيث يجبر ربح أحدهما خسران الآخر ، لأن المالك لو فسخ المضاربة في ذي الربح لم يكن للعامل جبر خسران الآخر بربحه ليستحق الحصة من الربح المتجدد خصوصا مع اختلاف الحصة فيهما. ولا للمالك ذلك ، لأن فيه حرمان العامل من هذا الربح قطعا فلا يكون المقصود من جواز الضم وعدمه إلاّ الضمان وعدمه خاصة.

قوله : ( ولو خسر العامل فدفع الباقي ناضا ، ثم أعاده المالك اليه بعقد مستأنف لم يجبر ربح الثاني خسران الأول ، لاختلاف العقدين ).

لأن الثاني وقع بعد فسخ الأول ، لأن الفرض إن دفعه إياه ناضا كان على قصد فسخ القراض ، وهذا القدر كاف في الفسخ ، فإذا عقد ثانيا استؤنف الحكم.

قوله : ( وهل يقوم الحساب مقام القبض؟ الأقرب انه ليس كذلك ).

وجه القرب : استصحاب حكم العقد إلى أن يحصل الرافع له ، والحساب لا دلالة له على رفعه بشي‌ء من الدلالات. ويحتمل ضعيفا مساواته القبض في ذلك ، لإفادة تعيين حق كل من العامل والمالك.

__________________

(١) قاله إسحاق ، انظر : المغني لابن قدامة ٥ : ١٧٥ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ١٦٨.

١٤٢

وليس للعامل بعد ظهور الربح أخذ شي‌ء منه بغير إذن المالك ، فإن نض قدر الربح واقتسماه وبقي رأس المال فخسر رد العامل أقل الأمرين‌

______________________________________________________

والتحقيق : أن الحساب بمجرده لا يفيد الفسخ ما لم ينضم اليه ما يقتضيه ، إلاّ ان هذا لا يكاد يفرق فيه بينه وبين غيره ، فإن القسمة لا تقتضي الفسخ بمجردها من دون إرادة ذلك ، لما سيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى أن قسمة الربح لا تخرجه عن كونه وقاية.

ولا يعقل من القسمة هنا إلاّ تمييز الربح عن رأس المال ، وكذلك استرجاع المال. قال المصنف في التذكرة عطفا على ما به يحصل الفسخ ـ : وباسترجاع المال من العامل لقصد رفع القراض (١).

هذا كلامه ، وهو صريح ، ذلك ولأن من المعلوم أن العامل لو جعل المال في يد المالك لم يقبض على الفسخ ، لإمكان كونه لغرض الحفظ الى أن يقضي عرضا ونحوه ، فحينئذ لا محصل لقول المصنف : ( الأقرب أنه ليس كذلك ) ، لأنه إن أراد به مع الضميمة فباطل ، أو بدونها فلا يتطرق إليه الاحتمال ، لأن الاسترجاع والقسمة إذا لم يقتضيا الفسخ بمجردهما فالحساب أولى.

قوله : ( وليس للعامل بعد ظهور الربح أخذ شي‌ء منه بغير اذن المالك ).

لأن الربح وقاية لرأس المال عن الخسران ما دامت المعاملة باقية ففيه حق للمالك ، وربما حدث الخسران بعد أخذ العامل فاحتيج الى التقاص.

وينبغي أن يكون الحكم في المالك أيضا كذلك ، لأن للعامل حقا في الربح ولا يتميز إلاّ بالقسمة ، ولتعلق حقه برأس المال ما دام حكم العقد باقيا والربح وقاية له.

قوله : ( فإن نضّ قدر الربح واقتسماه ، وبقي رأس المال فخسر رد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٧.

١٤٣

واحتسب المالك ،

______________________________________________________

العامل أقل الأمرين واحتسب المالك ).

لا ريب أن الربح لا يستقر ملك أحدهما عليه ما دامت المعاملة باقية ولو نضّ قدره أو مجموع المال فاقتسما الربح مع بقاء المعاملة.

وإنما لم يذكر المصنف الفرض الثاني ، لاحتياجه إلى هذا القيد ، بخلاف الأول ، لأن الأقرب عنده بقاء حكم المعاملة لوجوب الانضاض على العامل كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وحينئذ فلا عبرة بالقسمة المذكورة.

فلو خسر رأس المال جبر خسرانه من الربح المأخوذ ، فيرد العامل أقل الأمرين من المأخوذ والخسران ، لأنه إنما يجبر الخسران بما أخذه فقط ، واحتسب المالك بأقل الأمرين أيضا ، بمعنى انه يحتسب رجوع ذلك الأقل إليه من رأس المال ، فيكون رأس المال ما أخذه العامل وما بقي.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن هذا هو تحقيق المقام ، وهو الظاهر من عبارة المصنف في التذكرة حيث قال في هذه المسألة : لو حصل خسران بعده كان على العامل جبره بما أخذ (١) ، فإن المتبادر من قوله بما أخذ : مجموعه.

وفي بعض حواشي شيخنا الشهيد أنّ المردود هو ما أخذه العامل من رأس المال لا من الربح المستقر ، كما إذا أخذ عشرين من مائة وعشرين قدر الربح هو المأخوذ ، فإن المأخوذ في تقدير سدس المال والربح معها ، فيستقر ملك العامل على نصف حصتها من الربح ويرد الباقي ، ويحتسب المالك بمثل ذلك.

قال : ولا يجوز أن يجعل المردود من العامل على تقدير خسران عشرين عشرة كما يفهمه كثير ، لأنه يناقض ما سلف. وما قرره ليس بجيد ، لأن المأخوذ للمالك والعامل إنما أراد به الربح ، وحيث كان المال منحصرا فيهما كان التمييز والقسمة منوطا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

١٤٤

وإن امتنع أحدهما من القسمة لم يجبر الآخر عليها.

______________________________________________________

برضاهما. ولأنه لولا ذلك لم يجز للعامل التصرف فيما أخذه بوجه ، لاشتماله على بعض المال على رأيه ولم يأذن المالك في التصرف فيه إنما أذن في التصرف في الحصة من الربح.

وهو معلوم البطلان ، لأن الإذن إذا وقع على تقدير منوط بتراضيهما لم يكن لعدم تأثيره وجه ، وما ذكره من مناقضة هذا لما سبق غير واضح ، لأن المأخوذ فيما سبق لم يكن على وجه القسمة ، وإنما أخذه المالك خاصة فكان سابقا لا محالة بخلاف ما هنا.

قيل : إن العبارة لا تدل على أن المأخوذ هو الربح ، لأن الذي فيها هو إنما نضّ قدر الربح ، وليس فيها للربح ذكر.

قلنا : لا ريب أن القسمة تميز الحقوق ، ولا حق للعامل في غير الربح ، ولأن المأخوذ لو كان من المجموع لم تكن هناك قسمة أصلا ، لاشتمال ما أخذه كل منهما على الربح ورأس المال.

قال في التذكرة : ـ لو باع المالك ما اشتراه العامل ، فإن قصد بذلك إعانة العامل لم يرتفع ، وإن قصد رفع حكم العامل فيه ارتفع (١).

قوله : ( وإن امتنع أحدهما من القسمة لم يجبر الآخر عليها ).

في بعض النسخ : ( لم يجبر عليها ) وكلاهما صحيح ، والمعنى : انه إذا أراد أحدهما قسمة الربح مع بقاء المعاملة فامتنع الآخر لم يجبر الممتنع ، أما إذا كان المريد للقسمة العامل فظاهر ، لأن الربح وقاية لرأس المال ، فلو اقتسما لأضر بالمالك لاحتمال تجدد الخسران ، فله أن يقول : لا ادفع إليك شيئا من الربح حتى تسلم لي رأس المال.

وإما إذا كان المريد للقسمة المالك فلأن العامل لا يأمن من أن يطرأ الخسران ، وقد أخرج ما وصل اليه ، فيحتاج الى غرم ما حصل له بالقسمة ، وذلك ضرر ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٧.

١٤٥

ولا يصح أن يشتري المالك من العامل شيئا من مال القراض ، ولا أن يأخذ منه بالشفعة ولا من عنده القن ، ويجوز من المكاتب والشريك ، فيصح في نصيب شريكه.

______________________________________________________

بل توجه المطالبة إليه بمجردها ضرر.

قوله : ( ولا يصح أن يشتري المالك من العامل شيئا من مال القراض ).

لأنه ماله فلا يعقل شراؤه ، ولو ظهر ربح لم يبعد شراء حق العامل وإن كان متزلزلا ، فإن المانع إنما هو حق المالك ، فلو تجدد خسران أمكن القول بالبطلان ، ولم أجد تصريحا بذلك فينبغي التوقف.

قوله : ( ولا أن يأخذ منه بالشفعة ).

وذلك حيث يكون شريكا بالشقص المشترى للقراض ، لأنه ملكه فكيف يأخذ من نفسه؟ ولو ظهر ربح حال الشراء ، فقد سبق أن أثر الشفعة يظهر في منع العامل من الحصة من العين.

قوله : ( ولا من عبده القن ، ويجوز من المكاتب والشريك فيصح في نصيب شريكه ).

أي : ولا يصح أن يشتري الإنسان من عبده القن ، سواء كان مأذونا له في التجارة أم لا ، وسواء كان عليه دين أم لا. وحكى الشيخ في المبسوط قولا : انه إذا ركبت العبد الديون جاز للسيد الشراء منه (١) ، وحكاه في التذكرة (٢) عن بعض الشافعية (٣) ، لأنه لا حق للسيد فيه وإنما هو حق للغرماء.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٩٦.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٣٧.

(٣) المغني لابن قدامة ٥ : ١٧٢ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني ٥ : ١٦١.

١٤٦

وللعامل أن يشتري من مال المضاربة ، وإن ظهر ربح بطل البيع في نصيبه منه.

______________________________________________________

وفساده ظاهر ، فإن استحقاق الغرماء إياه لا يقتضي خروجه عن ملك السيد ، فيأخذه السيد بقيمته ، كما يدفع قيمة العبد الجاني ، ولا يعد بيعا ، بخلاف المكاتب فإن سلطنة السيد قد انقطعت عنه ، وحكم بأن ما في يده له. ولهذا لو انعتق لم يكن للسيد مما في يده شي‌ء ، فيجوز الشراء منه والأخذ بالشفعة.

ولا يخفى أن حكم العبد والمكاتب ليس من أحكام القراض في شي‌ء ، وإنما وقع استطرادا. وكما يجوز الشراء من المكاتب يجوز من العامل الشريك ، لكن في نصيبه لا في نصيب المالك ، لما عرفت من امتناع شراء الإنسان مال نفسه.

وكذا يأخذ من العامل بالشفعة لو اشترى لنفسه شقصا بشركة المالك ولو كان الذي للمالك من مال القراض ، ولا تتناول العبارة هذا الفرض إلاّ بتكلف بعيد.

واعلم أن الضمير في قوله : ( شريكه ) يعود الى المالك ، والمراد في نصيب الشريك المذكور. وإنما لم يقل : في نصيبه ، خوفا من توهم عود هذا الضمير إلى المالك ، لأنه المسوق له الكلام ، وهو غلط.

قوله : ( وللعامل أن يشتري من مال المضاربة ، وإن ظهر ربح بطل البيع في نصيبه منه ).

المراد : انه إذا كان الربح ظاهرا في وقت الشراء بناء على انه يملك بالظهور ، لامتناع شراء ملك نفسه وإن كان متزلزلا.

أما إذا لم يكن ثم ربح فإن المال لغيره فيجوز شراؤه قطعا ، وما يتجدد من الربح فهو له. ولا يخفى ان شراءه من المالك أو من نفسه بالإذن جائز ، وبدونه ينبغي ان يجعل في ذلك كالوكيل وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.

* * *

١٤٧

الفصل الثالث : في التفاسخ والتنازع :

القراض عقد جائز من الطرفين لكل منهما فسخه ، سواء نض المال أو كان به عروض ، وينفسخ بموت أحدهما وجنونه.

وإذا فسخ القراض والمال ناض لا ربح فيه أخذه المالك ولا شي‌ء للعامل ،

______________________________________________________

قوله : ( وتنفسخ بموت أحدهما وجنونه ).

وكذا إغماؤه ، والحجر عليه للسفه ، أو على المالك خاصة للفلس ، لأن الحجر على العامل. للفلس لا يخرجه عن أهلية التصرف في مال غيره بالنيابة وإنما حكم بالانفساخ في هذه المواضع ، لأن القراض عقد جائز من الطرفين يتضمن معنى التوكيل ، فيبطل بخروج المالك عن أهلية الاستنابة ، والعامل عن أهلية النيابة.

قوله : ( وإذا فسخ القراض والمال ناض ولا ربح فيه أخذه المالك ولا شي‌ء للعامل ).

بطلان القراض قد يكون بفسخ المالك ، أو العامل ، أو بفسخهما ، أو بعروض ما يقتضي الانفساخ. وعلى كل واحد من هذه التقديرات أما أن يكون المال ناضا ولا ربح فيه ، أو فيه ربح ، أو عروضا فيه ربح ولو بالقوة ، لوجود من يشتري بزيادة أو عن القيمة ، أو لا. فهذه أقسام المسألة ، وستأتي أحكامها إن شاء الله تعالى.

فإن كان المال ناضا ولا ربح فيه أخذه المالك ولا شي‌ء للعامل ، لأن حقه إنما هو الحصة من الربح على تقدير حصوله. لكن هذا إنّما هو إذا لم يكن الفسخ من المالك ، لأنّه حينئذ لا تفويت من المالك لعوض عمل العامل ، ولم يلتزم له بغير إعطاء‌

١٤٨

وإن كان فيه ربح قسم على الشرط ، وإن انفسخ وبالمال عروض : فإن ظهر فيه ربح وطلب العامل بيعه ، أو وجد زبونا يحصل له ربح ببيعه عليه أجبر المالك على إجابته على اشكال ،

______________________________________________________

الحصة من الربح ، وقد فاتت لا من قبله فلا شي‌ء له. أمّا إذا كان الفسخ من المالك فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وإن كان فيه ربح قسّم على الشرط ).

لوجوب الوفاء بالعقد.

قوله : ( وإن انفسخ وبالمال عروض ، فإن ظهر فيه ربح وطلب العامل بيعه ، أو وجد زبونا يحصل له ربح ببيعه عليه أجبر المالك على اجابته على اشكال ).

أي : إذا انفسخ بنفسه لطروء جنون ونحوه ، أو فسخه أحدهما وبالمال عروض ، سواء كان كله أو بعضه ، فإن ظهر فيه ربح وطلب العامل بيعه ففي وجوب الإجابة على المالك اشكال ، ولو لم يكن فيه ربح لكن وجد العامل زبونا يحصل له ربح ببيعه عليه ففي وجوب الإجابة إشكال أيضا.

ومنشأ الأشكال الأول : من أن وصول العامل الى حقه متصور من دون البيع ، بأن يقتسما العروض فلا يكلف المالك الإجابة بالبيع بعد الفسخ ، ولأنّ العامل لا يزيد على حال الشريك ، ومعلوم أنه لا يكلّف البيع لأجله ، ومن وجوب تمكين العامل من الوصول الى عوض عمله الواقع بالإذن.

وربّما لم يوجد راغب في شراء بعض العروض ، أو لم يبع إلاّ بنقصان ، أو رجا وجود زبون يشتري بأزيد من القيمة. ولا ريب أن للعامل مزية على الشريك ، لأنه يستحق التمكين من الوصول الى عوض عمله.

هذا على القول بأنه يملك بالظهور ، ولو قلنا بأنه إنما يملك بالإنضاض‌

١٤٩

وإن لم يظهر ربح ولا زبون لم‌ يجبر المالك.

______________________________________________________

فمنشأ الإشكال : من أنه لا حق له الآن في العين ، فلا يستحق التسلط على بيعها ومن أنه قد ملك ان يملك ، لأن الفرض ظهور الربح فله المطالبة بما يتوقف عليه حق المالك لصدور عمله بالاذن.

ومنشأ الإشكال الثاني : من صدور عمله بالإذن في مقابل عوض ، وقد أمكن الوصول الى العوض بالبيع فيجب التمكين منه. ولأن ذلك يعد ربحا ، لأن الربح هو الزيادة الحاصلة بالتصرف ، وقد يكون حصولها بسبب خصوص العين ، لوجود راغب فيها بزيادة عن قيمتها ، فيجب أن يستحق فيها الحصة لوجودها بالقوة القريبة وإن تمكن من البيع الذي يتوقف حصولها بالفعل عليه.

ومن أن هذه الزيادة لا تعد ربحا ، وإنما هو رزق يساق الى مالك العروض ، ولو عدّ ربحا لم يستحقه ، لأنه إنما يستحق الربح الى حين الفسخ ، لا ما يتجدد بعده ، وفيه نظر ، لأن الربح مطلق الزيادة ، وهذا الربح موجود بالقوة القريبة فلا يكون كغيره.

والذي ينساق إليه النظر وجوب التمكين من البيع ، مع توقف حصول الفائدة للعامل عليه أما لحصول الزيادة بسببه ، أو لأنه لا يوجد راغب في شراء حصة العامل منه على تقدير ظهور الربح ، كما لو كان العروض سيفا ونحوه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن موضع الإشكال ما إذا طلب العامل البيع في الحال ، أما إذا طلب تأخيره إلى موسم رواج المتاع فليس له ذلك قطعا ، للضرر الحاصل على المالك.

واعلم أنّ الزّبون ـ بفتح أوله ـ هو الراغب في الشراء ، وكأنّه مولد وليس من كلام العرب.

قوله : ( وإن لم يظهر ربح ولا زبون لم‌ يجبر المالك ).

١٥٠

ولو طلب المالك بيعه : فان لم يكن ربح ، أو كان وأسقط العامل حقه منه فالأقرب إجباره على البيع ليرد المال كما أخذه ، وكذا يجبر مع الربح.

______________________________________________________

لأنّه لا حق للعامل حينئذ أصلا.

قوله : ( ولو طلب المالك بيعه ، فإن لم يكن ربح ، أو كان وأسقط العامل حقه منه فالأقرب إجباره على البيع ليرد المال كما أخذه ).

البحث هنا في مسألتين :

الأولى : إذا لم يكن ربح ، ووجه القرب فيه ما نبّه عليه المصنف ، وهو وجوب رد المال كما أخذه ، لظاهر قوله عليه‌السلام : ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) ) (١) ، ولأنه هو الذي أحدث التغيير في رأس المال فيجب رده الى ما كان.

وفيه نظر ، لأنّ الحديث إن دل فإنّما يدل على رد المأخوذ ، أما رده على ما كان عليه فلا دلالة له عليه. والتغيير إنما حدث بإذن المالك وأمره ، والأصل براءة الذمة من وجوب العمل بعد ارتفاع العقد. وقد يقال : العقد اقتضى الاذن في التقليب في التجارة بالشراء والبيع ليحصل الربح ، فإذا اشترى كان عليه أن يبيع ، لأن الاذن إنما وقع على هذا الوجه ، وهو محل تأمل.

الثانية : أن يكون ربح ويسقط العامل حقه منه ، فإن الأقرب عند المصنف إجباره على البيع أيضا ، ووجه القرب يستفاد مما سبق ، ويرد عليه ما ورد هناك ، لكن بقي شي‌ء وهو : أن مقتضى العبارة سقوط حق العامل من الربح بالإسقاط ، وهو واضح على القول بأنه إنما يملك بالإنضاض أو القسمة ، لأنه حينئذ لم يملك وإنما ملك أن يملك وكان له الاسقاط كالشفيع والغانم.

__________________

(١) سنن ابن ماجد ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مسند احمد ٥ : ٨ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤.

١٥١

______________________________________________________

وأما على القول بأنّه يملك بالظهور فغير واضح ، لأنّ الملك الحقيقي لا يزول بالإعراض ولا يسقط بالإسقاط ، بل إنما يزول بالسبب الناقل. ولا فرق في ذلك بين كون الملك مستقرا أو متزلزلا ، وهو الذي يستفاد من كلام المصنف في التذكرة (١).

وقد زعم الشارح الفاضل أنّه بناء على القول بالملك بالظهور يحتمل السقوط بالإعراض (٢) ، وليس بشي‌ء. وإنما أوقعه في هذا الوهم ما يتبادر من العبارة.

ويمكن تنزيلها على ما لا منافاة بينه وبين مختار المصنف سابقا من ملك العامل الحصة بالظهور بالحمل على إرادة المسقط الشرعي في الجملة ، فعلى القول بالملك بالظهور يراد بالمسقط البيع والتمليك ونحوهما ، وعلى غيره يكفي الاعراض ، فلا منافاة في العبارة أصلا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المصنف قد جزم بوجوب البيع على العامل مع الربح إذا طلبه المالك وإجباره عليه حيث قال : ( وكذا يجبر مع الربح ) ، وبه صرح في التذكرة (٣) ، وفي الفرق بينه وبين عدم الربح صعوبة.

ويمكن أن يقال : الفرق انه إنما استحق الربح في مقابل العمل المأذون فيه وهو الشراء والبيع فيجب عليه القيام به ، ولأن في الانضاض مشقة ومؤنة ، فلا يناسبه أخذ العامل الحصة وجعل تلك المشقة على المالك ، والمسألة موضع تأمل فيتوقف الى أن يظهر الوجه ، وأطلق صاحب الشرائع القول بعدم وجوب الانضاض لو طلبه المالك (٤) ، وكذا المصنف في التحرير (٥).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٢٧.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٤٦.

(٤) الشرائع ٢ : ١٤٣.

(٥) التحرير ١ : ٢٧٨.

١٥٢

ولو نض قدر رأس المال فرده العامل لم يجبر على انضاض الباقي ، وكان مشتركا بينهما. ولو رد ذهبا ورأس المال فضة وجب الرد الى الجنس.

وإذا فسخ المالك القراض ففي استحقاق العامل اجرة المثل الى ذلك الوقت نظر ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو نضّ قدر رأس المال فرده العامل لم يجبر على انضاض الباقي وكان مشتركا بينهما ).

وذلك لأنّ المأخوذ هو رأس المال ، فهو الذي يجب ردّه كما أخذه دون الباقي فيقسمانه عروضا.

قوله : ( ولو ردّ ذهبا ورأس المال فضة وجب الرد الى الجنس ).

إذا طلب المالك بناء على وجوب البيع على العامل لو طلبه المالك ، ومثله ما لو كان الحاصل دراهم مكسرة ورأس المال صحاحا ، أو كان الحاصل نقدا مخالفا لنقد رأس المال ، والكلام هنا كالكلام فيما سبق.

قوله : ( وإذا فسخ المالك القراض ففي استحقاق العامل اجرة المثل الى ذلك الوقت نظر ).

ينشأ : من أنّه عمل محترم صدر بإذن المالك لا على وجه التبرع ، بل في مقابل الحصة ، وقد تعذر الوصول إليها بفسخ المالك قبل ظهور الربح ، فيستحق اجرة المثل الى حين الفسخ ، لعدم العلم بالمقدر.

ومن أنّه رضي بالعمل في مقابل الحصة على تقدير وجودها ، ولو لم توجد فلا شي‌ء له. والمالك مسلّط على الفسخ في كل زمان فلا يستحق شيئا.

ويضعف بأن المالك أذن له في العمل في مقابل الحصة من الربح على تقدير حصوله ، وذلك يقتضي عدم العزل قبله. فإذا خالف فعزل قبله فقد فوّت عليه الحصة ، فتجب عليه اجرة مثل عمله ، كما سبق في المجعول له إذا عزل بعد الشروع في العمل.

١٥٣

وإذا انفسخ والمال دين وجب على العامل تقاضيه وإن لم يظهر ربح.

______________________________________________________

وينبغي أن يكون محل هذا ما إذا وقع العزل بعد الشروع في العمل قبل الشراء ، أو بعده وقبل ظهور الربح. فلو اشترى وباع ونضّ المال ولم يربح شيئا ، فإن إيجاب شي‌ء الآن بعيد إذا لم يفوّت المالك بالعزل شيئا حينئذ.

وهل يفرّق ما إذا كانت المضاربة مؤجلة بأجل فعزله قبل الأجل حتى تجب اجرة المثل هنا حيث لا ربح على كل تقدير ، أم لا؟ يحتمل الفرق ، لأنّه ربما كان الربح مطموعا فيه في آخر المدة ، فإذا عزله المالك قبل الأجل فقد فوّت عليه ما عمل لرجاء حصوله فائدة؟ وهل يتوقف عزل المالك العامل على علمه بالعزل أم لا؟ لم أجد الآن فيه تصريحا ، وينبغي أن يكون الكلام فيه كالكلام في الوكيل.

قوله : ( وإذا انفسخ والمال دين وجب على العامل تقاضيه وإن لم يظهر ربح ).

ذكر ذلك الشيخ (١) والجماعة (٢) ، وظاهرهم عدم تطرق الاحتمال اليه. ووجّهه في التذكرة بأن المضاربة تقتضي رد رأس المال على صفته ، والدين لا يجري مجرى المال فوجب عليه أن ينضه إذا أمكنه ، كما لو كانت عروضا فإنه يجب عليه بيعها (٣).

والأصل فيه أن الدين ملك ناقص ، والذي أخذه كان ملكا تاما فليرده كما أخذ ، ويرد عليه منع كون مقتضى المضاربة ما ذكره ، وأن الفرض أن الإدانة بإذن المالك ، والأصل براءة الذمة من وجوب التقاضي.

وفي الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد انه يحتمل العدم. والحق أن وجوب‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٧٩.

(٢) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣١٥ ، وابن حمزة في الوسيلة ٢٦٤.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٤٦.

١٥٤

ولو مات المالك فلورثته مطالبة العامل بالتنضيض ، وتجديد عقد القراض إن كان المال ناضا نقدا ، وإلاّ فلا.

ولو مات العامل فللمالك تقرير وارثه على العقد إن كان المال نقدا ،

______________________________________________________

التقاضي هنا أظهر من وجوب البيع فيما سبق ، إذ لا يصدق الأداء من دونه ، و « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١).

فإن قيل : كيف يجب الأداء مع الإذن في الإدانة؟

قلنا : لا ريب أن المالك لم يرض في الإدانة إلاّ على تقدير الاستيفاء ، فيكون لازما بمقتضى ذلك وبمقتضى الخبر ، وبه يظهر قوة وجوب البيع لو طلبه المالك حيث يكون المال عروضا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ البيع نسيئة قد سبق عدم جوازه بدون الإذن ، فلا يتصور كون المال دينا إلاّ بإذن المالك.

قوله : ( ولو مات المالك فلورثته مطالبة العامل بالتنضيض ).

الحكم هنا كالحكم فيما إذا حصل الفسخ في حال الحياة ، ويجب على الوارث إجابة العامل الى البيع حيث يجب على المالك ذلك ، وبه صرّح المصنف في التذكرة وإن كان آخر كلامه يشعر بتردد.

قوله : ( وتجديد عقد القراض إن كان المال ناضا ، وإلاّ فلا ).

لأنّ إنشاء عقد القراض إنّما يصحّ إذا كان المال دراهم أو دنانير كما سبق.

وأعلم أنّه يوجد في كثير من النسخ : ( إن كان المال ناضا نقدا ) ، واحترز بالناض عن الدين وبالنقد عن العروض. وإنّما لم يكتف بالنقد ، لأن الدين قد يصدق عليه النقد لأنّه ليس بعروض.

قوله : ( ولو مات العامل فللمالك تقرير وارثه على العقد إن كان‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مسند احمد بن حنبل ٥ : ٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤.

١٥٥

وإلاّ فلا ، وهل ينعقد القراض هنا بلفظ التقرير؟ إشكال.

وإذا مات المالك قدمت حصة العامل على غرمائه.

______________________________________________________

المال نقدا ، وإلاّ فلا ).

المراد من تقريره : إنشاؤه ، وأطلق عليه اسم التقرير توسعا ، فإن العقد الأول قد بطل بموت العامل ، لأنّه ينفسخ بموت كل من العامل والمالك ، ومن ثم اشترط أن يكون المال ناضا ، وكذا غيره من شروط إنشاء القراض.

قوله : ( وهل ينعقد القراض هنا بلفظ التقرير؟ إشكال ).

المراد : إيقاع العقد بلفظ التقرير على قصد الإنشاء ، وصورته أن يقول : تركتك ، أو أقررتك على ما كنت عليه ، ونحو ذلك.

ومنشأ الاشكال : من أنّ التقرير معناه : استدامة العقد السابق ، وهذا المعنى منتف هنا لبطلان السابق بالموت ، واستعماله في إنشاء عقد خروج عن موضوعه ، والعقود لا تنعقد بالكنايات.

ومن أنّ القراض ينعقد بكل لفظ يدل على المعنى المراد كما تقدم ، لأنّه من العقود الجائزة ، ويتسامح في الجائزة بما لا يتسامح به في اللازمة ، وفيه قوة.

فإن قيل : استحقاق العامل الحصة من الربح موقوف على الصيغة الشرعية.

قلنا : لمّا أطبقوا على أنّ العقود الجائزة لا يتعين لها لفظ كان ذلك صيغة شرعية ، ولولا ذلك لم تنعقد الوكالة مثلا بكل لفظ دل على الاستنابة في التصرف ، مع أنّها تنجر الى لزوم التصرف كبيع الوكيل ونحوه.

قوله : ( وإذا مات المالك قدمت حصة العامل على غرمائه ).

الظاهر أنّه لا خلاف في هذا الحكم ، ووجهه بيّن على القول بأنّه يملك الحصة بالظهور ، وأمّا على الأقوال الأخر فلأنّه قد ملك أن يملك فتعلق حقه بالعين كحق الجناية والرهن.

١٥٦

ولو مات العامل ولم يعرف بقاء مال المضاربة بعينه صار ثابتا في ذمته ، وصاحبه أسوة الغرماء على إشكال ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو مات العامل ولم يعرف بقاء مال المضاربة بعينه صار ثابتا في ذمته ، وصاحبه أسوة للغرماء على إشكال ).

يحتمل أن يكون الإشكال في أصل الضمان ، وهو الذي فهمه الشارحان (١) ، ومنشؤه حينئذ من أنّ الأصل بقاء المال الى أن يعلم تلفه بغير تفريط ، والفرض أنّه لم يعلم ، ولعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٢).

لكن إن تم هذا الوجه وجب أن يقدّم صاحب مال المضاربة على الغرماء ، لأنّه ليس بدين يكون محله الذمة ، وإنّما الذي يقتضيه سوق هذا الدليل بعد تمامه أن يكون في جملة ماله ولم يعلم عينه ، فيكون مالكه كالشريك.

ومن أنّه أمانة ، والأصل عدم التفريط فلا يكون مضمونا ، والأصل براءة الذمة أيضا ، ولم يوجد بعينه ولم يعلم كونه في جملة التركة ، والأصل عدمه. وأصالة بقائه لا تقتضي كونه من جملتها ، فلا يستحق صاحبه شيئا من التركة.

ويحتمل أن يكون الإشكال في كون صاحبه أسوة الغرماء ، أو يقدّم بقدر المال ، وهو المتبادر الى الفهم من عبارة الكتاب ، ومنشؤه من أصالة بقائه ، فإذا لم يعلم عينه كان صاحبه كالشريك.

ومن أنّ العامل يصير ضامنا بترك الوصية ، فإذا لم توجد العين كان ذلك بمنزلة التلف ، إذ لا أقل من أن يكون الضمان للحيلولة فيصير صاحبه من جملة الغرماء.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٢٩.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مسند احمد ٥ : ٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤.

١٥٧

______________________________________________________

وقد روى السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، عن الباقر عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام : أنّه كان يقول : « من يموت وعنده مال مضاربة قال : إن سمّاه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلان فهو له ، وإن مات ولم يذكره فهو أسوة الغرماء » (١).

والتحقيق : أنّه إن علم بقاء المال في جملة التركة ، ولم يعلم عينه بخصوصها فصاحبه كالشريك كما سيأتي في كلام المصنف. وإن علم تلفه بتفريط ، أو نقله الى مكان آخر بغير إذن المالك حيث يتوقف على الإذن ، أو علم بقاءه الى زمان الموت ولم يعلم الحال بعد ذلك ، وقصر العامل بترك الوصية فصاحبه أسوة الغرماء ، لثبوت العوض حينئذ في ذمة العامل ، وعليه تنزّل الرواية.

وإن لم يعلم كون المال من جملة التركة ، ولا وجد بسبب يقتضي الضمان فلا شي‌ء للمالك ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، واستحقاقه لشي‌ء من التركة موقوف على وجود سببه ، ومجرد حصول المضاربة في الجملة لا يصلح للسببية ، لأنّ ذلك أمّا باعتبار ثبوته في الذمة ـ وهو فرع التقصير والأصل عدمه ـ أو كونه من جملة أعيان التركة والأصل عدمه أيضا.

وهنا أمران :

الأول : يكفي في العلم ببقاء مال المضاربة اعتراف العامل به وشهادة عدلين ، ولا يبعد الاستناد في ذلك الى وجود القرائن القوية ، لأنّها المرجع في الحقيقة بالنسبة إلى الأمرين الأولين ، لأنّ اعتراف العامل قبل الموت لا ينفي احتمال تجدد التلف ، وشهادة العدلين المستندة إلى العلم المتقدم لا يندفع بها الاحتمال البعيد.

الثاني : إذا علم كون المضاربة في جملة الأموال التي بيده وتجدد البيع والشراء‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٤ حديث ٦٣٦ ، التهذيب ٧ : ١٩٢ حديث ٨٥١.

١٥٨

وإن عرف قدم وإن جهلت عينه.

وإذا تلف المال قبل الشراء انفسخت المضاربة ، فإن اشترى بعد ذلك للمضاربة فالثمن عليه وهو لازم له ، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهله.

______________________________________________________

بالجميع ، ثم طرأ الموت ولم يعلم كيفية الحال لكن وجد ما اشتراه ، ففي الحكم هنا تردد ينشأ : من وجود المقتضي للاستحقاق ، لأنّ مال المضاربة قد كان من جملة هذه الأموال والأصل بقاء ذلك.

ومن إمكان عروض التلف لمال المضاربة بغير تفريط. ويضعّف هذا بأن الإمكان المذكور منفي بأصالة البقاء ، وأصالة بقاء الاستحقاق في جملة تلك الأموال الى أن يعلم المسقط. ولأنّ يد العامل على تلك الأموال لم تكن يد ملك لمجموعها ، والأصل بقاء ذلك.

ولو وجد شي‌ء من القرائن القوية المفيدة للتلف أو البقاء لم يكن الرجوع إليها بذلك البعيد ، لأنّها لا تقصر عن الظاهر فيتأيد دليل أحد الجانبين بها.

قوله : ( وإن عرف قدّم وإن جهلت عينه ).

لأنّه كالشريك.

قوله : ( وإذا تلف المال قبل الشراء انفسخت المضاربة ، فإن اشترى بعد ذلك للمضاربة فالثمن عليه وهو لازم له ، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهله ).

أي : إذا تلف جميع المال ، ولا ريب أنّ تلفه قبل الشراء موجب لانفساخ المضاربة ، لانتفاء متعلقها وإنّما قيّد بقوله : ( قبل الشراء ) لأن تلفه إذا كان بعد الشراء ، وكان قد أذن له في الشراء بالذمة فاشترى بها للمضاربة غير مقتض للبطلان ، بل يجب على المالك الثمن كما سبق وسيأتي في كلام المصنف عن قريب إن شاء الله تعالى.

١٥٩

ولو أجاز رب المال احتمل صيرورة الثمن عليه ، وبقاء المضاربة ،

______________________________________________________

وفي الصورة الأولى إذا اشترى بعد التلف فالثمن عليه ، سواء علم بتلف مال المضاربة قبل دفع الثمن من ماله أو لم يعلم ، لأنّ انفساخ عقد المضاربة يمنع من وقوع البيع لها ، والجهل بالحال لا يقدح ، لكن ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يصرّح في العقد بالشراء للمضاربة أو للمالك ، فإنّه حينئذ يجب أن يكون الشراء باطلا إذا لم يجزه المالك.

قوله : ( ولو أجاز ربّ المال احتمل صيرورة الثمن عليه ).

أي : لو اشترى العامل للمضاربة بعد تلف المال أمّا باللفظ أو النية وأجاز ربّ المال احتمل صيرورة الثمن على ربّ المال ، لأنّ الشراء للمضاربة شراء لربّ المال ، فإذا صادف انفساخ المضاربة وقف على إجازة المالك.

ويحتمل العدم ، لأنّ عقد المضاربة قد بطل فلا يصحّ الشراء لها ، والإجازة لا تصيّر الفاسد صحيحا.

ولأن الثمن قد ثبت على العامل ، فلا ينتقل الى المالك بمجرد الإجازة.

هذا محصل ما ذكره الشارحان وفيه نظر ، لأنّه لو تم ذلك لوجب أن يبطل الشراء أصلا ورأسا ، لأنّه إنما وقع للمضاربة إذ هو المفروض ، فإن لم يصح لها لم يصح أصلا ، غاية ما في الباب أنّه إذا لم يصرح في العقد بالشراء للمضاربة لم يقبل قوله على البائع في بطلان البيع.

ولا ريب أنّ الحكم بلزوم الثمن له مناف لبطلان البيع ، وقد جزم به المصنف فينتفي البطلان ، ويلزم حينئذ صيرورة الثمن على المالك بالإجازة ، لأنّ الشراء إنّما وقع له لامتناع وقوع الشراء للمضاربة من دون كونه للمالك ، وامتناع المضاربة لا يقدح في صحة الشراء وإلاّ لم يقع للعامل مع عدم إجازة المالك.

فعلى هذا لا يستقيم توقف المصنف في صيرورة الثمن على المالك بإجازة البيع ، وغاية الشراء للمضاربة أن يقع الملك للمالك ويكون شريكا في الربح ، وتخلف‌

١٦٠